يصبغ الشاعر العراقي على قصيدته نفس الصراع الآزلي بين ثنائيات معهودة لكنها مطية وعتبة لاستنكاه روح الحياة الهاربة وتلك القيم الأصيلة التي انتزعتها رياح القبح، من وحي هذه الصورة يلملم الشاعر بعضا من قلق الذات.

غزالة الرقيم

عُـديّ حسن

ياغزالةُ

في رقيمِ الطينِ ظلّي ساكنة

في إطار النقشِ والتمويهِ

ظلّي داكنة

تملأ الأجواءُ أفقَ اليومِ ريح ٌصاخبة

كرنفالات العراةِ الراقصين

غايةَ استعطافِ أرواحِ الشياطينِ العتاةِ الغاضبة

صمتُنا أولى

 وأبهى

في الظروف الراهنة

 

ياغزالة

ترسِلُ القطعانُ أسماءً لها طعمُ الشُواء

من مرايا المأذنة

فهي تسترضي الأسودْ

تستبيح الغابة الخضراءَ تحطيباً لإذكاء الوقودْ

صودرتْ منّا سماحاتُ الجدودْ

أشعلوا التأريخَ كي تُطهى القضايا الساخنة

فاحذريهم واستتبِّي ساكنة

 

ياغزالةُ

هل ترين اليومَ

كم تُسبى زرافاتٍ من الحورُ العذارى

حوَّلوا الجنةَ داراً للنخاسة

سعّروها بالمهور الخائنة

يرهبون الحب

في مَرآى سيوفٍ مشرعة

يملأون الليلَ بالأوغاد غدرا

ووجوهُ الضالعين

في صباحِ الزورِ

تبدو ناصعة

وعكاظُ اليومَ مثلَ المومِسِ الجرباءِ

تبقى بائعة

والمليشياتُ طباعٌ جائعة

في ركامِ الموتِ أو حشدِ الملاعن

يطلقون الموتَ رشاشاً على مَن لا يُهادن

بيدَ أنّ المشطَ فارغْ

ياغزالة

لا تمرّي في وضوحِ اللمحِ في الليل المراوغْ

إن نجماً

قال ومضاً في عروجْ

قد تردّى مثلَ أعوادِ المَصابغْ

لم يعُدْ يُذكرُ في الأسماءِ

والأشعارِ

واللحنِ الحزينْ

صارَ مَحواً

لا أُبالغْ

 

ياغزالة

لا تفِلّي في مروجِ الحُسنِ شَعرا

ودّعي باقاتِ زهرِ الياسمينْ

خبّئي قِداحِ إكليلِ الجبينْ

إزرعي الأعشابَ والأدغالَ سترا

دثّري الفتنةَ عنهم طيَّ أعطافٍ دفينة

لا تذيعي الحبَ عِطرا

إحذري منهم

أنوفاً كالدبابيسِ تشمُ

إن آذاناً لهم

صارت كأجراسِ الأفاعي

إحذريهم

مثل فهدٍ لزَّ بالخطو المُريبِ فوقَ سورْ

دأبُهم

صيدُ الغزالات احتفالاً بالخرابْ

هم يُغالون بتمزيقِ التُرابْ

كيف لو طالوكِ ياأيقونتي

ياَ سرَّ تعبيرِ الحياةْ

عندها يستعرضونَ الهيكلَ الحَرفيَّ

في سوقِ مزاداتِ القبورْ

 

ياغزالة

صارَ بعضُ القولِ كلَ القولِ

إسفافاً وتدليسَ بذاءةْ

كالشرابِ المُرِّ لاتستمرئيهْ

وعلى قيثارةٍ منسيةٍ صومي

لبثِ النشوةِ السَّكرى

بقلبٍ مِن حنينْ

إنَّ ألحانَ الدراويشِ

تؤدِّي شطحةً صوفيةً تُغني التأمُلْ

وانغماسُ الروحِ في طقسٍ من الشلال

 يمتدُ سنينْ

ليتَها الذكرى تفاصيلَ صياغةْ

مثلَ طيفٍ من شبابٍ دارَ مثلَ الإسطوانةْ

كانَ طوراً للبراءةْ

تذكرين؟

يومَ كانَ الليلُ في دفءِ عباءةْ

يومَ كُنَّا نركبُ الأحلامَ أقماراً سراعا

في مَداراتِ البلاغةْ

كانت الألحانُ أصداءً رقِاقا

كم تُجليّها الإعادة

ومتى تُرخى الستارة

لنغني كيف تُحيينا الإثارة

ونظلُ في البداية

فاتنا ضوءُ النهاية

ونعودُ لبسَ أدوارِ اكتشافٍ لايُملُّ

فاحفظي سرَّ الحكاية

ليتنا

نحيى بأزمانٍ لدى المجهولِ

تُعرَفْ

ليتنا

نرجعُ بالأيام للحنِ الطفوليِ

ونعزفْ

ليتنا مِن كلِ هذا

لم نغادرْ

صورةَ الطينِ المُزخرفْ

ليتنا

نُنْسى

ونُحذَفْ.

 

شاعر من العراق