ما زالت الضفة الغربية تتعرض لهجمات منظمة من قبل قطعان المستوطنين وبدعم حكومي يميني في "مرحلة" تعتبر الأخطر مقارنة بالمجريات الزمانية والمكانية التي شهدتها القضية الفلسطينية.
كل ذلك يحدث على مرآى ومسمع الحكومة الاسرائيلية، وكأن تلك الهجمات اصبحت بديلاً للعمليات التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي، حيث اخذت تلك المجموعات المتطرفة تطلق الالقاب على فرقها المنتشرة بين اوصال الضفة الغربية، فمجموعة تدفيع الثمن، وحراس الهيكل، والقبعات الخضراء، وغيرها من التشكيلات المتطرفة تمثل منعطفاً يجب الانتباه اليه جيداً، لانه يقود الى هاوية ستدخل المنطقة في دوامة تحرق الاخضر واليابس.
الفلسطينيون يراقبون تلك الاعمال بحذر، ومن يعتقد ان التحركات الفلسطينية الفردية لن تكون رداً على تلك العمليات المنظمة فهو واهم ويستظل بغيوم الصباح.
الاعمال الفردية -إن استمرت عربدة المستوطنين بإزدياد-، ستكون عنوان المرحلة المقبلة، حينها لن يستطيع احد الامساك بخيط من خيوطها، نظراً لتعقد تشكيلاتها المتناثرة.
ان تعثر عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ناهيك عن التلويح بورقة مشروع قانون اسرائيلي يقضي باغلبية 80 عضو كنيست، كشرط للتنازل عن أي جزء من القدس، سيضع احتمالات ربما لن يتصورها المطبخ السياسي الاسرائيلي نظراً لسياسة "التهميش" التي مارستها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وصولاً الى ديماغوجية نتنياهو المتطرفة.
الاعتداءات الاستيطانية تتشابه من حيث الاطر الفكرية والزمانية والمكانية، لا سيما وان فترة التسعينات تذكرنا بما هو حاصل خلال هذه الايام، حيث شهدت تزايداً في تنفيذ العمليات ضد الفلسطينيين وصولاً الى مخطط يرمي لتقسيم الحرم الابراهيمي الشريف.
على ما يبدو ان المطبخ الاستيطاني يسعى الى اعادة الكرة مرة اخرى، ولكن باتجاه المسجد الاقصى، فهل ستكون على غرار المذبحة التي ارتكبها باروخ جولدشتاين؟
الجواب ربما يصاغ بـ"نعم"، وربما يتم التخطيط له ضمنياً بـ"لا"، فالاحتمالات كثيرة ومتعددة، والقرارات الاسرائيلية ستظل متوافقة مع ما ينتجه مطبخ السياسة والاستيطان.
التوسع الاستيطاني سيفقد "إسرائيل" امتدادها الدولي
ازدياد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة، يظهر مدى الغباء السياسي الذي تراهن عليه الحكومة الإسرائيلية.
الناظر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إسرائيلياً، يدرك جلياً أن إسرائيل تتخبط سياسياً بعيداً عن الاستراتيجية المعهودة لتسلسل الأفكار العبرية ومدى تقوية هالة الجذب تجاه الشعوب الأخرى وخصوصاً الغربية.
نتنياهو من ناحية التقييم السياسي إزاء قراراته المتسرعة وخصوصاً الاستيطان تعتبر هزيلة وضعيفة ومعدومة ضمن الرؤى الدولية، وهذا يستدل عليه من خلال ازدياد الحراك الذي أخذ يؤثر على الشارع الأوروبي، ناهيك عن تعدد مطالب بعض النواب الأوروبيين بإلزام إسرائيل وقف توسعها الاستيطاني وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة ضمن حدود العام 67.
تحرك الشارع الأوروبي لم يكن الوحيد ضمن دائرة الإدانة لإسرائيل، بل امتد إلى الوسط الأميركي على اعتبار أن الأعمال الإسرائيلية أصبحت تتجه نحو تدهور العلاقة الأميركية مع الشعوب التي تناصر القضية الفلسطينية، ومدى تخوفهم من ارتداد موجة الحراك العربي ضد مصالحهم الإقليمية.
هذه المؤشرات "حتماً" ستكون ضد المصالح الإسرائيلية الدولية، وإن كانت مختبئة تحت الرماد ستظهر جلياً فيما بعد، بحكم أن دورة المصالح العالمية تتغير بتغيّر فكر الشعوب، وإن حالة التدهور الدولية (السياسية والاقتصادية) لن تكون في صالح الرؤية الأميركية العالمية، إن استمرت في مساندة إسرائيل على حساب مصالح الشعوب الأخرى.
على نتنياهو أن يتيقن من أن إعطاء الفلسطينيين حقوقهم سيكون صمام أمان يضمن للإسرائيليين امتدادهم الخارجي، وفي حال استمرت بتهميش الحقوق الفلسطينية ستفقد العلاقة المتينة بينها وبين الشعوب الغربية، حتى ولو استمرت حكوماتهم بدعم إسرائيل.