الوصايا العشر في القصة القصيرة

محمد معتصم

نظم اتحاد كتاب المغرب فرع مدينة سلا يوم الجمعة فاتح يونيو الجاري (2007م)، لقاء ثقافيا حول الإصدارين الجديدين لقاص المغربي التجريبي أنيس الرافعي، وهما:"البرشمان" و "علبة الباندورا". وقد أقيم النشاط الثقافي بخزانة عبد الرحمن حجي. شارك في اللقاء الروائي أحمد الكبيري، والشاعر والناقد أحمد زنيبر، والناقد محمد رمصيص، مع مشاركة الكاتب أنيس الرافعي وبحضوره، وسير اللقاء الناقد الأدبي محمد معتصم.

افتتح اللقاء بمداخلة وأرضية تعرف بأنشطة اتحاد كتاب المغرب فرع سلا، والسياق الإبداعي والثقافي للقاص أنيس الرافعي. قدمها الناقد الأدبي محمد معتصم، وبين فيها مسار القصة القصيرة الجديدة بالمغرب، وتساءل حول مفهوم الجدة، هل هي زمنية، ومرتبطة بالعشرية الأولى من الألفية الثالثة؟ هل هي مرتبطة بخصائص أسلوبية وتقنيات كتابية جديدة ومبتكرة...؟ وانتهي لوضع أنيس في صف التيار القصصي المغربي التجريبي. وهو تيار يتعايش وتيارين آخرين يشكل الأول صورة الامتداد الطبيعي للتطور الخطي للقصة المغربية التقليدية، ويشكل التيار الثاني الذي يمتاح من التجربتين، يأخذ من السالف بدون امتثال وأيضا من التجريب بدون امتثال. وإن كان التجريب نقيض اليقين والامتثال والخضوع للنموذج أيا كان.

بعد ذلك أخذ الكلمة الروائي احمد الكبيري الذي نوه بالمجهودات التي يبذلها فرع مدينة سلا، ونوه بحضور القاص أنيس الرافعي الذي أتاح لنا فرصة التحاور حول تجربته القصصية التي تحفر مسارها الخاص بتؤدة وتبصر. وقد حاول إبراز معنى كلمة "البرشمان" في اللهجة الدارجة المغربية، وبين مصطلحاتها الخاصة وغاياتها، ليخلص المستمع إلى أن "البرشمان" عالم متكامل له قواعده وضوابطه التي يعرفها "المعلم" الخياط وصبيه الذي يساعده واقفا أو جالسا أو جاثيا على ركبتيه.

وهذا التقديم لم يكن إلا مدخلا لمحاولة ترصد مدى تمثل المجموعة لعالم/ عوالم البرشمان في ميدان الخياطة التقليدية. لذلك جاءت مداخلته على خلفية "البرشمان"ّ كما يقول أحمد الكبيري.

ثم ما لبث أنعرج على تفحص مستويات ثلاث في كتابة أنيس الرافعي. المستوى الأول درس فيه الشخصية القصصية التي رأى أنها تعيش عزلة قاتلة، وأنها تنفتح على شرفة الكوابيس. والمستوى الثاني رصد فيه اللغة القصصية عند أنيس الرافعي، وهي كما يقول، لغة صادمة حربائية وجارحة. فصيحة لكنها شديدة الوعورة، والتركيب. وقد قولب عددا من تعابير الفصيحة فيما هو دارج. كما أن الكاتب لعب باللغة وبالكلام في صورة الدخول والخروج كما يفعل الصبي بخيوط الحرير بين أنامله. المستوى الثالث والأخير تمثل في التقنية، ونقصد تقنية الكتابة عند أنيس الرافعي، وبالتالي في التجريب القصصي. ووقف عند محطتين هما: التقطيع والتجميع، والدخول والخروج.

تلا كلمة الكبيري مداخلة أحمد زنيبر، تحت عنوان " المقترح السردي في مجموعة "البرشمان" لأنيس الرافعي". وقد قسم مداخلته إلى ثلاثة محاور، وهي:
الموضوعات: التي اعتمد فيها الكاتب على المرئي والمسموع والمشاهد. كما أنه اختار صيغة تداخل فيها السرد والوصف والحوار.
اللغة: وتعتبر لغة أنيس الرافعي القصصية لغة تجاوزت المفهوم الوظيفي المتمثل في التواصل إلى المفهوم الشعري الذي يقوم على الانزياح، والاستفادة من الوجوه البلاغية دون السقوط في التقليدية.

الثنائيات: فالقصص زاخرة بالثنائيات الضدية؛ الداخل والخارج، والمادي والمثالي، والانفتاح والانغلاق...

لكن أهم ما توصل إليه الناقد أحمد زنيبر يبرز في الوقوف عند ظاهرة مميزة في التجربة القصصية الحالية لأنيس الرافعي، وهي الانتقال من الشخصية القصصية إلى الشيء القصصي. أي نقل الأشياء من المفعولية إلى الفاعلية. وكل هذه المحطات تدل على الوعي النقدي عند الكاتب أنيس الرافعي فهو لا يكتب من فراغ بل يكتب وخلفه مدونة مقروئية كبيرة.

الناقد محمد رمصيص الذي جاء من مدينة تيفلت إلى سلا للمساهمة في إحياء هذا اللقاء المميز، قدم ورقة تحت عنوان "حدود التجريب القصصي، قراءة أولية في مجموعة "علبة الباندورا" للقاص أنيس الرافعي".

ومنذ البداية حاول الناقد تأطير تجربة القاص، وميز تجربته بالقلق وبالخروج عن النموذج القصصي التقليدي، وبأن رهانه من كل ذلك على خلخلة منطق القصة القصيرة الجديدة. وبذلك يكون القاص أنيس الرافعي يراهن على تجربة اختراق تمارس النقد من داخل النص القصصي، وتراهن على خرق المتن اللغوي أيضا.

وقد قسم الناقد مداخلته إلى قسمين:

رصد في القسم الأول العتبات وقد قدمها انطلاقا من ملاحظات حول الإصدار الجديد الذي يجمع ثلاث مجموعات قصصية في كتاب واحد. وقد لاحظ الناقد تحولا من حلال التجربة في الوعي، وهو فعل استدراك لما سبق في المجموعات المتفرقة. وبالتالي فالكتاب الجديد ليس نسخة مزيدة ومنقحة بل هو نسخة ناقصة. وبهذا الخروج يكون القاص أمام كتاب جديد وليس أمام إعادة نشر كتب سابقة. ومن المحطات التي قدم حولها اقتراحاته النقدية؛ التنقيح، والتقديم، والاستشهاد، ثم الطباعة. وكلها محطات تبرهن على الحركية والفاعلية ولا تقف عند حدود إعادة الطبع والنسخ. في القسم الثاني عنونه صاحبه بالبدائل الجمالية ورهان التجاوز. وقد وقف فيه الناقد عند حدود البلاغة القصصية من أسلبة والتفات في الضمائر والباروديا...كما وقف عند مفهوم التخييل في القصة التجريبية عند أنيس الرافعي، ذلك التخييل الذي يقوم على فعل إشراك المتلقي إنتاج دلالات النص.

أنيس الرافعي تناول الكلمة أخيرا وحدد عشر وصايا أطر بها تجربته الحالية وآفاقها القادمة.ومن المفيد تتبع هذه الوصايا على التوالي كما حددها صاحبها وباختزال في صورة عناوين شاملة جامعة، ما دام لصاحبها الحق الكامل في نشرها والاشتغال عليها:
1/ استراتيجية التجريب القصصي.
2/ عقيدة القصة القصيرة أو العلاقة الثيولوجية مع القصة القصيرة.
3/ فلسفة القصة القصيرة.
4/ أثر الفراشة أو حركة الجناح التي قد تحدث إعصارا.
5/ الجوهر التقنوي للقصة القصيرة.
6/ الكتابة المفتوحة للقصة القصيرة.
7/ ما بعد السرد،،،ما فوق السرد القصصي.
8/ الوضع الأرستقراطي للقصة القصيرة.
9/ حيازة اللعبة القصصية القصيرة (النظائر).
10/ إيقاع القصة القصيرة.

وكان من المؤكد أن هذه الوصايا التي صيغة يشكل يقيني أن تثير نقاشا علميا ومعرفيا . وقد أجاب أنيس الرافعي عن جل الأسئلة والمداخلات لنضطر تحت ضغط تأخر الوقت، إلى إيقاف النقاش بخزانة عبد الرحمن حجي التي شهدت أغلب نشاطات اتحاد كتاب المغرب، فرع مدينة سلا، ولتستمر بعد ذلك...