يشكل الشعر الإيراني أرخبيلا من التجارب تحتاج دوما الى الترجمة والنقد كي نكتشف سمات هذه التجارب الشعرية وقدرتها على الخلق الإبداعي بما تحمله من خصوصية سواء على مستوى الرؤية أو بلاغتها الطافحة بالكثير من الاستعارات، هنا تجربة جديدة يقدمها الشاعر والمترجم الفلسطيني تتراوح بين الحب والكينونة، في تقاطعهما معا بحت عن صفاء اللغة وشعريتها..

ديوان من إيران

أَمشِي علَى حُروفٍ مَيتةٍ

ساناز داود زادة فر

ت. محمَّد حِلمي الرِّيشة

 

حِينَ نكونُ معًا

تكونُ بينَنا مسافةُ دخانِ عدَّةِ سجائر،

وحِينَ لا نكونُ معًا

كوبٌ منَ الشَّايِ السَّاخنِ إِلى جانبهِ سكَّرٌ

هذهِ التَّجربة دائمًا.

*

 

حينَ بدأْتُ الحبَّ؛

كانَ انْتهاؤهُ بالنِّسبةِ إِليكَ،

والسِّنينُ

كانتْ مُستمرَّةً بالنِّسبةِ إِليَّ.

*

 

إِذا قُمتَ بإِزالةِ الحُدودِ

تُهمِّني الهجرةُ إِليكَ

بدونِ تأْشيرةٍ

قضيَّتي ليَستْ سياسيَّةً

لقدْ هربتُ منَ الحُبِّ

إِذا أَعودُ

سيُشوِّهونَ

لِسَاني وشفتيَّ

الحبُّ

مَحدودٌ

صَامتٌ

بِلا مأْوَى.

*

 

حِينَ  ذابتِ السَّاعةُ الَّتي لمْ تأْتِ فِيها

كانَ الوقتُ عِندي مفقودًا،

وضجَّةٌ تبخِّرُ عقاربَ عدمِ رؤيتِكَ مجدَّدًا

كابوسٌ معتادٌ هذَا

مَوقوتةُ الخيَالِ جئتُكَ

أَنتَ مجرَّدُ حُلمٍ

ومؤقَّتةٌ لغيابِكِ العقاربُ

الَّتي لاَ تَفهمُ الوقوفَ.

*

 

بخارُ حديثِكِ،

وضبابُ خيَالي

لاَ يجعلانَنا نَرى اقترابَ أَحلامِنا المُشتركةِ بينَنا

فِي الحدِّ الأَدنَى للمَسافةِ.

يداكَ

منذُ سنواتٍ

بَعيدتانِ عنِّي.

*

 

ولِدتُ وكنتُ أَبكِي،

وعِشتُ وأَنا أَصرخُ كثيرًا؛

أُريدُ أَن أَرحلَ معَ ابْتسامةٍ

تُشبِهُ الـ"مُوناليزا".

*

 

عندَما أَشمُّ رائحةَ الحبِّ

لاَ تستطيعُ مروحةُ أَيَّ مصنعٍ

أَن تكونَ منافسةً لِي.

مزِّقوني كبَتَلاتٍ

وأَرسِلُوني إِلى "باريسَ"

وادْعُوني "جُولييتَ"

سأَكونُ العطرَ الأَكثرَ بيعًا.

*

 

إِذا زُلِزلَ أَيُّ مكانٍ فِي الأَرضِ

سيتَصدَّعُ بذلِكَ، أَيضًا، قَلبي

الَّذي كانَ يظنُّ

أَنَّها كالمهدِ

ستُنِيمُ هزَّاتُها آلامِي.

يَا أَرضُ

هلِّلي غِناءً لأَخطائِكِ.

*

 

عندَما تَفهمُ نظرَاتي

فأَنتَ لاَ تأْبهُ بعَصبِ أَلمي

لَكنَّكَ لاَ تَرى أَثرَ أَلمي،

ولكنْ يُمكنكَ الاسْتطلاعُ عنِّي منَ العصَافيرِ،

فقواعدُ لغةِ العصافيرِ

كانتْ فِي نظرَاتي.

*

 

لِعدَّةِ ليالٍ، وبَدلاً منْ حُلمِكَ،

ينامُ يُورانيُوم مخصَّبٌ فِي سَريرِي.

قبَّلتهُ.

كلُّ مدينةٍ صَارتْ عشَّ غُرابٍ أَبيضَ منَ الدُّخانِ،

وتخيُّلي، لِعدَّةِ سَنواتٍ،

منْ كابوسٍ نُوويٍّ

صارَ أَكثرَ سُخونةً.

*

 

"رَسولُ يُونَان"

مِن أَيِّ إِلهٍ أَنتَ مبشِّرٌ؟

هلْ فكَّرتَ بـ"يُونَان"؟

"سوفوكليس"، و"آشيل"، و"أَرسطو" ...

لَو لمْ يَكونوا

هلْ أَحببتَ أَن تكُونَ "يُونَان"؟

هلْ لديكَ خبرٌ منَ النَّاسِ اليُونانيِّينَ اليومَ؟

إِذا فشلَ اليُونانُ

هلْ سيظلُّ اسْمُكَ"يُونَان"؟

يا "رسولُ"

اليُونانُ

لاَ يحتاجُ مُعجِزةً.

بالشِّعرِ،

وللنَّاسِ اليُونانيِّينَ،

كُنْ رَسولاً لليُونانِ.

*

 

جميعُ الخياراتِ مطروحةٌ علَى الطَّاولةِ؛

أَن ترسُمَ الصَّباحَ علَى كلماتِكَ.

أَن أَركُضَ بجانبِ غيابِكَ.

أَن نصلَ (إِلى الحبِّ) بيدَيْنِ أَو شفتَيْنِ.

أَنتَ لمْ تَزلْ

تَصبُّ الصَّمتَ فِي زجاجةٍ،

وأَنا أَشربُ منْ تخيُّلي لكَ.

*

 

عندَما نِمتُ فِي السَّريرِ

جاءَتِ المُمرِّضاتُ،

والسُّحبُ أَيضًا،

وصوتُ شلالٍ فِي كلِّ مكانٍ.

ذهبتِ المُمرِّضاتُ،

وبَقيتُ فِي مكانٍ شمالاً؛

كلُّ شيءٍ طازجٌ وجديدٌ،

ولهُ رائحةٌ رطبةٌ.

*

 

للوصُولِ إِليكَ

أَمشي عَلى حُروفِ مَيتةِ؛

ربَّما كلمةٌ تقولُ: آهٍ

معَ الكلمةِ المُصابةِ أَيضًا.

سأَمشي بجانبِ مسافاتِكَ.     

*

 

معَ دُخانِ سيجارتِكَ

وبآخرِ جُرعةٍ

أَزولُ أَنا.

معَ سيجارةٍ أُخرى

أَنتَ تَحرقُني.

لقدْ تعوَّدتَ عليَّ

إِذا تَركْتَني

فإِنَّ صوتَ سُعالِكَ

سيَصدرُ منْ فمِي.

*

 

الهواءُ، عندَما لاَ تأْتي،

يَصيرُ مطرًا

فأَحملُ مظلَّةً فوقَ كلِّ ذكرياتِكَ،

وقدْ كنتُ كَتبتُ كلَّ ذكرياتِكَ بالدَّمِ،

وفَهمتُ، فِي وقتٍ متأَخِّرٍ،

وحينَ رَحيلِكَ،

أَنَّكَ كنتَ أَطلقتَ رصاصةً علَى المظلَّةِ.

*

 

الموتُ ورقةٌ بيضاءُ لِنصٍّ؛

يجبُ أَن نَكتُبَ علَيْها شيئًا

إِن كانَ مُمكنًا،

فأَنا مُستعدَّةٌ أَن أَكتُبَ سُطورَكَ.

*

 

أَدورُ

داخلَ دُخانِ سيجارتِكَ الَّتي أَشعلتَها،

ومعَ آخرِ رشفةٍ مِنها

يَبقَى عَقبُها،

ولاَ شيءَ يَبقَى منِّي.

*

 

النَّافذةُ-

ابتسامةُ الجدارِ بالنِّسبةِ إِليَّ

لأَنَّني كنتُ أَختبرُ الطَّيرانَ

بقلمِ رصَاصٍ.

النَّافذةُ-

بدايةُ الطَّيرانِ.

* 

 

الرِّياحُ لاَ تستطيعُ أَن تأْخذَنا معَها

لأَنَّنا مليئونَ بالحجارةِ،

وثقيلونَ،

وباردونَ،

وبلاَ رُوحٍ،

ومنْ طحالبَ التصقتْ بِنا.

تستطيعينَ، فقطْ، أَن تستدلَّي أَينَ الشَّمالُ.

هذَا اللَّونُ الأَخضرُ الَّذي يلتصقُ بِي

لاَ يعبِّرُ عنِ الحياةِ،

وأُولئكَ الضَّحايا مثلَ أُحفوراتِ الهندباءِ

عليكِ أَن تضعينَها فِي متحفٍ.

*

 

ظهرتَ كلُّكَ فِي عالمِي فجأَةً،

وبدونِ وجُودِكَ؛

كلُّ العالمِ

كانتْ لديهِ مقدَّماتٍ للظُّهورِ.

*

 

أَصبحتَ عالِمَ آثارٍ؛

التَّاريخُ المُتحجِّرُ لخلايا دماغي

أَخبارهُ لكَ.

نقَّبتَ عنْ وجُودي،

واكتشفتَ

الهيكلَ العظميَّ معَ سبعينَ كيلوغرامٍ لحمًا، وقليلاً منَ الدُّهنِ، والملابسَ، والأحذيةَ.

كيفَ ماتَ منذُ عشرينَ عامًا وبَعضِها

ولاَ يزالُ الطبُّ الشَّرعيُّ يُحيِيها؟

الهيكلُ العظميُّ معَ سبعينَ كيلوغرامٍ لحمًا يصفِّرُ كلَّ يومٍ فِي الحديقةِ،

وقدْ قدَّمَ بعضًا مِن لَحمهِ للقططِ،

وكلَّ دماغهِ هدايَا لأَفراخِ الغربانِ،

وعندَما كَبِروا

صَاروا يلعبُونَ ودِّيًّا معَ الحمائمِ.

الهيكلُ العظميُّ الَّذي لأَجلِ مُكافحةِ ظاهرةِ الاحتباسِ الحراريِّ

قشَّرَ جلدَهُ،

وأَعطاهُ لطيور البطريقِ فِي القطبِ،

وصاحَ بصوتٍ عالٍ:

لاَ تأْملُوا بثلاَّجاتِ المدينةِ.

أَصبحتَ أَنتَ عالِمَ آثارٍ،

وهيكلي العظميِّ هوَ لكَ!

*

 

جزيرةٌ معزولةٌ

مُطوَّقةٌ بوهمٍ منَ الأَنابيبِ المُتشابكةِ،

ونيرانٌ لاَ تنتهِي،

ومَرجانٌ ميتٌ،

وأَشجارٌ تتنفَّسُ بصُعوبةٍ.

 

الأَشجارُ الشَّبحيَّةُ

تسيرُ علَى طُولِ الطَّريقِ الوحيدةِ؛

الطَّريقِ الَّتي لاَ تُؤدِّي إِلى مكانٍ،

والبشرُ سُجناءٌ

بملابسِ العملِ، والنَّومِ، والأَكلِ.

 

رَميتُ نَفْسي بعيدًا..

في سنِّ العشرينَ وبعضِ السِّنواتِ.

مُطوَّقةٌ بوهمٍ منَ الأَنابيبِ المُتشابكةِ،

ومُطوَّقةٌ بتواجُدٍ دائمٍ لنَعيبِ الغربانِ،

فِي طَقسٍ حارٍّ جدًّا، أَو باردٍ جدًّا

فِي جزيرةٍ بثلاثمائةٍ وبضعةِ أَيَّامٍ بدونِ مطرٍ،

ويومٍ واحدٍ بمطرٍ مجنونٍ.

 

رميتُ نَفْسي بعيدًا..

مُطوَّقةٌ بالمياهِ الصَّدئةِ

وعشرةِ أَرقامٍ

ومخازنَ تضخمَّتْ بالسَّلعِ.

تخفّفتُ منْ ملابِسي

قامَتي وعَرضي، "دَمَامْ"

لُغتي، وصَنجٌ،

وكَلماتي تحومُ فِي دائرةٍ

تمحُو غَرضَها.

 

هُنا يستمرُّ بعضُ النَّاسِ بالتَّفكيرِ بالحِمْيةِ

ليحُوزوا خوذةً آمنةً

تناسبُ رؤوسَهم،

ويمكنُ للمرءِ أنْ يَرى الحبَّ بشكلٍ متقطِّعٍ كذلكَ.

عشرونَ وبعضُ السَّنواتِ منَ العُمرِ؛

هُنا تصيرُ فِي السِّتينَ

في سنةٍ واحدةٍ.

*

 

لاَ معنَى للَّيلِ

بِما هوَ لونُ لباسِهِ.

أَنا هُنا كلُّ مَواسِمي

تشبِهُ لونَ لباسِهِ.

*

 

خلاصَتي كاليَعسوبِ

الَّذي يجلسُ علَى حروفِ قلبِكَ ويذهبُ.

ضَعْ يديكَ علَيْها

ستَحبلُ منْ يدِكَ،

ثمَّ ستلدُ كلماتٍ.

ضَعْها بجانبِ بعضِها البعضِ

فأَقرأُ.

*

 

التَّمثيلُ

صارَ كلَّ حياتِكَ؛

حوَّلتَ غرفةَ النَّومِ إِلى مكانٍ مُعتمٍ،

وحوَّلتَ لمبةَ المنضدةِ إِلى مُسلِّطِ ضوءٍ،

ومِن سيجارتِكَ تصنعَ الضَّبابَ،

وأَخيرًا بدَورِكَ هذَا ستصبحُ الممثِّلَ "سْيَاه"،

وبتقليدِكَ لهُ

أَنتَ لاَ تخدعُني.

*  

 

كانَ مُتعِبًا جدًّا للتَّفكيرِ

أَنَّه أَشعلَ سِيجارةً.

اسْتلقَى عَلى أَريكةٍ جلديَّةٍ

وحاولَ أَن يَنسى العالمَ كلَّهُ

فِي وقتٍ قليلٍ لاحقًا

هوَى نائمًا

مثلَ طفلٍ صغيرٍ

السَّلامُ .

*

 

"أُحبُّكَ".

كمْ كانَ خيَالي غبيًّا

حينَ ظنَّ أَنَّكَ كالأَنبياءِ؛

تَقولُ الصِّدقَ!

*

 

حتَّى حينَ أَتناولُ حبوبًا مُنوِّمةً

تَصيرُ مخيلَتي كالرِّياحِ

تُقلِّبُني مثلَ أَوراقِ كتابٍ،

وتَقرؤني دفعةً واحدةً.

وحينَ أَكونُ مُستيقظةً

أَجدُكَ، أَيضًا، فِي مَخيلَتي.

وحتَّى مَا بعدَ مَوتي

لاَ يمكنُ أَن تزولَ عنْ مَخيلَتي.

*

 

حينَ يأْتي الموتُ

يكونُ الكلُّ فِي إِجازةٍ إِلاَّ أَنتِ،

وسيكونُ عليكِ أَن تَمشي معهُ،

ولاَ تعلمِينَ مَن منكُما

سَيقولُ الكلمةَ الأَخيرةَ؟!

*

 

في جيبِ الكلماتِ المثقوبِةِ

كلُّ الحرُوفِ

مَفقودةٌ ...

لكنْ هناكَ وقتٌ؛

أَرسِلْ آخرَ الكلماتِ إِلى لسانِكَ.

*

 

تقفُ داخلَ النَّارِ

وأَنا الَّتي أَصيرُ رمادًا؛

أَنتَ لاَ تحترقُ

أَمَّا أَنا فأَحترقُ بدونِ نارٍ

وهكذَا سيكونُ كلٌّ منَّا طاهرًا.

*

 

أَن تَمُوتَ واقفًا

هوَ حلمٌ بعيدُ الاحتمالِ الآنَ.

تولَدُ الأَشجارُ أُفقيًّا

لسَنواتٍ.

*

 

عندَما لاَ أَستطيعُ أَن أَذهبَ

أَرسمُ حِصانًا.

صوتُ خُطَى الحصانِ

يمكنُ سَماعهُ حتَّى منْ بينِ الأَلوانِ.

هذهِ لوحةٌ

لاَ يمكنُ كبحُ جِماحِها.

*

 

ولدتُ علَى أَزيزِ الرَّصاصِ،

والقذيفةُ جزءٌ مِن عائِلتي،

والسَّريرُ

مكانِي وزَوجي والقصفُ،

وكَفني

سترَتي المفخَّخةُ لعمليَّاتٍ انْتحاريَّةٍ؛

الموتُ هوَ لُعبتي الصَّغيرةُ. 

*

 

أخيطُكَ علَى نَفْسي.

تاجُكَ الشَّائكُ علَى شَعرِي

يشبِهُ أَلمَ سَمكٍ

علَى الرَّملِ الرَّطبِ.

*

 

الأَرضُ- 

لَها أَربعةُ سُطورٍ أُفقيَّةٍ ناقلةٍ،

وأَلفُ نوتةٍ مُوسيقيَّةٍ.

إِذا حَذفنَا نعيبَ الغربانِ

فَحَلْقُ الأَرضِ

سيُغنِّي فِي الرَّبيعِ بتأْتأَةٍ.

*

 

عندَما تَفتحُ الصَّحيفةَ

يقفزُ مِنها صاروخٌ إِلى الخارجِ.

المآتمُ والموتَى الَّذينَ يخشَونَ القبرَ

خفيُّونَ وراءَ ظهرِكَ

أَصواتُهم صفاراتُ إِنذارٍ حمراءَ.

طائراتٌ عدَّةٌ علَى المائدةِ

تخترقُ حاجزَ الصَّوتِ فِي الغُرفةِ.

تحصلينَ على خندقِ خلفَ منضدتِكِ

وتُهدِّدينَهم كلُّهم لأَن يَعودُوا إِلى الصَّحيفةِ.

تُزحفِينَ،

وتُطبِقينَ الجريدةَ علَى بعضِها،

وتتظاهرينَ بالنَّومِ.

معَ هذهِ الصَّحيفةِ لاَ يمكنُ إِزالةَ هذهِ النَّافذةِ.

*

 

أَشربُ القهوةَ؛

تفلُ الفنجانِ

يصيرُ شكلَكَ،

وظلَّ واحدةٍ نحيفةٍ بمَكياجٍ لاَ تشبِهُني.

معكَ

ظلِّي

سيكونُ خطًّا مُتذبذبًا.

*

 

يتساقطُ الوقتُ مثلَ قطراتٍ..

حُدودِي هيَ كلُّ الأَوراقِ الخضراء..

عبُورِي ومُرورِي حولَ دربِ التَّبَّانةِ..

أُقدِّمُ رشوةً للوقتِ

كي يتساقطَ ببطءٍ،

وأَخافُ الموتَ

أَن لاَ يكونَ أَهلاً للصَّفقةِ.

*

 

مثلَ مُسدَّسٍ مَحشوٍّ بالرَّصاصِ

إِذا أطبقتُ جفنيَّ

سَيقتلُكَ رَصاصِي،

أَمَّا إِذا لمْ أُطبقْهما

فإِنَّ جُزئياتِي مثلَ حقيبةِ ظَهرٍ مَليئةٍ بالبارودِ

علَى كتفيَّ،

وسأُصبحُ قنبلةً؛

إِذا فجَّرتُ نفسِي

سأَصيرُ مثقَّبةً.

كأَنَّ كلَيْنا يقاتلُ مِن أَجلِ الموتِ.

أَمشي

وصوتُ الرَّصاصِ مِن حَولِي

أَموتُ

وصوتُ الرَّصاصِ مِن حَولِي

كأَنَّ رائحةَ البارودِ تَخرجُ

مِن أَفواهِ النَّاسِ.

*

 

حضورُكَ ثلاثُ نقاطٍ

فِي آخرِ الجُملِ،

واستمرارُكَ علوُّ كِتابَاتِي الَّتي لمْ تَقرأْها.

مفقودةٌ أَنا فِي مَسارِ كلامِكَ،

وسُطوري الفارغةُ

بأَقوالِكَ...

لنْ تستطيعَ أَن تَملأها.

*

 

أَجزاءٌ كبيرةٌ منِّي

مثلَ

سَمكةٍ ذهبيَّةٍ صغيرةٍ

معَ كلماتٍ مُمطرةٍ وغيرِ مأْلوفةٍ.

إِناءُ الماءِ الضَّيِّقِ كابوسٌ معَ ماءٍ عكرٍ

قدْ جعلَ حَراشفي أُحفوريَّةً،

وأَلمي مَحفورٌ فِي جسَدي

بالحُروفِ المسماريَّةِ؛

ستُشاهدونَ أَلمي فِي المتحفِ.

*

 

وجودُكَ النَّاقصِ

على قماشِ الرَّسمِ

صارَ وجهَ الَّذي لاَ شِفاه لهُ،

وكانَ سوادُ عيُوني يَبكي فِي يديَّ.

كلُّ شَعري

كانَ يهربُ منِّي

مثلَ الهندباءِ في الرِّيحِ،

وأَنتَ لمْ تأْتِ؛

هذهِ اللَّوحةُ بِيعتْ بشكلٍ جيِّدٍ جدًّا.

*

 

غيرُ متوقَّعٍ تمامًا؛

لقدْ تحوَّلَ قلمُ الرَّصاصِ خاصَّتي إِلى شَجرةٍ طائرةٍ

مَليئةٍ بالغربانِ،

وغطَّتِ الغربانُ كلَّ كلماتِي.

الآنَ، كيفَ يُمكِنُني أَن أَكتبَ

أَنَّ قَلبي كانَ حمامةً لكَ؟

*

 

كلُّ حبِّي

فِي علبةِ كبريتٍ.

أَشعلْ سيجارتكَ

بعُودِ ثقابٍ مِن خيَالي.

منكَ هذَا،

ورائحةُ التَّبغِ الَّتي جَعلتْ حَياتي ضبابيَّةً.

*

 

سِعرُ الموتِ

أَكثرُ فائدةً مِن سِعْرِ شجرِ الزَّيتونِ

حتَّى لَو تَنمُو أَشتالهُ فِي كلِّ العالمِ

فالسَّلامُ لاَ يمكنُ أَن يكُونَ.

*

 

لدَى كلٍّ منَّا ورقةٌ

مَنشورةٌ علَى حبلِ الملابسِ

بجانبِ الملابسِ المبلَّلةِ.

أَنشرُ ورَقتي بمشبكٍ علَى الحبلِ؛

أُحسُّ

أَنَّ لديَّ شجرةً.

*

 

قدْ أَسقطُ فِي مكانٍ مَا

لمْ تُولَدُ الحروفُ فيهِ بعدُ،

ولا يوجدُ تدقيقٌ بأَيِّ تفكيرٍ.

هناكَ بثيابٍ منَ الزُّهورِ

سأَرقصُ وأَنا أَتذكَّرُكَ،

وسأَنقشٌ رَقصتي فِي حَجرٍ،

وحتَّى بعدَ بليونِ سنةٍ

سيكونُ الحبُّ معنَى هذهِ الرَّقصةِ.

 

* شاعرةٌ وفنَّانةٌ تشكيليَّةُ تقيمُ في طهرانَ- إِيرانَ. ستصدرُ لهَا هذه المجموعةُ الشعريَّةُ: "أَمشي على حُروفٍ مَيتةٍ" في الرَّبيع المُقبل (2014).

** شاعرٌ وباحثٌ ومترجمٌ من فِلسطينَ.

mohammad.helmi.rishah@gmail.com