عادةً ما تكون امرأةُ الشاعر موزعةً في نساء كثيرات لن أقول في جميع النساء.. الشاعر الذي يعيش في كنفِ تعدديَّةِ الحبِّ ليسَ ماجناً أو متهتكاً بالضرورة ولكنه أيضاً ليسَ فاضلاً أو قديساً الى هذه الدرجة التي يتصورها البعض لكي يحبَّ امرأةً واحدةً بعينها.. ولو كان كذلك لم يبق له عملٌ في الشعر..منذ الشعر الجاهلي.. امرؤ القيس هذا الشاعر الحقيقيُّ كم امرأة أحب.. أيضا عمر بن أبي ربيعة هل اكتفى بعشيقة واحدة؟ وفي عصرنا الحديث لدينا نماذجَ كثيرة أبرزها نزار قباني صحيح أنه أحب بلقيس ذاك الحب الأسطوريَّ ولكنه وزَّعَ قصائدَ حبِّ كثيرة على الأخريات.. والسياب أيضا نعرف أن تجربته الشعرية حفلت بأسماء الكثيرات.. ربما لم يكن الشاعر الدونجوان الذي كان يعشقُ في الصباح امرأة وفي المساء ينساها ويعشق أخرى.. والسياب نموذج واضح ومبين.. لن أتكلم عن أهمية السياب شعرياً.. ربما كتب ضخمة لن تكفيني.. نعم هناك شعراء كثر تعلقوا بامرأة واحدة وهذا وارد.. كالشعراء العذريين وغيرهم.. ولكن صورة الشاعر دائما ترتبط في ذهني بصورة بايرون أو شلي الشاعرين الانجليزيين الرومانسيين في رحلتهما الى مدينة البندقية الايطالية.. اذا أحب الشاعر امرأة واحدة فالأجدى له أن يتزوَّجها اذا استطاع ذلك ولنرَ إن كانَ لديهِ ما يقوله بحرقةِ العاشقِ بعد ذلك أم أنَّ شيطانَ شعرهِ قد طلَّقه ثلاثا الى الأبد.. ولكن الحق أقول أن في داخل كلِّ منا امرأةً واحدةً تشعل الفتيل وتتركنا نكابد بينما هيَ تراقب في الظل.. الذي يحدثُ أحياناً أننا بفعل تنكِّرٍ غريزيٍّ غريب لتلك المرأة الأولى التي مسحت طفولاتنا بما يشبهُ أناملَ الذهب ننسى أنها كانت يوماً ما ملاكاً حارساً وشمساً حانيةً على قلوبنا الملأى بالطينِ والحصى والرمادِ والغيومِ الصلبةِ.. لا نعود ننظرُ بذاكَ الحنوِّ المفقودِ اليها بعدَ اغراءِ الفضاءات الملوَّنة والأبواب العالية ودروبِ الحياة التي تنبذُ الناظرَ الى الوراء.. فقط حاسَّةٌ غيرُ مطاعةٍ فينا تشدُّنا بكاملِ ولعنا وتوقنا الى المرأة القابعةِ في ظلِّ النور والرهبة والغرامِ الأوَّل.. ولكننا مهما فعلنا لا نستطيعُ التخلَّصَ من برقها ولا من أنينها الخفيِّ المحرِّكِ لأوراقِ القلبِ..
هل تخلَّص الشاعر الفرنسي شارل بودلير من لهيبِ سمرةِ جان ديفالِ وعطرها الليمونيِّ الغامض؟
هل تابَ لويس أراغون عن عَينيْ السا الأندلسيَّةِ؟
هل نفضَ عن قلبهِ تبرَ دمعها اللا مرئيِّ؟
شعراءٌ لا يُحصونَ أخذوا معهم الى السرابِ كلَّ ما علقَ بأجسادهم من نثارِ نسائهم غيرِ المعلناتِ الى أبدٍ مسمَّى.