مدخل الناقد المصري لقراءة هذا الديوان هو الاستعاضة عن المثل العليا والقيم المباشرة بأمثولات مادية نستطيع إخضاعها للكشف أو الاكتشاف، ويمثل الجنس هاجسا وظفه الشاعر إما للإحالة لدلالة ما أو كتفصيلة حياتية للحالة الشعرية.

تحريك الذهن بين الكشف والإكتشاف

فى ديوان «الخروج الى البيت»

صالح الغازي

يطل علينا الشاعر عصام خليل بديوانه الأول الخروج الي البيت، يوحى مجمل الديوان أن هناك عالماً أوسع علينا اكتشافه أو إعادة اكتشافه سواء كان في بدء الخروج او نهايته أو مكانه حسبما قسم الشاعر نصوصه. بمزاجه الشعري الخاص استعان بالمشهدية في أغلب القصائد، أو أضفى وجهة نظره بتعريفات خاصة مثل تعريفه لحواء"أنا فتات السماء".أو استعماله لألفاظ ومعان عامية أضفت حيويةعلى كشفه فمثلا في قصيدة أمام المقهى (ملابسها لا تشبه ماترتديه الزوجات /تراب الحوش كهدومنا) لاحظ اللفظ الفصحى ملابس لها وللمفارقة استعمل اللفظ العامى (هدوم) وكأنه يشير للتناقض من خلال مستوى اللغة ، و كما فى قصيدته مئذنة لفظ (يهمدوا) وفي قصيدة عمال الهرم لفظ (يطبطبون) وفى قصيدة يوميات الغرفة تعبير (الشمس في الباي باي) و(أبرد رأسي بالشاى) الخ.

وفي اطار الكشف والاكتشاف قدم الشاعر انتقالات تحرك الذهن فانتقل  من الجمع للمفرد مثل في قصيدة العرجون(نقترب.....انتهيت) ومن الغائب للمخاطب مثل في قصيدة قيلولة (انا مثلك... /برازهم الهائج...) الخ. لكن في الديوان صورتين رئيستين لتحريك الذهن في اطار الكشف والإكتشاف اتكأ عليهما الشاعر ،الصورة الأولي هو تحميل القصيدة مستوى دلالي أعلى وقد استعملها في نهاية قصيدة العرجون (هكذا بدأ الخلق تباعاً) وكأنا يحفزنا علي القياس بمنطق القصيدة، ونهاية قصيدة قارئة الفنجان (لمن سنخرج في بلاد تشبه الفحم واعقاب السجائر) فيحيلنا  الشاعر الي الانتقال من الخاص الي العام من تفاصيل الحياة الي السواد والعطن في البلاد...الخ.

والصورة الثانية التى  استعملها الشاعر لتحريك الذهن تجلت في قصيدة المهاجر ص45 وتناثرت في الديوان ليشغلنا بالبحث عن علاقات بين اللغة والمعنى سواء باستعمال ما يمكن إطلاق عليه المجاز العقلي أو باضافة توصيف يجعل ننشغل بالتفكير فيم يقصده الشاعر،فمثلافى قصيدة رحلة نيلية يقول :(النيل في الجنوب يشبه جذور البطاطا) أو (الطمى المحبوس عرق الحواة).وايضا في قصيدة مئذنة (نتوء فى حنجرة مئذنة) وعن مصير المئذنة (انحل نصفها لحجارة الانتخابات) وفى قصيدة المقهى (موتور السيارة ترك علامة فى الاسفلت وفى الجلد) وص35 نهاية قصيدة العرجون (لكن ملحه أفسد الانحياز للجدران) وفي قصيدة يوميات الغرفة (تريد فسحة لفرد عجينك على ملاءة حارة) وفى قصيدة جثةص57(من فائض الاسمنت في الكفن) وعبارة (البثور أكبر من صلاة الجمعة)وفي قصيدة قيلولة تعبير (الثديات القلقة) وفى قصيدة عمال الهرم (الشيطانان تمشيا على نصف الحجارة ) فغير مفهوم مثلا من الشيطانان وما مدلول وصف المخدة  بالأسيرة؟ كذلك في قصيدة العرجون نشبيه الصراط بحجارة الانتخابات ..الخ.

وأخيراً أتوقف عند هاجس حينما يذكر في الشعر أو في أي ابداع فإنه يدعو القارئ للانتباه وهو هاجس الجنس والذى وظفه الشاعر بين الإحالة لدلالة ما أو كتفصيلة حياتية للحالة نفسها .فمثلاً فى قصيدة عمال الهرم (نمطر شبابيك نسائهم ،نفردهم كعجينة البيتزا، نلحقهم فخذا بفخذ) نجد استعمال الجنس كأداة، يشير لمؤامرة عن الشرف تدار من وراء رجال تشغلهم خدعة الانجاز، وفي قصيدة أمام المقهى (أريد أن أصب صفيحة لبن فى الخيال على كل انحناءة فى هدومك /على الكسر الملموم بين جلدتين) هنا تفصيلة للحالة ذاتها وجاءت بأوصاف واشارات صريحة كذلك مثلاً في قصيدة الطريق الى هناك (وانت تلوثها كوحش) وفى قصيدة يوميات الغرفة (كنت سأنام لكن شيئا عند الخاصرة يقاوم) و الاشارة للاستمناء (أنام خمس دقائق مع واحدة بالصابون ) ...الخ

قد يكون ملمح تحريك الذهن والاستعاضة عن المثل العليا والقيم المباشرة بأمثولات مادية نستطيع اخضاعها للكشف أو الإكتشاف ،قد يكون ذلك مدخلا لقراءة ديوان " الخروج الى البيت " الصادر عن دار روافد 2013، حيث اللغة مكثفة والدلالات تلامس الغموض أحياناً وتجاوز الحدة غالباً،منتقلا من الخاص إلى العام ومن  مستوى دلالى الي آخر،  فى أقسام الديوان الثلاث (الخروج الأول /الخروج الى هناك/الخروج الأخير)، وقد لمست تميزا خاصاً فى قصيدته الطويلة (فى الطريق الي هناك) ص41 وكذلك قصار القصائد حلم/ جرأة/ جرس/ قيلولة/ لم أعد اكتب/ حسرة / رسالة/ بعد المغرب /جلسة الجمعة.

 

كاتب وشاعر مصري

@salehelghazy