مع أن عبدالرشيد الصادق محمودي بدأ بكتابة الشعر في الستينات، إلا أنه توقف عن الكتابة الإبداعية لسنوات طويلة انشغل عنها بغيرها، وها هو يعود لها في كل من القصة فنشرنا له أحداها في العدد الماضي، والشعر.

نبيذ الصيف

عبدالرشيد الصادق محمودي

مطر هطال أخلى الشارعَِِ
إلا من رجلٍ يتلفت فى وجلٍٍ
ويصيخ السمع
ما بين مبانٍ صامتةٍ ومقاهٍ فارغةٍ،
ونوافذ أرخت
قبل حلول الليل ستائرها
وبروقٍ خاطفةٍ وهزيم الرعد
صخبٍ يصمى، لكن لا يخفى
عنى ما بث الهمس
من أنباءٍ عن صحو الأمس.

فى شرفة مقهى الحى تداعى عشاقٍ
ليعيشوا لحظة صفوٍ نادرةٍ وسرور
شربوا أنخابا للصيف، وغابت عنهم
ذكرى ماضٍ ولى،
ونبوءاتٍ حمقاء عن المستور
فى بطن الغيب
وامتد الحاضر إكراما للحب
ومجاملة لحنين تحمله
شفتان إلى شفتين
ويدٍ تسعى نحو الأخرى
لتعانقها
وعيون ولهى
وهناك صدورٍ ناهدةٍ، وفساتين
انحسرت لتبوح بما أخفت
ووعودٍ تبذل فى كرم
وعهود.

أفلم يبصر أحدٍ منكم فى زحمةٍ
هذا المقهى آنسةٍ جاءت تتهادى
تطلب من تهوى
قالوا: ما إن ظهرت
حتى دارت أعناق والتفتت
مرآةٍ كانت غافيةٍ
هزتها الصورة فانتفضت
قالوا: لم تبرح مقعدها
حتى انحدرت
نحو الغرب الشمس
ظلت تستفتى ساعتها
حتى فقدت إشراقتها
ثم انطلقت لا ندرى أين
اتجهت
وتساءلنا: هل أعياها اليأس؟
هل كانت دامعة العينين؟

أفحظك فى الدنيا ألا تأتى
إلا بعد استنفاد نبيذ الصيف؟
ورحيل النور؟

القاهرة