منذ 1993 يقيم الشاعر العراقي في النرويج: «يقيم ولا يقيم...حتى تطأ قدماه شواطئ الفرات وأزقة الناصرية!»، ويستعيد الشاعر هنا مرارة المنفى، وفقدان الأخ، في هذه الذاكرة المثخنة بجراحاتها.

رثاء أخي

طارق حربي

 

خلا ناظري من طيفِهِ بعد شخصه
                               فواعجبا للدهر فقدا على فقدِ
                                             (البحتري)


أكتبُ
تحت لساني تذوب مرارات الثلج النرويجي:

الناس نيام.. الأرض حرام
لا وسط بين النيران
وفوُّهة مائلة نحو عراق الذبح

إذا مااشتبك جنود بالبارود
إذا سموات الله انغلقتْ
بعكاكيز المبتورينَ
وروائح مدفونينَ إلى النصفِ

ـ صبغ (بسطاله) في صبح عاقر
لايلد إلا صبحا عاقراً
وتوجه إلى حرب طائشة!
 

ـ مااللغة التي تناثر فيها دمك الغالي!؟
أين أقع على أثر منك ياحسين..كنت أصيح!

ـ إبن ثماني عشرة
والحرب ابنة عامين كبيسين!

كيف أصفها!؟
الأيام المتدثرة برماد القتلى
لاتشبهها إلا الأيام المتدثرة برماد القتلى!
والأشباح ذوات الأجواف المجروحة في أحلامي
عبرت حقل الألغام
وأنّت في الصحراء المهجورة على طاولتي

 تتجدد هذي الدنيا الفانية في رأس السنة
تتطهر حتى الأنهار من الآثام
ولايتطهر قلب الإنسان

حملت مهج معها قرائنها
ورموزا راودها الشك بجدوى العالم

كان تعلم للتوِّ كتابة رسائل حب
ويضع على أذنيهِ (راديو ترانزستور)
يابانيا ذا جلد أحمر
وتشهق روحه
إلى برج حمام في السطحِ
ليقبل بنت الجيران
صعد
وطار
وحلق بأجنحة
ثم توارى عن الأنظار

قبله .. بعده .. ماأكثرهم!؟
من الأعماق إلى اليابسة
جنود مدافع اضطرمت فيهم نيران
من الأعماق إلى اليابسة
مشاة زحفت بهم الأقدار
مضطجعين على نقالات
يبس الدم عليها خرائط وشيفرات

دروع
إنصهروا مع أبراج الدبابات
ثم حملتهم المديرية العامة للميرة إلى أكوام السكراب!

في (الخلفيات)
حسبوا أن ينجوا من الموت
جنود كيمياوين
حسبوا أن لن يدركهم فانتفخوا
عادت لهم الريح
بغاز الخردل
والزومان
والزارين
وفساء جنود إيرانيين
شبعوا من الفستق واللوز!

- لو يحمل صليب أحمر
أزرق
أصفر
أو حتى أغبر
شيئا من ذكراك!؟
يدقُّ جرس البابَ
يجفل قلب الأم
ينكسر الصبح بقدح الشاي!؟
 

إلى أرضك ياوطني
ليلا ونهارا
راقبتُ الأنهار الجارية من الكتب المقدسة
إلى أرضك ياوطني
علَّ غريقا يطفو
من حرب سابقة وأقول: أخي
وصبرتُ على نموِّ الأشجار طويلا
أتأمل في الخلقِِ
قلتُ لعل حسينا ينمو مع الأغصان
فأعرفه من لون البشرة السمراء
أو من خاتم إصبعه الإسلامي!

زحزحتُ صخورا من أرض النهرينِ
وجدت وجوه جنود ضاحكة
أخرى صامتة خجلى
سألني أحدهم إن كانت حرب الجبل
قد وضعت أوزارا
وعاد الأحياء إلى السهلِ!؟
 

فتشتُ النسمات العذبة
عن أنفاسك
سألت الأسرى
ممن عادوا من إيران بلاذاكرة
مذهولينَ وتوابينَ
ونصف النصف
سألت رقيما طينيا
عما يمكن أن ينتهي به العالم في التقويم

شاعر من العراق يقيم بالنرويج
22.1.2007