عتبـــه دخـــول :
يستوجب تحليل الرواية وتفكيكها بنيويا وسرديا دراستها عبر مستويين: مستوى القصة ومستوى الخطاب.ومن ثم، يتضمن مستوى القصة الأحداث، والشخصيات أو القوى الفاعلة، والفضاء بمعطياته الزمانية والمكانية.أما الخطاب السردي داخل الرواية، فينكب على دراسة الملفوظات اللغوية، وتحليل المستويات السردية من منظور، ووصف، وزمن، وصيغة، وبلاغة، ومعمار. بعبارة أخري، فالقصة ليست هي الخطاب، كما أن الخطاب ليس هو النص؛ فالقصة هي "المادة الحكائية" التي تتشكل في مخيلة الكاتب، قبل أن يمسك قلمه ليفرغها علي الورق، فإذا تحقق فعل الإفراغ ليتأسس عنئذ الخطاب السردي الخطاب. وهذه المادة الحكائية قد تكون تاريخية أو أسطورية أو واقعية.. والزمن في القصة خطي متسلسل. والروائي حينما يعتمد على هذه المادة الحكائية فإنه يقوم ب "تخطيبها" أي بتحويلها من قصة إلى خطاب. يتجلى ذلك مثلا في تقنية "اللعب" السردي، وكذلك "اللعب" بالزمن. إن الزمن في الخطاب يكتسب دلالة جديدة مغايرة لزمن القصة.بمعنى أن المكونات القصصية تتكلف بها السيميوطيقا السردية. في حين، تهتم البنيوية السردية أو علم السرد بدراسة الخطاب أو الشكل الذي يرد عليه المتن الحكائي. وفي ضوء هذا التصور، فإن دراستنا لتمظهرات الخطاب الروائيسوف تنبني علي المحاور الثلاثة للخطاب السردي وفق تصور جيرار جنيت (Gérard Genette)، باعتباره بنيويا سرديا، حيث حصر الخطاب أو الشكل في ثلاثة محاور كبرى، وهي:، الصيغة، الرؤية السردية والزمن السردي. ومن ثم، فقد اخترنا لتطبيقنا البنيوي السردي رواية:” اللجنه” للروائي صنع الله إبراهيم. إذاً، ماهي مقومات الخطاب السردي في هذه الرواية بناء وصيغة ومنظورا وزمانا؟ وماهي مجمل الوظائف التي تتضمنها هذه المكونات الخطابية إن دلالة وإن شكلا وإن مقصدية؟ هذا ما سوف نركز عليه في هذه الورقة التي بين أيديكم.
خطاب العنوان :
يشكل العنوان فاتحة خطاب الرواية، و أولى عتبات النص : حيث يمثل ملفوظ ما قبل الحكي الأول و ما بعد الحكي الأخير، وهو وثيق الصلة بهما، و إن بدامستقلا عنهما، باعتبار ما يتضمنه من مؤشرات جمالية و دلالية تستمدّ بلاغتها من الإحالة إليهما إيحاء لا إعلانا.
ويحمل الكتاب، مطلب القراءة و التحليل، فى غلافه اى إثباته الاول ثلاثة عناصر اساسية
1- اللجنــة.
2- صنع الله إبراهــيم.
3- رواية.
يمثل العنصر الاول عنوان الكتاب، وقد حظى هذا العنصر بالاهتمام فى الأبحاث التى تعنى بالمواد و المكونات التى تدخل فى حقل ما يقع على هامش الأدب أو بموازاته او عتباته.
وقد حدد جيرارجنيت ثلاث وظائف للعنوان، هى بالتسلسل : التعرف على العمل، تعيين مضمونه ثم إبرازه.
و لا شك أن" اللجنة " تندرج ضمن التصنيف الثانى، مع احتفاظ العنوان بمؤشر ذى طبيعة تيمية، تتوفر على قابلية الإيحاء بوجود تيمة محددة فى النص،يمكن اختبارها والتأكد من درجة قدرتها الإحالية فى مضمار القراءة وحسب نوعية التأويل ؛ فكأن الكاتب يريد من البداية أن يرسم للقارئ دليل السير الممكن للتحرك فى مسار كتابته من منطلق أفقى قبل الولوج إليها عموديا.
و بصورة مجملة فإن العنوان، فيما نحن بصدده، ينبغى أن يؤخذ بوصفة أداة و تعبيرا عن " إستراتيجية " نصية تبنى مشروعها بتعدد الأدوات و الأشكال و الأصوات بدءا من الكلمة الأولى فى العمل إلى لانهائية صداه فى التلقى.
و الرواية التي نحن بصدد مقاربتها تحمل عنوانا مفردا (اللجنة)، وهو مبتدأ معرف يحتاج إلى خبر، وهذا الخبر يمكن التوصل إليه من خلال استنطاق الحبكة الروائية. ويحيل العنوان على الطابع السلطوي و المؤسساتي والرسمي لهذه اللجنة على الرغم من ادعائها الاستقلالية عن السلطة. فاللجنة- هنا- بمثابة جهاز مخابرات سرية تقوم باستنطاق المواطنين الغيورين على بلدهم، من خلال توجيه مجموعة من الأسئلة لمعرفة هويتهم وحقائقهم الذهنية والوجدانية. وبالتالي، فاللجنة نظام للمحاسبة والمكاشفة السياسية ورمز للتعذيب الإنساني واستمرار للسجن ومصادرة حقوق الإنسان.
طبوجرافيا النص:
تبلغ المساحة النصية للرواية (119) صفحة، موزعة على ستة فصول غير معنونة ولا مرقمة، حيث يفصلها البياض الذي يعقبه السواد ليعلن بداية الكلام.
ومن الناحية الخارجية، يتصدر على الغلاف الخارجي الأمامي عنوان الرواية ( اللجنة)، وقد كتب بخط بارز باللون الأحمر؛ليعطي انطباعا بخطورة اللجنة والتلميح إلى الإجرام وسفك الدماء والتعذيب وكثرة عدد أفرادها الذين يشكلون مؤسسة مدنية وعسكرية بشكل متداخل.
وإلى جانب العنوان وتعيين النوع، نجد صورة واقعية رسمت بتشكيل كاريكاتوري ساخر تبين أعضاء اللجنة وهم يستنطقون إنسانا عاريا ومهانا في كرامته وفي حقوقه الفطرية الطبيعية بطريقة عسكرية قائمة على القمع وفرض السلطة بالقوة والعنف والتهديد الإجباري. و في اسفل غلاف الرواية نجد اسم الكاتب مدونا إلى جانب صورة الغلاف التي تلخص المشهد الأول من الرواية.
وفي الغلاف الخلفي للرواية، نجد مقطعا روائيا اقتطف من داخل الرواية للاستشهاد به، يمثل بؤرة الرواية وخصوصياتها الفنية والدلالية والإيديولوجية، إلى جانب صورة كاريكاتورية لصنع الله ابراهيم رسمت بخربشات قلم وهويدخن سيجارا يتأمل من خلال دخانها صورة الواقع العربي المفارق.
أحداث الحبكة السردية:
تبدأ رواية اللجنة بهذا المقطع :
"بلغت مقر اللجنة في الثامنة والنصف صباحا، قبل نصف ساعة من الموعد المحدد لي". فقد استهلال كاتب روايته بمثوله أمامأعضاء اللجنة الذين أهانوه كثيرا بأساليب وقحة وبشعة مستفسرين إياه عن كثير من المسكوتات السياسية والأخلاقية، وكانت هذه اللجنة ذات صبغة عسكرية على الرغم من مظهرها المدنيا لذي يتجلى في بعض الشخصيات.
لقد أحس الكاتب بذعر كبير وهو أمام اللجنة التي طلبت منه أن يرقص ويظهر عورته غير مبالية بمبادئ حقوق الإنسان، وظلت تحاوره وتستخبره في أمور خطيرة جدا لها علاقة بالأخلاق والسياسة والمعرفة العلمية. ويحاول الكاتب أن يجيب مظهرا براعته في الكلام وتفوقه في الجدال الاقتصادي والسياسي، وذلك بتشريحه للمجتمع العربي الذي انتقل من القطاع العام إلى سياسة الانفتاح والتنويع والتطبيع. وبعد ذلك، طلبت منه اللجنة أن يهيئ بحثا عن ألمع شخصية في العالم العربي. ولقد تردد الكاتب كثيرا، وبعد ذلك اختار أن يكون موضوع دراسته هو التنقيب "في سيرة الدكتور" بطريقة جديدة تتداخل فيها المناهج والعلوم. ولقد توصل إلى حقائق ونتائج خطيرة، مما جعل اللجنة تتدخل لتوقف هذا البحث الذي أثار كثيرا من المشاكل للجنة؛ مماأودى بالكاتب المحاصر ليتخلص من مراقبه "القصير" الذي كان ينغص عليه حياته ويراقبه في أي حركة يقوم بها. وكان يعد عليه أنفاسه التي تخرج من صدره ول وكان يقضي حاجته الطبيعية، والأدهى من ذلك، أنه كان ينام معه إلى جواره في سرير واحد كأنهما في سجن من نوع خاص.
ولقد استدعته اللجنة لمحاسبته مرة أخرى بعد تخليصه من مراقبه "القصير". وبعد التبريرات التي قدمها لأعضائها العسكريين، انسحبت اللجنة وتركوه ليتآكل بشكل مأساوي. وهكذا أوقعه هذا التآكل في تطاحنات فاشلة مع عملاق الأوتوبيس وطبيب العيادة الخاصة. ويمكن أن نحدد أحداث الفصول في العناصر التالية:
- الكاتب أمام اللجنة لأول مرة قصد استنطاقه ودراسة ملفه وتقويمه.
- إعداد الباحث لموضوع عن ألمع شخصية عربية.
- اقتراب الكاتب من جمع المادة النهائية والبداية في تدوين المعلومات وتأليف الكتاب عن "الدكتور" اللامع في جميع البلدان العربية.
- محاصرة القصير للكاتب وهو في منزله أثناء تفكيره مليا في البحث الذي سينجزه عن "الدكتور" إما بتنفيذه وإما بالتخلي عنه.
- اللجنة تنظر في أمر الكاتب قصد التأكد من اعترافاته وصحة مبرراته وتقويم نتائج بحثه المعرفي.
- لحظة المأساة والتمزق الداخلي والموضوعى
صيغة الخطاب و تعدد الأنساق :
تعدّ الصيغة – مكوّنا أساسيا من مكوّنات الخطاب – مفهوما إشكاليا، يلازمه الالتباس رغم تعدّد المقاربات النقدية التي رامت وضع تحديد دقيق له. وهو ما يعترف به تودوروف في قوله : "مقولة الصيغة من الطبيعي جدا أن تكون أكثر المقولات تعقيدا". ويعود هذا الالتباس الذي شكّل صفة دالّة على هذا المصطلح إلى عدم اختصاصه بمجال معرفي بعينه، حيث يستخدم في علوم المنطق و اللسان و السيميائيات و العلوم الإنسانية إلى جانب الأدب. وكلّ منها يدّعي امتلاكه له. و باعتبار اشتغالنا على عمل أدبي ينتمي إلى مجال السرد الروائي، فإنّ مقاربة تودوروف النظرية لمفهوم الصيغة تبدو منطلقا مناسبا يتيح لنا تحليل خصائص أنماطها الجمالية مثلما تتجلّى في بنية الخطاب السردي لرواية، " اللجنة ".
فتودوروف يحدّد الصيغة بكونها "الطريقة التي بواسطتها يقدّم لنا الراوي القصة"، ممّا يفيد أنّ أهمية البحث في الصيغة و ما تضطلع به من دور في تشكيل الأنساق البنائية للخطاب الروائي، تكمن في استجلاء ما تقوم عليه من أنماط خطاب، تنتظم تحت نمطين أساسين هما : السرد و العرض، يرتبطان بالقصة كما بالخطاب، وبالراوي كما بالشخصية الروائية.
و يتميّز الخطاب السردي في رواية " اللجنة " بخصوصيته التي تتمثّل في تعدّد صيغه الخطابية و من ثم تعدّد خطاباته، ممّا يحتّم علينا تحليل خصائص كلّ خطاب على حدة بغية إبراز خصائصه على صعيد التشكيل و الرؤية و إن كنّا ندرك تداخل هذه الخطابات فيما بينها داخل أنساق الخطاب و ذلك بأشكال مختلفة و متنوّعة، تتجلّى في صيغ ثلاث رئيسية هي: صيغ الخطاب المسرود، والخطاب المعروض، والخطاب المنقول.
وقد وظف الكاتب في روايته أنماطا أسلوبية جديدة تستند إلى استعمال قصاصات من أنباء الصحف والمقالات والإعلانات الإشهارية لإضفاء الواقعية والموضوعية على الرواية، إلى جانب استعمال أسلوب الريبورتاج التسجيلي الصحفي، واستخدام الصور الكاريكاتورية الساخرة القائمة على السخرية والمفارقة، وتنويع الأساليب والأصوات الإيديولوجية. وقد شغل الكاتب خطابات تناصية عديدة كالخطاب التاريخي القديم منه والمعاصر(الفرعوني والإسرائيلي)، كما استعمل الخطاب السياسي (القومي- الاشتراكي- الانفتاح)، والاقتصادي واللغوي والفني والأدبي.
وقد وظف السارد السخرية التى إتخذت شكل خطاب تقييمى في تقديمه للكوكاكولا باعتبارها منتوجا يجسد "المعاني السامية والخالدة للعصر"، وهو ما نستشفه من مجموعة من الحقول المعجمية المتناثرة في الرواية :
"لن نجد أيها السادة بين كل ما ذكرت شيئا تتجسد فيه حضارة هذا القرن ومنجزاته بل آفاقه مثل هذه الزجاجة الصغيرة الرشيقة التي يتسع إست كل إنسان لرأسها الرقيقة".
فمن خلال هذا الخطاب، وما تضمنه من حمولات معرفية دلالية راح السارد يفضح السياسة الأمريكية القائمة على قيم مزيفة باسمها تغزو العالم وتستعمره بطرق مختلفة أبشعها الغزو السياسي. إذ تهاجم أمريكا الشعوب باسم قيم زائفة تدعوها الحرية والديمقراطية والازدهار، لكنها على مستوى الواقع والمتخيل تترجم في سياسة بربرية تقوم على إبادة الشعوب وثقافتها وثرواتها، لأن أمريكا تؤمن بأن وجودها لا يقوم إلا إذا كانت بديلا للحضارة التي تغزوها، وهذا ما يشهد عليه التاريخ في مراحل متعددة من سياسة الولايات المتحدة. فقد كتب حاكم ولاية كاليفورنيا إلى المجلس التشريعي سنة 1860 قائلا عن الهنود(24) إن الرجل الأبيض الذي يعتبر الوقت ذهبا ويعمل طول نهاره ليبني حياة سعيدة لا يستطيع أن يسهر طوال الليل لمراقبة أملاكه... ولم يعد أمامه من خيار سوى أن يعتمد على حرب إبادة.إن حرب الإبادة قد بدأت فعلا ويجب الاستمرار فيها حتى ينقرض الجنس الهندي تماما"(25)هو أمر يفضحه السارد في مقاطع كثيرة وهو يتحدث عن الكوكاكولا. إذ يوازي خطابه بين النبرة التثمينية المخادعة للمنتوج والتلميح الساخر لسلبياته لا باعتباره سلعة، وإنما قيمة رمزية تجسد الغزو في جميع مستوياته.
ويزاوج الكاتب بين الحوار والأسلوب غير المباشر بشكل متوازن مستعملا لغة موضوعية في كثير من الأحيان مع تطبيعها بلغة إنشائية ذاتية حبلى بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية النبيلة التي تصور عالم المفارقة وتدعو إلى تغييره وتحلم بعالم آخر أكثر عدالة وسعادة. وعلى الرغم من ذلك، تتسم الرواية بلغة الصحافة والتقرير التعييني، والابتعاد كثيرا عن لغة البلاغة والتصوير البياني والتشبيهات الأدبية التي كنا نجدها كثيرا في المقاطع الوصفية في الرواية الكلاسيكية سواء الواقعية منها أم الرومانسية.
الرؤية وتعدد المنظور :
يمكن أن نصف رواية "اللجنة" بإنها رواية كشف ذاتي وبوح سري ؛ لهذا كان بدهيا أن تقدم الأحداث فيها من خلال منظور الرؤية المصاحبة(مع)، حيث معرفة الكاتب مساوية للشخصية الرئيسة في الرواية. ومن ثم، فالتبئير داخلي في هذا العمل السردي. ومنه تنطلق الرؤى المغايرة الأخرى لتشكل ظلالا جزئية تضرب على الإيقاع الرؤيوي المصاحب.
و تتحدد منذ البداية علاقة غير متكافئة بين السارد -الشخصية واللجنة. وهي علاقة تتراوح بين الغموض والتحدي.غموض يوهمنا به النص الروائي وهو يقدم لنا اللجنة، بحيث لا نعثر فيه على ما يحددها بشكل جلي يجعل من أعضائها شخصيات واضحة المعالم، فيتكسر بذلك أفق انتظار القارئ الذي اعتاد أن يستقبل الشخصيات اعتمادا على أوصاف اعتبرت في النقد الكلاسيكي ضرورية، كالاسم الشخصي والعائلي والانتماء الجغرافي، وغيرها من السمات التي تغني البطاقة السيميائية للشخصية في النصوص الواقعية عادة. يكتفي السارد بتعيين اللجنة إما من خلال ضمير الغائب المفرد أو الجمع، أو عبر صفات قدحية مثل : "عجوز متهالك، ذو عوينات طبية سميكة، "(3) لون العينين "(4) قصير القامة، قبيح الوجه "(5) هي صفات لا تخصص هوية الشخصية لأنها صفات عرضية، ولا تغني بطاقتها السيميائية التي عادة ما تعتمد على " سماتوخصائص تستمد من العالم المرجعي للقارئ"(6) الشخصية في النصوص الروائية.
وتبدو الشخصيات في اللجنة هجينة تفتقد إلى الركائز الأساسية التي تجعلها تنتمي إلى هذا الصنف أو ذلك. فالنص يركز على السارد الشخصية أكثر من تركيزه على أعضاء اللجنة.كما أنه وهو يقدمهم لا يلتفت سوى إلى هذه السمات الهزيلة التي لا تخصص الشخصية كما أشرنا سابقا.
البنية الزمكانية :
وللرواية بناء دائري تبدأ بلحظة الدخول إلى مكان تواجد اللجنة وتنتهي بلحظة الخروج بعد فشل الكاتب في بحثه الذي لم يقنع اللجنة؛ مما جعلها تتركه عرضة التآكل والانهيار الداخلي والذوبان المأساوي. وعلى مستوى البنية الزمنية، تتخذ الرواية إيقاعا كرونولوجيا متصاعدا وكذا إيقاعا منطقيا من خلال تسلسل الأحداث على النحو التالي:
وجود الكاتب أمام اللجنة← اللجنة تكلفه ببحث عن ألمع شخصيةعربية← الكاتب يكاد ينتهي من البحث← محاصرة القصير للباحث بعد وصول الأخير إلى نتائج خطيرة← النتائج التي ترتب عنها اجتماع الكاتب مع اللجنة مرة أخرى بعد تخلصه من القصير← تآكل الكاتب داخليا وموضوعيا.
وما بين مثول السارد امام اللجنه وتآكله داخليا وخارجيا، كتب هذا النص ليقيم مرحلة سابقة في تاريخ مصركانت موضوع انتقاد العديد من المفكرين والسياسيين، وهي الفترة الساداتية التي تميزت بانفتاحها على الولايات المتحدة وتخليها عن حليف استراتيجي سابق هو الاتحاد السوفياتي وما نتج عن ذلك من سلبيات، لكنه يظل محتفظا بقيمته -كما بينا سابقا-، على مستوى الواقع/ الحاضر، والمتخيل نظرا لعمق تصوره و رجاحة مواقفه. فأطروحته تستمد قوتها من استمرار فعاليتها انطلاقا مما وقع حاليا في العراق خاصة، حيث يتأكد تصور الروائي ونظرته الناقدة التي لا تخص مصر فحسب، وإنما السياسة العربية عامة إزاء الولايات المتحدة. وهي نظرة محذرة تنبئ بعمق مخاطر الانفتاح وسلبياته.
وتتأكد مرجعية التجربه : أى المحنة الت مر بها السارد، والتى تمثل إطار الحكايه، من خلال استثمار الكاتب لفضاءات التي ركزت عليها الرواية، مارست دوراً عدائياً مضاضا للسارد، تفتقر إلى الحميمية والدفء والشاعرية (مبنى اللجنة- السجن- العيادة- الشارع- البيت المحاصر...)، وهي فضاءات توحي كذلك بالخوف والرعب وعدم الطمأنينة سواء من الناحية الداخلية أم الخارجية. والكاتب مقل في وصفه إذا استند إلى الإيجاز والتركيز والإيحاء على غرار الرواية الجديدة بدلا من التفصيل والاستقصاء كما هو الشأن في الرواية الواقعية المحفوظية أوالبلزاكية.
عتــبــه خــروج :
تتميّز بنية الخطاب السردي لرواية "اللجنة "، بطابعها الحداثي علي مستوي المضمون ومستوي الشكل.
فعلي مستوي المضمون يمكننا القول إن رواية اللجنة حاولت دخول المنطقه الحرام التى لا يمكن أن يلتقي فيها المثقف والسلطة، من خلال الإلحاح علي إبراز طبيعة هذه العلاقة الجدلية ؛ فهي رواية واقعيةانتقاديةتنبنيعلىالسخريةالكاريكاتوريةوالبارودياوالمفارقةالمذهلة. يتداخل فيها السياسي مع المعرفي، والتاريخي مع الاقتصادي، واللغوي مع الأدبي،كما تصور صراعا لمثقف مع أنظمة القمع وإعدام المعرفة إقبارا ومنعا.
وعلي مستوي الشكل،كّرس تعدّد صيغ الخطاب و تنوّع أنساقها هذا الطابع الحداثي، حيث أنتج تنوّع الصيغ خطابات متعدّدة يتقاطع فيها الذاتي و الموضوعي، الروائي و التاريخي، المتخيّل والمرجعي، وهي خطابات أغنت بنية خطاب هذه الرواية جماليا و دلاليا، وشكّلت تنويعات له.
و قد وسم التعدّد والتداخل الرؤية السردية التي انبنت على نوع من المراوحة بين الرؤية منالخلف، والرؤية مع، وإن هيمنت هذه الأخيرة؛ فبسبب هيمنة شخصية الساردالذي تمارس التبئير والسرد معا، فضلا عن تشكيلها الموضوع الأساسي لكل منهما.
كما تجلّى في رواية"اللجنة" تعدّد الأزمنة وتداخل أنساقها، وإن كانت الهيمنة للزمن السردي الآني الذي جاء ملائماً لعملية التحقيق مع السارد.