تقديــم :
تفرض الكلمة المنطوقة نفسها على أسماعنا أناء الليل وأطراف النهار، سواء في الشارع أو البيت، أو في قاعات الدرس، أو عن طريق الإذاعة المسموعة والمرئية، كذلك تُلحُّ الكلمة المكتوبة على أعيننا أينما ذهبنا، في الكتب والصحف والمجلات، وفي الشارع على شكل إعلانات ولافتات. وللكلمة كيان مستقل في الكتابة والطباعة، كما تتمتع بذاتية واستقلال في المعجم، وهي بعد هذا وذاك تخضع في استعمالها لعدد لا يخص من القيود والعادات، بل كانت في كثير من الأحيان موضوع العبادة والتقديس كما أحاطت بها أساطير وعادات فراغية.
الكلمة في المعجم:
يقول ابن منظور (ت 711هـ): " إن للكلمات أعمالا عظيمة تتعلق بأبواب جليلة من أنواع المعالجات، وأو ضاع الطِّلِّسْمَات، ولها نفع شريف بطبائعها، ولها خصوصية بالأفلاك المقدسة، وملائمة لها، ومنافع لا يحصيها من يصفها"[i]، لهذا كله لم يكن من الغريب أن تتفرد الكلمات باهتمام خاص من علماء اللغة قديما وحديثا. فقد نجد الكثير من الناس وبعض علماء اللغة والمعاجم يتصورون الكلمة في صورتها المكتوبة أكثر من المنطوقة، ولعل ذلك يرجع إلى تأثير ملايين الكلمات، التي نراها، ولكن من الحق أيضا أن نقول إن علماء المعاجم ظلوا لفترة طويلة ينظرون إلى الكلمة في شكلها المكتوب، وخاصة فيما يدرسونه من نصوص لغوية فيما يعرف بفقه اللغة عند الغربيينPhilology [ii].
الكلمة اصطلاحا:
وقد حاول بعض علماء اللغة المحدثين وضع تعريف عام للكلمة بحيث ينطبق هذا التعريف على كل اللغات، آخذين في الحسبان وجهات النظر المختلفة الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية، ومن ثم تعددت التعريفات، وواجه كل تعريف منها نقدا من علماء اللغة على اختلاف مدارسهم[iii]. ولعل أشهر من عرَّف الكلمة من علماء اللغة المحدثين، العالم اللغوي "بلومفيلد" Bloomfield الذي قال:" الكلمة هي أصغر صيغة حرة" [iv]. ومعنى هذا أن الكلمة عنده هي أصغر وحدة لغوية يمكن النطق بها معزولة كما يمكن أن تستعمل أو تدخل في ترتيب جملة أو كلام، ومع ذلك فإننا، قد نجد في بعض اللغات كلمات لا ينطبق عليها هذا التعريف، ففي اللغة الإنجليزية مثلا نجد عناصر لغوية مثل: "a" أداة التعريف "the" لا تستعمل بمفردها، ومثل ذلك في اللغة الفرنسية وكذلك حروف الجر وبعض الضمائر في اللغة العربية.
أما عالم اللغة الإنجليزي "فيرث"Farth، فقد اعتمد في تحديد الكلمة على الاستبدال التقابلي في الوحدات الصوتية للكلمة أي أن حدود الكلمة وماهيتها تحقق عنده بواسطة هذه العمليات الاستبدالية، فكلمة مثل Pin قد تصبح طبقا لذلك Bin أو Panأو Pit، فإذا أضفنا إليها صوتا جديدا قد تصبح Spin، وأما الحذف فيحولها إلى in.[v]
فإذا مضينا في تتبع التعريفات التي وضعت للكلمة وجدنا عددا من التعريفات أثارت عاصفة من الجدل حولها فمن ذلك:
1. تعريف "ترنكا"Tranka الذي يقول: "الكلمة وحدة يمكن إدراكها عن طريق الفونيمات وهي قابلة للإبدال ولها وظيفة دلالية[vi].
2. وعرّف "ماتيسيوس" Mathesins الكلمة بأنها "أصغر وحدة صوتيه لا يمكن أن ترتبط بوحدات أخرى"[vii].
3. وقال "فاشيك" Vachek ؛ إن الكلمة "هي جزء من الحدث الكلامي له صلة بالواقع الخارج عن اللغة، ويمكن عدُّها وحدة غير قابلة للتقسيم، ويتغير موضوعها بالنسبة لبقية الحدث الكلامي"[viii].
4. وعرّفها "أنطون مييه"، بقوله: "تحدث الكلمة من ارتباط معنى ما بمجموع ما من الأصوات قابل لأن يستعمل استعمالا نحويا[ix].
وبالرغم من تعدد التعريفات على هذا النحو، فقد وجد علماء اللغة أن كل تعريف منها غالبا ما يهمل بعض الخصائص اللغوية أو الوظيفية للكلمة، كما لا ينطبق على كل اللغات على اختلاف عائلاتها وخصائصها .
وقد حُصرت هذه الأخطاء التي تضمنتها هذه التعريفات، من طرف بعض العلماء فوجدوا أن هذه الأخطاء غالبا ما تكون واحدا من الأربعة الآتية أو كلها معا وهي:
1. إضفاء أهمية مبالغ فيها أحيانا على الملامح الدلالية وحدها دون النظر في طبيعة العلاقة المعقدة بين الصوت والمعنى.
2. عدم تقدير أهمية علاقة الكلمة بالجملة وعلاقة الجملة بالكلمة.
3. عدم الفصل بين خصائص الكلمة من الناحية اللغوية وبين أهميتها الدلالية.
4. الخلط في تعريف الكلمة، واللغة في حالة التطور، وتعريفها واللغة في حالة الثبات.
وبناء على ذلك أخذت فكرة وضع تعريف جامع مانع للكلمة تتراجع وحلت محلها فكرة وضع معايير عامة يتوخاها كل من يتصدى لتحديد ماهية هذا الصوت المعقد الذي يسمى الكلمة، وهذه المعايير هي:
1. الإدراج Insertion
2. الإبدال Substitution
3. التعاقب séquence
4. الاستقلال Independence
5. التركيب الضوئي Phonemic structure
6. الجانب غير الفونيمي Nom-Phonémique [x]
غير أن هذه المعايير قد لا تستجيب لها بعض اللغات، بل تظل تحمل في طياتها ملامح لغة معينة، ومن المسلم به أن الاختلاف في تركيب لغة ما ينعكس أيضا على الوحدات اللغوية لهذه اللغة. وعلى هذا الأساس فعلماء اللغة عندما وصلوا إلى التحليل المرفولوجي للغة والكلام استوحوا من مصطلح الكلمة الغامض شديد التعقيد، فهل شاركهم في ذلك علماء المعاجم وأصحاب فن الصناعة المعجمية، خاصة بأن التحليل المورفولوجي للغة قد يضع حدا لفكرة أن يتضمن معجم أي لغة الوظائف الصرفية والنحوية للكلمات إذ هي جزء من دلالة الكلمة التي يضعها المعجمي في مقام رفيع، ومن ثم هل يمكن وضع معجم تُصنف مداخله على أساس من المورفيمات دون الكلمات؟
وقبل الإجابة عن ذلك يجدر بنا أن ننظر إلى علماء العربية القدماء ومن حيث اهتمامهم بمصلح الكلمة وتعريفه ومفهومه.
مصطلح كلمة عند علماء العربية:
أما سيبوبه (ت 180هـ) فلم يحاول وضع تعريف للكلمة ويبدو أنه أحسَّ بما يَعْتَور هذا المصطلح من غموض وإبهام، فبدأ كتابه بتقسيم أجزاء الكلام مباشرة دون الخوض في تعريف الكلمة، فالكلام عنده "اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل"[xi]. واقتفى أثره في ذلك المبرد (ت 285هـ)،" فالكلام عنده اسم وفعل وحرف جاء لمعنى"[xii]. غير أنه يستخدم مصطلح "الكلمة"، فيما بعد، ويحاول تحديده مُستندا إلى بنيتها واستقلالها يقول: "فأقل ما تكون عليه الكلمة حرف واحد ولا يجوز لحرف واحد أن ينفصل بنفسه لأنه مستحيل"[xiii]. وهو يقصد بالحرف الواحد، الحرف الذي يمكن النطق به، أي الذي يتألف من صوتين، صائت وصامت مثل حرف الجر، الباء واللام.
أما الزمخشري (ت 538هـ) فيعرف الكلمة بقوله: "هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع"[xiv]. ويتناول ابن يعيش (ت 643هـ) هذا التعريف بالشرح والتحليل حيث يرى أن مصطلح لفظة في هذا التعريف يدل على جنس الكلمة، وهو يقصد باللفظ النطق وذلك لأن الإنسان قد ينطق بالمهمل، أي الذي لا معنى له، والمستعمل أي الذي له معنى.
الكلمة إذن عند الزمخشري كما شرح ابن يعيش هي ما توافر فيها شروط ثلاثة:
1. اللفظ أو الصوت.
2. الوضع أو قصد المعنى.
3. الاستقلال بدلالة محددة.
أما جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) فيعرف الكلمة بقوله: "كلمة لغة تطلق على الجمل المفيدة وهذا الإطلاق منكر في اصطلاح النحويين وهو من أمراضها التي لا دواء لها، كما يقال، ثم يرى أن أفضل تعريف للكلمة هو أنها: "قول مفرد أو مَنْوي معه"[xv]. ويرى أن حروف المضارعة، وياء النسب وتاء التأنيث ليست بكلمات لعدم استقلالها أي أنها تستعمل دائما متصلة بغيرها، وهو بذلك يحوم حول فكرة المورفيمات المقيدة والمورفيمات الحرة، لأن العناصر اللغوية التي أشار إليها تستدرج جميعا تحت المورفيمات المعتمدة وأما قوله: " مَنْوي معه" فهو يُشير به إلى الضمائر المستكنة أو المستترة وجوبا مثل (أنت) في فعل الأمر (قم) أو جوازا في الفعل الماضي (ذهب) ويلخص لنا ابن مالك (ت 672هـ) في ألفيته موقف النحاة من مفهوم الكلمة حين يقود.
كَلاَمُنَا لَفْظٌ مُفيدٌ كَاسْتَقـم |
|
اسْمٌ وفعْلٌ ثُم حَرْفٌ الكَلمْ |
وَاحدةٌ كَلمَة والقَولُ عـَمٌّ |
|
وكَلمَةٌ بهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمّ |
وهو هنا يفرق بين مصطلحات أربعة شغلت النحاة وهي: الكلمة والكلم والكلام والقول.
من هذا كله نستطيع القول بأن الكلمة كما يصورها نحاة العربية عبارة عن صوت منطوق، وتتألف من صامت وصائت على الأقل، وتدل على معنى مستقل مفرد، ولها وظيفة نحوية، أو بعبارة أخرى، أن تصورهم يقوم على المعايير الآتية:
1. الصوت
2. البنية
3. الدلالة المفردة أو الجزئية كما يقولون.
4. الاستقلال .
5. الوظيفة النحوية، هي اسم أو فعل أو حرف جاء لمعنى.
فالكلمة عندهم من حيث هي دالة على معنى، قد تتميز عن غيرها ومن حيث هي صوت فهي ذات قيمة تعبيرية وجمالية، لأنها إذا كانت غير متنافرة الأصوات أحدثت عند سماعها متعة وساعدت على تذوق المعنى وتوصيله، ولها علاوة على ذلك طاقة تعبيرية، خاصة إذا كان جرسهم يتفق مع ما توحي به من دلالة، وكانت أصواتها سهلة المخرج سلسلة اللفظ مطابقة لما تدل عليه. ولعل ابن سنان الخفاجي ( ت 466هـ) من أوائل علماء البلاغة العربية، الذين اهتموا بالجانب الصوتي والجانب الدلالي للكلمة بما لها من صلة بمفهوم الفصاحة والبلاغة، وذلك إذ يقول: "والفرق بين الفصاحة والبلاغة أن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني، ولا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يَفْضُل عن مثلها بليغة، وإن قيل فصيحة"[xvi] أي أن الفصاحة وصف للألفاظ المفردة أو الكلمات في حين أن البلاغة وصف للتراكيب أو الجمل.
وعليه فقد حاول ابن سنان أن يحدد بطريقة منهجية المفهوم الدقيق لفصاحة الكلمة كما يراه فقال: "إن الفصاحة على ما قدمناه نعت للألفاظ إذ أوجدت على شروط عدة ومتى تكاملت تلك الشروط، فلا مزيد على فصاحة تلك الألفاظ، يحسب الموجود منها، تأخذ القسط من الوصف، وبوجود أضدادها، تستحق الإطراح والذم وتلك الشروط تنقسم قسمين:
فالأول منها يوجد في اللفظة الواحدة على انفرادها من غير أن ينظم إليها شيء من الألفاظ وتؤلف معه.
والقسم الثاني يوجد في الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض[xvii].
- أما فيما يتصل بفصاحة اللفظة المفردة فثمانية أشياء:
1. أن يكون تأليف اللفظة من حروف متباعدة.
2. أن نجد لتأليف اللفظة في السمع حسنا ومزية على غيرها.
3. أن تكون الكلمة غير متوعرة أو وحشية.
4. أن تكون الكلمة غير ساقطة أو عامية.
5. أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح، غير شاذة ويدخل في هذا القسم كل ما ينكره أهل اللغة، ويرده علماء النحو و التصريف.
6. ألا تكون الكلمة قد عبر بها عن أمر آخر يكره ذكره، فإذا وردت وهي غير مقصود بها ذلك المعنى قَبُحَت وإن كَمُلتْ فيها الصفات التي تبناها.
7. أن تكون الكلمة معتدلة غير كثيرة الحروف فإنها متى زادت على الأمثلة المعتادة قَبُحَتْ وخرجت عن وجه من وجوه الفصاحة.
8. أن تكون الكلمة مصغرة في موضوع يعبر بها فيه عن شيء الطيف أو خفي أو قليل أو ما يجري مجرى ذلك، فإما أراها تحسن به.
ثم يختم حديثه عن شروط الفصاحة بعد أن يفصل في كل واحد منها ويمثل له قائلا:
"وهذه الأقسام الثمانية هي جملة ما يحتاج إلى معرفته في اللفظة المفردة بغير تأليف، فَتَأَمَّلْها، وقس عليها ما يرد عليك من الألفاظ، فإنك تعلم الفصيح من غيره"[xviii].
تلك هي شروط فصاحة الكلمة كما تصورها ابن سنان، فإذا استبعدنا من هذه الشروط كل ما له صلة بتقييم الكلمة من الناحية التعبيرية والجمالية، لأن المعجمي لا يلتفت عادة إلى هذا الجانب من الكلمة، وجدنا أن تصور ابن سنان للكلمة يصل بجوانب أساسية من ماهية الكلمة وحقيقتها وهي:
1. الصوت
2. الصيغة
3. الدلالة.
4. الاستقلال.
ومثل هذا التصور للكلمة تجده أيضا عند عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) على الرغم من هجومه الشديد على فكرة فصاحة اللفظة المفردة كما نادى بها ابن سنان وغيره من علماء البلاغة. فالكلمة المفردة عنده من حيث هي صوت لا وزن ولا قيمة لها في فصاحة أو بيان أو بلاغة[xix] وعليه فالكلمة عنده أصوات ودلالة، بل هي رمز أو صورة ذهنية نتعرف بواسطتها عن الوجود خارج اللغة[xx].
الكلمة إذن عند البلاغيين لها وجود واضح بعيدا عن اللغة المكتوبة، فهي أصوات ذات دلالات وصيغ، بل هي كما قال عبد القاهر رمز لما في خارج اللغة، غير أنهم لم يحاولوا وضع تعريف نظرية عامة للكلمة، كما لم يحاولوا النظر إليها خارج إطار اللغة العربية، ولعل السبب في ذلك أنهم رأوا أن اللغة العربية لها خصوصية تنفرد بها عن كل اللغات الأخرى، وهذا غير صحيح من الناحية اللغوية الخالصة.
أما علماء العربية المحدثون فلم يحاول أحدهم وضع تعريف للكلمة فيما نشروه من دراسات أو أبحاث، في علم اللغة، والتعريف الوحيد، -فيما يعلم- للكلمة، هو ما قدمه تمام حسان في كتابه مناهج البحث في اللغة، وهو تعريف خاص بالكلمة العربية، وليس تعريفا عاما للكلمة بشكل عام، يقول: إن الكلمة: "صيغة ذات وظيفة لغوية معينة في تركيب الجملة وتقوم بدور وحدة من وحدات المعجم، وتصلح أن تفرد أو تحذف أو تحشي أو يتغير موضوعها أو تُستبدل في السياق، وترجع مادتها إلى أصول ثلاثة وقد تلحق بها زوائد"[xxi]. وعلى الرغم من خصوصية التعريف على هذا النحو فإن المعايير المتقدمة فيه يمكن رصدها في ما يلي:
1. وحدة من وحدات المعجم
2. السياق سواء بالحذف أو الاستبدال أو الإفراغ.
3. الدلالة من حيث هي وحدة من وحدات المعجم.
4. الوظيفة الصرفية
5. الوظيفة النحوية.
أما المعيار الصوتي فلا يكاد يذكر عنه شيئا، كأنما تتمثل الكلمة المكتوبة أكثر من المنطوقة[xxii]
ليس إذن للكلمة حد عام يصدق عليها في كل اللغات، ومع ذلك فهناك لغات، كما يقول فندريس Vandryes يسهل فيها تحديد الكلمة من حيث هي وحدة لا تتجزأ بينما هناك لغات أخرى تذوب فيها الكلمة في الجملة على نحو ما، بحيث لا يمكن تحديدها مثل اللغة الفرنسية والتركية وبعض اللغات الإفريقية. أما اللغات السامية واللغات الهندية الأوروبية القديمة مثل السنسكريتية أو اليونانية القديمة، فالكلمة فيها استقلال واضح يظهر في كثير من جوانبها الصوتية والصرفية والدلالية"[xxiii]
والبديل الحقيقي لمصطلح الكلمة، على الأقل على مستوى التحليل اللغوي هو المورفيم بأنواعه الثلاثة، ومع ذلك يستعمل علماء اللغة بالإضافة إلى ذلك مصطلحات يرون أنها أكثر دقة من مصطلح الكلمة، مثل، المفردات أو الوحدات اللغوية، أو الوحدات المعجمية. غير أن دراستهم تلك حول الكلمة كشفت عن أهمية المعلومات الصوتية والصرفية والنحوية فيما يتصل بفن صناعة المعجم من حيث ضرورة إضافة مثل هذه المعلومات في المعجم، لأنها تتصل بأهم جانبين في جوانب المادة المعجمية وهما، النطق والدلالة.
ولعل هذا هو السبب وراء تمسك علماء المعاجم بالمفهوم التقليدي للكلمة حتى الآن ومن ثم ينطلقون في صناعة المعجم من وجهة نظر مخالفة لوجهة نظر علماء اللغة لأن مهمة المعجم الأولى كما ينظرون إليها هي بيان وشرح معاني الكلمات وطريقة نطقها، لذلك فإن فن صناعة المعجم Lexicography يولي أهمية خاصة للكلمة سواء من ناحية المبنى أو المعنى نظرا لأهميتها في هذه الصناعة، من ناحية تحديد المداخل.
مصطلح الكلمة في القرآن:
إن الغموض الذي يكتنف الكلام في كل مجالات الحياة قد وجد دافعا قويا من التعاليم الدينية، ويظهر ذلك بوجه خاص من السطور الافتتاحية لإنجيل يوحنا "في البدء كان الكلمة، والكلمة عند الله، وكان الكلمة الله"، ومن الملاحظ أن جوته عندما ترجم هذا الإنجيل نفسه على لسان فاوست كان مترددا في قبول هذه النظرة التقليدية، وفي إعطاء الكلمة مثل هذه الأهمية البالغة، وقد ترجمها بالكلمتين "معنى" و"قوة" يلجأ في النهاية إلى تفسيرها "بالعمل".[xxiv]
وقد ورد لفظ الكلمة في الحديث الشريف عن أبي بكر وعلي بن محمد قالا حدّثنا محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم}[xxv]، حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم.
كما وردت الكلمة في القرآن الكريم بعدة معان وعدة صيغ سواء مفردة أو جمعا أو مثنى أو بصيغة الأمر فسوف نورد وقوع هذه اللفظة حسب صيغتها في المتن القرآني:
1. كَلِمَةُ:
أ .قال الله تعالى {إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }[xxvi] يُخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره لعلمه التام وحكمته النافذة أن ممن خلقه من يستحق الجنة ومنهم من يستحق النار وأنه لابد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين.[xxvii]
ب. قال عزّ وجلّ :{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ}[xxviii]، أفمن كتب الله أنه شقي هل تقدر أن تنقذه مما هو فيه من الضلال والهلاك؟
ج. وقال أيضا : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم }[xxix]، أي لَعوجلوا بالعقوبة لولا ما تقدم من الانتظار إلى يوم الميعاد[xxx] .
2. كَلِمَةٌ:
أ. يقول الله تعالى :{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[xxxi] لولا ما تقدم من الله تعالى أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه.
ب. وقال جل ثناؤه :{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ}[xxxii] يقول ابن جرير في هذا الشأن، لولا ما تقدم من تأجيله العذاب إلى أجل معلوم لقضي بينهم ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه.
ج. ويقول الله تعالى أيضا: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى}[xxxiii] أي لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لا يعذّب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه
د. ويقوا الله عزّ وجل: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [xxxiv] كلاّ حرف ردع وزجر، أي لا نجيبه إلا ما طلب ولا نقبل منه، وقوله تعالى {إنها كلمة هو قائلها} قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أي لابد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم، ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله كلا، أي لأنها كلمة، أي سؤاله الرجوع ليعمل صالحا هو كلام منه وقول لا عمل معه.[xxxv]
هـ . ويقول الله تعالى أيضا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيب}[xxxvi] أي بتأخير الحساب إلى يوم الميعاد {لقضي بينهم} أي لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا.
و. ويقول جل وعلا: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيب}[xxxvii] أي لولا الكلمة السابقة من الله تعالى بإنظار العباد بإقامة حسابه إلى يوم الميعاد لعجل عليهم العقوبة في الدنيا سريعا.
3. كَلِمَةَ:
أ . يقول الله تعالى في محكم تنزيله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[xxxviii] قال ابن عباس يعني بكلمة الذين كفروا الشرك وكلمة الله هي لا إله إلا الله، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُقاتل شجاعة ويُقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله فقال "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"[xxxix]
ب. ويقول الله تعالى أيضا: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[xl] كلمة التقوى ويعني بها قال "لا إله إلا الله" وكذا رواه الترمذي عن الحسن بن قزعة، وقال غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وقال مجاهد: كلمة التقوى الإخلاص وقال سعيد بن جبير هي "لا إله إلا الله والجهاد في سبيله" وقال عطاء الخرساني هي "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وقد تعددت آراء العلماء في هذه الآية[xli] .
4. كَلِمَةً:
أ. يقول الله عز وجل : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء }[xlii] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله{ مثلا كلمة طيبة }شهادة أن لا إله إلا الله.
ب. ويقول جل ثناؤه :{ مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا } [xliii] نصبٌ على التمييز تقديره كبرت كلمتهم هذه كَلِمَةً، وقيل : على التعجب تقديره أعظم بكلمتهم كلمة، كما تقول : أكرم يزيد رجلا، قال بعض البصريين، وقرأ ذلك بعض قراء مكة : كبرت كلمة، كما يقال عظم قولك والمعنى على قراءة الجمهور أظهر، فإن هذا تبشيع لمقالتهم واستعظام لإفكهم، ولهذا قال {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} أي ليس لها مستند سوى قولهم، ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم.[xliv]
ج. ويقوا الله أيضا : {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون }[xlv] قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتاده والسدي وغيرهم في قوله عزّ وجل {وجعلها كلمة باقية في عقبه} يعني لا إله إلا الله لايزال في ذريته من يقولها، وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال ابن زيد: كلمة الإسلام : وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة.
5. كَلِمَةٍ:
أ. يقول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[xlvi] هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم. { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة} والكلمة تُطلق على الجملة المفيدة.
ب. ويقول الله تعالى أيضا: {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [xlvii] هذا مثل الكافر لا أصل له ولا ثبات، مشبه بشجرة الحنظل، ويقال لها الشريان، ولا يصعد للكافر عمل، ولا يتقبل منه شيء.
6. كَلِمَةُ :
أ. يقول الله تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[xlviii] قال قتادة: صدقا فيما قال وعدلا فيما حكم، يقول صدقا في الأخبار، وعدلا في الطلب، فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه ولاشك، وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه، وكل ما نهى عنه فباطل فإنه لا ينهى إلا عن مفسدة .
ب. ويقول أيضا: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}[xlix]
ج. ويقول أيضا: { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }[l] أي كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرزاق المتصرف في الملك وحده الذي بعث رسله بتوحيده، فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار.
د . ويقول جل وعلى :{ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ }[li] .
هـ . ويقول الله تعالى : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } [lii] أي حُقّت كلمة العذاب على الذين كفروا من الأمم السالفة كذلك حقت على المكذبين من هؤلاء الذين كذبوك وخالفوك يا محمد بطريق الأولى والأخرى لأن من كذلك فلا وشوق له بتصديق غيرك .
7. كَلِمَات:
أ. يقول الله عزّ و جل :{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }[liii] الكلمات وتعني هنا الرجاء وطلب المغفرة، وقد نقل ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال الكلمات وهي: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين.
8. كَلِمَتُنَا:
أ .يقول الله عزّ وجل : {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ }[liv] أي تقدم في الكتاب الأول أن العاقبة للرسل وأتباعه في الدنيا والآخرة .
9. كَلّمَهُ:
أ. يقول الله تعالى أيضا: { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ }[lv] أيخاطبه الملك، وعرفه، ورأى فضله وبراعته، وعلم ما هو عليه من خلق وخلق وكمال، قال له إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة وأمانة .
وبناء على ذلك سلّم علماء المعاجم بوجود شيء اسمه الكلمة من حيث هي جزء من النظام اللغوي لأي لغة، ولكن كما يستعملها ويُدركها المتكلم بهذه اللغة سواء في النطق أو الكتابة، ولذلك قالوا إننا لا نستطيع أن نتجاهل وجود شيء اسمه الكلمة سواء، عن علم المعاجم أو فن صناعة المعجم أو حتى علم اللغة، لسبب بسيط وهو أن كل متكلم بلغة ما لديه فكرة واضحة ومحددة عن الكلمة، يستوي في ذلك مع من يعرف القراءة والكتابة أو الذي لا يعرفها[lvi] ومن ثم انطلق علماء المعاجم في التعامل مع الكلمة وما يتصل بها في العمل المعجمي، خاصة فيما يتصل بعلاقة الكلمات بعضها ببعض من حيث الأصل والاشتقاق أو السوابق PreFixes أو اللواحق Suffixes أو الدواخل (المُقْحَمات) infixes ولذلك فإن الرجوع إلى الجذر Root للكلمات يساعد إلى حد كبير في الكشف عن معالمها ولذلك يعد الجذر ركنا أساسيا في العمل المعجمي، إذ هو الوسيلة التي تتحقق بها الصلة بين الكلمات، وهذه الصلة قوامها اشتراك الكلمات في جذر واحد ثابت لا يتغير، وهو ما يعبر عنه المعجميون بالاشتراك في المادة Basicform حيث يجعلون حروف هذا الجذر مدخلا Entryform إلى شرح أو تعريف دلالات الكلمات التي ترجع إلى جذر أو أصل واحد ثابت وهو يشكل- في الحقيقة- البنية الأساسية للكلمة والمعجم معاً وتختلف اللغات فيما بينها في طريقة صوغ الكلمات من هذا الجذر[lvii] ولكن معظمها تشترك في شيء واحد، وهو ثبات هذا الجذر في معظم الكلمات المشتقة بحيث يمكن الاعتماد عليه في تحديد العناصر اللغوية الطارئة على الكلمة وبالتالي التثبيت في بنيها الأصلية.
ففي بعض اللغات يقوم نظام الاشتقاق على السوابق واللواحق و الدواخل كما في معظم لغات العائلة الهندية الأوروبية، أما في اللغة العربية واللغات السامية بشكل عام فإن الاشتقاق في هذه اللغات يقوم على حركات الجذر من حيث التبديل والتغيير ويتكون الجذر فيها غالبا من ثلاثة أصوات صامتة Consonant ويحدث التغير بواسطة تغير حركاته Vowels أو صوائته، فإذا تغيرت تكونت كلما زادت دلالات مختلفة، فكل تغير في الأصل يعقبه تغير في الدلالة، وهكذا.
ومنذ أن أصبحت الدراسة اللغوية دراسة علمية موضوعية تقوم على دراسة اللغة المنطوقة Poxone Language فقد وجد علماء اللغة أن هناك فروقا واضحة بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة Written Language وقد فطن كثير من علماء اللغة العربية القدماء إلى هذه الفروق ونبهوا عليها واستخدموا مصطلحات للدلالة عليها مثل: التصحيف والتحريف وغيرها[lviii]. وليس العربية بدعا في ذلك، إذ لا يوجد شعب يشكو من مشكلة الفرق بين النطق والكتابة، إن قليلا وإن كثيرا، وما تعانيه اللغتان الإنجليزية والفرنسية من ذلك قد يفوق ما في غيرهما، حتى أن بعض علماء اللغة الفرنسيين يعدّون طريقة الكتابة في اللغة الفرنسية كارثة وطنية[lix].
الخاتمــة:
وخلاصة القول من هذه الشواهد القرآنية أن مفردة كلمة قد تعدّدت معانيها ومواضعها بحسب مقتضى الحال، وموقعها في الآية القرآنية وملازمتها للأحداث، ومهما يكن فإن الحدث اللغوي (كلمة كان أو عبارة أو جملة) وحدة متكاملة لا انفصام بين جانبيها ومن ثم وجب تحليلها على هذا الأساس. ومعنى هذا أن الكتابة في أية لغة لا تعكس طريقة النطق بشكل دقيق إذ هي وسيلة عاجزة عن تصوير كافة الخصائص الصوتية للغة التي تحتفظ بها اللغة المنطوقة وخاصة من ناحية اختلاف النطق بين الأفراد واللهجات ومن ثم فإنه عندما يتحول الصوت المنطوق إلى حرف مكتوب letter يصبح رمزا وتسقط كل الاختلافات.
ونتيجة لمثل هذه الاختلافات بين النطق والكتابة في اللغات المختلفة واجه المعجميون مشاكل جمَّة عند وضع المعاجم خاصة فيما يتعلق بنطق الكلمات والمشتقات سواء في العربية أو غير العربية كذا نطق المداخل في غير العربية لأن المدخل في المعاجم العربية القديمة وبعض المعاجم الحديثة يعتمد على جذر الكلمة، وجذر الكلمة لا ينطق إلا صوتا. ولذلك نجد أغلب المعاجم الآن تقدم معلومات صوتية تتصل بطريقة النطق، بل لقد بلغ الاهتمام بطريقة النطق أن وضعت بعض المعاجم على أساس بيان النطق وحده دون التطرق للشرح أو التعريفات.
جامعة أبي بكر بلقايد (تلمسان) الجزائر
موارد البحث ومصادره:
- القرآن الكريم برواية ورش عن نافع
1. أدب الكاتب، ابن قيتبة تحقيق، محمد محي عبد الحميد القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى ط4، 1382هـ/ 1963م.
2. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار الثقافة، الجزائر، ط1( 1410هـ،1990م)
3. دلائل الاعجاز، عبد القاهر الجرجاني، شرح وتعليق، أحمد مصطفى المراغي، القاهرة المكتبة العربية، ط1، 1369هـ/ 1950م
4. دور الكلمة في اللغة، أولمان ستيفن، ترجمة كمال بشر، القاهرة مكتبة الشباب، 1957م
5. سر الفصاحة، ابن سنان الخفاجي، تحقيق علي فودة، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط1، 1350هـ/1932م
6. صحيح سنن ابن ماجة باختصار السند، محمد ناصر الدين الالباني، مكتبة التربية العربي لدول الخليج العربي، الرياض،ط3 (1408هـ،1988م).
7. الكتاب، سيبويه، شرح وتحقيق، عبد السلام هارون، القاهرة، دار القلم، 1976
8. لسان العرب، ابن منظور، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، (د،ت)،مادة (ك،ل،م).
9. اللغة، فندريس، ترجمة الدواخلي والقصاص، القاهرة، مكتبة الأنجلومصرية 1950
10.المفصل في العربية، الزمخشري، بيروت، دار الجيل، ط2، (د،ت)،
11. المقتضب المبرد، تحقيق، عبد الخالق عضيمية، القاهرة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1389ه
12. مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي، حلمي خليل، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1997م
13. مناهج البحث في اللغة، تمام حسان القاهرة، مكتبة الأنجلوالمصرية، 1956م
14. هع الهوامع، جلال الدين السيوطي، بيروت، دار المعرفة (د-ت)،
The wala asa linguistic Nuit, Prais, Mouton the hagere, 1959. 15.
هوامش[i] لسان العرب، ابن منظور، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، (د،ت)،مادة (ك،ل،م).
[ii] مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي، حلمي خليل، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1997م، ص 34.
[iii] The wala asa linguistic Nuit, Prais, Mouton the hagere, 1959.P.17.
[iv] مقدمة لدراسة التراث المعجمي، حلمي خليل، ص 35.
[v] دور الكلمة في اللغة، أو لمان ستيفن، ترجمة كمال بشر، القاهرة مكتبة الشباب، 1957م، ص 45.
[vi] مقدمة لدراسة التراث المعجمي حلمي خليل، ص 35.
[vii] المرجع نفسه، ص 35.
[viii] المرجع السابق، ص 36.
[ix] فندريس، اللغة، ترجمة الدواخلي والقصاص، القاهرة، مكتبة الأنجلومصرية 1950، ص 129.
[x] مقدمة لدراسة التراث المعجمي، حلمي خليل، ص 37.
[xi] الكتاب، سيبويه، شرح وتحقيق، عبد السلام هارون، القاهرة، دار القلم، 1976،ج/12.
[xii] المقتضب المبرد، تحقيق، عبد الخالق عضيمية، القاهرة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1389ه، 1/3.
[xiii] المرجع السابق، 1/36.
[xiv] المفصل في العربية، الزمخشري، بيروت، دار الجيل، ط2، (د،ت)،ص 6.
[xv] هع الهوامع، جلال الدين السيوطي، بيروت، دار المعرفة (د-ت)، 1/3.
[xvi] سر الفصاحة، ابن سنان الخفاجي، تحقيق علي فودة، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط1، 1350هـ/1932م، ص 59-56.
[xvii] المرجع نفسه، ص 4.
[xviii] المرجع السابق، ص 60، ص 84.
[xix] دلالئل الاعجاز، عبد القاهر الجرجاني، شرح وتعليق، أحمد مصطفى المراغي، القاهرة المكتبة العربية، ط1، 1369هـ/ 1950م/ص،37،42،68،232،259،262.
[xx] المرجع السابق، ص 337.
[xxi] مناهج البحث في اللغة، تمام حسان القاهرة، مكتبة الأنجلوالمصرية، 1956م، ص 226.
[xxii] مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي، حلمي خليل، ص 49.
[xxiii] اللغة، فندريس، ص 122-124.
[xxiv] دور الكلمة في اللغة، ستيفن أولمان، ترجمة كمال بشر، القاهرة، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، ط12،ص57
[xxv] صحيح سنن ابن ماجة باختصار السند، محمد ناصر الدين الالباني، مكتبة التربية العربي لدول الخليج العربي، الرياض،ط3 (1408هـ،1988م)،رقم الحديث 3068،ص319 .
[xxvi] سورة هود / 119
[xxvii] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار الثقافة، الجزائر، ط1( 1410هـ،1990م) ج3،ض374.
[xxviii] سورة الزمر / 19
[xxix] سورة الشورى/21
[xxx] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج6، ص117
[xxxi] سورة يونس/19
[xxxii] سورة هود/110
[xxxiii] سورة طه /129
[xxxiv] سورة المؤمنون/ 100
[xxxv] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج5،ص22-23
36 سورة فصلت /45
[xxxix] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج3،ص260.
[xl] سورة الفتح / 26
[xli] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير،ج6،ض205.
[xlii] سورة إبراهيم /24
[xliii] سورة الكهف / 05
[xliv] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، جز4،ص135
[xlv] سورة الزخرف /28
[xlvi] سورة آل عمران / 64
[xlvii] سورة إبراهيم / 26
[xlviii] سورة الأنعام / 115
[xlix] سورة الأعراف / 137
[l] سورة يونس /33
[li] سورة يونس / 96
[lii] سورة غافر / 06
[liii] سورة البقرة /37
[liv] سورة الصفات / 171
[lv] سورة يوسف / 54
[lvi] مقدمة لدراسة التراث المعجمي، حلمي خليل، ص 52-53.
[lvii] المرجع السابق، ص 53.
[lviii] أدب الكاتب، ابن قيتبة تحقيق، محمد محي عبد الحميد القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى ط4، 1382هـ/ 1963م، ص 182.
[lix] اللغة فندريس، ص 405.