تعطي الشاعرة المغربية لإحساس الحب دلالات أكثر رسوخا في اللغة، بل تزيد من تعميق فرادة الأحاسيس عبر أنسنة العلاقة ذاتها وفتح أبواب مشرعة لصوت امرأة تنسج من انتظاراتها وانكساراتها أملا جديدا لوجودها وحقها في الحياة..

كُــنْ وَرْداً و دَعِ الشّـوكَ يـشتـاق

سعيدة تاقي

في سماء المَشاتِـل المُغطَّاة تَـكْـمُن الفراشاتُ الحزينة.

 

ـ 1 ـ

قد أحبُّكَ أكثر،
يوماً ما..

سيكون حينَها

العشب أخضرَ،
دون تربة يانعة.
.. سيكون حينَها

الغصن دون وردٍ

وحيداً بين أناملِ الريح،

و الحبلُ عفواً

أسقَط كلَّ الملابس

تحت وهج الشمس.

.. سيكون حينَها

قـلبُـكَ نـديّـاً

دون موادَ حافظة

أو مراهمَ للترطيب.

قد أحبُّك أكثر،

يوماً ما..

فاترك لي هذا اليومَ،

يومي،

لأكرهَك قليلاً.

 

ـ 2 ـ

لم تكن أقراصُ الطبيب

مفيدة.

أطعمتْـني انتظاراً

و مغَـصاً لا يفـتُـر.

كلَّما ناديْـتُها
خبَّأ لي الوجعُ

أوهاماً

.. و بعضَ الخيبات.
هناك تحت مفرَش المائدة

كان القلمُ يحدِّثني:

أنْ لا تَـنسيني.

كان يبكي...

احتكارَ الوجع

لموعِد جولات كانت لنا،

قبل أن يلوح

طيفُ أقراص الطبيب

على سطح المائدة،

مانعاً لِحَمْلِ غيرِه.

 

ـ 3 ـ

و أنتَ تَـلُوكُ دهشتي

لا تتجرَّع باقي نبضي

المحتَبِـس.

اترك لي وحدي

القارورةَ الأخيرة

دافئةً بما تنضَح،

و دعْـني أعـتَـنِـقـها،

على جرعات

جرعات.

عطري كان هناك

البارحة..

على ذاك السرير،

و مـشطي..

و ياسمينٌ لم يشهَـق

بما يكفي من الفـتنة.

هذا الصباح

سأشهدُ و سأَشْهَـد..

و سأشـهَـد،

بألّا دهشةَ لي بعدَ

كُـحْـلِ الياسمين،

و ثـأرِ القارورة

من سَجاياَ العِطْـر المُعـتَّـق.

 

ـ 4 ـ

لم يكنِ الصَبَّـارُ يحلُم.
كان صغيراً..

كان وديعاً..

وسط كوْمَته..

داخل الأصيص.

يغازِلُ الشرفة كلّ صباح
و يتوسَّدُ صدرَ النافذة في المساء.

لم يكن يحلم.

لم يكن صغيراً على الحُلم.

كان يحيا بين الشرفة و النافذة،

و يغتسِلُ في الظِّـل

من فوضى شوكِه

مرَّةً أو..

مرَّتَين في الأسبوع.

كان الصبارُ صبوراً..

و عنيداً.

يعانِق النافذة ليلاً،

و يغازِلُ الشرفة

في أطراف الصّباح.

و لم يكن..

يحلمُ بالارتواء.

 

ـ 5 ـ

قد لا أهـديـكَ

قصيدتي الأخيرة

فلا توعِز للريح

أنْ تَـنْـفـرَ أوراقي،

قبلَ أن تـلْـتَهِمها

حقـيبةُ السَّفـر.

لم يطرِق الفرحُ

بابَ حروفِها،

و لم ترقُـص أمامها

فراشاتُ الربيع الملوّنة.

قد لا أهديك لسْعَ شهدِها

فالعتباتُ كانت موعودةً

للنسيان.

و الحزن كانَ يغفو

خلف سحاب الحقيبة.

 

ـ 6 ـ

أضاعَ الخريفُ

مناجِلَ الصَّيفِ

و لم يصُنِ القطافَ

بما يكفي من

أصابِع الحلمُ.

و الدمعُ الشَّريدُ

تاهَ عن حبّاتِه

طريقُ العودة،

منذ خالفتِ

الخطوَةُ

حواشِيَ البراعِم.

لن تكونَ للربيعِ

فصولٌ أخرى،

فلا تنكِرِ الحريق،

 لن يغـفِـرَ

الحقلُ

سَوادَ البَـيَادر.

 

ـ 7 ـ

كم تسرَّعَتِ الشُّرفَـةُ

حين هَـتَفـت لأشعّة الشمس

أحبُّكِ أيتها الجميلة.

كان للحُبّ مذاقُ الخذلان

و المباني تغزو سماء المدينة.

كُـنّا في القفص ذاته

أنا و العصفور.

أطلَقتُ جناحيه

إذ فتحتُ له بابَ القفص.

و ضممْـتُـه إلى محْبَسي

لأسجُنَه،

مثلي

خلف الخشب الموصَد.

 

ـ 8 ـ

تلك المـدينةُ

خبَّأتِ البياضَ

عميقاً،

و تركَتْ للصَّهيلِ

بعضَ الغمام.

لم يهتِفِ الدُّخان

بِاسم الجمرات

التي كانت هناك

قبل الخريف.

لم تنزِفِ المُزْنُ،

و لم يغتسِلِ الرّحيلُ

من أعبـائِـه.

تلك المدينة،

تحت السَّماء القريبةِ

البعيدةِ،

غزَلَتْ للسَّواقي

اشتباهَ الياسمين

و اكتحَلَتْ

بِمِرْوَدٍ مستعار.

 

ـ 9 ـ

و أنتَ تقرأ

أَحكِمْ إغلاقَ صوتي.

و أنتَ تُحِـبّ

أَحكِم إخلاء سـيرتي.

و أنتَ تَكْفُـر

أحكِـم إخراسَ شَكّـي.

و لا تحتَرِفْ

.. غير وعْـدِ حرْفٍ

لم يحْتَرزْ للشَّوْكِ،

بـتوْرِياتِ المَطالِع.

لم يحتَطْ للشَّوق،

 بكنايات النسيان.

سمّى الرَّسْمَ

وَرْداً،

كان لـكَ

وحدَكَ.