للسينما علاقة وطيدة بالفن التشكيلي يتجلى عمقها في كون الفيلم/ النتاج السينمائي (خصوصا الحديث منه)، أصبح يعتمد كثيرا على مصطلحات تقنية ومفردات تعبيرية ذات هوية تشكيلية مساعدة على صناعة الفرجة السينمائية، أبرزها التكوين والحركة والتوضيب واللون والضوء والمشاهد واللقطات وتركيب الصور (الفوطومونتاج)، وهي عناصر من شأنها أن تسهم كثيرا في خلق كل سبل الإثارة والتشويق لدى جمهور وعشاق السينما خارج نطاق الحكي الكلاسيكي المتعب والممل في آن. ويوجد سينمائيون كثر وظفوا هذه العناصر في الصناعة السينمائية على نحو فاعل وممتع، كإيزنشتاين وغريفيت وأكيرا أكوزاوا... وستتبلور هذه التوظيفات بشكل إبداعي ممتد بعد انخراط التشكيليين في الإبداع السينمائي لاسيما في أفلام لوليس بونويل وسبيلبيرغ..وغيرهما كثير.
استفادت السينما، والفيلم تحديداً من الفن التشكيلي بصيغه التقليدية والعصرية، وعلى الخصوص التقنيات التشكيلية الحاسوبية، كما هو الحال بالنسبة للفوتوشوب والأنفوغرافيا عموماً. وقد ساهم ذلك في خَلق أنفاس جمالية جديدة في الصناعة السينمائية والسماح ببزوغ ثورة النص الافتراضي Hypertexte بإمكانيات وافرة من التفاعل السمعي البصري بين اللوحة التشكيلية والفيلم السينمائي..
يمتد التوظيف التشكيلي في السينما ليشمل العلاقة بين الرسوم المتحركة وفن الرسم الحديث، أو فن الحفر، مثلما يشمل فن الملصق (الأفيش) الذي استفاد من التطور للطباعة الحديثة خصوصا بعد ظهور آلات الأوفسيت والحواسيب والفوتوشوب وبرنامج الأدوبي الالستريتر Adobe Illustrator والاستنساخ الضوئي (الفوطوكوبي)..وأشياء أخرى عديدة..بحيث أصبح يعتمد عليه كثيرا في توسيع دائرة التواصل مع الجمهور..
ففي السينما، مثلا، أصبح من الصعب التخلي عن الملصق باعتباره أول مشهد يبصره المشاهد قبل ولوجه قاعة العرض السينمائي..فهذه المشاهدة القبلية الغنية بالأدلة البصرية الأيقونية، أو المحفزات بحسب تعبير بانوفسكي Panovsky، لها أكثر من دلالة، وذلك بالنظر لكونها تمثل دعوة غير مباشرة لتلقي الفيلم. في هذا السياق، يمكن الحديث عن الملصقات المعدة لغايات الإثارة والإغراء (الأفلام الإيروتيكية والإباحية، أفلام الحركة نموذجا)، إضافة إلى أنواع أخرى من الملصقات تؤدي الغاية نفسها خاصة الملصقات الفرجوية والدعائية، كما هو الحال بالنسبة للأفلام الكوميدية والبوليسية..
في صلب هذا الارتباط الوثيق بين الملصق وفن السينما، لابد من التذكير بوجود أفلام سينمائية مغربية (على سبيل المثال) اعتمد مخرجوها في إنجاز الملصق على تقنيات تشكيلية متنوعة (رسم بالصباغة، أقلام الباستيل، تخطيط غرافيكي، تعبير بالحبر والمواد الشمعية، لَوْنَمة Aquarelle) -ربما للغاية نفسها- من ضمنها: "ملواد لهيه"-1992 و"كنوز الأطلس" لمحمد العبازي، "44 أو أسطورة الليل" (1981) لمومن السميحي، "بامو" - 1984 لإدريس المريني، "الورطة" (1984) لمصطفى الخياط، "عنوان مؤقت" -1984 لمصطفى الدرقاوي..وغير هذه النماذج كثير..
د. محمد الشيكَر يخط بورتريه الناقد ابراهيم الحيسن
لا يحتاج الأستاذ إبراهيم الحَيْسن إلى تقديم. فهو اسم ثقافي مضيء وقامة نقدية سامقة وصوت إبداعي لماح، وسريرة فياضة بالنبل ودفء المعشر. إنه مفرد بصيغة الجمع، وواحد بضمير المتعدِّد. تطالعك كتاباته الغزيرة من أوقيانوسات فكرية وسجلات ثقافية متعدِّدة متجدِّدة، تتصادى لمسة الكاتب وسموق تجنيحاته، وعمق الإثنولوجي ودقة توصيفاته، وحصافة الناقد ومضاء تعبيراته، وصوت البيداغوجي وصرامة توجيهاته. تتراقص الكلمات ملء أنامله أنيقة، رشيقة، لماحة، وتتراصف الأفكار في حضرته وثيقة، عميقة متاحة، لا عسر فيها ولا تكلف ولا تزيد أو مزايدة. يراعته تواتيه، حيثما ذهب به ألق السؤال، وأينما حل به التطواف الفكري والإبداعي، وفكره الجمالي متسق رغم تنوُّع عناوين إصداراته وتباين مقارباته، بدءاً من أسئلة التراث الصحراوي ووصولا إلى معضلات الإستتيقا وقضايا الفن التشكيلي المعاصر.
فكتاباته ومؤلفاته جامعة مانعة، مكتفية بذاتها، وأوفى وأعمق وأبلغ من أن تحتاج إلى وسيط يستوي بينها وبين القاعدة العريضة من قرائه وأصفيائه.