§ الجلسة العلمية الأولى .
نظمت فرقة البلاغة وتحليل الخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل تطوان، يومين دراسين في موضوع " بلاغة الخطاب الديني"، تكريما للدكتور محمد الوالي.
انصبت أشغال الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور محمد الأمين المؤدب والتي اختير لها عنوان" البلاغة والتأويل"، على معالجة قضايا التأويل في علاقتها بالبلاغة.
المداخلة الأولى كانت بعنوان: "النص والتأويل" ألقاها الدكتور محمد العمري. تناول فيها التحليل النسقي للقرآن الكريم، مشيرا إلى أن السؤال الذي يعترض مفهوم التأويل، يرتبط بالنص. فعن أي نص نتحدث؟ وأي جنس ينتمي إليه؟ وبين العمري أن هناك نصوصا متعالية غير قابلة للتأويل، ونصوصا مفتوحة تقبل التأويل، والنص الشرعي في نظره يحلل من زاويتين: السياق والبناء اللغوي. وقسم السياق إلى نوعين، السياق الأكبر الذي يتضمن المقاصد الكبرى: بما فيها الحرية، والعدل، والرحمة, والسياق الأصغر وهي نصوص محايثة، أو محايدة، أو متجاورة. وفصل العمري في تحديد كل سياق على حدة، ليخلص في الأخير إلى القول: أن كل نص يخرج عن السياق الأكبر، ينبغي أن يعود إليه "إلى المقاصد" لكي يجد له طريقا إلى العلم.
تحدث الدكتور محمد الحيرش في المداخلة الثانية المعنونة "بالتأويل والأنطولوجيا دراسة في الإكليل لابن تيمية"، عن قضية المتشابه في القرآن التي يتناولها الكتاب، مبينا أن تحديدات المتشابه في القرآن، تبقى مسؤولية على عاتق المؤول، مع ضرورة الانتباه إلى أن النص له سلطة أكثر من التأويل. أضاف الحيرش، أن المتشابه له غرض بيان التصور العقلي. وفي إطار عرضه لأراء بن تيمية، بين أن موقفه (ابن تيمية) موقف مدقق وناقد للتأويل، وليس موقفا مرضيا عندما قال: "تفسير المتشابه ممكن وتأويله غير ممكن" وفي نفس السياق، أشار الدكتور إلى أنه لا يمكننا تأويل القران ونحن نفترض أننا نقف على عوالمه المفارقة، إذ لا يمكننا المقايسة بين لغة الخطاب الديني ولغة التخاطب.
تطرق الدكتور عبد الرحمن بودرع، في مداخلته المتعلقة بتأويل النص القرآني، إلى مجموعة من الإشكالات والتساؤلات حول مناهج التأويل القرآني. حيث أشار إلى أنه ينبغي استحضار ما قدمه القدماء في شتى العلوم: علم القراءات،وأصول الفقه،والنحو ... وما قدمته اللسانيات خصوصا لسانيات النص،و تحليل الخطاب. وقد عد النص عمادا للحضارة الإسلامية. أما التأويلات المعاصرة التي تحوم حول النص فهي من صنع البشر. ومن ثم فلا ينبغي اتخاذها أساسا لفهم الفكر الإسلامي أو الحضارة الإسلامية، لأنها لا تتمتع بمرجعيات شرعية.
أما المداخلة الثالثة التي ألقاها الدكتور إدريس الجبري، فكانت بعنوان" البلاغة وحدود التأويل في الخطاب القرآني عند محمد الجابري" عرض فيها الدكتور الفرق بين تحليل الخطاب التراثي وتحليل الخطاب الديني عند الجابري، ذلك أن الأول يجري عليه ما يجري على الكلام البشري، على عكس الثاني الذي يعتبر خطابا متعاليا بخصوصيات محددة. وبين الدكتور الأبعاد الثلاثة التي ينطلق منها الجابري في إطار تعامله مع الخطاب الديني، فهناك البعد اللازماني المرتبط بالرسالة السماوية، وهي منطقة التسليم والإذعان، والبعد الروحي المرتبط بتجربة تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بعد يصعب الخوض فيه، والبعد الاجتماعي الدعوي،و هو في نظره مجال للاشتغال.وختم بالإشارة إلى تناول القرآن باعتباره خطابا تأثيرينا.
ركزت المداخلة الرابعة التي ألقاها الدكتور عماد عبد اللطيف على بلاغة الخطاب الديني، في علاقته بالجانب السياسي، إذ عنون مداخلته" بالتناص والتظفير الخطابي:دراسة في بلاغة السياسة المتألمة" وافتتح مداخلته بالإشارة إلى ضرورة دراسة الأثر الذي يحدثه الخطاب البلاغي في توجهات المسلمين. وفرق بين مصطلحين اثنين بلاغة الإسلام السياسي، ويتضمن الخطابات السياسية التي ينتجها أشخاص ينطلقون بالأساس من تقديم أنفسهم في هوية إسلامية،و ينطلقون من خلفية دينية. فالحديث مثلا عن رأي يعالج الخطاب السياسي عند الإخوان المسلمين، ينضوي تحث لافتة بلاغة الإسلام السياسي. أما عندما نتحدث عن خطابات ونصوص تعلن أنها تقف على أرضية مدنية، لكنها تستخدم و بأشكال متفاوتة، استراتيجيات إقناع وتكفير دينية، فهنا نتحدث عن بلاغة السياسة المتأسلمة.
وبين الدكتور عماد ذلك، من خلال تحليله لنموذجين اثنين: يتعلق الأول بصورة لأنور السادات، وأخرى صورة لمرسي ومجموعة من الأشخاص المحيطين به.وتناول في الشق الثاني من مداخلته إلى تحديد الإجراءات التحليلية، إذ لا بد من طرح مجموعة من التساؤلات:
§ ما خصائص الخطاب السياسي الذي ينتمي إليه الخطاب المستهدف؟
§ ما خصائص الخطاب الديني الذي ينتمي إليه الخطاب المصدر؟
§ ما خصائص الخطاب الهجين الذي ينشأ من التظفير بين الخطابين؟
§ كيف يعمل الخطاب الهجين في ظل شروط تاريخية محددة؟
ولم يقف المحاضر عند ذلك، إنما أشار إلى إجراءات جزئية في التحليل، تتعلق عمليات التحويل ووظائفها كالتكييف بالحذف وإديولوجيا الاختيار. وأشار في تحليله للسياق لجملة من المراحل الأولية, تبدأ من تحديد سياق النص المأخوذ من الخطاب المصدر، ثم سياق النص المأخوذ من الخطاب المستهدف، ثم تحديد العلاقة بين السياقين. وختم الدكتور بالإشارة إلى كون الخطاب السياسي خطابا آني، على عكس الخطاب الديني الذي ينبني على اليقين، ومصدره الله عز وجل، ولا بد لمن يتلقاه من التسليم المطلق.
الجلسة العلمية الثانية
البلاغة وأنواع الخطاب الديني
انطلقت أشغال هذه الجلسة بكلمة افتتاحية لرئيس الجلسة الدكتور عبد العزيز الحلوي الذي رحب بالضيوف، قبل أن يعطي الكلمة لصاحب المداخلة الأولى، الدكتور سعيد جبار الذي تحدث عن " بلاغة الإقناع في خطاب الوعظ". طرق فيها نقاط عدة تمركز أغلبها على تحديد موقع خطاب الوعظ، ضمن الخطابات الدينية بصفة عامة. ونبه الدكتور إلى أن الخطاب الديني خطاب إشكالي بالأساس. فماذا نعني بالخطاب الديني؟ هذا السؤال في نظر سعيد جبار يستتبع أسئلة أخرى من قبيل: ما الفرق بين الدين والخطاب الديني؟ ما التجليات الأساسية للخطاب الديني؟ ماذا نقصد ببلاغة الخطاب الديني؟ ما موقع خطاب الوعظ من الخطاب الديني؟. ومن أجل تحديد أكثر دقة للبلاغة في خطاب الوعظ اختار الدكتور أن يقارب نص "بحر الدموع" لعبد الرحمن بن الجوزي الذي عاش في القرن السادس الهجري. ناهيك عن ذلك تساءل هل هذا الخطاب الديني خطاب واحد أم خطابات متعددة؟ وفي معرض تحليله لنص (بحر الدموع)، أشار إلى أن كتب المواعظ مليئة بالأحاديث، ولكنها أحاديث في أغلبها ضعيفة. ولكون ابن الجوزي عالما فقد كان ينقحها. وطرح إشكالا آخر مرتبط بنظرة المتلقي لهذا الواعظ. إن المتلقي يعتبر الواعظ رسولا من الدرجة الثانية، فكما أن النبي لا يمكن أن يناقش خطابه، كذلك الواعظ، فهو النموذج الذي يحتذى به. واستدل الدكتور على ذلك بمجموعة من الأخبار. بين في المقابل كيف ينظر هذا الواعظ إلى المتلقي، مشيرا إلى أنه ينظر إليهم من غير استبعاد لسذاجتهم.وختم الدكتور بالإشارة إلى كون الخطاب الوعظي خطابا يهدف إلى إيقاظ العاطفة عبر ثنائية الترغيب والترهيب.
لم تكن المداخلة الثانية التي ألقاها الدكتور الأمين المؤدب بعيدة عن سابقتها، إذ عرض فيها موضوعا حول" الوصايا الدينية في الشعر العربي القديم " تناول فيه ثلاثة جوانب أساسية:
§ البحث عن أصول هذا النوع الأدبي (الوصية الدينية)،
§ إشكال التصنيف.
§ طبيعة البناء وعناصر التشكيل
وبين أن الدراسات المنجزة في هذا الموضوع ضعيفة، ولا تعدو كونها مقالات محدودة. و في نظره، النظر إلى كون الشعر الديني غرضا جديدا، يعتبر نوعا من النظرة المحدودة المفصولة إلى الشعر في حين يجب أن تكون موصولة. ونبه المحاضر إلى بعض الأخطاء التي يقترفها أولائك الذين ينسبون الشعر الديني إلى العصر الإسلامي، لا لشيء، وإنما لوجود ملامح توحي بذلك. فالوصية الدينية أقدم مما يتصور، فهي فن شعري قديم ضارب في الثقافة العربية القديمة. وربط الدكتور أدب الوصايا، بالقضية الوجودية، وتحدث بصفة خاصة عن الوصية الوعظية، ذات البعد الديني، فحاول تأصيلها خلافا لما هو سائد, وربط المحاضر الوصية الوعظية بروح الديانات كلها، وليس بالدين الإسلامي وحده، مشيرا إلى أن الوصية الدينية فن قديم، وضرب مثلا لذلك بشاعر جاهلي هو أمية بن الصلت. وبين أن هذا الفن يتنازعه المنظوم والمنثور. وربطه بالغيبيات كما ربطه بشعر الرثاء، وذلك أنه شعر وعظي بامتياز.
في المداخلة الثانية والمعنونة ب"الرحلة وبلاغة الخطاب الديني " التي قدمها الدكتور نزار التجديتي أشار إلى أن الرحلة كما البلاغة، جنس جامع، وعلاقته بالبلاغة علاقة وثيقة، واتخذ نصا لأحمد المديني المعنون "بالرحلة الحجازية " منطلقا لتحديد مكمن التداخل بين البلاغة والرحلة، مبينا أن ما يميز البلاغة هي الليونة، والمرونة التي تتميز بها. على شاكلة الرحلة التي تجمع بين التاريخ، والاستكشافات، والأخبار، والحكايات.... وبين أن البلاغة في النص الرحلي تتجسد بالأساس في مستوى الجنس الأدبي، ومستوى اللغة والأسلوب.
وركزت المداخلة الثالثة التي ألقاها الدكتور جعفر بلحاج السلمي، على الأدب الجفري نوعا أسطوريا. حيث قدم المحاضر هذا المصطلح القديم الجديد. وأشار إلى أن الجفر كتاب أسطوري له بعدان أدبي وديني، ويقال أنه منسوب لآدم. ويقول عنه المحاضر أنه أدب للأمارات الصغرى، زمنها آخر الزمان، وهي مقدمة للزمن الأخير. ويتفرع إلى خطابين: إسلامي، ووثني. والشق الأول في نظره لا يحتاج إلى كثير نقاش.والثاني أي الفكر الوثني يتأسس على الأساطير، وحتى الديانات خصوصا المسيحية هي خزانة أساطير. كما أشار كذلك إلى أن الإسلام يختزن مجموعة من الأساطير، تؤسس الفكر الجمعي للمسلمين.
اليوم الثاني الأربعاء 14 ماي 2014
تناولت المداخلات في الجلسة الثانية من أشغال اليومين الدراسيين، موضوع "البلاغة والحجاج في الخطاب الديني". ترأس الجلسة الدكتور سعيد جبار الذي جدد الترحيب بالضيوف الكرام، قبل أن يعطي الكلمة للدكتور أبو بكر العزاوي الذي تناول في مداخلته المعنونة ب" الحجاج والانسجام في سورة البقرة: خواتم سورة البقرة نموذجا". قدم المحاضر قراءة حجاجية لسانية للآيتين الأخيرتين من سورة البقرة منطلقا من فرضيةِ أن هاتين الآيتين تشكلان نصا تاما ..وقد حاول الباحث الكشف عن القوة الحجاجية لهذين النصين خالصا إلى أنهما تتضمنان المبدأ الحواري و كل واحدة منهما تنتهي بالدعاء و أن العلاقة الحجاجية التي تسود هذا النص هي العلاقة الإلزامية ..ولم يغفل الباحث مظاهر الانسجام الدلالي بين أجزاء هذا النص حيث يبتدئ النص بالدعوة إلى الإيمان بكيفية مضمرة حينما يأتي بثلاث حجج تدفع المتلقي إلى الإيمان و هي :الرسول آمن و المؤمنون آمنوا و كلهم آمن...ثم يليها حوار المؤمنين لله و توجههم إليه بطلب المغفرة و يتجلى الانسجام في كون المؤمنين استشعروا صعوبة التكليف و علموا أنهم لا محالة مقصرون في إيمانهم ثم تليها الآية الثانية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ليؤكد الله للمؤمنين أنهم إنما كلفوا بأمور هي في طاقتهم و بمقدورهم إتيانها و أنه عاملهم بعدله ثم يأتي الجزء الأخير وهو طلب المؤمنين من الله تعالى أن يعفو عنهم و يغفر لهم تقصيرهم في واجباتهم الدينية ...
وركز الدكتور محمد مشبال في المحاضرة الثانية على الحجاج في النص القرآني، مشيرا إلى أن ما يسمى بالإيتوس في البلاغة اليونانية، حاضر في النص القرآني، ولكن نبه إلى ضرورة الحذر من إسقاط الإيتوس اليوناني على النص القرآني. وطرح المحاضر سؤالا جوهريا" كيف يبني المتكلم صورة ذاتية لنفسه من خلال الأسلوب. وكان هذا السؤال مدخلا منه شرع المحاضر في الإشارة إلى أن حجاجية الأسلوب، لا يقتصر تفسيرها فقط في ارتباطها باللوغوس، بل بارتباطها بكل مكونات الخطاب. إن دعوى النص القرآني تمر عبر تصديق المتكلم: أي توثيق الصلة بين الحجاج والمحاجج، وقوة هذا النص القرآني كما يقول الدكتور مشبال، تكمن في التأثير الناجم عن صورة الذات الإلهية على نحو ما شاكلها المتكلم في الخطاب. ويتشكل الإيتوس حسب الدكتور وفق المقامات المتنوعة وكذا نوع الخطاب. وأشار المحاضر إلى أن الإيتوس يظهر مباشرا في بعض الآيات و غير مباشر في آي أخرى.وخلص الدكتور محمد مشبال إلى أنه يمكننا أن نستشف صورة المتكلم من خلال عدة عناصر غير مباشرة منها الأسلوب. ولتبيان كيف يشتغل هذا الأسلوب عرض تحليل السكاكي للآية القرآنية " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" 44 هود وبينا أن الرجل اعتمد في تحليله لبعض الآيات مفهوم "المقتضى العام" أو " الاعتبارات الخطابية" أو مفهوم"الاختيار".
ركزت المحاضرة الثالثة المعنونة ب"بعض خصائص الحجاج في برنامج الشريعة والحياة " التي قدمها الدكتور الحسين بنو هاشم على بعض المغالطات في هذا البرنامج الذي يقدمه يوسف القرضاوي، مشيرا إلى بعض أصناف الحجج التي يوظفها القرضاوي من أجل تمرير خطابه. وانتقد المحاضر طريقة توظيفه لحجة الاستشهاد إذ لا يعتبر القرضاوي تأويله للآيات تأويلا وإنما حقيقة. ونبه إلى أن حجة القدوة تتكرر كثيرا في خطابات الرجل، باعتبارها حجة تأثيرية تقصي العقل، إذ يكفي للخطيب ان يستحضرها للتأثير وبالتالي لا حاجة للمتلقي لإعمال العقل. وخلص المحاضر في الأخير إلى أن الخطيب يجب عليه أن يكون مطلعا على علوم مختلفة من نحو وبلاغة ومنطق وفلك وطب.... قبل أن يتجرأ على الإفتاء في قضايا المسلمين.
وتحدث الدكتور الوهابي عن بلاغة الخطاب المقاصدي عند الإمام الشاطبي. و بين أن الشاطبي قسم الخطاب القرآني إلى يقيني و احتمالي. و في هذا القسم الأخير يأتي تعريف العمري للبلاغة من أنها دراسة للخطاب الاحتمالي. كما درس أيضا موقف الشاطبي من القيم و ذهابه إلى أنها نسبية و لا تمتلك صفة الإطلاقية حتى أن بعض القيم المطلقة، تظل تطبيقاتها نسبية كقيمة العدل مثلا. كما تحدث عن تداولية الخطاب الشرعي عند الشاطبي الذي راعى فيه المقام،و السياق.والباحث يستحضر هنا موقف أركون الذي اتهم فيه الخطاب القرآني بالمطلقية و التعالي و إفقاد الإنسان حريته، مبينا بادلة وشواهد من نصوص الشاطبي كيف أن القرآن راعى البعد التداولي و السياقي لأفعال المكلفين و لم يكن مطلقا و لا متعاليا عن الواقع ."
عالج الدكتور الإمام العزوزي في المحاضرة الأخيرة في الجلسة موضوع " الحجاج في نماذج من المناظرة الدينية التي ناظر فيها أصحابها من خالفهم في الدين، سواء كانوا مسيحيين أو يهود أو ملحدين ، واعتمد على ثلاثة نماذج:
§ مناظرة أبي بكر الباجي لراهب فرنسي
§ مناظرة ابن حزم لابن النغرلا اليهودي
§ مناظرة أبي حاتم الرازي لأبي بكر الرازي في موضوع إلحاده.
وبين أن هذه المناظرات تطرح عدة إشكالات: هل يمكن أن نتناظر فيما هو ديني؟ وهل يمكن أن نخضع آراءنا حول العقيدة للمناظرة، مع العلم أن علماء الحجاج أقصوا الدين من مجال الحجاج، لأنه مجال لتبادل الآراء؟
وقد أخضع العلماء هذه الآراء للحجاج على اعتبار كون عملهم عملا حجاجيا وليس مجادلة دينية ولا برهنة قياسية. بين الدكتور أن الآراء التي تخص المحاججين، نتعرف عليها من خلال تصور المناظر المسلم، وليس من خلال مراجع محايدة. والمحاجج المسلم يورد هذه الردود مستعيدا إياها ثم يرد عليها بعد ذلك. والمناظر المسلم بحسب المحاضر لم يكن يشغله المخاطب بل كانت عينه على "المستمع". وبين الدكتور أن الباجي في مناظراته يشتغل على ثلاث مستويات: مستوى الإيتوس/ مستوى اللوغوس/مستوى الباتوس.
وتلت ذلك مناقشة لبعض ما ورد في العروض المقدمة.
الجلسة الرابعة لقاء مفتوح مع محمد الوالي
ترأس الدكتور الإمام العزوزي الجلسة الختامية، جدد الترحيب بالحضور، وأشاد بعمل فرقة البلاغة وتحليل الخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية،قبل أن يفسح المجال للدكتور إدريس جبري الذي ألقى كلمة عن الدكتور محمد الولي باسم مجلة "البلاغة وتحليل الخطاب" أبدى فيه امتنانه للمجهودات التي قدمها ويقدمها للحقل البلاغي في المغرب.
وقدم الدكتور محمد اليملاحي عرضا حول البلاغة عند محمد الولي، مشيرا لأهم المحطات التي مرت منها تجربة المحتفى به البلاغية. كما ألقى العمري كلمة أشاد فيها بعمل الفرقة، و سروره لرؤية من يستحق التكريم يكرم.
واختتمت الجلسة بعرض للدكتور المحتفى به محمد الوالي حول الاستعارة عنونه "بالاستعارة مفهوم واحد بوظائف متعددة" وافتتح مداخلته بشكر اللجنة المنظمة للحدث الذي اعتبره مفخرة وتشريفا له. وبين أن هدف مشروعه منذ البداية، خصوصا في ما يتعلق بالتراث العربي ، هو إخراج هؤلاء من مدافنهم وإنطاقهم بلغة عصرية، وجعلهم يلتحقون بركب الإنسانية، فما يتوق إليه هو أن يجعل الجرجاني يجلس في نفس المنصة مع أرسطو، وأن يشعر بالاعتزاز لأنه يشق طريقا خاصا به كما شق أرسطو طريقا خاصا به.
إن الاستعارة عند محمد الوالي "بالمعنى الأبسط للكلمة هي أن نتحدث عن شيء بواسطة شيء آخر شبيه به". إنه المكون الذي لا تقوم لغة من دونه، والذي كان مصدر نزاع حاد بين العلماء الذين يشتغلون في الميدان. لقد أشار الوالي إلى أن ما يريد الوقوف عليه في عرضه إلى جانب الهدف الأساسي المذكور سلفا، هو عرض جوانب وتصورات وتحليلات العلماء وأهل الاختصاص لهذا الموضوع. ونبه الدكتور إلى أن الاستعارة منذ العهود الأولى لنشأة الشعرية والخطابية موضوعا أثيرا لدى المشتغلين في هاذين المجالين. واستدل الوالي على ذلك بأرسطو الذي أفرد للاستعارة مكانة هامة في الشعرية والخطابة، هذا على الرغم من أن الجنسين الخطابيين( الشعر التراجيدي والخطابة) قد تم تحديدهما على أساس كون الأول ترتيبا للأحداث في نظام، وما عدا ذلك فهي عوامل مساعدة أو ثانوية. وكون الثاني عرضا للبراهين والحجج. وأضاف الوالي أن أرسطو خص الأسلوب وضمنه الاستعارة، بصفات تعتبر ملهمة لكل الخائضين في البلاغة من اللاثنيين بخاصة في بلاغة المحسنات أمثال لونجينوس صاحب مصنف "الرائع" وشيشرون صاحب كتاب الخطيب الذي يعتبر من روائع البلاغة في التراث الغربي ، وكينتيليان في مصنفه الضخم " مؤسسات البلاغة" ومن المحدثين فونتانيي في كتابه " محسنات الخطاب". لقد خص أرسطو كما يقول الوالي الاستعارة في المصنفين المذكورين سابقا بدورين متباينين:ففي الشعرية تندرج الاستعارة ضمن المقومات اللفظية التي تضفي الطابع الغريب على النص وعلى عوالمه، وتنفي عنه صفة الابتذال أو كما يقول أرسطو" كل ما بعد عن الاستعمال المعتاد". ونبه الوالي إلى ان البلاغيين الغربيين يقترفون خطأ عندما لا يعتبرون لونجينوس المحطة الأولى لبداية بلاغة المحسنات، واعتبار مقوم المحسنات الأول قد عبد الطريق لبلاغة المحسنات القائمة على التقسيم الرباعي المشهور: محسنات الكلمات/محسنات الأصوات/محسنات التركيب/ محسنات الفكر.
لقد أشار الوالي إلى أن الاستعارة تحتل مكانة مرموقة ضمن محسنات الكلمات أو البيان. و ينبغي كما أشار الوالي إلى الانتباه إلى أن بلاغة المحسنات قد تطهرت بشكل لافت من العناصر الحجاجية. وبديهي ان الاستعارة ينطبق عليها هذا الحكم، فهنا أصبح الأسلوب مجرد تزيين لمعنى سابق الوجود. ولقد أحسن شيشرون التعبير عن هذه الفكرة بقوله" إن الشعر عبد للشكل أكثر مما هو عبد للمعاني"
وختم الوالي مداخلته بالإشارة إلى أن هذا التوجه المحسناتي أعفى الاستعارة من مهام الحجاج والحكي، وجعل منها أداة زخرفية لمعنى سابق. لهذا انصرف إلى لهذه الاستعارة التي فقدت أدوارها الحجاجية والمحاكاتية، ووجدت ضالتها في الشعر الذي لم يكن له موضوع غير ذات الشعر. هناك كانت سيدة الموقف ، وبزت كل المكونات الأخرى في هذه الميدان الجديد.