تكشف قراءة الناقد المغربي لـ(إكليل الحزن الضال) عن احتشاد النص بزخم قوي وكثيف من اللغات، المتخيلات، الأصوات، والترددات، التي تصنع حياة جديدة، وتضفي عليها مسحة جمالية خاصة.

من التوصيف الرمزي إلى التعدد الدلالي

"اكليل الحزن الضال"

حسن اليملاحي

التقديم
تأتي نصوص بعض الكتاب، ممتلئة بزخم قوي وكثيف من اللغات، المتخيلات، الأصوات، والترددات، لتصنع حياة جديدة، وتضفي عليها مسحة جمالية خاصة، وتنفتح على العالم برؤيتها، وتخلق تفاعلات حوارية بينها، وبين نفسها والعالم. هاته النصوص بمظاهرها الدلالية تأتي خلاصة تجربة حياة، في سياق علاقتها بزمنها الخاص والعام. زمن الألم، الحزن، الفرح، الهزيمة، الانتصار، السلم، الحب، الحياة... إلخ

البعد المناصي
يحيل كتاب "إكليل الحزن الضال" دلاليا، إلى تعددية تفاعلية، وحوارية من حيث، المناصي، الخطابي، الثيمي، اللغوي، المعماري ... إلى غيرها من باقي المكونات الحوارية الأخرى المرافقة، كما تطرح نفسها، أمام القارئ والدارس للكتاب. مناصيا، يندرج كتاب "إكليل الحزن الضال"، ضمن الكتابة الشذرية، وذلك على ضوء السمات التالية:
ـ حرص الكاتب، أولا، على تجنيس الكتاب، ضمن "الشذرات"، انظر ص (1).
ـ اعتماد نصوص "إكليل الحزن الضال" لـ:
الاقتضاب، التكثيف، الاختزال، الاقتصاد اللغوي، التركيز... إلخ
وهي سمات تزيد من مشروعية تشذير الكاتب لنصوصه، كما يذهب إلى ذلك.
ـ تناولها للفلسفي، الوجودي، من داخل سؤال الجسد، يمكن الرجوع إلى نص ص (5)، (19)، (49)، (65)... إضافة إلى النصوص الموازية المرافقة. هاته السمات ببعدها العلائقي المتداخل والمخادع مناصيا، لا يمكن اختزالها في مجرد الكتابة الشذرية أجناسيا، في الوقت الذي يمكن أن يسجل فيه القارئ، والناقد احيانا، إخفاء كثير من النصوص الإبداعية لهويتها الأجناسية، التي لا يمكن حصرها في الهوية الواحدة، خصوصا، إذا استحضرنا انفتاح هاته النصوص، التي قد تتميز بها عما سواها من باقي النصوص الاخرى. هكذا، وباعتبار النص، يمكن التأكيد على جنوح بعض نصوص "إكليل الحزن الضال"، نحو:
ـ نصوص سردية متمثلة في (قصص قصيرة جدا)، إذ يمكن الرجوع هنا بشكل خاص، إلى النص (39)، (62)، (93)، وهي جميعها تمثل، أو تأخذ لنفسها ملامح قصصية، وهذا النوع السردي/القصصي تعكسه التجربة القصصية لدى "ياسوناري كواباتا"، و"أغوستو مونتي روسو".
ـ نصوص شعرية (شعر بمعطف جديد)، راجع النص (32)، (56)، وهذا النوع من الكتابة الشعرية، يمكن تلمسه في تجربة الشاعر حسن نجمي من خلال ديوانه الشعري الأخير "على انفراد".

إن هاته السمة الثنائية، تدفعنا إلى التساؤل، عما إذا كانت نصوص "إكليل الحزن الضال"، تمثل تجربة وإضافة جديدة في مجال الكتابة القصصية القصيرة جدا، الكتابة التي باتت تجتاح المسرود القصصي المغربي مع تجارب، عبد الله متقي، حسن برطال، مصطفى الغتيري، عزالدين الماعزي ،أم أنها فقط تمثل تجربة شعرية بصيغة أخرى، لها لغتها وجماليتها الخاصة بها؟

البعد الثيمي
يمتد "إكليل الحزن الضال" على مدى (96) صفحة، ويتضمن (8) فصول، وكل فصل يشمل من (1) إلى (10) نصوص تقريبا، بينما جاءت باقي الفصول الأخرى مفتوحة، وخالية من أي ترقيم عددي، وهو ما يدفعنا إلى الاعتقاد، أنها تمثل نظريا، امتدادا نصيا ثانيا، يتوحد تقابليا بالامتداد النصي الأول، انها امتدادات- بطبيعتها- تخلخل أفق التلقي، تؤسس لعلاقة جديدة بينها وبين نفسها، وبين نفسها والمتلقي، بعيدا، عن نمذجة التلقي التبسيطي السائد المرتهن إلى الجهوزية. كثيرا ما يأتي الاحتفاء بـ الثيمة الرئيسية المؤطرة للنص، أو بباقي الثيمات الأخرى المصاحبة، يأتي مختلفا، يعكس خيارات ومستوى استيعاب "الجمالي"، غير أن أهم ما يميز "إكليل الحزن الضال" ، بالنظرالى بعض التجارب، اهتمامه المفرط بالجسد إلى درجة الاحتفالية. هذا الاهتمام له دلالات كثيرة، من أهمها،حضور و هيمنة الوجداني الذي يحرك بتفاعلية هاته النصوص وبدينامية تقوم على الاستقراء والمساءلة، مع حرصها واصرارها الشديد على تناول الجسد تداوليا من داخل توظيف سجالي بين: الجسد ببعده الانطولوجي، والجسد ببعده الابداعي. هذا الالتماس يعني صراحة، أن الكاتب خالد السليكي يسكنه هاجس الاشتغال على الأطروحة التي تعتبر أن "الكتابة هي المدخل الحقيقي للجسد". إذ يمكن تمثيل هذا عبر، النص (1) ص (8). وهو نص يقوي من نجاح هاته الفرضية، إبستيميا ونقديا. الشيء الذي يضمن الحديث هنا عن اقتران دال على مستوى (الفعل، المشاهدة، المعانقة، الذهاب...) علاقة بـ (الكتابة)، من حيث الاحالة داخل النص. وهو اقتران تقابلي ازدواجي، يشرعن للجسد وجوده وحضوره عبر أسئلة تتابعية، متحولة، ملازمة للجسد فلسفيا وانطولوجيا.

هذا "التوظيف" كما يبدو انما يفيد إلى استخلاص، سجالي/حواري، تبريري للوجود المادي للجسد، عبر امكانية التعبير، البوح،و الصوت الخارجي/ الداخلي الذي يتوحد بالحقيقة. ان هاته الجمالية ، تعني- من دون شك- أن "إكليل الحزن الضال" يرمز الى علامة دالة ومغايرة لكتابة، ترتهن إلى الجسد من داخل اطروحة، تفتح نوافذ جديدة على: الزمن، الوجود، والانا .... الخ في سياق علاقة تربط الجسد نفسه بهاته الفضاءات، يمكن تأمل النص التالي بالقراءة، انظر ص (56).

يأيها الجسد المخلوق من الشهوة.
أنت البداية.
أنت الحكاية.
أنت السر والألم.
سآتيك يوما قبل الرحيل، كي نحيا الذكرى ونهيم في حلم
طفلتك النائمة في دروب المدينة.

يشغل الموت بوصفه فضاء متمنع الإدراك المادي، ميتافيزيقيا مساحة أساسية داخل "إكليل الحزن الضال"، إذ يجسد حضورا احتفاليا متكررا من حيث الظهور ثارة والتخفي ثارة أخرى. راجع نصوص بـ ص (14)، (15)، (22)، (...) لكن بلاغة هذا الموت تتعاظم بتوصيف رمزي مختلف في كتابة المبدع خالد السليكي ببعدها الجمالي وبعالمها القائم على الممكنات الفسيحة، فيأتي هذا العالم يبحث بين أحضانه عن ممكنات أخرى من قبيل: الصدق، العشق، الحب، العظمة، الهيمنة... إلخ، غير بعيد عن القيمي ومصححا لاختلالاته. الموت بمظهره الدلالي العام، بقدر ما يحيل إلى الفناء، الرحيل فهو عند خالد السليكي، يحيل إلى جملة من التضمينات المخالفة للمظهر الدلالي العام، إذ ترمز إلى: موت الإنسان معنويا، موت الحقيقة، موت قيم الجمال والحرية والذوق ... فيأتي هذا التضمين على نحو الاقتران التالي:
آلية تفكيرية، آلية تساؤلية، آلية اقتحامية ــــــــ (الحقيقية) و(المصالحة مع الذات والآخر).

إن هذا التضمين، يعكس بصوره المتعددة -التي قد يأخذها- في ذهن المتلقي احالة دالة على جملة من الأصوات، الترددات، اللغات، التي يسعى الجسد بحسها ونبضات مشاكستها، إلى تفكيك شفرة "الإنساني"، في سبيل فك ارتباطه بقيم الشر، التربص، الحقد، وبالنيران الصديقة... إلخ، مع حمل هذا الإنسان على الانصهار في "المعنى الحقيقي للحياة"، لاستكناه جوهره، وجوهر "الإنساني"، والعودة إلى البياض المرادف للحياة والحلم الجميل، انظر نص ص (9)، (17).

الخاتمة
"اكليل الحزن الضال"، نموذج الكتابة الابداعية المدهشة ، التي تقتضي المزيد من التاملات والوقفات، وذلك بالنظر الى ماتطرحه من قضايا انسانية، وقيمية، من داخل اسئلة فلسفية عميقة تعكس الطبيعة العصية والمتمنعة التي ترافق هذا التداول من جانبه التناولي.الشىء الذي يدفع المتلقي، و القارىء ل "اكليل لحزن الضال" الى طرح السؤال التالي. هل يمثل "اكليل الحزن الضال"، بداية كتابة ابداعية مغربية جديدة، بوجه مختلف، ام ان هذا التلوين الابداعي الجميل، يشكل، فقط ،امتدادا طبيعيا واستجابة لجملة من التحولات التي طالت مستويات المتلقي؟