مهرجان المربد ميل للحداثة وتعثر في التنظيم

رسالة العراق

سهيل نجم

بحضور ما يقارب الثلاثمائة من الشعراء والكتاب العراقيين من الداخل والخارج وبخطة طموحة على أمل تحقيق برنامج غني في فعالياته الشعرية والنقدية عقد على مدى ثلاثة أيام من 2 حزيران2007 إلى 6 منه بالبصرة مهرجان المربد الشعري الرابع، لكن سوء تنظيم التنفيذ وفقر الإمكانيات أطاح بتلك الخطة. عقد المهرجان برئاسة فخرية للقاص والروائي الرائد محمود عبد الوهاب الذي نشر أولى قصة له "خاتم ذهب صغير" عام 1951 . وقد عدت هذه الرئاسة الفخرية بمثابة تكريم لهذا المبدع الكبير الذي على الرغم من قلة نتاجه فقد كان نتاجه هذا وسيظل إبداعا نوعيا في مجال القصة القصيرة والرواية. .إن عمليه الإبداعيين الوحيدين المنشورين له وهما "رائحة الشتاء" (مجموعة قصصية) التي نشرت ببغداد عام 1997 و"رغوة السحاب" (رواية) التي نشرت ببغداد أيضاً عام 2001 قد قدما الدليل الواضح على قوة الصنعة القصصية لهذا الكاتب المقتصد في أسلوبه الفني الذي يميل إلى الاختزال الشديد. هذا الاختزال عزاه زميله الكاتب محمد خضير في مقالة كتبها عن مخطوطة رواية جديدة لعبد الوهاب عنوانها "سيرة بحجم الكف" بكونه تعبير عن رغبته المكبوتة في سرد التفاصيل. وتعكس قصص محمود عبدالوهاب كما يرى محمد خضير أيضا "ًطريقته المهذبة في ارتشاف كأس الحياة حتى الثمالة. وما يزال محمود يختصر ما يريد تفصيله ويفصل ما يشاء اختصاره في تأليف قصصه مثل الإسكافي الذي يقص الجلود ويلصقها ويخصفها مرتدياً قفازاً ابيض معتكفاً على عمله بطريقة الأسلاف المتمسكين بعطر لغة تفوح بها نصوصهم." وقد صاحب هذا التكريم تكريم آخر لزميل محمود عبد الوهاب وصديق عمره القاص والروائي الكبير الراحل مهدي عيسى الصقر، الذي عرف بميله المفرط للعزلة والدأب المضني في نسج أعماله القصصية والروائية التي نشط في كتابتها في المرحلة الأخيرة من حياته. وقد نظمت ضمن فعاليات والمهرجان حلقة نقدية اهتمت بالقاء الضوء على الجوانب الابداعية في فن مهدي عيسى الصقر في القصة والرواية، إلا أن هذه الحلقة النقدية وسواها من الحلقات النقدية قد تم قتلها ببرود من قبل المنظمين إذ لم تتح الفرصة للاطلاع على أوراقها من قبل لمناقشتها من ناحية ومن الناحية الأخرى لم تكن القاعة مهيأة للاستماع إليها بتركيز. لم ينس منظمو المهرجان تكريم الشعراء المبدعين ايضا اذ تم تكريم الشاعر المتميز كاظم الحجاج الذي سلم درع المهرجان بعد ان قرأ مجموعة من قصائده القصيرة التي تميزت باعتمادها الواضح على بلاغة المفارقة فضلا عن كلمته القصيرة التي قال فيها انه قد كرم ثلاث مرات مرة وهو طالب في الكلية قبل ثلاثة عقود على اثر فوزه في منافسة شعرية انذاك ومرة تم تكريمه ضمن بيض الوجوه من الادباء وهذه هي الثالثة. وبعد ذلك عقدت حلقة نقدية قدمت فيما قراءات موجزة لدراسات تناولت الجهد الابداعي للشاعر كاظم الحجاج. وكرم ايضا الشاعر موفق محمد ومنح درع المهرجان ايضا تكريما لابداعاته الثرة في الخلق الشعري الذي يتميز به. هذا الشاعر، الذي نفى ان يكون شاعرا يوما ما وانما هو راو لشاعرة اسمها (الحلة) المدينة التي رضع منها حب الشعر والخلود والثقافة العريقة، استطاع كعادته أن يشد أسماع الحضور إليه بإلقائه المتمكن وصوره الشعرية الصادمة. وبهذا يكون المهرجان قد كرم جيلين من الادباء جيل الخمسينيات في القصة والرواية وجيل الستينيات في الشعر. علماً أن المهرجان كان قد كرم في العام الماضي في دورته الثالثة الشاعر عبدالكريم كاصد الذي حضر أيضاً مهرجان هذا العام وقرأ مجموعة من قصائده بأسلوبه الهادئ والملفت. شعريا تميز المهرجان هذا العام بنوع من التفوق للشعر الحديث على الشعر الكلاسيكي اذ هدأت قعقعة هذا النمط الاخير وهفتت الاصوات العالية المجلجلة التي كانت تدوي باصواتها على منبر المربد لاعوام خلت، وربما يكون مرد ذلك الى سيكولوجية الانسان العراقي الراهنة التي طفقت تميل الى التأمل واللغة الداخلية الموحية المتمردة على الايقاعات الرتيبة بعد أن صارت الأصوات الصاخبة والحماسية المنفعلة تثير النفور وعدم الاستقرار في روح الإنسان العراقي المنهك. غير أن مشاكل التوصيل الكثيرة في الإلقاء وفي ظروفه المكانية والزمانية شكلت الحواجز الصعبة بين الشاعر المعاصر ومتلقيه. من الناحية التنظيمية والإدارية أدت طريقة حشر الفعاليات الكثيرة وعدم انسجامها إلى ارتباكات لا موجب لها، فخلال وقت قصير لا يستوعب هذا الحجم الكثير من القراءات الشعرية، أقحمت الحلقات النقدية إقحاما مما جعلها تبدو كأنها كانت فرض واجب وهامشية فغدت ثقيلة على المتلقي خصوصا وان قاعة المركز النفطي لم تكن مهيأة للإلقاء الشعري فما بالك بإلقاء البحث النقدي، كذلك الحال في العرض المسرحي الذي قدمه فنانون من محافظة واسط فهو أيضا بدا في غير وقته ومكانه، إن لم يكن نافلاً أو تزيينا. كان من الأحرى أن يتم توزيع منظم للقراءات الشعرية والنقدية في قاعات مختلفة ومؤهلة أصلا للاستماع لا للضجيج الذي كان يثيره الصدى في قاعة المركز النفطي. وأتساءل إلى متى نبقى أسرى هذا الأسلوب المنبري في الإلقاء الشعري؟ لماذا لا يقرأ الشاعر قصيدته وهو جالس هادئ وبعيد عن الانفعال كما هو حال قصيدته الحديثة؟ وللأسف الشديد همش منظمو المهرجان معرض الكتاب فلم يتعبوا أنفسهم بشان تنظيم معرض اكبر واجتذاب دور عربية وأجنبية كثيرة للنشر ولم يهتموا حتى بتنظيم تخفيضات تشجع الإقبال على الكتب المكدسة وعلتها الرطوبة في مخازن دار الشؤون الثقافية و دار المأمون، الداران الرسميتان والوحيدتان في العراق اليوم.