صور من أيام رديئة

رسالة المغرب الثقافية

عبدالحق ميفراني

دون كيشوت بجلباب مغربي:
مناسبة العنوان أعلاه لا تتعلق بندوة دون كيخوطي المنظمة هذه السنة بشمال المغرب، بل الأمر يتعلق بفيلم هندي قصير عن الألم يرتبط بهذا المشهد الثقافي بالمغرب الذي خط هذه السنة بيانات التأبين والوداع لأسماء أثث ذاكرتنا وتركت بصماتها على جسد المشهد ككل. وبعيدا عن هذا الملمح الفجائعي، يستحق المشهد تأبينا مضاعفا على جسد مثقفيه وكتابه. إذ أمسى الحضور هو علامة الاسثناء الوحيدة. وتشاء الصدف الماكرة، أن يخلد المثقفون العرب ذكرى الهزيمة-النكسة في تماهي وتواطؤ غريبين. ثمة إشراقة خلقتها بعض خلايا البحث الأكاديمي هذه الأيام، إذ أعادت لسؤال المعرفة والتأويل دورهما فيما يشبه انفتاح بليغ من هذه الإطارات على المشهد الثقافي بالمغرب. إضافة لهذه الإطارات ظلت بعض الجمعيات تواصل سيرها الحثيث في صراع مرير مع هذا الهامش المفتوح على اليأس. لكن، يبدو هذا الدونكيشوتي مصر على ممارسة حضوره في الغياب، نوع من الاحتجاج الصامت على وضع أريد له أن يكون محملا بهجنة الخطابات. يبدو المشهد أشبه بالسوريالي لكنه يقدم صورة أقرب للاكتمال، لازالت الثقافة رافد أساسي لليوتوبيات... لا شيء تغير إذن، سوى اتساع مساحات الصمت الى الحد الذي أمسى فيه المشهد الثقافي خليطا من توابل عجيبة:

هذه الخلطة العجيبة أمست اليوم هي الصورة وبطلها دون كيشوت بجلبابه المغربي، وطربوش المعرفة إياه بلونه الأحمر القاني..تبدو صور النكسة أقرب اليوم الى البداهة، وكأنها ظلت تعيد رسم تراجيديتها في أفق هذا الزمن الردئ..

بحثا عن الصورة الضائعة:
تمتد خريطة المهرجانات السينمائية اليوم في المغرب، إذ لا تستثنى أي جهة من حدث سينمائي أمسى مرتبطا بسياق ما يطرحه من محور يميزه عن آخر. فطنجة تحتفي بالفيلم المتوسطي القصير، والرباط بسينما المؤلف، وخريبكة الرائدة عرس للسينما الافريقية، -أو ما بقي-، وسلا مفتوحة على شاشات المرأة، وأكادير بسينما الهجرة...ويختتم هذا المد بمهرجان مراكش الدولي للفيلم. هذه الخريطة، بمحطة سينمائية سنوية يراد لها أن تكون بملمح دولي، يتوج هذه الدينامية التي يعرفها المشهد السينمائي في المغرب، لطالما قلنا أن الحديث عن السينما المغربية هو حديث مركب على أفلام مغربية. تشكل مسارات حضور السينما في المغرب. إذ لا يخلو الحديث عن صناعة سينمائية في المغرب من جدل مفتوح، وقد عرفت نهاية الألفية وبداية أخرى حدثا يحمل دلالات عميقة، يتمثل في وثيرة إنتاج "منتظم" إذ يتم الحديث على 15 فيلم مغربي وأكثر في السنة، الرفع من قيمة الرقم المالي لصندوق الدعم، انتظام مهرجانات سينمائية في الانعقاد، وولادة مهرجانات جديدة تؤسس لصدى دينامية الفعل السينمائي، ولا ننسى أن وثيرة الإنتاج التلفزيوني وانفتاحه على المخرجين المغاربة، مما أسهم في خلق وثيرة إنتاج شرائط تلفزيونية جد مهمة، دون الحديث على القيمة الجمالية والفنية لهذه الأفلام وما مدى إضافاتها الجمالية.

ويرتبط هذا الاهتمام المتنامي بالمهرجانات السينمائية الى رهان خلق صورة آخرى للمغرب استفادة من إرثه الحضاري وجعله فضاءا سينمائيا بامتياز، مع الاعتراف أن هذا الاهتمام الزائد بخلق شبكة لمهرجانات سينمائية، إرادة الدولة في اسثمار صورة المغرب سياحيا مع التفكير في رفع مستوى الاستثمار السينمائي <ورزازات نموذجا>. وقد تبدو هذه الصورة غير واضحة المعالم، لكن مهرجان مراكش الدولي للفيلم والرعاية الخاصة التي يحظى بها من طرف أعلى سلطة في البلاد تجعل من مهرجان سينمائي بوابة أخرى لخلق تلك الصورة وألقها..وكأن الجميع توحد في البحث على "الصورة" رغم أن سياقاتها تختلف من الفيلمي الى المهرجانات الى ال"بساط الأحمر". الكل يبحث عن "صورته" المناسبة والملائمة، لكن هل قدمت الأفلام المغربية بعد هذا كله "الصورة" الملائمة لمتخيلها السينمائي؟؟ كي نستطيع الجزم حينها أن الأفلام المغربية منشغلة حتما بخلق "صورة" سينمائية تجعلها قادرة على الدفع بالسينما أن تكون مغربية بامتياز?..

بعض من الفرح:
بمبادرة من مؤسسة تشكلوت <نواحي مراكش>، نظم في مارس من هذه السنة معرض بانوراما التشكيل المغربي، وتقوم مبادرة هذه المؤسسة التي استحدثت من أجل رعاية الفنان وترسيخ لتقليد إقامة الفنانين والكتاب. على مبادرة ذاتية ساهم فيها الفنان التشكيلي صلاح بنجكان، وقد تميز معرض البانوراما بعرض لوحات أهم التجارب التشكيلية التي عرفها تاريخ الفن التشكيلي في المغرب. بمشاركة أكثر من 38 فنان تشكيلي، تتجاور فيها تجارب تشكيلية متعددة فاسحة المجال للتجارب الشابة. وقد افتتحت مؤسسة تشكلوت إقامتها الاحترافية بأول استضافة للفنان التشكيلي بوشعيب الهبولي الذي بإقامته الفنية منشغلا بثيمته "طبيعة"/nature" وذلك بدعم من المركز الثقافي الفرنسي.

وعرف معرض بانوراما التشكيل المغربي، تنظيم حواريات بين الشعر والتشكيل، وتعتبر مبادرة مؤسسة تشكلوت، مبادرة نموذجية خصوصا أن الإقامة توجد في منطقة قلما تعبر المبادرات الثقافية اتجاهها، وهي مبادرة نبيلة، يلخصها الفنان التشكيلي صلاح بنجكان في قوله :" مبحث صغير في بلد معزول عن ضجيج العالم".
لكن أهم ما خلقته هذه المبادرة، إضافة للندوة الوطنية التي نظمتها مجلة نوافذ هو عودة الحديث على التجربة التشكيلية في المغرب والذي أجمع المشاركون في ندوة نوافذ على أنها تتميز بالغزارة في الإنتاج والتعدد النوعي والبعد الإبداعي والجمالي الراقي، لكنها تفتقر الى مواكبة وإرشاد إعلامي متخصص يواكب هذه الدينامية.

Alkalimah_maroc@yahoo.com