يكتب الناقد المصري أن هذه المجموعة القصصية تندرج ضمن المجموعات التي تراوحت بين تسجيل وتعميق أبعاد وتداعيات ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويشير إلى أن الحركة الداخلية النفسية في أعماق الكاتب (الضمني)، مترابطة ومتلاحمة مع حركة الوطن من السكون والظلام والقلق، للفرحة والانطلاق والإبداع.

ثورة يناير في «هرش دماغ»

شوقي عبدالحميد يحيى

كلما مر الوقت، واختمرت التجربة، كلما ظهر الإبداع الحقيقي الذي يعبر عنها. ولقد كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير، حدث مزلزل، سيترك أثرا، واختلافا في الإبداع المصري، وتحولا في مساراته.

ولقد استطاع الشعر، بقدرته علي مسايرة الحدث، التعبير عن المواقف، والمشاعر، والتحولات التي حدثت أثناء الثورة. تلته القصة القصيرة، بقدرتها علي اقتناص اللحظة، والموقف، في التعبير عن الحدث وأبعاده.

وقد ظهر العديد من المجموعات القصصية، التي إما تسجل، وإما تعمق من أبعاد الحدث وتداعياته. ومنها مجموعة "هرش دماغ[i]" للقاص "إبراهيم عطية"، والتي نؤجل قصتها الأولي لأسباب سوف تظهر في حينها، لندخل مباشرة  إلي قصتها الثانية "الناموس" وما يمكن أن نسميه بالقصة القصيرة القصيرة، وهي بالطبع ليست ما يطلق عليه ال(ق ق ج) أو القصة القصيرة جدا، أو قصة الومضة. فقصص إبراهيم القصيرة قصة بالفعل، وليست مجرد خاطرة أو حكمة، أو موعظة. فإذا تأملنا قصة "الناموس" نجدها تحمل في طياتها (الحرطة) أو الفعل، ونجد اللحظة فيها تتنامي، وتبدأ من نقطة لتنتهي في أخري، إلا أن الحركة هنا حركة داخلية، وفي سطور معدودة، تشمل ثورة كاملة هدرت أصواتها في الميادبن، وغيرت الحياة علي وجه مصر كلها، دون أن يغادر اللحظة، ودون أن يغادر المكان.

تبدأ القصة بكاتب يجلس إلي مكتبه، تستعصي عليه الكتابة، تتكاثر{مخلوقات الأرق} وهي الناموس، في تعبير شد ما هو موجز وموح. فمن لا يعرف قدر القلق والتوتر الذي يشيعه الناموس عندما يصر علي الهجوم والرغبة العنيدة في امتصاص دم البشر.وتشكل حروف القلم كائنات شائهة تكشر عن أنيابها، بابتسامة صفراء، يربط بينها وبين قوات الأمن التي تهاجم الثوار في الميادين، بسلاسة لا تشعر معها بالنقلة، أو بالصنعة { تصارعت كائنات الحبر مع الأشباح المتربصة قي الميدان لعبور محنة كبت الرأي والتعبير عن أزمة الثوار الذين يطالبون بالحرية، مع ازدياد الزن والهتاف المتواصل من أسراب الناموس ، تتابعت الأفكار، وانفرطت صيحات الغضب فوق الجدران}ٍ. فاستخدام الكلمات الدالة، شديدة التركيز، خلقت عالما غير مرئي، وحركة غير محسوسة،

ولنتأمل الربط بين أشباح الشائهة التي عبث بها سن القلم في لحظة التوتر والترقب، والأشباح المتربصة في الميدان، وكأن أشباح الفكر، أو أشباح القلم، قد دبت فيها الروح وخرجت إلي الميادين لتبطش بمن خرجوا يطلبون الحرية، التي {انفرطت} صيحات الغضب، لتوحي بموجات الغضب الهادرة المنفلتة، العصية علي القمع أو الكبح، وكأنها الطوفان الزاحق، وليهتف الكاتب (الضمني) في ثورته المحدودة والمجسدة، تطهير الحجرة من الناموس، ولتنساب الأفكاروتصبح طوع أمر الكاتب، و لتنطلق { رصاصة من سن القلم ودم الشهداء . نموت ... نموت ويحيا الوطن}.فحدثت الحركة الداخلية النفسية في أعماق الكاتب (الضمني)، مترابطة ومتلاحمة مع حركة الوطن من السكون والظلام والقلق، للفرحة والانطلاق والإبداع، دونما هتاف أو زعيق، أو مباشرة.

وتستمر حالة الصراع النفسي الثوري الضمني في ثالث قصص المجموعة "حرامي الورق" لنجد أنفسنا أمام الكاتب الضمني الذي يحمله إبراهيم همومه، تجده يتصارع مع نفسه (شخص أو كائن غير محدد الملامح أو الهوية) فنفسه تنازعه بألا قيمة لما يكتب، الفعل الحقيقي هو علي الأرض، في الميدان، لا علي الورق. ومن بين أدلة الإثبات تأييدا لرأي الكاتب، لا نفسه. ويربط بين القول والفعل، بين الكلمة والقنبلة {وبانت أمارات التأفف والضيق من دخان السجائر والقنابل المسيلة للدموع}. كما يستدعي نمذجا إبداعيا، وثائرا في نفس الوقت، يستدعي يوسف إدريس {من آخر الدنيا}ليؤي أهمية ودور المبدع في إشعال الثورة.

ويشتد الصراع بين الكاتب (الضمني) ونفسه المتمثلة في (حرامي الورق)أو من يرفض دور الورق، دور الإبداع في الفعل، ويكاد "حرامي الورق أن تؤول إليه الجولة، ويكاد الكاتب (الضمني) أن يسلم، أما تصاعد عدد الشهداء في الميدان، علي الأرض، وعدم قدرة الكلمة علي تقديم العون أو الزاد (الموهومة):

{زاد العناد عن معدله الطبيعي، انهمكت ميترسلا، فأدركت أن (حرامي الورق)قد نزف آخر نقطة حبر في عروق الشهداء، وأن الحروف عجزت عن تحقيق الاستفادة الموهومة من الخروج علي النظام العام}

إلا أنه، وفي اللحظة التي كاد يستلم فيها، يأتيه يوسف إدريس من جديد، ليشد عضده، ويعلي من دور الكلمة، وأهميتها، فينبعث الأمل من جديد:

{أصابني وجع الدماغ من هتافات الغوغاء لعدم تفهم الأمور جيدا حتي مت من الضحك عند قراءة (العتب علي النظر)، تمايل في يدي طربا مع موسيقي نشيد بلادي، وهتافات الثوار أمطار تتساقط فوق الميدان}.

فالقصة علي محدودية عدد أسطرها، إلا أنها تتضمن الحركة، والصراع والاقتتال، واقتراب الهزيمة، فالنصر المتمثل في استمرار الثورة ، أو التمر المنهمر (كالمطر) من أفواه الثوار علي الميدان. استعان فيها إبراهيم عطية بالقدرة الفذة علي اختيار الكلمات الموحية ، الضاجة والمترامية في الإيحاء، والتركيز، فقلت ما يمكن قوله في عمل روائي، في قصة قصيرة، شديدة القصر، طويلة الأبعاد، ودون أن تقع في غواية الاختراع.

ثم نأتي للقصة التالية "المماليك" لنظل مع أجواء الثورة المصرية، وقد بدأت بعض ملامحها تبين، ويصعد البعض لمحاولة ركوبها{ تنبهوا للمغرورين الواقفين علي خشبة المسرحيؤدون أدوار الشرفاء}.  ويتشبث القديم ليظل ممسكا بمكانه، فلا يجرفه التيار، بعد ما وسعوا الدنيا {ظلم وفساد}. ويقع صاحبنا في دوامة الحيرة. يد تشده إلي القديم، وتفضيل السكينة، ويد تدفعه للثورة وكف الظلم. وهنا يبرز من أرض الواقع أيضا "الشيخ الشعراوي"ليصدح بكلماته وصوته المميز حين خاطب حسني مبارك " إن كنت قدرنا أعننا الله عليك" ليستمد منه صاحبنا العون، مستعينا باقتباسات من القرآن، وكأنه يتكئ عليه مع كلمات الشعراوي {لقت وكلت فتوكلت علي الحي القيوم} ليحسم أمره، مؤكدا عاديته التي تبرر تردده { ما كنت الصديق ولا الفاروق، بل أدركت الأمر معكم كربٍ وبلاء، إن من بايع باع، ومن زُكي زكي نفسه علي من ولوه} ليعلن الثورة علي مبارك، دون أن يقول ذلك صراحة ، ويعلنها ويعلن لنا تحركه النفسي، وحركة القصة الداخلية غير المنظورة، فيتم الاقتناع بالتحول{ لقد تيقنت الآن أن الإرادة قوة موجودة قي كل كائن حي يعيش علي الأرض، والتحدي إرادة، والقوب من لا يخاف الخطر في سبيل مبادئه} وهو في ذات الوقت يعلن قرار الشعب بترك الخوف. والترحيب بالموت في سبيل مبادئه. وليؤكد إبراهيم أنه قادر علي التعبير عن حركة أمة من خلال حركة فرد، وحركة الزمن، في حركة قصة قصيرة.

وتتجه الحركة في قصة "النوافذ" نحو العمق، تمتد اللحظة من الآني إلي الماضي، بتزيد المشهد اضطرابا وتداخلا، غير أن الاضطراب، شمل الخارج والداخل، فبدت القصة أشبه بتهويمات زاد من تشتتها محولة الكاتب اختلاق الصور غير الدقيقة، التي لا تضيف للحدث بقدر ما تشتته. فنقرأ {الدم يفترش الطرقات الحبلي بالنوم فوق جثث الموتي} فلو أنه اكتفي ب{الدم يفترش الطرقات} لأعطت الصورة كم القتل في الشوارع وخضبت أيدي القتلة بالدماء، أما {الطرقات الحبلي بالنوم فوق جثث الموتي} فلم زيد غير تشتيت المعني والرؤية، فضلا عن أن الصورة لا توحي بشئ. وكذلك { تبعثرت أنفاس المقاهي في الشوارع، تخنق زرقة السماء بدخان البارود} فلو أننا توقف عند {تبعثرت أنفاس المقاهي في الشوارع} لأعطت الصورة خروج الناس غلأي الشوارع، حتي الجالسين علي المقاهي، خرجوا إلي خارج الجدران. أما باقي الجملة لم تضف للصورة شيئا، إلا التشتت وضياع الصورة المرجوة. وغيرها، الأمر الذي يزيد من اغتراب القارئ عن النص. كما أن إصرار الكاتب علي كتابة معظم كلمات فيروز "الغضب الساطع آت" فجاء غير مناسب للقصة القصيرة التي تعتمد التركيز، والتي برع فيها إبراهيم في القصص السابقة، وكان يكفي الإشارة إلي الأغنية، لتعطي الإضافة المرجوة منها، لإلي جانب تكرارها أكثر من مرة في مساحة القصة التي لم تتعد الأربع صفحات.

إلا أن تأمل التقسيمات التي صنعها الكاتب هروبا من تمدد زمن القصة، مع الاحتفاظ بالجذور التي تذهب بها إلي الأعماق، فنقرأ "مشهد / نهار خارجي للمدينة" ومع النهار يذهب السارد إلي حب قديم، وكأنه بسمة أو أمل كان ... ثم مشهد/ ليل خارجي للمدينة" ليخيم الليل علي المدينة بكابوس النكسة وضرب إسرائيل لأطفال مصر. ثم ليل داخلي للمدينة / ليخيم ظلام الليل علي رؤية "ياسمين" الحبيبة التي كانت.. ويسود الظلام، أو المجهول حول حركة الثورة التي خرجت في يناير، ولم يعرف بعد مصيرها.

وتتوافق قصة "ثوار الأسمنت" مع قصة "النوافذ" في الأجواء المترامية الأطراف. في استحضار نفس الحبيبة "ياسمين" لترطيب أجواء حرارة الجو وحرارة الثورة، واستدعاء عرابي من بطن التاريخ، كاستدعاء للثورة، خاصة أن هذه القصة هي الوحيدة التي تحدد زمن نشرها في العدد الإسبوعي لجريدة الجمهورية (يونيو 2010 ) الأمر الذي يمنحها السبق في الكتابة ، والسبق في استدعاء الثورة، قبل قيامها.

كما تحمل نفس التشتت الناتج عن الإصرار علي خلق الصورة غير المتساوقة مع الجو، وما تؤديه من تشتت للقارئ، كأن نقرأ {الميدان ساعة تغسل الوقت من عفار السرفيسوالضوضاء} و { وافترشت سجاجيد الأحلام طيورا للأمنيات البعيدة} و رتتوجع دموع الألام داخلي وتنام في المرآة شيخوخة الأحلام} و { رجفة الهجر أرقت الحنين وضمتني إليها رسالة المحمول}. الأمر الذي يفقد القصة تركيزها، وتضيع معها رسالتها.

وكل هذا ما يمكن قوله أيضا عن قصة "عطر الحرية" التي تلامس تباشير الثورة. حيث الإنسان المأزوم، الباحث عن حبيبة الحلم، وعن وظيفة للخريجين، وما تبدو تباشير الثورة حتي ينبثق الأمل ويغني في الشوارع مع عبد الوهاب(أحب عيشة الحرية). ونظل معها أيضا في تلك التهويمات المتباعدة، إن لم تكن المتنافرة، نتيجة إصرار الكاتب وتعنته في حفر الصور التي قد لاتوحي بصور، مثل: { وخيول النهار تغازل الأفق ببلورات أحلام العذاري} و {أتحسس ظلي علي زجاج الشرفات ومواء الريح علي تراب فضاءات الأفلت} وغيرها.

وننتقل مع القاص والقصص إلي مرحلة مختلفة، ما زال فيها القاص يسعي لتشتيت قارئه، إلا أن التشتيت يأتي هنا من غياب الزمن المحدد والمكان المحدد، بالطريقة التي يمكن الوصول إليهما بيسر، ولكن عليه أن يبحث بين السطور، ويربط بين الجمل، حتي يستطيع جمع أشلاء النص.

 ففي قصة "تل بسطة"، وإن كانت الثورة قد غابت عن المشهد، من الناحية الموضوعية، إلا أن الأوضاع التي نعيشها فيها، لابد هي من دوافع الثورة، أو التحريض عليها.

تبدأ القصة بالأتي:

{ ماذا يفعل هؤلاء العمال في الظهيرة؟

-       ينقبون عن تاريخ أجدادهم الفراعنة، ويعزفون أناشيد المجد}

 يضعنا السؤال في زمن الحاضر، وفي عودة لغائب عن المكان، فلا يدري ماذا يدور. وتضعنا الإجابة في بؤرة المشكلة، البحث والتنقيب عن الماضي، عن أمجاد الفراعنة، الذي كان. أما ما هو كائن، فهو مشهدنا الآني الذي يضعنا تحت مطرقة الأمريكان والإسرائيليين. مشهد يعج بالخسارات والانكسارات. من بغداد إلي غزة، ومن الكوماندوز إلي شارون. إلي الهجمة الاستعمارية الأمريكية للبلاد في صورته الجديدة، صورة الهامبورجر والبنطلون الجينز.

ورغم هذا الاتساع، المكاني والزماني ، فقد حاول القاص الإمساك باللحظة، وإن اختفي التحديد الزمني، إلا اننا نستطيع أن نستنتج أن كل هذه التهويمات التي تواردت علي ذهن الراوي في عودة إلي "تل بسطة" ليتأمل ما حدث بها من تغيير. فنري{كيف تمدد جسد الجدار بمحاذاة الطريق وتجرأت الحسناء علي مقابلة القمر أسفل الشرفة الزجاجية} وهو ما يشير إلي امتداد العمران علي امتداد الطريق الذي كان أرضا زراعية، وتجرأن البنت علي الحديث والغرام علانية، وهو ما لم يكن ممكنا حين كان في "تل بسطا" أيام الصبا.

بالمجموعة أربع قصص تمثل مرحلة مختلفة عن باقي قصص المجموعة.القصص الثلاث الأخيرة "هرش دماغ"، التي منحت المجموعة اسمها،وهو ما يثير التساؤل،  لأنها ليست بأفضل قصص المجموعة، وليس العنوان متسع المساحة ليظلل باقي قصصها. و "فوران دم"، و "دموع سعيدة"التي يحمل العنوان شكل المفارقة، إلا أن القصة نفسها تخلو من المفارقة، وتقف عند القصص التقليدية المستهلكة.

امتدت المساحة الكتابية لهذه القصص، علي خلاف باقي قصص المجموعة، وابتعدت عن موضوع الثورة، واعتمدت علي الإسلوب التقليدي، فكرا وتناولا.

أما رابع القصص، فهي القصة الأولي في المجموعة "كلام ليل" فإنها وإن اشتركت مع القصص الأخيرة في الطول النسبي، وابتعادها عن موضوع الثورة، ظاهريا" إلا أنها تختلف عنها جوهريا في طريقة التناول، والإسلوب. وأقول ظاهريا، لأنها ، وأظن إبراهيم عطية قد وفق في وضعها في البداية، لأنها تتناول المسببات الأولي للثورة، أومن القصص المحرضة للثورة. والتي أعدها من أفضل قصص المجموعة. فالقصة لم تبتعد عن الميدان، إلا أنه بدون ثوار، وبدون قنابل مسيلة للدموع. لكنها لم تخلو من المطالب التي قامت من أجلها الثورة، وهي الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. غير أننا نواجهها بطريقة غير مباشرة، من خلال إسلوب راوي الحكايات، والتي ارتبطت بالشارع. فنجد القصة نشأت في الشارع، وتدور في الشارع، وإن لم تخلو من التفلسف، غير أنه تفلسف مقنع، وغير دخيل، أو منفصل عن الحكاية، نجح الكاتب في استدراجنا إليه برغبتنا، في التسليم للحكي الحميم. ورغم امتداد فروع الحكي، وتباعد مراميه، إلا أنه لم يسقط في فخ الخروج عن أصول القصة القصيرة.

تعود الثلاثة الأصدقاء قضاء السهرة علي فرشة "محمد غريب"، في لمحة تدفعنا لأرض الواق، فأعتقد أن الكثير من المثقفين،، يعلمون من هو محمد غريب، الكاتب، وصاحب فرشة الكتب في السيدة زينب. إلا أن القاص جعل (القاعدة) في مواجهة الميدان، ربما للإشارة إلي الميدان، وإن كان الأرجح، أنه ليوسع لنفسه مجال الرؤية، وتوسيع مساحة المحكي عنه أو عنهم. وفي الجلسة، يعيش الراوي مع صديقيه علي أرض الواقع، ومع حكاويهم، إلا أنه وكسباح ماهر يجيد الغطس، يسبح فترة ، ويغوص أخري دون أن يشعرنا بنقلته من السباحة إلي الغطس، أو العكس.

يسبح الراوي علي السطح، ليشاهد منع صديقيه، محاورة القطة للفأر، وكيف تتلاعب به، وبأعصابه، قبل أن تلتهمه. في ربط بديع ومبتكر لمحاولات الأنثي لإثارة الرجل وتمنعها. ويستمر الربط كذلك حين يربط الراوي بين بوسي القطة التي لم تسلم نفسها إلا لمن أحبته، بعد رفضها للمحاولات العديدة، وبين بوسي محبوبة الراوي التي فض عذريتها، ورغم ذلك تركته ووافقت علي من يملك المال، وبعد أن رفضه أبوها(الكرامة).

كذلك الربط بين القطة التي استطاعت أن تمارس حقها الطبيعي مع من أحبت، دون خوف، وعدم قدرته أن يفعل مثلها بذات (الحرية).

كما كانت القطة، أيضا هي الربط الإنساني في {لو كانت قطة سيامي أو رومي أو شيرازي مثلا هل كان سيصبح هذا مصيرها؟! (عدالة إجتماعية) بالطبع لا، لكنها مشردة مثل هؤلاء الأطفال المشردين  في شوارع المدينة بلا أهل، يشمون الكلة والبنزين ويأكلون من صناديق القمامة} (عيش). أليست هي مطالب الثورة؟ استطاع إبراهيم عطية، أن يضفرها في حكاية تحمل المتعة، وتحمل الفكر، وتحمل الفهم لدور الإبداع، البعيد عن الصراخ، والبعيد عن الخطابة.

 

Em: shyehia@yahoo.com

8 / 6 / 2014



[i] - إبراهيم عطية – هرش دماغ –الهيئة العامة لقصور الثقافة – ابداعات شرق الدلتا – 2011