غمرتنا المحبةُ حتى نسينا الدنيا. لم يكن ذلك اللقاء الخاطف في منجر شركة المبازل اليونانية 1972، سوى عتبة المحبة. تواعدنا في المساءِ تحت فندق الثورة الذي ينزل فيه، فالمدينة مبهمة بالنسبة له.
أخبرني أنه من كربلاء، يعمل سائق حفارة، له أيام في الديوانية فهو غريب، هكذا كان العراقي يقول عندما يغادر مدينته في تلك الأيام.
في مقهى قريب جلسنا متقابلين. أسعفنا المغني "حسين نعمة" بأغنية "يا بنادم" فصاحبي صامت مثل جدار. بعد ساعة بتُ واثقاً بأنه لا يجيد الكلام، لكن قسماته وعمق عينيه تقولان كل شيء، فأمسيتُ أرى أعماقه صافيةً في كل حالاتها، في السكرِ، والصحوِ، في الاختلافِ والاتفاقِ، في الغضبِ والمرحِ طوال أكثر من ثلاثين عاماً من عمر علاقتنا، في الزنزانة حينما خطفونا من بارٍ، في البيتِ وقتما ضمني عن عيونِ رجالِ الأمنِ طوال سنتين، وفي الوداع حينما التحقت بالثوار في الجبل.
عدتُ بعد الاحتلال الأمريكي، وجدته قد شاخ وأدمن. أمعن في السكر، وأكبر بناته خطفتها الميلشيات قبل أكثر من سنتين.
فشلت كل جهودنا في العثور عليها، أو إقناعه بالتوقف عن الشربِ.
ها أنا أجلسُ جوار سريره، وهو يغفو بعمقٍ، مديراً وجهه للدنيا.
جواري تبكي زوجته وبناته.
أنزفُ روحي بصمتٍ.
كوبنهاجن 8 شباط 2014
صديقي
يجئ السرد في هدا النص متكئا على لغة حية وداكرة حية في نفس الوقت وما تحمله من اشارات ودلالات ورموز تعلو في زمن قد مضى . يمكن تفحص جماليات القص في سرده المتفرق في استرجاع ماض . تحية احترام وتقدير سلام ابراهيم .
الشلاوي عبدالوهاب /اليوسفية /المغرب