تخصص "الكلمة" ديوان العدد الجديد لشاعر كردي مقيم في ألمانيا، يمثل الديوان تجربة ثالثة محكومة بموضوعة "الحب" بعدما سكنته الكتابة بسؤالها في ديوانه الأول «غرق في الورد»، وسؤالي الكينونة والهوية في ديوانه الثاني «هاربون عبر نهر إفروس». هنا يتقاطع فيها الحس الصوفي بحس المتخيل الشعري للرغبة.

ديوان العدد

أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال

حسين حبش

«من أين ولدنا؟/ من الحب/ كيف كنا سنضيع؟/ من غير الحب/ ما الذي يساعدنا على الغلبة؟/ الحب/ هل يمكننا أيضاً العثور على الحب؟/ عن طريق الحب/ ما الذي لا يدعنا نبكي طويلاً؟/ الحب/ ما الذي يوحد بيننا دوماً؟/ الحب..»     غوته

 

أنفاسك قاسية بما يكفي لهدم قيلولة كاملة
أفكر في نبؤاتك المقدسة، إشاراتك الصامتة

وتلك الرعشة التي توقظ سراديب الشهوة من نومها العميق.

ما أرعب جمالكِ

ما أعذب نداؤك السحيق عبر هواء العصور،

وما أرهب جروفك ومنحنيات الشغف على سرتك.

جئت لأضمك،

وأنثر لك ازدحام الوردة وعاداتها الفواحة،

مفاتيح الصدفة..

تكملين بها حكاية النار المتجمهر على مذبح الرخام.

تتشبثين بالرجفة إلى نهاية العالم الذي لا ينتهي إلا بين يديك.

ديمومتك كثيفة وشاسعة على امتداد الزمن،

على امتداد القارات والأفلاك والأزمنة العابرة.

ترفلين في عروق الجبال الشاهقة

وتملئين ردهات العزلة بالمدارك القلقة والثمار المجنونة.

كل السبل تسكر من نبيذك الذي يساوي دم الملائكة،

كل اللهوات تتراءى في ملعبك المزدحم بالظنون

والوخزات الخالدة.

كوني شقيقة الله واملئي قلبه بالفرح..

ستجدين كيف تتلاشى قامات حراسه أمام كواكبك،

سيتساقطون صرعى، نوراً تلوى نور أمام هالة اسمك

الذي يتأرجح كقيثارة بين مهاد النطق.

حاسرة القلب تثيرين أوتار الماء وطمأنينة الأفق.

ما أشبهكِ بالذروة،

ما أثرى مباهاتكِ.

أعترف، لا أخطاء فيك سوى جمالك الشاهق

دفء الأرض وطموح السماء بين هدبيك.

النوم يجافي عثرات يداي وأنت ترقدين عارية

إلا من مخلوقاتك البهيجة:

الحمامتين ورفعة العنق والإزاحة الطرية

للعشب الشامخ بين فخذيك.

أنفاسك قاسية بما يكفي لهدم قيلولة كاملة

قادرة أن تمنحي المساء بداهة مطلقة

أمينة للشرود وقيادة حلبات الفتنة.

مراكبك تعبر خلجات الضيوف وظنونهم

ما أوهن قواهم في ضعفك

ما أنْحَلَ تأتأتهم في حضرة أطوارك الغريبة.

كرمك باذخ وعطرك متفرد يزيح مجد المألوف.

ترفضين الخشية دائماً

ترفضين أن تكوني من جبلة الملائكة،

وترفضين التبغ من دخان الحرمان.

نهوضك راسخ لا ينصدع وطهارتك مدونة الأنوثة.

ثمة مطلق في شهواتك وإطلالات الغرائز

في نزولك وصعودك على سبائك الشهقة.

ما أوقدكِ،

ما أرهب تجاربكِ وتميز هباتكِ،

ما أعرق فراشاتكِ المتوحشة.

مزدانة بالرغبات تظللين جمرات الأقاليم الملتهبة،

وتفسحين بضربات قلبك شمساً،

ثم تمنحين الماء ملاذات على أبواب الرهوة والجموح.

ينابيعك صغيرة، لكنها مليئة بضوع الغرق

هيمناتك متهادية تجذب إصغاء الهلاك.

في قلبك شقٌّ

طرفه الأول شرٌّ

وطرفه الثاني برزخٌ،

وفي كليهما المسالك وعرة ومحفوفة بالانزلاق.

لا أخطاء فيكِ.

تعبرين الفصول من يدٍ ليدٍ على غفران الريح،

تخدرين مواجعها وتحشدين لوقارها طامة الحب.

يليك الكون،

يلي لظاك،

يلي ظفر قلبك الذي يخرمش ذئب السماء.

تنداحين في ثياب غير محدودة وتستنشقين

وهجاً منسياً في رئتي.

أحبك إذاً،

أحب ممرات أطيافك الساحرة وأعانق سَهْوك بتهذيب ناي

أدخل عتبة برج الشوق على نغمات "السانتوري"

أشتري زراً برونزياً، أخيطه على قميصك

يحاذي نهدك.

أؤمن بكِ،

بالحبِّ في ذروته الشاهقة.

 

اكتشاف المغمى عليه في الجسد والعبارة
على لسانها:
أصنعُ من اللؤلؤ سرجاً لأحصنتي وأحثكَ على الركوب

لتخترق البروج والحصون الموصدة في وجه الخيال.

لستُ مطيعة لركون الغابة،

لستُ حطباً لألسنة الخوف والقلق.

أتلألأ ساحرة إلى حدِّ الألم، متموجة في الغرق،

كميتة في الجموح وراعفة إلى حد الموت...

سعيدة بمفاتني،

سعيدة بأصابعي.. طلقات القلب على الورق

كطلقتي حلمتي على صدركَ حين لا تأبه بالرقباء.

الوجود والزمن ينصهران في سبائكي

والمطر يعبر متاهة قلبي.

ارسلْ دليلكَ إليَّ ليغترف من اتساعي،

اتساعي المورق بالجمرات.

انفصلْ عن العالم لأضمكَ كما ينبغي،

وأرتشف من شفتيكَ شهوات الأبد.

على لسانه:
أودُّ أن أستظهر أعماقكِ

وأغوص جذوة الحرائق في لا طمأنينة الجسد.

أنصب شغفي لعصافيركِ المشاغبة والقصية

وأشتت طريق العودة من أمامكِ.

رويداً رويداً أمشط ظهركِ وأمخر فجواتكِ المورَّدة.

بحركِ غامض ومريب.. لججه أسماك القرش.

شهيٌّ جنونكِ، أبجِّل عطر رياحينه

ولا أخشى معه بالخطورة والندم.

لياليكِ ليست ألفاً ولستِ شهرزاد الحكاية

أنت ليلة الدهر كله وأنا وعلكِ في السرد.

أصابعي إكتشاف المغمى عليه في الجسد والعبارة.

ليكن ذلك هذياناً يشبه منارة الخيال.

تعالي لنرقص إذاً

لنكون إلهان في طقطقة الأقدام

وَلَعك،

لوعتكِ أنبل من كل الصلوات

شفتاك تعويض عن فقدان النبيذ.

أتسألينني عن الحبِّ

ليكن رهوة، خرمشة قلب،

أو أورجازموس عاطفتينا على أريكة الكون.

أما الجنون،

ليكن أنا وأنت في مكائد الحلم

والغياب،

أو ثمة شيء يشبهنا في رعشة هذا المساء.

 

جاراتي السنونوات
جاراتي السنونوات

أترصد غنجهن على المفترقات،

وأنصب لهن فخاخ المصادفة

على درب الشهوات.

أخالط جنونهن وأناغي اقترابهن

ثم أصبَّ جام حبي عليهن

في لهفة الجمر والتنهدات.

أقطف لهن لذة الحكايات،

وأوقد نيران المدائح

فوق ذهب الكلمات.

جاراتي السنونوات،

يتعمقن في الضياء

وينثرن على الثلج البياض

ثم يطلقن على القلوب المأخوذة بالعشق

زنبق الضحكات.

جاراتي السنونوات،

يتقصدن الشبهات

ويدعن انسلال التنورات

عن أفخاذهن

كاشفات عن مكمن اللهب

والرعشات.

يقفن شامخات

يعقدن مجلسهن في العطور

ثم يتراشقن بالحبق والندى

ويتغلغلن في أجنحة الفراشات.

جاراتي السنونوات

رشيقات،

دمثات،

راعفات،

يذهبن مخطوفات في مهاوي الحب،

ويملأن كأس الحيلة بالجنون

غير عابئات بالمؤامرات

التي تحاك من حولهن.

هن خفيفات،

متلهفات،

ظريفات،

يعممن سكَّرهن فوق غابة الملذات.

جاراتي السنونوات،

يرقدن على ظهورهن طريات

رطبات،

لينات،

مكتنزات،

ينعشن أرواح الشموع

ويهزهزن قيافة الليل

ثم يداعبن في غفلة

قمصان الغرباء.

جاراتي السنونوات

ينتظرن على الأرائك متململات،

فاقدات صبرهن،

مشحونات،

يشحذن أطراف الملاءات

ويثرن رؤوس السنابل المتدفقة

من رهافة المرآة.

جاراتي السنونوات

يدخلن إلى المعمعة ممتلئات

بالشجن والرقة

يتراءى لهن نحلة التيه عن قرب

يبصرن نواح الشبق

ويضربن بحمرة الرمان

على وجه الغسق

متأججات،

يقاربن سفح المستحيلات،

ويلجن باب الرعشة،

باب الشهقة

والنجاة.

 

الفستان المشروخ بمقص حكيم
الرؤوس تضيع بين القهقهات الصاخبة للسكارى
في الحانة المتربعة على خصر الشاطئ.

الساحرات اللواتي يحرسن الموانئ المتوترة للرجال

تحت قباب السفن المبحرة إلى الزرقة..

يرشرشن على أفخاذهن نظرات البحر والبحارة

وفرسان المدِّ والجزر في قلة النوم.

أولئك البحارة الذين يركبون قوادم البواخر

ويدلون بدلوهم في أحاديث المساء المتقدة تحت أشعة النجوم

تاركين على قمصانهم آثار الأسرار اللذيذة

والمنحنية بخفوت على أفواه عرواتهم الفضية.

ما أبهاهم

فضاءهم منهمك بالرشاقة والخيال الشبق.

ما أحلاهم

ضياءهم يوصل ضوء القمر إلى القمر.

ينابيع تتفجر على المعاطف الزرقاء للكوكب

الذي يتبختر تحت هالة النور.

الساحرات يبغين اصطياد أطياف الرجال

بمكر كبير وفتنة ملتهبة.

يحققن ما يرغبن وما يبغين بسهولة عجيبة

ومدهشة!

في أقاصي الفرح قبعة ترد إلى جسد المساء

غبطة العشب وفتنة الماء

يتمدد على الرخام مهرجان مترف بالجنون والحياة.

تغتسل أردية السحر بالابتسامات وولائم البلور المشتملة

على الأحلام وطبق الذكريات.

الغيمة تسير في المرايا المقابلة للنسيان، عاداتها اللثم

تعبر على شفتي مرتدية ثوباً أحمر كالدم

تقول مهمهمة:

هذا اللحم لي خذه إلى أرجوحة اليأس المشرئبة

من جسدك..

أتلفه لكي أشهق

لكي أتوارى في السراب والنسيان.

الشموس الحائضات يسفحن على الأرض دفئاً غزيراً

ونفاساً خصباً

الحدائق تغني للمسافات المسكونة بالخضرة

والأزهار الساجية على الشرفات الكئيبة

اللذة تخترق حاجز الأفق على مدار الوقت كله

الغابة تفك قيودها غصناً غصناً وشجرة شجرة

اللون الأسود يذوي  ويتجفف

التفاح يتسيد ويعمم شكل الصدور المكتنزة

والممتلئة بالشهوة.

يطل دون كيخوت بشاربيه الطويلين

مسترسلاً بهالة محارب،

مقارعاً طواحين مخيلته الطائشة

ومردداً:

لا أريد أن يستقر فأس أرعن في رأسي،

لكني أبغي برعماً يتمرد على فصاحة الربيع.

الصورة المستقرة تحت تكات الساعة الذهبية

الكريستال الذي يداعب تلك الصورة بزهور زرقاء

حبات الاسبرين التي تطفئ الصداع

والتهاب الصوت خلف الحبال

الشجرة الخضراء التي تصرخ أرانب مجففة على ساقيها

تحاكي الكرة التي تبرز عتادها من خيط الشمعة.

المرأة التي تنسج من ذقن بابانويل كرات ثلج

وترسلها عبر بريد الأصدقاء.

كل هذا وهي مستندة على النافذة تداعب إجاصتها

وترنو إلى البياض الذي في الخارج

وأنا جالس خلفها أراقب البطتين..

والفستان المشروخ من وسطه بمقص حكيم.

 

دساكر إيروس
وددتُ حين انطبقت شفتي على شفتيكِ

أن نتحول إلى تمثالين.

***

إذا متنا،

هل ستتعانق عظامنا في القبر؟

***

أزين جدران غرفتي بالحزن، بالجنون، بالكآبة،

بالمرض، بالفرح، بالنوم،

وصورة متلألئة بالضياء

صورتك التي أرمق بها إلى العالم.

***

أفوح منك، تفوحين مني.

الستائر زنزانتنا للعالم الخارجي.

لوحدنا نقود أحصنة الجسد

إلى الجسد.

***

أأنحتُ لك تمثالاً من نبضات

قلبي؟

***

كسولان حتى الرمق الأخير،

نشيطان جداً في السرير.

ترتعش جموع الأعضاء..

***

تقولين:

انزع خواتمي وإياك من أصابعي.

اخل سبيل يدي من الأساور

وخذ عناقي على ذراع القسوة.

المس أقراطي، واسمع رنين خلخالي فوق مشط الأحلام.

ضعني تحت سكين الحب وأقطع شموسي بأسرها

من الوريد إلى الوريد،

ولا تتركني وحيدة، شجرة نائية عن شبق الأنهار.

التهمني..

شمني ورقة، ورقة

فلن ترتوي أبداً

ولن تنسى ما حييتَ،

ما رأيتْ..

***

الأرض تدور حول الشمس.

حين تكونين،

تغير مسارها وتدور حول سرتك.

***

السكين يهدأ

حين يكون في يديك.

***

أحب أشياء كثيرة في هذه الحياة

أنت وأنت،

ثم أنت.

***

بعناية خارقة أدللك

بالقبل.

***

شجرة الحور تتقزم

حين تمرين.

***

قميصك يعلو بالكبرياء،

نهديك.

***

أهلاً، خطواتك المشدودة

تؤجج هدوء المساء.

***

الغرفة تبترد،

خالية من أنفاسكِ.

***

الشموع عنايتك للغرفة

في منتصف الليل.

***

تدندنين،

على الأغصان،

العصافير تتحاب.

***

لن أملَّ ما دمتِ

بقربي.

***

لا أدري لماذا أحب الياسمين؟

ربما لأنك شغوفة باصطياده

من شرفات قلبي.

***

حين نكون سوية في المطبخ،

تفور القهوة دائماً.

***

تكونين في الغرفة،

أطمئن.

***

حروف اسمك مدلاة

من تجليات الله.

***

لن أقول أحبك،

كل بادرة فيَّ تومئ بذلك.

***

كل الزهور التي انحنت علي،

كانت زهورك

***

يداً بيد،

بهدوء نختلس بعضنا بعضاً.

***

المرايا التي تجمَّلت

قلدتك.

***

ونحن نيام

نحلم ببعضنا طوال الليل.

***

نستيقظ في الصباح

نتبادل تحية صباح الخير

بالقبل.

***

ها أنت هنا،

الحياة بأكملها هنا.

***

بالأمس عبدتك،

اليوم،

وغداً أيضاً.

***

لا تغادري،

ستتيبس الورود في آنية قلبي.

***

لا أثر لنا

دخلنا في بعضنا كاللهب.

***

أتلو القصائد،

قصيدة قصيدة.

تفاصيل جسدك

وأشياء أخرى.

***

عارية أمامي

يتعرى جسدي من هنات الزمن.

***

الأرض التي تمشين عليها أرض مباركة.

الحدائق تشمك والأمكنة تتبعك

وأنا أقتفي طيف جسدك.

أينما وجدتِ أجدني.

***

لن أخسر شيئاً ما دمتِ

معي.

***

النوافذ مفتوحة على الجهات.

القمر وأنت.

***

كل القرائن تدل على أني متهم بك.

وأنك متهمة بي

وأننا متداخلان منذ الأزل.

***

قالت:

أصابعكَ الإحدى عشر تعبرني،

أعبرُ بها إلى كل الشهوات.

***

وردة واحدة تتفتح، زكية الرائحة

جسدك.

***

لماذا سيجارتنا واحدة دائماً

حين ندخن؟

***

العالم،

ضحكتك الغير مكتملة.

***

أتوضأ،

لأدخل جسدك.

***

لا أبالي بالإشارات الحمراء

حين تكون وجهتي

إليك.

***

حين تكونين في المساء بقربي

لا أحتاج إلى الضوء،

جسدك يكفي..

***

رمانك يرتكب الهفوات من تحت قميصك.

يعض صدري.

***

مجنونان نحن

نقول للأشجار: لن تخضرن من دوننا.

للورود لن تتفتحن

للنجوم لن تضئن

للمساء ما أجمل شموعنا.

***

حين تنادين على طول شريط صوتك عبر الغابة

تتفتح الأزهار.

***

بحذافيري

أقع في حبك.

***

حين تسبحين في البحر

يغير الماء طعمه

ويصبح حلواً كالعسل.

***

الغسالة غاوية.. تدمج ثيابي مع ثيابك.

الغسالة كهف اللذة.

***

حين تدخلين عتبة الصخور،

تلين.

***

تعالي يدك في يدي نعيث في الأرض

عشقاً.

***

تعالي نمخر عباب البحر

ونرفع "راية الكوليرا" كما فعل ماركيز.

***

جسدك مشروع مؤجل

فيه آلاف الآهات.

***

لينابيع جسدك

آلاف المصبات في دمي.

***

عندما تنام الشواطئ على خدود البحر

يستقبل الرمل جسدك.

***

لا لليل إذا بقي مستيقظاً

وأنت معي.

***

جسدك،

حباحب ليل أثيري.

 

وحدكِ تُجِدين شهوة الأحلام
أقرِّب قميصي من ورود قميصك

كي يتنفس جسدي حبق جسدك

أداويه بالإحتكاك وما يخلَّفه من جمال فادح

وعرق مسفوك من شدة التلاحم

على المقعد الأليف للجنّة.

أشد أكمام الهذيان على خاصرتك

وأمنحك تلاوة الجنون

داخل العتبات الطائشة،

مفكوكاً من الخلايا في رحلات عميقة

تغريني بالخصوبة.

أتبادل معك كؤوس الافتراس

في أقداح اللذة

مرةً بالترنح ومرةً بالمطارحات.

أقتفي أثرك، وأتهم خلاياي بك

جهاتي تتبع جهاتك

والعراء يمتد مصلوباً على شعاع التلال.

أصلب نفسي وأسبقك إلى جنة الاشتياق

أوجز الشرح لعينيك

وأطيل الصلاة بكلتا يداي

وتمتمات شفتاي الخاشعتين...

يمكنني أن أقول في الشفاعة

جسدك كان وما زال يأتي

من مهب الكينونة

يمسح عني مكابدات الماضي

ويطهرني من الكآبة

في رحلة محفوفة بالقرابين

ومحمولة بالخمور والأخطاء

التي تعبر إلى جحيم الحاضر

بزهو الملوك

يتبادل الأنخاب مع المستقبل.

أقول لك:

لأصابعك هذا الحناء

ولعينيك هذه المعجزات الشغوفة بالمستحيل

وليديك أساور من آخر كشوفات الذهب

ولأسمائك الحسنى أجمل الألقاب.

نامي،

لأنك وحدك تجيدين شهوة الأحلام

نامي،

لأحشد سهري قرب سريرك،

وأحرس أشجار أنفاسك الهادئة.

نامي،

لأقترب من النجوم

وأقلد طيور شفتيك الدافئتين.

نامي،

لأرتشف جياد جيدك الجامحة.

نامي...

أهيل على وجهي لون عينيك

وأنتظرهما قبالة القبلة

أشعل أغنيتي

وأهبها للملكين الفاتنين على كتفيك

أنجو من الموت.

أطوف حول مسراتك العاشقة

وأقول إلهي زدها مرة أخرى وأخرى.

زد جمالها.. جماااااالاً.

أمجد سلطانك

سلطان قلبك الكبير

وأقول:

أقول للماء كن معبود جمالها

فيكون.

أقول لهواء الجبال كن خادم رئتيها

فيكون.

أقول للنار كن دغدغة لسرتها

فيكون.

أقول للتراب كن مهرجاناً لقامتها الباسقة

فيكون.

أقول للغمام كن قبعة أو تاجاً لشعرها

فيكون.

أقول للكون كن نبوءة قوامها

فيكون.

أقول للماء كن حبراً لزرقتها

فيكون.

أقول لي كن مُوقِد شعلتها

ف أ ك و ن.

 

وَجْدٌ يقارب الشرود
وجدٌ يقارب الشرود وينكشف في شهقة المعاني وغزلانها الواجفة

لهبٌ يدحرج اللهاث إلى أطراف الخيام ويعتلي صهوة الرغبة

لهوٌّ ثملٌ يوشك على العبث

عبور خاطف يخلب لبَّ الأشجار ويشعل الطيش في زمرد المكان.

وميضٌ يفكُّ سرَّة الغيم ويرتدي طواويس الأحلام

قرط يتهادى في ترف الأذن

زينة تسترسل في تنهدات الأزاهير

وتبارك نفي الصرامة أسفل الحاجبين.

عبقٌ ينساب من قامة السروِّ.. يزلزل مسافة الغياب

زنابق تتوِّج جبين الينابيع بأريج الجهات

طيشٌ أبيٌّ يمتد في السهول والمضائق

ويترجل في أبهة على مسارح الهذيان.

كيدٌ عظيم يسرح في قلب الكمال

ذهبٌ يتلو الصلوات على قميص الجمال

مجيء غريب من عبث المتاهات

خلخال يفتك برنينه جدل الطرقات

مرح يرجُّ مشارف الاختفاء

أغصان تستوفي هتاف الربيع

فتنة تبايع سكرة التمرد في وتيرة الظهيرة

وشؤونها المرصودة للشبهات

قميصٌ ينفر من أزراره ويدبر حيلة متموجة

تفضي من خلف الضجر

إلى عمق الشهوات.

 

كأن هذه وصاياكِ
لا تدخل المرايا

من دوني

ستتناثر الشظايا

عليك.

اعبر الوردة فأنا هناك،

لكن حاذر غدر الأشواك

في طريقكَ

إليَّ.

نم

لكن لا تحلم إلا بي،

ضوء قلبكَ.

أكمل حلمكَ

واستيقظ

ستجدني أخطَّ حلمكَ

على الوسادة

وأداعب هواء شعركَ

الوثني.

تجنَّب الليل

كي لا يغويك.

عجِّل خطاكَ

إليَّ.

صافح نساء كثيرات

لكن لا تُرَقِّصْ قلبكَ

لإمرأة سواي.

انظر إلى السماء

فأنا نجمتكَ الحزينة

هناك،

حارسة على بابكَ

أعود تائهة

كطير المساء

إليك.

صورتي المنكسرة

في الماء أنقذها

قبل أن تغرق في الموج

أو قبل أن يسرقها البجع

منك،

خذها إلى حزن

عينيك.

قبِّلني كي أرقص لكَ

ضُّمني كي أتذكرك دائماً

مسِّدني كي لا أنساك

شم زهوري

كي لا تنساني.

اقرأ باسمي آيات الشعر

واقطف من الحقل

سورة حبي

فلا تقل دثروني..

دثروني

فأنا بقربك

فأنا معك.

 

لو نرفع السياج لو نعبد الأخطاء
لماذا كلما اقتربتِ مني

تأتأت يدك في المصافحة

واحمرَّ قلبك كمدفأة؟

لماذا كلما ناديتك

تلعثم صوتك في الجواب

وتجشمت قدميك عناء الارتباك؟

لماذا كلما قلت أحبك

تصبب العرق من تحت أذنيك

وانهمرت من رموشك

قطرات الخجل؟

لماذا كلما أهديتك باقة ورد

توردت خداك

وفردتِ جناحيك للطيران؟

لماذا لا تناديني باسمك

كما أناديك باسمي

لماذا لا نلغي اسمينا في لهفة الحب

أقول يا حبيبتي

وتقولين يا حبيبي

ونتوه في رهافة الأخطاء؟

 

لا تتوانى...
1

إذا كنتَ في طريقك إلى الحانة وصادفتَ امرأة

صافحها بكل حرارة كما لو أنك تعرفها منذ ألف عام.

خذها معك...

ثم صب لها كأساً ليألف المكان

ويتحقق برشفة شفتيها كرامة النبيذ.

2

إذا تهتَ يوماً وصادفتَ في تيهك امرأة

افرح من كل قلبك

وقل: ربي زدني تيهاً

زدني تيها.

3

إذا كنتَ مسافراً في قطار

وشاءت الصدف أن تكون في عربتك امرأة

قل ملء الغبطة شكراً لله على هذه الهدية ـ الملاك

شكراً...

لولاها من كان سيدبر أنياب الوحشة

ويملأ فراغات الطريق؟

4

إذا كنتَ في العزلة لوحدك وطرقت قلمك امرأة

اكتبها.. اكتبها

قبل أن يهرب السحر

ويلف قلبك الرماد.

5

إذا كنتَ تعد النجوم وسقطت عليك نجمة

ضمها إلى قلبك حتى تتقد شهوة الليل

وتنبلج فاكهة الصباح.

6

إذا رأيتَ امرأة تبدل ملابسها،

ساعدها...

لتزهو الخيوط وتستدير البروق في مكامنها.

7

ارقدْ يا الله

ارقدْ بجانبها وخذ قسطاً من الحب بعد عناء خلقك للكون

ارقدْ، لنقول: وفي اليوم السابع قد استراح..

استراحَ الرب في قلب امرأة.

 

إيماءات حاذقة
أهب شعري لإلتباسات المطر وأعلق ثيابي على مشجب النزق

أبعثر إيقاع الخفقان في قلبي وأغسل يدي من الاتزان.

أترصَّد خطواتك، خطوة.. خطوة

ثم أمنحك إيماءات حاذقة.

أتجه إلى البلوى، مبتلاً بجنون الحب

أغادر الرضوض وأتجه إليك.

أتشمم طيفك وأربك نبضات قلبك

أستدرج الإثارة وأسكن في وهجها الأثير.

لا يهمني اسمك.

أشاطر الغريزة وأعبر دربك المحرم

ترفعين إشارة النصر، فيرتفع السقف بباطن قدميك

تتأوه الغرفة وتعرق الستائر

تذوب المرآة وتلتهب الجدران

يندفع الماء إلى عمق الوردة وتتأجج النيران.

تلملمين ثيابك وتشدين على يدي

تشكرينني

وأشكرك

وداااااااعاً.. نقولها معاً

ربما تتذكرينني أو ربما أتذكرك

ربما تجمعنا صدفة أخرى وتدقين بابي

دون أن أترصد خطواتك

أو حتى دون أن أمنحك إيماءات حاذقة

في كل الأحوال

لا يهمني

اســــــ(روكسانا)مــــــك.

 

المتدفقة إلى أحوالي
المرأة التي
زرعت حافتها بالورد وتهجَّت بزوغ الكمأ في سترة الربيع،

خلَّفت في جيب قلبي شكلة الحبِّ وثمالة الفرح.

المرأة التي صَعَدَت بخفَّين ورديين إلى مراياي منتهكة وصايا أمها

صلَّت معي لصورة الحبِّ المعلَّقة كالزمرد فوق نحاس السرير.

المرأة التي فاحت الوردة منها قررت أن يكون بيننا بحيرة،

تدفقت كماء مقدس إلى أحوالي ثم هشمت في أصابعي قرميد اليأس.

المرأة تلك

شموخي.

 

إلهان
المرأة الشفيفة

المرأة الشفيفة جداً

المرأة الشفيفة جداً جداً

إنها الله.

الرجل الشفيف

الرجل الشفيف جداً

الرجل الشفيف جداً جداً

إنه الله.

المرأة الشفيفة

الرجل الشفيف

المرأة الشفيفة جداً

الرجل الشفيف جداً

المرأة الشفيفة جدا جداً

الرجل الشفيف جداً جداً

إنهما الله

ولا يُعْلى أحدهما على الآخر

إلا بالحب.

 

يحدِّث غيابها
تقضمه الوحدة

وتنخر روحه آفة السأم

يجلس ساعات طويلة أمام الطاولة

ويعض أصابع الوحشة.

يضع يده على الخريطة المثبتة على الحائط

ويقول: سأسافر إلى هنا

وأكتب لها رسالة غريبة عن الشوق والحب...

يدور في الغرفة

ويقرب فمه من زجاج النافذة وكأنه يقبلها.

يؤنب عقارب الساعة

ويقف أمام المرآة دون فائدة تذكر.

يندسُّ في اللوعة

ويحاور الخيبة.

يفتح خزانة الملابس

ويفرك ثيابها...

يتمتم للفراغ

ويلهج بالسأم المطبق.

بصوت مسموع يحدِّث غيابها،

غيابها الذي طال كثيراً،

كثيراً جداً.

 

عناق
أنت الشجرة وأنا الفأس

أنت الشمس وأنا القمر

أنت الحديقة وأنا المتسكع

لماذا لا تحاولين المجيء إلي؟

لماذا لا نتصالح؟

أنا الشجرة وأنت الفأس

أنا الشمس وأنت القمر

أنا الحديقة وأنت المتسكعة

لماذا لا أحاول المجيء إليك؟

لماذا لا نتعانق؟

 

وعد
لستُ فان كوخ

لأقطع أذني

وأقدِّمها لك

لكني أعدك بأنني

سأنصت بأذنين مرهفتين

إلى موسيقى قدميك

وأنت تصعدين الدرج

إلى قلبي.

 

نسيان
نسي ساعته قرب ساعتها

ذاب الزمن.

نسي كفَّه في كفِّها

انتعشت المسامات

نسي قميصه على قميصها

تورَّدت الخيطان

نسي نسيانه في نسيانها

ذابا في الحبِّ

ولم يعد يتذكرا

شيئاً.

 

تحذير
اعلمي جيداً

الرجل الذي يضيِّع الطريق إلى البيت

الرجل الذي يحدِّث نفسه في الشارع

الرجل الذي يجافي النَّوم مقلتيه

يحبك بصدق.

اعلمي جيداً

الرجل الذي ينتظرك في السيَّارة هناك..

الرجل الذي يحدِّثك كثيراً عن المشاريع

والأحلام الوردية

الرجل الذي يردِّد لك كلمة الحبِّ

ألف مرة في اليوم

لا يحبك على الإطلاق.

 

واااحد
قال لي:

كم أنتَ وإياها متشابهان

قلت:

لا شبهٌ ولا هم يحزنون

نحن

واااحد..

 

إثنان في لجة المساء
معاً أنا وأنت

نرتدي أقمطة الطيش

ندخل إلى ملكوت المساء

نمارس القبلات

نهتك كل الممنوعات

وفي منتصف الليل

تأخذنا حكمة الهذيان

إلى حيث ما تشاء

تفوح منا رائحة النبيذ والتبغ..

ندندن بأغان مجنونة

نهنئ النوافذ الحمراء

وبعد ذلك تمضين أنت

إلى صديقة توبِّخك

وأنا أمضي إلى الحديقة

أزرع فيها شفتيك قرنفلاً وأنام.

 

روعة الافتتان
ينسكب إبريق الماس عطراً من الورد

على ملمس أناملك

وتكثر مصافحات العيون لكِ

وأنت تعبرين الشارع

ومن ثم تطيرين،

تتركين ريشك المبلل

بالألوان للضياء

وتصبحين جنية شاهقة

تستحم في أنهار السماء

وأنا..

أنا المنحني دائماً.. دائماً لعينيك

أواكب انبثاق الكرز على شفتيك

وأعبر بهدوء إلى دفء شواطئك

تنسكب الرغبة رشيقة إلى التفاحتين

ومن ثم إلى الأسفل

قليلاً

تمتلئين،

تتعرقين،

ترتعشين،

ومن ثم ترسمين على جدار الشهقة

روعة الافتتان.

 

وطنٌ لكِ
أنظر إلى الأخشاب

أتذكر الأشجار

أنظر إلى العصافير

أتذكر الطيران

أنظر إلى السماء

أتذكر المطر

أنظر إلى القطارات

أتذكر السفر

أنظر إليكِ

أتذكر الأشجار

والطيران

والمطر

والسفر

ثم أصنع لكِ

من الأخشاب سريراً

ومن العصافير أجنحةً

ومن السماء لحافاً

ومن القطارات وطناً.

 

اخضرار
أنا الذي اخضرت قدماه

حين مرَّتا في حقول الألغام

ـ بيتك.

أزهرت أصابعه

حين لامست بياض المرمر

ـ جسدك.

أضيئت عيناه

حين نظرتا إلى الرمان

ـ نهديك.

انتعش قلبه

حين عانق السهول الواسعة

ـ بطنك.

التهبت شفتاه

حين غرفتا من الورود

ـ شفتيك.

 

إمتنان
شكراً لله

لأنه عرَّفني بك

شكراً لذكائه

لأنه أختار لنا صدفة اللقاء

شكراً لرهافته

لأنه خلق الكرة الأرضية لنا

شكراً لإبداعاته

لأنه أبدع في تشكيل الحياة وتلوينها

شكراً لنا

لأننا نحبُّ الله.

 

كرنفال لتهميش الموت
سيغدق القمر عليك فكاهته النورانية

وأنت مسمرة تحت شجرة الحبِّ،

تشعلين القناديل الظليلة

وتبهجين أرياش العصافير

ثم تطلقينها في الزرقة

دون رعونة.. دون ندم.

تتحايلين على الياقوت في غفوته

وتصطادين وهج التتيم من أيائل المطر

ثم تسفحينه على فيروزة جبينك الرحب

تهدئين به حيرة الأرواح

القلقة في الأعماق.

أبادر إلى مصافحة التراب

كلما مررت على رؤى الفجر أمامي

أُقَبِّل دروبك وأوقد المهرجانات أسفل الخيمة

أحيي مجيئك المتمايل دائماً

أحيي صراط الطريق.

الكرنفالات الموردة الخدِّ في أقانيم الدَّم

تبادر إلى الاحتفاء بكتاب السوسن

المعلق في جيدك.

ليكن إذن جوابك عيدٌ واحتفال

ليكن همسك فضة وبياض.

فمك تينٌ، كلامك غبار نقي،

قامتك شجرة أكاسيا، قلبك خابية منسية..

مرحباً بزئبق شعرك في شمس العين،

مرحباً بسناجب قدميك في القلم

مرحباً بشغبك الذي لا يتهاون

ولا يتوعك طيلة الألم.

معدنك دمٌ ونار،

لذلك قلبك جارحٌ وجسدك حارقٌ

ونحاسك ثاقبٌ

وقمحك نعومة الوقت الذهبي.

أحتمي من اليأس بك،

ذكرك يهمش الموت في أصابعي

وأتعافى على أثير اسمك.

حافلٌ بك منذ حضوري الفرح

على صهوة حصان الكآبة.

الزيزفونة العارية تعوض

عن خسارة الفراديس

وأنت تعوضين مناقير العصافير

بالغناء.

خدود البحر من خديك

مالحة لمن يود أن يجرحها

وحلوة كالتفاح لمن يود أن يقترب منها

ويقبلها.

من بين الورود أنت السوسن

كل الزهور تتوق إليك

كل الشرفات تحن إليك

كل العشاق يهدون قلوبهم إليك

كل الشبابيك الحالمة عبيركِ إليها.

 

أنتظرك/ أحبك
قرب هالات النور، في ردهات الشمس، في قيثارة الضوء،

في زهرة الدفء..

أنتظرك/ أحبك.

على مدارج السماء والنجوم، فوق مصاطب الأحزان،

في ذروة المحن..

أنتظرك/ أحبك.

في الرحيل، في الغياب، في المنفى، في الغربة، في البعاد،

في القلق..

أنتظرك/ أحبك.

في الإصغاء، في الفرح، في ظلال الشوق، في عز الجنون،

في الرؤى والأحلام..

أنتظرك/ أحبك.

في المرافئ، فوق موج البحر، في قوارب العشاق،

في المدِّ والجزر..

أنتظرك/ أحبك.

ريبة مني، بعيدة عني، أعرفك، لا أعرفك، في وحدتك،

في تيهك..

أنتظرك/ أحبك.

في القيظ، في النزف، في الزفرات، في التعب، في المرض،

في العذابات..

أنتظرك/ أحبك.

في الوعورة، في الوحشة، في القسوة، في برودة الحياة،

في غلس الليل..

أنتظرك/ أحبك.

في الهدوء، في الطمأنينة، في رفرفة الفراشات،

في ريش العصافير، في بياض الغمام..

أنتظرك/ أحبك.

أنتظرك إذ يتضاعف الحب أكثر في قلبي،

في أوردتي، في جسدي، في كآبتي، في يأسي،

في عزلتي وألمي..

أنتظرك/ أحبك

أحبك/ أنتظرك

أنتظرك/ أحبك

أحبك/ أحبك

أدمنك.

 

مراياك أساطير
أنت الأرض

وأنا أوقيانوس خاصرتك

أنت الذاكرة وأنا سارق حكمتك

أنت الينبوع وأنا رفيف زرقتك.

حولك أعراس الجن

تدق طبولها ومزاميرها

وحولي طواف الحجل

والنمل والعشب.

ناي الروح يعزفك

ناي أورفيوس يتقنك

وباخوس في ختلاته النشوانة

ينتشي باسمك.

جسدك مملكة الأولمب

زيوس أدناك يصلي

والآلهة الآخرون يرممون أضلعهم

إذن مبارك نورك

مبارك طيفك

مباركة أنت وحدك.

هناك على مفترق الحب

تحسدك آناهيتا بوهجها القدسي

وأفروديت تسحب أنوثتها

وأنت تمرين كقصيدة

هوميرية على أسرَّة الحب.

تبتعدين يبعثر الخريف أوراقه

على جهاتي وقاراتي

تقتربين يزف الربيع أزهاره

إلى أقاليمي ويباسي.

رنيم روحك شفق الآلهة

وعلى شعرك تغفو دورة كونية

بأكملها.

على اتساع مساربه

يكتبك الشِّعر فتنة

مراياك أساطير

وظلك أرخبيلات الآلهة

والتكوين.

 

أرجوحة
أرجوحة تهتز برفقٍ

تتدرج العذوبة على ألياف حبلها

بشغفٍ محموم.

انتظار ما، استعداد الكرسي،

جلوسكِ.

همسات الهواء الأقل إخلاصاً

تحملك

ثم تأخذك عالية.. عالية.

أؤرجحك بين السماء وقلبي

تنسفح خطوط النار

من تحت إليتيك

وتنحسر الأمواج.

الأرجوحة ترتعش بجنون

وتقتحم الريح.

تمتحنين أصابعي

أؤرجحك بما لا يخيب

ترتطم ليونة الجبلين بكفي.

أرجوحة لك.

أرجوحة للهواء

وأرجوحة ليداي،

يداي المتأججتين

بالشبق.

 

أذىً حنون
لا أحب كلمة أحبك، بحساب أقل، أضمُّك وأضع قدميك

في أتون الماء.

تلمين تنورتك إلى ما فوق الركبة، تبرق صورتك في الحصاة

مرايا الله قرب البحر.

أفاجئ أزرارك زراً .. زراً وأسرُّ للنحلتين شهية اللسان .. فيضحكان.

أقصد شيئاً يشبه اللهيب.

في الرغبة أو في الغياب لا يتطلب الأمر سوءاً

أو وجهة حذر ضيقة!

كل ما يعلمه النظر يتقطر من الوردة

يكفي أن أكون منبِّه حواسك .. يكفي أن أحدث

في قلبك نبضة زائدة

وأن أُصعد الدم إلى وجنتيك.

أمدُّ ساعدي وأقول هذا غصني جدير بأن تبني فوقه عشك،

ضعي وسادتك عليه ولا تترددي.

لن أنشغل عنك، ما دام ظلك في البهجة

أمجنون أنا.. أم لغزك هو الذي حيَّر جنوني؟

لا أدري أي قلق يُهرِّب الهدوء مني؟

أنساني وأسلِّمك كلي.

لا تحذفي طريقك المداوم من أمام الحديقة،

لا تبدِّلي طقطقة كعبك على الرصيف

ولا تتركي قلوب الباعة حزينة في اللوعة.

اردمي الفجوة واشربي شاياً من النعناع، لأطفئ ظمئي!

أملٌ أقوى يصعد إلى الأعلى، يغذِّي زَهْو الشرفة ويفكر بالوصول إلى الوهج والإشراق.

لأجلك أنسى قبعتي تحت نقرات المطر وقلبي في الأذى الحنون

لذلك لا أحب التأتأة في أتون الرغبة، لا أحب المسوغات الكليمة

أشحذ جرأتك وأتسلق كما أصابعي إلى القبة.

أليست الشهوة بتراً للشقاء؟

كوني شقيقة "سافو" في الألوهة

ورددي معها: "إن ما يحبه المرء هو الأجمل"

نعم أن ما يُـ"ن" "ر" عش المرء هو الأكمل.

 

روكسانا
ازرعيني وردة على قميصك المطرز بالشهوة

فأنا المزركش بالهواجس والخرائب والأحزان

أبحث عن دفء يأويني كذبحة حب قاتلة.

خذيني من يدي فأنا الأعمى

أجهل دروبك المشتبكة بفوانيس الرغبة.

اطعنيني وشمة أو شامة على جبينك العالي

ظلليني بأوراقك الفضفاضة كأثواب الملائكة

اقتليني ففي قتلك لي، انبعاثي

أنا المهووس بهسيس الخريف وقحط الأزهار

وشحيني بالربيع وبدمعة منهمرة

كالندى على شفة الصباح

شكليني على تكورات نهديك

لعلني أرى الله بكل هالته.

مجوسي بحاجة إلى التوبة أنا

ذنوبه القفر والتردد والحجة البهية

أرفع يدي إلى تماثيلك..

يردني الله  بكل غفرانه

ويضمني جسدك كأيقونة بريئة

إلا من فعل الحب

وفعل الأنوثة.

 

بنت أورشليم
يا بنت أورشليم

كنتِ تصنعين دفئاً من ضحكتك الأقرب إلى قيثارة

تلاعب أوتارها في فتنة الحب وعذوبته.

كنت تناغين بعينيك رعشة الحروف والكلمات.

يا بنت أورشليم

كلما هممتِ بأعجوبة تلتها أعجوبات

تغور كالنصل في خيال الجرح.

وكلما همست احمرتا من الحب شفتاك.

كنت شفيفة في الإشارات والدلال

عفوية أكثر مما ينبغي

منتشيةً كالمطر في رهافته الأولى.

يا بنت أورشليم

موسيقى صوتك تبعد مسافة الموت عن قلبي

ما بال صوتك إذا أتى كاملاً في احتفاله الرخيم

ينتهي الموت وتنتعش خلايا الحياة في قلب الحياة

ما بالك إذا غنيت

تنهمر الآلهة من ضلوع العشاق.

يا بنت أورشليم

ما أجمل غزلان الصدفة في سفر اللقاء

وما أرهب لحظات الفراق.

يا بنت أورشليم

ما لي كلما لمحت قطاراً أراك أمامي

وكلما مرَّ قطار فقدت أثرك وفقدت صواب خطواتي.

ألم أقل لك

الحب لذيذ دائماً في ثوب المحطات؟

يا بنت أورشليم.

ما أحلاك وأنت تهدين غيابنا

شهوة العناق.

 

القرمطية
تقول القرمطية

أنا الكمثرى

الدليل إليَّ مفاتيح الكمال

وغواية الياقوت

نصفي الأول شعاع سماوي مقدس

ونصفي الآخر أعماق الأرض.

في جعبتي لذة التماهي

والسفر إلى أصقاع الكون

وعلى كتفي ملاءات الغمام

أركب قرون الثور

وأدغدغ اكتنازي

أصعد كالنفير إلى كنوز الفضاء

وهبوب البدائع

أنا سليلة السمرمر طباعي متعددة

وعنيدة

أعتلي السبور في خفة العارف

بالغيب وصهيل الفراغ

وهج الكون يبتدئ من قلائدي

ومن أثدائي

حين أميل تتبعني الأنهار

واللقالق وزفير الحكمة.

في أكاليلي الحمراء

يختفي وجوم الليل

وغيهب الخجل

هكذا أنا

هكذا تكون القرمطية

حين تغازل القرميد

وتعجن أكواز الألفة

من طين الملائكة.

 

أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال
أن تجاوريني لهذا المنام الطويل، الطويل...

لهذا الرقاد الفاحش على صراط الشهوة والأنين

أن تنيريني بحدي سيفيك اللامعين

والممتلئين برائحة الأبنوس

وبزوغ اللهب من خطوط الاستواء

المضمخة بالعبير.

أيتها المقطوعة الأوصال من الألفة،

أيتها المتوحشة كلبوة شرسة المنام والأنفاس.

تعالي ندَّخر قليلاً من الصبر ونغلق نداء السهول

حتى نبدِّل الوسائل بالوسائل،

وننفصل عند حدِّ السرير عاريين بعنف

ونبيلين على عرش الشوق والاقتراب.

أن تقيديني من هالتك

وتقولي لي:

كم بودي أن أغتالك أيها الولد الجميل

وأن أشوي لحمك على موقد قلبي،

ثم أنهشك كطير جارح.

أن أسرقك من السماء والأرض وأطعنك لذتي،

نتجاوز بها كل حدود،

ثم أضعك على القبة ملكاً في صهيل الشفاه.

أن تتركيني في الفضاء معلَّقاً بين هدبيك،

توحين لي بالنقائض والزمن الذي يجري

كالنهر على عقارب الساعة..

يرمي إليَّ حظوظ الآخرين،

ويترك ثيابك الجليلة مهملة

على عنق البرونز.

ينشدُّ منتصف بطنك كطاغية

وينفرج الورد بهالته الحمراء.

أن تأخذيني بجسدك البضِّ الذي يفوح

بالخناجر وإيماءات الجوع

الذي يرمي إليَّ بالحيرة والحصار.

أن أتعلم لغة الجرأة وأرددُّ في السِّر

الذي يطغى على كلِّ وضوحٍ

ما أجمل النسيان في الهاوية الملآنة بالرمَّان،

ما أشهى خرير الشَّعر على الكتفين الصلبين

كالغرانيت.

أن ترسليني مصحوباً بالبنفسج إلى الخطيئة،

أتبعك وتتبعينني، أنبع منك وتنبعين مني

رجلاً وامرأة ينغرزان في عَظَمَة التيه

ويركضان في حقول الفراغ.

أجيئك وتجيئينني، يزنبقنا الحلم

ويهذي العطر من دوني للرخام المنسفح

على الأرض بكل لغات الماء.

أن تتغلغلي في الشرِّ وتغيري نبرة الخطوات

أن تطاردي الدُّوار وتفتحي الأقفاص

أن تطَّيري الخوف، أن تكسري البلاط

وتشرحي للدَّرج رنين قدميك

أن تسرعي الصعود إلى النسائم العليا

وتتباهي بالشذرات.

أن تهبيني لكلك، لبلل عينيك

أن تروِّضي الصواعق

وتجمعي لها أرواحها الضالة

أن تزينيها وتختاري لها الأسماء العجيبة

ثم تتركينها في قاع الطمأنينة،

ترتِّب لكِ فوضى الأكواخ.

أن تخلقي كوكباً للقبة التي انبثقت

في الاشتهاء كمنارة.

أن أرسم على ذلك الكوكب شامة

أن نمارس الاندلاع برشاقة،

أن أنزل إلى الرجفة

وأتذوق طعم الرعشة تحت أرجوحة الذبح

أن أهجر الوحدة

وأسكن الذروة قرب الشامة هناك.

أن نقتل الرتابة

ونزرع قامة العشق الرهيفة في كل زمان،

في كل مكان وأوان.

أن ننتشل موتنا بقضمة حبٍّ ونبيذ.

أن تعلميني الصعود إلى الشمس

من متاهات العتمة في منتصف الليل

وتفرمي لي قلبك الطازج كالفجر

وتقولي: هاك مجدي

أن تغمري الملكوت بالزعفران

وأن تولمي المنضدة بالورد وهفوات الربيع.

أن تنشغلي بما يؤجج الرغبة

أن تحققي الملذات

أن تكوني أعلى من الشهوة وألذُّ من خاصرة غزال.

أن.. أن..

نؤجج معاً أنشودة الحياة.

 

شذرات الحكاية
تغلغلي في الضوء سيدتي

ثمَّ مرري يدكِ على صدغ البحر

وجسي نبضي هناك في الأعماق.

علقي قلبكِ فوق النياشين

ورفرفي في الأقاويل والظنون واللامبالاة.

ضعي نهدكِ على نقرة إصبعي

وتهجي حروف الاشتهاء.

انثري مراميكِ في يد الريح

وخذيني إليكِ في حبورِ هذا المساء.

عما هنيهة سأطلُّ عليكِ من فجوة نجمة

من فكاهة الترنح والثمالة.

عما برهة سأشعل لك شمعة

وأحرق السفن في نهنهات الليل وأواره المستعير.

عما همسة سأوقد في دمك مصباحاً أحمر.

دعي الجسد في ألقه وتعالي نورد الرغبات إلى الينابيع

وننسج الحكاية من خيوط الشهوة..

دعي ذرائع الحكمة في أدراجها المعتمة

ثم اتهميني بك

اتهمي لوعتك بي

وكوني في ذروة اللهفة والجنون.

تعالي لأضمك بقوة الألم ومجد الرعشة.

تعالي لأهب إزارك الدموي إلى أجنحة اللهب

والحرائق.

تعالي لنرهف الحلم ونألف جمرة النوم

فالحكاية في سطوعها الأثير.

تعالي أنثى الحكاية والحلم

أنثى النشوة

أنثى الأحلام المستحيلة.

تعالي

عانقتك رعشة البداية والنهاية

عانقتك أسطر الغواية

عانقتك شذرات الحكاية كلها

تعالي...

 

احتفاء
العتبة تحتفي بك

وذلك النسر الضجر في الداخل أيضاً

الباب يحتفي بك

وذلك العاشق الذي ينتظر قدومك بلهفة شاهقة.

الدرج يحتفي بك

وذلك المجنون الذي يوقع بقدميك ويدير وجهتيهما إلى بيته.

النافذة تحتفي بك

وذلك اللص الذي يراقبك من وراء "الأباجور".

الورد يحتفي بك

وذلك الشوك الذي يمد رأسه لينغرز في أصابعك.

الغرفة تحتفي بك

وذلك التمثال العاري الذي يلتهب كيانه فور وقوع نظره عليك.

السرير يحتفي بك

وذلك الجَدُّ الشهواني الذي يقفز من "البرواز" راغباً في التهامك.

المطبخ يحتفي بك

وذلك الخنجر المتقد كرأس أفعى، مهدداً حلمتيك.

قلبي يحتفي بك

وذلك الذئب المتربص دائماً بجسدك

ذئبي أنا.

 

حالة حمَّى بضربة أزل
النبل أن لا أحبك إلا من أجل الحبِّ

وأدع كيانك في رقة الزيزفون

ثم أنظر إليك كما يفعل أنبياء الغواية حيال الجمال.

أفهمك دون علم لي بمآخذك الكثيرة،

ودون اعتبار لطقوس تتداعى.

اقتربي لأفصِّل لك هالة فارهة

تمنحك وهجاً هائلاً

تعوِّضك عن صنيع المساحيق.

ثراء واسع وبرج عالٍ

من يصدقني؟

من يصدق المحارة في أعماق البحر؟

تتهادى الإوزات في الماء، الباب موارب

والحبُّ عار على السرير

يرتمي القمح المغرر به في مذاق الفعل

وينتدب روح الوليمة.

فقدتُ السكينة،

انحدرتُ إلى الظلمات

فكان النور الذي يلي الظلام بكل شهواته.

كنتِ صامتة وكان الجمر يشتعل

انعقد لسانك، انفتحت الأقفال

وسالت المدائح من تحت الثياب،

فأبصرنا عيون الفجر من خلل اللهيب.

من كان يصدق جمر الشفاه

وحذاقة الجسد؟

من يصدق..

ما صُدِّقَ حقاً؟!

النبل أن أحييك بفنارات الأصابع

وأولي متاهاتك الاهتمام الباذخ

ثم أدربك على قاع الحياة.

الحب مثلك..

لذلك لا تعرفينه حقَّ الحبِّ.

ادخلي حوض الماء

ادخلي جذوة الفتنة

لتنتابك الرعشة بجدارة لائقة،

أو تلم بك حالة حمَّى بضربة أزل

أفكُّ رموزك رمزاً رمزاً من الشعر

والجمرات.

أعرف جهلك العارف

أعرف ما لا يعرف غيري

ما يحدثه البرق في مسِّه وجنونه.

النبل أن أعري كوامنك

وآخذ بيديك، أحزُّ بهما عنق اليأس،

ثم أدحرجك إلى الورد الكامن في شقائي

أنت جميلة ومدهشة حقاً

على صورة الله خلقك..

من خلقك؟

على صورة الينابيع خلق وجهك..

من منح وجهك كل هذه الغبطة؟

جسدك يفيض،

فيضك يساعد يدي الشاعرة

على الصعود!

امرأة غواية أنتِ

تحت جلدكِ يختصب الضياء

والضياء يتشعب

والتشعب يكتسح كل قلب

فيه مذاق الحب وجحيمه.

 

شاعر كردي من سوريا يقيم في مدينة بون/ ألمانيا منذ عام 1996. ولد في عام 1970 في بلدة كردية سورية تابعة لمنطة عفرين/ حلب اسمها شيّه "شيخ الحديد".

له في الشعر:

ـ غرقٌ في الورد/ دار أزمنة، عمان ودار ألواح، مدريد 2002

ـ هاربون عبر نهر إفروس/ دار سنابل، القاهرة 2004

ـ أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال/ دار ألواح، مدريد 2007

ـ ضلالات إلى سليم بركات/ دار الزمان، دمشق 2009

ـ ملاكٌ طائر "نصوص عن أطفال سوريا"/ دار مومنت، لندن 2013

ـ تُرجمت مختارات من قصائده إلى عدة لغات، منها: الإنكليزية، الألمانية، الإسبانية، الفرنسية، التركية، الفارسية، الأوزبكية، الروسية والرومانية. ـ وردت مختارات من قصائده في أكثر من أنطولوجيا شعرية عالمية.ـ يكتب باللغتين الكردية والعربية.