هذا الديوان/ القصيدة الطويلة للشاعر الفلسطيني المرموق، يمثل أحدث كتاباته الشعرية اليوم ويقعد من خلاله مساره الطويل واللافت لترسيخ خصوصية صوته الشعري وسط العديد من التجارب الشعرية الفلسطينية. ديوان بنفس طويل ممتد يبحر في متاهات الحياة خلف "امرأة" مسكونة بتراب الانتماء، لكن القصيدة تشرح بعضا من تشظي هذه الذات الباحثة عن خلاصها من حالة الوحدة والانعزال ولا تجد أفق إلا الوصول الى حالة الشك واللايقين.

ديوان العدد

أنتِ حديقةٌ من الغيوم وأصابعي جمرٌ لا ينطفئُ

نمر سعدي

(1)

السنبلاتُ الخُضْرُ في صدري

ونهرُ زنابقٍ حمراءَ في يدِكِ التي تهتاجُ في البلَّورِ

يا لبراءةِ العصفورِ في جسَدي

ويا لقوايَ حينَ كدمعةٍ تنهارُ فوقَ رخامِكِ الأعمى

المعذَّبِ بالندى والطينِ..

 

(2)

تسندُني جهنَّمُ

ترتقي عينايَ في الرؤيا اللعينةِ..

لا يضُرُّ مع اسمِكِ القمريِّ شيءٌ قَطُّ

لكنَّ الطريقَ إلى مجرَّاتِ الحنينِ يقولُ

وجهُكِ وردةٌ في القلبِ.. مشكاةٌ مُدَمَّاةٌ

وخبزي مثلُ حلمي يابسٌ

وسماءُ هاويتي بلا بابٍ لأدخلَها

وكُلُّ الغمغماتِ خفيفةٌ

وخطاكِ ليسَ ترنُّ فوقَ الماءِ

 

(3)

يا للماءِ حينَ يشفُّ بحرٌ في الظهيرةِ

وهوَ يصهلُ في الدماءِ كجذوةٍ صخريَّةٍ بيضاءَ

تُشعلُ رملَ ظهري الآنَ..

يا للسنبلاتِ الخُضرِ في صدري

ونهرِ زنابقٍ حمراءَ..

 

(4)

ضوءُ فراشةٍ ينسابُ من قدميكِ

أو من منجمِ الذهَبِ المعتَّقِ واشتباهِ الشمسِ

هذا مهرجانُ الزنجبيلِ إذن

وعرسٌ للندى الصيفيِّ ..

نومُكِ ماءُ صلصالي ونومي سروةٌ وحمامتانِ صغيرتانِ

تربِّيانِ بنفسجاً في ظلِّ تمثالٍ

فلا أدري بماذا كنتُ أحلمُ

كانَ قلبي في حوافِ الأرضِ بحريَّاً وليليَّاً

ويُشبهُ مرَّةً فزَّاعةً سوداءَ أو قمراً هلاميَّاً تخثَّرَ.. مرَّةً أخرى

 

(5)

بماذا كنتُ أحلمُ؟

آهِ لا أدري...

بغيركِ لستُ أحلمُ ربَّما

ويصيبني ضجرٌ من المدنِ الحديثةِ والبحارِ

يصيبني مطَرٌ خفيفٌ منكِ..

 

(6)

أيُّ فراشةٍ حجريَّةٍ حطَّت على عينيَّ

فانشقَّ النهارُ كزهرةٍ بريَّةٍ بيضاءَ

تحرسُ نومَ أنكيدو من الدمعِ المنافقِ

في مرايا نسوةٍ كسَّرنَ في دمهِ وصايا الملحِ

كُنَّ على طريقِ الغيمِ والريحِ العقيمِ معاً؟

وكنتِ دليلتي الأولى

وكانَ يدورُ حولَ ظلامهِ أو بئرهِ شمشونُ

يصرخُ صامتاً في الليلِ صرخةَ من يموتُ

تقصَّفتْ كفَّاهُ وهو يدُقُّ صخرَ البرزخِ العاليِ..

 

(7)

وقلتِ وأنتِ من وجَعِ الغناءِ

تكفكفينَ الطيرَ عن عينيَّ

كيفَ تسيرُ في المعنى..

تهشُّ على الصدى الخاوي بغيرِ عصاكَ؟

كيفَ تكونُ بكَّاءً وأنتَ من الأثيريِّينَ؟

كيفَ تكونُ مشَّاءً ولمْ تبرَحْكَ دارتُكَ

التي أقوَتْ على الأحلامِ؟

دَعْكِ الآنَ من هذا الهباءِ

فلونُ أقواسِ الغروبِ يزيدُني حزناً بلا سَبَبٍ

 

(8)

أفكِّرُ بالفتاةِ الأجنبيَّةِ حينَ فاهَتْ بالشهادةِ

وهيَ تسلمُ قلبَها لنصاعةٍ في الغيمِ والمنديلِ

أو في زهرَةٍ الصُبَّارِ

كنتِ شبيهةً فيما أُحبُّ لها(لتلكَ الأجنبيَّةِ)

نخلةً وقرينةً لسمائها الأنثى

فيا لغتي استعيديني من الأنهارِ

أو من جُبِّ أورفيوسَ

كيْ أصفَ اختلاجي مرَّةً

أو أقصصَ الرؤيا على أحدٍ سوايَ

فلا يصدِّقُ ما جنَتهُ يدايَ من طَلْعِ الغبارِ

 

(9)

لمنْ إذنْ سأرتِّبُ الفوضى

بذوقِ أميرةٍ شرقيَّةٍ حسناءَ

تنحتُ رفرفاتِ الطائرِ الملتاعِ من فمها

ومن غيمِ القصائدِ؟

كيفَ أرسمُ قوسَ أسرابِ السنونو

في حنايا الأرضِ لا في الأفقِ

وهيَ تعودُ من أقصى الشتاءِ إليَّ؟

 

(10)

كيفَ يشيلُ شمسَ المريماتِ فمي

لكيْ تحمي شفاهي عندَ بابِ الليلِ؟

كانَ الليلُ جلَّاداً بلا قلبٍ ولا آذانَ

ينبحُ أنَّ خمرتهُ التي امتزَجتْ بأنهارِ الدماءِ

تحدَّرَتْ من حكمةٍ سوداءَ صالحةٍ لأنسنةِ الضباعِ...

لمن إذنْ سأهذِّبُ الايقاعَ في المعنى

ومن سأحبُّ بعدَ تقهقرِ الطوفانِ؟

 

(11)

أكشفُ ما اشتهى السفَّاحُ

من جَسَدي وجسمِكِ

لا أخبِّئُ من ملاءاتِ انتحابِ الكستناءِ

عليكِ غيرَ الظلِّ

يمضغُ ما تبقَّى من صراخِ الأبرياءِ ودمعهم

في رعشةِ الأسمنتِ

لا تقوى عليكِ أصابعُ الجَمرِ

التي قُدَّتْ من الأسفلتِ...

 

(12)

روَّضني غيابُكِ فانسلَلتِ إليَّ من مطَرٍ المراعي...

وانسحبتِ كظبيةِ النورِ الصغيرةِ من مخالبهم

تمائمُ عطرِكِ الكليِّ لوَّعتْ الذئابَ

فلا تزالُ هناكَ من آثامها تعوي

وتهوي في جحيمِكِ...

عشبةٌ في الماءِ قلبي

ليسَ تعصمها الهشاشةُ من نجومِكِ

والصدى الذاوي لصمتكِ في ورودِ الماءِ

 

(13)

كنتُ أضعتُ شيئاً

في هروبي من جنودِ معذِّبي..

شيئاً صغيراً منكِ

لستُ الآنَ أذكرُهُ

كأني خفتُ من موجٍ يزمجرُ

قابَ قلبي كانَ

حينَ أضعتُ خاتمكِ الذي

وضعتْ ملائكةٌ على قلبي

بخفَّةِ غيمةٍ في الأقحوانِ..

 

(14)

وفي طريقِ البحرِ أغنيةٌ

تحثُّ دمي على الطيرانِ

لنْ أنسى فلا شبحي هنا شبحي

ولا سيناءُ سينائي

اعطني سبباً لأعرفَ

أنَّ ما أنا فيهِ ليسَ من التقمُّصِ

واعطني قلباً لكي أنسى

وأذهبَ في طريقِ البحرِ

 

(15)

أُصغي للحمامةِ وهيَ تهدلُ

في الصباحِ الشاعريِّ

كم الشتاءُ جميلٌ

الشمسُ استحمَّتْ بالذي استعصى

من الأمطارِ في النجمِ البعيدِ على النزولِ

كم الشتاءُ جميلٌ

البردُ الخفيفُ وقبَّراتُ الروحِ

ناياتُ الهديلِ المطمئنِ

قصيدةٌ عصماءُ في مدحِ الهواءِ

فراشةٌ في الماءِ أسمعها تناديني

فتمحو من شراييني صراخَ الأرضِ..

يا لرمادِ يأجوجٍ ومأجوجٍ...

 

(16)

أرى بدمي وأسمعُ كلَّ خفقةِ وردةٍ أو طائرٍ

أو كائنٍ أعمى تقرَّى لي يديَّ..

ولا أفكِّرُ بالظلامِ الرطبِ من حولي

وبالصدأِ النظيفِ

فما تراكمَ منهُ حولَ فمي

سيزهرُ بعدَ هذا الليلِ كالنارنجِ حولَ يدِ المدينةِ

أو يُرشُّ على صدى حوريَّةٍ كيْ تستردَّ شبابَها المنسيَّ..

 

(17)

هذا الليلُ هاويةٌ تزمُّ الضوءَ في قلبي

لأشرسهنَّ إحساساً..

أرى بدمي.. افتحي عينيَّ في أبهى نعاسِ الآسِ يا امرأتي

فأجنحتي مطهرَّةٌ بخمرِ يديكِ أو بالجمرِ فانتبهي

إلى شَبَهي.. فليسَ على الصليبِ سواكِ

لستُ أنا يهوذا.. لا..

فكيفَ همستِ في أذني..

وكانَ يسوعُ أصفى من بكاءِ الماسِ في روحي

وكنتِ تودِّعينَ الذكرياتِ

وتسحبينَ خطاكِ من عطرِ الندى

أبقبلةٍ سلَّمتني.. أبقبلةٍ

رقصتْ سالومي حولَ رأسي

كلَّ هذا الليلِ ضاحكةً..

وباسمي في الفراشِ زنَتْ؟

 

(18)

أرى عصفورةً بيضاءَ تخفقُ كالغمامةِ حولَ قلبي

حينَ يبكي الشوكُ في عينيَّ تبسمُ لي فأبسمُ

كلَّما تصحو شراييني تعمِّدها بدمعِ الخَلِّ...

ترشدُها إلى ضوءِ المدامةِ في الندامةِ...

لم يقلْ شبَهي أتعرفني؟

ولمْ أجبْ الظلامَ بلا ولا نعَمٍ..

علامَ يصيحُ هذا الديكُ

فوقَ نوافذ الفجرِ الأخيرِ إذنْ؟

 

(19)

تعذِّبني بنفسجةُ الصباحِ

وما تساقطَ من سماءِ يديكِ

من رُطبٍ ومن عنبٍ ومن صخبٍ يعذِّبني..

تعذِّبني أنوثتُكِ التي استعصتْ على التوصيفِ..

يُفحمني نبيذكُ كلَّما قايضتهُ بالماءِ

هل من أجلِ هذا تقتفي شفتيكِ أقبيتي

وجمرُ أصابعي ما زالَ يلمعُ فيكِ؟

 

(20)

موسيقا تقطِّرُ لي هواءً عمرُهُ عمرُ النجومِ

تنفَّستهُ العاشقاتُ المرهقاتُ من اكتمالِ هلالهنَّ

زليخةُ الأولى وما قبلَ الأخيرةِ.. ريمُ.. بلقيسُ.. اليمامةُ.. روضُ.. ليلى العامريَّةُ.. وردُ.. لبنى.. بثنةُ البيضاءُ.. عفراءُ.. المنى.. هندُ.. السماءُ.. وكليوبترا.. دعدُ.. حتشبسوتُ.. فاطمةُ التي امتصَّت نحيبَ الماءِ.. لارا الفارسيةُ..

 

(21)

آهِ موسيقا وموسيقا وموسيقا

وأزهارُ النجومِ مريضةٌ سرعانَ ما تذوي

وتتركُ خيطَ كحلٍ في الفضاءِ الخارجيِّ لبؤبؤيكِ...

 

(22)

يمرُّ بي شخصٌ غريبُ الحزنِ

يقضمُ نجمةً فمُهُ

يقولُ: هناكَ يجتمعانِ عاشقةٌ ومعشوقٌ

ويأتلفانِ في زوجَيْ حمامٍ طيِّبينِ على شفاهِ النهرِ في الملكوتِ..

 

(23)

قُدَّتْ خمرةٌ حمراءُ من حجَرٍ لتشرَخَ جسمَ مرآةِ الزمانِ اللولبيَّةِ

 

(24)

قلتُ للعرَّافةِ انتظري لأكبرَ

واقرئي كفِّي على مهَلٍ

ولكن لا تقولي لي الحقيقةَ فهيَ موجعةٌ

وقلبي الآنَ لا يقوى على التصديقِ

والرؤيا ستحرقني إذا كذَّبتُ..

 

(25)

حلَّقَ طائرٌ بيديَّ بعثرَني

فقلتُ لسندبادِ الريحِ لملِمْني

وخذ قَلقي الذي ربَّتهُ زرقاءُ اليمامةِ

منذُ كانَ الكونُ رهنَ فقاعةٍ زرقاءَ مثلَ الحبِّ

 

(26)

كانَ الحبُّ أزرقَ..

كانَ صوتُ الحبِّ في جسدي المسرنمِ

غيمةً زرقاءَ أغفَت في سريرِ الحبِّ

 

(27)

هل بشريَّةٌ في غابةِ الأسفلتِ هذي الأقحوانةُ؟

ربَّما... أو ربَّما هيَ ما أريدُ من المكانِ

ومن حنينيَ وهو يجهشُ في رمالِ يديَّ من تعَبٍ

كأني لستُ أعرفُها سوى بيديَّ

كانت أمسِ في هذا المكانِ صغيرةً

ومريضةً بالعشقِ أو صخبِ الصباحِ الساحليِّ

وحينَ تبكي أسمعُ البحرَ القريبَ يئنُّ

ثمَّ يصبُّ فيها ظلُّ ناطحةِ السحابِ المرمريُّ..

الأقحوانُ الآدميُّ الساحليُّ سدىً توعَّدني.. وهدَّدني

ونمتُ أنا ولم يمُتْ اشتهاءُ الأقحوانِ

هنا القطاراتُ السريعةُ حوَّلتهُ إلى رمادٍ داكنٍ

للذكرياتِ وللخطى والبحْرِ

 

(28)

أجملُ هؤلاءِ الفتيةِ الغاوينَ ذاتَ بنفسجٍ وضحىً

سيمضي مفرداً من غيرِ أن تنسى معارجُ قلبهِ الفضيَّةُ الأضواءِ

كيفَ قصيدةٌ في الصبحِ توجعها كشوكةِ نبتةِ الصُبَّارِ في حُلُمٍ..

سيذهبُ في الندى من غيرِ أن يُلوي إلى امرأةٍ ولا بلدٍ

ويأخذُ ما تراكمَ من ثرى نيسانهِ الحافي على عينيهِ

أو أثرَ الزهورِ بغيرِ معنى اللوزِ والدفلى.. ولا ينسى

مذاقَ الذنبِ في تفَّاحةِ النسيانِ

أجملُ أشقياءِ الماءِ

يحملُ صبحَهُ الغافي ويذهبُ في سديمِ ربيعهِ الأرضيِّ

يا لنحيبهِ الضوئيِّ

يا لصدى حفيفِ خطاهُ في رؤياهُ

وهوَ يفيضُ من طينِ العظامِ

ومن مراثي الحبِّ

يا للحبِّ منتصراً على قلقي الذي

ما أنضجتهُ النارُ وهيَ تروِّضُ الدمَ بالفراغِ وبالنيونِ

 

(29)

تقوِّمُ امرأةٌ سدىً ضلعي

وتسألني: ألستَ تحسُّ حينَ تمسَّني كمجرَّةٍ ثلجيَّةٍ

ذئبينِ يقتتلانِ حولَ حطامِ مسكِ الظبيةِ الناريِّ

أو بحرينِ يشتعلانِ في أطرافِ قلبكَ أو ظنونكَ؟

لستُ أدري الآنَ يا حوَّاءُ..

ثمَّ تقولُ أخرى كَمْ أطَلْتُ شريعةَ التحديقِ في المرآةِ..

كنتُ ألمِّعُ النمشَ الخفيفَ النرجسيَّ

وأعشقُ الوجهَ الغريبَ

يلوحُ في وجهي ويذهبُ في السرابِ

وعندما انطفأتْ شموعُ الليلِ من حولي

أفقتُ.. ركضتُ في حلمي إلى المرآةِ

لكن في الحقيقةِ لم أجدْ وجهي

ولم أتذكَّرْ الأشياءَ...

أذكرُ أنَّ أزهارَ التفاصيلِ الصغيرةِ في دمي

كانت تشبُّ بغيرِ ريحٍ ثمَّ تنطفئُ..

الرمادَ بقوسهِ الأعمى

يغطِّي زهرةَ الرمَّانِ في قلبي

وأذكرُ أنَّ ديكَ الجنِّ

كانَ بكأسِ فخَّارٍ يطوفُ عليَّ

ثمَّ يشُمُّ ماءَ النهرِ فيَّ كنجمةٍ عطشى

ارتمتْ في الشمسِ من أعلى اشتهاءاتي

الغريبُ الآنَ ديكُ الجنِّ

يشربُ خمرتي الفصحى ولا ترويهِ

ثمَّ يقولُ كانتْ ها هنا في الأمسِ خمرةُ وردَ

كانتْ وردُ جرحَ دمي

صليبي في ظلامِ البردْ

 

(30)

من سلَّ من يدها نهرَ النحيبِ ومن

أضحى يقايضُ عينيها بنوَّارِ؟

ومن أزاحَ محاراتِ البنفسجِ عن

ضفيرةٍ خُلقتْ من موجِ عشتارِ؟

حتى أصابعُها ذابتْ على شفةٍ

من الرمادِ تشهَّتْ خمرَها الجاري

الفلُّ والمسكُ معجونانِ في جسدٍ

بسمِّ أفعى..

وبالزرنيخِ والقارِ

والحامضُ الأنثويُّ الرخصُ يلمعُ في

صلصالِ قلبي وفي آجرِّ فخَّاري

جعلتُ منهُ دمي..

إكسيرَ هاويتي

عبَّادَ شمسي.. نبيذي..

سرَّ أسراري

وردُ التي سيَّجت روحي زنابقُها

البيضاءُ تحرسُ أنهاري وأزهاري

بالحبِّ تطفئُ عينَ الذئبِ حوليَ أو

تحمي فراشةَ إدلاجي وإبكاري

بالبحرِ تغلقُ عينيها وتفتحُ لي

قلبي الذي كانَ شبَّاكاً على النارِ

من قالَ إني سأنساها بأغنيةٍ

يوماً..

وأهدي إلى تروبادورَ جيتاري؟

 

(31)

أخرجتُ قلبي كسمكةٍ صغيرةٍ من النهرِ

وأسكنتهُ قلبَ المحيطِ

هذهِ حالةٌ ليستَ ملتبسةً بقدرِ ما تظنِّينَ

فلماذا تريدينَ أن أفسِّرها لكِ أكثرَ

فأنا أستطيعُ أن أقولَ لكِ على سبيلِ المجازِ

كم أحبُّ الموسيقى المغربية مثلاً

ولكن لا أستطيعُ وصفَ النرفانا

التي تسبِّبها لي..

فكلما أردتُ الكلامَ

تتساقطُ الكلماتُ مني كالقُبَلِ الهاربةْ

 

(32)

التآويلُ تنسابُ من ليلهِ

كبكاءِ البحيرةِ في زمهريرِ الغوايةِ

تنسابُ من قلبهِ كدموعِ الندى الذهبيَّةِ

تضفرُ تاجاً لهُ من أصابعِ نسوتهِ ومن الشوكِ

لا يتهجَّاهُ ماءٌ جريحٌ ولا تتمرأى بصلصالهِ فتنةُ الذاهبينَ

وتسندُ أضلاعَهُ نقطةٌ من غبارِ الحنينِ

بلا شهوةٍ كانَ يحلمُ أسفلَ نهرِ اليقينِ

وكانَ الظلامُ بلا رغوةٍ..

يتقرَّاهُ بالعينِ

ثمَّ يقولُ: النهاراتُ سوداءُ سوداءُ

بي ثعلبٌ يتربَّصُ بالعنبِ الأنثويِّ وبالهندباءِ

ويشبهُ كافكا كثيراً

ويقضمُ تفاحةَ القلبِ حتى يضيءَ لحوَّاءَ جسمي

كبرقِ ارتطامِ نجومِ مجرَّةَ آدمَ

بي ثعلبٌ أزرقُ الريشِ لا ينتهي

وبها عنبٌ طافرٌ.. ساهرٌ في الظهيرةِ أو دامعُ النارِ

لا يقتفي أثري في السرابِ ولا يحتويني...

كأني بصورتها تحفرُ الآنَ في القلبِ

سوسنةً وينابيعَ عطشى ومحمومةً

وكأني غريبُ نداءاتها

في سماءِ البلادِ البعيدةِ أو برزخِ التيهِ...

كيسُ الغبارِ على كاهلِ الهوملسِ المتشرِّدِ

في جنَّةِ اللهِ أو في سدومَ

وحلمي على كاهلي

وأصابعُ نارنجةٍ أسرجتْ ليلَ قلبي بعينيَّ

أو بدموعِ الورودِ

كأني بصورتها شربتْ قمراً من وريدي...

ويوغلُ في الريحِ

يسكنُ في نجمة لا تضيءُ

ولا نأمةٌ في المياهِ

ولا قبلةٌ في الشفاهِ تربِّي حقولَ الندى

حولَ ثغرِ الحبيبةِ هذا الصباحَ

سوايَ أنا وشبيهي الذي في نهاراتِ آبَ

المواويلُ تنسابُ من قلبهِ كخطايا النساءِ

وليسَ سوى روحهِ في المرايا

وليسَ سوى جسمهِ في سفرجلةِ الليلِ

أو في رؤى النائمينَ

ولستُ أسمِّيهِ شمسي

وليسَ يعلِّمني الحبَّ والطيرانَ العموديَّ والشِعرَ

أو ما تقولُ الطيورُ الحنونةُ للغائبينَ

ولكن يغطِّي بمثلِ اليبابِ الحليبيِّ عينيَّ حتى المحارِ

لكَيْ لا أروِّي التفاصيلَ إلاَّ شرودَ الاشارةِ

منتبذاً بالظهيرةِ ركناً قصيَّاً

أتمِّمُ نقصانَ رغبةِ أنثى الرخامِ بحمَّى الحياةِ الخفيفةِ

أو أتنادى مع العبثِ المتهالكِ

ليتَ يدي قصفةٌ من شقائقَ منهوبةٍ

لتمسَّ حرائقَ تلكَ البلادِ المطيرةِ في امرأةِ اللازوردِ..

وليتَ فمي خفقةُ الأقحوانةِ تحتَ الركامِ

ويا ليتني لا أخيطُ اشتهاءَكِ

أيتها المرأةُ الافتراضيةُ القلبِ

إلا بعاطفةٍ ليسَ تغري وعولَ خطاكِ الصغيرةَ

يا ليتني لا أقيسُ خواءَكِ في مدنِ التيهِ

إلا بقلبي ووخزِ الهواءِ على بابِ نيسانَ

أحنى الشهورِ عليَّ

وأقسى على الآخرينَ من الموتِ

يا ليتني لا أجيدُ من الشعرِ غيرَ الرثاءِ

لأنهى إرمياءَ عنكِ وعمَّا يحمحمُ

ملءَ بنفسجةِ الماءِ والنارِ في جسمكِ الآنَ

 

(33)

لا ريبَ في فضَّةِ الغيبِ

أهجسُ أو أتنفَّسُ عطرَ خطاياكِ

لكنني لا أقولُ:

جمالُكِ لم يكُ عبئاً عليَّ

ولم أكُ يوما نبيَّاً ولا شاعراً

قد تركتُ مسيلمةً خلفَ صيفِ الخباءِ المقبَّبِ

بينا سجاحُ كعاصفةِ العطرِ تهتاجُ

خلفَ الحجابِ زنابقُها العصبيَّةُ..

لم أكُ يوماً شقيَّاً

ولكنَّ هذا النهارَ الذي اخضرَّ من دونِ عينيكِ

أورثني حَجَراً مالحاً أسفلَ القلبِ

علَّمني كيفَ أهدي الهباءَ مراثيكِ

وهو يسدِّدُ في البنكِ فاتورةً للبكاءِ

 

(34)

الآنَ لا قلبي قرنفلةٌ ولا عينايَ نرجستانِ ظامئتانِ

لا نزَقي رماديٌّ

ولا حبَقي حياديٌّ

حملتُ خطايَ واستنْبَتُّ عاطفتي من الصُبَّارِ..

كانَ أخي يقولُ

احملْ حصى الحَبَّارِ

واذهبْ في الخريفِ

ولا تربِّي الزهرةَ الصفراءَ وهيَ تشفُّ

أسفلَ كاحلِ امرأةِ الندى والنارِ

واقطفْ جمرَها بيديكَ..

لا قلبي قرنفلةٌ سيحتشدُ الترابُ بها

يقولُ ليَ الغريبُ

النسوةُ اللائي انسكبنَ الآنَ في الزبدِ

انحلَلْنَ كرغوةِ الصابونِ في جسدي

تقولُ ليَ الفراشةُ

خُذْ سماءَ الكحلِ عن صلصالِ أجنحتي

يقولُ ليَ النهارُ اذهبْ

نصاعةُ ليلكَ انحازتْ إلى

ما يُرشدُ الطيرَ المهاجرَ فيكَ للفردوسِ...

يحتشدُ السرابُ الآنَ بي

ويقولُ لي كلَّا

احترسْ من كلِّ من سمَّيتَ قبضةَ شوكها فُلَّا

انتبه من قوسها الأعمى فلستَ لسهمها وعلا

لتنهشَكَ النجومُ المستريبةُ

والتي مُسخَتْ ذئاباً أو كلاباً..

لستُ أدري يا غريبةُ

ما الذي مُسختْ نجومُ نهاريَ الفضيَّةُ

الأفعى ترقِّصُ ألفَ حوَّاءٍ

وأنتِ ترقِّصينَ بسحركِ الأفعى كأنَّكِ أمُّها

أو كلَّما انهارتْ قوايَ

تشيِّدينَ ليَ التماثيلَ المعذَّبةَ الجريحةَ

وهيَ تُذهلُ عن خطايا مائهِ النعناعَ

أو تتجمَّعينَ كشهوةِ النُقطِ الأخيرةِ في مرايا الوردِ

لا شفتايَ رملٌ حينَ يصحو الطيرُ

من قلقي المصفَّى بالقصائدِ والنعاسِ

ولا يدايَ بحيرتانِ صغيرتانِ تهدهدانِ

سفينةً بيضاءَ كي تغفو..

ولا وتري وريدي

 

(35)

كيفَ منكِ سأشفى

إذا اعتلَّ صيفي بأنفاسكِ البيضِ؟

كيفَ أكفكفُ عن شفتيَّ طيورَ القُبَلْ

وهيَ في القلبِ ليلاً تلوبُ

تدلُّ رمادَ الحنينِ على كرنفالِ الغزَلْ؟

كيفَ أقبضُ بالمقلتينِ على نفَسِ الشِعرِ

واللحظاتِ التي احترقتْ مثلَ خفقِ الفراشاتِ

في قبضةِ العنكبوتِ؟

وكيفَ أربِّي على الدمعِ وردَ الأملْ؟

قيلَ لي أنَّ صلصالَكِ المتأنِّقَ قادَ دمي

والمجازَ الحليبيَّ يوماً إلى رغبةٍ لا تصلْ

وبأنَّ أساطيرَكِ العذبةَ العربيَّةَ

محشوَّةٌ بالأكاذيبِ أو بالرمالِ..

وأنَّ ارتعاشاتِ نجمتكِ الذهبيَّةِ لا تُختزَلْ

فرَّ من مخلبي مسكُ ظبيتكِ المتنصِّلُ

من حبَقِ الشهوةِ البكرِ أو من لهيبِ العسَلْ

لم أزلْ ذئبَكِ الطفلَ..

والنسوةُ الأخرياتْ

يكبِّلنَ خاصرتي بالأفاعي

وعينيَّ بالصمتِ والكحلِ والأغنياتْ

 

(36)

لحظةٌ كفقاعةِ شمسٍ

على شرفةٍ في صباحاتِ حيفا

ورائحةُ امرأةٍ جرَّرتْ

كوكباً تائباً من أقاصي الكاريبيِّ

ترمي لهُ بفتاتِ الندى ومحارِ الرئةْ

إذنْ لحظةٌ وامرأةْ

هيَ من نسلِ حوريَّةٍ هجرتْ جنَّةً مرجأةْ

رغمَ كلِّ الشتاءاتِ

رغمَ البروقِ التي لـمَّعتْ خوذةَ الصيفِ

رغمَ السنينِ وكلِّ النساءِ

وكلَّ المياهِ الفقيرةِ

تلكَ التي رقصتْ تحتَ قنطرةِ القلبِ

ما زالتا تشعلانِ السهامَ الصغيرةَ

كي يستضيءَ بحبِّي كيوبيدُ

في ليلِ أعضائيَ المطفأةْ

لحظةٌ ليسَ تُنسى..

وعطرُ امرأةْ

منذُ عشرينَ عاماً تظلِّلني شمسُها

من غيومٍ رماديَّةٍ صدئةْ

 

(37)

قالَ رمبو لها بعضَ ما لم أقلهُ مجازاً

أعلِّلُ نفسي

ولكنها نزوةُ الشِعرِ والصعلكة

في سماءِ العبيدِ الخفيضةِ:

لا تتبعيني إلى جنَّتي

آهِ يا إريكا

وردةٌ ليلكةْ

في دمائكِ تهتاجُ من دونِ ليلٍ

ويجتاحها زبدٌ من حليبٍ وشهدٍ وماءٍ

وخبطُ فراشاتها المنهكةْ

مُتعبٌ أنا هذا الصباحَ بحزني

فلا ترسليني إلى حربِكِ الرقميَّةِ

لا تسلمي ضحكةَ الأقحوانةِ للتهلكةْ

 

(38)

هل كانَ تيدُ هيوزَ مجنوناً ليعشقَ غيرَها؟

وهيَ التي تلتاعُ في فمها المضرَّجِ بالزنابقِ

ضحكةُ الضوءِ الشفيفةُ

ثمَّ تلبسُ نهرَها

ونسيتُ تيدَ هيوزَ هذا اليومَ ثمَّ غفوتُ

لكن لم أجدْ في مرتقى قيلولتي أحداً سواها

يحرسُ الإيقاعَ من خطواتها الزرقاءِ

كانَ هناكَ عنترةُ بن شدَّادٍ

يروِّضُ رغبةَ النعناعِ في المنفى

ويأخذها الى قمَرٍ كنصفِ الشمسِ من يدها

وكانَ بقبلةٍ حرَّى يطوِّقُ خصرَها

 

(39)

مرَّةً حينَ لم يكن القلبُ أكبرَ من وجعِ الحبِّ

أمَّارةً بالتباريحِ كانتْ يدايَ وكانتْ حبالُ الظنونْ

أرقُّ عليها قليلاً

وكانَ المشرَّدُ في الشارعِ العامِّ يرنو إليَّ ولا يتكلَّمُ..

فيما عصافيرُ روحي تسقسقُ حولَ صدى امرأةٍ

من أقاصي الحنينْ

لم أكنْ عاشقاً مرَّةً مثلما الآنَ

لكنَّ هذي الحياةَ افتراضيةٌ

والرسائلُ مكتوبةٌ في الهواءِ ومختومةٌ بالأنينْ

تُرى كنتُ أحلمُ؟

ليسَ سوى الليلِ ينقرُ ماءَ النوافذِ

ليسَ سوى قُبَلٍ افتراضيةٍ يتابدلهاُ العابرونْ

 

(40)

سأتركُ ظلِّي ورائي

وأنحلُّ في صخَبٍ مُتعبٍ وهدوءٍ جميلٍ

كما تتفتَّحُ عينا خلاسيَّةٍ

عبرَتْ كالقطاةِ بقربي

على عزلةِ الوردةِ المرجأةْ

يدُها الأنثويةُ في كلِّ شيءٍ

تؤثِّثُ نعناعها بالندى

يدُها مثلُ شمَّاعةِ القلبِ

في اليمِّ أو في أعالي جبالِ الثلوجِ البعيدةِ

راحتْ تضيءُ بغيرِ احتراقٍ

دمي وكواكبَهُ المطفأةْ

الصباحاتُ عاديَّةٌ كالنعاسِ الخفيفِ

المطعَّمِ بالزنجبيلِ وبالقهوةِ العربيَّةِ

بينا الطيورُ رماديَّةٌ

وأنا لم أكن شاعراً مرَّةً

كي تراودني عن شفاهي القصائدُ هذا الصباحَ

فهل فاشلاً كنتُ في كلِّ شيءٍ؟

وهل لم تكوني حقيقيَّةً مرَّةً يا امرأةْ؟

 

قصيدةٌ كُتبتْ من كانون ثاني حتى أيَّار 2014

هامش:
نمر أحمد سعدي شاعر وكاتب فلسطيني من مواليد أكتوبر عام 1977. يقيم في قريته بسمة طبعون الواقعة شرق مدينة حيفا، وهي قرية جليلية معروفة بجمال موقعها، ومناظرها الطبيعية الخلابة، وتأثيرها الساحر على نفس الشاعر القلقة، لكنها مرهفة الإحساس والرؤية، والنازعة أبدًا إلى الحرية والجمال الكوني، مما يبقي نوافذه مفتوحة على العالم القريب والبعيد في آن. ليطل، من خلالها وباستمرار على مجالات الحياة، وفضاءات الكون كافة، لاسيما على كل ما هو إبداعي وعصري وحداثي. وعن سؤاله في موقع "القدس" هل أثّرت الطبيعة المحيطة بك في أشعارك؟

أجاب "بالطبع كان التأثير كبيرًا. هناك نزوع طبيعي لديّ واستعداد نفسي لاستيعاب كل ذرات الجمال الخارجي للطبيعة، أو تقاسم التناسق الجمالي لهذه البقعة الطيّبة، التي تمتد على جسد الجليل كله حتى بحر حيفا غربًا. قلت: إن نصف موهبتي يرجع إلى الجمال الطبيعي الذي يتصف به شمال فلسطين، بجباله وسهوله وتضاريسه المكونة لجزء من طبيعة بلاد الشام، يتميّز بغناه وصفاء هوائه وروعته. يمتد حتى أعالي لبنان مارًا بشرقي سوريا. في النهاية، كل أشعاري تستند على هذا الإرث الجمالي الطبيعي الهائل، الذي ورثته النفس وتمتعت به وتغنت بحسنه"

بدأت جذوة الشعر تتوهج في قلبه في مرحلة مبكرة، ولم تخبُ إلى اليوم، بعدما أذكتها عواصف الأحلام والحب والرؤى. بدأ بنشر بواكير أشعاره، بعد اختمار التجربة ونضوجها، جنبًا إلى جنب الموهبة والثقافة، في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية، وكذلك في صحيفتي "كل العرب" و"الأخبار" الناصريتين منذ عام 1999. يتميز شعر سعدي بقدرة على التعبير اللغوي، والتصوير الفني على حد سواء، متكئًا، في هذا وذاك، على خيال جامح منفتح على الاتجاهات كافة. يمتح من تناصات ذات حمولات متعددة: موروثات ثقافية، وإشارات إيحائية، وأخرى رمزية وأسطورية، منها الخاصة: عربية وشرقية، ومنها العامة: أجنبية وغربية، تحيل إلى دلالات متعددة، قد تنأى عن كل ما هو نمطي أو متعارف عليه، أي وفق المنظور الحداثي. ولا يعدم القارئ في ثنايا شعره: فكرًا وذوقًا وإحساسًا ومعرفة ورؤيا.

من أهم المحاور في أشعاره: مكاشفة الوجود واكتناه أسراره، وإثارة التساؤلات بغية فهم المتناقضات المحيطة، وصولا إلى سبر أغوار الذات الشاعرة والذات الإنسانية، بوصفها وعيًا وموضوعًا معًا، إلى درجة تبلغ حد التماهي أحيانًا. يقول أدونيس "لعل خير ما نعرّف به الشعر الجديد هو أنه رؤيا. والرؤيا، بطبيعتها، قفزة خارج المفهومات السائدة. هي إذًا، تغيير في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها. هكذا يبدو الشعر الجديد، أول ما يبدو، تمردًا على الأشكال والطرق الشعرية القديمة". ويقول كذلك "إن الشعر الجديد، باعتباره كشفًا ورؤيا، غامض، متردد، لا منطقي" والبعد العالمي محور أساسي في أشعاره، يقول في مقابلة له مع موقع "رابطة أدباء الشام" "أنا أعبِّر عمّا يحدث في كل بقعة موبوءة بالظلم في العالم بصورة مغايرة وجماعية أكثر" وتعد تلك العناصر من أهم مقومات الشعر الحداثي.

يعد الشاعر نمر سعدي واحدًا من أصحاب الأصوات الجديدة في الساحة الشعرية المحلية، لما يمتاز شعره به من: طاقة إبداعية، وغزارة في الانتاج، ومخزون ثرّ من الموضوعات المتعددة. وهو يكتب القصيدة في الشعر التفعيلي الحر، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية. كما أنه ناشط في الحراك الأدبي، ومتابع لنشاطات الحركة الأدبية المحلية. وعن شعره يقول هو نفسه في مقابلة له مع موقع "رابطة أدباء الشام" "في النهاية آمنت بمدرسة الشعر الحر، ورأيت في شعر التفعيلة أفقًا جديدًا، رغم كتابتي لشعر النثر والقصيدة العمودية أنا من أتباع التفعيلة التي أعتبرها الوريثة الشرعية الوحيدة للشعر العربي"

هنالك من يعتقد بأن الشاعر نمر سعدي لم ينل، كما يجب، ما يستحقه كشاعر عصامي مبدع، أثبت نفسه بنفسه في مشهد أدبنا المحلي والثقافي، ولم يحظ بالقدر الكافي من الاهتمام، ولا من الدراسة أو الكتابة والبحث، كسائر أقرانه من الشعراء، لذلك بقي يواجه أو يعاني من التعتيم والتهميش الإعلامي. وبعيدًا عن الأضواء والشهرة، على الرغم من أن نتاجه الأدبي والشعري، في منظور ما، يثبت بأنه يمكن لا بل قد يستحق أن يتبوأ مكانه في درجة متقدمة بين صفوف الشعراء المحليين. تُرى، هل تجنَّى بعض شعرائنا المشهورين، باستحواذهم على كامل أضواء الشهرة والنجومية، طبعًا من دون أي قصد أو مسؤولية من جانبهم؟

وكذلك بعض نقادنا، ربما عن قصد أو بدون قصد، في ما يحدث من تجاهل وتهميش لبعض شعرائنا الواعدين؟

هل نتوقف عند شعرائنا المشهورين فقط ولا نبرحهم؟

إلى متى سيبقى ذلك الغبن، ونظل نتذكر ونردد صرخة عنترة بن شداد في معلقته: هل غادر الشعراء من متردم؟

 له عدة إصدارات شعرية منها:

  • موسيقى مرئية 2008 منشورات مجلة مواقف/ الناصرة
  • كأني سواي 2009 (ديوان في ثلاثة أبواب) منشورات دائرة الثقافة العربية / دار نشر الوادي / حيفا
  • يوتوبيا أنثى 2010 منشورات مركز أوغاريت للترجمة والنشر / رام الله
  • ماء معذَّب 2011 منشورات مجلة مواقف / الناصرة

تُرجمت له عدة قصائد الى اللغات الانجليزية والرومانية والصينية والعبرية وصدرت في أنطولوجيات شعرية. نشر مئات القصائد وعشرات المقالات في الكثير من المجلات والصحف المحلية والعربية مثل القدس العربي وصحيفة عكاظ السعودية وصحيفة الخليج الاماراتية وصحيفة العرب اللندنية.

من مقال للكاتب والناقد الفلسطيني الدكتور محمد خليل بعنوان ( تجلِّيات الحداثة عند الشاعر الفلسطيني نمر سعدي).