يكثف الروائي المصري زمن روايته في ساعة من الزمن عبر شخصية شاب مصري متمرد يتأمل من على كورنيش النيل وسط القاهرة الحياة، المارة، مستعيدا عبر تقنية التداعي الحرّ تجاربه الجسدية مع نساء مختلفات في علاقة تكشف عن طبيعة مجتمعات الكبت الاجتماعي والجنسي حيث يجري بالسر كل شيء بتواطؤ الجميع.

22 درجة مئوية (رواية)

من سيرة الآنسة ألف والسيد المعتوه ميم

محمد عبد الرحيم

نحن نسأل الله
مِنّة واحدة،
أن يسامحنا
على ماذا؟
نفترض أن يكون هو عارفاً.

    (إميلي ديكنسون)

أقف الآن أعلى كوبري 6 أكتوبر، تقريباً في المُنتصف، حيث أرى من بعيد كوبري قصر النيل الذي يوازيه، وقد انتصَبَتْ عند طرفيه وحوش مخصيّة تليق كخلفية رزينة تتناسَب وتصاوير العُشاق المُتوترة.
مجال بصري بالكاد يحيط بضفتي النيل، أسيرُ قليلاً، لا يهم إن كان للخلف أو للأمام،
أمامي باخرة سياحية راسية، تقترب من ضفة النهر اليُمنى، والباخرة فاخرة جداً،
وتحمل اسم (
CITY NILE)
وضعتُ يدي على حقيبتي المُعلقة، والتي قد تآكل جزء من يدها، تحسّسْتُ جيبها الخارجي، وتأكدتُ من وجود علبة السجائر المُغلقة، التي لا أستطيع فضّها الآن.
أدرتُ وجهي شطر ناحية الكوبري الأخرى، بعدما تلمّسْتُ بيدي السور الحديدي لألمَح من بعيد ساعة رقمية مُعلقة فوق إحدى العمارات العالية، والساعة تتغير أرقامها الحمراء في تبادل رتيب لتعلن عن الوقت ثم عن درجة الحرارة
(الساعة الآن 4:44 ، ودرجة الحرارة 23)
دقائق معدودة، وستنطلق الأصوات من كل اتجاه، لتصُمّني وتمنعني من سماع نفسي، وتمنحني إشارة فض العلبة. الكوبري في هذا الوقت يكاد يخلو حتى من العربات التي تظهر فرادى وتسير في سرعة غريبة، يجمعها موعد مُحدد.
كما أن المارة الذين أراهم الآن سواء فوق الكوبري أو في الشارع لا يتخطون أصابع يدي.
على الطريق المواجه للباخرة جامع عتيق ومئذنة أنهكها التراب، رغم انتصابها المُسْتميت لتطاول السماء، وتنتظر المطر حتى يبلل قوس الهلال المتروب، فتلجُ السماء في غير سوء.
المطر ...
إلهي يحب المطر
ويقول إنه يبتهل أمنياته وقت المطر
فيثق في تحقُقها، وطلب منّي بأن أُسر أمنياتي
للسماء الماطرة، وأنا الآن انتصب فوق الكوبري
وحيداً
ولن يحميني حتى الطوفان.
أقف تقريباً في المُنتصف، عن يميني مَطلع الكوبري، وعن يساري جنديين من شرطة المرور يجلسان في كشك حديدي أضيق من الوقت، وأكثر هدوءاً من الطريق الذي يخلو في سرعة شديدة. أدققُ النظر قليلاً فيُطالعني رواد الباخرة المُستقرة، يُطالعونني سواء الذين على السطح، أو المحاطين بالزجاج في الأسفل.

هناك فتاة تنفصِل عن الترابيزات المُتراصة في صرامة فوق السطح، مُنزوية بكرسيها بجوار سور الباخرة الحديدي، ناظرة للماء وقد أعطت الجميع ظهرها، كانت تتحدث في التليفون المحمول، وتعلق ساقيها المعقودتين على السور، مُنكمشة قليلاً، وكانت تبتسم طوال الحديث، بينما يدها الأخرى تتلمَس في خفةٍ وحركةٍ مُتكررة ما بين ساقيها، حتى رَسَتْ يدها مُندفنة بينهما، وصاحبتها لم تزل تتحدث في التليفون، وقد استنامَت رأسها رأس الكرسي، وازدادت ابتسامتها على الآخر.
نزلتُ بعيني إلى الطريق المُجاور للباخرة حيث الشارع الإسفلتي الهاد
ئ، والذي يتصل بها عن طريق سلم طويل يصعد في حدة.
وجدتُ فتاة في بنطلون ضيق جداً جعلها تهبط من عربتها في صعوبة، فلمَحَها ولد يبيع الورد، كان أسرع إليها من حارس السيارات، الذي لحِق بها فأعطته المفاتيح، والولد بينهما ماداً يده إليها بباقة زهور، فلم تلتفت إليه وواصلتْ طريقها نحو السلم الصاعد
، إلا أن الولد الذي توقف في النهاية تتبعها بعينيه، وصوت ضحكات الحارس الذي فرّ من داخل السيارة لم يَسْتلفته، أزاح الولد يده المُمْسِكة بالورد خلفه في اتجاه صوت الضحكات، وركز بصره على مؤخرة الفتاة، والتي على إيقاعها بدأتْ يده الحُرة تزحف إلى عضوه، ولم تزل عينه مُتعلقة بردفيها، وقد استبانا من وراء البنطلون الضيق كلما ابتعدتْ أكثر. فأمسَكَ عضوه وتحسسه مِراراً وابتسم، حتى غابت، فعاد إلى الحارس ويده لم تغادر مكانها، وتبادل معه الضحك.
وليتُ وجهي شطر الناحية الأخرى
(الساعة الآن 4:46 ، ودرجة الحرارة 23)
وجدتُ شابين يسيران في سرعة نظراً لقسوة الوقت، وبينهما مسافة لا تتغير.

الأول يرتدي قميصاً أسود وبنطلوناً فاتحاً ضيقاً، والآخر على العكس من حيث الألوان، إلا أنهما توَحّدا في حمل شنطة صفراء بلاستيكية عليها رقم ( 57357 ).
عدتُ بعيني إلى فوق
(الساعة الآن 4:47 ، ودرجة الحرارة 23)
وجدتُ فانوساً على مقربة من الساعة لم ألحظه من قبل، يعتلي سطح عمارة أخري، مُضاء بنور أصفر باهت. عدتُ بوجهي كما كان، دون أن تنسى يدي تلمّس علبة السجائر داخل الشنطة. نظرتُ إلى الجامع، فاعترضني سور حديقة واط
ئ جداً، تتصدره لافتة كبيرة مكتوب عليها (ممنوع تخطي السور) لاحظتُ أن الجامع يقع داخل حيز السور، والحديقة أنيقة الكراسي ومُهذبة، وكأنها حديقة بيت أو فيلا، وليست حديقة عامة. كما ازداد عدد السيارات المُرتكنة الرصيف، والتي غطت على اللوحة التحذيرية، وتركت فقط كلمة [ممنوع ...].
سرتُ قليلاً ليس إلى الأمام أو للخلف، ولكن داخل المساحة المسموح لي بالتحرك فيها، وهي المسافة بين كشك المرور ومَطلع الكوبري. إلا أني استأنستُ مكاناً أتاح لي رؤية الباخرة من الداخل، لأجد العاملين في زيّهم الرسمي البنطلون الأسود والقميص الأحمر المقلم بالأبيض، وغطاء رأس عبارة عن كاب على الموضة أحمر اللون أيضاً كانوا أشبه بالأراجوزات وهم ينتظمون في دائرة مُغلقة لا تتحرك استعداداً لتقديم الطعام. وقد فرغ فريق آخر من العاملين
في زى أبيض من وضع الأطباق البيضاء اللامعة والخالية أمام الرواد.

على الناحية الأخرى من الباخرة في الأسفل طالعني رجل يُدخن وينظر إلى الماء، ويُمسك بالسيجارة في وضع خفي، حتى لا يلحظه أحد، وكأنه أحد الحواة وهو يُخرج الدخان من
فمه وأنفه. عرفتُ أنه الطباخ أو الشيف بلغة أهل المكان، وذلك من ملابسه وما يعلو رأسه، وبعدما انتهى ألقى بالسيجارة إلى الماء، ثم بَصَق وداعبَ عضوه ثم كرر البَصْق في الماء واستدار فاتحاً باباً صغيراً خلفه، لم ألحظه إلا بعدما فتحه، كان في لون الجدار
نفسه، ثم رجع مُحدقاً في الماء وبَصَق،
وعاد داخلاً، لألمح بالداخل بعض من الذبائح المُعلقة، قبلما يُغلق الباب.

جاء آخر في ملابس عادية عبْر السلم الدائري المُحيط بأسفل الباخرة وقف مكان الشيف، وأخذ يُدير بصره في المكان شبه الخالي. فقط فتى وفتاة يصعدان السلم، ومن مكانه ظل يتابعهما حتى قطعا مُنتصف الدرجات، فأخرَجَ عضوه للهواء، وأخذ يتبول في الماء الراسي.
كانا مُتشابكي الأيدي ويضحكان. هي تعدّل من شعرها المُتطاير وهو يواصل كلامه، الذي ألمح تأثيره على ضحك الفتاة المُتزايد. كانت ترتدي بنطلوناً فاتحاً وضيقاً، حتى قد لفَتني من مكاني

خاصة في حركات صعودها المُتلاحق الخط الرفيع والواضح للكيلوت الذي ترتديه، والذي يكاد طرفاه يتلامسان. وقبل أن يصلا إلى الدرجة الأخيرة أحاطت يد الفتى كتفيها وغابا.

عدتُ إلى الرجل فلم أجده، وقد أصبح المكان بالأسفل خالياً تماماً.

صوت الآيات ارتفع فجأة، بحثتُ عن مصدره، فاستبان لي شيئاً فشيئاً، وكان صادراً عن
كاسيت ضخم يتصدّر مركب نيلي للنزهة، ظهر وقد انفلتَ من تحتي ليمضي أمامي مُتهادياً، به ثلاثة رجال يتراصون في المؤخرة، وامرأة عجوز ترتدي جلباباً أسود، تجلس في المقدمة بجوار الكاسيت الضخم وتدخن.
(الماء ...
قلتُ لـ إلهي إنني أخاف الماء
لذلك لم أتنزه في مركب أبداً
فأشار عليّ بأن أُجرّب،
واتفقنا على نزهة نيلية معاً،
وابتسم إلهي قائلاً {لا تَخَفْ فسأكون
جوارك
}

فجأة ارتفع صوت مُغاير لصوت الآيات، وعَلا الصوت أكثر، لأجد العجوز تبتسم وهي مازالت تدخن، وقد اعتدل الرجال الثلاثة في مجلسهم، واقتربوا منها أكثر وبادلوها الابتسام.

كانت أغنية (عدّي يا ليلة) وقد انسابت كلماتها البسيطة والجميلة لتغير جَو المكان
"يا ليلة عدّي، دا الود ودّي أروح له قبل ما هوّ يجيني
وبشكل ودّي ناخد وندّي وأقوله بُعْدَك كان على عيني".
عندها توازى المركب مع الباخرة، فانفضّ الرواد وتراصوا يُطالعون مَصدر الصوت وهم يضحكون ويُصفقون، وقد تمايل مُعظمهم على النغمات تاركين أطباقهم اللامعة تطالع شاشة التليفزيون العريضة، المُنتصبة تبث كلمات الداعية الذي مات، والذي يحضر هذه الأيام
يومياً، بخلاف ميعاده الأسبوعي بعيداً عن موسم الشيوخ.
غاب الإيقاع وعاد الرواد يراودهم وجه الشيخ. وبلا إرادة تحسَسْتُ علبة السجائر، واستعجلتُ الموعد في ضيق، تلفتُ حولي، ونويتُ استخراجها، فقط للاستئناس والاستعاذة من الوقت، ولكني سمعتُ خطوات تقترب، فأغلقتُ السوستة على العلبة، وسرتُ
إلى أمام خطوات حتى لا أثير الشبهة، وعندما وجدْتني أقترب من الكشك المعدني توقفتُ، وانتحيتُ السور ملتصقاً به، فتسرّبت برودته إلى جنبي، لتعْبُرني الخطوات، وينظر صاحباها إليّ في عداء لم أستطع تفسيره.

كان رجلاً وكانت امرأة يسيران في هدوء ولامبالاةٍ لوقتٍ كئيب، يُمسك كل منهما بيد الآخر، وقد ألقيا السلام على محبوسيّ الكشك في حميمية، على الرغم من نظرة العداء التي تركاها لي،
وكأنهما استكثرا عليّ وجودي الذي أفسد عليهما الطريق.

كانت المرأة تميل إلى البدانة، ترتدي جوب طويلاً فضفاضاً يكاد يُخفي كعب حذائها الواطئ، وخماراً يقارب لون الجوب الغامق، والرجل طويل، يرتدي بنطلوناً أسود واسعاً، في نفس لون جوانتي المبدونة، وبلوفر صوفي مُختلفة ألوانه، تداخلتْ عليّ كلما ابتعدا عنّي أكثر.
ووجدْتني في مكان أستطيع من خلاله رؤية طرف الكوبري الموازي بأسديه المخصيين، والمؤديان إلى تمثال (سعد زغلول) الذي ينتصب مُعطياً ظهره لمدخل دار الأوبرا، انتابتني رعدة بمجرد أن لمحتُ التمثال، الذي يمُدّ يده في الفراغ.

التمثال ...
لأول مرّة ألمَس يد إلهي
كنا عند الرصيف المقابل للتمثال
يوم الثلاثاء 15 يناير 2002
لمستها للحظة ثم انفلَتَتَ سريعاً،
وقد عقد إلهي يديه،
وسرنا صامتين/
حتى عَبَرْنا الكوبري للناحية الأخرى،
دون أن انتبه
أنني تركتُ يد التمثال ورائي
مُعلّقة في الفراغ.

ازدادت رعدتي، فضممتُ يدي على نفسها، والتفتُ
(الساعة الآن 4:49 ، ودرجة الحرارة 23)
عاودتُ المسير إلى مكاني الأول لأتلهى بالرواد، فوجدتُ أطباقاً قد رُصّت مع انفراط عقد التماثيل الذين أصبحوا يهرولون في زيّهم المُمَيز، يوضبون الملاعق والشوَك والسكاكين بجوار أطباق السَلَطة والشوربة، تخيلتُ ألسنة الرواد وقد امتدت في وقت واحد لتتحسس سخونة قد تضاعفت بفضل الملاعق المعدنية، فابتسمتُ متذكراً .. أول امرأة أتاحت لي إتمام تجربة حِسيّة كاملة، وقد كانت تتركني أقبّلها في الأماكن المُعتادة، والتي تشبه خريطة الإبر الصينية كالرقبة وخلف الأذن. كانت تفضّني بقبلة سريعة تمنحها فمي، ثم تشيح بوجهها مُغلقة عينيها، وتتركني شفة فوق خريطتها، ويداً على صدرها، ثم تتلو عليّ وصاياها التي تكررت بعد ذلك على طول
بألاّ أترك آثاراً على رقبتها، حتى لا يكتشف زوجها أو صديقاتها أولاد الحرام على حد تعبيرها الأمر، ثم تصّاعَد أصواتها المنهوكة، فتلقي يدي بعيداً عن صدرها في عصبية، باحثة عن عضوي في عصبية أكثر حتى تكاد تخنقه، وتُلقيني فتعتليني، ولا تحل قبضتها عنه إلا وهو داخلها، عندها كانت تُخْرج لسانها، وعندما كانت تميل علي وقد بدأتْ تغرق في مائها، كانت تُلقي إلى فمي بحلمتها، لأتلهى عن تقبيلها، بينما لسانها لا يزال خارجها، وكأنها كالبقرة المشنوقة، ولا يعود هذا اللسان سيرته إلا بعد إخراجي منها. وعندما قلتُ ذات مرّة إنني أريد تقبيلها ومَص لسانها وأنا بداخلها، ردتْ بأنها تشعر بالاختناق، وأن هذا سبب خلاف جوهري بينها وزوجها الذي لا يستطيع أن يتفهم، رغم أن صديقاتها المُخلِصات يتفهمنها تماماً ويرثين لحالها، ثم أمرتني بالنسيان، فنسيت.
عرفتُ بعد ذلك أنها نامت مع صديقي، وأنها تركته يلمَس عضوها المُبتل بيده، بل ويتذوق لسانه هذا البلل. كان صديقي يكبرني بأشهر معدودات، ودائماً ما كان يقول بأني محظوظ، وقد أتممت
تعليمي وصرت محاميا، أما هو فدائماً مطارَد، سواء من أهله، خاصة أبيه، الذي نام صديقي مع عشيقته التي كانت تستطيل يدها مُحاولة الوصول لمؤخرته، وهي عادة عرفها عن أبيه الذي عوّدها وهو فوقها أن تصل يدها إلى مؤخرته دافنة بها فصاً من الأفيون يسيح داخله ليظل داخلها بعدما تفيض.
ثم مُشكلته المُزمِنة مع الشرطة العسكرية، التي بسببها كان يتحاشى مُقابلتي في الميادين العامة، التي تنتشر بها أكشاكهم الملونة بالأحمر والأبيض، خاصة ميدان العباسية. ودائماً كان يتركني عند محطات مترو الأنفاق، مُصراً على كوني مازلتُ محظوظاً لأنني أركب المترو بلا خوف، أما هو فلا يستطيع، رغم اختناقه من الأتوبيسات والميكروباصات، وحالة من الغثيان أصبحت تلازمه حتى الآن.

الغثيان ...
كنتُ وإلهي
نقف على درجة واحدة
من السلم الكهربائي لمترو الأنفاق
ناسيين
آخرين يستعجلوننا الصعود،
حتى نصل
ونقف معاً
أنظر إليه وكذلك هو،
يحيطنا صوت خَشِن لوجوه غريبة تتلو آيات قاسية
فألوذُ بوجهه مستظلاً
مُتناسياً غثيان أصابتني به الأصوات،
أستظل به
حيث لا ظل إلاّ ظله،
ولا عاصم لي سواه وسط طوفان التراتيل.

كان يقول إن حالة الغثيان أكثر رحمة من حالة الخوف التي صارت كظله، حتى بعدما حل مُشكلة الشرطة العسكرية، ودفع لمندوب اللجنة الطبية 1500 جنيهاً، وزاد من تردده على قسم الشرطة بعدما صار قريبه أميناً للشرطة، فأصبح طريقه إلى القسم أكثر يقيناً من طريق قديم نسى تفاصيله كان يرميه إلى غياهب بيت طفولته. لطالما حكى لي عن أمسيات قضاها حيث كان هو وقريبه ومَن يمتلكون زيّاً رسمياً يمارسون الجنس مع نساء مُختلفات، حسب الوارد أو الإيراد، وكانوا يوفرون للعساكر مُتعة منقوصة، فيُجردون الفتيات من ملابسهن الداخلية ويضربون المُتمَنِعَات ويرسلون الملابس إلى العساكر ليَستمنوا عليها، فتكتمل أركان القضية. وقد عزمني مرّة قائلاُ إن كارنيه النقابه لن يتيح لي سوى الجلوس على المقهى فقط، دون أن أنتفض عند مرور البوكس كما كنتُ أفعل وأنا طالب، ناسياً أن قانون الطوارئ لا يهمه أحد، بينما هو لم يزل يُصر على كوني محظوظاً، ومِش وِش بَهْدلة.
استفقتُ على صوت رجل يناديني: أستاذ .. يا أستاذ ..
فالتفتُ لأجد سيارة ميكروباص خالية إلا من السائق ورجل يجاوره، هو الذي ناداني ووجدتُ يده تمتد إليّ بعلبة عصير، فشكرته، ولكنه أصر، فانكسفت، وأخذتها منه وأنا خجلان جداً، وانطلقت العربة لأرى على زجاجها الخلفي حروفاً متراصة بالإنجليزية في شكل قوس، وقد سقط أحدها، فاستنبطه وفق مشيئتي حتى يكتمل القوس، وكنتُ على وشك اللحاق بالعربة لأعيد العلبة، لكن القوس الذي ابتعد عني في سخرية جَمّدني مكاني ونظرتُ لأجد علبة العصير تحتل يدي التي كانت فارغة، فتحتُ سوستة الشنطة ووضعتُ العلبة بداخلها فوق علبة السجائر، فشعرتُ بوطأة الثقل على كتفي.
عاودتُ النظر إلى الجالسين الآن في نظام دقيق (حوالين الترابيزات)، مُنتظرين وقد ازدادت أمامهم الأطباق وتنوعت أصناف الطعام.
سرتُ عنهم قليلاً، لتطالعني الحديقة، فأعبر سورها رغم التحذير، بما أنني فوق الكوبري. استوقفني عسكري عند مَطلع الكوبري يجلس فوق موتوسيكل غريب الشكل، يشبه موتوسيكلات الأطفال، نظر إليّ فرددتُ بصري إلى الحديقة لأجد باباً حديدياً صغيراً يعبُره الرجال حتى يدخلوا إلى باب الجامع، رأيتُ جزءاً من الداخل مُتخطياً الأحذية اللامعة المُختلفة، المُتراصة عند عتبته، لأطالع مساحة ضيقة من الموكيت الأخضر، المُستسلِم لقطرات الماء المُتساقطة من الرجال الذين يعْبرون في لهْوَجَة من دورة المياه إلى الجامع، وهم لا يزالون غارقين في ماء وضوئهم الطاهر. شعرتُ برغبة في التبول، مع بعض الألم في إحدى خصيتيّ، أرجعته للبنطلون الضيق الذي أصبحتُ أرتديه بعدما قلّ وزني كثيراً، وصرتُ ألبَس على الموضة، وقد كانت بدانتي تمنعني من ارتداء ما أريد، لكنني لم أكن أشعر بالألم وقتها.

ازداد عدد رواد دورة المياه وبالتالي رواد الجامع، فاستدرتُ لأطالع الساعة، ولم أجدها، فقط .. لمَحْتُ جزءاً من الفانوس الأصفر، وقد ازداد توهجاً بعد ازدياد المغيب، دققتُ النظر فأدركتُ الأرقام الحمراء تتخفى وراء نخلة عالية، انحرفتُ قليلاً حتى كدتُ أسقط من فوق الرصيف إلى مَطلع الكوبري، ورغم ذلك لم أستطع رؤية أرقام الدقائق، فقط ..
(الساعة : 4، ودرجة الحرارة 23)
اعتدلتُ بجسدي فوق الرصيف، ووجدتُ رباط حذائي الأيمن قد انفك ليتدلى مُلامساً إسفلت الطريق. مرّ جواري رجل مُتقطع النَفَس يجمع القمامة من فوق الرصيف، وقد جاهد في الإمساك بورقة طاوعَت الهواء، فانفلتَتْ منه وصارت وسط الطريق، فسقطتْ من يده لفّة ورقية كان يُمسِك بها في نفس اليد القابضة على كيس بلاستيكي يجمع فيه القمامة، عليه شعار غريب. تبينتُ أنها لفّة طعام وقد أصبحتْ في مستوى بصري وأنا أنحني لأعقد رباط الحذاء، ليشاركني الرجل الانحناء وهو يُلملِم الورقة في سرعة، ويزيح عنها بعض التراب، ثم أمسكها واحتضنها، وانتصب وقد لمحني أعتدل فألقى عليّ سلام الله ورحمته، فردَدْتُ عليه السلام، ثم تركني ومضى مُبتعداً.

على امتداد الكوبري بعد المَطلع وجدتُ شاباً ممشوق القوام يرتدي بنطلوناً بنيّ اللون وتي شيرت بيج غالي الثمن نصف كُم، حيث بانَت تفاصيل جسده في تناسق جميل، شعره أسود ناعم ومُرسَل، حليق الذقن رغم اخضرار يحدد تفاصيلها في وضوح. كان مُمْسِكاً بكاميرا ويلتقط صوراً للكوبري الخالي وللشوارع الخالية أسفله، ثم عاد خطوات إلى سيارة ترتكن الرصيف لم ألحظها من قبل، سيارة سوداء تحمل لافتة خضراء، مكتوب عليها (هيئة دبلوماسية).

أخذ الشاب شيئاً امتدت به يد من الداخل لم أستطع تبيّن شكلها، كانت علبة سجائر وقد أشعل واحدة، فتتبعْتُ الدخان الذي بدأ يلفّهُ، ثم يسير خلفه وهو يتحرك ذهاباً وجيئة مُتخيّراً زاوية مُناسبة للتصوير. كان ضوء الشمس الغاربة يُغيّم رؤية ما بداخل السيارة، وقد عاد الشاب وارتكنها وهو يدخن، كأنه فتى إعلانات يُرَوّج لسلعة مضمونة. تقدم الشاب إلى العسكري الجالس على الموتوسيكل، وأخرَج له سيجارة، فأخذها العسكري ووضعها في جيبه وحيّاه، فالتقط له الشاب صورة، وقد اتسعت ابتسامة العسكري عن آخرها، ثم انضم إليهما عسكري آخر مُتلاحق الأنفاس، يحمل طعاماً، وأخذوا يتحدثون، فالتقط لهما الشاب صورة غالب فيها حامل الطعام توتر أنفاسه، ولم يبتسم زميله القابع فوق الموتوسيكل.

ومن مكانه نادى الولد: "هدى .. هدى ..."
فنزلتْ فتاة من باب السيارة، وقد عَبَرَتهُ يدها من قبل بعلبة السجائر، كانت ترتدي بنطلوناً واسعاً، وبلوزة صوفية ضيقة مُغلقة بإحكام عن طريق صف من الأزرار، وتغطي رأسها بإيشارب، وكانت تدخن.

وقفتْ معهم قليلاً، ثم أخذتْ الكاميرا من صديقها، والتقطتْ صورة تجمعه بالجنديين، بعدها توجَهَتْ إلى باب السيارة، وانحنت بنصفها إلى الداخل، فتجلت مؤخرتها للطريق وكأنها
جزء مُنفصل عن ملامح وجهها الطفولي، وقد تعلق بصر الواقف بمؤخرتها، بينما الجالس فوق الموتوسيكل كان إما باصص في الأرض أو باصص على عضو الشاب، الذي يواجهه ويَسدّ عليه الطريق. التقطتْ الفتاة من الداخل زجاجة مياه معدنية، وأشارت برأسها علامة على الرفض، فأدركتُ وجود آخر أو آخرين داخل السيارة. أعطتهما الزجاجة، ليأخذها الجالس ويدفنها بين ساقيه، لتستلين ملامحه على إثر برودة خدّرت خصيتيه. أما علبة سجائر الشاب فاستقرت في الجيب العلوي لسُترة الجندي الواقف.

تركتهم الفتاة وتقدّمتْ قليلاً حتى عَبَرَتْ المَطلع، دون أن تبُص حواليها، وعَبَرَتني في لا مبالاة، حتى استقرت والتصقتْ بالسور، وانحنتْ تنظر لأسفل. نظرتُ للناحية الأخرى، ولم أجد إلا الفانوس وقد ازداد اصفراراً، والرقم (4) مازال يتبادل الغمز مع الرقم (23).
خطفتُ نظرة إلى الفتاة بعيني العائدة، كانت كفيلة بعقد مقارنة ما بين مؤخرتها ونهدها المضغوط بفضل السور. كانت تقترب من العشرين وتصغر صديقها بعدة أعوام.
تخيّلتها/
في جوب ضيق، كما كنتُ أطلب دائماً من صديقتي القديمة التي كانت تُصر على ارتداء البناطيل الواسعة، مُتعللة بأنها لا تستطيع التحرك بسهولة في الجوب، خاصة وأن البنطلون يكفل لها حرية صعود الباص. قلتُ لها مراراً إنني لا أحب على الإطلاق طريقة خلعها للبنطلون، لأنه يسمح لي برؤية نصفها السفلي عارياً فجأة ومن أعلى، على العكس من الجوب الذي أحب طريقة رفعه في رفق، فيليق بتجلي عُريها. وأنها لو كانت تواظب على قراءة القرآن
كما تقول، كانت ستدرك لعبة الحكيم الملك، حتى يتيح لضيفته أن تكشف له عن ساقيها كقربان، فتسقط مملكتها ويسقط هو أسفل ساقيها، ويسقطان معاً في جُب الإيمان.

كانت تستعيذ، وتطلب من الله أن يسامحني. صديقتي القديمة التي لم أستطع الوقوف إلى جوارها، وتخليتُ عنها، رغم أنها منحتني نفسها عن حب، وأنا مارستُ عليها عُقدي مُنتهكاً براءتها، آخذاً بثأري من الآخرين، كصديقي مثلاً والبقرة المشنوقة التي كانت تعتليني.

لقد منحتني صديقتي نفسها عن طيب خاطر، فكانت تتعرى من أجلي، وتبكي في حضني وهي تتنازل عن براءتها شيئاً فشيئاً، تاركة لساني يتجول فوق شفتيها ويخترقهما. كما تحادثني عن فرح شديد ينتابها وهي بعد أن ينام جميع أهلها تستعرض علاماتي على جسدها، وتبتسم ثم تبكي وتعاود الابتسام، وتضحك داخلها وهي تزيح أطفالي النيئين من فوق ملابسها الداخلية، بينما تغلق على نفسها باب الحمام بالمفتاح، رغم أن البيت لا يكون به سوى أمها وأخواتها البنات. كانت تستسِلم لإلحاحي بأن أدخلها من الخلف، رغم الآلام الشديدة التي كانت تستشعرها بعد ذلك، والتي حدثتني عنها مراراً، بينما أنا لم يكن يشغلني سوى عضوي المُندفن بين ردفيها، ومائها الذي تذوقته، وقد حَفَرَتْ بقايا شعر عضوها المنزوع على لساني صراطاً مُستقيماً لن يُمحى. كانت تقول إنها لا تتذكر ما نفعله وبكل تفاصيله إلا وهي تصلي، حتى أنها في أوقات كثيرة هنا تتوقف وتطلب من الله أن يسامحها ينتهي بها الأمر إلى الاستمناء فوق سجادة الصلاة. عندها كنتُ أؤكد اقتناعي التام بأن الصلاة عماد الدين، فتغضب، وتستغفر الله العظيم. ثم تأخذني في حضنها، وتبكي في ابتسام وتُقبّلني كأم.
أتذكرنا الآن ..
عرايا في السرير القديم، يلفنا ظلام الحجرة الحقيرة، فلا نرى أنفسنا إلا على وهج السجائر، وقد علّمتها التدخين أيضاً.

أراها الآن ..
على مشارف أمومة فعليّة، فلم أعد أعرفها، ولكني أراها وجهاً ويداً مُتشنجة وأستمع لما يوحى إليّ من صوت أنفاسها المُتلاحقة، وحرارتها وهي على مشارف لحظة البلل، ثم قبلتها الأخوية على خدّي وحضنها الأمومي بعدما تستفيق، وذهابها إلى الحمّام مُتلمّسة جُدران الطُرقة المُظلمة، وإصرارها غلق الباب عليها، وعوْدتها وقطرات الماء على وجهها وجزء من شعرها، فترتسي حِجْري، ثم ندخن وخدّها مُلتصق بخدّي. وعندما ننهي سيجارتنا المشتركة تقوم لتكمل ارتداء ملابسها .. البنطلون ثم الحذاء، وتطالبني بإحكام أزرار بلوزتها طالما أنا الذي قمتُ بفكّها، فأردّ في برود بأنها تمتلك يدين فماذا تفعل بهما؟ وحينما تنظر إليّ وتعني "يعني مش عارف؟!" أقول بأنها قليلة الأدب، فتضحك، وأنا أحكم أزرارها في غيظٍ ونشوة. ثم تحكم الإيشارب جيداً، ولم تنس وضع الدبابيس المُتناثرة على الترابيزة. الدبابيس التي تتعمد نسيانها في البداية فأحتفظ بوخزاتها فوق يدي فأتألم وهي تضحك. ثم أمسِك لها بالمرآة الصغيرة لتضع الماكياج، وأراوغها بالمرآة، فتزعل وتصفني بالفشل في كل شيء، وحينما أنظر إليها وأعني "في كل شيء؟!" تنظر هي وتعني "أيوه .. حتى ف اللي انت بتفكر فيه"، وتواصل الضحك.

ثم تمنحني حضناً حاراً قبل وداعها ونحن عند الباب، وهي في كامل ملابسها، وحقيبتها مُعلقة بكتفها، تاركة أحمر شفاهها فوق شفتي لأتذوق غيابها. كان حضناً حاراً حزيناً، لكنه جميل.
"هدى .. اتأخرنا"
التفتتْ إلى صوت صديقها الذي أصبح بيننا، وقد غيّب صوته حضن صديقتي القديمة.

أشارتْ له يدها بأن يقترب، بينما هي لم تزل في وقفتها تنظر لأسفل، وعندما لاصقها قالت في صوت مخفوض: "بُص .." فنظر الولد، وبصيت أنا كان تحتنا في جزء من الحديقة الممنوع تخطي سورها شاباً في ملابس رياضية، حيث الفانلة بيضاء نصف كُم ومكتوب على صدرها وظهرها بلون أخضر (جمعية جيل المستقبل)، كان مُمْسِكاً بلجام حصان يستحثه المسير، إلا أن الحصان كان مُنشغلاً بالتبوّل وقد استطال عضوه المُرتخي حتى كاد يُلامس الحشيش الأخضر، الذي غرق في البول. قالت ضاحكة: "شوف طول إيه!" فوضع الولد يده فوق يدها، فأصبحتْ مُنضغطة بين يدها وصدرها، وارتفع ضحكهما، فسمعه الولد بأسفل ورفع رأسه نحونا، ولم يستدر ليواجهنا، فقط تبادلنا بعينيه، حتى استقرّ المَخْيول وثبّتَ رأسه المقلوبة عليّ، وشتمني بأن نسبني إلى جمعية المفعول فيهم، فنظرا إليّ في اندهاش، وقد ارتفع ضحكهما أكثر، حتى أن الولد السافل قد شاركهما الضحك. لتتوقف السيارة السوداء خلفنا، فتهدأ الضحكات مع صوت فتح بابيها المُجاورين للرصيف، وليُمسك الولد بيد (هُداه) ويهبطان الرصيف ويلجان العربة.

(هدى) بجوار السائق الأسود، بينما (المَهْدي) في الكرسي الخلفي، بجوار قِس في حوالي الخمسين، والذي رَبّتَ على الخد الحليق وقبّل صاحبه في فمه، ثم عاد القِس برأسه للوراء، فارتفع صوت (فيروز) من داخل السيارة، التي بدأتْ في التحرك والسير في هدوء، وصوت
الأغنية يملأ المكان. حتى أن مخصييّ الكشك الحديدي قد انتفضا وأدّيا التحية العسكرية، والصوت لم يزل يحيطني ...
(...عيوننا إليكِ ترحل كل يوم .. ترحل كل يوم، تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الإسراء .. يا درب مَن مَرّوا إلى السماء
عيوننا إليكِ ترحل كل يوم ..
وإنني أصلي ....)

لم أجد إلا بِركة من البول تحتي، وعلى يميني زجاجة مياه معدنية مَدفونة بين فخذيّ الجندي الجالس، وانتفاخ الجيب العلوي للآخر الذي يجاوره، بينما الجامع المُتربة مئذنته لا يزال غارقاً في السكوت/السكوت الذي قطعته دقات ساق خشبية تسند ساق صاحبها الأخرى، مَرّت الدقات بجانبي ينسَدِل عليها الكُم الطويل للقميص الخاوي، بينما يده المُنتسِبَة للجزء السليم استخرَجَت سيجارة من جيب بنطاله. فتحتُ السوستة مُتحسِساً مشط الكبريت، الذي فرّ منّي فأخرَجَ الرجل ولاعته من الجيب نفسه، وأشعل سيجارته، وعَبَرَني ودخانه أمامه يسبقه للناحية الأخرى، فطالعتني الساعة فجأة ..
(الساعة الآن 4:54، ودرجة الحرارة)
ليَرُدّني صوت يردد بدِقة الساعة السكانية، لأجد راديو ترانزستور صغير فوق الرصيف، يُجاور الكيس البلاستيكي العُهدة، يستنده صاحبه، وأمامه لفّة الطعام، وقد عَزَمَ علي، فشكرته. كنتُ أريد أن أُخرج له علبة العصير، ولا أدري ما الذي منعني. تعللتُ لنفسي أن فِعْلتي سوف تجرح شعوره، وقد صعب عليّ وهو جالس على الأرض يختلط طعامه بالتراب ورائحة القمامة المُزمِنة. ضغطتُ على نفسي مُتناسياً الفكرة حتى لا يكتشف الرجل ملامحي المُشفِقة، فأفسد عليه طعامه. سرتُ مُبتعداً حتى وصلتُ أمام الباخرة، فوجدتُ حركة الرواد قد ازدادت، وعظم صخبهم، فقلتُ في نفسي ..
لن أعتمد على الآذان، فقط حينما أرى أفواههم تتحرك، وأستَرق السمع إلى ملاعقهم وشوكاتهم وسكاكينهم، عندئذ سأقوم بالتدخين فوراً، فغابت عنّي الرؤية فجأة على إثر ريح عاتية داهمتني، مُندفعة ومُحمّلة بتراب ملأ عيني، فأنساني شكاً لئيماً ساورني منذ لحظة. الغريب أنني لم أعد أسمع أيّة أصوات، حتى الرياح. فقط عاودَتني (فيروز) التي بُعثت من سيارة (هدى)، تلفني بترديد المقطع بالكامل، بينما أنا مُنعدم الرؤية وفي حلقي طعم التراب.

التراب ...
كنتُ وإلهي
في زيارة إلى الكنيسة، بينما
هو
مُنشغل بالتقاط الصور للنقوش والبهو،
وقفتُ أنا
أمام تابوت زجاجي يحوي رفّات القديسين
وأشعلتُ شمعة،
وقد ترحمتُ عليهم وضحكتُ
في سرّي من فاتحةٍ لن أقرأها.
وكانت الإصلاحات المنتشرة في الكنيسة
قد نَثَرَت غباراً ملأ المكان،
فاختنق
إلهي
وألحّ عليّ في الخروج قليلاً للهواء
نظراً لالتهاب جيوبه الأنفيّة،
ودعتُ الرّفات وأشعلتُ شمعة أخرى،
وخرجتُ.
ونحن في الهواء
طلبتُ منه ألاّ أُدفَن في التراب،
فاستغرَبني
مُعتقداً أنها إحدى تخريفاتي،
وحَمَدَ الله
لأننا لم نقم بزيارة إلى المتحف.
فكررتُ طلبي في مزيدٍ من الجديّة،
مُضيفاً
بأن يُحرق جسماني ويوضع في مَرْمَدة
تتصدر بهو منزلنا الذي سيكون،
وألاّ أُترَك وحدي،
وعلى إلهي
إلقاء تحية الصباح عليّ كل يوم،
وأن أظل في مجال بصر
(إزميرالدا)
ابنتنا
حتى يأتي ميعاد مغادرتها البيت،
وأن يحملني إلهي معه في أسفاره.
صامتاً
كان
والمنديل يحمي أنفه من غبار يلفّني
وحدي
صامتاً كان إلهي،
ثم التَفَتَ برأسه إلى الداخل
وقد تطاير شَعرهُ قليلاً بفعل الهواء،
وأنا
سارحاً في ظِل الشَعر المتطاير،
والمُنعكس
فوق أرض الكنيسة البازلتيّة،
التي امتصت التراب في خشوع.
ثم عاد بوجهه إليّ وابتسم في شرود،
وقال
ــ جَلّ نبضه ــ
إن يُسْرَاه
إما أن تحتمل يدي حياً
أو رمادي ميتاً.
لم أكتشف الخدعة،
مُتيقناً بأن شمعتين لا تزالان
تستجلبان ليّ الرحمة،
ولم أنتبه
لأرضٍ بازلتيّة كانت تحمي نفسها بغبار مقدس
من ظِل يتطاير لن تحتمله
فغادرها بهواء قد أطفأ الشمعتين،
لم أنتبه
لمنزلٍ لن يكون،
وطفلة
ستظل فكرة خياليّة لن تغادرني.
فاخترتُ
مُغتراً بتراب يلفّني،
وعُدنا
فقط
ظِل يدي الفارغة يتقدمني على إسفلت الطريق
صامتَين
ومنديل يحمي أنفه،
وفي حلقي طعم التراب.

بصقتُ،
وبصقتُ، فاستبنتُ المكان، وبرودة قد عاودَتني حاملة معها شكاً لئيماً نسيَني لحظات، لم تستطع مئذنة مُتربة أن تُعْجِزه. كما أنني لا أستطيع الوثوق في هؤلاء الدُمى الذين يطالعونني، على الرغم من موائد عُدّتْ وأطباق رُصّتْ وشوكات وملاعق وضِعَتْ وسكاكين سُنّتْ وأباريق نُصِبّتْ وكئوس رُفِعَتْ قد طاف بها ولْدان ليسوا بمُخَلدين. فأنا مثل كثيرين لا أثق بهؤلاء، وبالضرورة عليّ البحث عن تعويض لنقصي، بأن أدّعي الثقافة مثلاً، وأن أكرَه رواد البواخر
وأنعتهم بأنهم أولاد كلاب، وأن أتشاغل بالتفكير في أشياء أخرى ليست بمُستحيلة أهم من أكل وشُرب وسيارة وعطور مُدَوّخَة. وسوف لن أنتظر طعاماً مُختلفة ألوانه وقد زهدتُ الطعام، وسوف لن أنتظر ما لا عين رأت وقد أعماني تراب المئذنة المُرتخية، وسوف لن أنتظر ما لا أُذن سمعت وقد خاصمني صوت إلهي، فأتشَاغَل .. بمشكلاتٍ كونية يُمكن حلها بخمر رخيص أو لفافة حشيش أو استعجال أطفالي في الحمّام، وأن أقرأ الروايات وأتباهى بذكر أسماء مؤلفيها، وأردِدُ بعض أقوال دون أن أكون في الحقيقة قد قرأتها، فقط سمعتها دون أن أفهمها، سمعتها عن آخرين أكثر منّي حقداً وعفونة، وأقول كما يقول العَجَزَة بأن هناك أشياء هامة/كالكتب والورق والأقلام والكتابة وما عدا ذلك فهو باطل. وألتقي بمَن يتبارون معي في العفونة، ونتحدث حول أبخرة الشاي ورائحة القهوة والدخان، داخل جُدران مقاهٍ مَجْذومة ومُظِلمة اسْوَدّت من روائح أرواحنا، وتآكلت كراسيها تحت وطأة ثرثراتنا التي لا تنتهي/عن الكادحين والفقراء وأبناء السبيل وخلل الكون وحال البلد، أية بلد؟! والحرامية اللي واكلينها والعة، ونحن نرفع من أصواتنا لنُغطي حقدنا، لأن أحداً لم يُشِر إلينا حتى نأكل معه. إنها مجرد إشارة بسيطة يكمُن فيها كل شيء. وقد نُفاجئنا نبكي ونحن نحتشد داخل غُرف غطتها صور تفوق حجم أصحابها مئات المرّات، فتخرُج أصواتنا المَبْحُوْحَة مُردِدَة نشيداً وطنياً، تسقط مُفرداته حينما تنفتح أفواهنا عن آخرها إذا لمَحْنا نهداً استغل طُغيان الإيقاع فارتعَش، أو مؤخرة انحَشَرَتْ بيننا وبادَلت أعضاءنا المُنتبهة السلام الحماسي، الذي يفوق حماس النغمات التي صاغها فنان الشعب المسطول.

وقد نمارس الجرأة لنداري وجوهاً كرهناها، وروائح أخنقتنا، قد نمارس الجرأة في شكل عمل مفيد/ فنتبادل امرأة مثلاً ونعذبها، أو نتأسى لآخرين لو علِموا أنهم مجال أحاديثنا لأودعونا أعضاءهم. وقد نتبادل النِكات، التي لا تمُت بالطبع لمن نحقد عليهم ولا للذين نرثى لحالهم. أتذكر إحداها .. وهي بالطبع ذات صِبغة سياسية وأخرى ميتافيزيقية، حتى تليق بمجلسنا
"يُقال إن المخابرات الأمريكية توصّلت إلى رقم المحمول بتاع ربنا، وأعطته إلى (كلينتون) الذي أصبح الآن (بوش)، فاتصل وسأل: كم عام ستظل أمريكا سيدة العالم؟ فرَدّ ربنا وقال له ..
50 سنة. بعدها نجحت المخابرات الروسية في الحصول على الرقم، فاتصل (بوتين) سائلاً: هل ومتى ستعود وتصبح روسيا سيدة العالم؟ فرَدّ ربنا وقال له .. بعد 50 سنة. وأخيراً ... نجحت المخابرات المصرية، فسأل (الرّيس): متى ... متى يا رب؟ فرَدّ ربنا .. مُش في عَهدِي"
ونضحك، نضحك لحدودٍ تخطيناها، رغم مؤخراتنا التي تَنَمّلت، وقد نمارس الجرأة المباشرة .. فنَسُب الدين عَمّال على بَطّال، ونتمادى فنُجلِس الله فوق ترابيزة المقهى المعدنية، غير المستوية ونفرح بتمَلمُلِه من أثر الدخان وأفواهنا القذرة، ونجادله في حدةٍ وعُنف، إلا أن مَفاصِلنا تسيب إذا لمَحْنا جندياً يعْبُرنا دون أن يلتفِت، مُجرد جندي جاهل ابن وسخة، فنغرق في الصمت، ونرى الله يغادرنا ضاحكاُ في رحمة، فنموت من الغيظ بعدما مِتنا في جلدنا. وحتى نقطع الصمت/نبحث عن شيء نتحدث عنه، فنَسُبّ كل الآخرين، حتى أصحابنا الذين تأخروا فحُشِروا في زُمرَة الآخرين. نَسُبّ الجميع، خاصة الصفوة اللي صحيح يستاهلوا يبقوا ولاد كلب، لكننا
في الحقيقة نريد الوصول والانتساب لرب عائلة الذيول هذه، لذلك لا أستطيع الوثوق بهم، اللي ما يعرفوش ربنا. مع ملاحظة أن ربنا بتاعنا إحنا بَسْ. ووفق نظرية العدل الإلهي، فإن هناك آخرين يعتقدون في أن ربنا أيضاً بتاعهم بَسْ.
أعرف أحدهم/
وهو الذي ينتمي إلى فئة قليلة، وقد اعتقد أنه تغلب على فئة أكبر بإذن ربنا بتاعه. كان يتخذ الشكل الكلاسيكي للفئة القليلة .. من ضخامة الجسد وطول اللحية وقِصَر الجلباب، وبفضل توفيق ربّه شارك (خالد الإسلامبولي) الزنزانة بعد القضاء على الطاغوت. ثم أخذ يدور في مدار ربّه، بينما زوجته الضئيلة أخذتْ تدور خلفه في السجون والمعتقلات. وكان قد أوصاها بعد نفسه بتقوى الله، والاقتداء بزوجات إخوانه وقد ضربن عليهن بخمورهن وجلابيبهن، وحتى يطمئن قلبه ضَرَبَت على نفسها بنقابهن. ونظراً لأن مُهمته كانت تقتصر على الكلام دون الفعل، فقد واصل حديثه، مُتباهياً بأن (عمر عبد الرحمن) قد حضر حفل زواجه المبارك بإذن ربّه وبفضل مُعَلمه. وامتدّ الكلاااااام، وانسااااال، فتصالحوا، ونَسوا فتدَخّل مُعَلمه الذي يرى ما لا يراه الآخرون، والذي قبل ذهابه إلى أمريكا أوصَى المُتصالحين بزوج الضاربة بنقابها، فقاموا
بتوفير عمل مُريح يتوافق ومهارته في الكلام، فأودعوه المملكة العربية السعودية، شريطة أن يرتدي البدلة والكرافات. فقد صَبرَ واحتسب، فانسالت الدولارات والريالات عن يمينه وعن شماله، بينما زوجته التي كانت تُعْرَف بين إخوانه عن طريق أولادها، تصالحت مع مدارات أخرى، خاصة وقد صبرتْ هي الأخرى صبراً جميلاً، فتَخَيّرَتْ ولداً يعرف كيف يفض نقابها ويتحسسها من دون جلابيب وخمارات مضروبة، لتوسع له مكاناً بين ساقيها، لم يستطع مُحْتسِب ربّه البعيد أن يحفظه كما كان يحفظ تفاصيل عين مُعَلمه البيضاء. دَارَتْ دون أن يأتيه خِرَاجها، دَارَتْ وأصبحتْ آية أخرى/في بنطلونات ضيقة وروائح مُدَوّخَة وصبغات مُبهجة ورحلات نيلية مُهَدْهِدَه، تُنسيها وعورة طُرق قاسية مُغَبّرَة، دون أن تُنسيها تقوى الله، الله بتاعها وبتاع الذي هناك وبتاع الذي يتذوق ماءها في انتظام أشد قسوة من الصلاة.

عليّ إذن انتظار الإذن الإلهي، حتى أمارس التدخين، وأفتح العلبة. تعللتُ بالمُفْترش الرصيف، وقد عرفتُ الآن سبب امتناعي عن مَنحِه علبة العصير، فقد اسْتَخْسَرتَها فيه فابتسمتُ. وسرتُ إليه وأنا أستخرج علبة السجائر وقد اتسعت ابتسامتي، مُتعللاً بأن وجود الرجل على هذه الحالة علامة على إذن الله بفَضّها دون انتظار الآذان. مَنحته سيجارتين، فشكرني، ثم كرر عزومته، فشكرته وقد راودَتني فكرة سريعة بأن أعطيه علبة العصير إكراماً لهذا اليوم الذي اخترته، أو بالأصح الذي اختارني لأحتفل به، ولكني نسيتُ الفكرة بسرعة، وغرقتُ في يومي المُختار ...

كان من المُفترض أن نحتفل به معاً، كما فعلنا في العام الفائت، وقت أن كان الله يعرفني، فمنحني إلهاً يخُصّني، يُذَكِرني به على الدوام. أما الآن وقد أصبحتُ وحيداً، فقد أدركتُ أن الله طردني من رحمته، فأحتفل بهذا اليوم وحدي، وفي هذا الوقت، بعيداً عن الجميع أبي وأمي وأخي ومن قبلهم وبعدهم إلهي، الذي نفاني من مُخيّلته، فأدركتُ كم عانت يد الزعيم الفارغة
من البَرْد. حاولتُ دفن نفسي في متاهات أخرى، أتاحت لي بمرور الوقت اكتشاف نفسي، باستحقاقي المُعاملة كمهجور، ورغم ذلك مازلتُ مُتعلقاً بوَهم يُطلِق عليه المؤمنون .. (باب الرحمة)، إلا أنني أستغرب استشعاري هذه النهاية قبل وقوعها، أستغرب يقيني هذا، ربما اليقين الوحيد الذي أومن به، الذي جعلني أهجر الجميع، مُبتعداً عنهم في رغبةٍ تستهويني. وبدأتْ تنتابني أفكار غريبة وأفعال أكثر غرابة، كلها تدور في مُخيّلتي، وأعرفُ أنها لن تحدث على الإطلاق، كل ما هنالك المزيد من آكَلان الدماغ. فكرتُ في الانتحار، لكنني جَبَان وخوّاف. حتى الانتحار كنتُ أريده سهلاً وبسيطاُ، مُتجنباً فيه الألم، فاشتريتُ مُنوماً أكثر من مرّة، وتخلصتُ منه في كل مرّة قبل وصولي البيت/البيت .. الذي أصبح لا يتسع إلا لردود أفعالي، فتحزن أمي، ويغيب عنّي أبي أكثر، وقد كنا أصدقاءاً، فأصبحتْ الجَفوة بيننا تزداد في سرعة شديدة، أكثر
سرعة من خلاياه التي تأكل نفسها، وفي نفس سرعة ابتعاد إلهي عنّي. والكارثة أني "سعيد" بالمعنى الضيق للكلمة، وقد زَلزَلتْني كارثة إلهي وألهَتْني عن كارثة انتظار غياب أبي الوَشيك. "سعيد" وقد تنبأتْ أمي بموتي وحيداً، ربما في غرفة حقيرة أو في شارع مُظلِم فلا يتعرّفني أحد. ودَعَتْ رّبها بأن يرحمها ويستردّها، فلا تسمع بهذا اليوم، فكنتُ أسخر منها وأغْضِبها، قائلاً بأنني أريدُ أن تتحقق نبوءتها بالفعل، دون أن أرْحَم تآكل أعصابها. وابتعدتُ أكثر/ولذتُ بعالم السورياليين مُنبهراً، حيث توتراتهم وفزعهم العصبي، مُحاولاً التعايش مع الأموات، وهربتُ إلى مصر الأربعينات وحدي قبل قيام التفاهات وانحطاط الزعيم الوهمي، الذي كان
من أشد أسباب الخلاف بيني وأبي، قبلما أصبحُ أنا سبب الخلاف الوحيد.

فكرتُ في (هنري كورييل) ودوره في دخول الشيوعية مصر، رغم كُرهي للشيوعيين ورائحتهم العفِنة، إلا أنني أحبُ (كورييل)، وأريد أن أبحث عن سبب خلافه مع (جورج حنين)، وأعتقِد أنه ليس خلافاً فكريّاً كما يدّعي أصحاب العقول المَرْخيّة، بل أن هناك امرأة، قبلما يهيم (حنين) بـ (بولا) وربما تكون (بولا)، (بولا) المُسْلِمَة حفيدة أمير الشعراء. نعم .. سبب الخلاف امرأة، سبب وجيه يَصْلح لانفصام عقول جَبّارة، لا تهتم لأفكار ساذجة وغامضة تكاد تقارب الوهم، كالوطن والوطنية، ربما هناك آخرين أدركوا وهْم هذه الكلمات، وتصرفوا معها وفق ثقافاتهم المتواضعة، التي لا تكاد تقارب شياطين الأربعينات. وهذا ما يُفسر ذباب السجون الذي فاق ذباب المقاهي، يُفسر انبهارهم بزعيمهم، الذي غَشَيَهُم نياماً، فاستفاقوا ووحوشه اللزجة تسد مؤخراتهم، فانبَهَروا لقدرته وفحولته وقد دَخَلهُم جميعاً في الوقت نفسه، فأدرَكوا العَدْل وأغلقوا سراويلهم، حيث لا يفضّونها إلا في وجوهنا لنَشْهَدْهم مُناضلين، مُحتفظين بخلودهم اللزج بين أردافهم، مُبتعدين عن أفكار غامضة داسَتها عقول حُرّة طالما أشعَرَتهُم برائحتهم.

مع ملاحظة أنهم ــ المُنْسَدون ــ يتوحدون مع رواد الجلابيب في العفونة، فكل منهما تتساوى
مُحَصلته .. سواء في الخمر والنساء أو الحُور العين والفاكهة الكثيرة التي لا حصْر لها، فكلهم كأسنان المشط، حيث أن معيارهم الوحيد يكمُن بين أفخاذهم، وقد حَسَمتُ أنا المسألة، وبدأتُ في
ارتداء ملابس على الموضة، فسقط المعيار تحت وطأة الألم.
كما رغبتُ في تبَني طفلة/سأصنعها على عيني .. فمواصفات سوف تقترب من مواصفات إلهي لها ستكون، واسماً لابنتنا المستحيلة التي لن تبُصّ مَرْمَدَتِي ستحمله، ولغة فرنسية ستدرسها
وُتتقنها، دون أن تقرَب لغة حَبَسَتني. عسراء ستكون، ورسماً وألواناً ستحب، وقطة صغيرة بتربيتها ستقوم، فألتقِط لها صوراً كثيرة والقطة تتوسد كتفها. وأعلق في بهو البيت صورة لـ إلهي ربما أنجحُ يوماُ في التقاطها خِلسة صورة تبُصّها الطفلة و
Maman ستقول، فأرُدّ أنا .. إنها غائبة وقبل ميعاد رحيلِك عن البيت يا طفلتي ستعود. يا طفلتي التي ستغيب عنّي طفولتك
قليلاً في مدرسةٍ للراهبات، وتنانير قصيرة معي في العُطلات سترتدين. يا التي سترحلني في يوم أريده لها ميلاداً، فتقرأ حظها اليومي وفق برج يتميز بالعناد والقسوة وتصَلب الرأي، مثل
أمها/إلهي
الذي ضرَبَ عليّ الذِلة والمسكنة.
إلهي . .
الرحيم عليكِ والجَبّار عليّ،
والذي ليس بمنتقِم.
فنعيش معاً، أنا وهي، بعدما صَنَعْتها، مُتناسياً فشلي كعاشق، ومُمَارساً دوراً آخر يُطلق عليه "الأبُوّة". حكيتُ ما انتويتهُ إلى صديقة تكبُرني بعدة أعوام، على أنها قصة من تأليفي، فنَعَتتْني يومها بالهَبَل، وحتى لا أزعَل أضافت صفة الجنون

الجنون ...
كنتُ وإلهي
ذات يوم داخل (قصر البارون)
حيث يلتقط إلهي بعض الصور،
ويرسم تفاصيل الأعمدة.
تطرّق حديثنا إلى الشيطان المعبود،
وكُره إلهي
وانقباضه من المكان الموبوء،
إلهي
الذي يَنْتَسِب إلى جدٍ كان من شيوخ الأزهر،
فقلتُ
بأن الشيطان ليس تافهاً
ليجعل بعض الصِبْيَة يعبدونه،
وأن الموضوع لا يتعدى لعبة حكومية
لمهادنة المتجلببين من جهة، وللتغطية
على جُرح الأسرى المصريين الذي انفتح،
فأشاحَ عنّي كعلامة على عدم الاقتناع،
فعمقتُ وجهة نظري
حول العلاقة الخفيّة بين
الله والشيطان،
وأنني قد سمعتُ بحديث نبوي شريف
بمناسبة حَج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً،
وقد نهى الرسول (ص)
عن رمي الشيطان بأي شيء سوى الحَجَر
وقد أصرّ الله على ذلك
من الممكن أن يكون الحديث قُدسيّا
ف الله لا يريد من مخلوقاته الطينيّة
التطاول على مخلوقه الناري،
فقط ..
يرمونَهُ بحَجَر من صنع الله،
دون تَدَخّل أشياء صَنَعَتْها عقول الصَلصَال،
رفعَ إلهي رأسه عن لوْحَته ونظر إليّ،
فلم أنتبه إلى نظرته،
وغَرّني انتباهه المُتزايد
فتماديتُ
قائلاً
بأن موسم السبيل المُسْتَطاع بأكمله
ربما يكون منصوباً
حتى يداعب الله الشيطان
بحجارة تُلقَى إليه،
عَبْر أيادٍ من صَلصَال،
فالحجارة تزيد النار اشتعال،
والجميل
مخلوق ناري، وبذلك سيزداد توهجاً ورقصاً
نتيجة الزَغْزَغَة الإلهية التي تأتيه كل عام
في شكل تحية من خَالِق رحيم.
لم ألْحَظ دموع إلهي
التي انسالت وسقطتْ
فوق اللوحة الممتدة وقد اختلطَتْ ألوانها،
ليخْرُج صوته مُختنقاً
ــ سامحني يا إلهي ــ
{مجنون}
وانْفَضّ إلهي من حوْلي خارجاً،
وهو يمسح دموعه
بيده اليُسرى عابراً الباب بسلام،
وأنا خلفه كَلَهَب،
رغم أنني كدتُ أسقط
بعدما تكَعْبَلْتُ في العتبة،
كنتُ أريد تهدئته،
ولكني حينما لمحْتُ ظِل شعره المتراقص
على الأعمدة
انعَقَدَ مُخّي الصلصالي،
وتماديتُ و كأني مُوحَى إليّ ..
بأنني وجدتُ مهنة بطل الرواية التي سأكتبها،
والذي يشبه جدّي إلى حدٍ كبير.
جدّي
الذي ترَكَ كل شيء باحثاً عن شيء غامض
لا يعرفه سواه،
حتى أنه ترك زوجته وأولاده وأهله،
مُبَدِدَاً ثروته كما يقولون
جدّي الذي ينتمي لأب كان
من القضاة الشرعيين.
جدّي
الذي زار الكنائس
وارتدى قبّعة ورَطَن بلغاتٍ أجنبية
وكان يأكل بالشوكة والسكين،
ويلعب البوكَر كإله،
ويعيش في الأسكندرية،
ويُصَادِق (كفافيس) و(داريل)،
ويُجيد الرقص ويؤدي تمرينات الصباح،
ويستيقظ
فيقول
Bonjour
جدّي/
الذي اسمه الرسمي (محمد النبوي)،
واسمه المُختار
(الخواجه)
والذي عاد
ليعيش في (دَرْب اللَبَّانة) في الأربعينات
فأراه وقد صادَق
(حنين) و(يونان) و(تلمساني)
و(بيبي مارتان) و(ألبير قُصيري)،
الذي يشبهه في الشكل إلى حدٍ كبير.
جدّي
الذي حضر حفل زواج (جورج) و(بولا)،
وكسب (كورييل) في البوكَر،
وقد حضر وصية
(جورج) لـ (بولا)
بألاّ يُدفَن
في مقابر المسلمين أو المسيحيين،
فأشار عليه
جدّي بفكرة المَرْمَدَة،
فبكت (إقبال) وابتسم (حنين).
جدّي
الذي كَرِه (عبد الناصر)،
ونفَدَ ماله وصحته
من حُسن حظي
فيحضر طفولتي ويعيش معنا،
ليستيقظ في السابعة،
ويرتدي بدلته كاملة ليُحْضِر
لابنته/(أمي)
الجورنال لأنها تحب حل مسابقة الكلمات.
يرتدي زيّا احتفالياً ليشتري الجورنال،
فيسير وسط اندهاش آخرين
ينتمون إلى فئةٍ حقيرة،
ينزلون الشارع
حُفَاة بالبيجامات الكستور من الكِساء الشعبي
أو الجلابيب المبَقَّعة والمقَلَّمة،
كأنهم
في مَحْميّة أو مصحة للأمراض العصبية،
ابتناها لهم زعيمهم الوهمي
زاعماً أنه يُخلصهم من ماضٍ كئيب،
دون أن يستطيع تخليصهم
من رائحتهم العفنة.
جدّي
الذي كان يعيش على معاش (السادات)،
وكان في آخر أيامه يُصَلي سراً،
بعدما يُغلِق عليه الحُجرة بالمفتاح،
جدّي
الذي ضرب يوماً ما الذي صبر واحتَسَب،
قبلما يصبر ويحْتَسب،
وقبلما يَلمَس يد الضاربة بنقابها،
التي قد نسيّ شكل أصابعها الآن بالتأكيد.
جدّي
الذي وجَدناه مَيتاً فوق سجادة الصلاة
بعدما كسَرنا الباب،
ولم يتبق منه سوى
جاكت بدلة وحيد
في دولاب أمي الشتوي.
لذا ..
ستكون مهنته عاشِق
وسيكون اسم الرواية
النبي
تَلَمَّس إلهي يدي بأصابعه،
وابتَسَم في غموضٍ لم أفهمه،
ومضى مُبتعداً في خطواتٍ وئيدة،
وقد هدأ الهواء قليلاً ليَروْح
شعره المُنْسَدِل ويجيء
في تكرار كبندول ساعة عتيقة
عابراً باب القصر
و يغيـ ـيـ ـيـ ـيـ ـيـ ـب.
مجنون
أضافتها صديقتي حتى لا أزعَل،
صديقتي التي تمارس الجنون بالفعل ولا تستطيع احتمال سماعه أو الكلام عنه.

وكما قال (بارت) دون أن يرضى الله عنه .. "الفعل يُعَطل اللغة، والعكس".
فأنا أتكلم، بينما هي تفعل. حتى زميلي الأبْله لم يَسْلم منها، فقد زارته في الحلم، أما هو فانزعَج لأنه يحترمها ويُقدرها، ولم يُفكر فيها بهذا الشكل أبداً، وقد تماسَك لأقصى درجة، حتى أنه تنفس
خارجها، رغم أنها فتحَتْ له ساقيها عن آخرهما حتى يدخلها آمناً من خوف، ولكنه في اللحظة الأخيرة غادرها واستيقظ، دون أن يستسلم لعقله الباطن الشرير. قلتُ له إن الأمر سهل جداً، وأن (ابن سيرين) وهو مُفسّر أحلام ومُسْلِم، وكتابه الشهير وملخصاته في جميع المكتبات، سواء في دار الإسلام أو دار الحرب، ويُفسر الأمر بقوله .. "إن مَن يُضاجع في الحلم إحدى قريباته المُحرّمات عليه، فإن مشكلة يعانيها سوف تُحل ولو اجتهَد وزارهُ توفيق ربّه، وتوصّل إلى مُضاجعته لأمه، فسوف يزور بيت الله الحرام". فما بال الأبْله بامرأة يحترمها، وأوصيته في المرّة القادمة بألاّ يتعَجّل ويُغادرها، بل يتركها لتمْتصّه على الآخر، حتى لا تزعَل منه وتتهمه بالبُخل.
صديقتي/
التي تصادِق فتاة تصغرها. ووفق مبدأ الحرية المكفولة، فذلك لا ينال من احترامي لها، بل أنا أحبها كصديقة وأحترمها بجد، دون أن أمنع نفسي إذا رضِيَتْ بأن تزورني في الحلم، ولن أمارس معها البُخل، رغم علمي أنها تنام مع الفتاة بالفعل وليس بالكلام، وأنها مَلّت الفتاة وأحبت أخيراً ولداً غريباً. عرفتُ بهذا الحب من انزواء الفتاة، والهزال الذي أصابها، وشراهتها في التدخين، ونظراتها التائهة، والسير أو الجلوس بمُفردها لأوقاتٍ كثيرة. لم أستغرب علاقة صديقتي مع الولد، رغم غرابته من حيث ملامحه ومَلبَسه وطريقته في الكلام وصوته العالي، إلا أنه يمتلك يداً كبيرة وأصابع طويلة كالمُقامرين، يستطيع عن طريقها أن يتحسَس كتِف
صديقتي العريض، الذي يشبه كتِف المصارعين. وقد استرحتُ لهذا المُبَرر الوحيد للعلاقة بين الولد الغريب وصديقتي، التي لم ترحم عذاب الفتاة، فهجَرَتها رغم الشكل الهَش لاستمرار صداقتهما، هَجَرَتها .. لتمارس الفتاة التدخين والاستمناء في حمّام البنات، وتنفجر في البكاء المفاجيء أو الضحك على أي شيء لا يستحق حتى الابتسام، فتزيد ربّتها من جرعات التعذيب، حافظة لها صداقة كانت، بأن تجعلها تحضر بعض من حفلاتها مع الولد، الولد الذي يحتوي نهدها بكفه، ضاغطاً على حَلْمَتها بإصبعيه، بعد أن يبللهُما بلسانه، ويَمُصّ شفتيها في شراهة، لينتهي بعضّهما، وهي تحتوي خصيتيه المتحررتين في راحتها، بينما إصبعه الطويلة تسْتجْلِب بللها في استعجال. كانت تدرك ميعاده وإمارات انبعاثه المَهْزولة التي تجلس مُنزوية على ترابيزة في ركن الحجرة، تبكي وتدخِن وتمارس الاستمناء في صمت. وزميلي الأبْله لديه الوقت ليزداد حزنه ويؤنب نفسه لموافقتها على استقبالها له بين ساقيها في الحلم، دون أن يُدرك أنّ تحسُسَ الولد لكتفها قد ازداد مع الأيام، وأصبح يبتعد عن صُدفة مرور الطريق إلى حتميّة السير في أي مكان، ولمسافاتٍ طويلة.
أتذكّر/
أتذكر صديقة أخرى عرفتها أثناء فترة صخبي البعيدة، فقد كنا نسير سويّا لمسافاتٍ طويلة حتى نستقر في مكان ما، بعيداً عن كل الآخرين. تمتْ معرفتنا في سرعة، وكانت مُحددة التفاصيل
والأهداف من البداية، مارستُ معها كل ألوان المراهقة التي لم أفعلها في حينها .. من صعود عمارات عالية نجْهلها حتى نستقل الأسانسير ونتبادَل القبلات والتلامُس، كذلك الجلوس في قاعات السينما، التي كنتُ أقول إن مشاهدة الفيلم كالصلاة ولابد من فصل الرجال عن النساء، فالسينما ليست كباريهاً. إلا أنني عرفتُ سبيلها المُسْتطاع، فأدركتُ أهمية السينما الحقيقية كواجهة شرعية بديلة عن بيت الدعارة. فقد أخرجَتْ نهديها في الظلام، فردَدْتُ تحيتها بأحسن منها وأخرجتُ عضوي، وتلمّسْتُ بللها وامتصّت أطفالي. وعن طريق مسافاتٍ طويلة سرناها، فقد أوصَلتنا في النهاية إلى مكان بعيد، وبمفردنا أصبحنا .. أعدَدتُ شاياً لها وقهوة لي، ثم دخلتُ الحمّام تاركاً قهوة تبْرَد، لأستمْني، حتى أتأخر وأنا بينها فقد كنتُ لا أحب البراشيم التي تؤدي هذه الوظيفة فخرجَ أطفالي بسرعة وفي شكل غريب أكثر سيولة وسخونة من المعتاد، فأخرُج أنا لأجدها قد غادَرَت الصالة، تاركة شاياً يَبْرَد، ثم طالعَتني مُرتدية قميص نوم أسود قصيراً كانت تضعه في حقيبتها، فطالعتها من أصابع قدميها المصبوغة، صاعداً حتى مكْمنها الذي يغضّ الطرف. تشمَمْتُ رائحتها التي دوّختني وأزعَجَت لساني على رقبتها، تذوقتُ ماءها وقد تركْته ينسال بين أصابعي المصبوغة برائحة التبغ، وقد كان مذاقه يختلف عن مذاق ماء صديقتي المظلومة، كان أكثر حدة. احتوت عضوي بين نهديها الكبيرين، حيث دائماً كان يخنقهما سوتيان لئيم استبانت سذاجته، كما استبانت بصمة أسنانها على عضوي، بعدما منحته شفتيها في سخاء، ثم استقبَلت الأطفال ليتراقصوا فوق عضوها، وهي تضم ساقيها جيداً مُسْتمْتِعة
بسخونتهم، وحتى لا يسقطوا فوق الفِراش، واحتوتهم في رحمةٍ بعدما استفاقت، احتوتهم في منديل ورقي قالت ستحتفظ به، وأنا جوارها مُستلقياً وقد ارتخيْتُ تماماً. طلبَتْ منّي بعد ذلك أن أدخُلها من الخلف، فرفضتُ إكراماً لذكرى قديمة مؤلمة، فانتوت الرحمة ولم تزعَل، لتستمر في لعبة الرحمة هذه بعد ذلك .. فتُطلِعني على صور حفل خِطبتها هي وآخر طلّعِتْ دينه على حد تعبيرها حتى لمَس يدها، وقد كان يجلس جوارها في سعادة بالغة وسط أهل كل منهما، لتشير هي إلى الصورة وتقول: "ماما .. بابا .. أخويا .. بنت أختي الكبيرة، أصلها عيّانة ما جاتش، أخوه .. عمته، أبوه وأمه ميّتين، الحمد لله هاستريّح".
كان الحفل على باخرة نيلية، وراقصة تبتسم، مُتصَدرة الصورة نظراً لعريها، وصديقتي الرحيمة ترتدي فستاناً بدون أكمام. قالت إن أباها كان مُعترضاً على الفستان، أما خطيبها فلم يُؤخِر لها طلباً، ولم يرفض لها شيئاً، ووافق، بل أقنع أبيها، وافق رغم علامة الصلاة
المطبوعة على جبهته كوَصمة "بُص عاملة ازّاي!" وضَحِكَتْ، ثم بَكَتْ، وقالت: "لن أنساك". ضحكْتُ في سِرّي ..

وفكرْتُ في إلهي
إلهي
الجميل، الذي ليس كمثله شيء،
والذي كان مُحِقاً في هجراني
فبكيتُ، ونَهْنَهْتُ
فانصرَفتْ عني ودمعها الحار في منديلها الورقي تجمعه،
كما كانت تجمع أطفالي المجانين، وقد ألقت به قبل
نهاية الطُرقة، وقبل أن تنحرف لتختفي.
.......

.......
أعتقدُ أن هذا الجامع ما هو إلا ديكور لدار عبادة،
فلن أسمع له صوتاً،
والساعة أصبحت ...
لا أدري ولا أريد
فقط/
(درجة الحرارة الآن 22)
بصيت حواليّا ..

لم أجد عامل النظافة، ولا جنوداً أربعة كانوا على الجانبين، حتى أولاد الحرام الذين كانوا يُطالعونني طوال الوقت، انفضّوا بعدما مَلوا مُشاركتي الانتظار.
لكني قد آنَسْتُ ناراً،
والنهاردة ...
(30 نوفمبر)!!
نار تقترب
مني وتسير على صفحة النهر، وقد اشتعل صوتاً وصلني قبل تفاصيل مَكْمَنها،
فتجلى المركب النيلي مرّة أخرى عائداً إلي، والتي آنَسْتها أصبحَتْ فانوساً مُعلقاً في منتصف المركب، ويُشِع ضوءاً أحمر قوي، كان المركب خالياً إلا من المرأة المُحْتمية بسوادها،
والتي مازالت سيرتها، ترتكن الكاسيت الضخم وتدخن، وقبل أن تصبح وصاريها تحتي وتغيب وراء أسمنت الكوبري، رَفعَتْ وجهها إليّ، وابتسَمَتْ ثم غابت، ولم تغب أغنية شدّتها
من عُكازها الضخم المُرتكِنة إليه على الدوام شدّتها لتذكّرني بها، والأغنية ما زالت تلفني ...
(كنت باشتاق لك وانا وانتَ هِنا
بيني وبينك
خطوتين .. خطوتين ..
خطوتيـ ـيـ ـيـ ـين
شوف بقينا ازاي
أنا
فين
يا حبيبي
وانتَ فين .. انتَ فين .. انتَ
فيـ ـيـ ـيـ ـين)
شعرتُ أن مثانتي على وشْك الانفجار،
تحسَسْتُ جيبي،
أخرَجْتُ شريط البرشام الجديد، وأفرَغْته راحتي،
وفتحتُ علبة العصير ووضعْتها فوق سور الكوبري.
ثم ابتهَلتُ في سرّي ..

"إرْحَم مُحِبيْنَك .. ماتوا على دِيْنَك"
وانتظرتُ
صوت الآذان
البَعيـ ـيـ ـيـ ـيـ ـيـ ـيـ ـيد.