هي آسيا جبار، سيدة الكتابة الروائية بالفرنسية، اسمها الحقيقي هو فاطمة زهراء إيمالاين، Fatma-zohra Imalayen من مواليد المدينة الساحلية العريقة شرشال، التي تبعد حوالي مائة كلم غرب مدينة الجزائر العاصمة، مثقفة شجاعة وأديبة جريئة، نشرت أول رواية لها وهي لم تكمل العشرين من عمرها، كانت بدايتها برواية «العطش» نشرتها العام 1957 وظل عطش الكتابة يلاحقها، لتكتب دون أن ترتوي، الكتابة ارتواء وعطش، عطش وارتواء، عذاب سيزيفي لا يتوقف.
عرفت آسيا جبار في بداياتها الأولى، في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، خاصة بعد نشر روايتيها «العطش» و«القلقون»، هجوما كاسحا من قبل حرس «الوطنية المزكومة» و«نقاد الأدب الأيديولوجيين» ومن بين من هاجمها، المفكر مصطفى الأشرف الذي وصفها بالكاتبة البورجوازية، لكن إيمانها بالكتابة وبالصدق الفني بعيدا عن السياسوية، وقناعتها بأن ما تكتبه هو أقرب إلى نبض الإنسان الجزائري، خاصة الصوت الأنثوي المكسور في مجتمع ذكوري قامع، جعلها تواصل خطها في الكتابة مرافعة بجمال عن حق المرأة في الوجود، امرأة تعاني من استعمارين، من جهة استعمار سياسي وهو الاستعمار الفرنسي الذي صادر الأرض والحرية ومسخ الكينونة التاريخية للجزائر، ومن جهة ثانية استعمار التخلف العاداتي والثقافي المحلي الذي جعل من المرأة إنسانا من الدرجة الثانية.
ولد صوتها الأدبي ثائرا على تبعية المرأة، ثائرا على وضع الاستعمار ومصادرة الحرية الجماعية والفردية. توجهت آسيا جبار لدراسة التاريخ، وتأكد فيما بعد من خلال رواياتها «بعيدا عن المدينة المنورة» و«الجزائريات في شققهن» و«أطفال العالم الجديد» و«ليالي ستراسبورغ» و«الحب الفانتازيا» بأن التاريخ هو المتكأ الأساس لجميع كتابات آسيا جبار، التاريخ الجزائري والعربي الإسلامي والمتوسطي حاضر بكثافة في جميع رواياتها. رواياتها هي رواية المعرفة ولكنها معرفة في قالب «شهوة الحكاية» والسرد والإمتاع.
صوت آسيا جبار صوت الروائية الشجاعة، شجاعة مؤسسة على ثقافة ومعرفة بالواقع وباللغة وبالأسطورة.
كانت آسيا جبار تبحث في نفسها عن كثير من الطرق والمسارات للتعبير، كانت المتعدد في الواحدة، فهي روائية وشاعرة وقصاصة ومسرحية وهي أيضا سينمائية، فقد أخرجت أفلاما حققت نجاحا كبيرا على المستوى العالمي، لم يكن ذهابها إلى السينما من باب الصرعة بل كان باب البحث عن صوت جديد من خلال الصورة، فأفلامها حصدت كثيرا من الجوائز الدولية المحترمة، وتدرس في الجامعات وتعرف إقبالا كبيرا لموضوعاتها المرتبطة أصلا بالمرأة في كفاحها اليومي من أجل شحذ وعيها الشقي ومن أجل صناعة مكان لها تحت الشمس في مجتمع يهيمن فيه الذكر هيمنة مشرعة له من خلال ثقافة «جنسوية» عنصرية.
تظل الجزائر المحرض الأساس للكتابة الإبداعية عند آسيا جبار، لقد واكبت في كل كتاباتها الإبداعية الروائية والقصصية ما جرى وما يجري في الجزائر بوصفها مركز الاهتمام ومركز هيجان الكتابة وتهييجها، فكما كانت جزائر الحرب التحريرية، وجزائر بناء الدولة الوطنية حاضرة بقوة، فجزائر العشرية الدموية هي الأخرى حاضرة في رواياتها الأخيرة «وهران، لسان ميت» أو «أبيض الجزائر».
تكتب آسيا جبار بلغة فرنسية شفافة، ما بين اللمسة الشعرية والعين التاريخية، تكتب بسرد ينتمي إلى الشرق، ولكنه يقف وسط معمعة الواقع وحراسة التاريخ، مع كل ذلك فكتاباتها لم تسقط في الوظيفية المبتذلة. تعتبر آسيا جبار أول كاتبة عربية وإفريقية تدخل محراب الأكاديمية الفرنسية العام 2005، دخلتها بقوة كتبها، وبما أحدثته في اللغة الفرنسية من تجديد ومن تحريك، وأيضا للرسالة السامية التي تحملها رواياتها الداعية إلى السلام والعدل والدفاع عن حقوق المرأة في العالم الثالث وفي العالم الإسلامي بشكل خاص، من هنا فآسيا جبار فخر المثقف العربي والمغاربي.
لعدة مواسم على التوالي، ومع كل موعد الإعلان عن الأسماء المرشحة لأكبر جائزة أدبية عالمية وأعني بها جائزة نوبل للآداب، يوضع اسم آسيا جبار ضمن القوائم المنتظرة أو المتوقعة لنيل هذه الجائزة، ولعل آسيا جبار إلى جانب محمد ديب (توفي العام 2003) هما أكثر الكتاب المغاربيين اجماعا في النقد ولدى القراء على أهليتهما لجائزة نوبل للآداب، فهل ستكون من حظها هذه السنة؟
وللقارئ أقدم قائمة الأعمال الأدبية لآسيا جبار:
La Soif, roman (1957) العطش (رواية)
Les Impatients, roman (1958) القلقون (رواية)
Les Enfants du Nouveau Monde, roman (1962) أطفال العالم الجديد (رواية)
Les Alouettes naïves, roman (1967) القبرات الساذجات (رواية)
Poèmes pour l›Algérie heureuse, poésie (1969) قصائد للجزائر السعيدة (شعر)
Rouge l›aube, théâtre (1969)
Femmes d›Alger dans leur appartement, nouvelles (1980) نساء الجزائر في شققهن (قصص)
L›Amour, la fantasia, roman (1985) الحب، الفانتازيا (رواية)
Ombre sultane, roman (1987) الظل السلطان(رواية)
Loin de Médine, roman (1991) بعيدا عن المدينة المنورة (رواية)
Vaste est la prison, roman (1995) واسع هو السجن (رواية)
Le Blanc de l›Algérie, récit (1996) أبيض الجزائر (قصة)
Ces voix qui m›assiègent: En marge de ma francophonie, essai (1999) هذه الأصوات التي تحاصرني : على هامش فرنكفونيتي (دراسة)
La Femme sans sépulture, roman (2002) امرأة بدون قبر (رواية)
La Disparition de la langue française, roman (2003) اندثار اللغة الفرنسية (رواية)
Nulle part dans la maison de mon père, roman (2007) لا مكان في بيت أبي (رواية)
أفلام:
La Nouba des femmes du Mont Chenoua (1978) نوبة نساء جبل شنوة
La Zerda ou les chants de l›oubli (1982) الوليمة أو أناشيد النسيان ..
اليوم تقوم مجلة نزوى بتكريم الروائية العالمية آسيا جبار من خلال هذا الملف، الذي هو في شكل ندوة شارك فيها ثلاثون كاتبا ومترجما وناقدا من الجزائر، كاتبات وكتابا من جميع الحساسيات الجمالية والفكرية، كاتبات وكتاب يكتب بعضهم بالعربية وآخر بالأمازيغية وثالث بالفرنسية، هي ندوة الإجماع الأدبي على صوت أدبي عالمي متفرد ونادر.
تكرمها مجلة نزوى بهذا الملف/ الندوة التي يشارك فيها كتاب يمثلون أصواتا لثلاثة أجيال أدبية متلاحقة، بمقاربات مختلفة، شهادات فيها العفوية، وفيها الرأي، فيها الاختلاف، كل جيل يقرأ آسيا جبار على طريقته الخاصة وبآلياته المعرفية والجمالية والسياسية التي تشكل فيها وعيه، وعلى الرغم من الاختلاف في الرؤى والمقاربات بين جيل وآخر، بين كاتب يكتب بلغة وآخر يكتب بأخرى إلا أن الجميع في شهادته ومداخلته كان شاهدا على حضور آسيا جبار المتميز في الذاكرة الإبداعية الجزائرية والمغاربية والعالمية.
تكرم مجلة نزوى آسيا جبار التي طرح اسمها ضمن القائمة الأولية للمترشحين لجائزة نوبل للآداب، ولنا أن نتفاءل ونقول إنها أقرب الجميع إلى هذا التتويج.
أمين الزاوي
كلمة عن الندوة والمشاركون:
دعوني في البدء، باسم مجلة نزوى المحترمة، أن أشكر جميع الكاتبات والكتاب الذين استجابوا على الفور للدعوة، دون تردد، وبمجرد أن اقترحت عليهم المشاركة في هذه الندوة المخصصة للروائية آسيا جبار، واسمحوا لي أن أذكرهم بالاسم:
الروائيون بالعربية:
– الحبيب السائح، بشير مفتي، محمد مفلاح، سمير قسيمي، رابح خدوسي، فارس كبيش.
النقاد والـمترجمون:
– محمد ساري، سعيد بوطاجين، ذهبية عمور، مخلوف عامر، حبيب مونسي، اليامين بن تومي، أحمد دلباني، يوسف وغليسي، عبد الرحمن مزيان، بن ساعد قلولي، محمد داود.
الشعراء الروائيون:
– أحمد حمدي، أحمد عبد الكريم، سمية محنش، فيصل الأحمر، محمد جعفر.
الروائيون بالفرنسية:
– ليلى حموتان، يوسف مراحي، جمال معطي، طارق عجرود
الشعراء بالفرنسية:
– لزهري لبتر، المايسة بوطيش.
الروائيون بالأمازيغية:
– إبراهيم تازعارت.
آسيا جبار في الرأسمال الرمزي للكتابة العربية والعالمية
حين نتساءل عمّا تمثل آسيا جبار من حيث الرموزية الثقافية والأدبية للكتاب الجزائريين الذين يمارسون الكتابة باللغات الثلاثة المتعايشة إبداعيا في الجزائر: العربية والأمازيغية والفرنسية، ماذا تعني هذه الروائية لأسماء إبداعية تنتمي إلى ثلاثة أجيال أدبية.
بصيغة بسيطة: ماذا تعني آسيا جبار للكاتب الروائي اليوم؟
سنكتشف من خلال الأجوبة تقاربا في الرأي من حيث الاعتراف بالقيمة الأدبية والشجاعة الفكرية والاجتهاد لهذه الروائية:
ليلى حموتان (روائية تكتب باللغة الفرنسية من أعمالها: «هاويات» (قصص(، «الرمّال» (قصص)، «دم وياسمين» (رواية)، «الطفل الجزائري» (شعر … )
إن آسيا جبار كاتبة وامرأة تثير في كثيرا من الإعجاب والتعاطف. ما في شك أنها تعيش بعيدا جسديا عن الجزائر ولكنها لم تبتعد عنها يوما. إننا في جوهر اهتماماتها، وكتاباتها تشهد على ذلك.
لم تتورط كتاباتها بحرب التحرير
حبيب السايح (روائي وقاص يكتب بالعربية من رواياته: «زمن النمرود»، «تماسيخت»، «تلك المحبة» «مذنبون» وآخر روايته «الموت في وهران» 2013 عن دار العين)
امرأة ذات أنوثة باذخة! كاتبة متفردة، مربكة بصمتها. آسيا جبار (فاطمة ـ الزهراء إمالايان: اسمها الحقيقي) هي مِن نَحْت ما يشكل صورة الجزائر الإتنية الفريدة في العالم العربي. لعلها تكون أولى كاتبة جزائرية تهتدي إلى جسدها فيكون ذلك صعقة التحول عندها نحو الكلمات التي وحدها تغدو القادرة على تثمينه بما هو فتنة.
من ثمة قد تكون بداية تكَوّن كل الفعل الأدبي والفني والتأملي الذي سيلحق في خلال مسار تجربتها. هل لانفتانها بالجسد راحت تحرص على أن تنقل إلى (الآخر) صورة عن الجزائر وعن نسائها بالألوان التي يحب أن يراها؛ لعل أهمها تلك التي تركها عليها وهو يغادرها في نهاية حرب التحرير. إنها ألوان تذكارية تشبه إلى حد ما البطاقة البريدية التي اشتغل على تيمتها صنف من الكتاب في المغرب خاصة. لعل روايتها «بعيدا عن المدينة» (1991) تعد توسيعا لمساحة تلك البطاقة!
ولكن، مهما يكن، فإن تجاربها في الشعر والقصة القصيرة والرواية والإخراج السينمائي هي التي بوأتها هذه المكانة المرموقة التي تحظى بها في الفضاء الفرنكوفوني، فرنسا خاصة.
إن كنت أكن تقديرا لموهبة آسيا جبار الفذة وفرادتها في خياراتها التيماتيكية؛ ما تعلق بشرط المرأة خاصة، فإني، كلما قرأت لغيرها ممن عايشتْهم أو جايليتهم من الكتاب الجزائريين، انطرح علي السؤال: ما الذي حال دون أن تكتب آسيا جبار بشكل مضاد للنموذج الكولونيالي، كما كتب محمد ديب وكاتب ياسين؟ وما الذي جعلها لم «تتورط» صراحة وعلانية في حرب التحرير، كما التزم بذلك مالك حداد وجمال عمراني، مثلا؟
الصوت الغريب
بشير مفتي: (من رواياته «أٍرخبيل الذباب» «شاهد العتمة» «بخور السراب» «خرائط لشهوة الليل» «أشباح المدينة المقتولة»، وصلت رواية «دمية النار» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية)
صراحة على عكس الكتاب الجزائريين باللغة الفرنسية مثل محمد ديب ومالك حداد وكاتب ياسين لم اسمع بها باكرا ولم يكن اسمها يتردد كثيرا في الأواسط الاعلامية والثقافية خاصة المعربة منها..لا أدري لماذا كانت مغيبة ؟ وهل هو تغييب إرادي من الكاتبة نفسها أم تغييب قسري من المؤسسة الثقافية والسياسية التي ربما كانت على تعارض معها..لم نكن نقرأ معها حوارات في الصحف والمجلات كما كان الحال مع مختلف الكتاب الآخرين ولو من حين لآخر، ولم تكن تثير زوابع سياسية أو تقوم بتصريحات نارية مثلما كان الشأن مع كتاب من نوع ياسين أو مولود معمري..كانت بعيدة عن مجالات الاعلام والنجومية والشهرة وكان من الصعب أن تلفت انتباهنا ونحن شباب نقبل على القراءة الروائية لمن نشعر أنهم أكثر ثورية وتمردا على واقعنا البائس..أذكر فقط أنه في نهاية الثمانينيات شاهدت بعض كتبها في مكتبة وهي رواياتها الأول أظن «العطش، أطفال العالم الجديد..» المنشورين في سلسلة 10-18 الفرنسية ولا أخفيك لم تثرني لدرجة أن اشتري تلك الروايات فلم يكن عندي أي خلفية أدبية عن كتابتها وطريقة إبداعها .. والغريب أن الكثير من الاسماء الروائية التي جاءت بعدها بعقود اثارت اهتمامنا أكثر مثل مليكة مقدم وحتى نينا بوراوي مؤخرا حيث ترجمت لهما عدة أعمال بالعربية أما آسيا جبار فظلت كأنها الصوت الغريب عن أدبنا نسمع به من بعيد لبعيد ونادرا ما نقترب منه.
خاتمة الكتاب الكبار
أحمد حمدي: (من مؤلفاته: انفجارات (شعر) تحرير ما لا يحرر (شعر) «حومة الطليان» (رواية) وغيرها
لا شك ان آسيا جبار من أوائل الجزائريات اللواتي اقتحمن عالم الكتابة باللغة الفرنسية وبالذات الرواية، في فترة زمنية تتميز بثورة عظيمة ومخاض اجتماعي كبير، لقد كانت خاتمة لكوكبة من اعظم الكتاب الجزائريين من محمد ديب وكاتب ياسين ومولود فرعون ومالك حداد وجان سيناك، ظهرت أيضاً في فترة كان الادب الفرنسي يعرف فيها تزاحم كاتبات من عيار سيمون دو بوفوار وفرانسواز ساغان.
محمد مفلاح: (من رواياته: الانفجار، هموم الزمن القلاقي، بيت الحمراء، خيرة والجبال، عائلة من فخار، الوساوس الغريبة، شعلة المايدة وله دراسات وأبحاث في الثقافة الشعبية)
آسيا جبار روائية جزائرية شهيرة تكتب بالفرنسية ولا أحد يشك في موهبتها وتميزها، وهي أيضا شاعرة وقاصة ومخرجة سينيمائية، ومناضلة من أجل حرية المرأة، وقد أنجزت أعمالا عن الموروث الثقافي لمنطقة شنوة الأمازيغية بولاية تيبازة (الجزائر)، كما كتبت عن بعض الأحداث التاريخية. وبالنسبة إليّ وبكل صدق، فإن مكانتها الروائية -وهذا ما يهمني في كتاباتها المتنوعة- أجدها ضعيفة جدا في ذاكرتي وتجربتي، وهذا مقارنة بالروائيين الجزائريين الآخرين وهم محمد ديب، وكاتب ياسين، ومولود معمري، ومولود فرعون الذين ربطتني بهم كتاباتهم الإبداعية. أما روايات آسيا جبار الأخيرة فهي من النصوص التي تتداخل فيها الأجناس الأديبة، ورغم ذلك تصر المؤلفة على وصفها بالرواية.
لزهري لبتر: (شاعر باللغة الفرنسية من مؤلفاته: نوفمبر حبي (شعر) ياسمينة أو الحجرات السبع لعقد حبي (شعر) العودة إلى الأغواط، ألف عام بعد بني هلال (قصة) بانوراما الشريط المرسوم في الجزائر 1969-2009 (دراسة) ومؤلفات أخرى)
آسيا جبار هي الكاتبة الأكثر إنتاجا والأكثر شجاعة في وسط الكاتبات الجزائريات، هي الوحيدة التي استطاعت أن تحقق لها مكانة عالمية من خلال كتاباتها المتميزة، وهو ما منحها مكانة واعتبارا وتقديرا أدبيا فاق وتجاوز الحدود الجزائرية. إنها في الأدب، وفي الرواية بشكل خاص المعادل الأنثوي لمحمد ديب، إنها تماما مثله فهما المرشحان لجائزة نوبل٫
مخلوف عامر: (من مؤلفاته النقدية : « مظاهر التجديد في القصة الجزائرية»، «الرواية والتحولات في الجزائر»، توظيف التراث في الرواية الجزائرية»، «الكتابة لحظة حياة»، وآخر ما صدر له كتاب: «الدولة الإسلامية: واقع تاريخي أم نموذج وهمي» عن دار العين 2013):
تعني لي «آسيا جبار» نموذج المرأة المقاوِمة التي اكتوت بنار حرب التحرير كسائر الجزائريين واستطاعت أن تفتكَّ الفرنسية كـ(غنيمة حرب) لتؤسس لوجودها ولتقدم للآخر صورة عن أمَّتها، وعن التراث عامة، بغض النظر عن طبيعة قراءتها لوضعنا وللتاريخ، وأن تثبت عملياً أن الأدب لا فرق فيه بين الذكورة والأنوثة، إنما هو أدب أو ليس أدباً، جيد أو رديء.
إبراهيم تازغارت كاتب باللغة الأمازيغية (من مؤلفاته الروائية بالأمازيغية رواية «سلاس ونوجة» وهي أول رواية بالأمازيغية تترجم إلى العربية)..
المرأة في بلادي رغم جمالها وذكاء قلبها بقيت لوقت طويل حاملة على أكتافها هموم الوطن وأماله من دون ان يجعل لها المجتمع مكانة كاملة تليق بها. آسيا جبار تحدت النظرة التقليدية الى المرأة وتجاوزت الشفوية التي امتازت بها هذه الاخيرة في نقل الموروث الثقافي لتفرض نفسها بين أهم مبدعات هذا العصر. انها مثل في التحدي والامتياز.
محمد ساري: (من مؤلفاته في الرواية السعير، البطاقة السحرية، المتاهة، القلاع المتآكلة …. ومن مترجماته عناوين من روايات محمد ديب وياسمينة خضرا وأنور بن مالك وبوعلام صنصال)
آسيا جبار هي أولا كاتبة من مدينتي، أعرف عنها وعن أهلها الكثير، وقد بدأت قراءة رواياتها الأولى خاصة أطفال العالم الجديد والنوارس الساذجة وأنا في المتوسطة، لذلك تكتسي مكانة أدبية وعاطفية لديّ، ذلك أنها تتحدث عن أمكنة لي معها ذكريات طفولية جميلة خاصة جبل شنوة وسكانها الريفيون الطيبون ونساؤها المضيافات التي وصفتهن في فيلمها أناشيد نساء شنوة.
حبيب مونسي: (من مؤلفاته في الرواية العين الثالثة، جلالة الأب الأعظم، متاهة الدوائر المغلقة ومن كتبه في النقد: فعل القراءة : النشأة والتحول، نظريات القراءة في النقد المعاصر)
تمثل آسيا جبار «القلم النسائي» الذي شق طريق الكتابة السردية مبكرا، حاملا في أسلوبه وفكره ثنائية «الداخل والخارج» بكل أبعادها الذاتية، والاجتماعية، والسياسية، والحضارية. فقد كانت ابنة معلم في المدرسة الفرنسية، يؤمن إيمانا «مثاليا» بالمبادئ التي استقاها من الثورة الفرنسية، ومن شعاراتها وادابها، وانفتح على المشروع الغربي العلماني بكل آماله وتطلعاته، كما آمن بالدور التكويني الذي تلعبه المدرسة اللائكية التي تحددت معالمها في فرنسا ابتداء من مطلع القرن العشرين. كانت آسيا جبار، تلك الفتاة التي وجدت في مكتبة أبيها ما يفتح شهيتها للإطلاع على الغرب من خلال نصوصه السردية، وولوج صالوناته ومجتمعاته من خلال المخيال المجنح لفتاة في مقتبل العمر، تعيش شرخ «الداخل والخارج» في عودتها يوميا من المدرسة إلى أعراف المجتمع المستعمَر، وإلى حضن الأسرة التي تحاول أن تحافظ على عربيتها وانتمائها التاريخي. إنها تحس بذلك الفارق الحضاري الذي يبعدها عن عالمها المتخيل، الذي تنسج حضوره مما تقرأ وتفكر فيه، ومما تراه من مظاهر البؤس والحرمان والتخلف والأمية.. فكان من الطبيعي أن تحمل كتاباتها ذلك الألم الذي يسري في لوحاتها الوصفية التي تقدمها عن المجتمع الجزائري المحلي، محاولة مناقشة أسباب التخلف، والرجعية، والانكسار، من وجهتها التي أنشأتها من مثال تصبو إليه، ومن واقع تحاول التنصل منه. لذلك كانت كتابة آسيا جبار قريبة من تيار البوفارية الذي يقف عند الجزئيات الدقيقة من المشهد السردي، وتقليب الحوادث من زوايا مختلفة.. تلك التقنية التي ألفناها من قبل في أسلوب «محمد ديب» في الثلاثية، قبل أن يلج عالما فكريا وسرديا مغايرا كل المغايرة، نظرا لانتقاله إلى بيئة أخرى، ربما حتمت عليه ذلك اللون وتلك الرؤية. فقد كتبت آسيا جبار عن المرأة الجزائرية ونعتتها بـ «القبرات البليدة» «les alouettes naïves» إشارة إلى سكونها وطواعيتها واستسلامها لقضاء مفروض عليها قهرا.. فكانت هذه «العتبة» بمفردها شارة على التوجه المبكر في فكر آسيا جبار وفي رؤيتها للواقع النسائي الجزائري. فلم تكن دعوتها دعوة نسوية «féministe» بمعنى التنكر والتنصل من الجذر الجزائري والعرف، وإنما كانت دعوة إصلاحية بكل بساطة، وجدت في قلم آسيا جبار مجالا للانتشار. عملت آسية جبار على صقل أسلوبها السردي، وحبك عبارتها الأدبية، فارتقت بها إلى مصاف الأدباء الذين يحفظون للحرف الفرنسي نبالته وإشراقته، ويجددون فيه عبارته ولغته، وكأنهم أمناء الأمة على لغتها وجمال حرفها. ومن ذلك نالت شرف الأوسمة والشارات التي تزين صدرها اليوم. وإننا حين نقرأ كتابتها نتحسس ذلك التأنق البهي في اختيار اللفظ، وتلك الرشاقة الأرستقراطية في سبك العبارة، وذلك الفضاء المشرق الذي يسبح فيه الخيال. فقد استطاعت أن تستجمع في لغتها جماليات كثيرة من الفلوبيرية إلى البروستية مع مزيج من شعرية مالارميه يتخلل الجمل القصيرة ويوقعها.
يوسف مراحي: والأمين العام السابق للمحافظة السامية للغة الأمازيغية، هو شاعر وروائي وإعلامي يكتب بالفرنسية وبالأمازيغية (من مؤلفاته بالفرنسية: «الحابل بالنابل» (رواية 2010)، وهران على سلم 31 (شعر) مذكرات قبائلي، والظل يغتال الضوء ( شعر) وغيرها٫
إن آسيا جبار تنتمي إلى جيل كتاب حرب التحرير الجزائرية، باعتبار أن أول رواية لها وهي «العطش» صدرت العام 1957 في منشورات جوليار بباريس. هذا النص الأول يدور حول الجسد والحميميات الأنثوية، وهو ما سيوجه لاحقا كتابات آسيا جبار ويتحكم فيها. ومع أنها كانت تكتب في ظل الحرب، في ظل واقع تاريخي هادر، إلا أن رواياتها الأولى لم تكتب هذا الواقع العنيف، وخطابها الأدبي ظل بعيدا عن الأسلوب الانتقامي. وظلت وفية لموضوع تحرر المرأة منذ بداياتها الأولى مرورا بكل رواياتها وصولا إلى أفلامها.
تقبض على أثرها بالكتابة
ذهبية عمور: (كاتبة وباحثة في الثقافة الشعبية وفي علم المكتبات في فرنسا)
بالنسبة لآسيا جبار، الكتابة وجود أنطولوجي، لو أنها لم تكتب ما كان أن يكون لها وجود. الكتابة هي الأثر الوحيد الذي تريد أن تقبض عليه قبل أن يتلاشى، من أعمالها التي أثرت في والتي أقترحها للقراءة، إنها رواية « واسع هو السجن»، حيث تستعيد ومن الصفحة الأولى عبارة كانت قد غنتها الكاتبة طاووي عمروش، كاتبة أخرى من تبر خاص، تستند آسيا جبار في كتاباتها الإبداعية على تخصصها الأول وأعني به «التاريخ». تحاول آسيا جبار أن تحتفل بالتاريخ في نصوصها كي تثمرها وتغرقها في الواقع. إنها بافعل أديبة أركيولوجية المعرفة. حتى تتحرر من أي حصار، تحاور آسيا جبار كثيرا من الثقافات خلاقة حوارات بينها. إنها تسكن التاريخ كي تسكنه مراتب الكلام .
يوسف وغليسي: (من دواوينه الشعرية: «أوجاع صفصافة في مواسم الإعصار»، «تغريبة جعفر الطيار» من كتبه النقدية : «الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض – بحث في المنهج وإشكالياته»، «النقد الجزائري المعاصر من اللانسونية إلى الألسنية»، «التحليل الموضوعاتي للخطاب الشعري» ودراسات أخرى)
آسيا جبار في تقديري هي عنوان من عناوين أدب إشكالي الهوية، جزائري الروح.. فرنسي اللسان، أدب منفيٌّ في لغة الآخر، هو أدب المنفى أو أدب اللجوء اللغوي (على غرار اللجوء السياسي)، أدب هاجر إلى لغة المستعمر واغترب فيها وظل يحنّ إلى لغته الأم، رواده آمنوا بأنّ الفرنسية هي منفاهم اللغوي، وأنّها «غنيمة حرب» و«وسيلة تعبير» لا غير.
لأنّ اللغة جزء لا يتجزأ من الهوية، فإنّ هذا الأدب يظلّ مضطرب الهوية، لأنّ الأدب ينتسب إلى لغته. ولنا أسوة في الأدب الشعوبي القديم (لدى بشار بن برد وعصبته) الذي نسبناه إلى أدبنا العربي رغم أنّه ترعرع في كثقافة إسلامية مضادة لمحتواه. آسيا جبار أيضا هي إحدى مؤسّسات الكتابة النسوية في الجزائر.
محمد داود: مدير وحدة البحث في «الثقافة، الاتصال، اللغات، الآداب والفنون» (من مؤلفاته: الرواية الجديدة: بنياتها وتحولاتها 2014):
الروائية آسيا جبار هي من أهم الأقلام النسوية بالجزائر وفي العالم العربي والعالم، كانت مناضلة بالقلم من أجل رفع قيمة المرأة وتمكينها من حقوقها وفي الاطار أظن أنها قدمت الكثير وأسهمت في نشر الوعي الثقافي بقضايا المرأة.
أحمد دلباني (من مؤلفاته: «قداس السقوط: كتابات ومراجعات على هامش الربيع العربي» «السمفونية التي لم تكتمل: في أركيولوجيا الانتكاس وانفجار الأصوليات» وغيرها)
أعتقدُ، كغيري من المثقفين والكتاب الجزائريين بالطبع، أن آسيا جبار اسمٌ استثنائي وإشكالي في المشهد الثقافي الجزائري والمتوسطي معا. إنها مبدعة، باعتبارها روائية وسينمائية، حاولت طرح قضايا الوعي الوطني الممزق بفعل ترسبات الوجود الكولونيالي، كما حاولت تناول قضايا المرأة المطمورة تحت تعاليم الشوفينية الهوياتية الضيقة التي مارسها النظام الذي استلم مقاليد الحكم بعد حرب التحرير الجزائرية. هذا ما يجعل منها شاهدة على شروخ الهوية وانكسارات التاريخ ووجه الذات الضائع الممزق تحت سنابك اللحظة التي فقدت التجانس. يتجلى هذا في حياتها وأدبها وخياراتها على مستوى اللغة والإبداع والتفكير. لقد اختارت «أن تسكن لغتنا بصورة رائعة» كما يُعبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك وهو يحتفي بها بعد دخولها الأكاديمية الفرنسية. من هنا نفهمُ كونها في قلب الجدل الذي يتناول هوية الكاتب الثقافية بعامة.
جمال معطي: (من مؤلفاته بالفرنسية: سيبيركافي (رواية) حامض-حلو (رواية، كأنما الجنوب (رواية 2007)
لدى آسيا جبار هناك حاجة ملحة للكتابة أو بالأحرى للانكتاب، ومن خلال هذا الفعل ما بين الداخلي الذاتي والخارجي، إنها تنفتح على الآخر وعلى نفسها، كل هذا شعرت به وأنا أقرأ روايتها «الحب، الفانتازيا» وأيضا «نساء الجزائر في شققهن». من خلال القراءة نشعر بذلك الالتحام والتماهي ما بين الماضي والحاضر، انهما في حالة من التجاذب أو التدافع، إنه ممر تاريخي ما بين الجزائر وفرنسا، ولا تفوتنا ونحن نقرأ الرواية الاستماع بدهشة إلى أصوات النساء بهويات متعددة اللواتي يتحدثن عن حياتهن كما نتحدث عن فاكهة استوائية، تتحدث برغبة، بحشمة ولكن بشجاعة!
سعيد بوطاجين: (صدرت له أخيرا ترجمة رواية «نجمة» لكاتب ياسين إلى العربية 2013، كما ترجم «الانطباع الأخير «لمالك حداد، من مؤلفاته أيضا أحذيتي وجواربي وأنتم وغيرها..(
آسيا جبار كاتبة محترمة لها عدة اهتمامات فنية، وقد كانت حاضرة في الرواية والمسرح والشعر، ثم في الأفلام الوثائقية، إضافة إلى تأثيرها اللافت في المشهد الثقافي، الجزائري أوَلا، ثم الفرنسي والعالمي من خلال نقل كتاباتها إلى لغات عالمية، إضافة إلى تواجدها في الجامعات المعروفة كأستاذة لها تجربة كبيرة بدأتها في الجزائر، إلى أن وصلت إلى الولايات المتحدة، وهي فائزة بجائزة السلام، إضافة إلى قيام هيئات بترشيحها لجائزة نوبل. إن شخصية كهذه تستحق الثناء، بصرف النظر عن مواقف بعضهم. إلاَ أنها ستظل، دون شك، إحدى القامات الأدبية المغاربية والعربية.
منشغلة بالهم الانساني
فيصل الأحمر (من مؤلفاته: «كتاب الرؤى» (شعر) و«ساعة حرب، ساعة حب» (رواية) 2013(
تقف آسيا جبار على حواف مجموعة من القيم الرمزية تجعلها تشكل حالة أدبية و«ثقافية» خاصة، ليس في الأدب الجزائري – كما يروج- ولا في الأدب الفرنسي – كما هو متوقع- بل في الأدب العالمي بصفة شاملة…
لقد شغل خروج امرأة العالم الثالث من دائرة المطالبة بالحريات البسيطة أو دائرة الجدل والمحاجاة لأجل فرض الوجود اجتماعيا ككائن معترف به يجاور الرجل، صوب التواجد كذات معترف بها موجودة في ذاتها ولأجل ذاتها – لا تعرف من خلال «آخرية» الرجل، شغلت هذه المسيرة زمنا كبيرا، نلاحظ آسيا جبار تختزله ببراعة كبيرة آتية بما تستطعه الأوائل…وذلك من خلال كتابة ذات طابع فلسفي تأملي، مشبع بالهم الإنساني وبالوقوف في وجه التهميش عموما مثلما كان شكله وأيا ما كان لبوسه،…فالمرأة من زاوية نظر آسيا جبار هي «كائن» نبيل منشغل بالهم الإنساني يفكر من زاوية الإنساني، وليست «رجلا مصابا بنقيصة الأنوثة» يجاهد لأجل إثبات وجوده في عالم هو ليس عالمه بالدرجة الأولى.
اليامين بن تومي: (من مؤلفاته: «مرجعيات القراءة والتأويل عند نصر حامد أبو زيد»، «فلسفة السرد: إشراف وتقديم» «في سؤال العلمانية – كتاب مشترك»، «من قتل هذه الابتسامة» (رواية) وكتب أخرى(
آسيا جبار هي ما يمكن أن نصف بالعلامة التأسيسية للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية،أقامت داخل اللسان الفرنسي لتتجاوز مآزق الهوية التي صادرت المرأة وجعلتها صوتا مبحوحا خارج الإرادة،فداخل البوح اللغوي تمكنت «آسيا جبار» من تأسيس جبروت رمزي ومخيالي لشذرات من السيرة المنسية لتدفع بخطاب الأنثى والأمومة نحو التعالي، وهي ترسم في جدارية تيهنا الوطني من خلال تجميع وحدات بنيوية ورمزية للهوية لكن داخل منفي قسري تاريخي وبنيوي، هذا الأخير الذي أنهك الذات وجعلها متورمة على أسطح العلامة اللغوية
عبدالرحمن مزيان: (ترجم من الفرنسية إلى العربية بعض روايات رشيد بوجدرة و«الخنوع» و«الغزوة» لأمين الزاوي وغيرها)
شكرا أ. د أمين زاوي على هذه الاستضافة الثلاثية: استضافتي واستضافة آسيا جبار والأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية. دعني في البدء استشهد باعتراف شاعر أرجنتيني الذي ترجمت إلى العربية ديوانه «أنا أيضا» حيث يقول بخصوص الأدب الجزائري: «إلى الجزائر. أجدها في صدى لغتي الأم وفي أعماق بلدي، في جنوب الأرجنتين. الجزائر والأرجنتين يتقاسمان رنين الفضة، بالتأكيد، أشياء أخرى أكثر جذابة أيضا. جراح التاريخ ولنا وهران وكرة القدم… إلى غايات الأدب الجزائري الذي نوع عالمي.» كارلوس ألفارادو.
في البداية أشير إلى أن الحديث عن آسيا جبار هو حديث عن مسيرة أدبية إبداعية، بدأت منذ سنة 1957 إلى اليوم. إنها مهمة زمنيا. دون أن ننسى طبيعة هذه المسيرة الأدبية التي تراوحت وتنوعت بين الإبداع الروائي والمسرحي والشعري والسينما وباللغة الفرنسية. هذا المشهد الإبداعي يوحي لأول وهلة بثرائه وتنوعه وإشكالية الكتابة باللغة الفرنسية.
آسيا جبار بالنسبة إلى حالة خاصة جدا بالمفهوم الإيجابي إذا ما علمنا أنها أول عربية وأول مسلمة تدخل المدرسة. هذا في حد ذاته تحد. كما أنها فرضت نفسها في وقت الاستعمار الفرنسي. بل أنها تجاوزت هذا إلى الإبداع. كما أنها فرضت نفسها كأنثى في مجتمع رجولي. آسيا جبار أعتبرها من بين مؤسسي الجامعة الجزائرية، لأنها درست بها. كما أنها عنصرا مهما في تأسيس الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية وأعتبرها من الرواد إلى جانب جون موهوب عمروش ومحمد ولد الشيخ وكاتب ياسين…
غائبة عن المشهد الجزائري
رابح خدوسي: (من مؤلفاته الأخيرة: موسوعة العلماء والأدباء الجزائريون، انطباعات عائد من مدن الجمال ونصوص أخرى)
شهادة المبدع حول نظيره تأتي أحيانا بلا طعم لأنها لا تخلو من المجاملة وأحيانا الأحكام الجاهزة، وبالتالي تتأكد أهمية رأى الدارس المخبري كرأي مؤسس يتضمن شرعية النقد وممارسته. وحتى الملتقى القرائي للنص على عفويته في التحليل الانطباعي وفي الموقف الشخصي لا يختلف اثنان على أن آسيا جبار كاتبة جزائرية معروفة بغزارة وتنوع وانتشار إنتاجها الأدبي عالميا. . كما هي معروفة بمسارها المهني في الجامعة والصحافة والإخراج السينمائي وبكتاباتها عن المرأة والمشاكل اليومية سيما خلال فترة الاحتلال وهذا ما تتضمنه روايتها (الحب والفانتازيا)
في أيامنا هذه اسم آسيا جبار خارج الوجدان الجزائري، نعم قد تحتفظ لها الذاكرة والمكتبة بنصوصها كأي أديب لكن انفصالها عن المجتمع الجزائري حضورا وإعلاما جعلها خارج الزمان والمكان الجزائريين، انها غائبة عن المشهد الجزائري، فاسمها يذكر فقط شهر اكتوبر أثناء التكهنات بأسماء المرشحين لجائزة نوبل.
ملامح الكتابة العالمية في سردياتها
أحمد عبد الكريم: (من مؤلفاته : «معراج السنونو» (شعر) و«عتبات المتاهة» «رواية» و«اللون في القرآن والشعر» وغيرها…(
آسيا جبار هي علم من أعلام الرواية العالمية، لا يختلف اثنان في أنها علامة لافتة في مسار الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية على الأقل، استطاعت أن تكتسب هذه المكانة بقوة الإبداع والحفر عميقا في المواضيع والهواجس التي اشتغلت عليها طوال مسيرتها الإبداعية التي امتدت لعقود من الزمن .
سمير قسيمي: (من رواياته: هلابيل، في عشق امرأة عاقر، الحالم، صدرت له مؤخرا رواية «حب في خريف مائل» 2014(.
لم أجد لحد الآن تفسيرا واضحا لغياب «آسيا جبار» في النصوص النسائية في الجزائر وحتى في الوطن العربي.، رغم أنها بالنسبة لي قد تكون أفضل ممثل للأدب النسوي وأحسن من خاض فيه. إنك حين تقرأ «امرأة دون قبر» أو «الحب والفانتازيا» تدرك أنك أمام هرم سردي تخلى عن جنسه-ذكر او أنثى- ولكن في نفس الوقت يحاصرك الحس الأنثوي الذي لا تجعله آسيا جبار كتيمة في كتاباتها بل كقضية تتحسسها بين السطور، وهو ما تختلف فيه عن كل الكاتبات العربيات بدون استثناء حتى اللواتي يرفعن شعار الأدب النسوي. فالكتابة بالنسبة لآسيا جبار التي للأسف لم أقرأ لها إلا «امرأة دون قبر» و»الحب والفنتازيا» تتعدى قضية المرأة والوطن إلى الانسان والبشرية. حقيقة ترتكز على الجزائر وتاريخها وملامح شخصياتها جزائرية بشكل عام إلا أن ارتكازها لا يعدو أن يكون إلا مركز دائرة بقطر غير محدود.. في هذا تظهر ملامح الكتابة العالمية في سردياتها، وهي نفس الملامح مع الفارق بالطبع التي تستشعرها في كتابات محمد ديب، مركزا على جملة «مع الفارق». ملامح كتابة جعلتها تترجم لمعظم لغات العالم باستثناء-وللمفارقة المضحكة المبكية- اللغة العربية، لغة وطنها الجزائر…
ماذا بقي من آسيا جبار، ما هي أهم رواياتها الأكثر تأثيرا في الكتّاب وفي الكتابة وفي القراء؟
محمد مفلاح: أرى أن الأديبة آسيا جبار لم تشتغل كثيرا على معنى الكتابة، كما هو الأمر بالنسبة للكاتبة والمخرجة السينيمائية الفرنسية «ماغريت دوراس» مثلا. وقد بحثتُ من خلال قراءاتي القديمة لأعمال آسيا جبار أو لنقول حول أدبها فكانت كلها حول موضوعات المرأة والتراث الثقافي ومعضلة اللغة في الجزائر، وفي أغلب الأحيان كانت تقدم أعمالها بنظرة تاريخية وانترولوجية.
وأنا صراحة، لم أجد لإبداعها الأدبي أي تأثير في تجربتي الكتابية، وحتى رواياتها «العطش» و«أطفال العالم الجديد» و«القبرات الساذجة» التي قرأتها في السبعينيات من القرن الماضي فقد انمحت جل أحداثها من ذاكرتي ولم يبق منها إلا أسماء غامضة (نادية، ونفيسة الخ). أما كتاباتها الأخيرة ومنها «بعيدا عن المدينة»، و«الحب.. الفنتازيا» و«وهران.. لغة ميتة»، فلم استطع الانتهاء من مطالعتها. وقد يعود سبب ذلك لعلاقتي الودية بأدب الروائيين الجزائريين الذين يشتغلون على موضوعات لها علاقة بالذات المبدعة والواقع الجزائري المعيش بكل تناقضاته.
والمتتبع لنشاط الأديبة آسيا جبار يشعر بأنها ترغب بالدرجة الأولى في تمرير خطاب نحو الآخر وبنفس الرؤية ذات المسحة التاريخية، ويبدو ذلك جليا منذ الصفحات الأولى من كتاباتها التي تستند فيها إلى المراجع والمصادر (لوحات «ديلاكروا» في قصص «نساء الجزائر في شقتهن»، وكتب التراث والتاريخ في «بعيدا عن المدينة».. وكتابات وأبحاث «المجلة الأفريقية» عن المقاومة ومحارق الظهرة في مشاهد «الحب.. الفرنتازيا»). كم تمنيت لو استغلت مبدعتنا آسيا جبار دراستها للتاريخ واشتغالها على التراث لإنجاز روايات تاريخية نابضة بروح بلادها. وقد تفرجت مؤخرا على فيلمها الوثائقي «زردة وأغاني النسيان» فوجدته عبارة عن مجموعة من صور الأرشيف عن تراث ومقاومات المغرب العربي. وأعتقد إن ايمانها بالـ»هوايات» أفقدها هويتها المميزة فوجدت نفسها في فضاء الآخر فقط.
قد تكون رواية «القبرات الساذجة» التي تطرقت فيها الكاتبة آسيا جبار إلى هموم جيل ضائع في عالم موزع بين حضارتين، ومن شخوص الرواية أتذكر اسم «نفيسة» رمز الفتاة المتحررة والتي ظلت في الوقت نفسه تقدس التقاليد العريقة.
الصفة التاريخية لأعمالها
يوسف مراحي: ما يشدني فعلا وبقوة إلى كتابات آسيا جبار هو طريقة طرحها لتلك الحشمة التي تصبغها على صور المرأة في شخوصها رواياتها، وكذا الصراحة الكاملة التي من خلالها تعرض حركات المرأة وسلوكاتها. لقد عرفت آسيا جبار كيف تموقع المرأة في ظل مجتمع ذكوري، حيث هيمنة الرجل هيمنة مطلقة. لقد قاربت بشكل متميز الثنائية رجل / امرأة في الجزائر، وهي الإشكالية الأكثر حضورا في كتاباتها.
ولكن لا يوجد فقط هذا الموضوع، يل إنها طرحت إلى جانب ذلك كثيرا من الإشكاليات الأخرى كالهوية ومسألة اللغة، وبشجاعة أيضا تحملت انتماءها للفرنكوفونية، كما أنها توقفت كثيرا عند الدور الذي على الكاتب أن يلعبه في مجتمعه وفي العالم.
سمية محنش: (شاعرة من الجيل الجديد من دواوينها «مسقط قلبي»).
من كل أعمالها أحببت فيلمها «الوليمة أو أغاني النسيان».
عندما نعود بذاكرتنا إلى فيلم شاهدناه أو كتاب قرأناه فيما مضى، يحدث أن تسترجع الذاكرة انفعالاتها فتعيش الماضي مجددا في صورة حية للحاضر، وهو ما يحدث مع العديد من أعمال آسيا جبار، فالحديث عن آسيا جبار يأخذني إلى «ليالي ستراسبورغ»، و«امرأة لم تدفن»، ولا يبعدني «عن الزردة أو أغاني النسيان»، غير أنه يقربني جدا من «نوبة نساء جبل شنوة «، ربما لأن فاطمة الزهراء إمالاين التي رسخت في ذهني صورة أولئك النسوة وهن يرقصن على أنغام النوبة الممتزجة بالغناء والبندير أكثر من أية مشاهد أخرى من روايتيها سالفتي الذكر أو فيلمها الآخر، تكون ابنة ذلك الجبل،الذي اتخذت منه مغارة لحرية المرأة وطريقا لتحررها في هذ الفيلم، ولعلها نقلت إلى الكثيرين دون أن تدري صفات بطلتها وهي تصافح اخيرا ذاتها وتعود بعد قطيعة إلى منبتها وتاريخ أهلها ومنطقتها. إن أكثر ما أحببته في هذا الفيلم، هو إصرار كاتبته على إخراجه من الورق إلى عمل سينمائي رغم مرور 20 سنة على كتابته قبل 36 سنة من الآن، ناهيك على أنه صور جانبا من حرب التحرير الوطني، وبين دور المرأة فيها، دون أن يغفل التاريخ الجماعي الذي جسدته في مشاهد الجدات وحولهن حلقات الأطفال وهم يستمعون لقصصهن وحكايتهن . أحببت في ذلك الفيلم أيضا التزاوج بين الأدب المكتوب والأدب الشفوي كما عبرت عنه آسيا جبار، إلى جانب الأثر الجميل الذي تركته النسوة من خلال مختلف وظائفهن في ذلك الفيلم الذي سيبقى شاهدا على سعي المبدع لإخراج كائناته الورقية والحبرية إلى كائنات حية من لحم ودم، كتابة وإخراجا.
بن ساعد قلولي: من مؤلفاته «استراتيجيات القراءة/ المتخيل وهوية الاختلاف في الإبداع والنقد»:
لم أقرأ للروائية آسيا جبار بتاتا وهذا القصور يعود إلى أن أعمالها لا وجود لها في سوق الكتاب الجزائري، وكل ما قرأته فقط بعض المقالات النقدية التي كتبت عن بعض أعمالها .
لا أدري كيف لم أتمكن من الاقتراب من العوالم الإبداعية للروائية آسيا جبار رغم أني قرأت أغلب النصوص التأسيسية الأولى لمجايليها (ديب – كاتب ياسين- مالك حداد الذين شكلت منجزاتهم الروائية النواة الأولى لميلاد وتشكل رواية جزائرية انبثقت من أتون العنف الثوري الجزائري كمعطى ابداعي شديد الخصوصية والتمسك بقيم التحرر من الاستعباد والظلم الذي كان سائدا في ذلك الزمن. ولسوء حظي أني لم أصادف في رحلتي مع القراءة والانغماس في دائرة المتخيل الإبداعي أي عمل لآسيا جبار وهي الروائية البعيدة عن الأضواء نظرا الإبداعية تكاد تكون منعدمة الحضور في فضائنا الاجتماعي والثقافي رغم دبيب حركة النشر في السنوات الأخيرة باتجاه التراكم والانفتاح النسبي وزوال فعل الرقابة السياسية على بعض الأعمال الإبداعية نسبيا ولا أدري لماذا لحد الآن لايزال هذا الصوت الروائي محور تداول محدود جدا لدى بعض الكتاب من الذين يتخذون من اللغة الفرنسية وسيلتهم التعبيرية وواسطة تواصلهم مع قراءهم ولم تمتد يد الترجمة الأدبية لآثارها الإبداعية فهي غير مقروءة كما نعلم جميعا لدى القارئ المعرب والأجيال الجديدة رغم توفرنا على مترجمين أكفاء في حقل السرد العربي من الذين أخلصوا لمسألة «عودة النص» وقدموا ترجمات مهمة ونوعية لأصوات روائية جزائرية من مختلف الأجيال والحساسيات الإيديولوجية والفنية على غرار محمد ساري والسعيد بوطاجين وأمين الزاوي وأحمد منور وغيرهم فمتى نرى ذلك أتمناه أن يكون قريبا جدا فمن الإجحاف حقا أن يظل هسيس هذا الصوت الروائي النسوي بعيدا جدا عن مخيال المثقف الجزائري المعرب وغير مطروح للتداول الإعلامي والنقدي
ليلى حموتان: «بعيدا عن المدينة المنورة» يعد الكتاب الذي أثر في بشكل واضح، فهذا الكتاب صبغ كثيرا من الإنسانية على النساء اللواتي كن في محيط الرسول (ص). يمكنني أن أضيف إلى أن روايتها «الحب، الفانتازيا» هي بحق نشيد الجزائر.
بشير مفتي: لم أقرأ آسيا جبار في البدايات وبالتالي لا أشعر أنها اثرت في رواياتي وهي تنتمي لعالم كتابة يختلف عن حساسيتي نوعا ما، فهي تهتم كثيرا بالتاريخ وبالمرأة ووضعها الاجتماعي والنفسي والحياة الداخلية للمجتمع الجزائري ومن خلاله العربي الإسلامي، وبمنطقتها المميزة حيث استثمرت كثيرا في الموروث الشفوي الشعبي، أما أسلوبها فيميل إلى الاقتصاد اللغوي والتعبير المجازي فتحس أن كل كلمة في مكانها وأن تعبيرها السردي مميز للغاية وله نكهته الخاصة التي لا تحصل إلا لمن اجتهد واشتغل كثيرا على لغته الروائية.
يؤسفني أن أخبرك أنني لم اقرأ لها ولا رواية واحدة رغم أنني منذ سنتين أو ثلاثة اشتريت معظم أعمالها الروائية خاصة الأخيرة وأن الكتاب الوحيد الذي قرأته لها بمتعة وحزن هو «بياض الجزائر» وهو إن لم يكن رواية فهو قريب منها ويتحدث عن جنازة ثلاث كتاب جزائريين حضرت الكاتبة لجنازتهم ومن خلال الجنازة تحكي لنا علاقتها بهم وبالجزائر وبالكتابة وغير ذلك كتاب رائع على كل المستويات.
الحبيب السائح: إننا، حين نقرأ لغيرنا من الكتاب، نكون في حال انتباه دائمة إلى جهدهم في البناء وفي الأسلوب وفي تركيب الجملة ولكن أيضا في حفاظهم على أدبية النص مهما تكن خياراتهم التيماتيكية. من هذه الناحية، لا يمكن لقارئ آسيا جبار إلا أن يقيم معها حوارا حول مفهوم الكتابة؛ خلاصته تفضي بالضرورة إلى مثل هذه النتيجة: إذاً، لا بد من الابتعاد مسافة!
لعل «بعيدا عن المدينة» (Loin de Médine)، في لغتها الأصلية! ـ المقصود بالمدينة، «المدينة المنورة»، ذلك لهذه الجرأة التي اقتربت بها آسيا جبار من عالم المرأة في القرن الهجري الأول (مع وفاة الرسول محمد)، كما لهذا الصبر الجميل النافذ والعنيد على وطء أشواك التاريخ الإسلامي والمشي على بيض المحظور أن لا تنكسر منه واحدة؛ وأخيرا، لهذه المشهدية من صور الحب والعشق، ولاحتفال النص بأسماء نساء عظيمات: إنها موهبة آسيا جبار الفذة في تحويل التاريخي «الثابت» إلى الأدبي المتخيل الذي ينبسط كواقع أخطأه التاريخ.
لا بد أن أذكر، هنا، أن دار نشر جزائرية اتصلت بي لترجمة «بعيدا عن المدينة»؛ وقد بدأتُ فعلا، بعد اتفاق مبدئي. ولكن يبدو أن المشروع قد توقف بسبب إجراءات شراء حقوق الترجمة من دار (Albin Michel) الفرنسية.
المايسة بوطيش (شاعرة باللغة الفرنسية من مؤلفاتها «غن لي يا ريح الشرق» شعر)
واحد من أعمالها الإبداعية التي أثرت فيّ روايتها «امرأة بدون قبر» التي صدرت العام 2002، فيها خلدت آسيا جبار المرأة الجزائرية البطلة في ثورة التحرير. فشخصية زليخة امرأة من شجاع، تترك كل شيء وراءها، تحمل السلاح وتلتحق بالجبل لأجل الدفاع عن استقلال البلد، تستشهد، حيث لا ترجع إلى أبنائها، لم يتمكن الأبناء من العثور على جثمانهالدفنه الدفن الذي يليق بالشهيدات
محمد ساري: صراحة لا. رغم قراءتي المبكرة لرواياتها لم تمثل النموذج الذي حلمت به، ربما لأنني بدأت الكتابة والجو الثقافي يعج بصخب الكتابات الثورية الاشتراكية والاندفاع النقدي القوي، لذلك وجدت ضالتي في كتابات الطاهر وطار ورشيد بوجدرة ومحمد ذيب وكاتب ياسين ونوعا ما مالد حداد. في السبعينيات كانت الأيديولوجيا الاشتراكية وكتابها عبر العالم يشكلون نموذجا لنا نحن الذين كنا نخط سطور إبداعاتنا الأولى. في حقيقة الأمر لم أكتشف قوة سرد وشعرية آسيا جبار إلى مؤخرا، يعني بعد نضج تجربتي الأدبية، وتوغلت في قراءة كتبها حينما عادت إلى الكتابة الروائية بعد انقطاع سنوات مع «الحب الفانتازيا› وبعد ذلك مع بعيدا عن المدينة المنورة وأخيرا «لا مكان في بيت أبي» والتي ترجمها مؤخرا المترجم المرحوم محمد يحياتن.
أروع رواية لها عندي هي بلا أدنى مقارنة «بعيدا عن المدينة المنورة» حيث راحت تحفر في كتب التاريخ العربي الإسلامي ليعيد الحياة لنماذج نسائية لعبن دورا مرموقا، سواء مع الدعوة المحمدية أم ضدها، وشكلت منهن صورا نسائية رائعة من الإقدام والشجاعة ورجاحة الرأي، وكل هذا في وصف سردي وشاعري قل نظيره في الأدب الفرانكوفوني. ويمكن أيضا أن أضيف كتابها الأخير، وهو سيرة حياتها (الطفولة والمراهقة والدراسة) وهي أيضا شهادة حية لمرحلة عصيبة خاصة ما تعلق بتعليم المرأة العربية في العهد الاستعماري، والتقاليد التي تمنع الأهل بتسجيل بناتهم للدراسة خاصة بعد البلوغ. فكانت حياتها صراعا قويا وبفضل تشجيع أبيها المعلم، تمكنت من مواصلة دراستها. فتقرأ الرواية السيرة بشغف كبير، لقوة شعريتها وسرديتها في رصد التفاصيل الصغيرة التي تمنح الحياة للمشاهد المصورة.
عن الحب والفانتازيا
إبراهيم تازاغرت: آسيا جبار كتبت عن المرأة عبر سيرتها الذاتية، كتبت عن اللغات الحب في علاقته باللغات وثقافات لمها التاريخ في فضاء اسمه الجزائر. آسيا جبار هي الكتابة مجسدة في السينما والفيلم الوثائقي الذي أسس لذاكرة أمة مجروحة لكنها مرفوعة الجبين ومتحدية. بدون شك كان لهذه الكاتبة المرموقة تأثير علي كتاباتي كروائي وقاص. كلنا نحمل نفس الهموم والارهاصات. كل حسب زمانه وموقعه من الاحداث.
ما أجمل رواية قرأتها لها هي «الحب والفنتازيا». العنوان في حد ذاته مشروع وتحدي. هذه الرواية كعمل ابداعي هي عمر الانسان في فردوس الطفولة وجنون الشباب وصولا الى هدوء الكبر وغموضه. الولادة الجديدة في ليلة الزفاف لا تعيد أحلاما لم تعرف معنى الهموم. هموم التاريخ وتمزقات الذات في لغة الأم التي لم يبق فيها الى ذلك الحنين الي أغاني الحب العذري هل تعتقد أنها ظلمت من طرف بلادها حيث لم تكرم؟
سمير قسيمي: الكتابة بالنسبة لآسيا جبار التي للأسف لم أقرأ لها إلا «امرأة دون قبر» و«الحب والفنتازيا» تتعدى قضية المرأة والوطن إلى الانسان والبشرية. حقيقة ترتكز على الجزائر وتاريخها وملامح شخصياتها جزائرية بشكل عام إلا أن ارتكازها لا يعدو أن يكون إلا مركز دائرة بقطر غير محدود.. في هذا تظهر ملامح الكتابة العالمية في سردياتها، وهي نفس الملامح مع الفارق بالطبع التي تستشعرها في كتابات محمد ديب، مركزا على جملة «مع الفارق». ملامح كتابة جعلتها تترجم لمعظم لغات العالم باستثناء-وللمفارقة المضحكة المبكية- اللغة العربية، لغة وطنها الجزائر…
أحمد دلباني: قد لا يختلفُ معي الكثير عندما أقول إن آسيا جبار كانت – بين الكتاب الفرانكوفونيين الجزائريين – هي الأقل تأثيرا في الأجيال الأدبية اللاحقة. فهي لم تمتلك سحر كاتب ياسين أو مالك حداد ومحمد ديب. ولكنها ظلت تطل من شرفة بعيدة حاملة قضية الجزائر المتعددة ثقافيا ولغويا بمعزل عن تاريخ التمويه الإيديولوجي الذي حاول حجب فسيفساء الذات الضاربة في عمق التاريخ. كما حاولت أن تعدد من أشكال حضورها الثقافي التعبيري من خلال تجربتها السينمائية كما هو معروف.
سعيد بوطاجين: أتصوَر ذلك، بيد أني لا أستطيع الجزم. آسيا جبار لها قوة سردية كبيرة بفعل الجهد الذي تبذله من رواية إلى أخرى، والمعروف أن لها معجمها وقوة زادها المعرفي وطريقة تعاملها مع الجملة والبناء، إذ عادة ما أثثت كتاباتها بمرجعيات مركبة لقناعاتها بأن النص يظل مفتوحا على التاريخ والفنون والحقول الأخرى. لا يوجد كتَاب كثيرون لهم هذه الرؤية. أتذكر في هذا السياق كتَابا عالميين من نوع نيكوس كازانتزاكي وهنري ميللر وهرمان هيسه وغانتر غراس وغيرهم، لكن ذلك لا ينفي وجود عينات لها التوجه ذاته في الوطن العربي.
قد يكون لآسيا جبار، أو فاطمة الزهراء إيمالاين، وهو اسمها الحقيقي، تأثير من حيث قدرتها على إعادة النظر في الأشكال السردية التي كانت متواترة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهذا أمر مهمَ، بيد أن تأثيرها في الكتابة الجزائرية يظل نسبيا إلى حد كبير، مقارنة بكتَاب آخرين كان لهم حضور تأثير واضحان، ومنهم محمد ديب وكاتب ياسين ومالك حداد ورشيد بوجدرة في الكتابة باللغة الفرنسية، والطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة في المنجز السردي المكتوب بالعربية. وأمَا السبب فيكمن في غيابها عن المشهد الثقافي المحلي، إضافة إلى انحسار توزيع مؤلفاتها بعد استقرارها في باريس في الثمانينيات، وعدم برمجتها في الجامعات إلاَ لماما. أظن أنها كانت أقل حظا، ولا أجد أي تفسير لذلك، ما عدا لا مبالاة المؤسسات الثقافية ودور النشر التي تملك إمكانيات.
من الصعب اختزال كاتبة بحجم آسيا جبار في مؤلَف واحد. ثمَ إن الموقف النقدي قد يرتبط بالتموقع والذوق، وبعدة اعتبارات أخرى لها علاقة بتكوين القارئ، فنيا وجماليا وسياسيا وأيديولوجيا. أضيف إلى أننا نميل في رواية ما إلى جزء دون الآخر، لأن أي منجز هو عبارة عن أجزاء: اللغة، الأسلوب، الصورة، السرد، البناء، الموضوع، الشخصية، المرجعيات، الاستثمار، الموقف. هناك عناوين كثيرة تستحق الاهتمام « لا مكان في بيت أبي»، «زردة، أو أغاني النسيان»، «ظل السلطانة»، «نساء الجزائر»، « شاسع هذا السجن»، «ليالي ستراسبورغ»، «الحب والفنتازيا». قد أميل أحيانا إلى العنوان الأخير لأنه يدين التخريب الذي تعرضت له الجزائر إبان الاستعمار لأن لي منطلقا وخصوصية، لكن الفرنسي سينظر إلى هذه الرواية بعين أخرى لأنها تفضح ممارسات تمَ إخفاؤها تفاديا للمساس بطبيعة المستعمر وحقيقته.
أقف، في أغلب الأحيان، على مسافة من هذه الإبداعات وأنظر إليها من عدة زوايا مستقلة، كقارئ بالدرجة الأولى، ثم كناقد في المقام الثاني. هناك جهد كبير ومستويات، وهذا أساسي، وهناك تجاوز مستمر للتجربة السابقة، وهذا الجانب لا يتوفر إلاَ عند الأشخاص الموهوبين، وعند أولئك الذين يكدون ولا يعتبرون الرواية مجرد حكاية يتمَ تسويقها بأية طريقة. الكتابة بالنسبة لآسيا جبار هي حرفة تتطلب العمل والصبر والمهارة والإتقان.
تسبح في بحار عديدة
أحمد حمدي: لقد اطلعت على أعمالها منذ منتصف الستينات، ابتداء من اول أعمالها العطش La Soif ذات الطابع الرومانتيكي والمعبر عن قلق مصيري حيث يتعزز هذا التوجه مع عملها الثاني( نافذو الصبر Les Impatients ) وبعد استعادة الاستقلال الوطني تنفرج نحو باحات الأمل فتكتب ( أطفال العالم الجديد Les Enfants du Nouveau Monde) والسنونوات الساذجات Les Alouettes Naïves لكن اعتقد ان اعظم أعمالها ( بعيدا على المدينة Loin de Médine ) حيث قامت بمجهود بحثي كبير كرس نظرتها لمشاكل وقضايا المرأة، كما عمق حسها الأنثوي النزعة، وقد انجذبت نحو مسرحيتها (احمرار الفجر Rouge l›aube) التي كتبتها مع زوجها آنذاك وليد قرن والتي لقيت نجاحا معتبرا عند عرضها بمناسبة المهرجان الأفريقي الاول
من الصعب المفاضلة هنا، خاصة وان آسيا جبار تسبح في بحار متعددة وأخرى مفاجئة، لكن اذا تعلق الامر بجمالية النص، فيمكن ان نشير الى ان آسيا جبار تحتفي بالنص الشاعري حتى في رواياتها وقد بدأت تجاربها الكتابية الاولى في مجال الشعر، ويمكن ان أكرر ان رواية ( بعيدا عن المدينة) تعتبر من اهم اعمال الكاتبة.
لزهري لبتر: أنا محظوظ فقد درسّتني آسيا جبار، سنوات السبعينات، مادة الثقافة الشعبية حين كنت أحضر شهادة ليسانس في اللغة الفرنسية في قسم اللغات الأجنبية بجامعة الجزائر. لقد تركت في نفسي ذكرى سيدة جادة ومثقفة عميقة .
لعل أجمل ما قرأت لآسيا جبار في باب الرواية، روايتها «الحب، والفنتازيا» وفي باب القصة نصها «بعيدا عن المدينة المكرمة»، كما أنني أعجبت في مجال السينما بفيلمها « نوبة نساء جبل شنوة» الذي حاز على الجائزة الدولية للنقد في مهرجان فينيس العام 1979 وأثر في أيضا فيلمها «الوليمة أو أناشيد النسيان»
فيصل الأحمر: سأظل أستعيد ما حييت اللذة الكبرى لقراءتي «بعيدا عن المدينة المنورة» وهو الكتاب الذي أدخلني عوالم آسيا جبار منذ عشرين سنة، تلك الكتابة المستعصية على التجنيس، وذات القدرة الكبيرة على تطويع اللغة الفرنسية لاحتواء الصور السلوكية لنساء الجاهلية وصدر الإسلام، وذلك الأسلوب الهادئ والانفجاري في هدوئه الذي يزلزل الأرض بكلمات منتظمة تبدو طيعة سلسة ولكنها تقول تعقيد الحياة وعنتها وعسر التاريخ على الهضم…رغم تعدد قراءاتي فلا زلت تحت سحر «بنات إسماعيل» وقدرتهن على التحدي وعلى إثبات وجود المرأة العربية في عصر يبدو وكأنه فصل على مقاس الرجال فحسب… ولكن قلم آسيا جبار يهدم بناء التاريخ المتهافت ليبني شيئا جديدا.
الدرس الكبير الذي أخذته شخصيا من آسيا جبار هو التعالي بالقلم عن الزمان والمكان، هو التفكير في «الإنسان» كميزة وكزاوية نظر، شخصيا ليست طريقة كتابة آسيا جبار الشعرية المهموسة الهادئة سطحيا والمدججة بالانفجارات الداخلية هي طريقتي، إلا أنني أحببت فيها كثيرا الإصرار على وجود طرح فكري عميق يتخلل كل سطورها ولوحاتها الروائية على امتداد أكثر من نصف قرن…هذا الجانب هو أكثر شيء أخذته منها كمعلمة أهدتني إياها الجزائر، وعمّدني الأدب بحروفها.
عبدالرحمن مزيان: أثرت آسيا جبار في مفهوم الكتابة لدي، لأن الذاكرة الثقافية هي مجموعة من النصوص القبلية، هذه النصوص هي التي تشكل النظام الثقافي والمعرفي لأي كاتب كان. آسيا جبار أثرت حتى في مخيالي الثقافي مثلها طبعا مثل العديد من الكتاب الجزائريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية. وهنا مفارقة غريبة وعجيبة كيف ذلك؟ في طفولتنا قرأنا نصوصا لكتاب مغاربيين باللغة الفرنسية. تعلمنا من خلالها مفهوم القصة والحدث والزمن والمكان في الإبداع مع حياة الكاتب. إلى حد هنا كانت الأمور عادية؛ لأنه لم يكن هناك هذا الصراع الواهي بين معرب ومفرنس. قرأنا مولود فرعون وشوقي ضيف وكاتب ياسين والعقاد والطاهر بين جلون ولحبيب السالمي…إلخ لأن هذا الجيل الذي بدأ الكتابة باللغة الفرنسية عاش في مرحلة الاستعمار حيث كانت اللغة العربية محرمة وغائبة. فجأة بعد تصدع الفكر العربي بدأنا نعيش مشهدا ثقافيا متوترا وذلك نتيجة للعصبية اللغوية والقومية ومفاهيمها الضيقة. والصراعات الإيديولوجية التي جاءت نتيجة للمعسكريين الشرقي والغربي. أعترف أن هذا قد أثر فينا وعلينا. لكن بعد أن نضجنا وصلنا إلى الحقيقة التي مفادها أن الأدب في الجزائر يأخذ خصوصيته من الازدواجية اللغوية في كل المجالات. في الرواية مثلما هو الأمر مع الرواد آسيا جبار ومحمد الديب ومولود فرعون مولود معمري… وبعدهم الجيل الثاني مثل محمد مغني وأمين الزاوي ورشيد بوجدرة ومليكة مقدم ياسمينة خضرة والقائمة طويلة.
أعمالها على العموم جيدة وقد عرفت تطورا فنيا كبيرا منذ بداية كتابتها. ما شد انتباهي هو روايتها «لا مكان في بيت والدي» «Nulle part dans la maison de mon père» وهي عبارة عن سيرة ذاتية واعترافات جريئة لكن بطريقة فنية رائعة. تثير الأصول العربية الأمازيغية المفقودة، والاعتراف بتجاذب الهوية والأصول. لكن الطريقة التي قدمت بها عملا جديد أعني كتابة السيرة الذاتية من منظور جديد وبطريقة روائية فنية راقية. كما قلت دائما أن المبدع الناجح هو من يجد لنفسه طريقا جديدا في الإبداع. أي يكون متميزا في كتابته؛ وهذا ما تفردت به آسيا جبار من خلال هذا المؤلف.
محمد داود: قرأت لها رواية «بعيدا من المدينة المنورة» وهي رواية تاريخية من أجمل الروايات وفيها جرأة كبيرة من حيث تناول هذه الفترة الحساسة من تاريخ المسلمين وبخاصة بعد وفاة الرسول محمد (ص ).
محمد جعفر: تعتبر الروائية آسيا جبار أيقونة الأدب الجزائري والمغاربي، وكتاباتها لا تقل جمالا عن كتابات محمد ديب ومالك حداد الذي قال وكأنه ينقل عنها: «نحن نكتب بلغة فرنسية لا بجنسية فرنسية». فالكاتبة ومن خلال المواضيع التي تطرحها في جل أعمالها ظلت وفية للوطن الأم ومنحازة لبيئتها وقضايا المرأة الجزائرية. وقد ترجمت أعمالها لأكثر من عشرين لغة، كما أحرزت على العديد من الجوائز العالمية وكانت أول امرأة عربية تدخل الأكاديمية الفرنسية. ورغم المكانة التي احتلتها المبدعة في المشهد الثقافي العالمي إلا أنها ظلت بعيدة كل البعد عن التأثير وقليلة الحضور في المشهد الثقافي الجزائري وخصوصا على كُتاب اللغة العربية، وأنا نفسي أعترف أني لم أقرأ لها إلا عملا وحيدا «الجزائر البيضاء» والذي تعرض لفترة العشرية السوداء. وهذا في حد ذاته تقصير مني في حقها.
مخلوف عامر: مؤهلاتي لا تسمح لي بأن أتحدث عن تأثيرها في الكتابة بالفرنسية. فأما بالعربية فلا أظن، لأن الذين يكتبون بالعربية في غالبيتهم يتجنبون قراءة النصوص المكتوبة بالفرنسية سواء لجهلهم اللغة أو بسبب الأحكام المسبقة التي ترسَّخت لديهم عن الفرونكوفونية وغذَّتها النزعة العروبية البعثية ولم يجد هذا الأدب مكانته اللائقة في المنظومة التربوية.
رواية (بعيداً عن المدينة المنورة)، هي ما قرأت ولكن لا أستطيع أن أحكم بأنها الأجمل، فمن يحق له الحكم ينبغي أن يكون قد اطلع على كل رواياتها أولا، وأن يكون ضليعاً في اللغة الفرنسية ثانياً، وهو ما لا أدَّعيه.
طارق عجرود: كتابات آسيا جبار مكتوبة على إيقاع غنائية كبيرة وحساسية عالية. هذه الكاتبة ذات الموهبة العالية، لها مسار إبداعي غير مسبوق. إنها تنزل من وسط عائلي محافظ، ولكنها دخلت المدرسة الفرنسية، لتنشر أول رواية لها هي «العطش» عن عمر العشرين، وبهذا النص تعلن عن موهبة ومشروع كاتبة متألقة.
سلسلة من الروايات التي كتبتها آسيا جبار وفي جميعها هناك خيط يجمعها هي تلك الثورة ضد وضع المرأة في العالم الإسلامي، في كل نص تعود آسيا جبار إلى قضية المرأة لتتناوله من باب آخر لتضيئه إضاءة جديدة ولتقدم الحجج للدفاع عن كرامة الإنسان ممثلا في المرأة، كل ذلك من خلال كتابات منسوجة بحكمة إنسانية عالية.
في كل مسار الكاتبة آسيا جبار الموسوم بالأسفار والإبداع الأدبي والسينمائي، تتميز هذه الأعمال بتداخل الأجناس والاهتمامات ولكنه تداخل مموسق.
روايتها «بعيدا عن المدينة المنورة» هو نصها الذي تقف فيه بحزم عال للدفاع عن قضية تحرر المرأة وحقوقها الاجتماعية والانسانية والسياسية. في هذه الرواية تعيد الكاتبة للمرأة حقها الذي اغتصب منها، وفيها أيضا تكشف عن وجه المرأة المعذب، المعنف، المرأة الموؤودة. في هذه الرواية تكشف آسيا جبار بأن خلف كل رجل عظيم امراة من جلد ونبل.
تعد الروائية آسيا جبار مفخرة الجزائر، مفخرة استطاعت أن ترسم طريقا لها نحو العالمية بنصوص روائية وقصصية تتجلى فيها الأرواح التي ترقص من فرح وهي تتقاسم القيم الإنسانية الكبرى.
نصها يعيش حالة اغتراب اجتماعية
أحمد عبدالكريم: كاتبة بحجم آسيا جبار لايمكن إلا أن تكون مؤثرة وقادرة على إقناع قارئها بالتكنيك الروائي الذي تتبناه، وبملامح شخوصها المرسومة بدقة متناهية ثم بالمقولات الجمالية والمحمولات الثقافية والوجودية المنبثة في ثنايا رواياتها.
حين أتساءل ما أجمل رواية قرأتها لها؟ أقول: لم يتح لي أن أطلع على كل ريبرتوارها الروائي .ومن رواياتها التي استوقفتني رواية» ليالي ستراسبورغ»، التي أذهلتني بقوة تعبيرها عن تناقضات الراهن والتاريخ، ومعالجتها لمسائل شائكة تتصل بالهوية والتاريخ واللغة والجسد بشكل أخاذ يحيلنا على ألف ليلة وليلة من خلال الاستطراد وتشابك الأحداث مما يدل على سعة اطلاعها على الثقافات العالمية مشرقا ومغربا ..كما لا يمكنني أن أتجاهل الأعمال السينمائية التي قدمتها للجزائر قبل هجرتها مثل «نساء جبل شنوة» وكذا سيرتها الروائية الأخيرة والرائعة «لا مكان في بيت أبي».
رابح خدوسي: ماذا بقي لها في جبل شنوة وشرشال وبني مناصر في شخصية آسيا جبّار..؟ تضاريس جبل شنوة التي تشبه جسد امرأة حامل قدماها في البحر ورأسها في قمة الجبل لم تعد تذكّر مخيال الزائر بآسيا جبار الحبلى ابداعيا بل حلّت محله صورة بطلة جزائرية تسمى زليخا عدي الشايب التي تمخّض عنها وطن مبدع سكنت ارضه شهيدة الى الأبد.بينما انفصلت كاتبتنا عنه وهل تعني العالمية الخروج عن الذات وانفصام الذات المبدعة عن صاحبتها ؟
لاشك أن روايتها (ليالي ستراسبورغ) تقرّ بهذه الغربة الوجانية. غير أنها في كتابتها قد فكّكت كثيرا من الخطابات والإشكالات الثقافية بخصوص الأنا والآخر وأزمة الهوية وكيفية مد الجسور الثقافية معه، وهذا من خلال تجربتها وممارستها في تدريس مادة التاريخ ومعرفة بالواقع الجزائري ثقافة وتاريخا.. ومن هنا فإن عذرية النص الجباري تحتاج إلى شهادة محلية قبل الجائزة العالمية… قد يكون النص عند آسيا جبار يعيش حالة اغتراب اجتماعية ليس لأن كاتبته بعيدة عن محيطها فقد يكون مستمدا من عمق المكان كما في روايتيها (الجزائر البيضاء) و(وهران….لغة ميّتة)، لكن لأنه يندرج ضمن أدب الصالونات
محنة الاسم المستعار في الكتابة النسائية
يوسف وغليسي: أنا من جيل لم يتأثر بآسيا جبار التي لا تعدو أن تكون ذكرى قديمة طيبة في حياتي الأدبية.
أهمّ ما تأثرت به من جهتها هو تأسيسها لمفهوم جديد في ثقافة الاسم المستعار؛ فمن المعروف أنّ اسمها الحقيقي هو فاطمة الزهراء إيمالاينFatma-zohra Imalayen لكنها نشرت روايتها الأولى (العطش 1957) بهذا الاسم الجديد (آسيا جبار).. أعجبني جدا تعليلها لذلك بقولها: «لا أريد أن يعلم أبي وأمي بأنني كتبت رواية»؛ من هنا تبدأ محنة الاسم المستعار في الكتابة النسائية، ورمزيته التي تعني الاستعداد لتحمّل التبعات الاجتماعية السلبية كالممارسة الكتابية بمسؤولية فردية شجاعة تبرّئ قبيلتها من نتائج محتملة لمغامرات فردية.
أثارتني رواية آسيا جبار (أطفال العالم الجديد)، وقد ذكرتني بأجواء «حريق» محمد ديب وأعماله الأولى في مرحلته الواقعية التي أحببتها أكثر.. أعجبني فيها انخراطها (المتأخر نسبيا) في أجواء الثورة، كما أعجبني فيها أنّها تعمّم البطولة الثورية ولا تمركزها، وأنها تبرز ثورية المرأة الجزائرية وتمعن في وصف التعذيب الاستعماري، مثلما تقدّم مفهوما مختلفا لتحرير المرأة يقتضي انضمامها إلى المقاومة والتحاقها بالثورة.
فارس كبيش: (صاحب رواية جيلوسيد منشورات Anep الجزائر 2013)
شكرا أستاذ أمين على الاهتمام وسأكون صريحا معك انه حقيقة لم يسبق لي وقرأت لها أي عمل أدبي غير شذرات هنا وهناك وبعض الحوارات والدراسات النقدية، لا أدرى هل هو عدم توفر أعمالها بالمكتبات أم عدم اهتمامي بأدبها لانعزالها أو قطيعتها مع المشهد الثقافي الجزائري على عكس كاتبات أخريات يكتبن باللغة الفرنسية وينتقلن ما بين الضفتين بسلاسة ودوريا لتقديم اعمالهن فيما هي على الدوام غائبة او مغيبة اذ لم يسبق لي وقرأت لها حوارا على صحيفة محلية او حتى تصريحا مقتضبا.
اليامين بن تومي: إن نصوص آسيا جبار ثرية وتفتح الفضاء واسعا نحو إعادة تأمل ظاهرة الكتابة التي تشتغل في رمزيتها على تفتيت المركزية الايهامية التي جعلتنا نؤمن في مكتوبنا التاريخي بالخوارق لتعيدها إلى مسلكها النضالي والبطولي فقط بعيدا عن الخوارقية التي أنهكت محصولنا السردي والشفوي، لذلك تعمل الحكاية على تدمير تلك البنية القلقة في تاريخنا الوطني وفضائنا التاريخي. والكتابة عند جبار يمكن تصنيفها إلى طبقتين :
الطبقة الأولى : وهي روايات تحمل نوبة السيرة الذاتية من خلال إصداراتها الأولى ؛العطش،القلقون،أبناء العالم الجديد،القنابر الساذجة .
الطبقة الثانية: وهي النصوص الحرجة التي تحمل تيمات القلق والاضطراب ومحاولة التأسيس لأخوة كونية من خلال الإغراق في محلية مبهرة مثل نصها الرائع «le blanc de l’Algérie الجزائر البيضاء «أو الآخر «Loin de Médine» بعيدا عن المدينة.
لماذا هذا التهميش الذي تعاني منه آسيا جبار في بلدها الجزائر وفي العالم العربي، وكيف يمكن تفسير عدم الاهتمام بترجمة رواياتها إلى العربية مع أنها ترجمت إلى أزيد من أربعين لغة في العالم؟
أ- هل تعتقد أنها ظلمت من قبل بلدها حيث لم تكرَم؟
ب- لماذا لم يهتم العرب بآسيا جبار ولم يترجموها إلى القارئ العربي؟
سعيد بوطاجين: بلدها لم تكرم عدة مفكرين ومبدعين، ومن هؤلاء محمد أركون وجمال الدين بن الشيخ ومحمد ديب وغيرهم. المسألة تتعلق أحيانا بالتوجه العام وبالاهتمامات الظرفية. لنقل بالموقف من الثقافة كصناعة ليست ذات شأن بالنسبة لبعض المؤسسات، ولا يمكن المبالغة بربط المسألة بمواقف الكاتبة وآرائها، لا دخل لهذا في القضية. ثمَ إن علينا التنبيه إلى أن وزارة الثقافة كرمت عدة كتَاب، ومنهم أحلام مستغانمي. ليست لي معلومات عن أسباب تأخر التكريم، وهي أهل له. لكنني أشير إلى أن المثقفين لم يلعبوا دورهم، شأنهم شأن الجامعيين والإعلاميين والكتَاب والهيئات المعنية. أعرف مثلا أن محمد ديب لم يكن مهتما بالتكريم الذي حضر له الطاهر وطار شخصيا. أمَا حالة آسيا جبار فتبدو لي غامضة، وغير مبررة.
لماذا لم يهتم العرب بآسيا جبار ولم يترجموها إلى القارئ العربي؟
نحن نعرف أن أعمالها ترجمت إلى ثلاثين لغة، بما فيها اليابانية وهي، من هذه الناحية، أكثر حظا من أسماء بارزة كانت أقل حظا، لكن ذلك ليس مسوَغا لعدم ترجمتها إلى اللغة العربية، لأنها أولى لعدة أسباب. آسيا جبار جزائرية، وقد ظلت مرتبطة بالجزائر ونضال المرأة والمسائل الإنسانية، أي أن الكتابة بالفرنسية، التي تعتبرها مجرد أداة، لم تفصلها عن بلدها، وعن التاريخ والذاكرة، بصرف النظر عن رؤيتها للموضوعات. ثم إن سمعتها اخترقت الحدود اللسانية والإقليمية، لذلك، كان على المؤسسات المعنية التفكير جديا في ترجمتها ليعرفها القراء على المستوى العربي. إنني لا أجد أي مبرر لهذا الصمت الذي قد لا يكون مقصودا. وعلينا أن نعرف، في هذا السياق، أن فكرة نقل أعمال محمد ديب إلى العربية لم تكن بمبادرة جزائرية. ربما استطاع «نادي أصدقاء آسيا جبار» التنسيق مع الهيئات ودور النشر للشروع في الترجمة، في الجزائر أو في الوطن العربي. وهناك، بالمقابل، الدور المنوط لوزارة الثقافة وللجامعة والمخابر المختلفة.
ليس من باب الحكمة التفكير في أي نوع من أنواع الحصار الذي أشار إليه بعضهم، ولا يمكن تبرير ذلك بموقف ذي علاقة بالشأن السياسي أو الأيديواوجي، كاتهامها بالنسوية، لأن هناك كتَابا جزائريين نشروا في الجزائر وخارجها ونقلوا إلى العربية، رغم مواقفهم ورؤاهم، أذكر مثلا ياسمينة خضرا وبوعلام صنصال. إنما يمكن إسناد الخلل لنوع من التهاون الذي أصبح إحدى ميزة من ميزاتنا، وللسياق العام الذي يعرفه الأدب برمته، سواء منه المكتوب بالعربية أو بالفرنسية. الترجمة تستدعي وجود شروط وأموال وطرق واضحة في التعامل، وهذه المهمة من مهام من يملكون ذلك، وليس من مهام الأشخاص، معزولين عن الهيئات التي تضمن الطبع والتسويق وحقوق الترجمة. من المؤسف حقا أن لا تنقل أعمالها إلى العربية، لقد تأخرنا كثير من هذه الناحية، ولا يمكن تقديم أية حجة كافية للتدليل على الخلل.
لقد تأخرنا كثيرا في نقل أعمالها العربية
إبراهيم تازاغرت: الحنين الى الوطن قابله التنكر لأبن الوطن… هذه المعاملة القاسية جرحت المفكر الجزائري محمد أركون الذي دفن بالمغرب بعيدا عن «الهضبة المنسية» (توريرت ميمون) التي يتقاسمها مع الكاتب والباحث مولود معمري رحمه الله. إن تكرار مثل هذه المعاملات اللانسانية مع آسيا جبار سيفقد بلادنا نكهة الحياة والشهامة… ومن أجل ماذا ؟ من أجل ايديولوجيات شمولية هي وراء الدمار الذي يعرفه العالم العربي والاسلامي اليوم… ان الظلم قائم الى أجل غير مسمى … ولكن، كل ظلم مهما كانت طبيعته فبإمكان الانسان تجاوزه بالمصالحة مع الذات. اتمنى أن تلتفت وزارة الثقافة بالجزائر الى هذا الاجحاف وتنظم تكريما بمقام آسيا جبار المرشحة لمرات عديدة لنيل جائزة نبل للادب
ماالسبب في عدم اهتمام العرب بترجمة أعمال آسيا جبار ؟
مهما تكن اللغة المستعملة، الكتابة لا تقتل الصوت بل توقظه…» كتبت آسيا جبار في «الحب والفنتازيا». أظن أن العرب لا يملكون بعد النظرة التي تثمن الانسان المبدع كقيمة مضافة في المجتمع، كمصباح يضئ الزوايا المظلمة ويمكن العين من الوقوف على جمال لم تكن تتوقعه. المجتمعات العربية تفتقد الى الواقعية والمعاملة الانسانية البعيدة عن «الخرافية». فهي لا ترى ولا تفكر الفسيفساء اللغوية التى تعيش فيها والتي تحاصرها من كل الجهات. الى جانب اللغات الانجليزية والفرنسية، هناك اللغات الوطنية كالأمازيغية والكردية… في غياب مشروع ثقافي تعددي ومنفتح، ستبقى آسيا جبار غائبة ومغيبة عن الفضاء الأدبي والثقافي العربيين.
Z ليلى حموتان: نعم، لقد تم نسيانها وتهميشها بالقصد، لم يلحق بها سوى النقد القاسي أو الصمت المؤذي. إن المؤسسات الثقافية، ومنذ الاستقلال، تعامل المثقفين والمبدعين بدءا بكاتب ياسين بهذه الإهمال,. ويجب ألا ننسى أيضا، كونها امرأة في بلادنا، فإنها معرضة للتكميم والاستصغار خاصة حين تكون المرآة من قامة آسيا جبار، وأنهن يعرفن النجاح الباهر في الخارج.
اليامين بن تومي: لا يمكننا توصيف نصوص آسيا جبار سوى بالقول أنها عملاقة ومربكة وعبارة عن نصوص أكاديمية وتوثيقية، هذه العلامة المُؤسِّسة للأدب الجزائري تحتاج منا اليوم ليس الاحتفاء فقط، وإنما إخراجها للعيان وكشف كل المُصادرات التي تعرضت لها داخل وطنها داخل هويتها، وتفجير المكبوت، ومحاولة كشف ألاعيب التحيُّز المختلفة التي صنعتها دولة ما بعد الاستقلال والتي استبعدت سيرة آسيا جبار لتُقيم في الأقاصي والأباعد، لأنها تستخدم لغة الأغيار لتفضح كل أشكال الإهدار والقمع التي تسربت إلى عمق الدولة ما بعد كولونيالية،وهنا تطرح علينا آسيا جبار جملة من الأسئلة الحرجة التي تثير فينا بحق الفكر السؤول الذي يجعلنا قُبالة مفاهيم تراجع أحكامنا القاسية عن الوطن، المرأة، الحرية، الهوية، الانتماء. وتعيد موضعتنا داخل تضاريس أكثر عقلانية بعيد عن انتفاخ المخيال التاريخي.
الحبيب السايح: ما قد لا يعرفه غير المهتمين هو أن لآسيا جبار «سوابق» مع بعض المؤسسات الجزائرية الرسمية ـ الثقافية خاصة ـ. ثم إنها كانت غادرت الجزائر احتجاجا على نقل تدريس مادتي الفلسفة والتاريخ في الجامعة الجزائرية من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. وقد تكون المسألة أعمق. لعل مذكراتها تكشف يوما عن ألم هذا الانفصال عن مجتمع الأم وقطع معابر الصلة به وبثقافته وبلغتيه الجامعتين؛ ووخز الضمير من هذا الاحتواء السهل المرن المعسّل بأسمى أنواع التشريفات تعويضا عن الشعور بالاجتثاث ـ إن هي أسعفتها الشجاعة بالدرجة التي بها تكتب أو بها كانت تصور أفلامها.
صحيح أن آسيا جبار لاقت نجاحا أدبيا خارج الجزائر خاصة؛ ليس لفرادة ما تكتبه فحسب، وهذا ما لا يختلف حوله اثنان، ولكن أيضا باعتبارها: أولا، أنثى رافعت عن الأنوثة بخطابها السردي والسينمائي، بالرغم من أنها تجنبت على الدوام الخوض علناً مع الناشطات في النضال النسوي. وثانيا، لأنها تكاد تكون المرأة الكاتبة الوحيدة من بين جيلين كاملين من الكتاب الذكور. وثالثا، لكونها تكتب باللغة الفرنسية وتتبناها وتحملها هما وقضية ومسوغا وجوديا.
ولكن ما هو صحيح جدا أنها ظلت تفتقد إلى الاعتراف من الكتاب المجايلين لها أنفسهم، ومن الأوساط الرسمية ـ وهذه مسألة تقديرية خاضعة لطبيعة الزمر المتناوبة على سدة الحكم، كما هي مرتبطة في جزء منها بما يشبه التحفظ الذي التزمته حيال المقاومة الجزائرية ولو أنها أسهمت بتحقيقات في جريدة المجاهد حول وضع اللاجئين الجزائريين في تونس، حيث كانت تدرس ـ؛ بل هي، على عكس بعض الكتاب الآخرين من جيلها، لم تنتزع لدى النخبة الجزائرية المعربة التفاتا جديرا بالذكر. فإنها لم تترجم، لا في الجزائر ولا في خارجها إلى العربية، بالقدر الذي ترجمت إليه أعمال كتاب جزائريين آخرين.
ما السبب في عدم اعتناء العرب بترجمة أعمال آسيا جبار إلى العربية؟ يبدو لي أن الترجمة من الفرنسية إلى العربية، في المشرق العربي خاصة، تنافسها، بشدة، نظيرتها من الإنكليزية إلى العربية. وها هو العكس هو الثابت؛ فإنه، في العالم العربي، يسهل النقل من العربية إلى الإنجليزية وإلى لغات أخرى أكثر منه من الفرنسية.
ثم إن هناك مشكلات تتعلق بإجراءات شراء الحقوق هي التي تتسبب في التأخير، إن لم يكن في العزوف تماما.
ولكن عندي إحساس بأن دور النشر في المشرق ستلتفت يوما إلى أعمال آسيا جبار؛ لأنها كاتبة ـ على نخبويتها ـ تستطيع أن تصل إلى أوسع شريحة من القراء؛ بما لموضوعاتها من فرادة ولأسلوبها من جمال.
لا كرامة لنبي في بلده
بشير مفتي: آسيا جبار اسم في قائمة طويلة من الكتاب الذين ظلموا بحق في بلدهم ولكن ظلموا من طرف المؤسسة الرسمية وليس من طرف الناس الذين ربما يحترمونهم ويقدرون أعمالهم الأدبية ولهذا لم نستغرب أن يطلب محمد ديب معلمنا الأول للرواية أن لا يدفن في الجزائر، أو محمد أركون أن يدفن في المغرب اشعر كما لو أن هذه الجزائر الرسمية مازالت أسيرة التفكير في أن أعظم الناس عندنا هم شهداء الثورة وهم الوحيدون الذين يستحقون التقدير والتخليد .. بالطبع آسيا جبار مظلومة ومع ذلك أظن أن لها قراء لرواياتها في الجزائر ومعجبين بأعمالها وهنالك نادي للقراءة باسمها ومؤخرا نشرت بعض أعمالها في دار نشر جزائرية «سيديا».
لماذا لم يهتم بها المترجم العربي؟ سمعت من الصديق حسن ياغي عندما كان في المركز الثقافي العربي أنه كان يرغب في ترجمة لرواية «بعيدا عن المدينة» ولكن كما فهمت من كلامه هي التي رفضت النشر بالعربية يومها ونحن في منشورات الاختلاف /الجزائر حاولنا كذلك طلب حقوق نشر ترجمة لإحدى رواياتها ولكن يبدو أنها لم توافق أو ترددت .. ولكن أظن أن ترجمتها للعربية ملحة وضرورية ليس للجزائر فحسب بما أن أعمالها تقريبا تدور حول الجزائر وطفولتها وتاريخنا.. ولكن للعالم العربي بأكمله إنها تجربة متميزة وهي تحتاج لمترجم متميز لكي ينقلها للعربية بطريقة تفي بتميزها ذاك.
جمال معطي: لا أعتقد أن هذا النسيان الذي يطول الروائية منذ 1957، سنة صدور روايتها «العطش» هو مجرد سهو بسيط. علينا أن نقولها وبكل صراحة: هذه الكاتبة بهذه السيرة الأدبية العظيمة، تم تهميشها عمدا. هذه الشخصية بمسارها المتميز، هي جزائرية ! والمكان الوحيد على الكرة الأرضية الذي تعامل فيه بتهميش ولامبالاة هو في بلدها، في بيتها، هناك حيث ولدت. إني أرى ذلك فضيحة. ولعل ما ينطبق على وضعها هذا هي المقولة التالية: لا نبي في بلده.
محمد جعفر: الكاتبة ظلمت كثيرا منا نحن المثقفين بالدرجة الأولى، فترجمة أعمالها إلى اللغة العربية تكاد تكون معدومة، وأغلب الظن أن الأمر راجع لشدة حرصها واهتمامها بجودة الترجمة، فهي لم تكن راضية عن ترجمة روايتها الوحيدة إلى العربية؛ كما أعتقد أن الكاتبة لا يهمها الاحتفاء بها وتكريمها لأجل التكريم في الجزائر، ثم إن التكريم برأيي ما هو إلا الحلقة الأخيرة. فيجب أولا أن نحتفي بنصها من خلال ترجمة تليق بها وبنصها ثم الترويج لها في بلدها لا كظاهرة اسمية بل كقلم له تميزه وفرادته وخصوصيته، والإشهار لها خارج الجزائر وهو التقليد الذي نفتقده عندنا ثم توزيع كتبها على أوسع نطاق فتكون متاحة للعام والخاص. بهذا وحده يكون التكريم الذي يليق بشأنها ومكانتها
مخلوف عامر: يظلمون أنفسهم أولئك القائمون على شؤون البلاد وهم يتنافسون على كسب رضا فرنسا، ولا يلتفتون إلى هذه المرأة المتفرِّدة بأي تكريم وقد افتكَّت مكانتها من فرنسا بجدارة، وحصدت جوائز دولية عديدة، لا شك لأنها أكبر منهم بكثير، وهذا يُشرِّفها
بصرف النظر عن أن النرجسية والغيرة والحسد قد تلعب دورها أيْضاً، كما علَّمنا تاريخ الأدب، يبدو لي أن الكتابة بالفرنسية ارتبطت بالاستعمار، وأن سَعْينا لاسترداد الهوية قد ارتبط باللغة العربية وبالدين، ولم نُقدَِّر ظروف أولئك الذين لم يتعلَّموا غير الفرنسية وجعلوا منها وسيلة فعالة لخدمة القضية الوطنية.
ثم استمرَّ الخطاب السياسي/ الإيديولوجي البعثي تحديداً يوسِّع الهوة بين «معرَّب» و«مفرنس»، فالتصقت معاداة الآخر بالعداوة للغته. ناهيك عن أن الكتابة بالفرنسية توفِّر هامشاً من الحرية ضاع في مجتمعاتنا باسم الدين وهيْمنة الاستبداد، ما يجعل المترجم يتحرَّج من نقل مضمون النص كاملا. بالرغم من أن العربية منذ امرئ القيس إلى الأصفهاني والنفزاوي وأدب التصوُّف ظلت تخرق الثالوث المحرم وتكسر الحواجز بين الثقافات.
إنه لحق مشروع للمبدع أن يكتب بأية لغة تطاوعه ويجد في نفسه القدرة على أن ينتج بها نصوصاً جميلة.
محمد ساري: نعم ظلمت ولم يسلط عليها النقد أضواءه لأنها كاتبة آثرت العزلة الأيديولوجية ولم تندفع في مواكبة «حفل الاشتراكية» في السبعينيات، وارتبطت بطفولتها والفترة الاستعمارية خاصة في كتابها «الحب الفانتازيا» 1985 وقد نشر في الجزائر آنذاك وكتبت عنها مقالا نشر في «المجاهد الأسبوعي» ولكن الرواية مرت مرور الكرام حتى عند الفرانكوفونيين. وما زاد بتهميشها هو دخولها الأكاديمية الفرنسية، ما اعتبره الكثير انسلاخا عن بلدها لاحتضان فرنسا «العدو والمستعمر». وقد كان هذا الانتساب ذا حدين متناقضين، فقد ارتفعت قيمتها الأدبية عند الباحثين الفرانكوفونيين، فخصوها بالبحث والكتابة وتنظيم الملتقيات لدراسة أدبها، فيما اكتمل تهميشها عند الجزائريين والعرب ولا يتذكرونها إلا في موسم اقتراب إعلان الفائز بجائزة نوبل للآداب لتبدأ التكهنات والحسابات السياسية والهوياتية. وأنا أتصور بأن الجزائريين سيستيقظون ذات يوم (نيل جائزة نوبل أو الوفاة) ليبدأ التحسر والندم واللوم ومحاولة إعادة الاعتبار لها وضمها إلى الأدب الجزائري مثلما فعلوا مع محمد ديب وكاتب ياسين. هكذا هم الجزائريون والعرب لا يحتفون إلا بالأموات أو عند اعتراف الغير لعبقرية واحد منهم. عقدة تخلف تشوش علاقاتهم مع كتابهم، ما يسبب التهميش والهجرة وعدم الاعتراف.
إن آسيا جبار مع مولود معمري هما الكاتبان اللذان لم تترجم كتبهما إلى العربية. المعروف أن أول من ترجم الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية هم المشارقة، فبدأوا بالكتابات النضالية المتعلقة بالثورة التحريرية أمثال كاتب ياسين ومحمد ديب ومالك حداد ومولود فرعون، وبقي مولود معمري الكاتب الذي عاش مشاكل كبيرة بعد نشره «الربوة المنسية التي وبرغم تنويه طه حسين بقوتها الأسلوبية لم تترجم لأنها لم تندرج ضمن الأدب الثوري مثلما نظر لها مصطفى الأشرف ورفقاؤه الذين شكلوا وصاغوا أيديولوجية السلطة بعد الاستقلال. وهو الوضع نفسه مع آسيا جبار. لقد نشرت روايتها الأولى «العطش» وعمره 17 سنة، ولكنها ليست رواية «ثورية» بل ووصفت بالاندماجية لأن بطلتها الفتاة الجزائرية تطمح إلى التشبه بفتيات فرنسيات وتخيّم في منتزهات سياحية كما الأوروبيات تماما، وفي روايتها «أطفال العالم الجديد» انتقدت موقف المجاهدين الثوريين الذين رفضوا مشاركة المرأة في الثورة تحت تأثير التقاليد والعادات المحافظة. لهذا السبب لم تترجم كتب آسيا جبار كما لم تترجم كتب مولود معمري. ثمّ توقفت آسيا جيار عن الكتابة وحينما عادت في نهاية الثمانينيات، كانت تنشر في فرنسا وكتبها غير متوفرة بكثرة زيادة إلى صعوبتها وقوة شعريتها، فهي ليست كاتبة جماهيرية ما تسبب في نفور القراء عموما عن تناول كتبها سواء بالقراءة أم بالترجمة. ولكن بدا الاهتمام في السنوات الأخيرة، حينما بدأ اسمها يتردد في قائمة المحظوظين بنيل جائزة نوبل، فأصبح ادبها وكتبها محل اهتمام. وقد تمت ترجمة روايتها «لا مكان في بيت أبي» قام بها المترجم المرحوم محمد يحياتن وقد صدرت في الجزائر بعنوان مغاير نوعا ما.
لزهري لبتر: إنها ليست الوحيدة في التهميش، إن حكامنا اعتبروا دائما الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية هو الابن غير الشرعي للثقافة الجزائرية. حين تعلن آسيا جبار: «إنني أكتب ككثير من الكاتبات الجزائريات بإحساس الاستعجال، ضد التقهقر والذكورية»، إننا لا ننتظر من أنظمة تنتمي و تنخرط في التقهقر والذكورية أن تقف إلى جانب كاتبة تدين هذا الوضع.
أعتقد أن هذا التهميش تحمه نفس الأسباب التي لأجلها هي مهمشة في بلدها الأصلي.
محمد مفلاح: هي كاتبة جزائرية شهيرة وتحتاج إلى تكريم في الجزائر يثمن جهودها التي بذلتها طوال سنوات طويلة من أجل الجزائر وثقافتها المتنوعة.. ولكنني لا أرى أنها ظُلمت من قبل بلدها، فهي اختارت الهجرة والاستقرار بفرنسا والنضال في جبهة ثقافية أخرى فخصصت جل وقتها للثقافة الفرنكوفونية، ومواقفها تشهد على دفاعها عن الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية. وقد نالت عن جهودها تكريما بدخولها الأكاديمية الفرنسية. أما الأديب الكبير الذي أراه فعلا قد ظُلم فهو محمد ديب صاحب «الثلاثية» الخالدة فقد غادرنا دون أن يكرم.
أعتقد أن الترجمة في الدول العربية تخضع لعلاقات الكاتب(ة) بالفضاء الثقافي العربي ودور نشره، والكاتبة آسيا جبار ظلت تسبح في عالم الثقافة الأوروبية فقط، ثم ان موضوعات كتاباتها بعيدة عن اهتمامات العالم العربي، وخطابها موجه إلى المجتمع الغربي. ولكن ما يثير التساؤل والاستغراب بحق هو ان كتابات آسيا جبار لم تحظ بالترجمة حتى في وطنها الجزائر وهذا باستثناء روايتها «لا مكان في منزل والدي» الصادرة مؤخرا عن «منشورات سيديا».
محمد داود: لا اعتقد أنها ظلمت فالكثير من الرسائل والندوات والملتقيات والدراسات تناولت تجربة هذه الروائية العظيمة هذا من حيث الاهتمام الثقافي، أما من الناحية الرسمية فهي ليست وحدها بل الكثير ممن يكتبون الابداع والنقد لا تهتم بهم المؤسسات الرسمية الا ناذرا، اذكر لوجه الحق انني حضرت ملتقى حول الرواية والتاريخ نظمته وزارة الثقافة بمناسبة المعرض الدولي للكتاب وكان الملتقى تكريما لهذه الأديبة.
أما الأسباب في عدم ترجمة رواياتها متعددة، منها غياب المؤسسات القوية في هذا المجال وغياب استراتيجية في الترجمة على مستوى العالم العربي بالإضافة الى غياب التواصل الثقافي بين البلدان العربية وعدم الاهتمام بالأدب المغاربي من النقاد والباحثين المغاربة هذه حال الأمة العربية.
عبدالرحمن مزيان: أعتقد أنها ظلمت أليست جزائرية ألم تفرض نفسها على الأدب الفرنسي، مثلها مثل ليوبور سيدا سانغور، لما هذه العقدة من اللغة؟ لماذا الدول الإفريقية الأخرى التي يكتب مبدعوها بالفرنسية لم تتكون عندهم عقدة الكتابة باللغة الأخرى. أشير لماذا نعتني بما يكتبه الآخر باللغة العربية ونرفض من منا يكتب بلغة الآخر. أذكر فقط أن هذا التفكير الأحادي هو المسبب الرئيس في تأخر الإبداع باللغة الأمازيغية التي هي جزء من هويتنا كل شيء خندق عندنا في اللغة العربية وحين اقول اللغة العربية اعني لغة الخشب، حتى المبدعين الذين كتبوا بلغة لإبداعية حداثية رُفضُوا بل حوربوا ألم يحارب أدونيس ونازك الملائكة عن الشعر الحر. ألم يتعرض الكتاب الحداثيون إلى محاولات الاغتيال. أليس جديرا بنا الافتخار أن كتابنا يبدعون بلغات متعددة ويميزون بها الأدب الجزائري عن باقي الآداب العالمية؟
عدم ترجمتها لها أسباب عدة أولها أن حركة الترجمة عند العرب في الوقت المعاصر وضعها لا يحسد عليه. إضافة إلى أن الترجمة في الوطن العربي ارتبطت بالتجارة وليس العلم. كما أن الترجمة في حاجة إلى رعاية مؤسسات قوية. كما أن معظم الناشرين لا يهمهم سوى الربح على حساب العمل الجيد. هنا تحضرني حادثة وقعت لي وهي تلخص هذه المسألة. طالب مني صديق وهو أستاذ جامعي بفرنسا ومترجم له دار نشر، ترجمة بعض الأعمال وحدثته عمن يدفع ثمن الترجمة قال لي بكل برودة الدار لا تدفع للمترجمين. تصور معي أستاذ ومترجم ضد الترجمة. هذا الوضع المأساوي ينعكس سلبا على آسيا جبار. زيادة على أنها تكتب في هدوء وصمت. رفض الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية أثر على ترجمتها. وهنا أشير أنه قد أصبح من الضروري على المبدع السعي في ترجمة أعماله بالاتصال بالمترجمين. أضيف أن آسيا جبار لم تحظ أعمالها بالقراءة النقدية الكافية. إهمال الجهات المسؤولة عن الترجمة لأعمالها. وحين نقول عدم اعتناء العرب بترجمة أعمال آسيا جبار نقصد المغرب العربي بحكم معرفة مترجميه باللغة الفرنسية. وهنا أعفي نوعا ما باقي المترجمين العرب. اقول إن الذين يترجمون من اللغة الفرنسية إلى العربية هم في الأغلب معربون وأتقنوا اللغة الفرنسية وأغلبهم سقط في لعبة معاداة هذا الأدب. في حين يترجمون الفرنسيين. كما لا ننسى الفئة التي تتاجر باسم أصالة الأدب الجزائري على أنه عربي فقط. دون أن أنسى أيضا الذين تبنوا الأدب الماركسي بطريقة شوفينية، وانطلقوا من المقولة المشهورة «الرواية ملحمة بورجوازية» ومن هنا كان محرما ترجمة كل مبدع ليس ماركسيا؛ ونعلم أن الجزائر اتخذت من النظام الاشتراكي سياسة لها. إذن قبل توجبه اللوم إلى الإخوة العرب علينا لوم أنفسنا. دون أن أنسى أن آسيا جبار رفضت لأنها صنفت في خانة الأنثوية «Féminisme» علما بأن المجتمع العربي مجتمع رجولي وأبوي. كل هذه العوامل تضافرت في القصور في ترجمة أعمال آسيا جبار.
حسان بن نعمان: (ناشر) ان تكريم الأدباء والمبدعين في أوطاننا لا يرقى تماما لما لهم من صيت عالمي وانتاج ابداعي لا يعرف قيمته الا الذين يولون للعبقرية الانسانية أهميتها ويقدرون الابداع في كل ميادينه حق تقديره… ففي أوطاننا لا يأتي التكريم الرسمي غالبا الا بعد وفاة المكرم… وآسيا جبار ليست الاستثناء هنا بل هي القاعدة
أما عن غياب ترجمات أدبها إلى العربية فهذا يعود أساسا الى غياب آسيا جبار جسديا واعلاميا عن القارئ العربي. وحتى الجزائري فلا يعرف آسيا جبار الا اسما وغالبا ما يقرنه بالأكاديمية الفرنسية. فالمختص في المجال الأدبي يجد فيها مدرسة ورائدة للأدب النسوي في شمال افريقيا وهم قلة، بينما يتجه القارئ العادي الى الكتاّب الذين يستفزون المحافل الاعلامية ولهم جرأة على مجاراة عصرهم وهم الكثرة التي يلجأ اليها الناشرون عامة فتتم ترجمة اعمالهم الى القارئ العربي وغيره.. وعلى سبيل المثال فقد تمت في الجزائر ترجمة العديد من الروايات الحديثة لمؤلفين يكتبون باللغة الفرنسية ولكنهم جميعا يتصدرون الحدث الاعلامي .
أحمد حمدي: اعتقد ان مسالة الاحتفاء بالمبدعين والعلماء في الجزائر منعدمة، ويمكن أن يعود سبب ذلك الى عدم وجود تقاليد في هذا الشأن، وعدم وجود سياسة ثقافية، وانعدام الترويج الثقافي، وظاهرة لا نبي في قومه التي جعلت الكثير من الكتاب يأتون الى الجزائر من باريس او بيروت، وإذا لم تكرم هي فكذلك لم يكرم ديب وياسين وحداد وزكريا ومحمد العيد وكل الكتاب الجزائريين الأحياء منهم والأموات.
التكريم ليس تقليدا لدينا
رابح خدوسي: لم تكرّم آسيا جبار في بلدها كغيرها من المبدعين لأن التكريم في الجزائر ليس تقليدا رسميا ولأن الأديب لايمتلك سلطة النص فهو ربّما يرتّب في الخانة العاشرة بعد العسكري والإدراري والسياسي والرياضي … الخ وهذا موضوع آخر
أما عن غياب ترجمات روايات آسيا جبار إلى العربية فهذا في رأيي يعود إلى أن المشرق العربي يعيش وهم عقدة التفوق على مغربه ناسيا انه لم يعد محور الثقافة العربية وهو وهم طال عمره وسقم ننتظر شفاؤه، هذا أولا ثانيا إن آسيا جبار لاتحرك اهتمام المشرقيين دارسين وناشرين لضعف تأثيرها من حيث انتشار اعمالها أو خوفا من قلة الإقبال على أعمالها التى تترجم العربية، اضف إلى ذلك أن الأدب في العالم العربي يعاني من صياغة التصنف والانتقاء حسب اللغة واللون والجنس والتوجه وهذا معروف.
يوسف وغليسي: بصراحة لا أستغرب هذا التجاهل، ولا أرى فيه ظلما كبيرا، لأنّ هناك من جيلها من قدّم للجزائر أضعاف ما قدّمت، وكان يكتب باللغة الروحية (الدستورية) للبلاد ولم يكرّم (أمثال المرحوم بلقاسم سعد الله، والدكتور عبد الملك مرتاض…)..
أما عن غياب ترجمات رواياتها إلى العربية، من هذه الناحية هي سيئة الحظ فعلا، وربما عملها الوحيد الذي حظي بالترجمة إلى العربية لم يكن عملا روائيا حتى، بل كان مسرحيا مشتركا (احمرار الفجر، ترجمة/ علي صادق نساخ)، ربما فات أوان ترجمة أعمالها الأولى، أمّا أعمالها الأخيرة فقد طغى عليها تحولها من الكتابة الروائية إلى أشكال تعبيرية أخرى (كالمسرح والسينما والأشرطة التلفزيونية)، وهي أشكال شفوية ليست بحاجة ماسة إلى الترجمة.
أحمد عبد الكريم: استغرب هذا التجاهل والجحود في حق هذه الكاتبة الكبيرة، التي أخشي أن تكون الجزائر قد تأخرت في الاحتفاء بها، ويتكرر معها ما حدث لمحمد ديب ومحمد أركون وغيرهما . الغريب أن الاحتفاء حاليا يتركز على أسماء بعينها أقل أهمية لاعتبارات لا علاقة لها بقوة الإبداع بل بالولاء والقرب من دوائر السلطة..
صحيح أن هناك اهتماما أكاديميا من قبل العديد من الباحثين الجامعيين خاصة في أقسام اللغة والأدب الفرنسي، لكنه لا يقاس بذلك الاهتمام الذي كانت تحظى به في مقاييس ومقررات الجامعة الجزائرية في فترات سابقة . لأن الاهتمام الآن يبقى نخبويا لا يصل إلى عموم الطلبة من الأجيال الجديدة الذين من حقهم أن يتعرفوا على هذه الكاتبة التي يتكرر ترشيحها لجائزة نوبل كل عام ..هناك أمل في «حلقة أصدقاء آسيا جبار» التي تتكون من كتاب وجامعيين يقع على عاتقهم واجب ترجمة تراثها الروائي وإضاءته.
أما لماذا لم يهتم العرب بآسيا جبار ولم يترجموها إلى القارئ العربي؟
ببساطة لأنهم ضحية تغليط إيديولوجي ترتب عنه موقف عدائي ينظر إلى الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية على انه منسلخ عن هويته ولغته ودينه. وهي نظرة غير صحيحة وقاصرة تحتاج إلى تصحيح، من جهة أخرى هناك تقصير كبير من قبل المؤسسات والإعلام الثقافي الجزائري في تسويق صورة آسيا جبار التي تبقى شخصية أكثر ميلا إلى الظل والابتعاد عن أضواء الميديا .
فيصل الأحمر: من الغريب أن نرى شح التراجم العربية لأعمال آسيا جبار، وان كان المتمرس بالساحة الثقافية الجزائرية يفهم كيف أن الكم الكبير من المعارك التي أسالت دم الإخوة تحت عنوان «الصراع اللغوي/الثقافي» قد اثر سلبا في ثراء ونصاعة الثقافة الجزائرية، إن سوء الجوار المبرمج في الجزائر بين لغتين تمتلكان جذورا لا مهرب منها قد ولد استقطابات تراجيدية أدت غلى وضع أسيجة رهيبة حول بعض الكتاب لمحاولة خلق حظيرة لهؤلاء ولأولئك؛ وكل يعتقد أنه نجا وينظر إلى الآخر في سجنه الذي صنعه له متغاضين عن حقيقة السجن الذي غزله كل من الحزبين (المعربين والفرنكوفونيين) بنفسه لنفسه.
سمير قسيمي: هل ثمة من سبب محدد لهذا التجاهل في حق واحدة من أعظم روائي العالم.. أتمنى ألا سبب غير الإغفال. ولكنه يبقى إغفالا يطرح أكثر من تساؤل ويحيل إلى إعمال سوء الظن أيضا. وقد تكون هذه فرصة للدعوة إلى ترجمتها عربيا، سيما وأن السرد العربي-لاسيما في شقه النسوي- في حاجة إلى الارتكاز إلى نصوص من قيمة نصوص آسيا جبار التي مهما أسيء فهما فهي نصوص خالية من «المراهقاتية» والابتذال المسمى مغالطة رومنسية. انها نصوص أسوأ ما توصف به أنها رائعة فحسب.. إنها كتابات ستبقى بعد رحيل صاحبتها بلا أدنى شك.
بالنسبة لي أهم حدث في الموسم الأدبي في الجزائر 2014 هو الترجمة العربية لرواية آسيا جبار «لا مكان في بيت أبي»، أعتقد إن كانت الترجمة جيدة وبمستوى النص الأصلي، إن القراء العرب سيكتشفون أعظم ساردة عربية على الإطلاق، وهو رأيي الشخصي في آسيا جبار التي لا واحدة، وأصر على قولى «لا واحدة» من الكاتبات العربيات تمكنت من أن تخلص الصوت النسائي من عقده أدبيا، ولا أعتقد أن ثمة من بلغت قدرتها على الغوص في متن النص مثلما فعلت آسيا جبار.
أحمد دلباني: لم تكن آسيا جبار كما نعلمُ من أصحاب الحظوة في الترجمة إلى العربية في الجزائر وغير الجزائر. كما لم تكن من أصحاب التكريم في بلدها الأصلي. ربما نظرا لاعتبارات تتعلق بالتوجه الثقافي والفكري العام كما كان الشأن مع البروفيسور الراحل محمد أركون. ولكن هذا لا ينفي التقاعس العام والشلل الثقافي الذي نعيشه أمام أكثر الظواهر الثقافية عندنا إثارة للجدل. وربما كان هذا أيضا مؤشرا على غلبة الإيديولوجي الذي حاول بكل الأشكال طمس الثقافي وطمس السؤال الذي يزعزع استقرار السائد.
كيف تقرأ رمزية دخول الروائية آسيا جبار الأكاديمية الفرنسية وجلوسها على كرسي الخالدين؟
اليامين بن تومي: لعل هذا المقدرة على النحت داخل اللغة الفرنسية هي من مكنت لآسيا جبار أن تحتل مكانة مرموقة في الأدب الفرنكفوني بعامة وتقتلع مكانتها بعمق وبجهد، وليس كما يحاول أن يروج بعض المغرضون الذين يعرفون فقط حواشي النصوص، فانتماؤها لهذه المؤسسة هي ترميم للواجهة الثقافة الجزائرية التي علينا أن نعترف انها ليس واجهة عمالة كما يصور المغرضون وإنما أوجه متعددة؛إعتراف وتقدير لممكنات آسيا العلمية والسردية والنضالية، فداخل هذا المحضن عملت آسيا جبار على إعلاء تيمات الثقافة الوطنية كما تراها، وبعيدا عن لغة الإقصاء التي تعرضت لها آسيا جبار التي لم تحض إلى الآن بتكريم في وطنها يليق بالمرأة الوحيدة في العالم العربي من تدخل إلى الأكاديمية الفرنسية والوحيدة التي رشحت أكثر من مرة لجائزة نوبل فهي السيرة المنسية في واجهة الثقافة الوطنية .
محمد مفلاح: آسيا كاتبة جزائرية مبدعة لا شك في ذلك ولها حضور قوي في المشهد الثقافي الفرنسي ولكنها لم تنتخب في الأكاديمية لكفاءتها فقط.. هذا ما أعتقده. فأنا أرى أنها قدمت خدمات كبيرة للثقافة الفرنكوفونية، ودافعت عنها في الملتقيات الدولية فنالت عضويتها في «مؤسسة الخالدين»، وقد استغلت الأكاديمية الفرنسية اسم آسيا جبار لتقديم رسالة قوية للعالم الفرنكفوني وذلك بانتخاب امرأة كاتبة غير فرنسية، فاتحة بذلك مجال «مؤسسة الخالدين» للروائي العربي اللبناني أمين معلوف.
تساوي وزنها بارود
جمال معطي: تحمل آسيا جبار فيها ومن خلال أعمالها كثيرا من القيم. انتخابها عضوا في الأكاديمية الفرنسية هي خلاصة حياة من العمل والاجتهاد والإبداع والنجاح. إنها أستاذة جامعية تحاضر في أكبر الجامعات العالمية شهرة واحتراما، إنها كاتبة معترف بها ومتوجة بعدة جوائز عالمية، في حصيلتها أعمال خالدة ترجمت إلى حوالي ثلاثين لغة. إنها مفخرة، جزائرية تجلس في مقعد الخالدين منذ 2005، في مؤسسة هي محراب المعرفة العالمية، وحين ندخل مثل هذه المؤسسة لن نخرج منها أبدا لأننا نصبح من الخالدين.
ليلى حموتان: إن وجودها عضوا في الأكاديمية الفرنسية هو تخليد لمقولتين شهيرتين لكاتب ياسين: الأولى حين يتحدث عن إن اللغة الفرنسية غنيمة حرب، والثانية وهي التي أشار إليها في المقدمة التي كتبها لرواية «المغامرة المتفجرة» للروائية يمينة مشاكرة، حيث قال « إن المرأة التي تكتب تساوي وزنها بارود».
الحبيب السائح: وجود آسيا جبار في الأكاديمية الفرنسية شأن يعنيها شخصيا وهو خيار أحترمه لها بصفتها كاتبة. ولكن، وهي تحظى بتشريف من مستوى العضوية في الأكاديمية الفرنسية، إن يكن شيء حسم لها فهو هذه التجربة التي خاضتها بسخاء لتكريس الفرنكونوفيلية كثقافة بديلة لثقافة مجتمعها، والتي أدت بها في النهاية إلى هذه العزلة الفادحة.
إنها عزلة بمذاق المنفى في ثقافة (الآخر) كما عاشها كتاب جزائريون آخرون ولكن بهامش من الاستقلالية ومن المقاومة الصامتة الموجعة للإبقاء على روابط الصلة بينهم وبين مجتمعهم، انتزعوه انتزاعا بفضل نوعية كتابتهم وقيمتها التي أبقت لهم على خصوصية لم يستطع ذلك (الآخر) احتواءها وتذويبها في فضاء كأسه.
غير أن الذي لا ينسى لآسيا جبار أنها، يوم وقوفها على منصة الأكاديمية الفرنسية، قالت في خطابها: « أتذكر دائما أولئك الصحفيين والمدرسين الذين قُتلوا في عشرية التسعينيات الماضية لأنهم كانوا يتكلمون اللغة الفرنسية ويعملون بها!» لقد كان ذلك تجنيا منها على التاريخ ودوسا على أرواح بقية ضحايا المحنة الوطنية، من مدرسين وأساتذة وكتاب ومسرحيين وإعلاميين ورجال دين، الذين يتكلمون العربية والأمازيغية ويعملون بها!
كما لا ينسى لها أنها أضافت في خطابها: « إني من السُّعاة إلى أن يكون المغرب (Le Maghreb) فرانكفونياً».
مخلوف عامر: وجودها في الأكاديمية الفرنسية، دلالة واضحة على أن الآخر يستند إلى العقل منذ عصر التنوير ولديْه التخطيط والقدرة على أن يلتقط خيرة الأدمغة التي تكسبه إضافة نوعية. سواء في لغته أو ثقافته أو توفر له مخزوناً من المعارف عن مجتمعاتنا التي تستعيد اليوم عقلية القرون الوسطى بأحْلك ما فيها من ظلام.
يوسف مراحي: لقد استطاعت آسيا جبار أن تصنع لنفسها مكانا في عالم الأفكار الجديدة. والدليل على ذلك انتخابها عضوا في الأكاديمية الفرنسية، وهو الأمر الذي يفرحني وأحييه، حتى وإن كانت بعض ذوي العقول الضيقة قد رأوا في انتخابها هذا محاولة توظيف من قبل المستعمرين القدامى. ولكنها وكعادتها وبحكمة عالية باشرت مهامها الجديدة. إن هذا السلوك المتميز هو الذي يثيرني ويبهرني لدى هذه الكاتبة.
لزهري لبتر: إنها العدالة والاستحقاق. وأيضا لا يمكن أن يغيب عن ذهننا بأنها وقبل أن تتنتخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية العام 2005، كانت قد انتخبت العام 1999 عضوا في الأكاديمية الملكية للغة والآداب الفرنسية ببلجيكا. دون أن ننسى حزمة الجوائز الكبيرة التي نالتها على أعمالها في ألمانيا وبلجيكا وأمريكا: كجائزة الآداب العالمية نوستادت بريس (الولايات المتحدة الأمريكية» (96) وجائزة مارغريت يورسنار (بوسطن 1997) وجائزة السلام للمكتبيين الألمان (فرانكفورت 2000) والجائزة الدولية بابلو نيرودا ( إيطاليا 2005) وغيرها.
يوسف وغليسي: أشعر بفخر ما لوجودها في الأكاديمية الفرنسية، وقبلها في الأكاديمية اللغوية البلجيكية للغة والأدب الفرنسي، وترشيحها لجائزة نوبل، من باب أنها «بنت البلد» لا أكثر.. لأنّ هذا الوجود هو مكسب للغة الفرنسية أساسا..
الشعور الحقيقي الذي ينتابني إزاء ذلك هو نفسه الشعور الذي ينتابني وأنا أرى زين الدين زيدان وكريم بن زيمة وسمير ناصري يبدعون في صفوف المنتخب الفرنسي لكرة القدم.
محمد داود: وجودها بالأكاديمية الفرنسية شيء جيد ولا أرى فيه ما يمس من سمعتها مادامت المسائل لا تخرج عن الاطار الثقافي والمعرفي في هذه المؤسسة الكبيرة، ولأننا في الجزائر لنا حساسية كبيرة تجاه كل ما يأتي من فرنسا، لظروف تاريخية معروفة ومفهومة، اننا ردود فعلنا فيها نوع من التسرع في الأحكام دون بحث وتمحيص وتريث، تصور لو انها تم انتخابها بأكاديمية امريكية او هولندية سيكون الموقف مختلفا بالضرورة.
رابح خدوسي: عضويتها في الأكاديمية الفرنسية تتويج لمسار قلم يكتب ويعمل بالفرنسية ويفكر بها أيضا. هو اعتراف بالكفاءة وبالجهد وكأنه ترقية خاصة أو مكافأة نهاية الخدمة كمال قال بعضهم، نتمنى أن تكون هذه العضوية داعما للفوز بالجائزة المذكورة.
إبراهيم تازغارت: وجود آسيا جبار في الاكاديمية الفرنسية برهان على مكانتها ككاتبة عالمية بهذه اللغة. عبر شخصها، يعتبر هذا الوجود اعترافا بالكتاب المغاربة الذين أبدعوا بهذه اللغة ككاتب ياسين وطاووس عمروش وآخرون الذين حملوا هموم وأمال شعبهم. انه من المفيد أن يتواجد أعضاء من نخبنا في هذه المستويات، بشرط أن يبقى التواصل مثمرا مع الوطن الام. وجودهم في أكبر الاكاديميات، الجامعات، المنتديات، المجلات والصحف العالمية ستكون قيمة اضافية في عالم يتحرك ولا يعرف له استقرار.
بشير مفتي: أقرأ وجودها في الأكاديمية الفرنسية كاحتفاء بكاتبة جزائرية مهمة تكتب بالفرنسية. وأعتقد أن الفرنسيين تأخروا في الاعتراف بها فلقد كانت مهمشة في الأوساط الفرنسية لوقت طويل أو أغلب الظن هي كاتبة بعيدة عن الأضواء ولا تجري وراء النجومية،والألمان هم الذين أعادوا لها الاعتبار ككاتبة عندما منحوها جائزة السلام التي تعتبر الجائزة المؤهلة لنوبل ولهذا اصبح اسمها متداولا في قائمة نوبل حتى وإن لم تنلها بعد. ولا أريد أن أضع وجودها كما قال البعض لخلفيات سياسية فآسيا جبار كاتبة وطنية وقدمت أعمالا روائية كشفت فيها فضائع الاستعمار ومجازره الرهيبة بطريقة فنية رائعة.
ثقافتنا تزهر بالتلاقح مع الآخر
سعيد بوطاجين: هناك عدة منطلقات يمكن التأسيس عليها لإبداء الرأي، وهناك عدة أسئلة يمكن طرحها، بموضوعية وعقلانية. ما هي الأسس التي تبني عليها الأكاديمية الفرنسية في اختيار الأعضاء المناسبين لها؟ وما هي المقاصد الحقيقية للاختيار؟ ولماذا آسيا جبار أو ليوبولد سيدار سنغور أو غيرهما، وليس كتَابا آخرين لهم سمعة دولية؟ إذا كانت الكاتبة مقتنعة بالعضوية فذاك شأنها الخاص. أما إذا وضعناها في سياق بعينه فقد تنتج أسئلة أخرى من نوع: هل تواجدها بالأكاديمية يسهم في خدمة هويتها ويعكس مواقفها الحقيقية من القضايا القومية والإنسانية، أم أنه مجرد تقوية للفرانكوفونية، بمفهومها السياسي المتعارف عليه؟ وهو بذلك عبارة عن مجموعة من التنازلات لحساب جهة بعينها حتى تكتسب مصداقية أكثر. هناك كتَاب مكرسون لهم مواقف من هذه المؤسسات الرسمية التي توزع الجوائز والمناصب، وهم أقرب إلى الموضوع لأن لهم معطيات قائمة على الملاحظة والمعايشة.
يقول الكاتب العالمي محمد ديب عن هذه المؤسسات الرسمية: إنها تعامل الكتاب العرب الفرانكوفينيين كما تعامل الخادمات البرتغاليات. ويقول الكاتب رشيد بوجدرة عن هؤلاء الذين ينتمون لهذه المؤسسات: إنهم يلعبون دور العربي الخادم، في حين يصفهم الروائي دريس شرايبي بالتيوس. أمَا كاتب ياسين فكان واضحا جدا عندما استلم جائزة الأكاديمية من الرئيس ميتران شخصيا عندما قال له: الفرنكوفونية الرسمية التي تحتفي بموبوتو وبوكاسا سنحاربها لأنها مشروع كولونيالي يهدف إلى فرض أشكال جديدة من الهيمنة. طبعا. قد تكون هناك مغالاة ما، لكنهم يعرفون فرنسا جيدا وعاشوا وكتبوا ونشروا هناك، وهم أولى بتقديم الشروح الكافية للمتلقي من حيث إنهم قريبون من المشهدين الثقافي والسياسي. أمَا على مستواي الخاص، فلا أستطيع أن أتصوَر الفكرة خارج المصلحة المباشرة للفرنسيين الذين يستعملون كل الوسائل للاستثمار بالشكل الذي يرونه مناسبا، وهم أحرار في ذلك.
حسان بن نعمان: هناك وجهان في وجود آسيا جبار في الأكاديمية الفرنسية وهذا يعود بالأساس الى تعريف الأكاديمية ذاتها.. فهي من جهة أرقى ما يمكن الوصول اليه اكاديميا في دراسة اللغة الفرنسية وثقافتها وهنا اعتراف وتقدير كبير لأعمال آسيا جبار وتمكنها من لغة ليست هي لغتها الأم، ومن الجهة الأخرى فالأكاديمية الفرنسية كانت الراعي الأول لسياسة فرنسا الفرنكوفونية منذ نشأتها على يد روشيليو سنة 1635، وهنا تجد آسيا جبار «ابنة شرشال» نفسها وريثة لتاريخ أكاديمية لا يمكن اغفال شقه المظلم هذا اذا اعتبرنا شقه المنير يخص اللغة الفرنسية وثقافتها وتطويرها
محمد ساري: أنا فخور بانتمائها إلى الأكاديمية الفرنسية لأنها كاتبة باللغة الفرنسية أولا وأخيرا، فأي أكاديمية ستحتفي بها إن لم تكن الأكاديمية الفرنسية. ومع ذلك تبقى كاتبة جزائرية تكتب بالفرنسية مثلها مثل كتاب جيلها والأجيال اللاحقة. ينبغي التأكيد على أن الجزائر بلد يحوي أدبا بلغات عديدة (العربية، الفرنسية، الأمازيغية، وربما الإنجليزية) ولا يمكن التنكر لها، لأن كتابها مواطنون جزائريون يعبرون عن هموم بلدهم باللغات التي يتقنونها لظروف تاريخية معلومة.
أحمد حمدي: انها من أعظم الكاتبات باللغة الفرنسية وقد افتكت تلك المكانة بعبقريتها، مثلما افتك الدكتور سعد الله مكانته في مجمع اللغة العربية بالقاهرة؟ – تسألني عن العرب،، للأسف لا ارى لهم وجود،،، انهم في مرحلة الانقراض،،
أحمد عبد الكريم: بصرف النظر عن الجدل الدائر بين التيار المعرب والفرنكفوني، واختلافهما في مسألة النظر والتعاطي مع اللغة الفرنسية باعتبار الخلفية الكولونيالية، أعتبر أن وجود آسيا جبار في الاكاديمية الفرنسية هو إغناء وإضافة للثقافة العربية في النهاية لأن الثقافة العربية لا يمكن أن تزدهر إلا بالتلاقح والتثاقف والتعدد، لا سيما في وقتنا الحالي حيث أخذت مسالة الهوية اللغوية بعدا آخر تجاوز ما كان سائدا من مفاهيم تقليدية.
عبد الرحمن مزيان: إن وجودها في الأكاديمية الفرنسية دليل على قوتها –قوة الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية- في فرض نفسها على الأدب الفرنسي والآداب العالمية. كما أنها عضو الأكاديمية الملكية البلجيكية للغة والأدب الفرنسي. لقد درست في بداية الاستقلال بجامعة الجزائر ثم فرض نفسها في فرنسا بتقديمها أطروحة «الرواية المغاربية الفرنكوفونية بين اللغات والثقافات» هذه التيمة وحدها تؤكد مدى وعي آسيا جبار بمسارها الأدبي. كما أنها درست الأدب الفرنسي في الولايات المتحدة الأمريكية، إجمالا مسارها المهني العلمي يشرف الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية هذا ما رمي إليه. علينا أن نجعل من الأدب الجزائري متنوعا بهذا التاريخ مع الثقافة الفرنسية. إننا نكتب ذاتنا بلغات أخرى. هذا ما يميزنا عن المشرق العربي والشعوب الأخرى. تلاحظ حين أتكلم عن آسيا جبار فإني أقصد كل المبدعين الجزائريين الذين يكتبون بلغات أخرى بالإسبانية والإيطالية وغيرها.
أحمد دلباني: وجود آسيا جبار في الأكاديمية الفرنسية؟ يثيرُ الكثير من الإشكالات بمعزل عن حضورها الروائي المتميز – هو دخولها باحة «الخالدين» في فرنسا، وأعني بذلك الأكاديمية الفرنسية. وهذا بذاته تكريمٌ واعترافٌ من أعرق المؤسسات الثقافية الفرنسية. ما في ذلك شك. ولكن الأمر يتجاوز منطق التكريم إلى سياسة الفرنكوفونية الطامحة دوما إلى جعل المستعمرات القديمة هوامشَ للمركز التاريخي من خلال اللغة التي فرضتها الأمبراطورية على أصقاع كثيرة من العالم من خلال الفعل الكولونيالي العنيف. وإنني أخشى أن يكون «حصان طروادة» الثقافي هذه المرة جاهزا من أجل تمكين المُستعمِر القديم من بسط اليد على الفضاء المتوسطي في ظل عدم تمكن الدولة الوطنية من احترام هويتها المُتعددة وترسيخ قيم المواطنة الحديثة التي تعلو على الأحادية كما مُورست بشكل سياسوي ضيق بكل أسف.
فيصل الأحمر: لقد شكل دخول آسيا جبار الأكاديمية الفرنسية علامة ثقافية فارقة، انه دخول القلم المؤنث المستعمر لإحدى أجلِّ وأهم وأعلى المؤسسات الفرنسية ( ولنقل الغربية) …القلم الآتي من البلاد المستعمرة العاجة بالأهالي، والتي كان الجدل منذ قرن من الزمن فحسب قائما في مدرسة «البليدة» للعلاج النفسي حول «هل يجوز تطبيق مبادئ علم النفس على الأهالي؟»…من منطلق عدم وضوح ان كان الأهالي بشرا يملكون نفوسا كنفوس الغربيين، ويشعرون بما يشعر به الغير…وهو القلم نفسه الذي صار يعلم اللغة الفرنسية ما لم تعلم…وهو القلم الجزائري المؤنث (هذا الجنس المحقور الذي كان منذ قرن يسمى باسم جامع شديد التحقير les fatmas أي أن أي امرأة هي بالضرورة كائن يدخل في هذه الخانة) الذي صار ينطق فيما يصمت الرجال متعلمين الحكمة ومدارج فنون القول، ومكتشفين ما تختزنه السلالات الصامتة من قول كامن مضمر.
الباحثة ذهبية عمور: أعتقد أن آسيا جبار وهي تجلس في الأكاديمية الفرنسية منذ 2005، قد انتقلت إلى فصيلة الخالدين من الكتاب باللغة الفرنسية.
الملف من إعداد وتقديم: أمين الزاوي: روائي وأكاديمي من الجزائر يكتب باللغتين العربية والفرنسية