بلغ عدد المعتقلين الذين تمكن المرصد السوري لحقوق الإنسان من توثيق موتهم جراء التعذيب الذي تعرضوا له نحو 2108، كلهم ماتوا داخل معتقلات وسجون وأقبية فروع مخابرات النظام خلال العام المنصرم 2014، بعضهم سلمت سلطات النظام جثامينهم لذويهم، فيما تم إبلاغ آخرين بأن أبناءهم قضوا داخل المعتقلات لأسباب متعددة، وطلبوا منهم إخراج شهادة وفاة لهم، كما أُجبر ذوي آخرين من الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب داخل معتقلات النظام، على التوقيع على تصاريح بأن مجموعات مقاتلة معارضة هي التي قتلتهم.
ومن ضمن الشهداء الذين قضوا في معتقلات وسجون النظام وأقبية فروعه الأمنية وثكناته العسكرية، 27 طفلاً دون سن الثامنة عشر، و11 مواطنة فوق سن الثامنة عشر، وقال المرصد إن هناك معلومات تشير إلى وجود كثير من الحالات لمواطنين استشهدوا تحت التعذيب داخل معتقلات النظام، تحفظ فيها أهاليهم وذووهم، على إعلان وفاتهم، خوفاً من الملاحقة الأمنية والاعتقال.
ولسنا بحاجة لإيراد شهادات عن طرق التعذيب المتبعة في سجون النظام فكثيراً ما سمعنا عن الأهوال التي تحدث في معتقلاته وسجونه، وعن الوحشية التي يُعامل بها المعتقل أو السجين، حتى باتت أصدق عبارة تصف حال تلك المعتقلات أن "الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود".
وكثيرة هي الدراسات التي تناولت وضع المعتقل، والآثار النفسية التي يتركها التعذيب عليه، لكن نادراً ما نقرأ عن نفسية القائم بالتعذيب، ولماذا يفعل ما يفعل من جرائم دون أن يشعر بالذنب؟
هل هم بشر؟
يبيّن الفيلسوف والسياسي الفرنسي "جون بول سارتر" الهدف من التعذيب قائلاً: «ليس هدف التعذيب مجرد انتزاع الاعتراف بارتكاب الخيانة، لكنه، لابد وأن تقوم الضحية بإذلال نفسها، عبر الصرخات وعبر الخضوع كحيوان - آدمي وفي أعين الجميع، وفي نظرتها إلى ذاتها، لتكون فقط قد استسلمت تحت وطأة التعذيب، وأجبرت على البوح، بل تكون أيضاً قد حملت وصمة أبدية، بأنها أقل قيمة وشأنا من كونها إنساناً». جون بول سارتر.
ويقول الباحثون إن الدراسات حول القائمين بالتعذيب دراسات قليلة بالمقارنة مع تلك التي تقوم حول التعذيب نفسه أو حول الضحية التي تتعرض للتعذيب. وفي سورية التي شهدت أبشع حالات التعذيب كثرت الشهادات حول المعتقلين ومعاناتهم في سجون النظام، لكن لم يتطرق أحد لدراسة حال القائمين على التعذيب في تلك السجون، والسؤال الذي نسمعه ممن حولنا عندما نرى صور معتقل قتل تحت التعذيب، هل القائمون بالتعذيب بشر حقاً أم أنهم وحوش خالية من الإنسانية؟
تقول الدكتورة نسمة وهي أحد الباحثات النفسيات: «لا يقوم بالتعذيب إلا الكائن البشري، أما الوحوش فإنهم يفتكون بالضحية دون تعذيبها، فالعملية عند الوحش هي عملية فطرية غريزية، بينما هي عند الإنسان عملية واعية، تجري لأهداف معينة.» وتضيف: «القائم بالتعذيب غالباً يكون مقتنعاً بأنه يخدم وطنه أو ولي نعمته، وهو بالتالي لا يشعر بالذنب، ويصمُّ أذنه وعقله عن كل الصرخات والتوسلات التي يسمعها من ضحيته، وهو بالتالي، وكما بينت الدراسات إنسان قليل الثقافة، من بيئة اجتماعية لا تحفل بالقيم والأخلاق، يخضع للإغراء المادي والمعنوي، ويخضع لتدريب معين حتى يتقن التعذيب ويستطيع ممارسته دون شعور بالذنب.»
تدريب على التعذيب
ويذكر أحد عناصر الأمن المنشقين مفضلاً عدم الكشف عن اسمه أن «أحد فروع مخابرات نظام الأسد الموجود في دمشق مسؤول عن تدريب ضباط وعناصر المخابرات وإجراء الدورات لهم، ويقوم هذا الفرع بتدريب السجانين والجلادين على مهامهم ويدرب ضباط التحقيق على فنون استعمال وابتكار أساليب التعذيب المختلفة النفسية والجسدية وسبل تدمير نفسية المعتقل.» وبيّن أن هذا الفرع «تعامل مع ضباط مخابرات غير سوريين من دول حليفة للنظام كالاتحاد السوفيتي ورومانيا سابقاً لتنظيم دورات التدريب على الاختصاصات المختلفة، ومنها أساليب التعذيب».
وتكشف صحيفة (صنداي تلغراف) عما وصفته بالعالم السري العنيف والوحشي المظلم لـ"الشبيحة" الذين تحولوا من دور المهربين والمجرمين في نظام الأسد إلى دور الموالين للنظام والمتعطشين للدماء. وتنقل الصحيفة عن الطبيب مصعب العزاوي المقيم في لندن بعد أن غادر اللاذقية قوله «إنهم كالوحوش، لديهم عضلات ضخمة، ولحى طويلة وبطون كبيرة، قامتهم طويلة ومنظرهم مرعب، ويأخذون المنشطات لتضخيم أجسادهم.» ويضيف «كنت أضطر للحديث معهم كالأطفال لأن مستوى ذكائهم متدن، وهذا ما يجعلهم مصدراً للرعب، خاصة عندما تجتمع القوة الوحشية مع الولاء الأعمى للنظام.»
وقد قام هؤلاء بمختلف أنواع الجرائم في الحرب السورية الممتدة منذ أربع سنوات سواء خارج معتقلات النظام أم داخلها لصالح النظام وبدون أدنى تأنيب للضمير.
مريض نفسي
وتشير الدراسات إلى أن عنصر الأمن الذي يقوم بعملية التعذيب يتعرض لنكسات نفسية خطيرة، فقد قيّم طبيب نفسي حالة رجل من هؤلاء الذين يمارسون التعذيب في السجون وسجل أن هذا الشخص يعاني من "اضطراب كرب ما بعد الصدمة"، وهو اضطراب نفسي شديد، وأنه يمتلك ما يمكن وصفه بـ"ذاكرة متشعبة" أو "ذات أنفاق"، تسمح له بصد الجوانب غير السارة لمواقف معينة، كي يتمكن من التأقلم معها، وبالتالي فهو يتأقلم مع مظاهر التعذيب، ولا يكاد يشعر بضحيته!.
ويذكر مركز توثيق الانتهاكات في سورية في تقرير سابق له نشر في سبتمبر/ أيلول 2013 وصف أحد المعتقلين السابقين لأحد السجانين الذين كانوا يقومون بتعذيبه قائلاً: «أحد المحققين الذين كانوا يتولون عملية التعذيب وكان متوحشاً جداً هو المساعد أحمد الحسن، كنا ننصح من يدخل إليه من المعتقلين الجدد أن يعترف فوراً أنه كان مسلحاً وأن يعترف على والدته وأخته أيضاً أنهم مسلحين! لا داعي للنقاش أبداً معه، لأنه شخص متوحش جداً، والكثير من المعتقلين ماتوا تحت التعذيب على يديه أثناء التحقيق. وهو مربوع القامة طوله تقريباً 160 سم، شعره مجعد.»
وعمل نظام الأسد منذ أيام الأب حافظ الأسد على تدريب عناصر تابعة له، لا يهمها شيء سوى تنفيذ أوامره، دون شعور بأي تأنيب للضمير. حيث نشرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان قبل سنوات شهادة لأحد عناصر الأمن الذين اشتركوا في تنفيذ مجزرة تدمر التي حصلت في عهد حافظ الأسد في 27 يونيو/ حزيران 1980، وقُتل فيها مئات السجناء السياسيين بدم بارد من قبل عناصر الأمن التابعين لنظام الأسد، حيث يقول إنه سأل زميلاً له اشترك بالمجزرة كيف تمت فرد عليه: «كانوا يفوتوا إلى الغرفة اللي فيها السجناء يفتحوا الباب يطخوهم مباشرة بدون سؤال بدون أي كلام فقلت له طيب هذولاك ما كانوا يستنجدوا قال كانوا يستنجدوا وكانوا يقولوا الله أكبر، وكانوا يقولوا لنا مشان الله، مشان محمد، مشان أمك، مشان أختك، مشان ما تقتلنا، قال لي إنه ما كانوا يستمعوا لها لحكي هذا نهائياً وطخوهم بعدين طلعوا.»
متى يخاف؟
ومن اللافت للنظر أن نعرف أن القائم بالتعذيب يحاول بكل ما يملك من قوة إذلال ضحيته، ولا يشعر بالخوف إلا في حالة مواجهة ضحية لا تستسلم ولا تخضع، ولا تتراجع عن مبادئها، وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين: «إن القائم بالتعذيب يبحث دوماً عما يؤكد معتقداته ومبادئه الخاصة، وعلى ما يوطد كفاءة تصرفاته في كلمات الضحية وانفعالتها، فإذا لم تخضع روح الضحية مع خضوع جسدها، ينتاب القائم بالتعذيب إحساس بالهزيمة، ويصبح مدحوراً، وينتابه الخوف، مع كل نوبة تعذيب جديدة يقوم بها.»
وجاء في شهادة أحد السجناء السياسيين السابقين «لقد قاموا بتعذيبي لأنهم أرادوا الحصول على المعلومات، وأيضاً لأنهم أرادوا أن يكسروني، بحيث يرى الآخرون ما يحدث، حينما يعارض المرء الحكومة.»
ووصف أحد الدارسين التعذيب السياسي بأنه فعل ذو دلالة عدوانية تجاه المجتمع، وليس ضد فرد بعينه، وإنما يتم استخدام الضحية كوسيلة للإعلان عنه فقط، حيث لا تنفصل الصورة الذاتية لهذه الضحية، عن الصورة الذاتية للمجتمع في أغلب الثقافات.