العنوان ودلالتــــــــــــــه
(كش وطن ) رواية من إصدارات دار سطور للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى 2015 للروائي العراقي شهيد والمؤلفة من (30) فقرة و (122) صفحة من الحجم المتوسط .......
عنوان الرواية يحيل في دلالته المتعارف عليها إلى لعبة بين ملكين على رقعة شطرنج ، تشير نتيجة اللعبة إلى تفوق اللاعب (الملك) اللاوطني على لاعب الملك (الوطن) بإعطائه إنذار ب)كش الوطن( فقد اصبح في كماشة العدو وهو مهدد بالموت ان لم يتمكن اللاعب الوطني من انقاذه بنقلة ذكية ، هذا اللعب يجري طبعا على رقعة محددة تدعى الوطن هذه العبارة او هذا العنوان الذي استعاره الكاتب من جدران احد غرف (العاهرات) مضيفا إليها ثلاث نقط لتتحول من شتيمة يائس إلى جرس تحذير مدوي ينذر بقرب موت الوطن «العبارة الأخيرة هي الوحيدة التي تصرفت بها ، لقد أضفت ثلاثة نقاط الى الكلمة الأولى منها» ص42....... خطها احدهم وهو في لحظة يأس وتعري كاملة، خارج كل قيود واشتراطات المجتمع والسلطة وخارج سيطرتها وتجاوزا لها ، خطها داخل المبغى «المبنى الحقيقي في التاريخ ، هو وحده المبنى الصريح فيه ، يسمي نفسه باسم حقيقته، هو الوحيد الذي يعترف بأنه يقدم الخطيئة ، هم يسمونها خطيئة، نعم هي خطيئة ولكنها خطيئة جميلة، يطلقون عليها هذه التسمية ليلا على الرغم من كونهم يمارسونها نهارا.» ص64
اللعبة هنا تجري بين قوى قاهرة ، مزيفة ، منافقة تستحوذ على المال والسلطة والجاه ، كل هذا يجري باسم الوطن والدين والاخلاق والقيم الانسانية ، على حساب فقر وعوز وموت الاغلبية المهمشة المقهورة المستلبة ، حيث الجوع والمرض والعراء في مقابل التخمة والبذخ ، هذا الجزع حد الاضطرار الى بيع الجسد من اجل الحصول على لقمة العيش او ابسط مستلزمات الحياة ، مما يفقد الوطن معناه الا وهو العيش الكريم الامن والمرفه علىرقعةمحددة منالارض ،(المواطنون فيها متساوون كاسنان المشط).... واذا باسنان المشط تتحول الى اسنان ذئب مسعور تلتهم لحم الفقراء والمستضعفين من دون رحمه ، ذئب يلبس قناع الراهب والناسك والزاهد والمصلح والحاكم العادل والقائد المخلص ، وبذلك فان هذا الوطن (الملك) سيكون معرضا للموت والهلاك وفقدان الروح والمعنى فهو اذن مهدد مكشوش على رقعته ....
تبدو لي ان كل حكايات الرواية تم تو ظيفها من أجل تبرير هذه (الكش) او بالاحرى العمل من اجل تفادي هذ ه ((الكش)) من الحفاظ على حياة الوطن ....
مصباح الحقيقة يمزق اقنعة الواقع المزيف:-
باسلوب تتبادل فيه السخرية الفاقعة والتراجيديا المرة يحاول الكاتب ان يكشف لنا زيف المبجل والمقدس والمهيب والمتعفف الزائف وعلى مرحلتين المرحلة الاولى وهو يمارس دور (القواد) مالك المبغى دار العهر ، ومانح جوازات المرور الى بيوت اللذة لزبائنه من مختلف المستويات والطبقات والمراتب الاجتماعية حيث يتعرى الانسان ويظهر على حقيقته متجاوزا لكل الضوابط والالتزامات المفروضة عليه ، فيشهد انتحار الكهل المحروم على جسد العاهرة مبتدعا طريقة غير مالوفة للموت ، فالمالوف في هذا الوطن الموت شنقا ، سحقا ، الاعدام بالرصاص ، الموت في جبهات الحروب العبثية او الموت فرما بمكائن ثرم الحكام القتلة او بقطع الرؤوس بسيوف وبلطات حراس الفضيلة «حين قام صاحب السيف برفع الراس وصاح (الله اكبر) شعرت باننا لسنا مخلوقات الله ، نحن مخلوقات رب اخر غير متواجد هذا اليوم، استغل الذباحون غيابه وفعلوا فعلتهم » ص49
يستعرض الكاتب مؤسسات الدولة كاشفا اشتراكها جميعا في سلوك العهر والقوادة المشرعنة ، مؤسسة الشهداء، القضاء، الادعاء العام ، المؤسسة الدينية وادعياء الدين والتدين «ان رجل الدين قواد مقنع وانت ايضا ياسيادة القاضي\ وارجو ان لاتزعل مني \قواد مقنع» ص110.
كما ان الكاتب يرى ان العهر الممارس في دور البغاء اشرف من العهر المقنع الذي يمارس في الخارج ضمن سياق الممارسات اليومية لكثير من ادعياء العفة والفضيلة هؤلاءاللذين باركوا للقواد افتتاحه للمبغى من اصحاب السيادة والفخامة والقداسة من رؤساء اعظم الدول الى اصحاب اكبر المناصب والمراتب الدينية ....
يرى الكاتب «ان الدعارة نشاط فلسفي ينطوي على رؤى احتجاجية عميقة»ص29
للعهر تاريخ يمتد بدايات استغلال الانسان للانسان منذ عهد افلاطون وزيف جمهوريته الفاضلة القائمى على اكتاف العبيد ولحين التاريخ ، فجسد المرأة هو الشاهد الاكبر على مدى زيف وظلم البشرية التي لم ترتقي الى مستوى انسانيتها لحد الان .... فمتى انعتق جسد المراة من الاغتصاب وتحررت المراة من العهر عند ذلك يمكننا القول ان الانسانية بلغت سن الرشد وان شمس الحرية والعدالة قد اشرقت على العالم بحق. يتمرد على الممارسات والطقوس الديننية بعدما انغمس فيها حد التماهي ((علقت بخيمة التدين بقيت معلقا بتلك الغيمة لعدة سنوات ، انظر الى الاشياء من موقع اعلى ....)) ص 14 ولكنه يكتشف زيفها بعد ان زاره ((ابو نظمي)) طالبا التوبة على يده مما جعله يتمرد على الجامع حيث را ى ((ان المكان الذي اتواجد فيه ما هو الا حمام لغسل الرذيلة...)) ص15.
فليس غريبا اذن ان يترك المسجد ليلجأ الى المبغى ليتعرى ويطهر ذاته في المكان الوحيد الذي لا يعرف الزيف !!
حيث يرى الزاني والسارق والقاتل المجرم والمرابي والحاكم الجائر ان بامكانه غسل ذنوبه والتخلص من اثامه بالتوبة بالقرب من شيخ او امام المسجد ليغسل ذنوبه ويعيده نظيفا كما ولدته امه ..... مما يفتح امامه مجا واسعا لارتكاب المعاصي والذنوب وظلم الناس ومن ثم يقصد المسجد ليغتسل من جديد وهكذا ....
مجتمع يعيش الزيف والقوادة والعهر عبر مهادنته للظالم واغتصابه حقوق الاخرين وعدم احترام انسانيتهم ولكنه يدعي الفضيلة ويتلون حسب الحاجة والطلب ك ((ابو نظمي)) مرة قواد ومرة رجل يطلب التوبة من عاش اوهام التدين ، ومرة مرشد يسدي النصائح للمحكوم بالاعدام بتهمة ((القوادة))!!!!
((ذلك الوجه المتخصص باهانتي هو يظهر من جديد ولكن هذه المرة بلحية طويلة وجبهة موشومة بعلامة داكنة ،"ابو نظمي" يتلو علي ارشادات دينية )) ص121.
مجتمع مسربل بالشعائر والمظاهر الموهمة بالتقوى والفضيلة والتراحم ، يجوع فيه نسائه واطفاله يتعرضون لخطر الموت بسبب عدم القدرة على تحمل مصاريف العلاج والدواء ، المخلص قواد تقمص دور باحث اجتماعي ، وطبيب بوذي لا علاقة له بدين الاسلام دين الرحمة والتكافل الاجتماعي (( احب لاخيك ماتحب لنفسك واكره له ما تكره لها ))(( ومن بات شبعانا وجاره جائعا اكبه الله على منخريه في نار جهنم))، يبدو ان المسلمين لايرون في هذه الاقوال اكثر من دعابه وخراعة لاتخيف الا السذج ...!!!!
حتى يوم الحساب وأمام الرب يتوجه اهتمام الحساب صوب القضيب المنتصب هذا القضيب رمز العزة الوطنية التي لا تنحني حتى في أقسى الظروف كما حدث مع المقاتل كريم الذي فقد قضيبه في المعركة منتصبا مضحيا بأغلى ما عنده لكي لا يصاب الوطن بالعنة ((عز عليك ان يكون وطنك عنيناً)) ص37 ، حتى في يوم الحساب تتجه الأنظار صوب القضيب رمز الفحولة والذكورة في يوم القيامة والحساب كما في الحياة الدنيا(( قام احدهم بحز قضيبي المنتصب ، قطعه وألقاه في جهنم ، تركوني هناك اصرخ وأنا أشاهد النار تأكله )) ص116!!
لا يبدو هذا غريبا الم يكن فعل هذا القضيب هو السبب وراء طرد ادم من الجنة إلى ارض بعد أن كشفت الثمرة المحرمة سر المتعة واللذة في ممارسة الحب بين الرجل والمرأة كاشفا لذتهما في كشف واتحاد سؤتيهما .....فهل هناك تواطوء بين السماء والارض لكبت ورجم هذه المتعة المشتهاة وهي من ضمن خصائص البشر التكوينية التي خلقها الله ، وهي سر تكاثرهما واستمرار الجنس البشري فما هو سر تحريمها ؟؟؟؟
الخلل ليس في هذه الممارسة ولكن الخلل والخطيئة في سلعنة الجسد وتحول المتعة الى بضاعة تباع وتشترى كما اخبر ((القواد)) القاضي بذلك عند محاكمته ....
ووطن يترك زوجات شهدائه ومن ضحى في سبيل سيادته وكرامته وحمايته من الغزاة عرضة للابتزاز والعوز والاضطرار لبيع الجسد من اجل لقمة العيش كما هو حال ((بلقيس)) العاهرة الباكية الحزينة التي فارقت زوجها العريس الشاب تحت ذريعة الدفاع عن الوطن (( لقد ذهب زوجي شهيدا بمقاييس الوطن ليخلفني ورائه عاهرة بموجب نفس المقاييس ...... الوطن قوادي الاول )) ص23، هذه ((العاهرة )) التي احدثت ببكائها خللا اصاب المنظومة الكونية وخل ازمة في وعي الجمال، وامثالها الكثير في بلد لم يسترح من الحروب الخارجية او الداخلية وعلى مدى تاريخه الطويل ...... مما ادى الى ((ان شعبه لم يجد غير المباغي وسيلة للهروب من الواقع )) ص27 واقع القهر والحوع وكبت الحريات والتشرد والحروب العبثية ، وحالة الاذلال والمهانة التي يتعرض لها المواطن من قبل السلطة والاعراف الاجتماعية المتخلفة .....
الروائي يختتم روايته بالمدهش الغير متوقع ولكنه يمتلك دلالة عميقة في كون من يلف حبل المشنقة على ((القواد)) ، على الذات المتمردة المتجاوزة هو ((المثقف)) مثل البطل وملهمه فكرة التمرد والتجاوز عبر رواياته وافكاره انه المرموز له ب((عبد الرزاق الجبران )) هنا ليكمل حلقة التردي في كافة شرائح وطبقات ومؤسسات المجتمع والدولة بما فيهم ((المثقف)) و المثل المحتذى .... انه العهر الذي ينخر البناء الاجتماعي المبني على الزيف والدجل ليصدق قوله على نفسه بعد كل هذه الخيبة ((.. اشعر بانني نبي ارسل في غير آوانه )) ص69.
والرواية تقول :- لا المواعظ الدينية ولاسلطة القمع البوليسي او الاجتماعي قادرة على القضاء على الدعارة في ظل التفاوت الطبقي والفقر والحرمان وانعدام حرية الاختيار والتحر ر من قيد الضرورة ..
قول في الحبكة واسلوب السرد
*الرواية بفقراتها الثلاثين يمكن ان تكون عبارة عن قصة طويلة اقرب منها للرواية ، فالسرد يجري على لسان الرواي العليم المهيمن السائد على امتداد الرواية التي يمكن تصنيفها ضمن الواقعية الانتقادية ، يتحدث عن انفعالاته وردود فعله العاطفية والنفسية وتحولاته الفكرية والمعرفية وما يتبعها من سلوكيات يومية ، في حين لاتحضى الشخصيات الثانوية في الرواية اهتمام كبير من قبل الكاتب للدخول الى عوالمها الداخلية وتحولاتها والبواعث الحقيقية لسلوكياتها وهذا اهم اركان الرواية ومن اهم ما يميزها عن القصة القصيرة والقصة الطويلة ويكسبها حق التجنيس والحصول على هوية الرواية ......
*ثيمة الرواية, موضوع الدراسة تتطلب عملا ضخما يتناول الظروف الاقتصادية والثقافية والنفسية للمجتمع في واقعه المعاش والاسباب الكامنة وراء مثل هذه الظواهر المنكرة في الظاهر والمقبولة والمرغوبة في الباطن والاسباب الكامنة وراء فساد المؤسسات الحكومية والمنظمات الاهلية نرى ان الكاتب عمد الى الاختزال وسحب الكثير من الاضواء الكاشفة لشخصياته الثانوية ، من اجل ان يكون العمل رشيقا مقروءا ميسرا.....
*((ابونظمي)) قواد احترف هذه المهنة حسب الظروف الاجتماعية السائدة ، وبطل الرواية احترفها مختارا وقام بفتح مبغى لممارسة الدعارة ، السؤال هنا ما هو سبب كره البطل لزميله ((ابو نظمي)).
هل بسبب منعه من المتعة في المرة الاولى والثانية؟؟؟.
او هو بسبب تلونه وتحولاته من حال الى حال ، مرة قواد ، واخرى طالب للتوبة وثالثة رجل دين وواعظ ومرشد ، واذا كان هذا هو السبب ، الم تجري مثل هذه التحولات على الراوي ((القواد)) نفسه ؟؟؟ مما يترك ثغرة في المعادل الموضوعي للحدث.... يبدو ان مبررات الكره والهروب من شخصية القواد ((ابونظمي)) من قبل زميل له في المهنة غير مبررة
* مجهولية مصير ((علي الوردي)) الباحث الاجتماعي الذي تعرض للسجن حين مداهمة المبغى ، وهو يقوم بدور ((القواد)) وليس بدور الباحث الاجتماعي حيث تمت عملية تبادل الادوار بينهما ...
*هل يعتبر امرا مقنعا او هو حالة من التقليد في تتبع نتاج وسيرة أديب أو كاتب معروف ليكون ضمن الحكاية السردية للرواية وخصوصا بالنسبة لكتاب الرواية الحاليين كما هي رواية ((فرنكشتاين في بغداد)) ودخول الروائي عبد الرزاق الجبران ضمن رواية ((كش وطن )) للحلفي وهي ظاهرة يفترض الوقوف عندها من حيث السلب والايجاب وماهي الضرورة الابداعية لها ، وهل هي من قبيل الامانة الادبية في عملية التناص او تدوال الافكار او علامة قصور في القدرة الابداعية للكاتب؟؟؟؟