أنا على حافة شيء ما لا أعرف ما هو بالضبط، أو أنني أعرف ولكنني أخاف أن أسميه، فالأشياء عادة ما تصبح موجودة بالفعل من خلال تسميتنا لها. الشيء الوحيد الذي أعرفه حقا هو أنني غير متأكد عما إذا كان هذا المنحدر سيقودني إلى السفح أم إلى القمة. لا أعرف ما ينتظرني هناك في الضفاف الأبدية لحافة الزمان. تجربة حب ستتبخر فيها أنفاسي، أم تحلل للخلايا الباقية من دماغي.

مأساتي الكبرى لطالما بحثت لها عن لغة تصوغها ولكن هيهات، كل ما بوسعي أن أقوله هو فقط أنني أسكن هذا الجسد الذي لا زمني مدة طويلة حوالي 45 سنة وأنا أدور مع هذا الكوكب حول الشمس في هامش صغير داخل المدى اللبني لمجرة من بين ملايير المجرات التي يضمها هذا الكون. وأنتظر أن يحدث شيء ما، حدث خارق يعيد لي وللبشرية جمعاء، السؤال الأساسي حول معنى الوجود. لا أقصد حربا أو احتراقا نوويا، ولا حتى ترقية إدارية، أو بذلة و حذاء جديد. ولكن حدث من طبيعة خاصة لا أعرفها بالضبط. ربما أن أبكي الليل كله بدون انقطاع، وفي الصباح عندما تجف الدموع أعوضها بضحكات هستيرية.

وان تقمصت روح فراشة، أو سكنت قلب أسد، أو جسد حوت ضخم يجوب البحار العظيمة الباردة، هل أكون بذلك قد غادرت نطاق الإنسانية، هل يكون هذا هو الحدث المنتظر. ألا تجعل فكرة التقمص الحدود بين ما إنساني وما هو حيواني جد ملتبسة. الألوهية حاضرة في كل مكان فيما هو إنساني وفيما هو حيواني.فيما هو قريب وفيما هو بعيد، في صدوع الحياة وفي ندى النجوم.

الصيف يأتي بهوامات لا تحتمل، هناك البق والبرغوث والقمل، أما الذباب فهو أكبر حشرة مشاغبة فوق الكوكب. في الصباح يسلي نفسه بأن يمارس طنينه البليد فوق رأسي، يترك المطبخ وبهو المنزل، وكل الغرف الفسيحة، ويتقصد عنوة عزف سيمفونيته فوق أذناي، مهما طردته يعود مجددا. أتساءل أحيانا ما الجدوى من خلق هذه الحشرة الكريهة، و ما الدافع الذي أدى إلى خلق كل هذه الوحوش الكاسرة في غابر الزمان الديناصورات الضخمة والتيرانوصورات والتنانين المحلقة التي كان بإمكانها أن تقتنص فيلا بمخالبها وتصعد به إلى رأس الجبل كي تلتهمه. لقد أدى اختفاء هذه الكائنات العملاقة إلى ظهور الإنسان، ولولا ذلك النيزك الذي أبارك ساعة الطلع السعيدة التي صدم فيها كوكب الأرض، لما كنت هنا الآن أكتب هذه التأملات "اللاميتافيزيقية".

وهذا الذباب أيضا كيف لي أن أدرك سر وجوده وأنا لم أدرك حتى سر وجودي الخاص. في ماذا يفيد وجوده وجودي سوى أن يفسد علي لذة النوم في هذا الصباح. ألا يمكن أن يؤدي اختفاؤه إلى ظهور مخلوقات أخرى. وأي كائن يمكن أن يعقب اختفاء الإنسان كذلك.

أتوسل إليك أيتها الذبابة أنشري طنينك في مكان آخر، دعيني أغرق في عذرية هذا الحلم. الحدث بالنسبة لي هو أن أنام كما ينام الأطفال، وأستيقظ كما تستيقظ الحياة وهي تضع مشيمتها على الشاطئ.