يصور القاص العراقي الشاب العالم الباطني لشخصية شاب يعاني من ضغط الكبت الاجتماعي والجنسي في مجتمعاتنا المتحفظة الصارمة شكلاً، وكيف يفعل الكبت في باطن الشاب ويحيله إلى كوابيس تضغط على عالمه الدفين وتأرجحه على حافة الجنون.

العارية والمجنون

كـرار ناهي

كانت الليلة باردة جداً، لا مدفأة ترخي عضوه المهجور، لا يد تتلمسه بهدوء، فقط كانت هناك رائحة للجوع، وسحابة سروال متمردة تنفتح كل صباح، وتنغلق حينما تموع قوالب الثلج ،

- من فتح سحابة سروالي ؟
- يدك.
- أين يدي ؟
- لا اعرف.
- ربما نسيتها على المغسلة ؟

ذهب كي يبحث عن يده، في ثلاجات الموتى، وسيارات الإسعاف، ومراكز الشرطة، وسجلات المفقودين، من يعرف بأسرار الجسد غيره، من غيره يجعل الصراخ في محراب اللحم صمت، في كل يوم يغرز عضوه في الحائط، ينجب الحائط أنبياء وشياطين ، الأنبياء يولدون لأنه يعاني من كبت جنسي مؤلم، والشياطين هي رؤوس بيضاء خرجت من رحم الوجع الانتصاب، الحائط مرسوم علية جسد امرأة عارية، المرأة العارية يحبها مجنون، كل صمت يصرخ فيها، يقف أمامها، يدخن سيجارة، ثم يدخن أخرى، ثم أخرى.

- هل أنت الجدار؟
- لا بل أنت.

التفت يميناً ويساراً لم يجد احد غيره، وقبل أن يكمل رن هاتفه

طرررررررررن
طرررررررررررررن
طررررررررررررررن

- الو
- الو
- من أنت؟
- أنا...
- نعم أنت؟
- أنا أنا الذي ليس أنا.

وفجأة نظر إلى المنضدة التي تحمل الهاتف، وجده لا يرن وصوت الرنة كانت تساقط قطع الصبغ المرطوبة. دنى من الهاتف وكتب علية لوحة لكلام غير مفهوم :

- الهاتف وسادة الأذن.
- الموت نهاية الهاتف.

حدق أكثر من اللازم في غرفته التي تحاول التهامه كوحش اسود ملطخ فمه بالدماء والتي علق عليها لوحات عبارة عن تقاسيم تدعو لركل العالم عن الروح وركل الروح عن العالم بالبصاق والأحذية التي تحلم بعدم تأطير المسافة قرأ لواحاته التي هي :

- كف اسود بأربعة أصابع ...
- امرأة يأكل في رأسها غراب ...

أثناء مطالعته لنصف هذه التقاسيم المتهمة بالحياة والأمل دق عليه الباب رجل يعمل منظف في المقبرة :

-من الطارق؟.
-رجل الأموات!.

فتح الباب وقال له:

- هذا الإصبع الخامس بعثته جثتك من القبر!.

أغلق الباب وعاد إلى غرفته محدقاً في إصبع لوحته. رن الهاتف مرة أخرى.

طرررررن
طرررررررررن
أجيب أو لا؟.
سأ ............
ووو رفع سماعة الهاتف.

- الو ..
- الو ..
- تعال حالاً.
- إلى أين؟
-إلى المقبرة.
- لماذا؟.
- لكي تراني.
- من أنت؟.
- أنا أورام.
- من أين طريق المقبرة ؟.
- ادخل في فمك.
- دخلت.
- اصرخ.
- آ آه.
- أقوى ...؟
- آه آه آة آه آه آه آه آه آه آه

حتى دخل عليه صديقه الذي كان متأكداً من أن نهايته ستكون الجنون، فأخذ يضربه على وجه كي يصحا من الكابوس.

- ماذا بك ...؟
قال له :
- لقد وردني اتصال هاتفي من جثتي الميتة!.

خرج صديقه فبقى لوحده. أدرك كم أن الليل طويل ، والوحشة فم التهم الأصابع ، ولازال قلبه يحلم بجسدها العاري ، وتقاسيمه المذهلة. وقف أمامها عارياً مثلها، عانقها كما تتعانق السيوف والرقاب، كما تتعانق الأسماك بالأحواض والأنهار، بالتحديد عانقها كما تتعانق أغصان الأشجار حينما يشتد وقع الريح على المدن ، وبعدما خيم الهدوء على شراعه الذي تلوى بين رياح الصمت والصراخ ، نهض من غيبوبته أسدل البردة على جسدها المرسوم على الحائط، اغتسل بالماء ونظف نفسه من الرائحة والعرق، جلس قرب مكتبته وأدرك كم كان حيواناً، أطلق النار على جسدها، وترك قضيبه بين قدميه ونام.