بعنوان طائر الفينيق الذي احتوى على ثلاثة مجموعات قصصية قصيرة جداً للكاتب نواف خلف السنجاري. صدر عن المركز العام لاتحاد الأدباء الكُرد المطبوع الـ 94 لسنة 2013 من مطبعة شهاب في اربيل.
نواف من جيل المبدعين الشباب الذين مارسوا الكتابة في أكثر من حقل وشملت كتاباته القصة .. الشعر .. القصة القصيرة جداً .. بالإضافة الى كتاباته الصحفية .. وهو بالرغم من غزارة إنتاجه وتواصله الدؤوب مع الإعلام والصحافة يدقق في لغته الرشيقة ويتجاوز الإطناب ساعياً للتكثيف والاختصار دون ان يفقد بوصلته ومسعاه وهدفه للتعبير عن الحالة التي يرصدها ويقتنصها ليوظفها في إبداعه.
يختار الحكايا والقصص من بيئته المحلية ومحيطه ويعيد بنائها من خلال ما يكتبه بأسلوب جديد وجميل يوثق بها ذاكرة الناس ويلتقط من فلكلورهم وعاداتهم الكثير وهو بهذا المحتوى كاتب محلي وفي لبيئته وناسه البسطاء الذين يقص عنهم حكاياته وقصصه الواقعية التي تحمل همومهم وتتحدث عن آلامهم بأسلوب ممتع ساخر بأقل ما يمكن من الكلمات.
وهو في ذات الوقت ناقدٌ متمردٌ رافض للسلوك الخاطئ والعادات السيئة والميول والنزعات الانتهازية لدى البشر يجسدها في سخريته اللا محدودة التي ترتقي به الى مصاف الأدباء والمبدعين الذين خلدتهم أعمالهم الإبداعية .. السنجاري يسير في ذات الطريق .. يجيد السخرية .. يكتب عن الخيبة .. الانكسار .. الذل .. الوضاعة .. بمرارة تدفع القارئ لتجاوز محنته وضعفه وانهياره المحتمل وتشحنه بجرعة أمل تساعده في اتخاذ موقف .. هو ذاته موقف الكاتب مما يدور من حوله ، لهذا تراه يحدث نفسه عن فقدانه لأبنه مرة ويهمس لزوجته حيناً وهكذا مع أصدقائه كما يتحدثُ مع الوزير ورجل السلطة و المسئول دون ان يغير من لهجته ، بذات الكلمات يعالج الموقف ويحدد مسار شخوصه وانتقالاتهم وتحولاتهم ..
بهذا المنحى التعبيري في فنه ونصوصه يتحول لناقد سياسي رافض للواقع وما يفرزه من ظلم وقهر واستبداد .. لهذا تراه يغوص في الأعماق تارة ويتلصصُ من خلف جدران الممنوعات والحواجز الأمنية في زمن الحرب ليلتقط بخفة ومهارة الحالات الإنسانية الصعبة ليعيد تصويرها بدقة من خلال الحروف التي تدين الحرب والمتاجرين بالبشر والمصفقين لها ، وقد كرس الكثير من قصصه في هذه المجموعة لما تنتجهُ الحروب من ويلات ومآسي ونفاق سياسي واجتماعي وسجون ومعتقلات وقمع يستشري تستوقف القارئ و تأسره ليعيش اجواء المحنة وتداعياتها بأسلوب مؤثر للغاية كما هو الحال في قصة النبتة التي نمت على جدار الزنزانة وذبلت وتلاشت مع حالة إعدام برئ في المعتقل .. او حكاية تشابه أسماء التي جعلت من الحي ميتاً .. و ورقة يانصيب وقناع وانتظار واكتشاف التي تقتنصُ ويلات الحرب ومخلفاتها السيكولوجية المؤثرة.
لا يتوقف السنجاري عند حدود هذه المرحلة التي أصبحت من الماضي المُدان بل يتعداها ليواصل الكتابة الناقدة لما تبعها في أجواء الحرية والتغيير الذي يفرز هو الآخر الكثير مما تسخرُ منه قصص السنجاري ، ابتداء من قصة مكتب الوزير التي لا تتعدى الست كلمات فقط لكنها صورت حالة تكاد تكون عامة في ادارة البلد بعد سقوط النظام لا يستثني منها كردستان وحالة الفساد التي فيه في قصة مؤثرة للغاية بعنوان (تجسّد) تجسِدْ حالة كاوة الحداد منحنياً يمتهن صبغ حذاء مسئول فاسد ..
وفي ألوان يلتقط فيها حالة التحول الانتهازي لشخصية شيوعية أدمنت على التمتع باللون الأحمر لكنها اختارت اللون الأصفر قبل خريف العمر يمكن أن تكون نقداً فردياً موجهة لشخصية محددة أو تعميمها لرصد ظاهرة سياسية انتهازية نمت بين صفوف الشيوعيين في كردستان .. أي انها نقد موجه لسلوك الشيوعيين وسياستهم بأسلوب جميل وشفاف استثمر فيه الكاتب مفردة اللون للتعبير عن الحالة التي اراد نقدها وقد ابدع فيها.
نواف في قصصه هذه يتوقف بوعي عند حدود التحولات الاجتماعية الكبيرة التي رافقت مرحلة التغيير والانتقال من نظام القمع والاستبداد ليسلط الضوء من خلال الفكاهة والسخرية على ما يجري في المرحلة الانتقالية من تناقضات وصراعات لا تستجيبُ نتائجها لطموحاته كصوت معبر عن طموح الناس ورغبتهم في مشاهدة تغيرات أعمق واشمل تتخطى خطوط وحدود الشكل الى المحتوى دون ان يتخلى عن قلقه وشكه وخيبته لذلك يرفع من نبرات سخريته منبهاً من خلال ابداعه لما يمكن ان نعتبره صوت الكاتب المحفز للأفكار والمواقف لتجاوز الواقع وهذا ما يجعله ككاتب يرتقي الى مصاف الكتاب الثوريين في منعطفات التاريخ الذين يسخرون أدبهم وإبداعهم للتغيير ويتوقفون عند رصد تناقضات زمن التحول بعمق و تجذر معرفي مدرك لمغزى وأهمية التضحية كطائر الفينيق الذي يرفدنا بالضوء أثناء احتراقه.