تكشف الباحثة السودانية المرموقة هنا، في تأملاتها لما جرى أثناء الانتخابات البريطانية الأخيرة التي جلبت حزب المحافظين منفردا لحكم بريطانيا، بعد أن عجز عن الانفراد به في الانتخابات السابقة، سطوة الرأسمالية المالية ودورها في هذا الأمر، كما تكشف للقارئ خلفيات الخريطة السياسية البريطانية وأحزابها.

The Best Democracy Money Can Buy

الديمقراطية الجديدة للبيع في أم الديمقراطيات

الديمقراطية المهيضة ودولة لا قانون الرأسمالية المالية

خديجة صفوت

تمهيد : يثرب الثانية:
ما يبرج معظم من عاش عشرات السنين في هذا البلد من المهاجرين العرب والمسلمين ينظر الى الانتخابات بأنواعها على انها لا تعنية مرة، ومرة لا ينظر اليها اطلاقا، فلا يجشم نفسه عناء التصويت حتى لو كان ذلك كل خمس سنوات. ولعل بعضنا قد لا يتنبه الى ان شيئا لا يحدث في اي مكان-بخاصة في انجلترا الانجلو ساكسونية - دون ان يؤثر في كل مكان. فقد كانت انجلترا وما تبرح تنويعا على اكثر ما عبر عن المشروع الصهيوني ولو بالألوان الطبيعية او غير الطبيعية. ومن لا يدرك الطبيعة الاستثنائية لمراحل تطور الجزر البريطانية تحت هيمنة الانجلوساكسون وخاصة مع اختراق اعراب الشتات لها منذ القرن الثاني عشر، وربما منذ سقوط الامبرطورية الرومانية قد يصعب عليه كثيرا ان يتعرف على العديد من التحورات Mutations التي مني بها في نشوء وسقوط الرأسمالية السلعية بأنواعها وما ترتب على ذلك في التحويرات في تاريخ المنطقة العربية منذ القرن الثاني عشر على الاقل وتباعا.

ولعله ليس ثمة فارق بين ما حاق/ يحيق بمجتمعات وشعوب المنطقة العربية وما حاق بالحزر البريطانية وتلاحظون بإمعان النظر قليلا، وبعض الجهد في معرفة ما يحاك في المقياس المدرج في كل مكان للمجتمعات والشعوب من قبل المال الجديد، مدعوما بنشاط فائق للعادة من قبل عوامل وكائنات وجماعات غامضة تعينت على افراز نتيجة الانتخابات البريطانية العامة في مايو ايار 2015. وفيما يلى تعريف تحليلي مختصر لاهم الاحزاب التى خاضت الانتخابات ومصير كل منها للتاريخ .

كيف صدم فوز المحافظين كافة التوقعات:
فاز حزب المحافظين البريطاني بأغلبية بسيطة فيما تكبد حزب العمال وحزب الديمقراطيين الاحرار خسارة فادحة، ورغم ان حزب استقلال المملكة المتحدة حصل على ما يشارف 4 ملايين صوت الا انه لم يفز سوى بمقعد واحد في البرلمان. وقد سقط نيجيل فاراج زعيم الحزب لحساب حزب المحافظين، وقد استقال زعماء الاحزاب الثلاث. الا ان فوز المحافظين لم يؤكد الا ان الديمقراطية البريطانية ليست سوى ديمقراطية مكسورة. But the Tory victory reveals precisely why British democracy is broken. ذلك ان العامل الذي كان وراء فوز اي حزب كان المال الذى قيض حملة انتخابية سياسية معينة. فقد كان فوز او فشل الاحزاب متناسب طريدا مع كمية المال الذى حصل عليها كل حزب. الا ان ثمة عامل اخر بنفس القدر من الاهمية وهو تدخل قوى الامن البريطانية The ultimate determinant of which party won the elections was the money behind their political campaigns — the winning and losing parties correlate directly with the quantity of funding received. Yet there is also compelling evidence of another factor — interference from Britain’s security services.

The best democracy money can buy:
باتت افضل ديمقراطية هي تلك التي يبتاعها المال. فقد وجدت مفوضية الانتخابات the Electoral Commission في العام الماضي ان حزب المحافظين حصل على اكثر من 8 ملايين استرلينى من الماليين المنتمين الى المصارف والى صناديق هيئة المعاشات الى الاعمال الكبري. Tories received the largest amount of donations, at £8,345,687 the bulk of which came from financiers associated with banks, the hedge fund industry, and big business(1) اما في عام 2015 فقد تضاعفت حصة المحافظين الى 10 مرات ما حصل عليه حزب العمال. وكان ذلك مرة اخرى من المصارف ومن الشركات التي نجحت في تفادي دفع الضرائب في بريطانيا منذ 2007. وهكذا تسلب تلك الجماعات دافع الضريبة لكي تقيض وصول محاسيبها الى السلطة كيما تتعين تلك السلطة على سن قوانين لصالح الاثرياء خصما على دافع الضريبة وعلى المفقرين بامتياز.

وقياسا فقد فازت الاحزاب السياسية البريطانية في الانتخابات بنسب في مقاعد البرلمان تتناسب طرديا مع ما حصلت عليه من مال من المنظمات والاعمال المالية الكبرى وقوة وسلطة تلك المنظمات. أي ان الشرط المسبق لانتصار الديمقراطية البريطانية الكسيرة هو مدى اذعان الاحزاب البريطانية السياسية لسطوة راس المال المالي وهيمنته على مقدرات المجتمع(2) . The most important precondition for victory in Britain’s broken democracy is the party’s subservience to corporate power. اي الى:

الاوليجاركيات المالية

بات اصحاب المال يقررون على مدى الخمس سنوات المقبلة تنائج الانتخابات. ورغم أن الاوليجاريكات البريطانية راحت تقدم محض خدمات شفاهية لمسألة الحيدة والشفافية الا ان الاحزاب السياسية البريطانية بقيت مصابة باللامبالاة ازاء تلك المسألة. ذلك ان 41% من تبرعات الممولين للانتخابات بقيت تأتي من 67 ثريا ومنظمة مالية بما في ذلك ماليي مدينة لندن  City of Londonواصحاب المليارات. وتلعب العلاقات العامة وظيفة متزايدة الاهمية في السماح لقوة المال ان تترجم ثرواتها في شكل سلطة سياسية. Public relations spin has increasingly played a critical function in permitting corporate power to translate its wealth into political power.

ويشرح البروفيسور ديفيد ميللر والدكتور وليام دينان كيف ان استيعاب المال لقوة العلاقات العامة لتقوم بإخضاع الديمقراطيات الليبرالية لسلطة المال بغاية تحجيم الحركات الشعبية وصولا الى التاثير على الاحزاب السياسية في كل مكان. A Century of Spin (2007), Prof. David Miller and Dr. William Dinan, show how the corporate co-optation of PR has been used to subordinate liberal democracies to corporate rule, and to limit the scope of populist grassroots movements to influence the political party system. ويلاحظ دكتور نفيس احمد Dr Nafeez Ahmed  ان الاستخبارات البريطانية لم تتدخل فى تعالق حظ كل من حزب المحافظين وحزب استقلال المملكة المتحدة وحدهما وانما تدخلت الاستخبارات في الانتخابات البريطانية العامة(3) .

أحزاب الاقليات والاحزاب الكبرى
- حزب ريسبيكت   RESPECT
حزب يسارى اشتراكي جماهيري معاد للحرب بوصفه تحالف المعادين للحرب على العراق ويتألفون من حزب العمل الاشتراكي والمنظمات الاسلامية ويقودهم جورج جالواى George Galloway  المناضل الاسكتلندي المناصر للقضية الفلسطينية وقضايا العرب وامريكا اللاتينية ذات التوجه الاشتراكي مثل فينيزويلا وكوبا ونيكاراجوا وغيرها. ويصدر اسم الحزب احترام عن الاحرف الاولي لكلمات احترام السلام والمساواة والاشتراكية والجيرة والنقابات العمالية (Respect equality socialism peace environmentalism community trade unions وكانت سلمى يعقوب زعيمة الحزب حتى سبتمبر 2012، ثم تولى جورج جالواي زعامة الحزب بعدها تباعا. وقد فقد جالواي مقعده في البرلمان عن دائرة برادفورد غرب في انتخابات مايو 2015.

الحزب الوطني الاسكتلندي  Scottish National Party (SNP)
اذهل الحزب الوطني الاسكتلندي الجميع بفوزه بغالبية مقاعد البرلمان في اسكتلندا فقد اكتسح مقاعد الاحزاب الثلاث بلا هوادة، حتى لم يبق لأي منها سوى مقعد واحد رغم التدخل المحموم من قبل الاستخبارات البريطانية والامريكية بغاية تغيير نتيجة الانتخابات مثلما حدث يما يبدو انها نجحت في التأثير على النتيجة النهائية في محصلة الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة في صيف 2014. وقياسا فليس تواطؤ المال والاعلام على اشاعة الفتنة بصورة خطيرة وحده المسئول وانما قام ما يسمى الاخ الاكبر بمحاولات منظمة بغاية تعطيل الحزب الاسكتلندي الوطني في نفس الوقت الذى انتقى فيه حزب استقلال المملكة المتحدة للقيام بدور فعال في الفتنة بوصفه ميكانزيم فعال في الفتنة.

نشوء احزاب القضية الواحدة:
حزب استقلال المملكة المتحدة
 UNITED KINGDOM Independence Party (UKIP)
من المفيد التعرف على حزب استقلال المملكة المتحدة ويتصور البعض ان ذلك الحزب قد نشأ بليل. ذلك ان اصوله قد بقيت حتى الان شبه منسية او متستر عليها، وهي التي تعود الى الولايات المتحدة مرة، ولان الحزب بقي متستر على اصوله حتى الان مرة اخرى. وذلك لان الحزب تعرض لنكبات في بداياته فبقى الحزب لوقت طويل غير ذي اهمية تذكر او تنسى الى ان راح ينافس على مقاعد كلا الحزبين الكبيرين او ما يسمى احزاب المؤسسة الرسمية the parties of the establishment. ومع ذلك فقد راح يوكيب يفوز في الخمس سنين الماضية في انتخابات البلدية بعشرات المقاعد التي كانت حكرا علي كل من الحزبين الكبيرين سابقا. ولعل حزب استقلال المملكة المتحدة كان مقيضا له ان يحتل مكان احد الحزبين الكبيرين مرة او-و ينسف فرضية احزاب المؤسسة الرسمية مرة واحد والى الا بد مرة اخرى. والاهم كان منوطا به ان يقيض خروج بريطاني من المجموعة الاوربية لتلحق بالولايات المتحدة، وبآلية المراكمة المالية مرة ثالثة.

فقد كان حزب استقلال المملكة مجعول بواقع نشأته في تسعينات القرن العشرين بان يقيض احتلال المال المالي مكان المال السلعي مرة رابعة. وقياسا يغدو المال المالي بديلا لمفهوم الطبقة التي كان رأس المال المالي الامريكي يتطير منها وما يبرح فيجأر الجمهوريون الامريكان بان ليس ثمة طبقات في المجتمع الأمريكي. وتردد مارجريت ثاتشر زعيمة حزب المحافظين الجديد "طبقة"؟ ليس لدينا طبقات. ويرجع توني بلير ربيبها وصاحب مشروع حزب العمال الجديد "نحن امة واحدة لا طبقات تفصلها ابدا".

ولك ان تتذكر(ي) ان نشأة فئات و-أو قبيلة الاثرياء – المكوننين - الجدد قيضت سيرورة المال بديلا للطبقة بخاصة منذ منتصف الثمانينات هجرة رأس المال البريطاني بصورة غير مسبوقة جراء رفع سقف تصدير المال الى كل مكان وبداية التجارة اليكترونية DOT COM فى 1986. وكانت بدايات المال الجديد New Money خصما على المال القديم Old Money.( وهما من المفاهيم التي تعرفت عليها واعدت تعريفها منذ نهاية التسعينات، وقد استعار المفهومين رغيد الصلح وكنت قد زودته بتفاصيل نشوئهما وتحليلهما فراح يدعيهما وغيرهما من "قاموس الاستحواذ" الذي حمل مسودته الى عبد الرحمن النعيمى صاحب دار الكنوز للنشر. وقد حان الوقت للكشف عما وراء ضغينة المجرمين على الضحايا وعقد الـ sexists وحملة العنصريين على اصحاب حضارات مئات الاف السنين قبل الميلاد. أنظر/ى The British Musium:2004:Sudan Ancient Treasures: The British Museum Press: London.).

 المهم فورا تساوق انتشار ظاهرة المال الجديد والقديم ونشوء ظاهرة ما يسمى باسهم القمامية Junk Shares  يزعامة ميليكين  Milkinوجولدسميت Goldsmith.واوليفر جولد سميث هو والد جومانا زوجة عمران خان لاعب الكريكيت الباكستاني الشهير. وحيث كان ريجان قد يسر انتشار تلك الظاهرة خصما على رأس المال الصناعي الامريكي، فقد تعين ريجان على تكريس شرط تصفية المعسكر الاشتراكي بمعرفة عناصر صهيونية مثل اوليفر جولدسميث Oliver Goldsmith ومايكل ميلكين  Michael Melkin وقد قام الاول بتمويل منظمات اهلية اخترقت المجتمع السوفياتي واحلت نظائر معادية للاشتراكية وموالية للرأسمالية المالية مكان الرأسمالية السلعية مما قيض تصفية القطاع العام السوفيتي لصالح 7 اوليجاركيات قبالية بامتياز(4) .

وبالمقابل تعينت ادارة ريجان باكرا وقبل نشوء تجارة الدوت كوم الخ على احلال ما يسمى بالمال الجديد وهو المال المراكم بالربا  usuryوالريع خصما على المال القديم المراكم بكل من الربح على الانتاج السلعى والمال العقارى فى حركة بيع ما سمى اسهم القمامة Junk shares واشعل بوش الابن بدوره الحرب على الارهاب او الاسلام، سمه ما شئت، تصفية لآخر خصوم الغرب الرأسمالية ما بعد الصناعية فيما تغافل عن عمليات المضاربة الهائلة في الاسهم والسندات فى اسواق المال من شركة اينرون وجلوبال تريدنج  Global Trodingوميريل لينش Meryl Lynch والخ وقد مولت الاخيرة فى نيويورك 31.8.2004 حملة تدشين بوش الابن لانتخابات خريف 2004 .

ويشارف حزب بريطانيا المستقلة الجبهة الوطنية البريطانية British National Party التى تشابه بدورها نظيرتها الفرنسية التي كان يترأسها لوبين وتترأسها الان ابنته من بعده. ويتعين حزب يوكيب على اخراج بريطانيا من المجموعة الاوربية منذ ان كان يتزعمها روبرت كيلروى سيلك Robert Kilroy Silk المعروف بعدائه للعرب والمسلين وكان مقدم برنامج عائلى على البى بى سى 1 . ويعود سفر تكوين الحزب الى السير اوليفر جولدسميث وقد انشأه قبل وفاته في 1995. وجولدسميث كان قد بادر في ثمانينات القرن العشرين بمشاريع لاختراق التنظيمات المطلبية العالمية من اتحاد العمال العالمي الى اتحاد الشباب العالمي الخ كما نشط فى تقويض الاتحاد السوفيتي. وكان يوقن بان كل من لا يتفق مع السياسات الامريكية خطر على العالم والبشرية.

والسير جولد سميث  Goldsmith وهو من اهم قادة حركة تيسير وراثة المال الجديد للمال القديم واصحاب المال الجديد للأسر القديمة صاحبة المال القديم – كان انجليزيا رحل الى الولايات المتحدة فى الثمانينيات واصبح من اكبر ملاك الأراضي -و مايكل ميلكين. وكان روبرت سيلك يتواجه ومايكل هوارد بشأن طبيعة عضوية بريطانيا للمجموعة الاوربية او ضرورة الخروج منها تماما كما يعلن سيلك انه بصدد اعلان الحرب على حزب المحافظين الذى يقوده مايكل هوارد واوليفر ليتوين اليهوديان وبغاية تدميره ويتواجه روبرت كيلروى سيلك وبيتر مانديلسون حول مكانة بريطانيا فى المجموعة الاوربية. ويقود روبرت كيلروى سيلك حملة الاثنين 18.10.2004 على الحزبين الكبيرين بلا هوادة. وهكذا تصدر سيرة الحزب عن مواجهة احزاب المؤسسة الرسمية منذ البداية.

المال الجديد والصفوة الاعرابية الاستثنائية أو القبالية الجديدة:
نشأت جماعة من الصفوة المالية الجديدة وعناصر نشطة من شباب الطبقات المتوسطة والوسيطة في كل مكان وكان يجمعها ما يسميه جون بريدو John Prideax فى النيوستيتسمان عدد 5 ابريل 2004 الصفوة العالمية الجديدة(5) خصائص تمييزها دون غيرها. وتتمثل ملامح او خصوصية تلك الصفوة فى الالمام ب 50 كلمة مفتاحية key words معظمها مختصرات Acronyms  لاسماء منظمات كبرى واسلوب حياة يتمأسس على السفر الدائم من دولة الى دولة عبر العالم فلا يقيم أي منهم فى أي مكان اسابيع وان اقام فمحض بضعة اعوام على ولا يتسوق اعضاء تلك الصفوة فى المحلات والبوتيكات المحلية بل في المطارات فيستهلكون سلعا بالديوتى فرى  Duty Freeويحملون حقائب جوتشى وينزلون في فنادق الخمس نجوم او مع نظائر ممن يتشاركون واياهم اكثر مما يتشاركون مع ابناء جلدتهم في الاوطان الام.

ولا يخضع الاخيرون-و يقدر بريدو تعداد قواعدهم بـ 5% من سكان العالم- لطلب تأشيرات ولا لقوانين الهجرة ولا يدخلون فى حسابات العمل المهاجر رغم انهم يؤلفون شريحة هامة من النشطين اقتصاديا يبلغ تعدادها 7 مليون شاب وشابة دون ال 35 من العمر. ولك ان تلاحظ(ي) ان حزب استقلال المملكة المتحدة وحزب المحافظين البريطانيين وامثالهم حريون بان يتشاركوا مثل هذه القوعد مما لا يستغرب معه تنافس الاثنين على اجندة واحدة مع ملاحظة ان حزب استقلال المملكة المتحدة يميل الى حزب القضية الواحدة اذ يركز على الخروج من الوحدة الاوربية والتطير من المهاجرين.

ويقول بول كينجنورث فى النيوستيتسمان سبتمبر 2003 انه- فيما عدى دفع الضرائب- نادرا - والتصويت- فأعضاء تلك الصفوة ليسوا مواطنين في أي دولة. فتلك الصفوة من التكنوقراط لا جذور لها في أي مكان تستقر به سوى انها تهبط في مطارات الدنيا مترحلة من كل مكان الى كل مكان معفية من اى عبء او مسئولية اجتماعية ولا تحمل امتعة تاريخية او ذاكرة ثقافية تخص جماعة سوى ذاكرتها هى. من هؤلاء السير جولد سميث -انجليزي رحل الى الولايات المتحدة فى ثمانينيات القرن العشرين واصبح من اكبر ملاك الأراضي. ومن الصفوة المذكورة وعلى رأسها امثال مايكل ميلكين  Michael Milken-وكان ميلكين قد اثرى بصورة غير قانونية بالمضاربة غير المشروعة فى الاسهم والسندات.

هذا وقد بات ميلكين-و لم يكن يبلغ من العمر اربعين عاما- القائد العام لفيالق صفوة حملة الاسهم ونظيرتها العالمية فيما كان جولد سميث رئيس اركان ميليكين. وحين سجن ميلكين بتهمة الاحتيال وسوء استغلال معلومات سوق المال السرية Inside Information dealings عاد جولد سميث الى بريطانيا مفلسا- فانشأ- قبل موته بسنوات في منتصف 1999 حزبا سياسيا معاد للوحدة الاوربية اطلق عليه اسم حزب انجلترا الحرة. ويعتقد نفيس احمد المحلل الصحافي الكاتب المعروف ان ذلك الحزب ارتبط بحزب المحافظين ويقول بان ماكينة المال الكبير Big Money تربط حزب استقلال المملكة المتحدة وحزب المحافظين (6)The Tory-UKIP money machine

سوى ان البعض يعتقد-على ضوء سيرة الحزب الباكرة التي كانت قد اصدرت كما قلنا عن مواجهة احزاب المؤسسة الرسمية منذ البداية - يعتقد البعض محقين ان الحزب قام اصلا ليستبق الاحزاب السياسية البريطانية الكبرى اي ما يسمى احزاب المؤسسة البريطانية الرسمية وبخاصة يسار الوسط منها كحزب العمال. فقد موضع حزب استقلال المملكة المتحدة نفسه حيث يستهوي مدعيا انه يقف معبرا عن اعداد ملحوظة ممن يعتقد انهم غير ممثلين او ادنى تمثيلا من الجماهير العاملة. الا ان الحقيقة تقول العكس A large bulk of UKIP’s funding boost came from former Tory donors, millionaire bankers, and corporate executives, pushing the fringe party to receive the third largest percentage of the vote In other words, a number of major Tory donors plugged into the heart of the Conservative Party establishment were funding both UKIP and Tory political opponents.

هذا وقد راح ممولو الحزبين يتناوبون على تمويل واحدها والاخر الى اخر لحظة بل ان بعضهم مثل Robin Birley وهو ابن زوجة جولدسميث الذي كان يمول الحزبين فى وقت واحد حتى ان بعضهم افتى بان يصوت ناخبو حزب استقلال المملكة المتحدة للمحافظين في الدوائر التى يستبعد ان يفوز فيها حزب استقلال المملكة المتحدة. Tory-UKIP funder Robin Birley told pro-Tory newspaper The Telegraph that UKIP supporters should strategically vote Conservative in seats that UKIP could not win — which was most of them. In seats that Tories were unlikely to win, he urged Tory supporters to vote UKIP. ولك ان تلاحظ(ي) ان ظاهرة القرابات في تلك الجماعات ظاهرة تعود الى احقاب بعيدة وتصدر عن مفهوم الاولجاركية بوصف ان الاخيرة هى تكوينات قرابية تصاهرية لجماعات داخلية In Groups  مما يلاحظ في صناعة النفط منذ نفط بحر قزوين وصناعة الماس والاوليجاركيات المالية بدورها مما يجعل تحليل تاريخ تلك الجماعات اقرب الى النميمة Gossip جراء اهمية التعرف على علاقات افراد تلك الجماعات وبعضها بصورة شبه فريدة.

حزب استقلال المملكة المتحدة والاستخبارات البريطانية:

ومن المفيد تذكر ان حزب استقلال المملكة المتحدة لم يكن بعيدا عن الاستخبارات البريطانية كما انه كان يتمتع بحظوة لدى ممولي حزب المحافظين في نفس الوقت كما كانت له علاقة بجماعة باو BOW Group للمحافظين تعرف بانها اقدم مراكز البحوث الاستراتيجة البريطانية Bow Group, the oldest conservative think-tank in Britain  المهم وبمعنى اخر فان عددا من الممولين الكبار تعينوا على اقتحام قلب مؤسسة حزب المحافظين فيما كانوا يمولون حزب استقلال بريطانيا. وقياسا فلم يكن دور مجموعة باو في تطوير استراتيجية التصويت للمحافظين وحزب استقلال المملكة المتحدة محض صدفة وانما كان يعكس استراتيجية تتعين على مواصلة اكتشاف العناصر الكبرى في مؤسسة المحافظين والصفوة منهم في قاعدة المساعدة الاوليجاركية المالية للحزب.

ومن ذلك يتضح ايضا ان جماعة سكروتون التى تديرها الباروية كارولين كوكس . Scruton’s Hillgate Group was run by Baroness Caroline Cox  وتقوم الجماعة بالتحريض نيابة عن الاستخبارات البريطانية لصالح اليمين باشاعه ان اخطار تتهدد الاخير جراء جماعات يسارية عاصية. ففي 1977 قامت البارونة كوكس بدور هام في مجموعة دراسية تشيع ان جماعات يسارية واقليات راديكالية تقف وراء حركات عصيان من شانها استباق الحضارة الرأسمالية التى تتمأسس فوق اقتصاد السوق الحر The Capitalist civilisation based on the free market  وقد صدر التقرير الخاص بهذه المعلومات عن كل من الاستخبارات البريطانية والامريكية بخاصة السي ايه وام اي MI6المتصلين بمكتب وزير الداخلية البريطانية. The report was published by the Institute for the Study of Conflict (ISC), “think tank” created jointly by the British and American intelligence services, specifically the CIA, and MI5-MI6 linked intelligence unit in the Cabinet Office, and the Foreign Office.

وحيث كان بعض كبار الممولين لحزبي المحافظين وحزب استقلال المملكة المتحدة قد تعينوا باكرا على تكريس تاكتيكات متشاركة بين الحزبين ايام حزب الاستفتاء وهو حزب شبيه بحزب استقلال المملكة المتحدة معاد للمجموعة الاوربية فقد تحول كبار ممولي تلك الاحزاب بولائهم وتمويلهم لحزب الاستفتاء  the referendum party بعد موت السير جيمس جولدسميت مؤسس حزب الاستفتاء الى حزب استقلال المملكة المتحدة. وكان روبين بيرلي وهو كما قلنا ابن زوجة اوليفر جولدسميث على علاقة بأمريكا اللاتينية خاصة بتشيلي. وقياسا فقد جند بيرلي جماعة للعمل مع اعضاء حملة التضامن مع تشيلي في الخارج وهي جماعة لا تقل غالبا عن المعارضات المشبوهة في الخارج بوصفها ثورات مضادة للثورات الشعبية الموضوعية التاريخية مما يلاحظه الناس اليوم في المنطقة العربية وغيرها من الهوامش.

وكانت حملة التضامن تقوم بمساندة ديكتاتور تشيلي الدموي الجنرال بينوشيت الذى كانت مارجريت ثاتشر تناصره علنا. وقياسا فقد كانت ديكتاتورية بينوشيت قد خطط لها كما هو من علم الكافة ونصب الديكتاتور ودعم بواسطة السي اي ايه CIA وام اي 6 للانقلاب في 11 سبتمبر 1973 على الرئيس الديمقراطي سلفادور اليندي الذين وصل الى السلطة بانتخابات ديمقراطية. وهكذا فالديمقراطية بهذا الوصف لا تعنى شيئا الا اذا كانت تباع بالمال لحساب المال الكبير اما الديمقراطية الشعبية فهي خطر يهدد اصحاب المال الكبير ويقض مضجعهم وصولا الى الانقلاب عليها، وقياسا تطرح محاولة الاستخبارات كالاستخبارات البريطانية التدخل في العملية الديمقراطية لحساب رجال المال والمصرفيين والاوليجاركيات العولمية تطرح جملة اسئلة بشان افساد قوات الامن والاستخبارات العملية الديمقراطية زيادة على تواطؤ الاعلام الرأس مالي المالي الارادي على تضليل الشعوب.

ما بين اذعان الناخب البريطاني لسردية الحزب اليمينى الحاكم وادمان اليسار على العجر عن تجويد وسيلة براجماتية للفوز:
اد ميليباند هو ابن رالف ميليباند Ralph or Adolph Milliband والاخير يهودي ماركسى من اصل بولندي هاجر الى انجلترا في اربعينات القرن العشرين. وكان اد ميليباند Ed (Eduard) Milliband  وزير البيئة فى حكومة العمال الاخيرة قد فاز بزعامة حزب العمال على اخيه الاكبر ديفيد ميليباند وزير الخارجية بمحض 1.3% يعير المحافظون واللبيريون الجدد-البليريون-Blairite  اد ميليباند بالفوز باصوات النقابات وليس بأصوت النواب. ويصفه الجمهوريون الامريكان بذى الرأس الاحمر Red Head -ليس لكونه ماركسي-و لكن لانتقاده سياسة امريكا الاقتصادية وتصدر عن مدرسة فرنسية نادت في القرن الثامن عشر ويقال السابع عشر بعدم تدخل الحكومة.

ويقول نقاد ميلباند الذي لم يحظ بعشق الصحافة اليمينية يوما ان نسبة الفوز بين نواب حزب العمال في الانتخابات الاخيرة انخفضت لاعتقاد اد ميلباند Ed Milliband بان الازمة المالية والتضخم اللاحق كانا حريان بان يخلقا مناخا ديمقراطيا اجتماعيا Ed Milliband was convinced that the financial crises and the consequent Great Recession had created a social democratic moment  من شأنه ان يدفع الناخب الى الاقتراع لصالح حزب العمال. الا ان ما حدث كانت نتيجة اهتمام الناخبين بالصرامة المالية وموازنة الميزانية كانا دافعا لاقبال الناخبين على التصويت لصالح المحافظين. ذلك ان الاخيرين كانوا قد بقوا يدقون على وتر الخشية من العودة الى ما كان الحال عليه عقب 2008. ورغم ان اكثر المستهدفين للازمة الاقتصادية والمالية كانوا هم الاشد فقرا الا ان الاخيرين خدعوا بكل من السردية التي رددها المحافظون بلا هوادة على طريقة جوبلز مسئول الدعاية النازية من انك ان كررت ترداد كذبة بصورة مستمرة فان معظم الناس سيصدقونها.

فقد صدق الشعب البريطاني ان حزب المحافظين اكثر ائتمانا على الاقتصاد من حزب العمال وان الاخير لا يؤتمن على الموازنة لانه اشتهر بالانفاق وقلة التدبير جراء ادمان الاستدانة من ناحية. ولعل من المفيد تذكر ان حزب العمال كان من ناحية اخرى قد ترك حزب المحافظين والصحافة المأجورة يرددون ان حزب العمال مسئول عن الازمة المالية فيما ان الواقع هو ان الازمة لم تكن من فعل فاعل محلي اطلاقا وانما كانت محصلة لطبيعة صعود رأس المال المالي بشراسة على الهيمنة على الاقتصاد العالمي او اللا اقتصاد خصما على الاقتصاد الحقيقي مما اصبح الحديث فيه بعد اكثر من 7 اعوام تحصيل حاصل يدعو للملالة. هذا وكان برنامج حزب العمال حريا بان يغدو غير واضح جراء تصور ان الازمة سوف تتحض الناس على الميل الى اليسار زيادة على ان اد ميليباند كان ينادي بالتقشف مرة وبالاشتراكية مرة اخرى(7) .

و يعزو البعض ما يبدو من عدم اهتمام حزب العمال بمواجهة اليمين بصورة حازمة ومنهجية الى ان اليسار اصبح متهم بإدمان المعارضة التطهرية على الاجتهاد في تجويد وسيلة براجماتية للفوز فى الانتخابات. فقد طرح اد ميليباند نقدا نظريا رفيعا لإخفاقات العولمة وكانه كان يخاطب جماعة داخلية بدلا من الالتفات الى اهمية بناء تحالف عريض من المؤيدين لبرنامج معاد لليمين في الجزر البريطانية. وحيث كان توني بلير- على علاته- يتحدث كثيرا عن التعليم الا ان ميليباند نادرا ما فعل ولا اهتم بالحديث عن اهمية مركز بريطانيا في العالم ذلك رغم ان معظم الاكاديميين الملحقين بالدولة هم صناعة حزب العمال. وحيث لم ينجح اد ميليباند في جدولة طموحات الطبقة العاملة واستقطاب اصوات الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى الماهرة خاصة تلك التى عرفت بتفضيل اواسط انجلترا بحيث يتضح للناخبين ان حزب العمال ليس حزب العدالة الاجتماعية وحسب وانما وايضا حزب الحراك الاجتماعي.

وكان ديفيد ميليباند David Milliband شقيق اد الذى هزمه اد في انتخابات زعامة حزب العمال قد صرح بان اد لن يفوز الا اذا اعتنق سياسة "التطلعات والاحتواء" Aspiration and Inclusion سوى ان بعض كبراء الجناح البليري  The Blairite wing في الحزب كان اكثر جرأة في نقد اد ميليباند حين تعرفوا على "عدم المساواة كواحدة من التحديات الاخلاقية لهذا الزمان"Inequality  as one of the moral challenges of our times  أي الاقرار بان بريطانيا باتت مع تداعيات الازمة المالية مجتمعين وليس مجتمع واحد. وفي الاثناء فقد عاد المحافظون الى السلطة بأغلبية ضئيلة فيما لم يتوقع احد الا نادرا لهم الفوز.

 

هوامش ومراجع:

(1) انظر/ي How Big Money and Big Brother won the British Elections

(2 انظر/ى ) Election 2015: The Horror By Matt Carr

(3) انظر(ى) Election 2015: The Horror By Matt Carr

(4) انظر(ي) Amy Chua:2003:The World On fire: How Exporting Free Market Economy breed Ethnic hatred and Global instability :Chapter3:The seven Jewish OligarchsPp;77-94

(5) انظر(ي) John Prideax: The New Global Elite: in the New Statesman:5:4:2004:PP:22-23.

(6) Information Clearing House(ICH) 16.5.2015 Nafeez Ahmed.

(7) انظر(ي) كلمة التحرير:مجلة النيوستيتسمان Newstatesman الاسبوعية بتاريخ 15-21 مايو 2015 ص:5.

 انظر (ي) كلمة التحرير في النيوستياتسمان بترايخ 15-21 مايو ايار 2015 ص.5