يجمع هذا الكتاب الذي يلخلص عنوانه طابعه السجالي ومجالات اهتماماته المتباينة، مقالات متعددة كتبت في أوقات مختلفة، وتناولت مواضيع شتى، تجمع بينها الرغبة الأكيدة في فتح نقاش واسع حول عدد من القضايا التي تشغل بال السياسي والمثقف والمناضل في بلادنا بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام.

سجالات في السياسة والفكر والثقافة

أنغير بوبكر

مقدمة
يجمع هذا الكتاب مقالات متعددة كتبت في اوقات مختلفة ولمواضيع شتى يجمع بينها الرغبة الاكيدة في فتح نقاش واسع حول عدد من القضايا التي تشغل بال السياسي والمثقف والمناضل في بلادنا وفي العالم. بين دفتي هذا الكتاب مواضيع عن الامازيغية ورهانات الفاعلين الامازيغ من اجل اقرار حقوقهم القانونية والدستورية والمنسجمة مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان، الامازيغية كما نفهمها ليست قضية فئة لغوية معزولة في جزيرة نائية محصورة، انما الامازيغية لغة وثقافة وحضارة وتاريخ، الامازيغية انتماء حضاري وحقوق انسانية مشروعة. الكتاب يحتوي مواضيع عن العلاقات المغربية الجزائرية وتشعباتها ويتضمن قراءات في كتب تناولت الشأن الجزائري من الداخل وكان الهدف من الاهتمام بالعلاقات المغربية الجزائرية هدفا ساميا يتغيأ معرفة اسباب تعثر هذه العلاقات وسبر اغوار مشاكلها واستشراف مستقبلها ونحن متيقنيين ان بالحوار البناء والايمان باهمية الاواصر التاريخية والمصير المشترك بين الشعبين المغربي والجزائري سنرتقي بعلاقاتنا إلى مستوى اعمق، والمسؤولية ملقاة على عاتق المثقفين والادباء والفنانيين ورجال الصحافة وغيرهم من اجل العمل على اصلاح ذات البين بين الشعبين والضغط على السياسيين من اجل وضع الخلافات السياسية المفتعلة جانبا وارساء وحدة مغاربية حقيقية كما ان قضية الصحراء المغربية حاضرة في مقالات الكتاب من حيث هي قضية وطنية مغربية جامعة لا تقبل المساومة ولا الاستسلام، قضية الصحراء المغربية ليست قضية نظام حكم كما يتوهم البعض بل هي قضية مجتمع في المغرب وهي بالمناسبة قضية عادلة تتعلق بحق الشعب المغربي في استكمال وحدته الترابية واستكمال مشروعه التنموي، قد تكون الدولة المغربية مقصرة في بعض الجوانب الحقوقية والسياسية في تعاطيها مع القضايا التنموية باقليمنا الجنوبي لكن قضية الارض والانتماء الجنوبي للمغرب يعززه التاريخ وتعظده الجغرافيا ومحسوم وفق القانون الدولي، قضية الصحراء المغربية قضية طال امدها وحان الوقت ليتحمل الجميع مسؤولياتهم في الداخل والخارج من اجل اقفال هذا الملف الذي عثر مشاريع الوحدة المغاربية وعكر صفو المجهودات التنموية المغربية ولنا في المستقبل القريب امل في حل قضية الصحراء المغربية وفق مقاربة الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب وساندته المجموعة الدولية، بعض مقالات الكتاب تشيد بالديبلوماسية الملكية ودورها في الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للمغرب، هذه حقيقة ملموسة على ارض الواقع ولا تحتاج كثير من النقاش،المؤسسة الملكية بالمغرب تقوم بادوار طلائعية من اجل وحدة المغرب ونمائه واستقراره لكن المؤسسة الحزبية المغربية لا تزال بعيدة عن مواكبة المجهود الملكي المبذول في الدفاع عن قضايا المغرب الاستراتيجية. في الكتاب ايضا دعوة إلى الحفاظ على العلاقات المغربية الفرنسية لتكون علاقات استراتيجية مبنية على الاحترام المتبادل بين الشعبين وعلى تبادل المنافع، ففرنسا بالنسبة للمغرب شريك استراتيجي في كل القضايا والمحاطات والظروف سواء كان الحكم في فرنسا يساريا او يمينيا والمغرب بالنسبة لفرنسا ضرورة امنية و سياسية ونوستالجيا تاريخية كذلك، حسنا فعل الساسة الفرنسيون والمغاربة عندما سارعوا إلى تطويق الازمات السياسية بين المغرب وفرنسا لان الازمة بين البلدين ليست في مصلحة أي احد بل استمرارها تهديد لنا جميعا. الكتاب يفرد فصولا ومقالات عدة للشأن السوري بل للدقة اكثر للمأساة السورية، الكتاب اعتبر المحنة السورية اختبارا للضمير العالمي الانساني والحقوقي، فباستمرار نظام بشار الاسد في تقتيله للشعب السوري وارتكابه الجرائم ضد الانسانية وسكوت المجتمع الدولي عن هذه الجرائم البشعة ادانة للضمير الانساني واهانة للكرامة الانسانية، النظام الاسدي المتعجرف افرز تنظيمات ارهابية متطرفة لا تقل عنه بشاعة مثل داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الارهابية العابرة للحدود يضاف اليها فيالق حزب الله اللبناني و عصابات الحرس الثوري الايراني كل هذه التنظيمات الارهابية شردت وبطشت بالشعب السوري واهتز العالم باسره لبشاعة جرائمها، لكن للاسف الشديد كان الشعب السوري ضحية اللاعيب السياسة وصارت دمشق ملعبا اقليميا تتحارب فيه القوى الاقليمية والدولية ويؤدي الشعب السوري يوميا من دمائه الضريبة المعلومة.

هذا الكتاب الاول , اردته ان يجمع مقالاتي المشتتة والتي يجمع بينها الدفاع عن قيم الحرية والديموقراطية واعلاء الحوار المفتوح في كل القضايا بدون حواجز ولا استثناءات، لذلك فليعذرني القارئ الكريم اذا لم يجد في الكتاب كل ما يحلم به لانني حاولت ان اكتب لنفسي اولا ثم ثانيا ان ادخل غمار الكتابة بدون ان ادعي بانني املك كامل قواعدها واستكمل شروطها، فالكتابة مغامرة كباقي المغامرات الصعبة لها ثمنها ومصاعبها ولكن لها اجر المشاركة و تلبي الحاح الفضول المعرفي. فالكتاب بالنسبة لي دعوة للحوار وتبادل الراي ولا يدعي الحقيقة ولا يزعمها فالحقيقة لا يملكها فرد ولا جماعة بل هي ملك للجميع، والجميع مطالب بالبحث عنها والتحري عن سبلها بالطرق الحضارية والمعرفية المناسبة.

* * * *

الامازيغ والثروة بالمغرب
بعد انتهاء عملية الاحصاء العام للسكان والسكنى بالمغرب ينتظر الامازيغ قاطبة ان يعرفوا عددهم الحقيقي ووضعهم المعيشي الحقيقي لان في الحقيقة الامازيغ لم يعودوا يثقون في الارقام الرسمية خصوصا وان هناك تضارب دائم بين الارقام المعلنة من طرف القطاعات الوزارية التي تضخم عادة في الارقام من اجل الترويج لنجاح برامجها الوزارية وتبييض صورة الوزير وتأهيله لحمل حقيبة وزارية اخرى والارقام المعلنة من طرف المندوبية السامية للتخطيط التي يصح ان نسميها بالمندوبية السياسية للاحصاء التي باتت بقدرة قادر تلعب ادوارا سياسية جديدة مع وصول حكومة الاسلاميين إلى الحكم، لكن الاحصاء الحقيقي الذي نريده نحن الامازيغ ليس معرفة عددنا بالمغرب لان هذا السؤال لدينا عليه اجابة شافية مستقاة من تاريخنا العريق والمديد ومعززة بالطبونوميا والجغرافيا والواقع الراهن، الشعب المغربي شعب امازيغي بامتياز وكل انكار لهذه التاريخية قبل الاحصاء او بعد الاحصاء فلن تزيد من الواقع ولن تنقص منه شيئا، فالواقع لا يرتفع كما يقول الفقهاء,السؤال المؤجل دائما والذي يتهرب بل يتهيب الجميع من طرحه هو مانصيب الامازيغ كشعب اصلي واصيل في المغرب من الثروات التي ينعم بها المغرب؟ وهل توزيع الثروات في المغرب يستفيد منها الامازيغ باعتبارهم شعبا أصلية؟

الجواب على سؤال الثروة وطريقة توزيعها لايمكن ان نجد له اثر في نتائج الاحصاء لان الثروة في المغرب من المقدسات التي يؤدي السؤال عنها إلى الكفر في احسن الاحوال والتي تدخل ضمن الاشياء التي لا تسألوا عنها كي لا تسيئكم، الامازيغ كما هو معلوم من الضحايا المباشرين للاستعمار الفرنسي والاسباني بالمغرب كما انهم ضحايا الاستقلال الوطني اذ جردهم الاستعمار الفرنسي من الاراضي الخصبة وارجعهم فقراء متسوليين واعطاها لممثليه في المغرب بعد جلائه مكافأة للعملاء الخونة ونكاية في المقاومين الامازيغ لذلك لا عجب ان نرى في المغرب اليوم عائلات متعاونة مع الاستعمار ورثت احسن واجود الاراضي وبقي اصحاب الاراضي الاصليين فقراء معوزين، في المغرب اليوم بات طرح سؤال الثروة من الاولويات التي يجب على الامازيغ والديموقراطيين بالمغرب طرحها والتدوال بشان الكيفيات والاليات الوطنية والدولية التي يمكنها مساعدتهم للحصول على ثرواتهم المنهوبة قبل وبعد الاستقلال،فالانصاف والمصالحة التي باشرتها الدولة المغربية مع ضحايا القمع السياسي غير كافية لطي صفحة الماضي بل يجب فتح صفحة الانتهاكات الاقتصادية التي تعرضت لها القبائل الامازيغية واثر ذلك على نصيبها اليوم من التعليم والتنمية بصفة عامة، الامازيغ تعرضوا لحملات ابادة اقتصادية وتجهيل معرفي وطمس تاريخي لثقافتهم وهوياتهم ومصادرة اراضيهم وسبي نسائهم منذ الحملات الاولى لما يسمى زورا الفتح الاسلامي والذي لم يعدو ان يكون سرقة لثرواتهم مشرعنة بشعارات دينية، متى كان الفتح الاسلامي هو سبي النساء والمتاجرة بهن في سوق النخاسة ببغداد؟ متى كان الفتح الاسلامي هو نهب ثروات القبائل الامازيغية وفرض الاتاوات عليها ولو اخدت اسم الزكاة؟

نحن الامازيغ ضحايا التاريخ الماضي والوسيط والمعاصر ويجب ان نعمل جميعا ان لا نكون ضحايا المستقبل، من اجل ذلك الامازيغ بالمغرب وفي شمال افريقيا عامة مطالبين بالبحث عن استراتيجية جديدة تتجاوز التعاطي الثقافي مع قضاياهم، فنحن شعب مقصي ثقافيا وهويتيا هذا صحيح ولكن مقصي كذلك اقتصاديا وتنمويا وهذه حقيقة لا جدال فيها، فالمناطق الامازيغية الريف وسوس والاطلس تعد من افقر المناطق في المغرب اليوم، قد نجد اغنياء من سوس مثلا او حتى وزراء ولكن هذا لايعني ان هؤلاء يمثلون الامازيغ او يستفيد الامازيغ من استوزارهم كلا، نفس الشئ ينطبق على الريف والاطلس، النضال الحقوقي الامازيغي يجب ان يتجاوز النضال من اجل فرض الاسماء الامازيغية واعادة الاعتبار للفنان الامازيغي واشراكه في المهرجانات الفنية والنضال من اجل دسترة الامازيغية إلى غير ذلك من المطالب التي كانت محقة وستظل كذلك ولكن الرقي بالمطالب الامازيغية إلى مستويات اخرى سياسية واقتصادية ضرورية لاعادة التاريخ إلى سكته الصحيحة أي اعادة الحقوق والارضي والثروات لاصحابها ولمستحقيها.

في بلدنا ثروات كبيرة طبيعية واقتصادية مهمة ولكن الاستفادة منها محتكرة من قبل قلة قليلة من المحظوظين والمقربين، فكم من المغاربة الامازيغ يستفيد من الثروات البحرية والثروات المعدنية والطاقية التي تزخر بها الاراضي الامازيغية؟ ومن الذي يسخر الاليات والمعدات التقنية والبشرية لنهبها ويترك ابناء الامازيغ فقراء مستضعفين؟ فالطبقة الفقيرة بالمغرب اليوم هي الطبقة الامازيغية المتاخمة لمناطق جلب الذهب والفضة في مناجم امني بالاطلس المتوسط ومناجم الذهب بتفراوت و كلها مناطق فقيرة جدا الادهى من ذلك ان مناطق امازيغية غنية بالذهب والفضة ولا تملك سوى مسالك وعرة للوصول اليها، ومعدلات الامية في المناطق الامازيغية تتجاوز 80 في المئة ونسب الهدر المدرسي تضرب اطنابها وبطالة الشباب حدث ولا حرج، فاين حق السكان الاصليين في الاستفادة من ثرواتهم كما تؤكد ذلك المواثيق الدولية لحقوق الانسان ومواثيق الشعوب الاصلية واتفاقيات منظمة العمل الدولية وخاصة الاتفاقية 169 لمنظمة العمل الدولية.؟ ان عدم طرح سؤال الثروة ببلادنا وضرورة فتح حوار وطني حول طرق توزيعها بشكل عادل ومتوازن سيجعل المغرب مقبل على توترات اجتماعية واحتجاجات بل وانتفاضات مستقبلية ستضع الامن والسكينة في المغرب اليوم في خبر كان، فالفقر المدقع الذي تعيشه المناطق الامازيغية وارتفاع معدلات البطالة لدى العاطلين والقادرين على العمل وانتشار الفساد المالي والاقتصادي والسياسي الذي ينخر بلادنا لايمكن السكوت عليه ولا احتماله في المستقبل لذلك من الاحسن ان يبدأ المغرب بإصلاحات اقتصادية وسياسية جوهرية تستجيب لحقوق الشعب المغربي الامازيغي في توزيع الثروات وفي القضاء على الفقر والامية وتقريب الخدمات الاجتماعية واعادة تاهيل المناطق الامازيغية المنكوبة قبل ان تفرض علينا سيناريوهات مؤلمة طالما تبجح سياسيونا نفاقا وتزلفا بأننا تجاوزناها وباننا وصلنا إلى بر الامان. الاستقرار والامن لا يتعايشان مع الفساد والفقر المدقع للاغلبية الساحقة والغنى الفاحش للأقلية المحظوظة، اننا كامازيغ لن نصبر على نهب ثرواتنا تحت أي شعار او ظرف وسنناضل من اجل حق المناطق الامازيغية في ثرواتها ومن اجل رفاهية أبنائها، الحركة الامازيغية مصممة على فتح اورش التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق الامازيغية والقطع مع المقاربات الثقافوية في تعاطيها مع حقوق الامازيغ التي ابانت عن محدوديتها وعن عدم ملائمتها مع الظروف الحالية التي تجتازه بلادنا والمنطقة الافريقية عموما ولدي ليقين بان الحركة الامازيغية وهي سليلة تاريخ عريق من النضالات والتضحيات ستستطيع اعادة التاريخ إلى نصابه وتصحيح التحريفات التي وقعت له حيث أريد للمغرب تعسفا ان يكون مشرقيا مغتربا متنكرا لامجاده التي سطرها قادة وشخصيات بصمت في تاريخه، تاريخ الامازيغ في ديارنا وبلادنا موثق وثابت فمن يشك في ذلك فليسأل عن لغة وهوية كل من: يوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت وعبد المومن بن علي ويعقوب المنصور وابي الحسن المريني ومحمد بن عبد لكريم الخطابي وموحا وحمو الزياني وعسو وباسلام وغيرهم وان يسأل كبار المؤرخين الاوروبيين عن هوية ولغة وتاريخ المغرب ليعلم من يجب ان يعلم ان حقنا في المغرب مشروع وفي ثرواته تحصيل حاصل.

* * * *

هل تستطيع الديبلوماسية المغربية تكسير الهيمنة الجزائرية على الملف الازوادي؟
امام الديبلوماسية المغربية اشواط كبرى لتقطعها من اجل ان تدخل في القضية الازوادية بشكل جدي وفعال، الاستقبالات المتوالية للامين العام للحركة الوطنية الازوادية في المغرب لا يعني ان ديبلوماسيتنا استطاعت ان تكسر الاحتكار الجزائري للملف الازوادي، الجزائر استثمرت في الملف الازوادي لعقود طويلة مولت وجنست العديد من القيادات القبلية الازوادية لكنها فشلت إلى حد الان في استمالة قيادات اخرى قبلية فاعلة وذات مصداقية، الجزائر لا تستطيع ان تعطي للقيادات الازوادية ما لم تستطع فرنسا اعطائه لهم اي ان الجزائر لديها سقف لا يمكن ان تتجاوزه وهنا يمكن للديبلوماسية المغربية الرسمية منها والشعبية ان تبادر إلى اقتراح مبادرات خلاقة من اجل العودة إلى القضية الازوادية من باب اممي وافريقي معترف به، فالمغرب يحتفظ بعناصر لا تملكها الجزائر وتملك نقط ضعف تستغلها الجزائر يجب تجاوزها والعودة إلى الساحة الافريقية من باب واسع، المغرب يملك ثلاث عناصر قوة من شان التاسيس عليها ان يجعل الدور المغربي اساسي ولا محيد عنه:

العنصر الاول: المغرب له علاقات تاريخية مع معظم القبائل المشكلة لازواد بل هناك قبائل ماتزال ترتبط بالمغرب ارتباطا دينيا وسياسيا يرتقي إلى درجة البيعة والولاء للمغرب.

العنصر الثاني: المغرب لم يتورط في الصراع الداخلي الازوادي كما فعلت الجزائر التي سلحت البعض ضد البعض الاخر لذلك حياد المغرب ومصداقيته يمكن ان يجعل منه وسيطا مقبولا ومطلوبا بين الحكومة المالية المحتلة لازواد والفصائل المعتدلة في ازواد.

العنصر الثالث: المغرب يملك حركة امازيغية فعالة وذات تواصل ممتاز مع قيادات ازوادية في الخارج والداخل والنسيج الامازيغي المغربي قد ينفع في التواصل مع الشعب الامازيغي الازوادي اي ان المغرب له نسيج ثقافي وحضاري يمكنه من ان يساهم في حل القضية الازوادية في اطار حق الشعب الازوادي في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي كما يريده وكما يتوافق مع ما توصلت اليه مفاوضاته مع الدولة المالية.

لكن الديبلوماسية المغربية لم تستثمر لحد الان هذه العناصر القوية في الملف المغربي وتستمر في ارتكاب اخطاء رئيسية في تعاطيها مع الملف الازوادي نورد بعضها:

الخطأ الاول: الديبلوماسية المغربية تركز على قيادات سياسية قبلية بعينها في محاولة للتأثير في الملف الازوادي وغالب هذه القيادات التي تراهن عليها الديبلوماسية المغربية لها ولاء سابق ومستمر للجزائر بل بعضها له جنسية جزائرية مما يعني ان المغرب يضيع وقته وجهده في التواصل مع قيادات حسمت اختياراتها سلفا فيما الذي يجب ان يكون هو ان يركز المغرب على الفصائل الازوادية التي لها ارتباطات تاريخية مع المغرب والانفتاح على غيرها وبذل جهد تنموي كبير لكسب ثقة الشعب الازوادي عبر بناء المستشفيات والطرق ودعم مشاريع التنمية عموما.

الخطأ الثاني: الفعل الديبلوماسي المغربي يعمل في هذا الملف بمنطق رد الفعل اي ينتظر حتى تهيئ الجزائر لقاء للفصائل المالية على اراضيها او في بوركينا فاصو او اي مكان اخر ونتذكر بأن هناك قضية ازوادية ونسارع إلى استدعاء احد القيادات الازوادية هذا المنطق لايشكل في نظري تراكما في التعامل مع ملف شائك كملف ازواد بل يجب ان تخلق خلية رسمية واخرى شعبية تهتم فقط بالقضية الازوادية وتطوراتها وتحاول تطوير اساليب التعامل مع الوضع المتحرك في ازواد وهذا ليس الهدف منه التشويش على الدور الجزائري ولكن تجاوز السياسة الجزائرية بشكل ايجابي عبر تجاوز اخطائها المتمثلة اساسا في رهن قرارها السيادي في الملف الازوادي لفرنسا والاعتراف باحتلال مالي لاراضي ازواد بدل من ان تكون الجزائر طرفا محايدا.

الخطأ الثالث: عدم الرهان على البعد الثقافي واللسني واستمرار اقصاء العنصر الامازيغي كعنصر مؤثر لدى الفصائل الازوادية الرئيسية، فالشعب الازوادي والامازيغ بالمغرب تربطهم علاقات ثقافية ولهم منظمات دولية يشتركون فيها ومن الخطأ اقصاء البعد الامازيغي في الرغبة لاختراق الملف الازوادي بدعوى الخوف من تدويل الامازيغية او اعطاء الامازيغ مكانة متميزة في رسم معالم الاستراتيجيات السياسية في الغرب الافريقي, والواقع ان الامازيغية باتت قضية محورية في رسم السياسة المتوسطية والمغاربية بعد النهوض الامازيغي بليبيا والجزائر وتونس والمغرب واصبحت القوى الفاعلة الدولية تأخذ في حسبانها وجود حركة امازيغية فاعلة كاحدى نتائج الحراك الثوري بالمنطقة.

عودة المغرب إلى السياسة الافريقية بقوة في عهد محمد السادس، استراتيجية سياسية طموحة وذات نتائج ايجابية في المستقبل خاصة وان المغرب كباقي الدول الراغبة في لعب ادوارسياسية مستقبلا على الساحة الدولية لكن هذا المجهود الملكي المعتبر لابد ان يصاحبه فهم مجتمعي وسياسي للاخطار المحدقة التي تتربص بنا اذا ما اهملنا السياسة الخارجية وجعلناها شانا دولتيا صرفا، المغرب كباقي الدول مستهدفة من الحركات الارهابية بمختلف تلاوينها خاصة وان تقارير دولية تفيد بأن المغرب على راس الدول المستهدفة من طرف القاعدة في المغرب الاسلامي ومن طرف داعش ومن طرف عصابات المخدرات التي تتخذ من مناطق الصراع والتوتر ارضا خصبا لها، لذلك من مصلحة المغرب التواجد الديبلوماسي والسياسي وحتى العسكري ان اقتضت الضرورة ذلك في جميع مناطق التوتر في القارة الافريقية للدفاع عن المصالح العليا للمغرب وعلى المجتمع الدولي ان يسارع إلى ايجاد حل سريع ونهائي وعادل لقضية الصحراء المغربية لان استمرار النزاع المفتعل وتورط قيادات البوليساريو في دعم الارهاب واحتضانه يشكل تهديدا للامن القومي الافريقي والاوروبي على حد سواء ولكي لايعتبر هذا القول تهويلا مقصودا من عندنا كوطنيين مغاربة متعصبين لوحدة اراضي بلادهم نحيلكم إلى تصريح لمسؤول جزائري رفيع المستوى وعداوته للمغرب لاغبار عليها وولائه للبوليزاريو لا شك ولاجدال فيها وهوعبد المالك قنايزية وبحضور الرئيس الجزائري الذي اعترف خلال اجتماعه مع مسؤولين امريكيين سنة بالعاصمة الجزائرية سنة 2010وهم مستشارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش للشؤون الامنية فرانس فارفوس توزند ودايفد ويلش الكاتب العام المساعد السابق في وزارة الخارجية والمسؤول السابق عن شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا "يؤكد عبد المالك قنايزية تورط اعضاء من الحركة الانفصالية في جبهة البوليزاريو في التعاون مع تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي" ونشر هذا التصريح في صحيفة الباييس بتاريخ 3دجنبر 2010 ضمن تقارير ويكيلكس التي نشرتها الجريدة حول موضوع العلاقات المغربية الجزائرية. المغرب الرسمي والشعبي مطالب بالانخراط الجدي في ايجاد حل سياسي للقضية الازوادية يضمن الحقوق المشروعة للشعب الازوادي ومن مصلحة المغرب ان يكون هناك اقليم ازوادي ديموقراطي مزدهر ومنخرط في جهود احلال السلم والامن الدوليين وترك الجزائر تنفرد بهذا الملف فيه تهديد للمصالح الاستراتيجية للمغرب خاصة وان حكام الجزائر لهم سوابق في خلق منظمات ارهابية وارباك امن واستقرار الجيران وما يحدث اليوم من تورط واضح للمخابرات والجيش الجزائري في اثارة الفتنة في ليبيا ودعم فلول القذافي الا دليل على خوف الجزائر الدائم من اي تطلع ديموقراطي لشعوب المنطقة المغاربية والافريقية.

* * * *

هل تكون تونس شجرة خضراء مثمرة استثناءا، في غابة الاستبداد القاحلة؟!
"الأمة والمرأة لاتغتفر لهما تلك اللحظة، التي تفقدان فيها الحذر، فيتمكن من انتهاكهما اول مغامر عابر سبيل".

كل المتطلعين إلى الديموقراطية، الطامحين إلى الانعتاق من الاستبداد والظلم في العالم تابعوا فصول الانتخابات التونسية وايديهم على قلوبهم خوفا على التجربة الديموقراطية التونسية الوليدة التي يتربص بها المتربصون في الداخل والخارج، نجاح الانتخابات التونسية في نقل تونس من وضع الاستبداد والحزب الواحد إلى تعددية سياسية حقيقية وتنافس سياسي حقيقي كان ثورة ثانية بعد الثورة الاولى التي اسقطت الديكتاتور زين العابدين بن علي وعبدت الطريق امام التونسيين لاستنشاق نسيم الحرية والتعبير الحر وهذا النجاح يكذب بعض الطروحات التي كانت تعتبر العقل السياسي المشرقي في مقابل العقل الغربي،. عاجزا عن القيام بانتقالات ديموقراطية سلمية بل هو عقل جبل على الاستبداد والاقصاء وعبادة الشخص الواحد الاوحد وقد كان المفكران اللبناني الشهيد مهدي عامل والفلسطيني ادوارد سعيد قد تصديا في كتبهما للنظرية الاستعلائية الغربية التي تعتبر الثقافة الغربية ثقافة عقل وتصلح لاستنبات قيم الديموقراطية وحقوق الانسان وثقافة الشرق التي هي ثقافة عاطفية غنوصية بلغة المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري لا تحتمل ولادة الديموقراطية والفكر الحر ومن قدرها المحتوم العيش في ظلمات الجهل والامية والجاهلية السياسية لذلك كتب المفكر المهدي عمل كتابا عنونه بسؤال استنكاري: هل العقل للغرب والقلب للشرق؟ وكان في الحقيقة الكتاب ردا على ادوارد سعيد نفسه. مايهمنا في ذكر هؤلاء المفكرين ان نقول بان الانتخابات التونسية اثبتت امكانية التحول الديموقراطي في بلداننا واثبتت خطأ بعض الطروحات الفكرية والسياسية الاستشراقية التي ربطت بين تخلفنا السياسي وبين جيناتنا الوراثية اي ان قدرنا المحتوم كبلدان متخلفة سياسيا واقتصاديا وثقافيا هو ان نركن في زاوية البؤس والتهميش والظلامية بمعناها الواسع ابد الدهر، لكن لحسن حظنا، التجربة الديموقراطية التونسية الوليدة بعلاتها و بتخوفاتنا المشروعة بعودة بعض فلول النظام البنعلي المقبور فوتت الفرصة على المشككين بقدرات شعوبنا على التغيير نحو الافضل واعطتنا فسحة امل ضرورية لنقل التجربة التونسية إلى امكنة مختلفة من محيطنا السياسي ومكنت من تجاوز ما اسماه الدكتور خالد الحروب في احدى مقالاته "الاعاقة الاستراتيجية العربية واستعصاء الحلول " ومكنت التجربة التونسية من الانبعاث من جديد فيما اسماه الدكتور الطيب التيزيني في كتابه بيان في النهضة والتنوير العربي "الحطام العربي " وان كنا لا نتفق مع المفكرين في تسمية منطقتنا بالمنطقة العربية، لان في التسمية بعد اثني لا يحترم الاثنيات والثقافات والاعراق الاخرى، ولكن هدفنا من هذا المقال ان نبين لمن يشكك في قدرات شعوبنا في تحقيق التغيير، ان بامكاننا القطع مع الاستبداد والثقافة الظلامية السائدة اذا توفرت الارادة السياسية الحقيقية وكان الشعب مستعدا للتضحية بكل معانيها، لكن تساؤل مشروع يطرح نفسه بالحاح لماذا نجح التونسيون في ما فشل فيه غيرهم من السوريين والليبيين والمصريين واليمنيين والعراقيين؟ الجواب عن هذا التساؤل المشروع اشكالي ولا ينحصر في زواية نظر واحدة ولكن في نظري المتواضع ارى بان ضعف موارد تونس الطبيعية قوة في حد ذاته، اي ان الخاصية المشتركة بين معظم الدول التي فشل فيها الانتقال الديموقراطي دول غنية بالموارد الطبيعية من غاز وبترول وبالتالي تحولت نعمها إلى نقم متوالية عليها، بفعل التطاحنات الداخلية من جهة على الموارد بين التشكيلات القبلية والطائفية من جهة والتدخلات الاجنبية السافرة من جهة اخرى –بتعبير ادق الدول الاجنبية وشركاتها لايهمها الديموقراطية في عالمنا المتخلف بل تسعى جاهدة إلى ابقاء انظمة او حالة سياسية تسعى من خلالها إلى تأبيد سيطرتها الاقتصادية والسياسية وهذا ما ينعكس على قمع ارادة الشعوب وقواه الحية التي تريد التحرر السياسي والقطع مع التبعية الاقتصادية، الثورة التونسية كانت محظوظة لان بلدها لاينعم بثروات بترولية ولا يحتوي على تباينات طائفية ومذهبية داخلية رغم ان الفرنسيين مثلا والغربيين على درجات مختلفة كانوا من محتضني الطاغية بن علي وازلامه وكلنا يعرف قصة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة التي كانت في عز انتفاضة التونسيين تغدق الدعم السياسي على نظام بن علي وتقضي عطلة نهاية السنة في مسابح وفنادق سوسة، قبل ان يجهز عليها الشعب التونسي ويفضح التواطؤ الرسمي الفرنسي مع نظام الديكتاتور بن علي، بل ربما تكون ايادي خارجية وراء نجاح بعض بقايا حزب بنعلي في الانتخابات الاخيرة ولكن رغم ذلك يمكن اعتبار التجربة التونسية بداية جيدة يمكن التاسيس عليها.

ما يبعث على الامل كذلك في التجربة التونسية الجديدة هو موقف حزب النهضة من انهزامه النسبي في الانتخابات اذ عبر الحزب وقيادته عن موقف سياسي حكيم و رائع يعبر عن نضجه السياسي وارادته في انجاح المسار الديموقراطي التونسي اذ ان الحركة سارعت إلى الاعتراف بالهزيمة وتهنئة التيار الفائز اي نداء تونس وهذا موقف ينذر وجوده في بلدان التخلف السياسي ولكن النهضة فهمت رسائل الداخل واستوعبت تهديدات ودروس الخارج فالنهضة قد تكون خسرت هذه الجولة الانتخابية ولكن تونس الدولة ربحت الاستقرار والانفتاح السياسي وهذا هو المهم، مرة اخرى تستطيع تونس ان تقود قاطرة الامل لدى شعوبنا فبعد شرارة البوعزيزي التي الهمت حماس شعوبنا، ها هي تونس الثورة الثانية تواصل اعطائنا العبر وتطعمنا بجرعات التفاؤل بامكانية تحقيق احلامنا الديموقراطية المهدورة والمجهضة في بلداننا، لكن الحذر واليقظة مطلوبة من سعي بعض الاطراف في الداخل والخارج من وقف الزحف الديموقراطي التونسي فالارهاب الاعمى والاستبداد السياسي المعشعش في بلدان الجوار يمكن ان يشكل ثورة مضادة لذلك وجب الحذر وصدق الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي اذ حذر من ذلك في حملته الانتخابية الرئاسية الثانية اذ حذر الشباب التونسي من مخاطر عودة الاستبداد السياسي وانتصار قوى الثورة المضادة فقد صدق قائل القولة المأثورة التالية التي اخدتها عن الدكتور الطيب التيزيني: الامة والمرأة لاتغتفر لهما تلك اللحظة، التي تفقدان فيها الحذر، فيتمكن من انتهاكهما اول مغامر عابر سبيل.

* * * *

لا يمكن القضاء على الداعشية الفكرية، السياسية والتنظيمية الا بتشجيع الديموقراطية وحقوق الانسان في العالم
والان وقد استطاعت الولايات المتحدة الامريكية انشاء تحالف دولي ضد داعش يبقى العالم مشدوها ومنتظرا لنتائج هذه الحرب الجديدة على الارهاب لكن تساؤلات كبرى ترقى إلى درجة الشكوك ما تزال تخيم على المتتبعين لهذه الحرب الجديدة على داعش هذا التنظيم الارهابي الذي على ما يبدو نما في احضان دول واجهزة امنية عالمية احتضنته في البداية من اجل اهداف اخرى ربما اليوم قد حققها او انقلب السحر على الساحر، لايهم من تواطئ او صنع التنظيم الارهابي في العراق وسوريا وقبله من صنع التنظيمات الارهابية في العالم لمواجهة السوفيات في افغانستان او شجع الانقلابات العسكرية الاسلاموية في افريقيا لوقف المد الشيوعي والتحرري ولا يهم الان نقاش من شجع حركة الكونترا للانقلاب على الشرعيات الثورية في بعض دول امريكا الاتينية، هدا نقاش يبدو محسوما ومآسيه نعيشها يوميا فالاسلام السياسي صناعة مخبرية قام بها الغرب الديموقراطي المتقدم من اجل الاستمرار في اذلالنا وتسهيل انبطاحنا وترسيم لحاجتنا الابدية له، الداعشية والاسلام السياسي عموما لم يكن وليدة تربتنا لوحدها بل صحيح انه استنبت فيها ولكن باسمدة وسقي غربي، الداعشية والاسلام السياسي عموما اخروا تقدمنا الحضاري والعلمي وفوتوا على شعوبنا فرصا للانطلاق نحو عالم متقدم وعادل، الغرب مطالب بتصحيح اخطائه السياسية القاتلة ضد شعوبنا وشعوب العالم كذلك واخطاء الغرب الاساسية هي التامر على حقوق شعوبنا في تقرير مصائرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الغرب شجع ومازال يشجع الديكتاتوريات في بلداننا ويتغاضى عن نهب ثروات شعوبنا ولايبالي باوضاعنا التعليمية والفكرية التي تعطي مبررات وجود للتنظيمات الاسلامية التي سرعان ما تتحول إلى تنظيمات على الشكل الداعشي، صدقوني العالم لايمكن ان يعيش في امن وسلام وطمانينة طالما انه مقسم بين فئتين متناقضتين عالم غربي متقدم يعيش حرية سياسية واقتصادية على قدر كبير من الاهمية والارتياح وفئة عريضة من شعوب العالم ترزح تحت نير الاستبداد والتخلف والرجعية بتشجيع واحتضان غريب ومفهوم في ان واحد من قبل انظمة غربية ديموقراطية وقد صدق المفكر الاقتصادي والسياسي الفرنسي جاك اتالي صاحب كتاب جدير بالقراءة والتمحيص وعنوانه: تاريخ موجز للمستقبل وقد خبرالرجل السياسة الدولية عندما كان مستشارا للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران وخلص إلى ان مايهدد العالم هوسلسلة من الممارسات البربرية والمعارك المخرّبة مستخدمة أسلحة ليست معروفة اليوم وبحيث تتواجه فيها الدول والمجموعات الدينية والكيانات الإرهابية والقراصنة من كل نوع»، وهذا ما يسميه أتالي ب«النزاع الكبير ولكن الانظمة الغربية الديموقراطية التي تعامل شعوبها بالاحترام والعدالة تجهل او تتجاهل حقيقة مرة ان العولمة اليوم قد وفرت للتنظيمات الارهابية التي انبتها الفقر والاستبداد فرصة استقطاب الضحايا حتى من عند الشعوب الغربية وهذا ما يفسر استطاعة الفكر الارهابي الداعشي استقطاب عدد كبير من الغربيين إلى صفوفه وبالتالي اصبح الغرب الديموقراطي العلماني اليوم مستهدفا في عقر داره من طرف الارهاببين والقتلة بعدما اعتقد في العقود السابقة ان التنظيمات الارهابية التي صنع بعضها ومولها او التي شجعها ستقوم بعملياتها القذرة خارج المجال الجغرافي الغربي واذا بالغرب اليوم يتذوق اولى سياط الارهاب في عقر داره ورائحة الارهاب تنبعث من مطبخه الداخلي فيسرع في ما اسماه الصحفي عبد الباري عطوان إلى استجداء تحالف المرعوبين لمواجهة الارهاب.

في بلداننا حركات ليبرالية وديموقراطية وحقوقية مقموعة تسعى منذ عقود إلى استنهاض الوعي التحرري الديموقراطي لدى شعوبنا لكنها مقصية في كل مناحي الحياة العامة صوتها خافت امام زمجرات واصوات الاستبداد والقمع وحملات التخوين والتنكيل، في بلداننا حركة نسائية صاعدة ومناضلة لكنها مغلوبة على امرها تعاني من تحالف سدنة معابد الدين الارثدوكسي ورجال الدولة الذين يستغلون الدين لكبح جماح التحرر الوطني والديموقراطي للشعوب، في بلداننا حركة حقوقية ناشئة وحركة نقابية مستنيرة ولكنها تعاني من الدعم الغربي للاستبداد في اوطاننا تعاني من حملات التضييق والتشتيت والتمزيق هذه هي شعوبنا طموحة متطلعة لمستقبل افضل تريد ان تعيش وهي مشدوهة للنموذج الحضاري الغربي لكنها مغلوبة على امرها فرض عليها الاستكانة فرضا ومورست عليها كل اشكال الرجعية والربط مع التخلف في وصال عضوي حتى بات الناس في بلداننا يطلبون المستبد العادل بدلا من الظلم الجائر والفساد المنشور، وهل هناك استبداد عادل؟ في بلداننا شعب بات يقتنع بان الغرب يمارس علينا حربا حضارية بلغة المرحوم المهدي المنجرة وان الشعوب الغربية لايهمها مصائرنا ولا ديموقراطيتنا مادامت بلداننا توفر لهم العمالة الرخيصة والثروات بازهد الاثمان، في بلداننا شعب فقير ومعدم وتعليمه متخلف واقتصاده منهوب ولكن حكامه ينعمون في الرخاء مستغلين صمت الانظمة الغربية على ممارساتهم مادموا يستطيعون التوقيع على اتفاقيات اقتصادية مذلة وعلى صفقات اسلحة لاطائلة من ورائها.

الداعشية تعبير مسلح وعنيف عن بؤس السياسة الدولية وعن تناقضاتها، فما الفرق بين داعش ونظام بشار الاسد او بين داعش ونظام عمر البشير واو داعش ونظام مالي لا فرق ابدا كلهم يمارسون القتل والتنكيل والنهب بكل حرية وبدون مسائلة.

 لمواجهة الداعشية لابد من اقرار الديموقراطية وحقوق الانسان في العالم واعطاء العالم الثالث فرصة التقدم والنمو في ظل انظمة ديموقراطية ماعدا ذلك لا نتيجة ترجى من مواجهة داعش و غيرها لان الدواعش انماط وانواع ومراحل عندما تنقضي الداعشية في هذه المرحلة فانتظروا يا سادة العالم تنظيمات ارهابية اخرى باشكال اجرامية اكثر تطورا لان شعوبنا المقموعة والمسحوقة اختارت خيار شمشون الذي هدم العالم على راسه وعلى راس الناس الاخرين ولكن المراهنة على الحركات الديموقراطية الجنينية في بلداننا وتشجيعها والدفاع عن حقوقها في التعبير والتنظيم من شانه ان يؤدي إلى تجفيف منابع والمصادر الحقيقية للتطرف والارهاب ولكن موقف الغرب من الثورات المجتمعية التي عرفتها بلداننا واسراع الغرب إلى التشكيك في هذه الثورات والانقلاب عليها يزيد من شكوكنا حول النوايا الحقيقية للغرب في حربه على التطرف والارهاب في العالم فهو يصر على القضاء على اعراض المرض دون التفكير على القضاء على الاسباب والمسببات.

* * * *

اين وكيف صنعت داعش؟
سيطرت جرائم داعش على مجريات الاحداث والاخبار في العالم وتسابقت دول العالم لتشكيل تحالفات دولية للقضاء على هدا التنظيم الارهابي الخطير فاقترح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مؤتمرا دوليا ضد داعش نصرة للعراق ومسيحييه ويزيديه وبتروله ايضا وانقلب عليه الامريكان ودعوا الناتو إلى حلف اطلسي جديد ضد داعش العراق ومهادنة لداعش سوريا خوفا من استغلال نظام الاسد لاي فتور في القوى المقاتلة للاسد حتى ولو كانت خطرا استراتيجيا، والحال ان داعش ونظام الاسد صنعا في مختبر واحد بل الاصح ان بشار الاسد والمالكي في العراق هما من اشرفا على صناعة داعش من اجل نشر الفوضى العارمة التي ستجعل العالم يستعين بخدماتهم الاجرامية مرغما ردا على الفوضى الخلاقة التي تبنتها واشنطن من اجل نشر الديموقراطية والفكر التعددي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا في اطار مشروع الشرق الاوسط الكبير. لكن السؤال المطروح هل يستطيع العالم الحر ان يستأصل تنظيم داعش بالطرق العسكرية فقط؟ ام ان الداعشية ثقافة وتنظيم في ان واحد؟

ان المتتبع للمشهد الثقافي والفكري للبلدان التي تسمى بلدانا عربية والتي يدين معظم افرادها بالاسلام يلاحظ تأصل الفكر الاقصائي الترهيبي والدي يمكن تسميته بالفكر الداعشي نسبة إلى ممارسات داعش الاجرامية فمثلا عند وقوع الهجمات الارهابية التي استهدفت الولايات المتحدة الامريكية في عقر دارها في شتنبر2001وادت إلى وقوع الالاف الضحايا من الامريكيين فرح العديد من العرب والمسلمين في قرارة انفسهم بهذه الهجمات بل ازداد تسمية اسامة وايمن للمواليد الجدد في كل اصقاع العالم الاسلامي بل اعتبر البعض ما نزل بالامريكيين مستحقا نظرا لما ارتكبوه من جرائم وانتهاكات في مناطق اخرى في العالم مثال اخر هو نظرة البلدان العربية والاسلامية لليهود والمعاداة الصريحة والضمنية احيانا لهم فدرجة معاداة اليهود في ثقافتنا فضيعة جدا إلى حدود ان في مساجدنا اليوم من يدعو في خطب الجمعة إلى تشتيت شمل اليهود والنصارى وهناك من يدعو في مساجدنا وتجمعاتنا كذلك إلى الجهاد ضدهم واعتبار اليهود مرادفين للنجاسة والخداع وغيرها من الاوصاف والاقداح التي تعتبر التربة الخصبة للداعشية ومن سيأتي بعدها، كما ان انتشار معاداة الشيعة في بلداننا إلى حد تكفيرهم عملة رائجة في ثقافتنا الاسلامية كما ان غلاة الشيعة كذلك ينظرون بعين الريبة والشك لاهل السنة في تضاد وتناحر ابدي متوارث عن فترات حالكة من التاريخ الاسلامي باختصار شديد الفكر الداعشي ليسا غريبا عن ثقافتنا وموروثنا الحضاري والثقافي ولابد من تنقية هذا الثراث وتجديده من اجل مواجهة الاساس السوسيومعرفي للداعشية.

الداعشية ليست تنظيما مسلحا يستطيع العالم القضاء عليه بالصواريخ والدبابات وبالجيوش الجرارة بل هو فكر وممارسة نابعة من فشل الحداثة السياسية في بلداننا وفشل صناع القرار في العالم في خلق مجتمع دولي عادل ومتضامن، الداعشية نتاج مباشر للاستبداد والظلم وتفشي الفوارق الاجتماعية بين الاغنياء والفقراء في العالم وداخل كل دولة دولة، الداعشية تمظهر من نمظهرات اختلال القيم وانعدام التضامن الانساني بين الدول واتساع دائرة الفقراء والمهمشين والعاطلين والمضطهدين في الارض بلغة فرانز فانون يعني مزيد من استقطاب الحركات الارهابية للشباب العاطل الدي يفجر طاقاته ومكبوتاته في العنف والقتل والجريمة ويسهل استقطابه من قبل الحركات الارهابية في العالم، ان التعامل مع الارهاب بمستوى دون المستويات الاخرى تعامل لا ينتظر منه نتائج واقعية وحاسمة، التعامل مع الارهاب والتطرف والداعشية كتمظهر من تمظهراته يكون بالعمل على اعادة النظر في العلاقات الدولية وضرورة اقرار نظام دولي عادل يفرض الديموقراطية بجميع مستوياتها على انظمة المجتمع الدولي، فمادام النظام العربي الحالي المستبد والناهب لثروات الشعوب قائما فالارهاب سيكون وسيتقوى ومادام العالم يسمح لانظمة مستبدة قاتلة لشعوبها في الاستمرار في الحكم فاعلم ان داعشيات اخرى ستولد وستأتي على الاخضر واليابس، لذلك ارى بان محاربة داعش لابد ان يكون فكريا وثقافيا بنشر العلم ومنتجاته بكل حرية وبنشر الديموقراطية وحقوق الانسان واستئصال الانظمة التوليتارية التي تستغل الدين من اجل التستر على نهب ثروات شعوبها. فلنعطي المثال السوري،الغرب سكت على جرائم نظام الاسد مند مجرزرة حماة سنة 1982 التي قام بها حافظ الاسد ودمر مدينة باكملها ولانه أي حافظ الاسد حليف للغرب ومنفذ لاجندته فقد غمضوا اعينهم عن هده الجرائم وصمت العالم الحر عن فضاعات سجن تدمروسجون اخرى وتواطئ العالم في سنة 1999 عن خرق دستور سوريا وتوريث بشار الاسد الحكم في ضرب سافر لكل القيم الديموقراطية إلى ان فجع العالم اليوم بجرائم وفضاعات بشار الاسد ومازال الغرب متواطئا ومباركا من تحت الطاولة لبشار الاسد رغم كل المؤتمرات الدولية التي تعقد هنا وهناك بدعوى مناصرة المعارضة السورية. امام هدا الوضع وضع الشعب السوري بين كماشة نظام اسدي ظالم ومجرم وحركات متطرفة فاقدة للحس الانساني وبقي العالم والامم المتحدة منظمة دولية مسؤولة عن الامن والسلام في العالم عاجزة عن انقاد الشعب السوري،فكانت داعش الوليدة الشرعية لهده الحالة السورية المتردية فسعى الغرب اليوم إلى القضاء على داعش متجاهلا مسبباتها واسباب نزولها, اما الحالة العراقية فهي شبيهة للحالة السورية،المجتمع الدولي وقواه الكبرى نصبت نوري المالكي ديكتاتورا على العراق وسفك من دماء العراقيين ما لايعد ولايحصى وشرد شيعة العراق وسنته وكرده واستباح المحرمات، ولكن لانه حارس امين لمصالح الغرب في العراق وخاصة المصالح البترولية فالغرب سكت عن جرائمه إلى ان ولدت داعش العراق من رحم المعاناة والاقصاء والقتل المدهبي وبدات في الانتقام من الامريكيين فثارت ثائرة اوباما وكيري في تمييز واضح بين القتلى العراقيين والقتلى الامريكان فتبين اخيرا للامريكان بشاعة جرائم نوري المالكي فضغطوا لتصفيته سياسيا واستبداله بالعبادي، الدول الديموقراطية الغربية تتحمل مسؤولية كاملة في وصول التطرف والارهاب إلى هده المستويات الدموية في العالم كما سكتوا وتواطؤا مع صدام حسين وحافظ الاسد وغيرهم فقتلوا من شعوبهم العدد الكثير وبالاسلحة الكيماوية النتيجة هي ولادة تنظيم القاعدة الذي اتى على الاخضر واليابس نفس الشئ يتكرر،التواطئ مع بشار الاسد ونوري المالكي والتلكؤ في مواجهة الاستبداد يعطينا اليوم تنظيم داعش واذا استمر المجتمع الدولي في تغاضيه ومساندته للاستبداد والديكتاتورية فلينتظر العالم تنظيمات ارهابية اخرى اشد فظاعة من داعش والقاعدة.

 الداعشية كما يقول الاستاذ حسام شاكر في مقال له نشر بجريدة المساء المغربية ليوم الجمعة 5شتنبر 2014:-لم تخرج داعش من كهوف الماضي، وان بدت اشبه بمسلسل تاريخي متقن نسبيا، فالظاهرة صعدت من صميم المجتمعات العربية المتعثرة ومن مناهج التعليم التي قدست القائد الاوحد واسلاك التجزئة وغيبت الوعي وخدرت الشعوب. هي جاءت من تعطيل السياسة، وخنق المجتمع، وسحق الكرامة، وتجهيل الاجيال، وسرقة خبزها.

* * * *

النخبة السياسية المغربية واليهودفوبيا
"طالما أن الأسود لم تحظ بمن يؤرخ لها فإن مؤرخي الصيد سيواصلون تعظيم الصياد" مثل إفريقي ما تزال للأسف الشديد أطياف سياسية كثيرة في المجتمع المغربي تتغذى على فتات موائد الشرق الأوسط و تعتاش على فضلات حواراته السياسية التي لا تنتهي، عندنا من النخب السياسية من ينصب نفسه وصيا على الشعب المغربي فارضا علينا وعليه معاداة اللقاء والتلاقي مع اليهود تحت ذريعة محاربة التطبيع مع إسرائيل، هناك من يتقمص بانتهازية كبيرة دور الفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، فهل اكتملت جميع مشاكل المغرب ولقيت حلولا مرضية وحاسمة ولم يبقى للسادة البرلمانيين واضعي مسودة مشروع قرار لمنع التطبيع مع إسرائيل وتجريم الجلوس مع اليهود ولو حتى على كراسي المقاهي سوى التشريع لتجريم التطبيع مع اليهود؟ هل يجب علينا أن نضيف هويتنا الدينية على أوراقنا التعريفية لنعرف اليهود من غيرهم ونتحاشاهم حتى لا نقع في ما يجرمه مشروع قانون مناهضة التطبيع الذي هو بامتياز مشروع قروسطي ظلامي عنصري يعيد إلى الوراء مكتسباتنا الحقوقية التي من بينها التعايش اليهودي الإسلامي المسيحي البهائي اللاديني وغيرها من المعتقدات التي تتساوى بمنظور حقوق الإنسان ووفق أبجديات المواطنة،؟ إن المغرب وطن يتسع للجميع لكل الأطياف الدينية والثقافية والسياسية والفكرية ولا يحق لأحد كيف ما كان أن يتحدث بلغة قطعية تمثيلية مطلقة للشعب المغربي، مشروع قانون تجريم التطبيع ينتمي إلى مدرسة محاكم التفتيش في القرون الوسطى ولا يمت بصلة لمغرب الحريات والتعايش والتسامح بين الأديان والثقافات، التعامل مع إسرائيل أو زيارتها كزيارة الولايات المتحدة الأمريكية آو زيارة الصين أو زيارة ألمانيا آو فرنسا، رب قائل سيقول بأنه من المجحف مقارنة كل هذه الدول مع إسرائيل وهي مغتصبة أراضي الفلسطينيين فلنتبع هذا المنهج وبموضوعية كبيرة نعم إسرائيل اغتصبت أرض فلسطين سنة 1948 وفرنسا اغتصبت أراضي الجزائر والمغرب وتونس منذ بداية سنة 1900 وقتلت في أبناء الشعوب المغاربية أكثر من مليونيين إذا جمعنا أعداد جميع المقاومين المتوفين أثناء حروب التحرير الوطني من الاستعمار الفرنسي في هذه البلدان المغاربية مجتمعة، إسرائيل قتلت من الفلسطينيين العدد الكثير هذا صحيح ومؤكد ولكن هل إسرائيل وحدها من فعل ذلك؟ ألمانيا النازية قتلت من اليهود في المحرقة الشهيرة أعدادا كبيرة وهائلة والتي ما يزال الإعلام العربي الإسلامي يتجاهلها بل ينكرها وهي حقيقة دامغة لا غبار عليها لكل من يبحث عن الحقيقة والتاريخ الحقيقي،فاليهود تم حرقهم في أفران غازية وتعذيبهم وتشريدهم فلماذا ننسى مآسيهم لمجرد أنهم يهود؟ أليست هذه عنصرية على المقاس؟ فلماذا لا نقاطع ألمانيا وهي دولة ارتكبت المجازر في حق المكون اليهودي وضد الانسانية بصفة عامة في عصر هتلر؟ ولماذا لا نقاطع تركيا وهي التي ارتبت مجازر كبيرة ضد الارمن؟إذا كان المنهج التحليلي المتبع يقتضي مقاطعة إسرائيل لأنها ارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا وقتلت ياسر عرفات بالبلوتونيوم الشديد التركيز وشردت الآلاف الفلسطينيين فلماذا تتغاضى النخبة السياسية المغربية المسكينة عن جرائم الأنظمة العالمية الأخرى فعلى سبيل المثال فقط الولايات المتحدة الأمريكية أبادت اليابانيين بإلقاء قنابل ذرية في هيروشيما وناكازاكي في غشت 1945 وقتلت الآلاف المؤلفة من البشر قبل ميلاد دولة إسرائيل كدولة جامعة لشتات اليهود في العالم، فهل سيقترح علينا بعض نواب الأمة آو نواب الأمية السياسية أكثر تحديدا ودقة مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية؟ أما إذا كانت إسرائيل متهمة بقتل السجناء وتشريد الأسرى وعائلاتهم فالنموذج الصيني في الحريات وحقوق الإنسان لا يحتاج إلى تذكير فالصين قمعت المعارضة السياسية واستعملت الدبابات لقمع المحتجين واضطهدت الأقليات الدينية ومنها المسلمة فلماذا لا نقاطع الصين؟ إذا خيرت شخصيا أن اختار بين الصين وإسرائيل أو بين إسرائيل وإيران الإسلامية آو بين إسرائيل وروسيا فإنني سأختار مغمض العينيين إسرائيل لأنها على الأقل بلد ديمقراطي تعددي قضائها مستقل أحزابها حقيقية التناوب السياسي فيها لا غبار عليه جيشها يأتمر بالأوامر السياسية ولا يقوم بالانقلابات العسكرية ولا يسير البلاد ويستولي على خيرات المواطنين كما هو حال بلاد الجزائر التي فيها جنرالات السكر وجنرالات البترول وجنرالات الموز، أما في الصين فلا تعددية ولا هم يحزنون أنت في بلاد العجائب والغرائب مخير بين أن نتتبع للحزب الشيوعي الصيني على الطريقة الستالينية المبنية على عبادة الزعيم وان تنكر ذاتك وحقوقك من أجل حزب شاخ وقادته مهددين بالانقراض بيولوجيا أو تموت قتلا أو اغتيالا نفس الشيء في روسيا أن تخضع للديمقراطية المزيفة لبوتين والمبنية على التناوب في الحكم بينه وبين صديقه رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف أو تعيش أبد الدهر مطاردا أو تغتال بالبلوتونيوم المشع الذي هو صناعة روسية كما هو حال العديد من النشطاء والعلماء الروس الذين تم اغتيالهم داخل وخارج روسيا، نفس القدر ينتظرك في إيران إذا كفرت بولاية الفقيه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إن رفضت قتل السوريين على الهوية وعلى حبهم لوطن ديموقراطي حر بدون بشار الأسد المجرم أو رفضت قتل المعارضين في مخيم أشرف وليبيرتي المكونين من أنصار مريم رجوي أي منظمة مجاهدي خلق ورفضت اضطهاد النساء وجلدهم أمام الملأ إذا ما رفضن الخضوع لنزوات أولياء الأمور هذه هي دفتر تحملات من يريد إيران حليفا له، فمن يستحق المقاطعة السياسية والأخلاقية؟،إيران الإسلامية أم إسرائيل اليهودية التي نسمع فيها بين وقت وآخر جلسة محاكمات واستنطاقات لرؤساء الدولة والحكومات لمجرد وجود شبهات فساد أو تحرش جنسي ونتابع فيها بغيرة شديدة انتخابات حرة ونزيهة يصعب التكهن بنتائجها إلا بعد الإعلان عنها، أما في إيران وباقي الدول المجاورة لها فالنتائج تسبق العملية الانتخابية. لاشك أن جيلنا والأجيال السابقة علينا في المغرب تربينا على معاداة إسرائيل لوحدها لأنها تضطهد الفلسطينيين و تقوم بأعمال عدائية ضدهم لكننا اكتشفنا الآن وربما متأخرين على ان منهجنا في تقييم السياسات الدولية كان إيديولوجيا ودوغمائيا ويحمل في طياته بعض بذور معاداة اليهود أي أننا مصابون بمرض الرهاب اليهودي أو ما أسميته في العنوان باليهودفوبيا، الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفنا بها منذ سنة 1777م لم تكن لتكن إلا على أنقاض شعوب وحضارات تم إبادتها كالهنود الحمر وغيرهم ولكن نتحاشى قول ذلك في كتبنا وخطبنا السياسية لان من شان ذلك إزعاج الدولة الكبرى المهيمنة على العالم كما أن التركيبة الدينية في الولايات المتحدة تضم أعدادا مهمة وكبيرة ومؤثرة من المنتمين للديانة اليهودية فلماذا نحابي الولايات المتحدة ونهرول إليها ونتعلم في كبريات جامعاتها ونتلقى العلاج في اعرق مستشفياتها وعلى يد أمهر أطبائها وغالبيتهم من اليهود الأمريكيين؟ فهل سيتجرأ نوابنا المحترمين في البرلمان المغربي بمقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية؟ كما أن ليس من المنطقي ولا من المقبول مقاطعة أي دولة أو أي شعب في العالم بجريرة وممارسة قياداته فانه لا يحق لنا أن نطالب المجتمع المغربي والدولة المغربية بمقاطعة إسرائيل لان إسرائيل تحتوي على عدد كبير من المواطنين المغاربة الذين هجروا قسرا وبمقابل أموال باهظة تلقاها المسيرون للعملية والتي لم يحن بعد الوقت للمؤرخين أن ينفضوا الغبار عن هذا التهجير وملابساته التاريخية التي رافقته رغم بعض محاولات المؤرخين والسوسيولوجيين أمثال agnés bensimon، الذين حاولوا استجلاء بعض الحقائق التاريخية ولكن يبقى المجهود المبذول في هذا الاتجاه مغمورا ولم يفصح بكل ما لديه من الأسرار والوقائع والتضحيات التي قدمها اليهود المغاربة حبا في وطنهم الأصلي المغرب. من حسن حظ المغرب أن لدينا في المغرب قيادة متبصرة متنورة ممثلة في شخص الملك محمد السادس سواء لاعتباره الدستوري كرئيس للدولة كضامن لوحدة البلاد ولأمنها الروحي لأنه من القيادات الشابة في المنطقة المغاربية والشرق أوسطية القلائل التي تؤمن بالتعدد الفكري وتقتنع بأولوية الانتماء للوطن على الاعتبارات الأخرى، لذلك نراه يحظى باحترام كبير ومتميز من اليهود وجميع الطوائف الدينية في العالم في وقت ما تزال نخبنا السياسية منغمسة في النقاشات البيزنطية و مهتمة بإيقاض الأحقاد الماضوية بين الشعوب لا يمكن في تقديري المتواضع للملك محمد السادس أن يترك نصا تشريعيا معاديا للسامية أن يمرر من قبل نخبة برلمانية مغربية متهورة وغير مدركة لما يدور حولها في العلاقات الدولية، فنحن في المغرب كان بودنا أن لا يرحل اليهود المغاربة بالطريقة المعلومة إلى إسرائيل بل أن يعيشوا بين ظهرانينا كمواطنين نشترك معهم في المواطنة والحقوق ويجب أن نعمل على تنقية برامجنا الدراسية من برامج تحتوي على معاداة الأديان الأخرى وترديد ببغاوي للآية الكريمة دون حفظ للسياق الزمكاني لنزولها "كنتم خير أمة أخرجت للناس" وتوظيف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المساجد وغيرها من الأماكن العامة للإساءة إلى الدين اليهودي فاليهودية دين له من الحرمة والتقدير ما يجب آن يكون لجميع الأديان والمعتقدات الأخرى فلا فضل لدين على آخر إلا بقدر إيمان معتنقيه بالقيم الحقوقية الكونية وعملهم الدؤوب لخدمة الإنسانية فالدين هو المعاملة وليس ترديد وحفظ سور من هذا الكتاب آو ذاك حتى لو كان مقدسا لدى المؤمنين به وقول الله تعإلى في كتابه العزيز في سورة الشعراء، جواب على النخبة السياسية المغربية التي تدعي تمثيلها لمصالح الشعب المغربي ووصية على سياسته الخارجية ومغامرة بالتعايش اليهودي الإسلامي بالمغرب "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".

* * * *

دور الديبلوماسية الملكية في الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للمغرب
يواجه المغرب اليوم تحديات سياسية ودبلوماسية جسيمة وحاسمة تخص مصير قضية الصحراء المغربية خصوصا مع دبلوماسية النفط والغاز التي تستعملها الجزائر للنيل من الحقوق المغربية المحقة في استكمال استرجاع ترابه الوطني بعدما نهجت دبلوماسية جنرالات الجزائر أسلوبا عدائيا فاضحا في دعم جبهة البوليساريو في كل المحافل الدولية آخرها في مجلس الشيوخ الايطالي الذي احتضن ندوة دولية في الدفاع عن الانفصاليين، المغرب كذلك تنتظره تحديات كبرى للحفاظ على موقعه الجيوسياسي مستقبلا في أفريقيا والعالم في ظل تقلبات سياسية يعرفها المحيط الإقليمي والدولي تتسم على الخصوص بصعود التيارات الإسلامية الجهادية المتطرفة في الساحل وجنوب الصحراء ووصول حركات إسلامية إلى الحكم في بلدان ما بات يسمى بالربيع الديمقراطي رغم أن منتجاته السياسية تعبر كلها عن الخريف ولا تمت بصلة إلى الربيع كفصل رومانسي جميل ولا إلى الديمقراطية كمبتغى وهدف تطمح إليه الشعوب وتعبد طريقه بالتضحيات والآلام، إن المغرب اليوم أمام تحدي إثبات استثنائه كدولة مستقرة عازمة على ركوب قطار التنمية وتذليل صعاب الانتقال نحو الديمقراطية التي يطمح المغاربة تحقيقها على ارض الواقع،لكن لحسن حظ المغاربة إن القيادة الرشيدة للملك محمد السادس واعية ومدركة للتحديات التي تنتظر المغرب في استحقاقاته الدولية ولا تنتظر المبادرات الحكومية ولا البرلمانية التي لم تعط النتائج الدبلوماسية المرجوة فيما يخص قضية الدفاع عن المصالح الإستراتيجية لبلادنا، فبلادنا راكمت أخطاء سياسية كبيرة في ما مضى من الزمن عندما انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية في سنة 1984 وترك أعداء المغرب في القارة الإفريقية يجولون ويصولون بين الأفارقة بدون رقيب ولا حسيب لا من يصحح مغالطاتهم ولا من يواجه مخططاتهم ولكن المغرب قبل ذلك ارتكب خطأ دبلوماسيا فادحا عندما قبل بالاستفتاء على جزء من أراضيه في مؤتمر نيروبي 1981 عندما قرر الملك الراحل الحسن الثاني ذلك، لكن لحسن حظنا إن الدبلوماسية الملكية لمحمد السادس بدأت في تدارك هذه الأخطاء وبدأت في الانفتاح على إفريقيا الشرقية والغربية وخصوصا على الدول التي لها وزن إفريقي استراتيجي كالسنغال وساحل العاج ونيجيريا و أفريقا الوسطى والغابون وغينيا الاستوائية ومالي، هذا الأخير الذي خص له الملك محمد السادس زيارة تاريخية ناجحة استطاعت إرباك خصوم المغرب في الخارج وأعطت المنتظم الدولي ثقة بان المغرب سيلعب دورا رياديا في محاربة الإرهاب المتنقل في إفريقيا والذي تحتضن الأراضي المالية جزء منه، كما إن إصرار المغرب على تأطير وتكوين عدد كبير من الأئمة في الدول الإفريقية برهان جديد على إن الدبلوماسية الدينية والروحية يمكنها أن تلعب أدوارا طلائعي أحسن من التدخلات العسكرية والإجراءات العنيفة في كثير من الأحيان، ولتأكيد حرص المغرب على تطوير علاقاته الإفريقية اشرف الملك محمد السادس شخصيا على ملف هام وشائك في المغرب وهو ملف هجرة الأفارقة إلى المغرب وإلى الدول الأوروبية عبر الأراضي المغربية حيث أكد الملك محمد السادس في اجتماع دعا إليه أركان الدولة المغربية إلى التعامل مع الأفارقة معاملة حقوقية وإنسانية لائقة وتسوية وضعيات الإقامة وضمان حقهم للولوج إلى الخدمات الأساسية المتاحة للمغاربة بدون قيد أو شرط، هذه المنهجية الملكية الجديدة المبنية على حقوق الإنسان لقيت ترحابا واستحسانا عالميين حيث نوه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالإجراءات الإنسانية الجديدة التي اتخذها المغرب لمعالجة إشكالية تدفق المهاجرين القادمين من الدول الإفريقية والراغبين في الوصول إلى النعيم الأوروبي، هذا على الصعيد الإفريقي أما خليجيا، فالزيارة الملكية للدول الخليجية ساهمت بدورها في توطيد العلاقات المغربية الخليجية وأعطت تطمينات للخليجيين على أن الدولة المغربية تنهج نفس السياسة السابقة اتجاه الخليج المبنية على التعاون الاستراتيجي بغض النظر عن الحزب الذي يرأس الحكومة في المغرب، إذ إن صعود قوى التيار الإسلامي بالمغرب قد أدت إلى تسرب نوع من الشكوك في السياسة المغربية اتجاه قضايا خارجية عديدة خصوصا مع بعض التصريحات اللا مسؤولة لبعض الإسلاميين المغاربة التي تحمل دول الخليج مسؤوليات مختلفة في قضايا مختلفة، العلاقات المغربية الخليجية والتي تحميها وترعاها الدبلوماسية الملكية أساسية لتطوير الاقتصاد المغربي خصوصا وان المغرب يستورد أكثر من 70 من المائة من احتياجاته الطاقية من الخليج، كما أن المغرب يستفيد من الدعم المالي والسياسي الخليجي في جميع المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الرياضية أحيانا.أوروبيا استقبل الملك محمد السادس بحفاوة كبيرة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولا ند الذي تربط بلاده بالمغرب علاقات سياسية واقتصادية عريقة وطدها انخراط المغرب في جهود محاربة الإرهاب والتطرف كما تعززت العلاقات المغربية الفرنسية بزيادة الاستثمارات الفرنسية بالمغرب والتي تضاعفت منذ وصول محمد السادس إلى الحكم في سنة 1999 ولكن يبقى التطور الكبير الذي يعرفه المغرب في مجال حقوق الإنسان وحرية المرأة أساسا والإجراءات الإصلاحية التي تمخضت عن الحراك الفبرايري وما تلاه من إقرار دستور فاتح يوليوز 2011 كلها معطيات شجعت الاتحاد الأوروبي على تشجيع المغرب لمواصلة درب الإصلاحات المتدرجة والهادئة ولكن بإرادة ثابتة لاستكمال البناء المؤسساتي الديمقراطي كل هذه القرارات السياسية الكبرى التي أعطت المغرب المكانة الدولية ضمن الدول الحليفة للدول الكبرى والتي تربطها علاقات أكثر من الشراكة الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي لم تكن لتتحقق بدون الإرادة الملكية الراسخة في تطوير المغرب والحفاظ على سجل حقوقي مقبول لدى الأسرة الدولية متجاوزا انتهاكات الماضي بروح الإنصاف والمصالحة واستحق على إثره المغرب انتخابه للمرة الثانية وبأصوات كبيرة 163 من أصل 193 عضو في مجلس حقوق الإنسان الاممي كما إن الدبلوماسية الملكية تلتقي وتتفق مع المواقف الأوروبية في عدد من القضايا الدولية المهمة سواء في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيث إن الملك محمد السادس يتبنى ويدافع ويحث الفلسطينيين والإسرائيليين على استكمال العملية التفاوضية في أفق تحقيق مشروع الدولتين الذي تتبناه الرباعية الدولية ويتخذ المغرب موقفا صارما اتجاه سياسة الاستيطان الإسرائيلية التي تعقد وتنسف العملية التفاوضية التي تلزم التنازلات من الطرفين أو في الملف السوري حيث إن الدبلوماسية الملكية سباقة في الدفاع عن الثورة السورية وأيدت الائتلاف الوطني السوري واستقبل المغرب برعاية من الملك محمد السادس مؤتمر أصدقاء سوريا الذي يعتبر المغرب عضوا فعالا فيه، الدبلوماسية الملكية إذا تلتقي مع الأوروبيين في عدد كبير من القضايا وأصبح المغرب حليفا استراتيجيا لأوروبا على الصعيد السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي لأننا في المغرب شعب منفتح ومتشبع بالحوار والتسامح وقيمنا الحضارية الإنسانية نفسها هي قيم المنظومة الأوروبية الايمان بالتعدد والاختلاف يجمع الضفتين رغم أن هناك خصوصيات لكل طرف متعلقة بالتاريخ والدين والهوية ولكن المشترك الإنساني يعلو ولا يعلى عليه، أما العلاقات المغربية الأمريكية فهي علاقات تاريخية عريقة لكن دب فيها نوع من الفتور السياسي مع وصول الحزب الديمقراطي إلى حكم الولايات المتحدة في عهد الولاية الثانية لاوباما حيث في ابريل 2013 قدمت الولايات المتحدة توصية إلى مجلس الأمن تتعلق بتوسيع صلاحيات بعثة مراقبة وقف إطلاق النار بالصحراء المعروفة اختصارا بالمينورسو وهذا القرار المفاجئ من الإدارة الأمريكية كان سيكون كارثة دبلوماسية لو تم التصويت عليه لكن التدخل الملكي الحاسم في الموضوع أدى إلى عدول الإدارة الأمريكية عن هذه التوصية التي سربها بعض مناهضي المغرب في الإدارة الأمريكية، في 22 نونبر 2013 سيقوم الملك محمد السادس بزيارة تاريخية للولايات المتحدة الأمريكية الأولى له في عهد اوباما والثالثة له بعد تربعه على العرش بدعوة من الرئيس الأمريكي اوباما، الزيارة فرصة سانحة لتجديد العلاقات السياسية والاقتصادية الأمريكية المغربية وتحريك المياه الراكدة بين البلدين وتشجيع الاستثمارات الأمريكية بالمغرب لاسيما إن أمريكا متخوفة من المنافسة الروسية والصينية المتعاظمة التي تنافسها في المنطقة المغاربية والإفريقية وليس أهمها قيمة المعاملات العسكرية الجزائرية الروسية التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات ووصول شركات صينية إلى ليبيا وتونس وهذه كلها مؤشرات تدفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة تقييم تواجدها العسكري والاقتصادي والسياسي في المنطقة، الزيارة الملكية لأمريكا تعبير عن تعاقد جديد بين المغرب وأمريكا في محاربة الإرهاب والتطرف كما هي مناسبة لتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بدعم المغرب في استكمال وحدته الترابية وفي استكمال مسلسله الديمقراطي.

الدبلوماسية الملكية في عهد محمد السادس أعطت المغرب مكانة محترمة بين بلدان العالم المتقدم، ولكن الدبلوماسيات الأخرى الحكومية والبرلمانية لا تزال لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي، إذ ما تزال سفاراتنا في الخارج لا تعمل على التعريف بالمغرب كما يجب، كما أن عملهم التواصلي مع المواطنين المغاربة المهاجرين لا يرقى إلى المستويات المطلوبة لذلك نرى خصوم المغرب يربحون مساحات واسعة في العواصم الدولية الكبرى في السويد والدانمارك وايطاليا وفلندا والنرويج وغيرها للترويج لمغالطاتهم فيما تبقى سفارتنا مقتصرة على إحياء بعض الحفلات الوطنية لا اقل ولا أكثر، أما الديبلوماسية البرلمانية فاغلبها سياحة برلمانية بالمختصر المفيد.

* * * *

الجامعة المغربية: من فضاء العلم والحوار الديمقراطية إلى براثن التجهيل والعنف والتطرف
كانت الجامعة المغربية في عقود الستينات والسبعينات وحتى قبلهما فضاء للنقاش الطلابي الديموقراطي الذي يعكس الحركية العامة للمجتمع، فكانت الحركة الطلابية منجم ومختبر لانتاج النخب السياسية المغربية المتشبعة بالفكر العلمي التقدمي الذي يتحول فيقوي الاحزاب السياسية والشارع المغربي، لذلك لا غرو ان نجد الحركة الطلابية المغربية بفصائلها الديموقراطية التقدمية كانت في قلب جميع الحركات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب المعاصر , فاعطت بذلك تضحيات كبرى من معتقلين ومنفيين وحتى شهداء وكان النقاش الطلابي الفصائلي في قمة الديموقراطية مستحضرا الاختلاف في تدبير المقاربات الايديولوجية المختلفة فتعايشت الفصائل الطلابية وكانت مصالح الطلبة فوق كل اعتبار، لكن مع تراجع المد اليساري في العالم خصوصا بداية التسعينات وبروز فصائل قوى الاسلام السياسي برز معها العنف والاقصاء واصبحت الجامعات المغربية مكان لتصفية الحسابات السياسية بين الفصائل الطلابية ومست احد اعمدة ومكتسبات النضال الطلابي المغربي وهي الاستقلالية السياسية والتنظيمية للحركة الطلابية عن الفعل السياسي خارج اسوار الجامعة، العنف والاقصاء ورفض الاخر اعطيت له في احيان كثيرة مسوغات فكرية وايديلوجية لتبريره فهناك من يتحدث عن ضرورة إعمال ما يسمونه في الادبيات اليسارية العنف الثوري ضد كل القوى الرجعية التي يقصدون بها بالطبع القوى الاسلامية وهنا مرجعهم الاساسي كتاب حول العنف الثوري لفريديرك انجلز واخر الدولة والثورة لفلاديمير ايتش لينين وهناك من الجهة الاخرى من يبرر العنف بمنطق ديني بدعوى الجهاد ضد الافكار الكافرة واصحابها المرتدين فيستندون إلى افكار بعض منظري الجماعات الاسلامية قبل ان يقوم معظمهم بمراجعات فكرية، فكان مريدو الطرفين في صراع مرير ودموي في احيان كثيرة صراع حول شرعية تمثيل الاطار الطلابي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب فتمسك البعض بالفصائل التاريخية واقصى الاخرين الطارئين على الحرم الجامعي فيما تمسك الوافدون الجدد بانتمائهم للاطار.

ولكن في خضم هذا الصراع الايديولوجي البعيد بالطبع عن انشغالات الطلبة ومصالحهم المباشرة، كان النقاش الفكري قائما وكانت التجاذبات الايديولوجية حافز للقراءة والتكوين الطلابي رغم وجود ممارسات العنف والاقصاء والتي اعطت ضحايا وماسي وغيرها من الكوارث التي لا ترقى بالعلم ولا بالمعرفة التي من المفروض والمنطقي ان تكون الجامعة قد انشئت من اجل نشرهم.

كما كان الجامعة مكان لتصريف المواقف السياسية اليسارية ضد النظام السياسي حيث رفع شعار لدى الطلبة اليسارين مفاده لكل معركة جماهيرية في الجامعة صداها في الشارع والعكس صحيح، فاصبحت الجامعة ترمومترا لمعرفة درجة الاحتقان السياسي بين النظام السياسي المغربي ومعارضيه اليساريين في الشارع، لذلك نجد ان معظم الانتفاظات الكبرى التي عرفها المغرب كانت بتاطير مباشر من الطلبة والتلاميذ سواء في التمانينات او بداية التسعينات، لكن مع المصالحات والتوافقات السياسية التي عرفها المغرب انعكس ذلك على الجامعة مباشرة وفقدت بعض الفصائل الطلابية التابعة للاحزاب بريقها خصوصا وان احزابها شاركت في حكومة توافقية بشروط غير مقبولة ديموقراطيا حسب الفكر والمطمح الطلابي بطبيعة الحال وهناك كانت الحركة الطلابية تنعي كبار مكوناتها التاريخية لتفسح المجال للخطابات الشعارتية الجذابة التي لبست لبوس المعارضة الجديدة ففقد اليسار المغربي معقله الطلابي مفسحا المجال للاسلاميين بانواعهم التوحيد والاصلاح والعدل والاحسان، وربما سيعيد التاريخ نفسه، وسيفقد تيار التوحيد والاصلاح بريقه وشعبيته بفقدان العدالة والتنمية السند الشعبي مع تراكم الاخطاء السياسية وضعف المردوية امام كبر المطامح والامنيات وستفسح المجال للاسلاميين المتطرفيين واليسار الراديكالي ولمظاهر العبث والفوضى والعنف التي ستجد لامحالة فصيلا لها ان لم تكن قد مهدت لنواته الان.

منذ بداية الالفية الجديدة اندحر النضال الطلابي الفصائلي واندحرت معه كل ما تمثله الجامعة من فضاء للعلم والمعرفة وانمحت صورة الجامعة التي تخرج الاطر الفكرية والسياسية المشبعة بقيم الحداثة والديموقراطية، واصبحت الجامعة مكان للعنف المناطقي وللممارسات اللاخلاقية واصبحت النضالات الطلابية بعيدة كل البعد عن روح الفكر والعلم واصبحت الجامعة المغربية امتدادا للشارع بكل سلبياته فاندحر المستوى المعرفي والتكوين العلمي للطلبة و اصبحت الجامعة لا تخرج سوى العاطلين الذين لا افق سياسي ولا عملي لديهم، وتسابق الطلبة في استعمال الاسلحة البيضاء من سكاكين وخناجر لمجابهة الطلبة الاخرين، وتحولت الجامعة إلى تكتلات طلابية مناطقية لكل منطقة طلبتها وفقد الحس الطلابي الجمعي رونقه وتميعت الحياة الطلابية.تجاوز العنف في الجامعة يقتضي عدة تدابير منها ماهو اني كتجريم العنف وملاحقة مرتكبيه ومنها ماهو استراتيجي ويعتمد اساسا على مراجعة مكان التربية على الديموقراطية والاختلاف في المنظومة التربوية والتعليمية المغربية، فضعف الحركة التلاميذية وانعدام فضاءات الحرية والنقاش الديموقراطي داخل المؤسسات الثانوية والتقييدات الكبيرة المفروضة على ارتياد دور الشباب زيادة على ضعف التاطير السياسي الحزبي والجمعوي للشباب المقبل على الجامعة يجعل الجامعة غير مهيئة لوحدها لتلقي صدمات اللاتكوين واللاتاطير السائدة لدى الطلبة، كما ان وسائل الاعلام مطالبة بتسليط الضوء على ظاهرة العنف الطلابي والتنديد بمرتكبيه وذلك لكي لا يبقى الشأن الطلابي معزولا عن الشأن المجتمعي العام، فالحركة الطلابية والجامعة اتجهت نحو العنف والاقصاء عندما اتخذت الاحزاب السياسية قرار البعد عن الجامعة ولم يعد القرار الحزبي مرتهنا بالنخب المكونة والمتعلمة، كما ان تدخل القوى الامنية وتشجيعها للفصائل الاسلامية في فترة من الفترات التاريخية المعروفة في المغرب من اجل لجم المد اليساري وبذلك تغاضى الامن عن جرائم الاسلاميين مما شجع رد الفعل لدى الفصائل الاخرى، كذلك نفس الشئ يتكرر عندما يشجع الامن الاتجاهات والتصنيفات الاثنية والمناطقية ضدا على الوحدة الطلابية والنقاش الطلابي الديموقراطي،ان المجتمع المغربي و قواه الحية من احزاب ونقابات وجمعيات مدنية مطالب بفتح حوار وطني حول العنف في الجامعة المغربية ومحاولة التفكير في تأطير الطلبة وتنظيمهم سواء في اطارات نقابية تعددية وديموقراطية او بتاسيس اطارات للحوار الفصائلي مع اشراك الجميع على ان يتم احترام الميثاق الطلابي الذي يجب ان يصاغ ويكون ملزما ويكون الحوار السلمي التعددي الديموقراطي احد اعمدته وشروطه الرئيسية , كما ان التفكير في حل ازمة الحوار في الجامعة المغربية لا يجب ان ينسينا مسؤولية الدولة في اصلاح المنظومة الجامعية وعدم الاكتفاء باجراءات تقنية او تدابير مؤقتة الهدف منها التفكير كل التفكير في تدبير الخصاص والاكتظاظ وعدم الارتكاز على حقوق الطلبة ومحتويات المواد المدرسة وغياب اوقات التكوين والتاطير الضرورين لخلق ثقافة طلابية جديدة.

* * * *

الولايات المتحدة الأمريكية تساند الموقف المغربي في قضية الصحراء
الزيارة التاريخية الناجحة التي قام بها العاهل المغربي محمد السادس لواشنطن يوم الجمعة 22 نونبر 2013 والتي حظي فيها باستقبال رسمي من قبل كل أركان الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، شكلت منعطفا جديدا في العلاقات المغربية الأمريكية والتي اجتازت فترة من الفتور الدبلوماسي في السنوات القليلة الماضية، وأرجعت الأمور إلى نصابها وأسست لشراكة مغربية أمريكية في عدد من القضايا الدولية المشتركة بين البلدين وأهمها العمل على محاربة الإرهاب والتطرف في العالم وفي المنطقة الإفريقية خصوصا مع تنامي حركة القاعدة في شمال إفريقيا وقضية السلام في الشرق الأوسط والتي يتبنى فيها الطرفان المغربي والأمريكي نفس المواقف الداعمة للحوار الفلسطيني الإسرائيلي على أساس رؤية الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام، وكما كان منتظرا ومتوقعا احتلت قضية الصحراء المغربية حيزا كبيرا في اللقاءات المغربية الأمريكية حيث وضح الوفد المغربي لنظيره الأمريكي الجهود التنموية والحقوقية الكبيرة التي بذلها المغرب لتنمية أقاليمه الجنوبية، وخرج البيت الأبيض عبر متحدثه JAY CARNEY ببيان واضح ومباشر مفاده دعم المقترح المغربي أي الحكم الذاتي كحل واقعي وذو مصداقية كأرضية لحل النزاع الذي دام طويلا في الصحراء المغربية، هذا التصريح الأمريكي انتصار للدبلوماسية الملكية التي تعاملت باحترافية كبيرة مع المجتمع السياسي والمدني الأمريكي في السنة الماضية حيث استعملت جميع القنوات الرسمية والغير الرسمية لاختراق الغيتو الجزائري على جزء من النخبة السياسية الأمريكية التي لا يصلها من الجانب المغربي سوى ما تنشره بعض الأقلام الصحافية المعادية لحقوق المغرب وحقق المغرب انتصارا ديبلوماسيا في الأوساط السياسية والإعلامية والجامعية الأمريكية في وقت كان ينتظر فيه البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن توطد علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب آو ترجعها إلى سالف عهدها باعتبار أن الجزائر تملك ثروات اقتصادية ومالية كبيرة تسمح لها بشراء الموقف الأمريكي وكلنا نعلم أن الجزائر أنفقت في التسلح هذه السنة أكثر من 14 مليار دولار واستفادت روسيا والصين من هذه الصفقات الكبيرة ب 9 و5 مليار دولار على التوالي وكان من الممكن أن تسعى الولايات المتحدة إلى نصيبها من هذه الصفقات، لكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم أكثر من غيرها أن النظام الجزائري لا يمكن التعويل والمراهنة عليه في المهمات التي تبتغيها واشنطن في العقود المقبلة، فالجزائر هي التي صنعت الجيش الإسلامي للإنقاذ GIA وهو تنظيم إرهابي قتل من الجزائريين ما لم تقتله فرنسا خلال استعمارها للجزائر ولست أنا من اخترع هذه القصة بل هي حقيقة جاءت على لسان عدد كبير من المنشقين الجزائريين في صفوف المخابرات الجزائرية وللاستزادة في الموضوع يمكن مراجعة مقال للأستاذ جمال بن رمضان Djamel BENRAMDANE تحت عنوان آليات الحرب السرية في الجزائر المنشور في أحد أعداد جريدة "لوموند ديبلوماتيك" النسخة العربية وهناك كتب كثيرة تتحدث عن الحروب القذرة في الجزائر والتي تورطت فيها المخابرات الجزائرية، الجزائر هي من دعمت العقيد القذافي ضد شعبه وأعطت الملاذ الآمن لزبانيته وعصاباته وللمزيد في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى تصريحات المسؤولين الليبيين الذي اتهموا الجزائر بدعم مليشيات القذافي أثناء الثورة ومنهم محمود جبريل الذي اتهم صراحة الجزائر بإعطاء السلاح للقذافي أثناء مواجهته للثوار، الجزائر هي من تواطأ ضد الشعب السوري في دعم واضح ومفضوح للإرهابي بشار الأسد فالجزائر لا تنتمي إلى أي تجمع مساند لثوار سوريا ولم تقم بطرد السفير السوري لديها ولا اعترفت بالائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية، أيستحق هذا النظام الجزائري ثقة واشنطن في العقود المقبلة وهي التي تريد أنظمة تسايرها في مساعيها لإعادة تشكيل عالم جديد لا مكان فيه للطغاة والمستبدين؟ الحقيقة آن المغرب تبنى نهجا إصلاحيا متدرجا وديبلوماسية خارجية تتوافق مع مصالح ومواقف واشنطن في القضايا الدولية، وكان دائما مع حل سلمي وديبلوماسي لكل القضايا الدولية بما فيها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل إن المغرب من الدول القلائل في العالم التي يثق فيها الفلسطينيون والإسرائيليون في نفس الوقت لذلك قال الراحل إسحاق شامير للمرحوم الحسن الثاني في إحدى لقاءاتهما بالرباط وهذا التصريح مذكور في مذكرات إسحاق شامير التي عنوانها "حياتي من أجل إسرائيل" شكرا للذي إذا خطب في الرباط يسمعه نصف شعبي في إسرائيل " وعلى ذكر العلاقات المغربية الإسرائيلية اتهمت صحف جزائرية صادرة هذه الأيام المغرب بالتعاون مع اللوبيات "الصهيونية "على حد تعبيرهم بطبيعة الحال للضغط على إدارة أوباما لاتخاذ موقف مساند للمغرب بخصوص قضية الصحراء، هذا ما جاءت به صحيفة جزائرية Le Courrier d Algérie, الصادرة يوم الأحد 24 نونبر 2013 تحت عنوان بارز: Le lobby sioniste abat ses cartes والملاحظة الأولى على المقال أنه اعترف بأن الملك محمد السادس حقق انتصارا ديبلوماسيا لكنه أرجعه إلى دعم "اللوبي الصهيوني " وإلى وجود قواعد عسكرية أمريكية على الأراضي المغربية. إذا كانت الجزائر تعادي الوحدة الترابية للمغرب وتكيد في الليل والنهار ضد المغرب في المحافل الدولية وتحرض البوليساريو على الرجوع إلى السلاح وهذا موقف جزائري قديم ومتجدد سيتبلور من جديد خلال الأيام القليلة المقبلة وبوادره واضحة وتسخيناته جلية ويعبر عنها وزراء جزائريون في موقع المسؤولية اليوم، أليس من حق المغرب أن يتحالف مع من يشاء ومتى يشاء إذا كان هذا التحالف يحترم مصالحه الاستراتيجية ويحفظ وحدة أراضيه؟ حتى لو كان هذا الحليف اسمه إسرائيل أو أمريكا أو حتى الجزائر إذا ما احترمت الحقوق المشروعة للشعب المغربي في استكمال وحدته الترابية. الصحافة الجزائرية شنت حملة تغليطية وتحريضية ضد الزيارة الملكية للولايات المتحدة لكنها من حيث لا تريد و لا تدري اعترفت بنجاح الزيارة وصبت جام غضبها على ديبلوماسية الجزائر التي لا تملك من المنجزات ما تفاخر به الأمم، إننا كمغاربة نحب الشعب الجزائري ونعتبره شعبا شقيقا وصديقا تربطنا به علاقات التاريخ المشترك في النضال ضد الاستعمار ولكن نظامه السياسي ونخبته التي تجثم على صدوره لا تريد لنا كمغاربة ولهم كجزائريين أن نعيش في ديموقراطية وأمن وسلام، فمتى يتحقق ربيع الجزائر ليتحقق الربيع المغاربي؟ هذا أملنا جميعا أن نعيش سويا في تكامل اقتصادي واجتماعي وسياسي وأن تتحقق الوحدة المغاربية ويسود الاحترام بين شعوبنا.

* * * *

هل أمريكا عدوة الشعوب حقا؟
لكي لا نتهم بالسذاجة وقصر النظر نقول منذ البداية بأن جميع الدول تسيرها مصالحها ولوبياتها الداخلية والخارجية وبالتالي الدواعي الإنسانية والشعارات اللغوية لا تعدو في أغلب الأحيان أن تكون مبررات ومسوغات يتم توظيفها لخدمة هذه المصالح وتماشيا مع طموحات اللوبيات المتحكمة في القرار، هذه المقدمة الهدف منها تبيان وتذكرة التي تنفع المؤمنين بأن المصالح هي الدائمة أما التحالفات والعداوات فهي مؤقتة، هدفي من هذا المقال هو مرافعة لصالح التدخل العسكري الأمريكي في سوريا ضد نظام الطاغية بشار الأسد وعندما نقول ضد نظام بشار الأسد فنحن نميز بين الشعب السوري وبين نظام بشار المجرم فكثيرا من المدافعين عن الاستبداد في بلادنا يخلطون عمدا بين النظام السوري وبين الشعب السوري فنحن ضد التدخل العسكري الذي يستهدف الشعب السوري المظلوم والمضطهد ولكننا مع تدخل عسكري للإطاحة بنظام طاغية دمشق الذي حطم كل الأرقام القياسية في التقتيل والتشريد وبشتى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا، فعندما نسمع عن مظاهرات في عدد من البلدان العالمية ضد الحرب على سوريا أحس شخصيا بالحيرة وعدم القدرة على فهم منطلقات هؤلاء المناضلين ضد الحروب والفتن ولكن التساؤلات المطروحة على هؤلاء هي: أين كان هؤلاء جميعا عندما قتل وشرد المجرم بشار الأسد الشعب السوري بجميع الأسلحة ومنها الكيماوية طيلة سنتين ونصف؟ ألا يستحق الشعب السوري التضامن والمؤازرة من طرف أعداء الحروب الامبريالية؟ ما هي مساهمة أعداء الحروب طيلة هذه السنوات في وقف الحرب ضد الشعب السوري من قبل نظام طاغية الشام؟ ألا يجب أن نخندق المظاهرات التي خرجت للتنديد بالضربة العسكرية ضد نظام بشار الأسد ضمن مظاهرات فلول البعثية وبقايا الفكر القومي الذي مات غير مأسوف عليه؟ تذكرنا هذه الأجواء السياسية التي سبقت الضربة العسكرية الدولية ضد نظام المجرم بشار الأسد بالأجواء الذي سبقت الإطاحة بالديكتاتور العراقي صدام حسين وكلاهما استعمل السلاح الكيماوي ضد شعبه وأبناء جلدته، واكتشفنا بعد التدخل العسكري الأمريكي في العراق وبعد اكتشاف قوائم المستفيدين والتي تضم سياسيين ومفكرين ونقابيين من عطايا ومزايا النظام العراقي البائد بعد ذلك فهمنا لماذا يرفض البعض التدخل الأمريكي والغربي عموما في شؤون الأنظمة الاستبدادية؟ فبعد السقوط الوشيك لنظام بشار الأسد سنكتشف لماذا يدافع عنه ثوارنا البواسل من اليساريين والإسلاميين الذين وقفوا في تظاهرات مناهضة للحرب على نظام بشار الأسد؟ أليس حريا باليسار المغربي أن يدافع عن الشعب السوري وقواه المعارضة التي اجبرها القمع والتنكيل إلى اللجوء إلى الأمريكان والغرب من اجل التخلص من ديكتاتورها؟

صحيح أن الأمريكيين، ولا اقصد بالضبط الشعب الأمريكي، كانوا دائما في التاريخ السياسي المعاصر على الأقل مساندين للطغاة وداعمين لهم بالسلاح والمعلومات وساكتين عن جرائم الاستبداد في بلداننا هذا لا يمنعنا من الإشادة ببعض الخطوات التاريخية التي بلوا فيها البلاء الحسن وساعدوا فيها شعوبنا في التحرر والانعتاق من ربقة ونير أنظمتنا الفاجرة المستبدة في العراق مثلا ساعدنا الأمريكان على دحر نظام ديكتاتوري مقيت استعمل السلاح الكيماوي ضد شعبه وضد الجيران قتل من الشعب العراقي والكردي ما لم تقتله الحروب السابقة واللاحقة وقتل العلماء والمفكرين وسجن المناضلين وحل الأحزاب واستباح حرمات الشعوب الأخرى ألا تستحق منا أمريكا وحلفائها الشكر على هذا العمل التاريخي في حياة الشعب العراقي؟ قائل سيقول بأن العراق اليوم يعيش في دوامة الأزمة والفتن الداخلية والسيارات المفخخة والإرهاب والاستفراد الإيراني بشؤون البلاد هذا كله صحيح ومؤكد، لكن صحيح كذلك أن في عراق اليوم أحزاب وبرلمان وانتخابات وتنافس انتخابي حقيقي رغم ارتفاع منسوب الطائفية في النظام الانتخابي الحالي إلا أن العراق اليوم أفضل حالا من عراق صدام حسين، فلم نعد نخاف على العراقيين والأكراد والأقليات استخدام الكيماوي ولم نعد نخشى أن يصبح نوري المالكي في مرتبة الإله كما كانه صدام حسين، لم يعد الشعب العراقي يخاف من رجوع الحزب الواحد الخالد هذه كلها لا يمكن أن تكون و أن تحصل لولا تضحيات العراقيين ودعم المجتمع الدولي والأمريكي في صميمه؟

في الحالة الأفغانية عاشت أفغانستان في ظلم حكم طالبان أحلك أيامها حيث انعدمت الحريات الفردية والجماعية، طبقت طالبان ما أسمته الشريعة الإسلامية فهدمت تماثيل بوذا وهي إرث بشري ثمين وقمعت حرية المرأة ومولت كل تحركاتها بالمخدرات وعوائد الإرهاب واستضافت تنظيم القاعدة الذي نفذ هجمات إرهابية ضد شعب أمريكي مسالم ومهادن في هجمات 11 شتنبر ونفذت القاعدة هجمات ضد القطارات بلندن ومدريد وفي إفريقيا وفي آسيا وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية ورفعت هذا الخطر الداهم عن العالم، وأصبح العالم أكثر آمنا واقل إرهابا من ذي قبل وهذا انجاز أمريكي غربي لا يمكن إنكاره هذا لا يعني ان حرب الولايات المتحدة على الإرهاب كان في مجمل مراحله سليما فهناك معتقل غوانتنامو البئيس وهناك محاكمات سريعة وتعذيب وغيرها ولكن هذا لا يمنع من القول بأن الولايات المتحدة ساهمت إلى حد كبير في تقليص الإرهاب الدولي وانتشال أفغانستان من براثن القاعدة وطالبان.

في ليبيا عاث القذافي في البلاد فسادا و في حق العباد ظلما وطغيانا وشرد الشعب الليبي وفقره واستباح حرماته ولم يستطع مناضلونا الثوريين ان يسقطوه ولا أن يجعلوا إسقاطه في جدول أعمالهم ولا في تظاهراتهم بل ركن الجميع إلى حاله وتدفقت الزيارات إلى ليبيا من قبل المفكرين والأدباء واستمتعوا بفقرات من الكتاب الأخضر في كل زيارة ولم يكتب عنه أي مثقف من مثقفينا على انه فكر مزيف ومنبعث من نفسية مريضة لكن مفعول الدولارات عطل الحس النقدي لدى مثقفينا وعندما قرر الشعب الليبي الانتفاضة ضد الديكتاتور معمر القذافي لم يساعد مثقفينا الشعب الليبي بأي شيء يذكر لكن أمريكا التي يصفونها بأنها عدوة الشعوب منعت القذافي من حرق بنغازي وتدميرها ومهدت للشعب الليبي التحرر من قيود الأسر التي نهجها القذافي طيلة أربع عقود فتدخل الناتو واستعاد الشعب الليبي حريته وقراره السيادي ونقل أبناء الطاغية القذافي إلى السجون من أجل أن ينالوا عقوباتهم جزاء جرائمهم التي اقترفوها في ق الشعب الليبي.

 الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يستعدون الآن لتشكيل تحالف دولي لإضعاف نظام بشار الأسد والشعب السوري في الداخل والخارج يرحب بذلك فلماذا أصبح المثقفون الثوريون اليساريون في بلادنا ملكيين أكثر من الملك سوريين أكثر من الشعب السوري؟ هل ما يزال الفكر القومي الرجعي يعشعش في ذهنيات نخبنا السياسية؟ ألا يحق لنا أن نراجع مواقفنا بناء على معطيات الواقع؟ آم أن الفهم الأيديولوجي الأرثدوكسي للصراعات الدولية لا تزال تحتل مساحة كبيرة في عقولنا؟ الا يدخل النظام السوري ضمن الأنظمة الرجعية العربية؟ فلماذا إذا ندافع عنه إن نحن تقدميين بالفعل؟ أليست الليبريرالية السياسية التي يبشر بها الغرب اقرب إلى حقوق الإنسان وإلى التقدم والديموقراطية من الرجعيات العربية وأحزابها المتكلسة، هذه بعض التساؤلات التي أراها مناسبة لفتح النقاش حول مفاهيم تعكس واقع سابقا عفا عنه الزمن؟ أليست الامبريالية الأمريكية أفضل مئة مرة من الرجعيات العربية؟ صحيح أن هذه المواقف المعبر عنها في هذا المقال لن تعجب الكثيرين الذين تربو على كراهية الغرب وإيديولوجيته وأفكاره رغم أنهم لا يتوانو في الاصطفاف أمام سفارات الدول الغربية للاستفادة من التطبيب أو من الترفيه أو من الدراسة بجامعاته أو طلبا للعمل الكريم المسنود بالحقوق، لكن هذا ما أعتقد والله أعلم.

* * * *

الموقف الأمريكي الجديد من قضية الصحراء المغربية: إفلاس الدبلوماسية المغربية الرسمية والفساد السياسي للنخب المحلية بالصحراء
تفاجأ المغاربة قاطبة بالموقف الأمريكي الجديد من قضية الصحراء، خصوصا وان المغرب الرسمي يقول دائما بان العلاقات المغربية الأمريكية تعود لقرون من الزمن وان المغرب أول بلد رسمي اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية في عهد السلطان محمد بن عبدالله في سنة 1774 م وان الولايات المتحدة الامريكية معجبة بالتجربة الديموقراطية المغربية خصوصا الطريقة التي قيل بان المغرب تجاوز بها ربيعه الديموقراطي فيما بات يعرف بالاستثناء المغربي، وان الموقف المغربي من قضية محاربة الارهاب في الساحل والصحراء وصف من طرف الخارجية الامريكية بالبناء والمتعاون فلماذا انقلب الامريكان على حليفهم الاستراتيجي المغرب؟ خصوصا وان البلدين يناقشون منذ اكثر من سنة اقامة شراكات استراتيجية في الاصعدة الاقتصادية والامنية والسياسية واجتمعت لنفس الغاية عدة لجن مشتركة من البلدين فما الذي استجد ليفسر هذا الانقلاب الامريكي المفاجئ؟

الحقيقة هي ان الموقف الامريكي والغربي بشكل عام عرف تململا كبيرا منذ شهور وتحديدا منذ الانتقاد الشهير للسفير الامريكي بالمغرب كابلان لبطئ التحولات الديموقراطية في المغرب ولوجود جيوب مقاومة كبيرة تعترض التجربة الحكومية وكل جهود الاصلاح بالمغرب وكان الانتقاد علنيا في وسائل الاعلام التي استجوبته ورد عليه بعض السياسيين المغاربة انذاك بان تلك التصريحات الاعلامية تدخل في السياسة الداخلية المغربية، منذ تلك المواقف السياسية المثيرة للجدل للسفير الامريكي بالمغرب والموقف الامريكي في تحول كبير اتجاه الرؤية الرسمية الامريكية للمغرب واستنتجت النخب المغربية المطلعة منذ ذلك الحين تغيرا في السياسة الامريكية والغربية بصفة عامة، ولكن ماهي الخلفيات والحيثيات التي أثرت في الموقف الرسمي الامريكي من قضية الصحراء المغربية؟ هذه مقاربة اولية للجواب هدفها فتح النقاش وطرح الفرضيات اكثر منها اجابات شافية وكاملة.

الموقف الجديد للولايات المتحدة الامريكية يكشف عن عدة حقائق سياسية واقتصادية لا يجب ان نغفل عنها، اولى هذه الحقائق ان الولايات المتحدة الامريكية تعتمد اساسا في حسم خيارتها الاستراتيجية على تقارير سفاراتها في الخارج لذلك يمكن ان نقول بكل ثقة بأن التقارير التي تنقلها السفارة الامريكية بالمغرب عن حقوق الانسان باقاليمنا الجنوبية تقارير سوداء وسجلات حقوقية حالكة خصوصا وان المغرب نهج سياسة اعلامية متخشبة وتقليدية في شرحه للمنجزات التنموية والحقوقية التي انجزها في الاقاليم الجنوبية المغربية، فاللغة الخشبية التي يستعملها الاعلام الرسمي المغربي لغة لم تعد تروق ولا تنسجم مع التحولات الكبرى التي يعرفها العالم فالإعلام الذي يركز على الفلكلرة واختزال الصحراء في اللباس والشاي والجمال، إعلام متجاوز لدى الشعب المغربي قبل الحديث عن الرأي العام الدولي الذي نسعى لاقناعه.

المعطى الثاني هو السفارة الامريكية بالمغرب تعرف علما يقينا بأن التحولات الديموقراطية التي يعرفها المغرب يستثنى منها الاقاليم الجنوبية التي باتت مرتعا لقيادات قبلية فاسدة تحكم ابناء الصحراء المغربية بلغة القبيلة والغنيمة وليست بالمنهجية الديموقراطية فالجهات الجنوبية المغربية مماليك صغيرة تستفحل فيها كل اشكال الريع السياسي والاقتصادي بدون ان تقدم خدمات للوطن والمواطنيين فأين هي هذه المماليك القبلية لتدافع عن المغرب اليوم وعن الانجازات التنموية والمجهود الجبار الذي قام به المغرب على جميع الاصعدة؟ ان التعامل الرسمي مع قضية الصحراء المغربية سواء من جانب تشجيع الريع السياسي والفساد الانتخابي او على الاقل السكوت عنه هو الذي اعطانا اكديم ايزيك ومحاكم عسكرية استثنائية وممارسات ينظر اليها الغرب على انها انتهاكات يقوم بها المغرب لجزء من شعبه، والحقيقة ان المغرب قطع اشواطا كبيرة في الاصلاح السياسي وفي ترسيخ قيم دولة الحق والقانون ولكن يبدو ان تعطيل مشروع الجهوية المتقدمة ذات البعد الديموقراطي التنموي اعطى لخصوم وحدتنا الترابية في الداخل والخارج فرصا للظهور بمظاهر الضحايا.

اما الموقف الامريكي الذي يمكن اعتباره منحازا للجزائر والبوليساريو فيمكن ان نقول بان لذلك اعتبارات متعددة اهمها:

الشراكة الاقتصادية القوية بين صناع القرار الرسمي الجزائري وخاصة منهم الجنرالات والمؤسسات العسكرية الامريكية فنسب التسلح الجزائرية خلال السنتين الاخيرتين من السلاح الامريكي هو الاول افريقيا والثالث شرقا اوسطيا لذلك فلا غرو ان نجد الشركات الامريكية العملاقة والمؤثرة في السياسة الداخلية والخارجية الامريكية لها علاقة بتغير الموقف الامريكي من قضايا عدة في العالم ومنها قضية الصحراء، فالطفرة البترولية التي تعرفها الجزائر ودورها المحوري في محاربة الارهاب في الساحل والصحراء والعلاقات الكبرى التي بدأت تربط الرئيس الجزائري مع صناع القرار لدى منظمة ايباك الدولية التي هي اكبر مؤثر في السياسة العالمية والامريكية تحديدا يجعلنا لا نفاجئ اكثر عندما نرى تغيرات كبرى في المواقف الامريكية والأوروبية لصالح الجزائر والبوليساريو، اما الاعتبار السياسي الاخر وهو صعود جون كيري إلى سدة الخارجية الامريكية وهو المعروف بعلاقاته الوطيدة مع الحكام في الجزائر ومع مؤسسة ابنة كنيدي الداعمة الرسمية للبوليساريو وسفيرتهم لدى الولايات المتحدة، كل هذه الاعتبارات يمكن ان تفسر بعض من التغير في الموقف الامريكي في قضية الصحراء، لكن هل الولايات المتحدة وحدها من غير الموقف؟ لا اظن ذلك، اظن ان فرنسا كذلك وبريطانيا غيرت من لهجتها الديبلوماسية اتجاه المغرب رغم التصريحات الديبلوماسية البرتوكولية لفرانسوا هولاند امام البرلمان المغربي خلال زيارته الاخيرة للمغرب-والتي كانت الزيارة الثانية له للمنطقة فيما الزيارة الاولى كانت إلى الجزائر وفي ذلك اكثر من اشارة - ودليلنا على ذلك ان اغلب النواب الفرنسيين لدى البرلمان الأوروبي لم يكن موقفهم حازم في عدد كبير من مشاريع توصيات قدمت من لجن المجلس وكانت ضد المغرب ومصالحه الاقتصادية والسياسية، ان الديبلوماسية المغربية تجتاز مرحلة فتور وتراجع خطيرين بفعل تكلس الخطاب الديبلوماسي المغربي وتعيين سفراء لا يقومون بالادوار الكافية لدى عواصم القرار الدولي وبفعل اقصاء المجتمع المدني والسياسي المغربي من القيام بادوار طلائعية في الديبلوماسية الثقافية والفكرية والجمعوية لان المجتمع الاوروبي والامريكي لم يعد يثق في السياسات الرسمية المغربية والمغاربية منذ اندلاع ثورات الربيع الديموقراطي والتي اعطت للعالم اجمع دروسا كبيرة في عدم التعويل كثيرا على ما يروج له الاعلام في هذه الدول لان ما تحت الاكمة اكثر من ذلك واعمق.

امام هذه القراءة المتواضعة لا انتظر فيتو فرنسي ولا صيني ولا بريطاني اذا ما اصرت واشنطن على موقفها في مجلس الامن والرد الحاسم على هذا التغير الدراماتيكي الامريكي والغربي يكون ب:

- تعزيز الاجماع الوطني الحقيقي حول القضية الوطنية الاولى للمغاربة الاجماع الحقيقي اقصد به المقاربة المواطنة لقضية الصحراء التي تعتمد على الديموقراطية التشاركية وافساح المجال امام النخب الجديدة للتدوال على السلطة في المناطق الجنوبية للمغرب والقطع مع ثقافة الريع السياسي والفساد الانتخابي

- تقوية الديبلوماسية الجمعوية واتاحة الفرصة للمجتمع المدني الحقيقي المواطن للدفاع عن قضية حقوق الانسان بالمناطق الجنوبية و تجاوز المقاربة الامنية الضيقة التي تحمل لنا الويلات والادانات الدولية 

- نهج خطاب اعلامي بديل للتخاطب مع الراي العام الدولي وعدم الارتكاز على الاعلام الكاريكاتوري المخشب الذي لا يظهر المغرب بتعدده الثقافي والسياسي ويطرح جميع الافكار المختلفة حول القضية الواحدة ,فالتنوع في اطار الوحدة اساس بناء الثقة بين الشعب ووطنه، فالراي العام الغربي لا يمكن اقناعه الا بالحجة الدامغة والخطاب الواثق وليس بالشعارات الجوفاء التي لا مكان لها في عالم اليوم.

- مخاطبة الشارع الجزائري بلغة الاشقاء الاصدقاء لا بخطابات الاستعداء فالتفريق بين الشعب الجزائري المظلوم والمقهور ونظامه الطاغية الاستبداي ضرورة منهجية وسياسية ففتح حوار مع المجتمع المدني الجزائري المستقل وهو موجود في الخارج والداخل ذو اهمية استراتيجية لتكسير اجماع وهمي حول البوليساريو في الجزائر فعدد كبير من الساسة والمثقفين الجزائريين لا يقاسمون جنرالات الجزائر مقاربتهم التجزئيية والعدائية اتجاه اشقائهم في المغرب ومغاربيا.

- اللجوء إلى المحاكم الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الجزائريين و عناصر البوليساريو المتورطين في جرائم ضد الانسانية في حق الاسرى والمختطفين المغاربة في سجون البوليساريو واعتماد مقاربة حقوقية وديبلوماسية هجومية وعدم استجداء الحلول السياسية المذلة كاستقطاب مجرمي البوليساريو واعطائهم مناصب حساسة في المغرب بدل محاكمتهم عن الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب المغربي.

اننا بانتقادنا للموقف الامريكي بتوسيع صلاحيات المينورسو ليشمل حقوق الانسان لا ننطلق من موقف عدائي لحق الشباب الصحراوي في المناطق الجنوبية المغربية للتعبير عن حقوقه المشروعة بمعية كل ابناء الوطن في الشمال والجنوب اذ ان الانتهاكات الحقوقية تطال اهلنا في الشمال كما تطال اهلنا في الجنوب اي ان القمع يوحدنا كما يوحدنا التاريخ والجغرافيا كذلك الا اننا لا نعتقد ان الجزائر والبوليساريو لهم الحق في اعطاء الشعب المغربي دروسا في الحقوق والحريات وهم الذين يغتالون احلام الجزائريين كل يوم الف مرة وهم من يجب ان ترسى لجن حقوقية دولية لمعاينة جرائم الجزائر والبوليساريو والماثلة للعيان في وشمات اجساد اسرانا المغاربة المحتجزين في سجونهم، اننا نخشى ان تصبح قرارات الامم المتحدة المستقبلية مكتوبة بالبترول والغاز كما كانت من قبل مكتوبة بدماء المقهورين والمظلومين في العالم.

* * * *

لا خوف على العلاقات الإستراتيجية المغربية الفرنسية
أثارت التصريحات المنسوبة إلى السفير الفرنسي بالولايات المتحدة الأمريكية موجة من ردود الأفعال في الصحافة الوطنية والدولية التي عبرت عن تخوفها من تزعزع العلاقات المغربية الفرنسية والحال ان الصحافة الجزائرية وخاصة جريدتي الشروق والبلاد ذهبت إلى حد التبشير بان العلاقات المغربية الفرنسية ستقطع وسيتم سحب السفراء إلى غيرها من الحملات الاعلامية المغرضة والظالمة التي تتعرض لها العلاقات المغربية الفرنسية، ولكن ما لايعرفه الكثيرون في العالم او يتجاهلونه ان العلاقات المغربية الفرنسية لا خوف عليها ولا هم يحزنون، هي علاقات تاريخية واستراتيجية لها ابعاد اقتصادية وسياسية وحتى عاطفية، فرنسا بالنسبة لنا نحن المغاربة هي الصديق الامين هي المدافعة عن مصالحنا في المحافل الدولية هي التي تحتضن ملايين من مهجريينا وبصفتي احد ابناء العمال المهاجرين بفرنسا سابقا، اعرف تمام اليقين العلاقات الحميمية والعاطفية التي تجمع ابائنا واسرنا بفرنسا، فرنسا هي الشريك الاقتصادي الاول مع المغرب، والمستورد الاول لمنتوجاتنا ولعمالنا ولطلبتنا، فهل تستطيع تصريحات منسوبة لموظف فرنسي ان تقلب العلاقات المغربية الفرنسية، علاقتنا مع فرنسا مبنية على علاقة قوامها رابح رابح واسسها مبنية على المصالح المشتركة فعمالنا في الخارج هم بناة فرنسا الحديثة، هم المشاركون في حروبها ضد النازية والفاشية وفي الهند الصينية، علاقتنا المتميزة مع فرنسا تغيض الكثيرين وستبقى تغيضهم مادمت الدولتان تحافظان على التميز في علاقاتهما، صحيح ان فرنسا كانت دولة استعمار بالنسبة لنا وارتكبت ما ارتكبت من اعمال لاانسانية وقتلت من المقاومين المغاربة الشئ الكثير وانبتت في تربتنا برجوازية كمبرادورية فاسدة متسلطة على حد قول الشهيد مهدي عامل ولكن ذلك التاريخ قد ولى ولم يكن الاستعمار بمساوئه وظلماته كله سلبيا بل هناك اوجه ايجابية للاستعمار او للدقة الاثار الجانبية له اذ علمنا التثاقف والتعرف على حضارة الغرب من ابوابها الكبرى اذ ان اوروبا كانت تقسم إلى ثلاث اجزاء رئيسية لابد من جمعها لتكون وحدة اوروبية لها معنى،هذه الاجزاء هي: الفلسفة الالمانية اذ من لم يتعرف على هيغل وماركس وفيورباخ لا اظن انه يكتشف الروح الاوروبية ويستطيع سبر اغوار اوروبا وثقافتها والجزء الثاني هو الاقتصاد الانكليزي ومنظروه الكبار مثل انجلز وريكاردو واخرون فمن لم يتعلم الاقتصاد الانكليزي وقوانينه لا يمكن ان يتعرف على الراسمالية الاوروبية وتطورها ومغامراتها الاقتصادية وتياراتها الكبرى والجزء الثالث هي السياسة الفرنسية والثورات الفرنسية التي فتنت بروحها ومفكريها العالم المعاصر، فرنسا وثورات 1789 1848 وهلم جرا،فرنسا ومفكريها العظام مثل التوسير وسارتر وفوكو وبورديو لا يمكن الا ان نتشرف كعالم نامي بالتحاور الثقافي والسياسي معها.

إذا كان موظف فرنسي قد أساء التعبير عن سوء أو حسن نية فذلك لا يمكن أن تؤخذ بجريرته فرنسا أو المجتمع الفرنسي فكما أن مواطنا مغربيا أو حتى موظفا مغربيا ممكن أن يرتكب جريمة في حق الفرنسيين وعلى الأراضي الفرنسي لا يمكن أن نعتبر ذلك إلا عملا فرديا لا يلزم العلاقات الإستراتيجية بين البلدين نفس الشئ بالنسبة للفرنسيين,الإعلام المغربي مطالب بالتروي والحذر من المس بالعلاقات المغربية الفرنسية لان ليس من مصلحتنا كمغاربة ان نفقد بلدا عظيما كفرنسا له كلمته العليا في العالم , اعلامنا وسياسيونا عليهم البحث في تقوية العلاقات المغربية الفرنسية بدل التشكيك في عمقها او توسيع الهوة الحضارية بيننا وبين اصدقائنا الفرنسيين، اننا نثق تماما بأن الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يدركان عمق الروابط الاخوية بين الشعبين وسيعملان لما فيه خير البلدين وسيتجاوزان هذه النزلة البردية البسيطة في علاقاتهما الديبلوماسية.صحيح ان السفير الفرنسي في الولايات المتحدة الامريكية اخطأ في حق المغرب والمغاربة ولكن علينا ان لا نترك لعواطفنا وجوارحنا وحدها الحكم بل ان الاعتبارات الاخرى السياسية والاقتصادية والاستراتيجية يجب ان تؤخد بعين الاعتبار، يبقى ان نؤكد ان الديبلوماسية الملكية القوية في افريقيا والتي ازعجت العديد من الاوساط في اوروبا وافريقيا والعالم اجمع استطاعت هذه الديبلوماسية الحكيمة للملك محمد السادس ان ترجع للمغرب مكانة اقتصادية وسياسية ودينية في القارة السمراء واستطاعت ان تعالج الاختلالات المتراكمة في العلاقات المغربية الافريقية وهذه النجاحات الديبلوماسية لابد ان تزعج وتربك سياسات الدول التي لها مصالح تاريخية في افريقيا والتي ترى في التحرك الديبلوماسي الملكي لعبا في مربعها الامني والاقتصادي في العمق الافريقي وليس من المستبعد ان تكون ردة فعل بعض الاوساط السياسية الفرنسية الممتعضة من الفتوحات الديبلوماسية المغربية وراء افتعال هذه الازمة الديبلوماسية بين المغرب و حليفها الاستراتيجي فرنسا، كما ان التحالف المغربي الامريكي المباشر في افريقيا والتفاهم حول سبل حل النزاعات الافريقية و التوافق المغربي الامريكي حول استراتيجية موحدة لمواجهة الارهاب في الساحل والصحراء يربك حسابات الفرنسيين،جعلهم مسائيين من التقارب المغربي الامريكي المباشر بدون وساطة فرنسية او اوروبية كما كان عليه الامر من قبل، كل هذه الاعتبارات السياسية والاختلافات في تقييم السياسات الدولية بين دولة واخرى لا يمكن ان نستبعدها في الصراع الفرنسي الامريكي حول الاسواق الافريقية الواعدة مع الازمة الاقتصادية التي تجتاح اوروبا واربكت الاستهلاك والطلب الاوروبيين كما ان افريقيا تزخر بمقدرات معدنية وطاقية لا يمكن الاستهانة بها، لذلك لا يجب ان يكون المغرب ضحية لهذه التطاحنات الاقتصادية والسياسية الدولية بين اعضاء نادي الكبار رغم ان هذه التطاحنات غالبا ما تكون مخفية وغير واضحة لغلبة اللغة الديبلوماسية البراغماتية عليها ولكن رغم ذلك المغرب مطالب بالتوازن في علاقاته الدولية لاتفريط في فرنسا ولا افراط في غيرها لان لكل بلد في العالم مكانته وشروره.

* * * *

هل يمتلك فرانسوا هولاند الجرأة السياسية للاعتذار للمغاربة عن سنوات الاستعمار والصمت عن جرائم حقوق الإنسان المرتكبة في حق المغاربة؟
من المنتظر أن يقوم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لزيارة رسمية للمغرب لتأكيد العلاقات التاريخية التي ترتبط المغرب بفرنسا خلال شهر ابريل المقبل. العلاقات المغربية الفرنسية بكل تأكيد يلعب فيها ثقل التاريخ والاستعمار الحيز الأكبر، جميع الرؤساء الفرنسيين تاريخيا تكون زيارتهم الأولى إلى الدول المغاربية تبدأ بالمغرب إلا أن الرئيس فارنسوا هولاند فضل البداية بالجزائر وهذه إشارة لا تخلو من رسائل سياسية كبيرة تحمل في طياتها الاختيارات الاستراتيجية للسياسة الفرنسية الجديدة في تعاطيها مع الدول المغاربية، إذ أن هولاند لم ينس روابطه الشخصية التاريخية العائلية مع الجزائر كما لم ينسى الدعم الكبير الذي حظي به خصمه السياسي نيكولا ساركوزي من طرف المغرب في الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة والرفض المبدئي لاستقبال سكرتيرة الحزب الاشتراكي الفرنسي في زيارتها للمغرب في الوهلة الأولى أثناء نفس الانتخابات الرئاسية رغم تدارك الأمر متأخرا من طرف المغرب، لكن ما وقع قد وقع , كل هذه التفاصيل الصغيرة لها دور ولو بسيط في الاختيارات الاستراتيجية للسياسة الفرنسية الجديدة ولكن للقضية أبعاد أخرى وهي آن الجزائر تحتل دورا رياديا اليوم في التصدي للإرهاب المتنقل الذي يتدحرج من مالي أي شمال الجزائر والذي يهدد المصالح الاستراتيجية الفرنسية في الشمال الإفريقي خصوصا الثروة النفطية والغازية الجزائرية التي تستغلها الشركات الفرنسية والدليل على أن فرنسا تعول كثيرا على الجزائر سكوتها المخجل عن المجزرة التي ارتكبت في عين أمناس من طرف القوات الخاصة الجزائرية والتي ذهبت ضحيتها العديد من الضحايا ومنهم الأجانب فلماذا سكتت فرنسا عن ذلك والدليل الآخر قبل ذلك أن فرنسا سكتت عن التزوير الكبير الذي تعرضت له الانتخابات التشريعية الجزائرية والتي أعطت لحزب العسكر الأغلبية الكبرى؟ هل سننتظر من فرانسوا هولاند في زيارته المرتقبة في المغرب أن يكشف عن سر اغتيال المهدي بن بركة في الديار الفرنسية؟ هل يمكن أن نحلم بفرنسوا هولاند رئيس الدولة الفرنسية الديموقراطية يقول لنا في برلماننا المغربي بأن الديموقراطية المغربية والإصلاحات السياسية التي باشرها المغرب منذ فاتح يوليوز 2011 غير كافية ما لم يتم إصلاح القوانين الانتخابية التي تكرس البلقنة السياسية وتشرعن للتحكم السياسي وإصلاح الترسانة الضريبية التي تعطي للأغنياء فرص كبيرة للتهرب والتملص الضريبي وإيداع الأموال المهربة في الخزائن والبنوك الفرنسية؟ عن سننتظر من فرنسوا هولاند أن يحددنا عن المخاطر المحدقة بالآمن الإقليمي المغاربي مع التسلح الجزائري الكبير والذي يدفع المغرب بدوره للتسلح والتسابق على شراء السلاح الفرنسي على حساب المشاريع التنموية الكبرى وعلى حساب المعيش اليومي للشعب المتضرر من ثقل المديونية الخارجية التي يشكل التسلح ضمنها أكثر من 40 في المئة؟ هل يملك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الجرأة السياسية لفتح ملفات تمويل الانتخابات الفرنسية لبعض الشخصيات الفرنسية بأموال مغربية؟ إننا متأكدون بأن الزيارة الرسمية لفرانسوا هولاند لن تحمل جديدا و لا نعلق عليها آمالا كبيرة على صعيد تحريك الملفات السياسية والحقوقية الراكدة إذ أن خطاب الرئيس سيكون ديبلوماسيا وملئ بعبارات المجاملة السياسية لا أقل ولا أكثر وسيسمعنا ما نريد أن نسمعه من قبيل أن فرنسا تدعم مشروع الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب وان فرنسا تعتبر المغرب نموذج للدول الديموقراطية التي اجتازت ربيعها الديموقراطي بسلام ونجاح كل هذه العبارات التجميلية انتظروها من فرانسوا هولاند لكن لا تنتظروا منه أن يقول بأن ما تعيشه المغرب اليوم من تخلف سياسي وتبعية اقتصادية وتبييض للأموال وانتهاك لحقوق الإنسان منذ الاستقلال إلى اليوم فرنسا ضالعة فيه ومتورطة في إخفاء الحقائق عن عدد كبير من الملفات الحقوقية التي تورطت فيها عناصر من المخابرات الفرنسية، فهل ستكون الجرأة السياسية والأخلاقية حاضرة هذه المرة عند الرئيس الفرنسي ليحدثنا عن الجهات التي اغتالت المهدي بن بركة على التراب الفرنسي؟ هل سيمدنا الرئيس الفرنسي بلائحة المغاربة الذين نهبوا المال العمومي المغربي وبنوا واشتروا العمارات في فرنسا ووظفوا الأموال المنهوبة في البنوك الفرنسية؟ هل فرانسوا هولاند سيعتذر للمغاربة عن الجرائم الثقافية والسياسية والاقتصادية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق المغاربة خلال سنوات الاستعمار وبعده؟ هل سيحدثنا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن وضعية المهاجرين المغاربة الذي يعانون تمييزا حقيقيا ويعاملون معاملات لا إنسانية خاصة الذين لا يملكون وثائق الإقامة؟ هل سيعطينا الرئيس الفرنسي الاشتراكي الانتماء جوابا مقنعا عن احتضانه لوزير الداخلية المغربية الراحل إدريس البصري وعدم تقديمه للعدالة الفرنسية التي تبحث عنه لارتكابه جرائم حقوقية كبرى منذ توليه مسؤولية وزارة الداخلية المغربية؟ إن العلاقات المغربية الفرنسية لا تزال مبنية على اللاتكافؤ وعلى الاختلال في موازين القوى وينتج عن ذلك بالضرورة أن فرنسا اليوم أصبحت ترى المغرب كما ترى المنطقة المغاربية كلها حدائق خلفية لها وليسوا شركاء حقيقيين، لان فرنسا لم يسبق لها في تاريخها المعاصر إن شجعت التحول الديموقراطي الحقيقي في المغرب ولا ساهمت بتنمية المناطق الفقيرة بالمغرب ولا ساهمت في التنمية الاقتصادية ببلادنا، بل حتى المشاريع الكبرى التي تشرف عليها فرنسا اليوم بالمغرب كلها مشاريع مكلفة للمغرب ولميزانيتها وأعطيت للفرنسيين مقابل شراء صمتهم السياسي والحقوقي المطبق، والتاريخ يحدثنا عن تواطؤ المخزن والإسبان والفرنسيين في إبادة الريف في الخمسينات كما وإبادة جيش التحرير المغربي في عمليات مشهورة في الجنوب كايكوفيون وغيرها. السياسة الفرنسية اتجاه المغرب يمكن أن نقول بأنها ساعدت المغرب في بعض المواقف وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضية الصحراء والدفاع الفرنسي المستميت عن الموقف المغربي في مجلس الأمن، ويمكن أن نقول بان الاقتصاد المغربي يستفيد من عائدات العملة الصعبة لعمالنا وجالياتنا العاملة بفرنسا كل هذه المزايا الايجابية صحيحة ولكن كذلك سكوت فرنسا عن القمع السياسي في الستينات والسبعينات والثمانينات في المغرب وهنا نتحدث بطبيعة الحال عن الموقف الفرنسي الرسمي (إذ لا يمكن أن ننكر دور المنظمات الحقوقية والمدنية الفرنسية وبعض المثقفين الفرنسيين الذين جاهروا بالحق ونددوا بسجون تزمامارت وقلعة مكونة وغيرها من السجون) لكن الموقف الرسمي كان موقفا تجميليا للسياسة القمعية المغربية , فهل يمكن أن ننتظر تغيرا جوهريا في التعامل الفرنسي مع قضايا حقوق الإنسان ببلادنا؟ أم إن السياسة الفرنسية ستبقى رهينة مصالحها الاقتصادية التي ما دامت مصونة ومستفيدة من الوضع الحالي المختل فستغطي على السياسة الداخلية المغربية وعن انتهاكات حقوق الإنسان.

* * * *

هل كان ساركوزي عميلا للموساد الإسرائيلي؟
هل فعلا فرنسا بلد الحريات؟ هذا السؤال طرحته على نفسي قبل أن أشاركه مع القراء الكرام عندما علمت أن كتاب ساركوزي إسرائيل واليهود للصحفي والمؤرخ الفرنسي المميز
paul –eric blanrue قد تعرض للتضييق وحصار إعلامي في طبعه وتداوله في فرنسا واضطر معه الكاتب إلى التوجه إلى بلجيكا لطبعه وفي ندوة صحفية لتقديمه للقراء الفرنسيين تمت مقاطعتها ولم يحضر فيها سوى صحافيان، فما خطورة هذا الكتاب على الفرنسيين حتى يتخذ ضده كل هذه الإجراءات؟

في كلمة تقديمية للناشر ماركو بيتور تحدث عن الصعوبات التي واجهته عندما أراد طبع الكتاب ومنها رفض زوجته خوفا عليه بطبيعة الحال من ردود الأفعال التي ستلي نشره الكتاب، لكنه أصر واعتبر نشر الكتاب من صميم البحث عن الحقيقة التاريخية ومتوافق مع قيمه وقناعاته بأن قوة الحجة العلمية والتاريخية للكتاب لا ثتنيه عن استعمال حجة القوة في منع تداوله بين صفوف الشعب الفرنسي خاصة والأوروبي عامة.

عنوان الكتاب مستوحى من عنوان كتاب سابق للباحث الفرنسي رايمون ارون: دغول إسرائيل واليهود ويهدف الكتاب إلى توعية الفرنسيين كما يقول الكاتب بخطورة الخلط بين معاداة السامية وهو موقف مرفوض ومدان ومعاداة الصهيونية كحركة سياسية معادية لقيم الحرية واستقلال الشعوب، الكتاب يوثق بالتواريخ والأسماء والأحداث التي تدل على أن الدولة الفرنسية في عهد ساركوزي كانت مخترقة من اللوبي الصهيوني التي أصبح يؤثر بشكل كبير على الانتخابات الفرنسية، صحيح أن الجالية اليهودية في فرنسا هي الثالثة عالميا، لكن ليس كل اليهود في فرنسا متفقين مع الحركات الصهيونية ومع إسرائيل، يطرح الكتاب إشكالية كبيرة وهي ازدواجية انتماء بعض اليهود الفرنسيين،فهم فرنسيو الجنسية ولكن ولائهم لإسرائيل أكبر وأوضح، إلى حدود أن السياسة الإسرائيلية تهمهم أكثر ما تهمهم السياسة الفرنسية، كما يحمل الكتاب حقائق خطيرة ومنها أن نقاش العلاقات الفرنسية الإسرائيلية طابو وسر من أسرار الدولة التي عليها إجماع داخلي مفروض وكل من تجرأ على خرقه يتابع بتهم معاداة السامية أو إنكار المحرقة التي تعرض لها اليهود في مرحلة مظلمة من تاريخ أوروبا، الكتاب يحمل مفاجأة كبيرة عندما يتحدث عن تجنيد محتمل للموساد الإسرائيلي للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي منذ عهد حكومة مناحيم بيكين الإسرائيلية في نهاية السبعينات وعملية التجنيد تكلف بها العميل الإسرائيلي رفائيل إيتان، الكتاب جدير بالقراءة للتنقيب في حفريات المعرفة السياسية التاريخية الفرنسية ويطرح من التساؤلات الشيء الذي يجعل الباحث عن الحقائق السياسية في العلاقات الفرنسية الإسرائيلية يضيف إلى اهتماماته أسئلة كبرى ويفتح معه أوراش بحثية كبرى، قد نتفق مع جزء كبير من الكتاب أو جزء يسير ولكن المهم هو أن يتداول الكتاب ليفتح نقاشا عموميا ويضيء بعض جوانب العتمة في العلاقات الدولية.

* * * *

الانتخابات الرئاسية الجزائرية: نجاح بوتفليقة لعهدة رابعة اهانة للشعب الجزائري
حطم ترشح عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية الجزائرية المنتظرة في 17 ابريل 2014 كل الارقام القياسية من حيث الغرابة وشره السلطة الذي عبر عنه الرئيس المريض والغير قادر على مخاطبة الشعب الجزائري منذ شهور طويلة إلى حد انه غاب حتى عن عيد استقلال الجزائر ولم يلق أي خطاب بالمناسبة، بوتفليقة الذي سيحتفل بعيد ميلاده الحادي والسبعين خلال مارس 2014 حكم الجزائر لمدة 15 سنة وهي اطول مدة حكم فيها رئيس جزائري اذ حطم الرقم القياسي المسجل في عهدة الراحل بومدين الذي عمر في قصر المرادية 13 سنة بعد انقلابه العسكري على استاذه وصانعه احمد بن بلة، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حكم الجزائر بقوة الحديد والنار مستعينا بالجيش والمخابرات بل تحديدا مستغلا تناقضات الاجهزة الجزائرية واقصى المعارضة السياسية واعتقل الصحفيين والمدونيين الشباب الذين اعتقلوا بتهم المس بامن الدولة ونكل بالصحافيين وقتل الفنانيين وشرد السياسيين في المنافي والمعتقلات لذلك نجدد كمناضلين حقوقيين مغاربة تضامننا المطلق معهم ودعوتنا المنظمات الدولية المعنية لحقوق الانسان الضغط على النظام الجزائري من اجل اطلاق سراحهم وفتح تحقيق في كل الجرائم السياسية التي ارتكبت في الجزائر واتهمت بها القوى الاسلامية المتطرفة لوحدها. الغرابة التاريخية في ترشح بوتفليقة هي انه لاول مرة في التاريخ السياسي العالمي لا يستطيع المرشح الرئاسي مخاطبة الشعب الذي يتمنى ان يصوت عليه فعبد مالك سلال رئيس الوزراء الجزائري هو الذي اعلن على امواج تلفزيون الجزائر والنهار ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة واجدني متفقا تماما على ملاحظة الاستاذ علي بلحاج القيادي الاسلامي الذي رفضت اوراق اعتماده كمرشح , اتفق معه عندما قال بأن عجز الرئيس الجزائري عن تقديم اوراق اعتماده شخصيا و عجزه عن ملئ استمارات الناخبين المطلوبين في الولايات الخمسة والعشرين او من خلال الناخبين الكبار في البرلمان الجزائري كما ينص على ذلك القانون الانتخابي الجزائري دليل على ان بوتفليقة رجل مريض لا يقوى على تسيير شؤون البلاد فهل ستحكم الجزائر من اسرة المستشفيات الباريسية؟، اما الزعامات السياسية الجزائرية فقد اجمعت على ان ترشح بوتفليقة لولاية رابعة دليل على ان النظام الجزائري مصر على تزوير الانتخابات وعلى اعلان بوتفليقا رئيسا للجزائر حتى وفاته ,هذا ما اكده جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد الذي صرح لوسائل الاعلام عقب تأكد ترشح بوتفليقة بان الجيش الجزائري يستعد لاعلان الجزائر جمهورية وهمية او وراثية في المستقبل في اشارة منه إلى النفوذ المتزايد الذي بات يحظى به سعيد بوتفليقةاخ الرئيس (والذي ساهم مؤخرا في مفاوضات شراء سلاح روسي وغواصتين حربيتين ) اما زعيم حركة رشاد المعارضة في الخارج والتي تتبنى مقاومة النظام الجزائري باعتباره نظاما غير شرعي يجب مقاومته مقاومة سلمية وليس معارضته ترى في ترشح بوتفليقة استمرار لحكم المخابرات DRS وتتهم فرنسا بحماية بوتفليقة ونظامه من الانهيار بدعوى الخوف من الاسلاميين كما ان حركة رشاد عن طريق ناطقها الرسمي الفعلي الدبلوماسي العربي الزيتوت اكد ان الشعب الجزائري هو الذي يجب تقرير مصيره وليس الشعب الصحراوي المزعوم الذي تصرف الجزائر على احتضان قيادته المجرمة خيرات الشعب الجزائري المحروم، النخبة السياسية الجزائرية المحترمة قاطعت الانتخابات الرئاسية بداية من التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية حزب سعيد سعدي الذي اعتبر الانتخابات الرئاسية الحالية مسرحية ضعيفة الإخراج ودعا إلى مقاطعتها مرورا بحركة عبد الله جاب الله و حركة مجتمع السلم بقيادة عبد العزيز مقري الذي اعتبر يوم ترشح بوتفليقة يوم حداد وطني على الديمقراطية الجزائرية المغدورة وجبهة الإنقاذ الإسلامية التي طالبت بضرورةإعلان الحكم الجزائري مرحلة انتقالية تسمح بفتح حوار جدي وصريح حول مستقبل الجزائر بمشاركة كل القوى الحية بالبلاد قبل اية انتخابات ولكن هذه الدعوة بطبيعة الحال لا تعرف طريقها إلى التنفيذ لان جنرالات الجزائر لا يريدون الديموقراطية ويعملون بالليل والنهار من اجل تعطيل المسار الديموقراطي، الشعب الجزائري قاوم الاستعمار الفرنسي لمدة طويلة حوالي 132 سنة وحصل على استقلاله بفضل تضحيات المجاهدين والمقاومين ولكن جنرالات فرنسا خرجوا من الابواب ليدخلوا عبر النوافذ وسيطروا على خيرات الشعب الجزائري، اننا كشعوب مغاربية ننتظر انتفاضة الجزائريين ضد الحكم العسكري الديكتاتوري الذي عطل التنمية بالجزائر وآخر الاتحاد المغاربي وشجع واحتضن الارهاب واصبح جنرالات الجزائر يهددون الجيران ويفتعلون الازمات من اجل تفريق الشعوب المغاربية ومن اجل الهاء الشعب الجزائري في حروب دونكيشوتية الهدف منها اطالة امد نهب ثروات الشعب الجزائري، الميزانية العامة للجزائر تتعدى 70 مليار دولار واسعار الغاز والبترول في تصاعد كبير لكننا لا نرى انعكاس ذلك على شعبنا في الجزائر بل نرى بؤسا وفقرا وثراء غير مشروع لاقلية حاكمة فاسدة ولعل فضائح صوناطراك والخليفة شاهدة على هذا الفساد، لنقارن بين الثروات الطبيعية الجزائرية وبين ما تملكه تركيا ولنقارن الانسان التركي والانسان الجزائري فالاتراك في تنمية اقتصادية هائلة وتقدم على سلم التنمية الاجتماعية الرتبة 21 هذه السنة رغم ان تركيا تحيط بها الازمات والاعداء من كل صوب وحدب فيما الجزائر تتدحرج في اسفل الرتب الاجتماعية والاقتصادية الرتبة 113 هذه السنة في سلم التنية البشرية العالمي، فانا لا اريد ان اقارن بين الجزائر و بلدي المغرب الذي لايملك من الثروات الطبيعية الا الشئ اليسير ولكن يتفوق تنمية ودخلا على الجزائر الشقيقة هذه ليس مزاعم شوفينية او ادعاءات باطلة انما هي الحقيقة معدل الاجور في المغرب مقارنة مع مجموع الميزانية العامة للدولة التي تبلغ 21 مليار دولار تبقى اهم من الجزائر رغم ان المغرب يعاني ازمات اقتصادية وسوء تدبير وبطالة و تكاليف تغطية قضية الصحراء المفتعلة من طرف اشقائنا في الجزائر والتي تنهب ميزانية الدولة.

الشعب الجزائري مطالب بالقيام بثورة ثانية ضد اذناب الاستعمار الفرنسي ومخلفاته في الجزائر ولن يكون ذلك سوى بمقاومة سلمية تدفع إلى تحقيق تغيير ديموقراطي يقطع مع حكم الجنرالات ومع القمع الممنهج الذي تعرفه حرية الاعلام والصحافة حيث سجلت منظمات حقوقية دولية مثل هيومان رايت وواتش في تقريرها السنوي الاخير على ان الجزائر عدوة للصحافة ولحقوق الانسان وانها ماتزال تمنع المنظمات الحقوقية الدولية من ولوج اراضيها في الوقت الذي تدعي فيه الجزائر حرصها على حقوق الانسان بالصحراء المغربية انها المفارقة؟. ان الشعب الجزائري قادر بصموده ووحدة قواه على ان ينهي حقبة حكم ورثة الحرب الباردة الذي نهبوا ثروات الجزائرين وعطلوا ركوب الجزائر لقطار التنمية والحداثة والديموقراطية، الجزائر دولة محورية في شمال افريقيا لكنها مسكونة اليوم بعفاريت التسلح والخديعة والمؤمرات ضد الشعب الجزائري وضد الجيران وسنكون نحن المغاربيين سعداء بربيع جزائري سلمي وديموقراطي يعيد الينا الحلم النوميدي الوحدوي ويعمق اواصر المحبة والتعاون المغاربي، اننا نعلم تمام المعرفة ان كلفة اللامغرب مكلفة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، لذلك يجب ان نسعى دائما لتحقيق الوحدة المغاربية في افق التخاطب والتحاور مع الشركاء الدوليين من موقع القوة والندية لا من زاوية الهزيمة والانقسام والدونية.

* * * *

العلاقات المغربية الجزائرية: هل تصلح الثقافة ما أفسدته السياسة؟
لا أبوح لكم سرا إذا قلت بأن كتابة هذا الموضوع تطلب مني تفكيرا عميقا قبل الإقدام عليه، ليس لان المعطيات حول الصراع المغربي الجزائري قليلة وشحيحة فالصحف المغربية والجزائرية مليئة بمواضيع تتناول توتر العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين بل وتنفخ فيه، ولكن لأنني استشعرت مسؤولية كبيرة تتمثل في ضرورة إلا انخرط في السجال السياسي العدائي الدعائي المجاني ضد الجزائر فقط لان الجزائر تحكمها طغمة عسكرية فاسدة ومستبدة، إننا كمثقفين -أو من ندعي ذلك- جزائريين ومغاربة مطالبين بالبحث عن الوجه الايجابي في العلاقات المغربية الجزائرية وفي البحث عن صيغ التفاهمات وحسن الجوار الذي تقتضيه قيمنا ومصائرنا كذلك، لذلك كان كتابة هذا الموضوع أكثر مسؤولية من سابقيه، رغم أنني اعلم بأن الحديث اليوم عن العلاقات المغربية الجزائرية ببرودة دم وبدون شعبوية لا يلقى تأييدا من الجماهير التواقة بل الأصح المتشبعة بلغة العداء والوطنية المشكوك في أمرها أحيانا، الحقيقة والتاريخ يقتضيان أن نقول بأن الشعبين المغربي والجزائري تربطهما أواصر ثقافية وفكرية وحتى دموية لا شك فيها، فالشعبين تعاونا في دحر الاستعمار الفرنسي عن أراضيهما واحتضن المغاربة المقاومين الجزائريين في أحلك الظروف وأقساها، لكن لعنة الله على السياسة التي فرقتنا، العلاقات المغربية الجزائرية لا تحتمل المقامرة من الجانبين ولا أن تصبح مادة انتخابية، فالعنف والإرهاب الذي يستهدف البلدين والبلدان المغاربية أجمع والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الشعبين أكبر من نستنزف قوانا في المؤامرات والدسائس ضد بعضنا البعض، لكن للحقيقة والتاريخ كذلك نقول بأن قضية الصحراء المغربية هي العقبة الكبرى في ترتيب البيت الداخلي المغاربي فمن يستفيد من هذه الوضعية الغير السليمة؟ من المسؤول عن إطالة أمد هذه القضية المفبركة أصلا؟ هل الشعب الجزائري يهمه تقسيم المغرب وإقامة دويلة في جنوبه تحتضن الإرهاب والتطرف وتنشره في المنطقة كلها؟ إننا كمغاربة والصراحة تقتضي ذلك لا نفهم الإصرار الرسمي الجزائري على دعم جبهة البوليساريو التي صنفتها عدد كبير من دول العالم ضمن المنظمات الإرهابية، إننا كمغاربة لا نفهم التسلح المبالغ فيه من الجزائر واقتنائها أسلحة هجومية وليست دفاعية؟ إن الشعب المغربي لا يفهم كيف لدولة يعيش شعبها البطالة والفقر أن تنفق أموالها في شراء الأسلحة الفتاكة وفي دعم البوليساريو والمنظمات الموالية لها في الخارج؟ في وقت تحدثت فيه الصحف الجزائرية الرسمية عن ألازمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر بفعل الفساد وسوء تدبير الثروات النفطية والغازية والذي أثر على نفسية الشعب الجزائري إلى حد أن إحدى الصحف الجزائرية تحدثت عن انتشار الاكتئاب العصابي بين صفوف الشعب الجزائري والذي يبلغ 7 في المائة كما أقرت بذلك جريدة الحواراتles débats الجزائرية في عددها ليوم الأربعاء 13 نونبر 2013، إننا ندعو جنرالات الجزائر إلى أن يتقوا الله في شعبهم كما ندعو بعض السياسيين المغاربة إلى نفس الشيء فمطالب حزب الاستقلال المغربي فيما يتعلق باسترجاع منطقة بشار دعوة مرفوضة ولا تخدم مستقبل العلاقات السياسية بين البلدين كما أن إنزال العلم الجزائري من القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء عمل مرفوض ومدان ولا يخدم أسس التفاهم التي يجب أن تسود بين الشعبين، السجال الإعلامي بين البلدين لا يخدم مصلحة الشعبين بل يعمق الجراح ويوسع الهوة لذلك ندعو المثقفين الجزائريين والمغاربة لتكسير هذا الجمود في العلاقات السياسية بين البلدين عبر القيام بأنشطة فنية وثقافية مشتركة والقيام برحلات علمية وثقافية متبادلة هذا هو النهج الذي نريده للشعبين الشقيقين أو للدقة شعب واحد في دولتين، يجب على الساسة الجزائريين والمغاربة تجاوز عقلية الحرب الباردة والعمل على التكامل الاقتصادي والسياسي لأنه هو سر نجاح الدولتين في المستقبل أمام التكتلات الكبرى الإقليمية المجاورة، فلماذا إغلاق الحدود بين البلدين منذ التسعينات؟ لماذا التأخير في بناء الاقتصاد المغاربي؟ لمصلحة من يستمر التراشق الإعلامي بين البلدين؟ لماذا الإصرار الجزائري على تقسيم المغرب والمس بوحدته الترابية؟ هل ستقبل الجزائر بالمعاملة بالمثل أي أن يدعم المغرب انفصال منطقة القبايل عن الجزائر؟ طالما سمعنا الجزائر تتبنى موقفا محايدا من قضية الصحراء المغربية رغم أن الموقف الذي يجب أن يكون هو أن تدعم الجزائر الوحدة الترابية للمغرب، لكن رسالة الرئيس الجزائري إلى أبوجا أخرجت المواقف العدائية للنخبة السياسية الجزائرية الحاكمة إلى العلن وأصبح الجزائر طرفا في النزاع، المطلوب من الأشقاء في الجزائر هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب وعدم دعم الانفصال في أي قطر مغاربي وإلا فإن استمرارهم على هذا النهج سيقوض كل جهود الوفاق المغربي الجزائري وسيفتح المنطقة أمام الإرهاب والتطرف ودعوات الانفصال المتنقلة,فلا توقضوا الفتنة فهي ستحرق الجميع.

الشباب المغربي والجزائري ملزم بردم الهوة السياسية بين البلدين والتفكير في ما أسماه الأستاذ المغربي عبد الرحيم المنار اسليمي في إحدى مقالاته ديبلوماسية الحب حيث إن الساسة الجزائريين يستغلون القضايا الخلافية الخارجية من أجل تطويل أمد سيطرتهم على الشعب الجزائري كما أن الخلاف المغربي الجزائري يضخم في الاجندات الانتخابية الجزائرية لذلك على الشباب الجزائري أن يعرف بان المغرب لا يرغب في صدام بين الجزائر وان المغرب منشغل بأوراش التنمية والتشغيل والحد من البطالة واستكمال المشروع الديموقراطي وليعلم الجزائريون بأن في المغرب ملكا منفتحا مسالما يهتم بشؤون شعبه ولا يكترث لادعاءات الخصوم في المغرب، كذلك ملكا ورث عن شعبه الصبر وحسن الجوار ومنفتحا على الحوار ولا يسعنا إلا آن نرى في الجزائر قيادة في مستوى طموحات الشعب الجزائري في التنمية والاستقرار ونبذ الفرقة، الشعب الجزائري يستحق قيادة أفضل من هاته التي تجثم على صدره ويستحق أن يرى أثر نعمة النفط والغاز على مستوى معيشة أبنائه، لو كان في المغرب نفط أو غاز لأصبحنا من أرقى الشعوب وإنماها ولكن يفعل الله ما يريد، تحية حب وإخلاص إلى الشعب الجزائري ودعوة للهداية لحكامه للعودة إلى طريق الرشد

* * * *

هل سبق للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أن كان مقاوما ضد الاستعمار الفرنسي؟
قراءة كتاب
BOUTEFLIKA une imposture ALGERIENNE تدفع بك بعيدا في بعض خبايا وأسرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أهمية الكتاب تكمن ابتداء في انه كتاب بقلم مواطن جزائري له الجرأة أن يقول ما قاله في الكتاب عن رئيس في السلطة وليس بعدها أي انه ليس من طينة الكتاب الذين تتفتق لهم قريحة الكتابة التاريخية عن الشخصيات السياسية فقط عندما يغادر هؤلاء السلاطين السلطة وذلك خوفا من بطشهم تارة او تزلفا منهم أحيانا أخرى وهم في السلطة، الكتاب الذي أحببت أن أشارك بعض مضامينه معكم يبحث في أركيولوجية الحياة السياسية الجزائرية وكيف وصل الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في سنة 1999 وكيف انتخبه الجنرالات لحكم الشعب الجزائري الذي خرج لتوه من حرب ظالمة قتلت من شعبه أكثر من 150000 قتيل بعد الانقلاب العسكري الذي قام به العسكر ضد نتائج الانتخابات الجزائرية سنة 1992 والتي أعطت فوزا ساحقا لجبهة الإنقاذ الجزائرية الإسلامية إلا أن التيار الاستئصالي داخل الجزائر قام بإقالة الرئيس الشادلي بن جديد لأنه رفض تزوير الانتخابات التشريعية وقام الجنرالات بفتح السجون والمقابر لكل شباب الجزائر لمدة عشر سنوات جرت من خلالها عدة أحداث منها اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف بقاعة الثقافة بعنابة يوم 29 يونيو 1992 ولا تزال قضية اغتياله لم يتم كشف تفاصيلها كاملة ماعدا أن المسمى المعروفي المتهم بالعملية لم يكن سوى تمويه لحجب الفاعلين الرئيسيين خاصة وأن الرصاصات التي اخترقت جسده النحيف جاءت من جميع النواحي وجوانب القاعة، ويبقى اعتراف الجنرال الجزائري خالد نزار مبطنا عندما سئل من طرف احد الصحافيين الجزائريين عن مقتل بوضياف قال بأن الحقيقة ستعرفونها في المستقبل وهذا يعني أن قضية بومعرافي ليست صحيحة، على كل حال الشعب الجزائري مقتنع بأن بوضياف قتل على يد الذين جلبوه من المغرب كما صرح بعد ذلك رئيس وزرائه آنذاك سيدي أحمد غزالي لأنه لم يكن كما توقعوا رئيسا مطيعا ودمويا وهذه شروط جنرالات الجزائر لقبول أي حاكم في الجزائر، فلماذا اختار جنرالات الجزائر استقدام بوتفليقة لحكم الجزائر في سنة 1999؟ وكيف حكم بوتفليقة الجزائر؟ وقبل ذلك كله من يكون بوتفليقة؟ هذه بعض الأسئلة التي تطرق لها الكتاب باستفاضة ولا أدعي أنني أتقاسم واتفق مع جميع مواقفه ولكن يبقى الكتاب مهما في فتح النقاش السياسي في مرحلة تاريخية عميقة ومؤلمة من التاريخ الجزائري.

أحمد بوتفليقة التلمساني الذي غادر الجزائر مبكرا ليستقر بمدينة وجدة المغربية هو أب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من زوجته الثانية الغزلاوي منصورية حيث إن الأب تزوجها بالإضافة إلى زوجة ثانية تسمى بلقايد ربيعة ولد عبد العزيز بوتفليقة يوم 2 مارس 1937 بوجدة المغربية وله ثلاث أخوات من الزوجة الأولى للأب وهم يامنة وعائشة وفاطمة أما إخوته الأشقاء هم عبد الغني ومصطفى ولطيفة وعبد الرحيم وسعيد وكلهم من مواليد مدينة وجدة. أكثر إخوة عبد العزيز بوتفليقة شهرة هو سعيد بوتفليقة لأنه حسب العديد من العارفين بخبايا الأمر بالجزائر من الشخصيات القوية والمؤثرة في الحياة السياسية والاقتصادية الجزائرية ويملك نفوذا كبيرا في دواليب الإعلام الجزائري.

 ارتبط عبد العزيز بوتفليقة كثيرا بوالدته وأصبح يستشيرها في جميع الأمور بما فيها الأمور السياسية وذلك ربما راجع للفراغ الذي تركه الغياب المستمر للوالد عن البيت لذلك يقول الكاتب صفحة 107:

«Tous ceux qui l’ont côtoyé attestent que Bouteflika prend systématiquement l’avis de sa mère avant de s’engager dans les grandes décision».

وتنتشر إشاعة كبيرة في أوساط الشعب الجزائري وعموم الناس المهتمين بالجزائر على أن الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة عازب وهذه إشاعة غير صحيحة حيث إن بوتفليقة متزوج منذ غشت 1990 من المسماة امال تريكي بنت الديبلوماسي الجزائري السابق في مصر يحيا التريكي وهي مقيمة بالعاصمة الفرنسية باريس في إقامة إمارتية أهداها الأمير الراحل آل نهيان للرئيس الجزائري بوتفليقة وهي على مقربة من الشانزيليزي، وعن المستوى الدراسي لعبد العزيز بوتفليقة ورد في الكتاب صفحة 210:

«Bouteflika n’a pas terminé ses études secondaire, et de n’a voir jamais son bac ni entamé d’étude universitaire sa dernière année d’étude, Abdelaziz Bouteflika l’a faite sans la terminer en classe de terminale en 1956 au lycée abdelmoumene a Oujda»

الكتاب يتحدث كذلك عن جوانب شخصية مختلفة من تاريخ عبد العزيز بوتفليقة ولكن ما يسترعي الانتباه مقطع من الكتاب يتحدث فيه الكاتب محمد بنشيكو عن اعتقاد عبد العزيز بوتفليقة بالزوايا والطلاسم رغم ان بوتفليقة معروف بعلاقاته الوطيدة بهواري بومدين والذي يؤمن بالاشتراكية والفكر العلمي حتى قيل بأن هواري بومدين هو الأب الروحي لعبد العزيز بوتفليقة حتى انه يظهر أن من أسباب انقلاب بومدين على بن بلة في 1965 كان رغبة الرئيس الأسبق بن بلة إقصاء عبد العزيز بوتفليقة من وزارة الخارجية الكتاب صفحة 209 يعطينا بعض المعلومات التي توضح إمكانية اعتقاد بوتفليقة بالخوارق والأساطير:

«Sophie baudet, dite Zakia originaire de Boufarik, tient un cabinet a paris.elle est l’une des voyantes attirées du président algérien un jour de 1995qu’on était a Ghardaïa, il m’a dérouté en demandant qu’on lui ramène un marabout local célèbre du nom d’Oueni, se rappelle Dehbi.il l’a reçu devant moi et formulé une exigence déconcertante « écris –moi un Harz qui fasse plier ma bien aimée».

الكتاب يخصص فصلا كاملا للتشكيك في انتماء عبد العزيز بوتفليقة للثوار الجزائريين الذين حققوا بدمائهم وتضحياتهم استقلال الجزائر ويصف ادعاء بوتفليقة الانتماء إلى جيش التحرير الوطني بأنه خرافة وأسطرة للتاريخ الحقيقي الجزائري يقول الكاتب موضحا ذلك صفحة 62:

Bouteflika a_t_il écrit d’inoubliables pages de gloire? la polémique était planté: le maquisard Bouteflika, alias commandent si Abdelkader, a-t-il vraiment exister? autrement dit, Bouteflika est un faux moujahid?

عبد العزيز بوتفليقة اختاره الجيش لقيادة البلاد لاعتبارات كثيرة أهمها احتياج قيادات الجيش في نهاية التسعينات لشخصية ذات وزن دولي يمكن أن تفك الحصار الدولي على جنرالات الجيش الذي تلطخت سمعتهم وارتبطت بالقتل والفساد، فكان عبد العزيز بوتفليقة الاختيار الأقل ضررا بالنسبة للجيش فولائه للجيش وللخارج ثابت وحصري وعدائه للإسلاميين لا غبار عليه وتلك الميزة التي على أساسها اختار الجيش عبد العزيز بوتفليقة لكن الجيش سرعان ما ندم عن اختياره هذا لذلك يقول الكاتب صفحة 42 على لسان الجنرال خالد نزار

"que pouvions – nous connaitre de Bouteflika, nous qui avions passé le plus clair de notre temps dans le sud, dans des commandement opérationnels? Nous n’étions quidés que par un seul but: voir notre malheureux pays venir a bout de la crise qui était en train de le terrasser et Bouteflika semblait avoir les capacités techniques pour cette mission.c’est au moment ou Bouteflika tombe le masque qu’il se découvre et que nous le découvrons"

الكتاب جدير بالقراءة فهو يتحدث فضلا عن ذلك عن إشاعات الفساد المالي لدى الرئيس عندما قام بتحويلات مالية عبر السفارات الجزائرية بالخارج عندما كان وزيرا للخارجية وكيف عفا عنه الشادلي بنجديد من التهم الذي لحقت به وكيف غدر به في النهاية ولم ينسى له اعتلائه سدة الرئاسة في سنة 1979 والتي يعتقد عبد العزيز بوتفليقة انه وريثها الشرعي من صديقه وأبيه الروحي الهواري بومدين، الكتاب يسلط الضوء كذلك على العداوة الثابتة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة مع الأمازيغ في منطقة القبايل وكيف قمعهم بوحشية سنة 2001 خلال انتفاضتهم التاريخية كما يتحدث الكتاب عن العداوة التي يكنها عبد العزيز بوتفليقة للمغرب ولوحدته الترابية وهو الذي ولد وترعرع في أحضان المغرب، الكتاب لا يخلو من بعض ذاتيات الكاتب خصوصا وان صاحبه عانى من الملاحقة والسجن في عهد بوتفليقة لكن حقائق مهمة يحتويها الكتاب وتغري بقراءته مرات متعددة.

* * * *

النظام الجزائري من الثورة إلى الثروة
تطلب مني كتابة هذا المقال جهدا كبيرا ووقتا معتبرا لانني كنت مضطرا لأراجع العديد من الكتابات والمذكرات ومنها مذكرات الوزير السابق احمد الطالب الابراهيمي التي ادلى بها على قناة الجزيرة في برنامج شاهد على العصر في تسع حلقات واهمها الحلقة الاخيرة والتي تحدث فيها الوزير والديبلوماسي السابق عن الصراعات المدمرة التي يعيشها محيط الحكم الجزائري خصوصا مع تعطش الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة للرئاسة منذ الرحيل الغامض والمرض المجهول الذي اودى بحياة الراحل هواري بومدين لكن كان للعسكر راي اخر، كما اطلعت على الجزء الاول من مذكرات الطالب الابراهيمي المكتوبة تحت عنوان احلام ومحن (1932-1965) مذكرات احمد الطالب الابراهيمي التي كتبت عن التاريخ الجزائري المعاصر كما شاهدت مذكرات الرئيس الراحل احمد بن بلة الذي توفي في 11 ابريل 2012 ودائما في برنامج شاهد على العصر في اكثر من ثلاثة عشر حلقة والتي اعجبني فيها بكل صراحة قوله في الحلقة الاخيرة: "اذاكنت مخطئا في حق زملائي واصدقائي فاظن بان 15 سنة التي قضيتها في السجن كافية لتريحهم واذا كانوا قد ظلموني واخذوا حقي وسلبوا حريتي فانا مسامح لهم". أتاح لي التنقيب في هذا الموضوع اي موضوع التاريخ السياسي الجزائري المعاصر حقائق مهمة وهي ان الرئيس احمد بن بلة من مواليد المغرب وان النخبة السياسية الجزائرية معظمها مغاربة وان قضية الصحراء التي عكرت صفو العلاقات المغربية الجزائرية كانت صناعة استخبارية جزائرية خالصة للانتقام من الساسة المغاربة وان الجيش الاسلامي المسلح والجبهة الاسلامية المقاتلة بقيادة الزيتوني وغيرهم كانت من صنع الاستخبارات الجزائرية وان العديد من المختطفين والمغتالين في الجزائر تم بأيادي الاستخبارات الجزائرية ولم تكن القوى الارهابية في الجزائر سوى ذرائع وكراكيز تحركها المخابرات الجزائرية كلما ارادت ذلك كما اتاح لي البحث في الموضوع،التعرف على كتابات العديد من الصحفيين الجزائريين المرموقين المحبين لوطنهم إلى حد الهوس والمتطلعين إلى مستقبل جزائري اكثر رحابة واكثر ديموقراطية متمنين ان تزول الغمة الاستبدادية عن سماء الجزائر الملبدة بغيوم الديكتاتورية والقهر والظلم

من الكتابات المهمة التي قرأتها وأهدف من هذا المقال إقحام القارئ في ثناياها وتجاعيدها كتاب الصحفي الجزائري محمد سيفاوي الذي عنونه بالتاريخ السري للجزائر المستقلة وبالفرنسية histoire secréte de l’algérie indépendante Etat-DRS المطبوع في باريس وبالضبط في مطبعة العالم الجديد سنة 2012 وكتاب آخر احث القارئ الكريم على الاطلاع عليه وهو كتاب الصحفي الجزائري هشام عبود الذي عنون كتابه بـ"مافيا الجنرالات" la mafia des generteux المنشور سنة 2002 بمطبعة JC Lattés بفرنسا القاسم المشترك بين الكتابين انهما يحكيان مآساة الجزائر بعد الاستقلال وانقلاب احوال الجزائر من نضال ثوري من اجل التحرر الوطني قاده الوطنيون الاحرار إلى نظام ديكتاتوري فاسد اغتال الثورة واختار نهج مراكمة الثروات بالنهب والسلب والقتل

تشترك كل الكتابات المنتقدة للنظام الجزائري على ان الثورة الجزائرية تم الاستيلاء عليها ومصادرة قرارها منذ انقلاب جيش الحدود على الحكومة المؤقتة وتولي احمد بن بلة مقاليد الحكم من 15 أكتوبر 1963 إلى 19 يونيو 1965مدعوما بالعسكر والمخابرات، وفعلا حكم المرحوم بنبلة الجزائر بعقلية مستبدة وديكتاتورية وقام بتصفية بعض خصومه السياسيين خصوصا وان مقتل خيدر وعبان رمضان واول وزير خارجية جزائري خميستي وكريم بلقاسم والائحة طويلة مازال مجهولا وابعاد الاخرين إلى المنافي في المغرب وفرنسا وتونس وغيرها من البلدان الاخرى لكن سرعان ما انقلب هواري بومدين يوم 19 يونيو 1965 والذي حكم إلى غاية 27 ديسمبر 1978 على رفيقه واستاذه بن بلة وسجنه 15 سنة بالاضافة إلى وضعه تحت الاقامة الجبرية سنة اضافية،فبدأت الثورة الجزائرية تأكل ابنائها وبدأت صراعات الثوار على احتكار السلطة تطفو على السطح وبدأ الرئيس بومدين سياسته القمعية اتجاه الشعب الجزائري واطلق العنان للمخابرات لتحكم الجزائر بيد من حديد إلى حدود ان الرئيس بومدين الزم جميع المواطنين على ضرورة اخد اذن مسبق من الولايات والمقرات الامنية لكل من اراد السفر إلى الخارج اما الحريات الصحفية وحقوق الانسان فلا يمكن الحديث عنها بالبث وبالمطلق و استمر الحال على ماهو عليه إلى غاية عهد الشاذلي بن جديد الذي وصل إلى سدة الحكم سنة 1979خلفا للراحل هواري بومدين -الذي تدهورت صحته بشكل مفاجئ وسريع – فوصل الشادلي بن جديد إلى سدة الحكم بشكل غير متوقع، لانه كان من الشخصيات العسكرية المغمورة ورجحت جميع التكهنات ان يتولى عبد العزيز بوتفليقة زمام الامور نظرا لقربه من هواري بومدين وانتمائهما جميعا لمجموعة وجدة التي سماها البعض بعصابة الثمانية وهي المجموعة التي سيطرت على مقاليد الحكم في عهد بومدين الا ان فيتو العسكر وقصدي مرباح تحديدا ادى إلى اقصاء بوتفليقة بل والضغط عليه للتنازل عن اطماعه السياسية ولو بشكل مؤقت فنهج الشاذلي بن جديد اسلوبا تجفيفيا لكل منابع البومديانية واثارها السياسية وازاح كل كل الخصوم السياسيين من معترك التنافس السياسي على الرئاسة فاقصى عبد العزيز بوتفليقة بعدما هدده بملف مالي يتعلق باموال السفارات والقنصليات بالخارج واقصى قصدي مرباح والاخرون واستقدم الراحل الشاذلي بن جديد الجنرال العربي بلخير الذي سماه المهتمون بالشان الجزائري، صانع الرؤساء لان نفوذه في عهذ الشاذلي كان قويا ومؤثرا واستحوذ على تسيير ملفات كبرى تتعلق بالتجارة الخارجية وبالتسلح وبالعلاقات المغربية الجزائرية المتوترة بفعل الدعم الجزائري الواضح لجبهة البوليزاريو، الراحل الشاذلي بن جديد كما هو معروف اجبر على الاستقالة رغم انه اشار في مذكراته قبل ان يأتيه الاجل المحتوم بأنه استقال من منصبه عن طواعية ولكن حله للبرلمان كان بسبب عبد العزيز بلخادم الذي كان له عداوة متأصلة معه، على كل حال فالرئيس الشادلي بن جديد حل المجلس الوطني الشعبي بعد فوز جبهة الانقاد الاسلامية الجزائرية بالانتخابات البلدية سنة 1990وبالدور الاول من الانتخابات التشريعية سنة 1991 حيث حصلت على اكثر من 187 مقعدا وكانت ستكتسح المجلس التشريعي لذلك ضغط كل من الجنرال توفيق مدين رئيس المخابرات الجزائرية والملقب بتوفيق والجنرال اسماعيل العماري واخرين على الشاذلي بنجديد للاستقالة وحل المجلس مقابل سكوتهم عن التجاوزات المالية لاسرته ولاصهاره، فكان لهم ما ارادوا فدخلت الجزائر العشرية الدموية في التسعينات حيث قتل اكثر من ربع مليون جزائري واصبح القتل العملة اليومية للجزائريين وخرجت الامور من بين ايدي الجنرالات الذي استطاعوا ان يقنعوا الرئيس المغتال بوضياف لانقاد الجزائر من هذه الورطة باعتباره من القادة التاريخيين الذي اصبح صوته مسموعا لكنه رفض عرض الجنرالات لقيادة الجزائر في هذه المرحلة العصيبة الا ان تدخل زوجته و تدخل الملك الراحل الحسن الثاني والضمانات التي اعطيت له جعلته يقبل في النهاية رئاسة الجزائر ولكن اصراره على استرجاع نفوذ المدنيين إلى سدة الحكم و قرارته المتعلقة بالشفافية والنبش في الملفات الشائكة في الجزائر سرعت بمقتله في عنابة من طرف جهاز الاستخبارات الجزائرية كما صرح بذلك السيد احمد غزالي رئيس الوزراء الجزائري في عهد بوضياف وزوجته التي اتهمت الاجهزة الجزائرية مباشرة بتصفية الرئيس بوضياف، توالت الاحدات في الجزائر واستمر الحكم الجزائري في سياسته العدائية والتفقيرية اتجاه الشعب الجزائري مع استقدام الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة المتعطش للحكم من جهة وللانتقام من خصومه السابقين من جهة اخرى، لذلك استمر الحكم الجزائري في الاستبداد والفساد واستحكم العسكر في الحياة السياسية وقمع كل التحركات السياسية والمدنية وزورت الانتخابات التشريعية والرئاسية وابطلت الحياة السياسية إلى يومنا هذا،ومع اعتزام الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية رابعة يبقى التساؤل الملح دائما متى تحقق الجزائر ربيعها الديموقراطي؟ متى يستطيع الشعب الجزائري تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟ متى ستصبح الدولة الجزائرية دولة ديموقراطية تحترم تضحيات شعبها مند الاستقلال إلى اليوم؟ الشعب الجزائري شعب عظيم وتاريخه مجيد و ثرواته مهمة لكن حكامه ما زالوا يحكمون شعبهم بمنطق القمع والتحكم، اليس في الشعب الجزائري احسن من بوتفليقة؟ الا يستحق الشعب الجزائري الكرامة والحرية واستغلال مقدراته الطبيعية في التنمية والديموقراطية والعيش الرغيد بدل التسلح المفرط واستعداء الجيران وتفريخ الارهاب؟ هذه من الاسئلة التي اشاطر فيها الراي مع مجموعة من الصحافيين والسياسيين الجزائريين الذين اختاروا العيش في المنافي والاغتراب على العيش أذلاء مقهورين في وطنهم الذي انهكته سياسة الجنرالات واستبداد الرؤساء.

* * * *

بداية نهاية اسطورة البوليساريو
تعتبر حركة البوليساريو من مخلفات الحرب الباردة وشكلت ورقة في ايادي اقليمية ودولية للضغط على المغرب والمنطقة المغاربية عموما لمنع اي تقارب جدي وفعال بين الدول المغاربية وعطلت الاندماج المغاربي ونشرت حركة البوليساريو الشقاق بين المغاربة والجزائريين وبين المغاربة والليبيين، اذ ان اي تقارب اقتصادي وسياسي بين الدول المغاربية سيشكل قطبا اقليميا فاعلا في القضايا الدولية
,فالمغرب وتونس كبلدين فلاحيين رائدين يمكنهما تغطية الاحتياجات الفلاحية والغذائية للدول الخمسة بسهولة فائقة،كما ان تواجد الغاز الجزائري والبترول الليبي ومعادن موريتانيا يمكن ان يكفي الدول الخمس في احتاجاتها الطاقية، فمن يعطل الاتحاد المغاربي اذا ومن له مصلحة بقاء الدول الخمسة مشتتة تسعى كل واحدة منها على حدة استجداء المساعدات وتخصيص ثرواتها الهائلة من اجل شراء اسلحة اوروبية وامريكية قديمة ومغشوشة بدعوى التصدي لمناورات الخصوم اي الجيران، فقد حطمت المغرب والجزائر ارقاما قياسية في التسلح على الصعيد الافريقي، وكان هذا على حساب قوت وكرامة الشعبين وكان المستفيد الاكبر من هذا الجو المكهرب هو شركات التسلح العالمية التي عانت كسادا ماليا كبيرا منذ سنة 2008 وتسعى اليوم جاهدة إلى توتير وتثوير الاجواء الدولية والاقليمية،من اجل بيع مخزونها من الاسلحة الغير صالحة اغلبها للاستعمال، ولكن لماذا انطلت الحيلة والخدعة على نخب وسياسيو الشعبين المغربي والجزائري؟

اي تقارب مغربي جزائري واي اتحاد مغاربي لابد ان يكون هدفه انهاء اسطورة البوليساريو اولا لان البوليساريو كحركة ارهابية وجدت لتعكير اجواء المصالحة المغربية الجزائرية من طرف منظري وخدام الحرب الباردة فلنتذكر جميعا ظروف نشاة البوليساريو ومن انشأها ولأية غايات؟ البوليساريو انشئت في اطار الصراع السياسي والايديولوجي تحديدا بين نظامي الحسن الثاني وهواري بومدين الاول كان تابعا للمنظومة الراسمالية الدولية بزعامة فرنسا والولايات المتحدة والثاني كان تابعا للاتحاد السوفياتي والصين بدرجة اقل ولكن بعد نهاية الحرب الباردة لم يقم المجتمع الدولي بما فيه الكفاية لمحو اثار الحرب الباردة المدمرة على الشعبين المغربي والجزائري فبقيت قضية استكمال الوحدة الترابية المغربية من ضحايا الصراع الايديولوجي والسياسي الدولي بين المعسكرين وخلقت البوليساريو لتقوم بمهمة تعطيل المسلسل التنموي للمغرب وورقة ضغط على النظامين لتحقيق مصالح الدول الكبرى. لكن اليس الوقت اليوم مناسبا لتجاوز هذا الابتزاز الذي تشكله جبهة البوليساريو للنظامين وللشعبين؟

ثانيا في احدث تقرير لمنظمة هيومان واتش رايتس حول مخيمات تندوف وممارسات القيادة الابدية للبوليساريو، سلطت المنظمة الضوء على وجود انتهاكات صارخة لحقوق الانسان في المخيمات وعلى انعدام شروط الحياة الكريمة للاطفال والنساء والمسنين ووقفت على انتهاكات حرية التعبير والتجمهر والرأي المعارض وعلى وجود اختطافات واعتقالات واغتصابات جماعية للنساء وممارسات غير مقبولة شرعا وقانونا، وكل هذه الممارسات تحدث فوق اراضي الجزائر –البلد المستضيف- وبعلم مسبق بتفاصيلها مما يدل دلالة قاطعة على ان الاسطوانة الكاذبة التي يكررها ساسة الجزائر بانهم لايتدخلون في قرار جبهة البوليساريو وليسوا طرفا في الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو عار عن الصحة، الحقيقة هي ان الجزائر طرف رئيسي في نزاع الصحراء وتحتضن على اراضيها جبهة مارقة وارهابية وهي وفق القانون الدولي تتحمل مسؤولية ما يجري على اراضيها من انتهاكات صارخة لحقوق الانسان، فلماذا يصر ساسة الجزائر على اشعال نار الفتنة بين الشعب الجزئري والشعب المغربي؟ لماذا لا يفكر ساسة البلدين في استثمار الاموال المهدورة في السلاح والصراع الاستخبارتي في تمويل التنمية والتعليم والصحة والتشغيل؟

هل تملك جبهة البوليساريو مقومات انشاء دولة مستقلة في الصحراء وقيادتها الهرمة لا تستطيع حتى قيادة المخيمات؟، فهي قيادة متسلطة فاسدة لا تسمح للآراء الأخرى المناوئة لها بالظهور وتعاقبها بالسجون والقتل والترهيب، فمعتقلات الجبهة مليئة اليوم بمعتقلي خط الشهيد وهو تيار معادي لقيادة الجبهة وينتقد فساد قيادييها وتلاعبهم باموال المساعدات الدولية الممنوحة من طرف المنظمات الدولية، كما ان ربيع مخيمات تندوف جوبه بالقمع والقتل ولعل ما حدث لشباب التغيير في المخيمات دليل قاطع على ان جبهة البوليساريو تخطط لانشاء دولة قهرية مستبدة لاتحترم حقوق الانسان اما ما حدث للاسرى المغاربة المحتجزين لدى الجبهة لعقود من الزمن وحكاياتهم الاسطورية عن ما عانوه وقاسوه من تعذيب وتنكيل من طرف مجرمي البوليزاريو فهو وصمة عار على جبين الانسانية لكن عجز المجتمع الحقوقي الدولي عن جلب المجرمين إلى ردهات المحاكم الدولية ومعاقبتهم على الجرائم البشعة التي ارتكبوها، وانا في الحقيقة لا اعلم واستغرب لماذا لم يقم المغرب برفع دعوى دولية في محكمة الجنايات الدولية ضد قيادات البوليساريو جراء الانتهاكات والجرائم التي اقترفوها ضد الاسرى المغاربة ضدا على اتفاقيات جنيف وضدا على الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان؟ فهل يسعى المجتمع الدولي عبر صمته على جرائم البوليزاريو تبرير قيام دولة ارهابية فاشلة في خصر الاتحاد المغاربي؟؟

ان الملك محمد السادس في خطابه ليوم 6 نونبر 2014 بمناسبة عيد المسيرة الخضراء كان محقا عندما فرق بين الشعب الجزائري الشقيق والنظام الجزائري المتآمر ضد الوحدة المغاربية وضد حقوق المغرب في الاستقرار والامن لذلك فنحن كمغاربة عبرنا دائما عن احترامنا وتقديرنا للشعب الجزائري وقواه المدنية الحية و املنا كبير في ان نصنع اتحادا مغاربيا يحترم التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك بيننا كشعوب تواقة إلى التنمية واللحاق بركب المجتمعات المتقدمة، هذه الاماني والطموحات النبيلة لا يمكن ان تكون الا باحترامنا المشترك لحقوق غيرنا وان نقوي اواصر التعاون والاخوة بيننا على جميع الاصعدة،وليس بنشر خطاب الحقد والكراهية كما تفعل للاسف الشديد بعض المنابر الاعلامية والقنوات التلفزية الجزائرية التي تخصصت في سب وشتم المغاربة إلى حدود غير مستساغة منها ان المغرب مثلا طلب تأجيل تنظيم فعاليات كاس افريقيا للامم في نسختها الثلاثين لسنة 2015 بدعوى خوف المغرب من فوز المنتخب الجزائري بكاس افريقيا متناسية ان في المغرب ملك وحكومة وشعب يهتمون بصحة المواطنين ومأتمون على مستقبلهم، لذلك اعتبر شخصيا ان قراربلدي في عدم تنظيم الكان موقف تاريخي ووجيه ومسؤول لان صحة المواطن فوق كل اعتبار، اما وقد قررت غينيا الاستوائية تنظيم كان 2015 فنحن ننتظر ان تؤول الكاس للجزائر ولا ضير ولا حنق في ذلك، لكن لا يجب ان ننسى بان كرة القدم مثلها مثل الحياة لا تعترف بالمعادلات الرياضية المجردة رغم اهميتها بل للميدان لغته الاولى والاخيرة. ولكن الاحرى بالاعلام الجزائري ان يتحرى الصدق ويخاطب شعب الجزائر بالعقل ويروم نشر الوعي الحقيقي وليس الزائف، فالمغرب ليس عدوا للجزائر بل عدو المغرب والجزائر معا هو الفقر والامية والمرض والتخلف والاستبداد، فمتى استطعنا ان نهزم هؤلاء فقد نستطيع حينئذ ان نفوز بكاس الدول الملتحقة بركب التطور والديموقراطية وهي اعظم هدية يمكن ان نورثها للاجيال المقبلة.

* * * *

لماذا يعادي النظام الجزائري شعبه وجيرانه؟
الشعب الجزائري شعب شقيق وعزيز على قلوب كل المغاربة،
هذه حقيقة عاطفية ترقى إلى البداهة والمسلمات، وأدلة هذا التناغم المغربي الجزائري كثيرة منها ما هو تاريخي كالدم المشترك بين المقاومة المغربية والمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي والتضحيات الكبيرة التي بذلها المقاومون المغاربة من أجل استقلال الجزائر ووحدته ومنها المصير المشترك والتاريخ المشترك والروابط الثقافية والعقدية المرسخة عبر التاريخ بين الشعبين، لكن الأنظمة الجزائرية الجاثمة على الشعب الجزائرية منذ استقلاله السياسي، للأسف الشديد جعلت معاداة المغرب ووحدة أراضيه والتلاعب باستقراره الداخلي مواد انتخابية للمزايدة بين أطياف الحكم الجزائري على من يعادي المغرب أكثر؟ فهل يستحق الشعب المغربي كل هذه الكراهية من الجيران الجزائريين؟ وهو الذي نهج سياسة خارجية متوازنة ومعتدلة وأحيانا خجولة في تعاملها مع تهجمات الخارج.

 لابد لكل مؤمن بالوحدة المغاربة حاضرا ومستقبلا، وبالمصير المشترك للشعوب المغاربية، التي يجب أن تكون مؤهلة للانخراط في حوار متكافئ ومصيري مع الشعوب المتوسطية التي تعتبر الوجهة الصحيحة التي تنتج الحضارة اليوم في العالم وتأسر بقوتها الاقتصادية وديمقراطيتها السياسية قلوب وعقول شعوبنا التواقة إلى الوحدة الاقتصادية والسياسية المبنية على الديمقراطية الفعلية واحترام حقوق الإنسان، وتنمية الإنسان وتأهيل المجتمع، إلا أن يحتار أمام تقاعس أنظمتنا في البدء في تفكير عميق و مستقبلي حول الوحدة المغاربية والعوائق الحقيقية التي تقف في طريقها؟

إن النظام الديكتاتوري الجزائري يبقى هو العقبة الحقيقية أمام هذه الوحدة المأمولة والسبب واضح للعيان وهو أن النظام الجزائري يخاف من تنفس الجزائريين لنسمات الديمقراطية المغربية الناشئة ولو أنها ما تزال في بداياتها تحبو كالطفلة الصغيرة في سنينها الأولى، كما يرتعد النظام الجزائري من ثورة الشعب التونسي الذي حطم أسطورة الدولة البوليسية واستأسد في ساحات الحرية في تونس حتى هرب بن علي ومن معه، رغم أن نظام بن علي لم يكن يعادي الوحدة المغاربية نفس عداء النظام الجزائري.لكن لابد لجنرالات الجزائر أن يعلموا علم اليقين بأن مراهنتهم على القبضة البوليسية وعلى اصطناع أحداث إرهابية وتخويف المجتمع الدولي بالجماعات الإسلامية قد انتهى ذلك الزمان، الذي يستبح فيه جنرالات الشعب الجزائري دماء شعبهم من اجل صفقات أسلحة ومن اجل عمولات يتقاضونها مقابل إشعال نيران الحرب الدموية بين أبناء البلد الواحد؟ إن الشعوب المغاربية اليوم أصبحت تدرك وبشكل ملموس بأن الشعب المغربي يريد فتح الحدود مع الشعب الجزائري الشقيق لكن الإرادة العسكرتارية الماسكة بزمام الأمر والنهي بالجزائر لها رأي آخر وهو اعتقال وسجن الشعب الجزائري في بقعة جغرافية محددة مع إشاعة مغالطات و أكاذيب تتعلق بمواقف الشعب المغربي وتوجهاته، ويتم حتى استغلال الكتب المدرسية الجزائرية التي تنضح اليوم بمعاداة المغرب والمغاربة وفبركة معارك وهمية في التاريخ بين الشعبين المغربي والجزائري من اجل خلق مواطن جزائري حاقد على المغرب والمغاربة؟

إن الشعوب المغاربية تدرك اليوم بأن شحنات كبيرة من الأسلحة استوردها النظام الجزائري لفائدة النظام التونسي البائد واستغلت لقمع المتظاهرين وقتلهم، ويكفي أن نراجع الاعترافات الخطيرة لبعض الأجهزة الأمنية الاسبانية والفرنسية التي اعترفت بشراء النظام الجزائري لأسلحة بعضها محضور دوليا لقمع انتفاضة الشعب التونسي، ويمكن في هذا الصدد مراجعة الصحف الفرنسية التي كتبت عن هذه الفضيحة في مارس الماضي وخاصة صحيفتي العالم الديبلوماسي الشهرية وle nouvel observateur ألم يكتب أحد جنرالات الجزائر كتابا مدويا تحدث فيه عن جرائم النظام الجزائري ومؤامراته ضد الشعب الجزائري والشعوب الجيران وهو بعنوان  les sales boulots"  أما في ما يخص تورط النظام الجزائري في ذبح ثوار ليبيا اليوم ومساندته للعقيد المجرم ألقذافي فتلك فضيحة كشفها الثوار أنفسهم بعض أسرهم لعدد من المرتزقة الذي جندتهم الاستخبارات الجزائرية للدفاع عن خط الديكتاتورية الأخير في المنطقة المغاربية؟

معاداة النظام الدموي الجزائري للمغرب عبر استهداف وحدته الداخلية وزرع الشوك في طريق الديمقراطية المغربية عبر احتضان مرتزقة البوليساريو التي تنتهك يوميا على مسمع وأمام مرأى المنتظم الدولي أبشع الجرائم الإنسانية ضد الأطفال والنساء والشيوخ، ولدي شخصيا شهادات لسجناء سابقين لدى جبهة البوليساريو تؤكد كلها الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الجنرالات الجزائريين وإذنابهم من البوليساريو في حق أناس أبرياء عزل قذفت بهم رياح البحث عن الكلإ لماشيتهم أو جنود مأمورون إلى جحيم معتقلات يستحيل أن يصدق الإنسان ما يجري بداخلها من تعذيب ومهانة وحرمان وظروف مهينة، ويستحيل أن يكون الجلادين المشرفون على التعذيب فيها ينتمون إلى أي دين من الديانات السماوية المعروفة، لكن للأسف الشديد فبعض جلادي الأمس في البوليساريو أصبحوا اليوم قيادات سياسية وأمنية بارزة في المغرب، وتلك إهانة لنا ولدولتنا أن يصبح الجلاد حرا طليقا والمعتقل الأسير عبئا على أسرته وذويه،" و لكن الله يمهل ولا يهمل " هذه المعاداة هي في الحقيقة انتقام من المغرب ومن تطوره الديمقراطي الوليد ونهجه الإصلاحي المتدرج رغم الإمكانات الطبيعية المحدودة التي حباه الله بها مقارنة مع الجارة الجزائر التي تحتوي على ثروات غازية ونفطية مهمة، تذهب عائداتها إلى التسلح وأدوات قمع الشعب المسماة خطأ مكافحة الشغب وإلى جيوب جنرالات السكر والزيت والغاز مستفيدين اليوم من ضعف مؤسسة الرئاسة واستحواذ الجناح الاقصائي في الدولة بقيادة ويحي على جميع مفاصل الدولة بعد تقهقر الحالة الصحية للرئيس الجزائري بوتفليقة الذي يمثل جناح الحمائم داخل تجمع الصقور ولم يعد صوته المعتدل يظهر أمام غابة التطرف والهنجعية التي سيطرت على الجزائر وباتت تكن للمغرب والمغاربة والمغارب حقدا دفينا.

 فمرحبا بالشعب الجزائري في بلده المغرب، ودليل محبتنا لكم سترونه في استقبال فريقكم الوطني لكرة القدم في العاصمة التاريخية للمغرب والمغاربيين مراكش عاصمتنا المشتركة أيام الموحدين والمرابطين.

* * * *

من أجل محاكمة دولية لقادة البوليساريو والجزائر، إنصافا وتكريما للأسرى المغاربة
معاناة الاسرى المغاربة في سجون الذل والعار لدى البوليساريو والجزائر لا يجب ان تنسى، بل يجب ان يستحضر المؤرخون والساسة المظالم الكبرى التي تعرض لها الاسرى المغاربة الذين قضوا زهرة شبابهم في العمل الشاق والتعذيب والتنكيل والقتل احيانا، ولما لا ينشئ المغرب مراكز درسات خاصة للشباب الباحث عن تحصين الذاكرة الجماعية المغربية المشتركة والتي يجب ان تتضمن ما عاناه الاباء والاجداد في سجون البوليساريو والجزائر دفاعا عن حوزة الوطن رغم قلة الحيلة والامكانيات، في اطار تحصين هذه الذاكرة الجماعية وكشفا للحقائق المنسية للاجيال المقبلة ,اصدر الاسير المغربي المحرر الكابتن ميمون الزكاي كتاب ضمنه مذكراته كاسير حرب اختطف واعتقل في ساحة الشرف بعدما اصيب اصابة بليغة ولم يستطع الجيش المغربي انقاذه بعدما تعرض لكمين، والكتاب باللغة الفرنسية من منشورات دار ابي رقراق وعنوانه بالفرنسية «le miraculé de tindouf ,memoires d’un prisonnier de guerre (1976-2003)»

الكتاب تناول تجربة انسانية مؤثرة عاشها المؤلف بمعية الاسرى المغاربة الاخرين المعتقلين في صفوف البوليساريو، ومن هذه التجربة الابداعية الصامدة التي نقلها لنا الكتاب نستخلص خمس عناصر اساسية ومهمة تطرق لها الكتاب

العنصر الاول:

التسليح المغربي كان ضعيفا مقابل التسليح الجزائري المدعوم بالاسلحة الروسية وخاصة صواريخ سام التي اسقطت العديد من الطائرات المغربية المقاتلة من طراز ميراج 1 وكذلك البوليساريو استفادت من الخبرة العسكرية الكوبية والامكانات المالية الليبية والقوة الديبلوماسية الجزائرية كله هذه العناصر ساهمت في ثقل الفاتورة الانسانية التي سددها الجنود والضباط المغاربة.

العنصر الثاني:

التعذيب الذي تعرض له المغاربة كان اكثر شراسة منه من جانب قوات البوليساريو الذين تعاملوا بمنطق الانتقام والتصفية الاثنية فيما كانت معاملات الجزائريين ارحم في بعض الاحيان وهنا يحدثنا الاسير ميمون الزكاي عن المعاملة الطيبة التي تلقاها من الكولونيل المهدي الطبيب المسؤول عن المستشفى العسكري بالجزائر وكذلك من بعض الجزائريين زوار المستشفى فيما لاقى جميع صنوف التعذيب من جلادي البوليساريو كأن هناك تقسيم للادوار بين قيادة البوليساريو والجزائر.

العنصر الثالث:

الأسرى المغاربة استغلوا أبشع استغلال في الأعمال الشاقة وفي بناء البنية التحتية لمخيمات تندوف كما تم استغلال اعدادهم الكبيرة التي تقدم للزوار الدوليين من رؤساء بعض الدول وللصحافة الدولية الموالي اغلبها للبوليساريو للحصول على المزيد من الدعم المالي واللوجيستيكي بذريعة دعم المخيمات فيما تذهب هذه المساعدات إلى جيوب المسؤولين الجزائريين والبوليساريو التي ملئت وأودعت في البنوك الأوروبية، المعاملة التي تعرض لها الأسرى المغاربة منافية لاتفاقية جنيف الخاصة بالأسرى ويجب ان تكون موضوع مساءلة دولية.

العنصر الرابع:

المجتمع المدني والسياسي المغربي لم يلعب دوره المنتظر منه في التعريف بقضية الاسرى المغاربة وظروف احتجازهم في الوقت الذي اهتم فيه بتنظيم مسيرات كبرى حاشدة دعما لشعوب اخرى وهذا التقصير في الدفاع عن الاسرى المغاربة كان له تداعيات كبرى بالنسبة للمدة الكبيرة التي قضاها الاسرى المغاربة في سجون البوليساريو قبل ان يعلن وقف اطلاق النار في التسعينات الذي مهد للعمليات الاولى لاطلاق سراح بعض الاسرى المغاربة فيما بقي البعض الاخر ينتظر اكثر من عقد آخر.

العنصر الخامس:

الدبلوماسية المغربية كانت مقصرة جدا ومشلولة في تعاطيها مع قضية الاسرى المغاربة في المحافل الدولية لذلك لم نسمع عن تقديم اية توصية لها بخصوص الاسرى لا في مؤتمر جنيف لحقوق الانسان 2003 ولا في اي محفل دولي اخر، رغم ان الجرائم التي ارتكبتها قيادة البوليساريو والجزائر ثابتة ثبوتا قطعيا ومنصوص عليها في قواعد الجزاءات الدولية اي انها تصلح لان تكون أداة سياسية ديبلوماسية فعالة يواجه بها المغرب خصومه السياسيين في الساحة الدولية.

لذلك نتساءل بحيرة مريبة لماذا لم يلجأ المغرب حكومة واحزابا سياسية ومجتمع مدني إلى رفع دعاوى قضائية دولية في المحاكم الدولية ضد قادة عصابات البوليساريو والجزائر؟ ولماذا اتخذ المغرب دائما دور المدافع المهادن حينما يتعلق الأمر بحقوق أبنائه المعتقلين والأسرى لدى خصومه التاريخيين؟

ان محاكمة قادة البوليساريو في المحاكم الدولية اصبحت قضية ملحة لان جميع الروايات التي اوردها الاسرى المغاربة تعطينا اسماء جلادين معروفين منهم رئيس الجمهورية الوهمية محمد بن عبد العزيز ووزير دفاعه البوهالي ورئيس الامن الذي التحق بالمغرب وكرم تكريما حاتميا في الوقت الذي عذب العديد من الاسرى المغاربة على يديه الملطختين بالدماء؟؟ البوليساريو قتل وعذب واهان الاسرى المغاربة والاجانب وخاصة الموريتانيين الذي اشتركوا مع المغاربة في نفس المحن وذاقوا نفس صنوف التعذيب وقادته يتجولون في اوروبا معززين مكرمين وهذا غير معقول لا منطقا ولا قانونا، بل هناك من الدول الاوروبية الديموقراطية من يدافع عنهم وهذا راجع بالاساس إلى قوة الاعلام المضاد الذي تستخدمه بفعالية قيادة البوليساريو في الخارج والتي تتقمص بنجاح إلى حد الان دور الضحية والحمل الوديع، كل هذه المعطيات وما خفي اعظم تترافق مع ديبلوماسية مغربية هرمة ومشلولة وبعيدة عن تحمل مسؤولياتها للدفاع عن المصالح الحيوية العامة للمغرب وتعطي للراي العام العالمي رؤية واضحة عن حقوقنا التاريخية في الصحراء و مدى احترام المغرب لحقوق الانسان في هذه الاراضي المسترجعة حديثا من الاستعمار، لكن ضعف الديبلوماسية المغربية الرسمية واقصاء الديبلوماسية الشعبية الحقيقية المناضلة عن حق واقتناع اقصاءا تاما من جميع المبادرات الدولية التي من شانها التعريف بالوجه المشرق والمشرف للمغرب يجعل المسؤولية دولتية مئة بالمئة، فالجمعيات المغربية المدافعة عن حقوق الانسان لم تقم بدورها المنوط بها في جانب الدفاع عن حقوق المغرب وعن حقوق الاسرى قديما وحديثا لان الصحراء وقضيتها كانت ضمن الجانب المحفوظ والمحتكر من طرف اقلية داخل دواليب الدولة اتخدت منه في بعض الاحيان مطية للحصول على امتيازات ومساومات على مصالحها، ولنا عودة إلى قضية الصحراء بالتفصيل و وجهة نظرنا فيه في مقال اخر

فتحية للاسرى المغاربة المحررين، الذين لو لا تضحياتهم الاسطورية ومعاناتهم السرمدية لا ما عرفنا خصومنا الحقيقيين ولما عشنا موحدين في مغرب قوته الوحدة في التنوع، اصلاح الوضعية المادية وتكريم ابطالنا المحررين واجب وطني لان ما لقوه من صنوف التعذيب والاهانة والقتل لم يكن من اجل امجاد شخصية بل كان بدافع الوطنية الصادقة و الدفاع عن الحقوق الترابية للمملكة المغربية فهل جزاء الاحسان الا الاحسان.

* * * *

متى يتحرك المنتظم الدولي لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بتندوف؟؟
De nos jours ,dés qu’une personne dénonce le pouvoir ,on demande si elle se livre a la prière.Si elle est pratiquante , pas besoin d’aller plus loin.c’est un intégriste manipulé par l’Iran , le Pakistan ou le Soudan.un terroriste «

Hichem Aboud la mafia des généraux p 172

الزيارات التي قام بها العديد من الصحفيين والسياسيين المغاربة لمخيمات تندوف واخرها زيارة الوفد الشبابي الاشتراكي الدولي كشف عن وضعية انسانية مؤلمة يعيشها المغاربة المحتجزون في تندوف امام مرأى ومسمع العالم، ففي الوقت الذي تنادي فيه البوليساريو والجزائر بتغيير مهام المينورسو واضافة مهمة مراقبة حقوق الانسان لمهامها المحددة اصلا في مراقبة وقف اطلاق النار والمساهمة في خلق جو الثقة بين الاطراف المتنازعة وكذا السهر على تخليص المنطقة من الالغام وتنظيم زيارات عائلية لجمع شتات الاسر المغربية المشتتة بين تيندوف والمغرب، سعى اللوبي الجزائري لدى دول العالم مستقويا بالمال الناتج عن الطفرة النفطية والغازية التي تعرفها الجزائر بفعل ارتفاع اسعار البترول في الاسواق العالمية واستمالة للدول التي عقدت معها الجزائر صفقات التسلح المتضمنة لشراء المعدات والاليات العسكرية التي تبلغ قيمتها مليارات من الدولارات ولا ننسى بأن الجزائر هي الثالثة افريقيا هذه السنة من حيث شراء الاسلحة بتكلفة مالية تناهز 2مليار دولار، كل هذه المعطيات ساعدت اللوبي الجزائري على خلق بلبلة على مستوى مجلس الامن الدولي كادت ان تعصف بالجهود الكبيرة التي بذلها المنتظم الدولي لاكثر من ثلاث عقود من اشرافه على هذا النزاع المفتعل والموروث من الحقبة الاستعمارية. المجتمع الدولي قام بمجهودات كبرى من اجل تطويق تداعيات هذا النزاع الدولي الذي طال امده ويظهر ذلك جليا في عدد من القرارات الهامة التي اصدرها مجلس الامن ومنها:

_ القرار رقم 690 لسنة 1991 الذي تم بموجبه خلق المينورسو والتي حدد لها القرار مهمة وضحة هي السهر على وقف اطلاق النار.

_القرار 1754 لسنة 2007 والذي ثمن بموجبه مجلس الامن المبادرة المغربية للحكم الذاتي كما ورد في نص القرار الاممي "وإذ يحيط علمــا بالمقترح المغربي الــذي قــدم إاﻷمين العــام 11 نيــسان/أبريــل 2007، وإذ يرحــب بــالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمسؤولية والمصداقية والراميــة إلى المضي قــدما بالعملية صوب التسوية "

وقرارات اخرى مثل 1783لسنة 2007 و1813 لسنة 2008 و1871 لسنة 2009 1920 لسنة 2010 و1979 لسنة 2011 و2044 لسنة 2012 والقرار الهام 2044 لسنة 2013 والذي سبق اقراره صخب اعلامي وحراك ديبلوماسي غير مسبوق بعدما تسرب من كواليس مجلس الامن الدولي امكانية مراجعة مهام المينورسو لتشمل حقوق الانسان. في الواقع دخل موضوع حقوق الانسان بقوة في الصراع المغربي الجزائري باعتبار ان جبهة لبوليساريو في الحقيقة ليست سوى ألعوبة في ايدي جنرالات الجزائر لذلك من المفيد ان نسمي الاشياء بمسمياتها، الصراع حول الصحراء المغربية صراع جزائري مغربي صرف، استعمال حقوق الانسان من طرف الجزائر و البوليساريو من اجل الضغط على المغرب اسطوانة مشروخة ومسرحية لم تعد تسلي الكثيرين من صناع السياسة الدولية في مراكز القرار، كان ممكنا للجزائر والبوليساريو ان تستعملا ملف نبيل كملف حقوق الانسان قبل العولمة التكنولوجية وثورة الاتصال التي يعرفها العالم حيث يكتفي مواطنو العالم بسماع الاخبار من اذاعة رسمية واحدة وموجهة اما اليوم فالعالم باسره يعرف بأن حقوق الانسان منتهكة في الجزائر وتندوف اكثر منها في المغرب، هذا لايعني ان بلدي المغرب جنة فوق الارض واننا كمغاربة ننعم بالديموقراطية الالمانية او حتى الامريكية لا ابدا في بلدي المغرب ما تزال هناك انتهاكات لحقوق الانسان مايزال القمع يمارس على المعطلين وعلى العمال وعلى الفئات المهمشة ماتزال حقوق النساء مهضومة ماتزال الامازيغية تنظر الخلاص من حكومة لا تريد للامازيغية ان تحظى بمكانتها المرموقة كما هو منصوص عليه دستوريا هذا لا ريب فيه ولكن في بلدي المغرب ملك همام استطاع ان يطوي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في اطار مقاربة الانصاف والمصالحة وان يقيم مؤسسات واليات حقيقية لحقوق الانسان مثل المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي له من المهام الحقوقية الشئ الكثير وقيادته مناضلة بامتياز فرئيسه ادريس اليازمي كان من الاعضاء البارزين في الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان بل كان رئيسا سابقا لها وكان من الذين عانوا من سنوات النفي والاغتراب بسبب مواقفه السياسية، كذلك امين العام المجلس المحامي المناضل الصبار احد اوجه اليسار المغربي الذي عانى من ويلات الاعتقال والقمع وهو من سليل العائلة الحقوقية للجمعية المغربية لحقوق الانسان قبل ان يصبح رئيسا لمنتدى الحقيقة والانصاف وهو منتدى يجمع ضحايا سنوات الرصاص والقمع ببلادنا،في بلدي كذلك مؤسسة الوسيط التي تحكم بين الادارة والمرتفقين وتمنع تغول الادارة وجبروتها، في بلادي خطة وطنية لاصلاح العدالة والقضاء وهي خطة طموحة التقت فيها ارادة الملك محمد السادس الذي يؤمن بأن العدل اساس الملك وان الحقوق والحريات ضمانة اساسية للاستقرار والتنمية ولا يمكن ان نبخس الناس اشياءهم ففي المغرب اليوم وزير عدل من احسن وزراء العدل الذي عرفهم المغرب في اعتقادي المتواضع ليس تكوينا وثقافة قانونية فقط ولكن أخلاقا ونظافة يد وعمق ايمان بالمغرب، اقول هذا وانا من اشد معارضي الخط السياسي الذي ينتمي اليه الاستاذ المحامي الرميد، ولكن الموضوعية والتجرد تقتضي مني ان اقول بان الاستاذ مصطفى الرميد ابلى البلاء الحسن في مجال اصلاح القضاء، هذا بلدي المغرب الذي اتشرف بالانتماء اليه، الارادة الحقوقية فيه للتغيير نحو الافضل تابثة وحرية التعبير فيه متوفرة إلى حد كبير، فدعاة الانفصال من ابناء بلدي لهم حرية التصرف والتنقل ولهم حق الدفاع عن انفسهم امام المحاكم ولهم جوازات سفر يسافرون بها خارج المغرب لسب المغرب والتهجم عليه هذه هي الحقيقة ولكن في المغرب كذلك تجاوزات حقوقية واحكام جائرة ومنافية لحقوق الانسان ولكن تصدى لها المجتمع الحقوقي بالمغرب بكل حرية وفاعلية، فهل يستطيع المواطن المغربي المحتجز في تيندوف ان يعبر عن رايه بحرية وان يعود إلى بيته سالما معافى بعد ذلك؟ في مخيمات الذل والعار بتندوف ترتكب فضاعات وجرائم يندى لها الجبين، استغلال بشع للاطفال واعتبارهم دروع بشرية يساومون بها اولياء امورهم، استغلال جنسي للفتيات واغتصابات يومية وقتل عشوائي للبشر، لماذا لا تفتح جبهة البوليساريو سجونها للمنظمات الدولية كما يفعل المغرب؟ اليس المنتظم الدولي مقصرا بل مشاركا في التستر على جرائم البوليساريو المرتكبة في حق المواطنيين المغاربة؟ لماذا سكت المنتظم الدولي عن المقابر الجماعية التي روى عنها الاسرى المغاربة في سجون الرابوني والكلتة وغيرها من السجون السرية قصصا مروعة تذكرنا بسجون ابوغريب؟ لماذا لم تقترح الديبلوماسية المغربية على المنتظم الدولي لجنة تحقيق دولية في نهب المساعدات الانسانية واعادة بيعها من طرف اغنياء الحرب من البوليساريو امثال محمد عبد العزيز وابراهيم غالي واحمد البطل وغيرهم من مجرمي الحرب الذين اغتنوا من بؤس وشقاء ومعاناة المغاربة المحتجزين في تندوف؟ لماذا لم يبادر مجلس النواب المغربي إلى طلب الاتحاد البرلماني الدولي لزيارة مخيمات تندوف والوقوف عن كثب على معاناة المغاربة هناك؟

المجتمع الدولي مطالب في اطار حرصه على استقرار المنطقة المغاربية على حل قضية اللاجئين المغاربة المحتجزين في تندوف والممنوعين من التفكير الحر المغاير لما تفكر فيه قيادة جبهة البوليساريو التي لا تتواني منذ تاسيسها في فبراير 1976 في ارتكاب المجازر والفضاعات ضد المخالفين لها في الرأي بل كان مصطفى الوالي السيد مؤسس البوليساريو او ضحاياها حيث ماتزال ملابسات اغتياله في موريتانيا لغزا محيرا وسرا من اسرار الدولة، اذا لم يتدخل المجتمع الدولي ستكون المنطقة برمتها بؤرة انتشار الارهاب والعنف والسلاح المشتت وسينتقل الدمار إلى كل بقاع العالم وسيعيد العالم تجربة ابن لادن باخراج جديد واكثر مأساوية. اذا كانت الجزائر تطلب من المغرب احترام حقوق الانسان في الاقاليم الجنوبية المغربية فالاحرى بالجزائر ان توقف دعمها للجماعات الارهابية التي تنشط في الساحل والصحراء والتي تهدد استقرار الدول الجارة لها فهي من تدعم التيارات المتطرفة بتونس وهي من استولت على الاموال التي هربها ألقذافي إلى الجزائر ايام قليلة قبل سقوطه واحتظنت مرتزقة القذافي وهي من يزرع الفتنة بين الفصائل المالية وتحرض بعضها على الانفصال هي من دبرت قلاقل واضطرابات في الصحراء المغربية وهي التي اليوم تساند المجرم بشار الاسد في عدوانه على الشعب السوري هذه هي الجزائر نفسها التي لا تترك فرصة تمر دون ان تحاول النيل من استقرار ووحدة المغرب، اليست الجزائر هي التي قتلت محمد بوضياف بعنابة سنة 1992خوفا من تقارب بينه وبين الراحل الحسن الثاني؟ 

اليست الجزائر هي التي اغتالت لونيس معتوب سنة 1998 وتريد ان تنسب دمه إلى الجماعات الاسلامية المسلحة صنيعة المخابرات الجزائرية كما اعترف بذلك بعض الضباط الجزائريين المنشقين من المخابرات اهمهم العقيد السمراوي الذي اكد في برامج تلفزيونية الجرائم المتركبة من طرف الاجهزة الاستخبارية الجزائرية ونسبت للاسلاميين؟ 
النظام الجزائري نظام ديكتاتوري مناهض لحقوق الانسان ولا يحق له اخلاقيا وسياسيا ان يطالب من المجتمع الدولي توسيع مهمة المينورسو اي ان يعطي للمغرب دروس في حقوق الانسان، ان من يحتاج إلى احترام حقوق الانسان وايفاد لجن تحقيق دولية في جرائم الابادة الجماعية التي تعرض لها المغاربة في تندوف هي جبهة البوليساريو التي عليها ان تحترم المواثيق الدولية لحقوق الانسان وان تسلم قادتها للمحاكم الدولية فهناك دعاوى حقوقية ضدهم في اسبانيا وايطاليا و فرنسا.

المغرب مطالب بتفعيل ديبلوماسية قوية ترتكز على الدفاع عن حقوق الانسان ومكتسبات الاجماع الوطني حول قضية الصحراء المغربي في المحافل الدولية ولن يكون صوته مسموعا الا اذا اشرك المجتمع الحقوقي برمته وباختلاف مكوناته في تفعيل استراتيجية مغربية لتنزيل حقوق الانسان ممارسة وفعلا على ارض الواقع ويجب على السلطات العمومية ان تنهج منهجا قانونيا وحقوقيا في تعاملها مع الشباب المغربي لان المقاربة الامنية والقمعية التي اتبعت فيما مضى لم تكن مجدية بل زادت من تعقيد قضية الصحراء واتخدتها اطراف دولية مناوئة للمغرب ذريعة للتشكيك في قدرة المغرب على احترام حقوق الانسان، اننا كمغاربة يجب ان نزاوج بين مصالح بلادنا في الامن والاستقرار والديموقراطية وبين احترام حقوق الانسان وفتح باب الحريات، لان عدالة قضيتنا واحقيتنا في ارضنا لا يجب ان نخسرها بمحامي فاشل او بمقاربات لا انسانية.

* * * *

قراءة في كتاب بوتفليقة خدامه وأسياده
اصدره الكاتب الجزائري محمد سيفاوي وهو صحفي جزائري عمل مراسلا لصحيفة جون افريك الفرنسية بالجزائر قبل ان يغادرها خوفا من الاغتيال او الاضطهاد في احسن الاحوال عانى من الغربة عن الجزائر منذ 1999 منذ كتاباته المنتقدة للوئام المدني الذي أعلنه الرئيس بوتفليقة فيما يسميه الكاتب بالتصالح والتساهل مع القتلة والمجرمين من أنصار التيارات الإسلامية المتطرفة التي اتهمها الكاتب الجزائري بإرهاب الشعب الجزائري وترميل الأسر الجزائرية وتخريب بيوتها في تسعينيات القرن الماضي عندما قرر جنرالات الجزائر إيقاف المسلسل الانتخابي في الدور الثاني في التسعينات بعدما اكتسح إسلاميو جبهة الإنقاذ الإسلامية الحكم ووجود بوادر قوية لقبول الرئيس الجزائري السابق المرحوم الشاذلي بن جديد مشاركة السلطة مع الإسلاميين ضد إرادة الجنرالات بالجزائر لكن جنرالات الجزائر كان لهم القول الفصل فقاموا بأجبار الشاذلي بنجديد على الاستقالة لتدخل الجزائر دوامة الاقتتال الداخلي الذي خلف مئات الآلاف من الضحايا وما تزال مسؤولية هذه الجرائم لم تفتح بعد بشكل يعيد لاسر الضحايا حقوقهم المسلوبة، وتبادل العسكر والإسلاميون المسؤولية عن ذلك لكن اعترافات العديد من ضباط المخابرات الجزائرية فيما بعد مثل العقيد محمد سمراوي واخرون بمسؤوليتهم في صناعة الجماعة الاسلامية المقاتلة والجيش الاسلامي وغيرها من فرق الموت يوضح بجلاء التورط الفاضح لجنرالات الجزائر في قتل المدنيين واغراق السجون بالآلاف من الابرياء بدعاوي استئصال الإرهاب وتطهير الجزائر.

كتاب الكاتب الجزائري محمد سيفاوي بوتفليقة خدامه واسياده يحمل العديد من المعطيات التي تشخص الوضع المأساوي الذي تعيشه الجزائر بداية سنة 2011 اي بعد بداية الانتفاضات الشعبية تجتاح تونس وليبيا ومصر ويحمل الكتاب دعوة إلى الشباب الجزائري للتفاؤل بقرب سقوط نظام بوتفليقة لانه يحمل في ذاته كل مؤشرات الانهيار فعلى سبيل المثال لا الحصر يتحدث الكتاب عن اعمار الساسة الجزائريين وجنرالاتهم فيجد معدل اعمارهم في سنة 2011 تاريخ كتابة الكتاب 73 سنة فيما معدل عمر الشعب الجزائري هو 35 سنة فهل يمكن لجيل الثمانينات ان يحكم شباب الثلاثينات ويحقق مطالبهم وهو الذي يستعين في قاموسه السياسي والاعلامي بمفاهيم الاستقلال الوطني والوحدة الوطنية ومناهضة الاستعمار وشعارات الاستقلال عن الغرب وتاميم المصالح الاقتصادية الوطنية على الطريقة البومدينية وكل هذه الشعارات الكاذبة بطبيعة الحال لا يستسيغها شباب اليوم الذي يرى في فرنسا بلدا للحرية والعمل والمستقبل وليسا بلدا استعماريا؟ فإليكم اعمار بعض الشخصيات الجزائرية التي تجثم على صدور الجزائريين: (بعض الاسماء المذكورة في الكتاب توفيت الان )عبد العزيز بوتفليقة 73 سنة الجنرال محمد العماري 75 سنة الجنرال توفيق مدين 72 سنة( الحاكم الفعلي للجزائر رئيس الاستخبارات الجزائرية منذ أكثر من 50 سنة ) جمال ولد عباس 75 سنة داحو ولد القابلية وزير الداخلية الاسبق السفير الجزائري في فرنسا صبحي 86 سنة العربي بلخير توفي الان اخر مهمة له هي سفير الجزائر بالمغرب 78 سنة الجنرال اسماعيل العماري 74 سنة ولا علاقة قرابة بينه وبين العماري الاخر رغم تشابه الاسم الجنرال محمد بوتشين 76 سنة وغيرهم كثير.

الكتاب يتحدث كذلك عن الصراع الخفي بين اجنحة الحكم بالجزائر وخاصة بين جناحي توفيق وجناح الرئيس ويظهر من معطيات الكتاب ان الرئيس الجزائري الذي تم استقدامه من جنيف في 1999 ليعوض الرئيس اليمين زروال بدأ حكمه بعقلية جهوية اي اعطى الافضلية لابناء الغرب الجزائري على حساب مجموع ابناء الجزائر اي ارجع ما كان يسمى بحكم عصابة وجدة بعدما قام الشادلي بن جديد بمحاولة تصفية مجموعة وجدة التي تمثل الارث البومديني في الجزائر واستبدلها المرحوم الشادلي بمحور باتة وسوق الاحرس، الرئيس الجزائري منذ بداية حكمه قام بمحاولة الانتقام من الجنرالات الذي منعوه من خلافة بومدين سنة 1978 ومن الساسة اعضاء جبهة الانقاد الوطني الذين صوتوا ضده انذاك لعضوية الامانة العامة لجبهة التحير الوطني مما اضطره إلى مغادرة البلاد والعيش كمستشار لمجموعة من امراء الخليج وخاصة امراء الامارات، الكتاب يتحدث عن كيفية تزوير الانتخابات الرئاسية في ابريل سنة 1999 والتي اعطت الفوز الكاسح لعبد العزيز بوتفليقة برقم بريجينيفي سوفياتي اكثر من 74 في المئة بالطبع الكتاب يتحدث عن المفاوضات التي فرض فيها بوتفليقة معدل النجاح في الانتخابات واشترط ان يكون اكبر من جميع سابقيه، الجنرالات الذي استقدمو عبد العزيز بوتفليقة كخيار لحكم الجزائر في هذه المرحلة لم يكن اختيارهم الاول هو بوتفليقة بل كان هو محمد بن يحي لكن رفض بعض الجنرالات ومنهم محمد بوتشين لهذا المقترح ادى بهم إلى اختيار عبد العزيز بوتفليقة كوجه دولي معروف دو حنكة ديبلوماسية مشهودة هذا ما اعتقده الجنرالات الذي ارادو بذلك اجتياز المرحلة الدقيقة التي بات تعرفها الجزائر بفعل الحرب الدموية التي تلت تعطيل المسلسل الانتخابي في سنة 1992 والعزلة الدولية التي يعيشها الجنرالات المتورطون بالمذابح والمطلوبون لدى العدالة الدولية , لكن الجنرالات خاب املهم في بوتفليقة عندما انتهج سياسة الاستفراد في القرار واضعاف المؤسسة العسكرية والاستخبارات، مما خلق مشاكل كبيرة وازمات خطيرة تعيشها الجزائر يوميا بفعل صراع الاجهزة واستفحال الفساد والرشوة فالجزائر اليوم تحتل الرتبة 136 من الدول الاكثر فسادا ولعل الفضائح المستمرة التي تعرفها شركة سوناطراك وهي الشركة الجزائرية الكبرى المتخصصة في الطاقة والغاز والتي عين فيها الرئيس الجزائري احد اصدقائه شكيب خليل والمطلوب اليوم للعدالة الجزائرية بتهم الفساد ونهب المال العام، كما ان الكتاب يتطرق بشكل كبير إلى تنامي النفوذ العائلي في المربع الرئاسي الجزائري مع صعود اسم سعيد بوتفليقة والذي يرتبط اسمه اليوم بجميع الصفقات الاقتصادية والتسلحية التي تعرفها الجزائر في السنوات الاخيرة مما ادى بالجزائريين إلى القول بأن في تونس هناك ليلى الطرابلسي وفي الجزائر هناك سعيد بوتفليقة.

الكتاب يتناول كذلك العلاقات الجزائرية الفرنسية والعلاقات الجزائرية الامريكية ويتحدث الكتاب عن صراع اجنحة الحكم في الجزائر على استقطاب ود كل من الدولتين رغم ان الرئيس بوتفليقة وصف دائما ومنذ ان كان وزير للخارجية في عهد بومدين برجل فرنسا الاول في الجزائر لكن تصاعد الاهتمام الامريكي بالغرب الافريقي وتهديدات تنظيم القاعدة للمصالح الامريكية فرض على واشنطن اعتماد الجزائر كحليف عسكري اقليمي واستفاد الرئيس بوتفليقة والنظام الجزائري ككل من هذا الحاجة الامريكية للاستخبارات الجزائرية في محاربة الارهاب بعد الاحداث الارهابية التي ضربت واشنطن في 11 شتنبر 2011 لشراء صمت الولايات المتحدة عن انتهاكات حقوق الانسان في الجزائر.

اهمية الكتاب تكمن في نظري في أمرين أساسيين:

الأمر الأول يتعلق بقدرة الكاتب على استقصاء المعلومات من مصادرها الشفوية المباشرة وليس الاعتماد على قصاصات الجرائد والاستنتاجات الشخصية الغير موضوعية دائما خاصة وان الكاتب كان من المدافعين في بداية حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على نظامه قبل ان يخيب ظنه فيه بعدما انكشفت نواياه التبريرية للارهاب على حد تعبير محمد سيفاوي,

الامر الثاني يتعلق باحتواء الكتاب على سير ذاتية معظم الشخصيات بشكل مختصر ومفيد تمكن القارئ الغير متابع للشأن السياسي الجزائري من ان يأخذ فكرة شاملة عن جميع الفاعلين الرئيسيين في الساحة السياسية الجزائرية ومهماتهم الوظيفية وهذه الميزة التوثيقية تدل على أن الكتاب يصلح للأكاديميين كذلك إذا ما رغبوا في الاستئناس بهذه المعطيات لدراسة شاملة عن التاريخ السياسي المعاصر للجزائر.

* * * *

اليهود الأمازيغ: التاريخ المنسي والموقف المرتجى
اعترف الدستور المغربي الجديد بالبعد اليهودي كبعد أساسي من أبعاد الثقافة والهوية المغربية الجامعة وركن أساسي من أركان التاريخ المغربي وهذا تطور نوعي من حيث انه اقر حقيقة تاريخية منسية وهي مساهمة اليهود المغاربة بصفة عامة والأمازيغ بصفة خاصة في بناء صرح الدولة المغربية عبر التاريخ، لكن مساهمة اليهود الأمازيغ في بناء التاريخ المغربي أغفلتها الكتابات التاريخية التي تناولت مراحل تطور الدولة المغربية فباستثناء بعض الكتابات القليلة التي تحدثت عن تواجد يهودي في المغربي وعن تعايش مثالي بينها وبين المكونات الدينية الأخرى، فالكتابات التاريخية الأخرى لا تخلو من إقصاء ممنهج للعنصر اليهودي وان ذكرته في بعض المرات بشكل عرضي، لذلك نحن في هذا المقال نتوجه بدعوة للباحثين المؤرخين الذين ضالتهم الحقيقية هي البحث عن الحقيقة التاريخية أن ينوروا الأجيال المقبلة بمساهمة فئة دينية عريضة اسمها اليهود الأمازيغ في بناء الدولة المغربية. التواجد اليهودي في المغرب يرجع إلى ما قبل الميلاد وتحديدا في القرن الخامس قبل الميلاد حسب المؤرخ المغربي محمد كنبيب وكانوا يسمون بأهل الذمة لأنهم كانوا ناقصو المواطنة الكاملة ومفروض عليهم إعطاء ضريبة للدولة المركزية أو للسلطان بلغة ذلك العصر مقابل آمنهم وامن ممتلكاتهم، إلا أن التاريخ يحدثنا عن التمييز الذي تعرضوا له اليهود الامازيغ بسبب دينهم أولا وبسبب لغتهم ثانيا لذلك نتحدث عن تمييز مزدوج والأخطر من ذلك كله ان الحديث عن اليهود في المغرب وفي الدول المغاربية يختصر في الحديث عن اليهود من أصول عربية في الوقت الذي كان فيه العرب أقلية وكان اليهود الأمازيغ أكثرية، الإحصاءات اليوم تقول بان اليهود في المغرب عددهم يصل إلى 5000 وكان عددهم في الخمسينات أكثر من ربع مليون شخص وتقطن الشريحة الأكبر من هؤلاء المستقرين منهم في المدن وخاصة مدينة الدار البيضاء والرباط والمدن الشمالية الأخرى فيما تعرض اليهود الامازيغ المستقرين في القرى لعمليات تهجير قسرية في مراحل غابرة في التاريخ وما يزال المؤرخون مطالبين بفضح جميع أسرارها السياسية والإنسانية خاصة أن اليهود الامازيغ تعرضوا لمظالم تاريخية ومؤامرات كبرى من اجل ترحيلهم إلى إسرائيل وإلى الغرب في مرحلة من المراحل التاريخية.

العلاقات المغربية الإسرائيلية- باعتبار إسرائيل هي الدولة المحتضنة رسميا لليهود كيهود أي أنها بنت وجودها السياسي على فكرة الدين وهي من الدول القلائل في العالم التي تتميز بذلك – كانت علاقات متميزة ومتصلة ومتواصلة منذ عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني والدليل على ذلك أن الهجرات الكبرى اليهودية نحو إسرائيل كانت في عهدهما حيث تم تسهيل هجرة أكثر من 300 ألف يهودي نحو إسرائيل رغم أن معظم أطوار هذه العلاقات كان تقام في السر إلا أن الأكيد أن المغرب دائما يحتفظ بعلاقاته المتينة مع ساسة إسرائيل، لكن هذه العلاقات الرسمية لم تساهم في تطوير وضعية الأمازيغ اليهود داخل إسرائيل الذين يبلغ عددهم أكثر من 800000 ألف فما يزالو يعانون هناك تهميشا واضطهادا باعتبارهم من أصول غير شرقية بالنظر إلى سيطرة اليهود الروس على مفاصل الاقتصاد والسياسة الإسرائيلية، التهميش والإقصاء الذي عانى منه اليهود المغاربة بصفة عامة في إسرائيل جعل اغلبهم تنخرط في الأحزاب اليمينية والدينية لان الأحزاب اليسارية كان من احتكار يهود أوروبا والروس لكن ذلك لم يمنع قيادات سياسية من الأصول المغربية إلى الوصول إلى مراكز القيادة السياسية في إسرائيل فنذكر على سبيل الذكر لا الحصر ديفيد ليفي , شلومو بن عامي’ سيلفان شلوم ’ مئير وشمعون شتريتاسحق موردخاي’ موشي ليفي لكن المؤسف له أن اليهود الأمازيغ في إسرائيل لا يدافعون عن القضية الأمازيغية باعتبارها هويتهم الأصلية ولا يبذلون مساعي سياسية ودبلوماسية من أجل أن تصبح اللغة الأمازيغية من اللغات المعتمدة رسميا في إسرائيل لذلك يمكن أن نقول بأن اليهود الأمازيغ ينتظرهم عمل كبير يتمثل في الدفاع عن اللغة الأمازيغية باعتبارها لغتهم الأم أولا والدفاع عن المصالح الكبرى لبلدهم الأول المغرب الذي رعاهم في مرحلة دقيقة من المراحل التاريخية التي تعرضوا فيها للبطش العثماني والأوروبي كان المغرب حاضنا لهم ومؤمنا لعيشهم فعليهم دين تاريخي يتمثل في الدفاع عن المغرب ومصالحه بصفة عامة والأمازيغية بصفة خاصة والدليل على أن الدولة المغربية في مرحلة من مراحلها المعاصرة كانت تعامل اليهود معاملة حسنة ما أورده الأستاذ روبير أصراف في كتابه "محمد الخامس واليهود المغاربة". رغم أن التاريخ المغربي لم يكن دائما حنونا على اليهود المغاربة إذ تعرضوا للبطش والتنكيل في عهد بعض السلاطين أمثال مولاي إسماعيل و وولداه هشام ويزيد وحتى قبل ذلك في المرحلة الموحدية والمرابطية وهذه المراحل المظلمة يمكن اعتبارها استثناءا مقارنة بالمراحل الأخرى التي تم فيها توقير اليهود واحترامهم وللتدقيق في هذا الأمر يمكن الاطلاع على كتابات بعض المؤرخين المهتمين باليهود المغاربة أمثال: حاييم الزعفراني الذي أكد على حقيقة مهمة وهي أن الفئات اليهودية التي رحلت من المغرب كانت في بداية الخمسينات وأفرغت المناطق الأمازيغية حيث كانت وضعية المزارعين اليهود صعبة.

إن الحديث عن اليهود المغاربة عامة و اليهود الأمازيغ بصفة خاصة حديث أولي يحتاج إلى تدخل عاجل من المؤرخين والساسة والمفكرين الذي عليهم تنوير الرأي العام المغربي بإسهامات البعد اليهودي في الذاكرة المغربية المشتركة خاصة وان اليهود المغاربة لم يرحلوا عن بلادهم المغرب طواعية أو حبا في الهجرة إنما معظمهم بشكل قسري والنزر القليل منهم بعد أن ضاقت بهم الأحوال الاجتماعية والثقافية والفكرية وحتى السياسية خصوصا وان حملات تخوينية وتكفيرية شنت عليهم منذ الستينات متهمة اليهود المغاربة بأنهم صهاينة وغيرها من الأطروحات الشعبوية آنذاك التي كان اليهود فيها حطب جهنم في الصراع السياسي المرير بين الحركة السلفية المغربية ممثلة في حزب الاستقلال والمؤسسة الملكية، هذا الصراع لا زال قائما بشكل فكري وإيديولوجي بين قوى تكفر الجميع وتعتبر التراث المغربي تراثا عربيا إسلاميا خالصا وبين قوى حداثية متمسكة بالعقل والتاريخ ومتشبعة بالمشترك الإنساني المؤمنة بان الحضارة المغربية لم تكن لتبنى إلا بمشاركة الجميع عربا وأمازيغ ويهودا ومسلمين ومسيحيين وملحدين الحضارة المغربية ملك للجميع و الجميع مسؤول عنها.

* * * *

الحركة الأمازيغية والإسلام:التعارض الموهوم والتآلف الموثوق
عادة ما تتهم الحركة الأمازيغية بأنها حركة معادية للإسلام، وأن أطر الحركة في معظمهم فرنكوفونيو الهوى بل هناك من يذهب في اتهاماته بعيدا في اتهام الحركة الأمازيغية في التآمر على وطنها والاستقواء بالأجنبي، وهذه الاتهامات الباطلة ضد الحركة الأمازيغية استطاعت بالفعل تنفير قطاعات واسعة من المواطنين المغاربة من التعاطف مع الحركة الأمازيغية ومن أوساطها الثقافية بالذات لذلك نجد قطاعات واسعة من الامازيغ ينخرطون في أحزاب وتنظيمات معادية للأمازيغية ولهم بالنتيجة ويعادون في بعض الأحيان الحركة الأمازيغية والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا حتى لدى الكوادر القيادية الأمازيغية المتواجدة في قيادات بعض الأحزاب السياسية المغربية، فقاعدة بعض الأحزاب المعادية للامازيغ نجد فيها مستلبو الهوية والفكر من الأمازيغية معتقدين أن برامجها السياسية التعريبية والمضادة للامازيغية لا تشكل خطورة مادامت هذه الأحزاب تعلن أنها سلفية المرجعية الفكرية أو أنها لا تناصب عداءا للدين الإسلامي والحقيقة أن الحركة الامازيغية حركة ثقافية وفكرية تستوعب جميع الأديان والثقافات والتنوعات الإيديولوجية وغايتها ليست استبدال دين بأديان أخرى ولا محاربة دين كيف ما كان نوعه وشكله ومعتقداته، الذي يهم الحركة الأمازيغية هو النضال من اجل المساواة والكرامة والتوزيع العادل للثروات وهذا كنه ما جاء به الدين الإسلامي الذي جاء دينا ثوريا على الظلم والاستقواء على الفقراء واتى بتعاليم تحث على أنصاف الفقراء والزكاة والمساواة وعدم التمييز لأي سبب من الأسباب إلا التقوى كما جاء في الآية الكريمة من القران الكريم " إن أكرمكم عند الله اتقاكم
" الحركة الأمازيغية جاءت سليلة نخب مثقفة ساعدها الحظ في تلقي الحد الأدنى من التعليم وتأثرت بالفكر الحداثي الغربي هذا صحيح لكن فكرها وإيمانها لم يتفتق من فراغ أو عدم، فالنخب المناضلة الأمازيغية تأثرت بالمدارس الحقوقية الغربية والعالمية بصفة عامة كما امتحت من المدارس العتيقة الدينية الأمازيغية التي ساهمت هي الأخرى في الحفاظ على الأمازيغية ومصالحتها مع الجانب الديني لذلك أنجبت لنا المدارس العتيقة والمعاهد الدينية اطر أمازيغية متشبعة بالدين الإسلامي بنفس تشبعها بالدفاع عن الأمازيغية بل مارست الكتابة والتدريس الديني بالامازيغية فلم تجدا أبدا تعارض بين أن تفهم وتعلم الإسلام بلغتها والدين الإسلامي بطريقتها التقليدية الخالدة، لذلك تزخر المكتبات المغربية بمجموعة من الكتب الأمازيغية التي اهتمت بالدين الإسلامي بل هناك كذلك كتابات وأعمال مهمة قام بها مناضلو الحركة الأمازيغية وتبين ان لا عقد لهم إطلاقا بين انتمائهم للأمازيغية وانتمائهم للإسلام كترجمة لمعاني القران الكريم التي قام بها الأستاذ الحسين جهادي الباعمراني وأسدى للمكتبة المغربية كتب تراثية ممتازة تعبر عن التآلف بين الحركة الأمازيغية والإسلام المتسامح المعتدل.

الحركة الأمازيغية كانت دائما تناضل من اجل حرية المعتقد الديني ومن اجل حقوق جميع المؤمنين من الأديان بممارسة حقوقهم الدينية لذلك ناصرت المسلمين وحقهم الطبيعي في ممارسة الشعائر الإسلامية كما ناصرت اليهود والمسيحيين وغيرهم من المؤمنين الأخريين بديانات أخرى وحتى الغير المؤمنين والحركة الأمازيغية تطبق في هذا التوجه الاستراتيجي في نظرتها إلى الأديان النظرة الإسلامية الكامنة في قوله تعإلى " لا إكراه في الدين لقد تبين الرشد من الغي " ولكن الحركة الأمازيغية لا تهادن في نقضها ونقدها الفكري لكل الطروحات الدينية المتطرفة من هنا وهناك بغض النظر عن عقيدة معتنقيها، فالحركة الأمازيغية باعتبار مرجعيتها الإنسانية الكونية تعادي الحركات الإسلامية المتطرفة وأقول المتطرفة لأنها تعادي حرية المعتقد وتعتبر من يعتقد غير الدين الإسلامي مواطنا غير كامل المواطنة بل في أحيانا أخرى لا يستحق حتى الحياة، لذلك يتبادر إلى أذهان بعض الكسإلى من الناس واقصد الكسل الفكري والبحثي أن الحركة الأمازيغية بتناقضاتها الموضوعية مع الحركات الإسلامية والدينية بصفة عامة فأنها تناقض الدين أو تجبر الناس على العلمنة وهذا غير صحيح، فالحركة الأمازيغية تعلن تضادها لأفكار الحركات الدينية المغربية لأنها تروج لمغالطات تاريخية وفكرية يجب تصحيحها أو على الأقل فتح النقاش فيها لنكون نسبيين في تقدير موقفنا أول هذه المغالطة الاولى: إن هناك ظهيرا بربريا بالمغرب وان الاستعمار كان إلى جانب الأمازيغ وساعدهم واعد لهم محاكم خاصة بهم لذلك استوجب تعريب المجتمع انتقاما من الفرنسيين وغيرها من النتائج الخاطئة التي تنتج عن هذه المقدمات المزورة والاتاريخية.

المغالطة الثانية:إن الغزاة العرب في التاريخ كان هدفهم فقط نشر الإسلام ولم يكن الهدف اكتساب الغنائم وهتك أعراض النساء واستغلال ثروات السكان الأصليين وهذه المغالطة ما تزال منتشرة في الأدبيات الإسلامية للحركات الإسلامية بالمغرب لذا يجب قول الحقيقة الكاملة غير منقوصة ومنها أن بني أمية لم يكونا في غزوهم للمغرب فاتحين ومبشرين بالدين الإسلامي انما هتاك اعراض ولصوص مقنعين بالمرجعية الدين وهذا نقاش يجب أن يفتح لتعرف الأجيال المقبلة أن الإسلام حافظ عليه الامازيغ إيمانا به وعن دراية والدليل أن الامازيغ لو اخذوا الإسلام بجريرة أعمال بني أمية لم يسلموا أبدا.

* * * *

من أجل تحالف تاريخي بين المؤسسة الملكية والحركة الأمازيغية
كان الأمازيغ دائما في تاريخهم المعاصر على الأقل سندا قويا للملكية في المغرب وكانت الملكية بالمقابل حضنهم والمدافع السياسي عنهم، هذه العلاقة التكاملية التي تجمع الأمازيغ بالملكية كانت السبب الرئيسي الذي جعل الملك المرحوم الحسن الثاني اقر بالتعددية السياسية في الدساتير الأولى وذلك بالطبع لقطع الطريق أمام استبداد حزب الاستقلال وشجع تأسيس حزب يمثل المصالح القروية وادخل الأمازيغ إلى السياسة بشكل هوياتي أي امازيغ يمثلون امازيغ وليس امازيغ متسترون في أحزاب أخرى يخفون هوياتهم ويذوبونها في مرجعيات إيديولوجية أخرى، الملك محمد السادس هو الآخر كان من المصرين في دستور 2011 على ترسيم الأمازيغية واستطاع بحكمة واقتدار وبقوة استشرافية أن يعيد للامازيغية مكانة لائقة وتاريخية في تاريخ المغرب، فالامازيغ لا يمكن أن ينسوا أن معظم الأحزاب السياسية المغربية كانت ضد المطالب الثقافية في حدها الأدنى قبل الخطاب الملكي لأجدير 2001 وبعدها مباشرة هرولت الأحزاب التقليدية المغربية إلى إتباع الخطوة المتقدمة التي قام بها الملك محمد السادس في 2001 وبعدها بإحداث معهد ملكي للثقافة الأمازيغية في سنة 2002. خلال تقديمها لمذكراتها الاقتراحية لمشروع دستور
2011 لم تتمكن معظم الأحزاب السياسية المغربية من ان تعطي للامازيغية في مقترحاتها صفة الرسمية وأبانت بذلك عن جبن ونفاق سياسي كبير سيفضحه الموقف الملكي الحاسم والمنحاز إلى جانب ترسيم الأمازيغية كلغة رسمية وهذا الموقف أربك جميع الأحزاب السياسية المغربية التي كانت تعتقد بأن المؤسسة الملكية تتعامل مع الأمازيغية بمنطق الاحتواء والتدجين فيما أتبث التاريخ أن المؤسسة الملكية كانت دائما هي المساند السياسي للامازيغ. مسيرة الأمازيغية الثالثة التي نظمت في 3 فبراير الماضي رفعت شعارات قوية ضد حكومة العدالة والتنمية التي تملصت من التزاماتها وتباطأت في موضوع إخراج القانون التنظيمي للامازيغية إلى حيز الوجود، و ليست هناك شعارات ضد الملكية وهذا ما يبين أن الامازيغ باثوا يفرقون بين الخصوم السياسيين الحقيقيين وبين المساندين السياسيين وهذا النضج الأمازيغي لا بد أن يتعزز سياسيا بتشكيل جبهة تحالف تاريخية بين الملكية في المغرب والامازيغ من أجل الحفاظ على ثوابت المغرب ومصالحه الاستراتيجية وهي الآن باتت مهددة من التطرف الإسلامي من جهة ومن انتشار قيم اللاتسامح بين صفوف المواطنين المغاربة، فالحركة الامازيغية حركة مبنية على العقلانية بما تعني الكلمة من اعتناق الامازيغ لقيم العقل والمنطق والنسبية في كل شيء وإيمان الحركة الأمازيغية بقيم التعدد والاختلاف والحداثة والانفتاح فالحركة الامازيغية حركة منفتحة على قيم العصر وعلى منجزات البشرية وهي ذات نزعة إنسانية متشبتة بالقيم الكونية لحقوق الإنسان، هذه القيم النبيلة التي تسعى الحركة الأمازيغية إلى تسييدها عبر جمعياتها وفعالياتها المختلفة هي نفسها القيم التي تحملها الخطابات والرسائل الملكية المختلفة إلى جميع الملتقيات والمؤتمرات الدولية، حيث إن الملكية المغربية مع محمد السادس ملكية منفتحة على قيم العصر ومقاومة لكل أشكال التطرف وهي قيم مشتركة بينها وبين الحركة الأمازيغية وأكثر من ذلك فالحركة الأمازيغية والملكية يشتركان في رفض الدولة الدينية وفي رفض المس بالأديان الأخرى.

هناك من سيقول بان الحركة الأمازيغية حركة نخبوية لا تستطيع بخطابها النخبوي حشد وتأطير الجماهير الشعبية وهذا ما تحتاجه الملكية لإبقاء شرعيتها الشعبية لهذا القول نرد بشيئين رئيسيين أولهما:

النخب هي التي تصنع وتؤطر عقول الجماهير والحركة الإسلامية اليوم بدون نخبها المحلية والوطنية لا يمكن أن تتواصل مع الجماهير نفس الشيء يمكن أن يقال عن الحركات الأخرى فالنخب هي التي تحرك الأشياء الراكدة في المجتمع وتصنع العقول وتوجه الأفئدة.

ثانيهما: ليس كل من يستطيع أن يجمع الجماهير ويجيشها ففكره ونظرته السياسية صحيحة فالتاريخ أعطانا نماذج من الناس كانت شعبيتهم كبيرة ولكن ممارساتهم كان وبالا على البشرية نبدا من شعبية جنكيز خان المغولي ولا ننتهي بهتلر الألماني فكلاهما ملك قلوب الناس ولكن سياساتهما كانت بشعة ودموية.

لقد كان الأستاذ المناضل أحمد عصيد محقا عندما قال في إحدى ندواته المتميزة التي نظمت بالرباط في 13 نونبر 2012 في ندوة حول "دولة الحق وأسئلة الثقافة" في الرباط بمركز جاك بيرك والمنشور تلخيصا عنها في احد المواقع الالكترونية (هسبريس 14 نونبر 2012) بأن "النقاشَ مع أحزاب الكتلة في تلك الفترة(ويقصد بها فترة حكم الحسن الثاني) لم يكن مثمراً بشكلٍ اضطر مناضلي الحركة الأمازيغية إلى التقدم بطلبهم إلى القصر، الذي رأى عصيد أن مواقفه معروفةٌ بمرونتها وتأقلمها عكسَ الكثير من الأحزاب التي بقيت مواقفها متصلبة من ملف الأمازيغية. فتحتَ ضغطِ منظمات حقوق الإنسان الدولية سارت الأمور إلى قليلٍ من الانفراج، إذ دعَا الحسنُ الثاني في خطاب 20 غشت عام 1994 إلى تدريس ما سماه آنذاك باللهجات".

غايتنا من هذا المقال هو الرد على بعض من يتهم الامازيغ بأنهم دعاة فتنة وتطرف وبأنهم لا يؤمنون بالمؤسسات ولا بالتحالفات ليكون ردنا الجماعي هو أن الامازيغ يردون لمن أسدى إليهم نصيحة أو ساعدهم في تحقيق مطالبهم الجميل بالاعتراف عكس من استفادوا من الدولة المغربية لعقود بل وقرون وأصبحوا ناكرين للجميل.

* * * *

الربيع الأمازيغي الذاكرة والمستقبل
في أبريل من سنة 1980 بدأت الشرارة الأولى للربيع الأمازيغي في الجزائر بعد منع السلطات الجزائرية في مارس 1980 لندوة كان منتظرا أن يؤطرها المناضل والكاتب الأمازيغي المرموق مولود معمري بجامعة تيزو اوزو حول الشعر القبائلي القديم، هذا الحدث السياسي الكبير لم يكن معزولا عن سياقه التاريخي الذي عرف بداية صحوة الضمير الثقافي والسياسي الجزائري الذي كان مغيبا طيلة فترة "النضال" من اجل التحرر الوطني وما رافق هذه الفترة من شعارات قومية وسلفية استحوذت على المشهد الثقافي الجزائري وجعلت أي دعوة للتعدد الثقافي واللغوي في ظل الصراع من اجل الاستقلال كفرا وتواطؤا مع المستعمر الفرنسي، ففي عهد أول رئيس للجزائر الراحل بن بلة كانت العربية لغة الإدارة والتعريب هو السياسة الرسمية المتبعة رغم سيطرة جنرالات فرنسا على مقاليد الحكم الجزائري وكان بن بلة واجهة سياسية فقط لهم لكن ارتباطات بن بلة الشخصية مع جمال عبد الناصر والدعم السياسي والاقتصادي الذي يتلقاه منه هو ما جعل بنبلة سفير القومية العربية في الجزائر ثم تبعه سلفه والمنقلب عليه الرئيس الراحل هواري بومدين الذي كرس سياسة التعريب وهمش الأمازيغية وأقصى المثقفين والمفكرين واضطهدهم في سبيل اشتراكية ممسوخة ومترهلة اثبت التاريخ والواقع أنها لم تكن اشتراكية حقيقية بل هي رأسمالية كولونيالية مقنعة لكن رغم الإقصاء والتهميش الرسمي للأمازيغية في الجزائر إلا أن الحركة الأمازيغية الجزائرية استفادت من خزانها الاستراتيجي من المثقفين و المفكرين المنفيين في أووربا والذين ساهموا في تأطير الجالية المغاربية في أوروبا و تحسيسها بالوعي الهوياتي مما اثر في ما بعد على كل الحركات الثقافية بشمال إفريقيا وعلى كل حال في السبعينات والثمانينات بدا الوعي الثقافي والهوياتي الأمازيغي يشق طريقه الوعر في جبال الايديولوجيا القومية المتكلسة المسيطرة على العقول والأفئدة وانبلج في الوجود مثقفون اغلبهم مفرنسون تأثروا بروح الديموقراطية والحرية في أوروبا وترجموها في كتاباتهم وأشعارهم وأعمالهم الفكرية ومن هؤلاء كان مولود معمري والطاووس عمروش واخرون،في التسعينات استمر النضال الأمازيغي في الجزائر رغم القمع والتقتيل والتهميش وأعطى شهداء وجرحى أبرزهم المغني الأمازيغي معتوب لونيس الذي اغتالته أيادي الغدر والكراهية في يونيو 1998،ورغم أن الجماعة الإسلامية الجزائرية المقاتلة المعروفة بـGIA قد أعلنت مسؤوليتها المباشرة عن الاغتيال إلا أن المخابرات الجزائرية وعلى لسان العديد من المنشقين والصحفيين العارفين بخباياها يؤكدون وقوف جهاز DRS وراء عملية الاغتيال، المهم أن الأرض الجزائرية ارتوت بدماء المناضلين الأمازيغ الذين استرخصوا دمائهم وأرواحهم من أجل جزائر ديموقراطية وتعددية وتبين لجميع المتتبعين للشأن السياسي جزائريا ودوليا أن الجزائر تقمع شعبها وتضطهده لأنه يطالب بحقوقه المشروعة ومنها حق دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية لكن لحد الآن السلطات الجزائرية لا تزال تعاند هذا المطلب الديموقراطي ولا تزال عاجزة عن إقرار ديمقراطية لغوية وثقافية حقيقية ولا يزال دم أمازيغ غرداية والشاوية وتيزي اوزو في الجزائر جرحا يسيل في شوارع الجزائر في ظل استمرار النظام الجزائري الحديث عن حقوق الإنسان في بلدان أخرى.

تأثرت الحركة الامازيغية المغربية بنظيرتها الجزائرية وشقت طريقها بثبات وصمود في مقاومة المشككين في نواياها وحراس معابد الأوثان والأصنام القومية الذين اعتبروا الحديث عن الأمازيغية بالمغرب فتنة وتحريض على الانقسام وأعطت الأمازيغية في المغرب شهداء ومعتقلين ومختطفين منهم الدكتور بوجمعة الهباز الذي لازال مصيره مجهولا وللمصادفة اختطف بتاريخ 19 ابريل 1980 أي تزامنا مع الربيع الأمازيغي بالجزائر، لكن صمود ونضالية الحركة الأمازيغية أهلها لتلعب أدوارا مهمة في إعادة التساؤلات الكبرى حول الهوية واللغة بشكل جدي وعلمي إلى الحقل السياسي المغربي، فلا احد يمكنه أن ينكر الدور الكبير الذي لعبته الحركة الأمازيغية في تكسير طابوهات عديدة في المجتمع المغربي في بنية اجتماعية وذهنية اعتادت على النمطية والفكر الواحد والاتجاه الأوحد، فدشنت الحركة الأمازيغية عصر الفتوحات في التاريخ والبحث العلمي فبدا الطلبة المغاربة -الاحتياطي الاستراتيجي الكبير للحركة الأمازيغية- في الإبداع في الرواية والقصة والغناء والنضال الطلابي الجماهيري وأصبحت الحركة الأمازيغية وامتداداتها تؤرق صناع القرار بالمغرب وأصبحوا يبحثون عن طرق لوقف الزحف الأمازيغي بالمغرب آو التعامل معه على الأقل في أرضية حد ادني وهو ما توج ببيان أمازيغية المغرب الذي وقعه عدد من المثقفين والمناضلين الأمازيغ ثم تلاه خطاب الملك محمد السادس في أجدير 2001 والذي يمكن اعتباره البداية الأولى للتعامل الايجابي والتفاعل المثمر للمؤسسة الملكية مع الحركة الأمازيغية فأعطيت الانطلاقة لأوراش إعادة الاعتبار للأمازيغية في الحياة العامة تدريسا وإعلاما وعلى الصعيد المؤسساتي مع إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لكن هذه الإرادة الملكية الراسخة والمؤمنة بضرورة إنصاف الأمازيغية اصطدمت بالبيروقراطية الإدارية والديكتاتورية الفكرية التي تعششت في أدمغة مسئولي عدد كبير من الإدارات العمومية والذين لم يستسيغوا بعد الاعتماد الرسمي للدولة المغربية وللعهد الجديد تحديدا لمبادئ التعدد الثقافي والإنصاف الحقوقي والسياسي في إطار مقاربة شمولية نهجها الملك محمد السادس لطي صفحات مظلمة ومأساوية من تاريخ المغرب المعاصر، فأصبح الأمازيغ يحظون بثقة وإرادة ملكية تقابلها تعنت حكومي ومؤسساتي مما أدى بالحركة الأمازيغية في مناسبة عدة إلى طلب سحب الملف الأمازيغي من أيدي الأحزاب السياسية والحكومات المتعاقبة ليكون ورشا ملكيا خالصا ليكون الملف الأمازيغي سياديا فوق التجاذبات السياسية الظرفية،صحيح أن الحركة الأمازيغية المغربية تعيش فترة فتور وانتكاس لتضافر مجموعة من العوامل الذاتية منها والموضوعية وهذه التراجعات تنعكس مباشرة على مكتسبات الحركة وتعطي للخصوم الإيديولوجيين وللدولة كذلك إشارات خاطئة منها أن الحركة الأمازيغية منقسمة على ذاتها ومنشغلة عن النضال الجماهيري بأمور أخرى لكن الصحيح كذلك أن جمرة النضال الأمازيغي المغربي دائما متقدة ومتوهجة والدليل هي المسيرات الطلابية الكبيرة التي تعرفها مختلف الجامعات المغربية وتزايد عدد الجمعيات الأمازيغية ومسيرات توادا التي ينظمها الأمازيغ بين الفينة والأخرى واتساع رقعة انتشارها الجغرافي والاهم من ذلك وجود مثقفين وسياسيين مغاربة مرموقين يدافعون عن الأمازيغية إيمانا واقتناعا وهذا مكسب إضافي للحركة الأمازيغية المغربية وكم هي محتاجة القضية الأمازيغية لمحامي ناجح للدفاع عنها لان التاريخ يعلمنا بأن وجود قضية عادلة بدون محام مؤمن ومتمرس لا يضمن للقضية النصر والتأييد، لذلك النضال الأمازيغي مطالب بالانفتاح والحوار والتفاعل البناء مع كل المبادرات والفعاليات والمؤسسات الوطنية والدولية، فالتطرف والتعصب للرأي وللهوية وللغة لا ينتج سوى البؤس الفكري والنفور المجتمعي لذلك لا يجب أن نحشر النضال الأمازيغي في زاوية وكماشة بل يجب أن نجعل من الأمازيغية قضية الجميع دولة ومجتمع،ومن حق الفعاليات الأمازيغية ان تؤطر نضالها الأمازيغي بمرجعيات إيديولوجية يسارية أو يمينية ذلك لا يهم ولكن ليس من حقها أن تستأثر بالحقيقة أو أن تعطي لنفسها صفة التمثيلية الحصرية للأمازيغ على غرار "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني " الأمازيغ محتاجون إلى رسم معالم حركة أمازيغية حداثية وديموقراطية منفتحة على الجميع ومتفاعلة ومنصتة للجميع.

الربيع الأمازيغي كان في قلب الربيع الديموقراطي الذي عرفته شمال إفريقيا وساهم الأمازيغ في البلدان المغاربية في إخراج القضية الأمازيغية من المحلية إلى الدولية بل استطاع النضال الامازيغي بالمغرب انتزاع مطلب دسترة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور المغربي الجديد ولكن المشوار النضالي ما يزال طويلا من اجل اخراج القوانين التنظيمية المفعلة للدستور إلى حيز الوجود أما أمازيغ ليبيا ونضالهم مع الدستور و أمازيغ تونس وصمودهم من اجل الاعتراف والوجود فلنا عودة إلى نضالهم في مقالات أخرى مستقبلا.

* * * *

الأمازيغ وقضية الصحراء: أفكار أولية
يمكن اعتبار الصراع في الصحراء من القضايا التاريخية التي ورثتها أجيال ما بعد الاستقلال،كما كانت من القضايا التي لا يسمح حتى نقاشها وإبداء الرأي فيها فما بالك بمعارضة التوجه الدولتي اتجاهها , لكن الأكيد أن مقاربة الدولة المغربية لقضية الصحراء كانت مقاربة فاشلة إذ استندت على القوة والقمع والترهيب في أحيان كثيرة نتجت عنه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كان الضحايا من سكان الصحراء الذين جاهروا برفضهم للسياسة الرسمية في حل قضية الصحراء فعوملوا معاملة قاسية ما تزال بقايا سياط الجلادين في معتقلات مكونة و تازمامارت على أجسادهم شاهدة على بشاعة المقاربة الأمنية وجور الدولة وتسلطها , كما اعتمدت مقاربة الدولة على دعم مافيات اغتنت من الصحراء فهيئت لها جميع الأجواء للاغتناء السريع من المال العام فتم التقطيع الانتخابي على أساس مصالح أفراد كما قامت وزارة الداخلية مباشرة برعاية شراء الذمم في الانتخابات وغيرها من الأساليب التي ظنت من خلالها المقاربة الرسمية بأن هؤلاء الأعيان القبليين يمكن أن يتم الاعتماد عليهم في حل قضية الصحراء لكن ذلك لم يشكل سوى دافع نقمة وشعور ثوري لدى الشباب عموما والنساء خصوصا أمام تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية واستفراد قلة قليلة على مقدرات مدن وقرى الصحراء
.

لكن باقتراح محمد السادس للحكم الذاتي في الصحراء في ظل السيادة الرسمية للمغرب، يبدو أن المقاربة السياسية لقضية الصحراء بدأت تأخذ مجراها وتوشك أن تقطع مع المقاربة السابقة لكن مع انفلاتات هنا وهناك حيث إن إقرار الحكم الذاتي اعتراف صريح بأن القمع والترهيب لا ينفع في حل قضايا سياسية إنما يزيدها تعقيدا ويزيد الخلافات فجوة وصعوبة، لكن ما هي الصعوبات المحتملة التي سيواجهها مقترح الحكم الذاتي وما هي المقترحات الممكنة والتي يمكن ان يكون الامازيغ طرفا فاعلا في بلورتها لنقل قضية الصحراء من الصراع إلى الاستقرار والتنمية هذه بعض الأفكار الأولية التي قد تساهم في استفزاز النقاش السياسي حول الصحراء بصف عامة ومن طرف الأمازيغيين بصفة خاصة.

-المعيقات:

استمرار العقلية الأمنية في التعاطي مع قضية الصحراء ولعل المحاكمات التي تشهدها معظم محاكم المدن الصحراوية دليل على استمرار الرغبة في جر المغرب إلى الوراء فتلفيق تهم لمناضلين كما حدث بمدينة أكلميم لأنهم احتجوا على ما يرونه خرقا لحقوقهم وذلك يتنافى مع شعارات دولة الحق والقانون والإنصاف والمصالحة التي من المفترض أن تؤطر الممارسة السياسية الجديدة للعهد الجديد بالمغرب، كما أن استمرار اعتقال المعتقلين الصحراويين كعلي سالم التامك والمتوكل وغيرهم ما هو إلا هدية مجانية تعطى للتيار الانفصالي في الداخل والخارج، فماذا يستفيد المغرب من سجن معتقلي رأي يعبرون بطرق سلمية عن مواقف قد نختلف معهم فيها لكن لا موجب سياسي وحقوقي لاعتقالهم بل إن اعتقالهم يزيد شرارة الانفصال والكراهية والتباعد يوميا فمن المستفيد؟

تسلط نخب صحراوية فاسدة على رقاب الشباب الصحراوي المتعلم المثقف ذو الطموحات الكبيرة في الشغل الكريم والعيش الآمن لكن سيطرة المافيات على البر والبحر لا يترك للشباب بد من الطروحات السياسية المغامرة أو الانتحارية أحيانا، لذلك من المستحيل إرجاع الثقة للشباب الصحراوي بنخب فاسدة وانتخابات مزورة ترعى فيها السلطة شراء الذمم.

إقصاء أمازيغ الصحراء من معادلة الحل السياسي بالصحراء وهذا الإقصاء لا يمكن تبريره لا تاريخيا ولا جغرافيا فالأمازيغ تاريخيا هم ساكنة الصحراء وسند لاستقرارها ووحدتها وإقصائهم تأجيل لمشكل قائم وواقع، ويمكن اعتبار إقصاء الامازيغ من معادلة الحل في الصحراء نكران لتضحياتهم الكبيرة من اجل التطور الاقتصادي والعمراني للصحراء وإنكار لأدوارهم التاريخية في المقاومة وصد الاستعمار واستبعادهم من الحل هو استبعاد للحل واستمرار في الصراع.

 هذه بعض المعيقات التي أرى أن الدولة مطالبة في التفكير فيها ومحاولة تجاوزها من اجل الوحدة الترابية للمغرب ومن اجل مصالحة تاريخية مع الصحراويين تقي المغرب شر التقسيم وتقيهم شر التشرد في ظل ديكتاتورية البوليزاريو.

- المقترحات

* إطلاق سراح جميع المعتقلين الصحراويين وفتح حوار داخلي ترعاه منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية مع شباب المناطق الصحراوية وهذا الحوار يجب أن يتمخض عنه مبادرات ميدانية ملموسة في مجال تسيير الشأن العام وإدماج الشباب فيه بقوة وبنزاهة وقطع دابر الفساد الإداري والمالي وإعادة النظر في الأموال المخصصة لتنمية الأقاليم الجنوبية والتي لاتصل إلا إلى حفنة قليلة من الانتفاعيين والانتهازيين المستفيدين من ممتلكات الدولة بدون ربح سياسي يرجى منهم لصالح القضية، ولكي ينجح الحوار لابد أن ينطلق من الجامعات والمعاهد ويستهدف النساء بصفة خاصة كما يجب أن يتزامن مع حملة تطهيرية داخليا ومبادرات تنموية حقيقية تشغل الشباب و تعينهم على تجاوز صعاب الحياة وتفتح لهم أفق المستقبل، كما أن الإعلام مطالب بمواكبة هذا الحوار الداخلي و نهجه لسياسة الانفتاح والرأي والرأي الآخر وعكسه للواقع كما هو لا كما يريد البعض.

* إعادة التقطيع الانتخابي المبني على الشخصنة والقبلية وانتهاج أسلوب انتخابي عصري مواطن والقطع مع المجالس الفاسدة والمزورة و الشروع في إصلاحات سياسية تروم بناء مغرب ديموقراطي فيديرالي تتحقق فيه المواطنة الكاملة وذلك لن يكون سوى بإقرار دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا يقر الأمازيغية لغة رسمية وتعددية سياسية حقيقية تعكس طموحات المغاربة وتنوعهم الثقافي والديني واللغوي.

 *نهج مقاربة عدم الإفلات من العقاب ضد المافيات الناهبة للمال العام واعتماد نظام حكم ذاتي يمكن الجهات من تقرير مصيرها في الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل يجعل السلطة والثروة بيد الشعب لا بيد حفنة قليلة.

هذه المقترحات الأولية لا يمكن أن ترى النور إلا في ظل وعي سياسي مشترك بأن التعنت والإقصاء لا يمكن أن ينتج عنه سوى الخراب والضغائن

- الأمازيغ والصحراء: أية مساهمة؟

ثمة حقيقة ثابتة تاريخيا وبشهادة الجغرافيا بأن الأمازيغ هم ساكنة الصحراء ومالكوها الحقيقيين رغم كل المحاولات اليائسة من الدولة لتعريبها وطمس هويتها ومن طرف البوليزاريو التي تسعى لخلق دويلة عربية جنوب المغرب وهو ما يرفضه الامازيغ الذين ارتوت رمال الصحراء بدمائهم عبر السنين من دولة المرابطين والموحدين إلى السعديين وغيرها من الدول الأمازيغية التي استقرت في الصحراء الكبرى وبنت مجدها وتاريخ المغرب من رمالها وشواطئها، استبعاد المساهمة الأمازيغية في حل إشكال الصحراء خشية رسمية من الاعتراف بتاريخ المغرب ومن نهوض هوياتي أمازيغي قد يعصف بكل المؤامرات العروبية القديمة التي تسعى إلى إلحاق المغرب إلى حظيرة ما يسمونه بالوطن العربي، لكن صمود الطوبونوميا الأمازيغية والأغنية والتقاليد والتراث ضد الاجتثاث والمصادرة وقف صرخة قوية اتجاه كل الأعاصير السياسية التي تستهدف حق الشعب المغربي الأمازيغي في التمسك بكل أرضه وحمايتها من التقسيم، فكل أدبيات الحركة الامازيغية تطالب بالديموقراطية بتجلياتها الكاملة والشاملة وأساسا إقرار نظام فيديرالي تعددي يعطي لذوي الحقوق حقوقهم في ظل نظام سياسي واضح ومتوافق عليه كما تنبذ تقسيم الصحراء وزرع دويلة عروبية هدفها الوحيد تقزيم الدور الإقليمي الاستراتيجي للمغرب وتهديد أمنه وشعبه.

إن الصراع في الصحراء صراع سياسي بين النظامين المغربي والجزائري لكن الفاتورة وحطب جهنم هذا الصراع هو عيش الناس وحقوقهم، لذلك فليعلم من يريد أن يعلم بأن حل القضية لا يمكن أن يكون عسكريا أو بنهج مقاربة قمعية إنما بالحوار والتنمية والديمقراطية حتى يحس الجميع كل الجميع بان معركة الوحدة الترابية معركة لن تكون مثلها مثل معركة الاستقلال حيث ضحى الامازيغ في الريف الشامخة وجبال الأطلس العطاوية الشاهدة لكن ثمرة الاستقلال والحرية والتنمية كانت لأصدقاء المعمرين وخلفائهم الذين لم يساهموا قط في أية معركة ولا قاسوا ظروف التحرير والمقاومة.

* * * *

لماذا احتضن المغرب امازيغ مالي وتجاهل قضية امازيغ الجزائر؟
الاستقبال الملكي التاريخي لزعيم الحركة الوطنية الازوادية الامازيغية بلال اغ الشريف يوم 31 يناير 2014 خطوة سياسية جريئة تحسب للملك محمد السادس وللديبلوماسية المغربية باعتبارها اشارة تغيير في الاستراتيجية الديبلوماسية المغربية ترتكز على الاهتمام والانكباب المباشر على القضايا الافريقية الشائكة ومنها قضية امازيغ مالي بنظرة جريئة وواقعية وببراغماتية بارزة، لايمكن ان نعتبر هذا التغير الاسترايجي في التعامل السياسي المغربي مع قضايا القارة السمراء الا ضمن فهم واضح للاستراتيجية السياسية الجديدة التي اتبعها الملك محمد السادس متحملا كامل مسؤولياته الدستورية كمسؤول عن رسم الاستراتيجيات الديبلوماسية والسياسية الخارجية للدولة المغربية وتقوم حكومة صاحب الجلالة بطبيعة الحال بتطبيق وتنفيذ الاستراتيجية الملكية في السياسة الخارجية، المواقف الجديدة للمغرب من الحركة الازوادية والتي تتمايز سياسيا عن الجزائر وفرنسا يمكن فهم خطوطها العامة انطلاقا من العناصر التالية:

* الدولة المغربية تتعامل مع القضية المالية بنظرة واقعية ومبنية على معرفة عميقة بالنسيج السياسي والاثني والثقافي المالي والازوادي كجزء لا يتجزأ منه وعليه فكل اقصاء للحركة الازوادية من عناصر الحل في مالي والتركيز فقط على دعم الحكومة المالية لا يمكن ان يعطي نتائج ايجابية فيما يخص استقرار ووحدة اراضي مالي مستقبلا وهذا الموقف ما لايريد المغرب والمجتمع الدولي الوصول اليه.

* القوة السياسية والعسكرية لحركة ازواد وعدالة قضيتها باعتبارها قضية نضال الشعب الازوادي من اجل الاعتراف به ثقافيا وسياسيا واثنيا وكذلك نضاله من اجل اعادة اقتسام الثروات التي تسيطر عليها اقلية اثنية مسنودة فيما سبق من قبل بعض القوى الغربية ورهان المغرب على هذه الحركة هو رهان على شريك استراتيجي للمغرب في المستقبل سيكون له دور مهم وعميق في مستقبل مالي والمنطقة خصوصا وان منطقة الساحل والصحراء تعتبر اليوم ملجأ وخزان استراتيجي للقوى الارهابية التي تهدد مالي والدول المجاورة لها وتهدد كذلك المغرب واوروبا ومن مصلحة المغرب وشركائه الاوروبيين قطع الطريق امام الجماعات الارهابية من مهدها الافريقي في اطار سياسة تجفيف المنابع حتى لا تتحول الحركة الازوادية في حال استمرار تهميشها إلى حليف للارهاب والعنف بالمنطقة.

* لا يخفى على احد منا التنافس الاستخباراتي والديبلوماسي المغربي والجزائري على استقطاب الدولة المالية الناشئة وهذا يبدو من الزيارات المتكررة لكلا مسؤولي البلدين إلى مالي ولكن المغرب بخطته الديبلوماسية الجديدة ومنها اللعب باوراق تفاوضية اخرى استطاع ان يقطع الطريق امام الزحف الجزائري نحو مالي حيث ان النظام الجزائري لا يمكن ان يكون محل ثقة الشعب الازوادي لانه يعلم تمام العلم ان الجزائر تهمش امازيغها بل تقمعهم والحركة الازوادية بالمهجر وخصوصا بفرنسا تقيم علاقات قوية مع الحركة الامازيغية الجزائرية بالخارج والتي هي في معظمها حركة معادية للنظام الجزائري فيما المغرب استطاع ان يتعامل مع القضية الامازيغية ومع الفعاليالت الامازيغية بنوع من المرونة والتفهم و لبت الدولة المغربية مطالب اساسية للحركة الامازيغية وان تكن مطالب اخرى ما تزال تنتظر لكن على كل حال التعاطي الرسمي المغربي مع القضية الامازيغية يفتح امال كبيرة ومستقبل واعد للقضية الامازيغية على العكس من ذلك تماما النظامها السياسي الجزائري تعامل بالقمع والتطهير العرقي مع الامازيغ مند الاستقلال السياسي الجزائر فربيع 88 واغتيال معتوب لوناس و تهجير قسري للمثقفين االامازيغ وملاحقاتهم عبر عقود من الزمن جعل النظام الجزائري عاجز امام استعمال القضية الامازيغية في القضايا الدولية ولا يستطيع ان يحرق اصابعه بالحركة الوطنية الازوادية، النظام الجزائري وبإقرار من مثقفيه وسياسييه في مذكراتهم وكتاباتهم لا يمكن ان يتعايش الا مع الحركات الارهابية المتطرفة التي يتم توظيفها لتعطيل المسلسل الديموقراطي كما حدث في التسعينات عندما تم ارغام الشادلي بن جديد على توقيف المسلسل الانتخابي وغيرها من الاحداث السياسية الشاهدة والمثبثة.الحركة الازوادية كانت ضحية الاستثمار الجزائري في الارهاب الافريقي ولعل التقارير الاستخباراتيةالاجنبية اكدت ما مرة ان النظام الجزائري مسؤول عن تفريخ جماعات ارهابية واستعمالها في الداخل السياسي الجزائري لذلك لا عجب اذا سمعنا عند كل انتخابات تشريعية ورئاسية في الجزائر قيام اعمال ارهابية وتخريبية الهدف منها تخويف الشعب الجزائري من المستقبل والقبول بالحكام الحاليين مقابل الاستقرار والامن اي الاستبداد والديكتاتورية مقابل السلامة الجسدية للمواطنين هذه المعادلة البئيسة التي حكمت الجزائر عقود طويلة للاسف الشديد لا تجعل الدول الغربية ولا الافريقية تثق في النوايا الجزائرية اتجاه العزم على الانخراط الجاد والمسؤول في الجهود الدولية لمحاربة الارهاب والجريمة المنظمة، المغرب بفضل الرؤية الملكية الاستراتيجية استطاع ان يقنع الغرب وافريقيا بانه قادر على لعب دور محوري في حل الصراع المالي وفتح قنوات وجسور الحوار السياسي بين الحكومة المالية والشعب الازوادي خصوصا وانه اعطى نموذج افريقي يحتذى به في الانتقال الديموقراطي وفي استدراك خطأ تهميش القضية الامازيغية وسعى المغرب جاهدا وبرعاية ملكية لاعطاء الامازيغية المكانة التي تستحقهافي اطار التنوع المغربي وفي اطارة صيانة الوحدة الوطنية هذا النموذج قد يستهوي الفرقاء الماليين ويفكروا في نقل التجربة المغربية الرائدة في العدالة الانتقالية وفي ادماج الابعاد الثقافية المختلفة في اطار الوحدة الوطنية.

* الاستقبال الملكي للحركة الوطنية الازوادية رسالة إلى فرنسا والجزائر على ان المغرب يملك مفاتيح الحل والعقد في مالي ورقم لا يمكن تجاهله في اي خطة تدبر للاوضاع في مالي، الحضور المغربي بمالي بدأ يتقوى ويأخد ابعادا دينية وثقافية وسياسية وبدأت وشائج العلاقات السياسية بين الشعب المالي والشعب الازوادي تتقوى مع النسيج السياسي المغربي وهذه نقطة تحسب للمغرب وللملك محمد السادس حيث ان الجهود السياسية التي بذلها المغرب من اجل محاربة الحركات الارهابية بمالي ومساندته المشروطة لفرنسا في حربها على الارهاب في مالي لا يعني ان المغرب سيتخلى عن مصالحه الاستراتيجية مع مالي ومع ازواد وسيفتح المجال امام التحركات الاجنبية الاخرى لتخطط لزعزعة استقرار المغرب من بوابته الجنوبية، الاستراتيجية الاستباقية المغربية تعطي مؤشرات بأن منطقة مالي ستكون في المستقبل القريب محط اطماع استخباراتية كبرى ومن حق المغرب وبل من واجبه ان يقوي علاقاته الاسترايجية بجميع التكتلات والتشكيلات السياسية والثقافية والدينية بالمنطقة فالخطوة المغربية بتكوين مجموعة من الائمة والمبادرات الانسانية الاخرى التي يقودها المغرب اتجاه الدولة المالية رهان قوي يخوضه المغرب من اجل ربح مالي المستقبل.امام هذه العناصر التي يمكن ان تساهم في تفسير التوجه المغربي نحو الحركة الازوادية والاسئلة الاخرى المعلقة التي سيكون المستقبل كفيل بايضاح والاجابة عن بعضها يبدو من المشروع طرح سؤال اخر وهو لماذا لم يهتم المغرب بالحركة الامازيغية الجزائرية التي تتعرض للقمع والتقتيل من طرف النظام الجزائري؟ ربما قد يبدو الجواب عن هذا التساؤل بسيط وجاهز وهو ان دعم المغرب للحركة الامازيغية بالجزائر سيكون تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة اخرى وهذا يتنافى مع الاعراف الديبلوماسية المرعية في العلاقات الدولية بل يعتبر خرقا سافرا لميثاق الامم المتحدة، لكن دعونا جميعا ننسى ولو للحظة هذا الجواب البسيط وربما الساذج او على اقل تقدير المدرسي، الدولة المغربية مطالبة اخلاقيا ودينيا لمناصرة امازيغ الجزائر والتعبير عن موقف في المحافل الدولية للتنديد بما يتعرض لها الشعب الجزائري الشقيق ومكونه الامازيغي من حرب ابادة وتقتيل جماعي خصوصا وان النظام الجزائري لا يفوت اية فرصة دون ان يدعم الانفصال بالمغرب ولتكون المعادلة بسيطة لا تتدخلوا يا ساسة الجزائر في شؤوننا الداخلية مقابل ان لا نتدخل نحن المغاربة في شؤونكم الداخلية، والحالة هذه لماذا لا يطالب المغرب رسميا من الجزائر سحب اعترافها بالبوليزاريو وعدم استقبال اعضائها على اراضيه مقابل ان لا يضطر المغرب لاحتضان حكومة القبايل في المنفى على اراضيه ويدعهما ويعترف بها، اذاكانت الديبلوماسية المغربية قد استطاعت ان تجدد الياتها في التعاطي مع القضايا الافريقية الشائكة بفضل القرار الملكي السديد بتنبني نبرة هجومية في التعاطي مع التهديدات المستمرة للمصالح المغربية فأن سياسة النعامة والخدلان التي تتبناها الديبلوماسية المغربية اتجاه التدخل السافر للنظام الجزائري في شؤوننا الداخلية ستصل لا محالة إلى تفخيخ الجبهة الداخلية المغربية وتصدير العنف والشغب إلى المدن المغربية الجنوبية يجعلنا جميعا نتساءل بمرارة لماذا لا تكون ديبلوماسياتنا جريئة وتدعم امازيغ الجزائر وان لم يكن ايمانا بالمطلب الامازيغي العادل والمشروع والذي يلزم على الدولة المغربية دعمه اخلاقيا وسياسيا وان لم يكن ايمانا على الاقل ان يكون بناء على رد الصاع للنظام الجزائري صاعين وردعها لتكف عن استهداف امن واستقرار المغرب.

* * * *

عندما يتحول حسن نصر الله إلى يزيد بن معاوية عصره؟
منذ
18مارس 2011 تاريخ بداية الثورة السورة وبدايتها من درعا والدماء تسيل في شوارع سوريا والمجتمع الدولي عاجز عن ايقاف المجازر اليومية المقترفة ضد الشعب السوري، محنة الشعب السوري تسائلنا جميعا وتبين ضعف المجتمع الدولي امام حسابات سياسية وسياسوية في حقيقة الامر، المبرر اللامبرر الذي تعطيه القوى الفاعلة دوليا لعدم اسقاط نظام الاسد هو الخوف المرضي من صعود الاسلاميين وسيطرتهم على قطر استراتيجي في المنطقة تربطه حدود جغرافية حساسة مع اسرائيل من جهة ومع الاردن التي تخندق ضمن دول الاعتدال وكذلك عدم توفر بديل معارض معتدل وقبول غربيا، لكن التماطل الدولي في اسقاط الاسد عمق التطرف في المنطقة ووسع من مساحات تواجده واستغلت الجماعات الارهابية فوضى السلاح وتجارة السلاح المنتشرة عبر الحدود فبدل نظام الاسد ظهرت داعش والنصرة وجند الشام وغيرها من التنظيمات الارهابية التي استغلت ظروف الفوضى وانهيار اسس الدولة لنشر خلاياها في كل مكان في سوريا وقريبا سينتقل الارهاب إلى الدول المجاورة، فمن يعتقد ان التنظيمات الارهابية سيتم القضاء عليها في سوريا والعراق بالصربات الجوية او انتظار حسم النظام السوري للمعركة لصالحه فهو واهم وهما لامواربة فيه، التنظيمات الارهابية اصبحت تهدد الجميع وربما في القريب العاجل سينطلق الارهاب إلى اوروبا وامريكا وحينئد سيندم الجميع وستسيل دماء الاخرين كما تسيل دماء السوريين بسخاء امام مرائ ومسمع مجتمع دولي فاشل وعاجز عن اتخاذ قرار حسم الصراع في سوريا لفائدة الشعب السوري وقواه المعتدلة.

تساؤلات مقلقة بدأت تطرح نفسها بالحاح من قبيل من له المصلحة في ابقاء الاوضاع الحالية على حالها. اي اعطاء سوريا ولبنان والمنطقة برمتها للهلال الشيعي وللحكم الايراني؟؟ فالذي يقاتل اليوم في سوريا ليس ما يتبجح به الاعلام السوري الذي يكذب في كل شئ حتى في درجات الحرارة من ان الجيش الاسدي يقاوم الجماعات الارهابية بل الذي يقتل الشعب السوري اليوم هو فيلق سليماني الايراني وجنود حزب الله الذين حولوا اتجاه اسلحة مقاومتهم المزعومة لاسرائيل إلى الصدور العارية لاطفال سوريا، وعجبا ان نرى زعيم حزب الله يتحدث في مناسبات عدة عن ثورة الحسين بن علي ضد يزيد بن معاوية وكيف انتصر الدم على السيف لكن للاسف الشديد ومن مفارقات العصر المعيش ان نرى حسن نصر الله وهو يمثل يزيد بن معاوية العصر الجديد واطفال سوريا الذين يموتون يوميا بالبراميل المتفجرة يعيدون تشكيل اللحظة التاريخية للحسين بن علي في صموده ضد طغيان بني امية. سوريا اليوم ياسادة العالم تعطى لإيران على طبق من ذهب وستندم امريكا وحلفائها على هذا القرار وهذه النتيجة.

لماذا هب العالم لنصرة النظام الحاكم في البحرين ضد التدخل الايراني في الشان الداخلي البحريني وساهمت دول عدة في ذلك وترك الشعب السوري بدون دعم ولا مساندة؟ هل اهل البحرين اهم من سوريا ام ان عنصر البترول يحسم الولائات والمساعدات الدولية لطرف دون اخر؟ هل السيطرة المزعومة للاسلاميين على الشارع السوري تعطي مبررا للقوى الدولية للتواطئ مع بشار الاسد لقتل المزيد من الابرياء و تواطئ مع الجماعات الارهابية الاخرى من داعش ونصرة وحزب الله الذي تحول إلى حزب للشيطان وسقططت اوراق التوت عن عورته وتبين انه حزب طائفي بغيض لا يجمعه بالمقاومة الا الاسم والدماء.

صحيح ان تحالفا دوليا قد تشكل ضد تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق وهذا امر ضروري وايجابي ولكن لماذا لم يشمل التحالف الدولي اسقاط نظام الاسد او على الاقل اقامة منطقة حظر جوي لمنع الطيران السوري من قنبلة الاحياء الشعبية وارتكاب المجازر الجماعية المتنقلة ضد السوريين أخرها مجازر ادلب في 28 اكتوبر 2014 والتي ذهب ضحيتها العديد من الاطفال الابرياء؟؟

في سوريا اليوم جماعات ارهابية متطرفة هذا صحيح ولكن في الشعب السوري كذلك حركة مدنية وسياسية سلمية وعاقلة تريد الخير لبلدها ومستقلة في قرارها السياسي هذه الطبقة السياسية التي همشها صوت الرصاص والمدافع واظنتها السجون والمنافي والصراعات الداخلية بين فصائلها يمكن المراهنة عليها ودعمها وتشجيعها بجميع الوسائل والامكانات وستقيم دولة ديموقراطية مدنية تعددية في سوريا وتباشر مصالحة وطنية شاملة ولكن اي حل سياسي لسوريا لابد ان يستبعد الاسد من اي معادلة مستقبيلية لان مكانه الطبيعي هو محكمة الجنايات الدولية. النظام السوري تاريخيا حاول تهميش المعارضة وتمزيقها وتشويهها ونشر الطائفية السياسية وحاول الرهان على طائفة دون اخريات ولكن مثقفو الطائفة العلوية ابانوا عن فطنتهم وذكائهم لعدم وقوعهم في الفخ المنصوب لهم فسارعوا إلى التنديد بجرائم الاسد منذ البداية لذلك فوتوا فرصة ثمينة على النظام الذي راهن على هذه الطائفة لتعزيز تخوفاتها وايهام العالم بان ما يحدث في سوريا حرب مذهبية وليست سياسية. في سوريا نخبة متنورة قادرة على رفع التحديات وساعطي امثلة فقط والائحة طويلة جدا للمفكرين السوريين الذين اعطو للفكر السياسي العالمي الشئ الكثير ويمكن الرهان عليهم وسد ذرائع الغرب بعدم وجود بدائل برهان غليون، جورج طرابيشي، جورج صبرا، غسان ابراهيم، هيثم مناع، بسام جعارة، معاذ حسن، الطيب التيزيني، صادق جلال العظم، ماهر شرف الدين، ميشيل كيلو.. وهذه القيادات الفكرية يمكنها ان تساهم في بناء مستقبل سوريا اذا توفرت لها الامكانيات السياسية اللازمة وستعطي للسياسة معنى في سوريا المستقبل ويمكن ان تنقل سوريا من دولة الاستبداد والقهر إلى دولة مدنية ديمقراطية تتسع للجميع كردا وعربا، مسيحيين ومسلمين، وغيرهم من الاديان الاخرى.اما رهان المجتمع الدولي على دحر الارهاب اولا وانتظار ما ستؤول اليه موازين القوى على الارض بين النظام والمعارضة المسلحة وعدم الانخراط الجدي في حل الازمة السورية لن يعطي سوى نتائج عكسية وسيعطي للارهاب نفسا جديدا وستزداد الفاتورة الانسانية التي تقترب اليوم من مليون شهيد وشهيدة من الشعب السوري وعدد كبير من اللاجئين المشردين (حوالي ملونين مهجر)في عدد كبير من الدول ويمثل عدد الاطفال منهم نسبة مئوية تفوق 40 في المئة.

* * * *

هل للشعب السوري أصدقاء في العالم؟
أعلنت وزارة الخارجية الأردنية أن اجتماعا لمجموعة
"أصدقاء سوريا" على مستوى وزراء الخارجية سيعقد في الأردن منتصف الأسبوع المقبل ولكن السؤال المطروح هو هل تصلح مثل هذه المؤتمرات الدولية لإسداء خدمة ما للشعب السوري أم أن هذه المؤتمرات تهدف أساسا لتطويل معاناة الشعب السوري وإعطاء المزيد من الوقت للمجرم بشار الأسد وشبيحته لارتكاب المزيد من الجرائم المروعة في حق الشعب السوري وباستعمال الأسلحة الكيماوية، من حقنا أن نتساءل بالفعل هل للشعب السوري أصدقاء بعدما توغل المجرم الأسد في دماء الشعب السوري وبقي المجتمع الدولي يكرر اسطوانات مشروخة من قبيل مؤتمر جنيف واحد وجنيف اثنين فيما الجرائم المرتكبة في بانياس والبيضاء وطرطوس وحلفايا والقصير حيث حزب الله اللبناني وهو في الحقيقة حزب للشيطان ارتكب أبشع الجرائم وبررها بان هذه الجرائم دفاعا عن شيعة سوريا كأن بهذا المنطق يجب على تركيا أن تتدخل في سوريا لحماية التركمان وعلى المسيحيين الغربيين التدخل لحماية مسيحي سوريا وعلى السنة المسلمين إغاثة أشقائهم السنة السوريين انه منطق بائس ذلك الذي تبرر به إيران وعميلها في المنطقة حزب الله تدخلها السافر في تقويض حياة السوريين، مؤتمرات أصدقاء سوريا لم تعد تجدي شيئا مادام الشعب السوري قد انتظر سنتين وقدم أكثر من 90000 شهيد وشهيدة ودمرت الآثار التاريخية والمعمارية ورجعت سوريا إلى القرون الوسطى، الشعب السوري لم يعد يثق في سياسة الغرب وأمريكا لأنها سياسة منافقة مبنية على المصالح والتناقضات فوزير الخارجية الأمريكي يقول في موسكو شيئا ويقول نقيضه في ستوكهولم ووزير الخارجية الفرنسي يصرح بعبارات غامضة لا تفهم منها هل هو مع تسليح المعارضة أم مع الحل الإجرامي لبشار الأسد، الشعب السوري لم يعد ينتظر مقررات المؤتمرات الدولية لأنه يعرف أن مصيره بيده فكلما تقدم الجيش الحر في الميدان سمعنا جون كيري ولوران فابيوس وهيغ وآخرون يقولون بان بشار الأسد لن يكون في ترتيبات المرحلة المقبلة لكن إذا تراجع الجيش الحر بفعل القصف الصاروخي الكبير والقنابل العنقودية والأسلحة الكيماوية سمعنا الغرب يدعو المعارضة إلى حل سلمي هذا هو الغرب كما عرفناه دائما وكما قرانا عنه لا يتغير لا مبادئ له ولا قيم سوى الدفاع عن مصالحة الاقتصادية والسياسية، قصفت إسرائيل احد ألوية جيش المجرم بشار الأسد ليس لأن إسرائيل ساندت الثورة السورية بلى هذا غير صحيح بل إن إسرائيل أكدت للعالم أنها الدولة العظمى التي تستطيع أن تحمي مصالحها بدون تفويض لا دولي ولا غربي وبذلك تؤكد إسرائيل لمن لا يزال يحلم بالشرعية الدولية بأن القوة هي التي تصنع الحقوق والشرعية وحتى المشروعية الدولية أما المؤتمرات الدولية فهي مضيعة للوقت وتسويف للثورة السورية، بطبيعة الحال كان جواب بشار الأسد على الغارات الإسرائيلية هو أن سوريا تحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين، فمتى استطاع خادم إسرائيل بشار الأسد أن يقلق راحتها ولو برصاصة واحدة؟ ولكن بشار الأسد فعلا قد رد في المكان المناسب أي في بانياس والبيضاء والقصير وفي الزمن المناسب أي زمن الغدر الدولي والتخاذل الأممي عن إغاثة ودعم الشعب السوري، كما أن بشار الأسد قد رد في الأراضي التركية عن طريق تفجيرات الريحانية وسمعنا كذلك أردوغان يقول بان تركيا تحتفظ بحق الرد، إننا نعتقد مكرهين أن إسرائيل هي وحدها التي تتوعد فتنفذ وعيدها أما باقي الدول فهي تعطي فقاعات إعلامية وتهديدات كلامية بات أطفال سوريا لا يصدقونها فما بالكم بالكبار، الثورة السورية المجيدة أعطتنا دروسا في العلاقات الدولية لا تنسى فهي علمتنا بأن الدماء الإنسانية ارخص من البترول والغاز وأعطتنا بان الحسابات القطرية الضيقة حقيقة وليست شعارات وعلمتنا الثورة السورية بأن الآية الكريمة لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم هي دليل الراغبين في التغيير فلا أمريكا ولا أوروبا ولا العالم أجمع يستطيع أن يدعم ثورة من الثورات لدواعي إنسانية بل المصالح هي اللغة الرائجة في العلاقات الدولية، الثورة السورية علمتنا دروسا ومواعظ مهمة ومنها انك يجب أن لا ننخدع بالشعارات الثورية الفضفاضة التي تدرس في المدارس وتلقن في المناسبات من قبيل أن النظام السوري أو أي نظام آخر نظام مقاومة وممانعة لإسرائيل كل الأنظمة العالمية اليوم وبدون استثناء ليست ممانعة ولا مقاومة سوى لتطلعات شعوبها ولا يغترن أحدكم بشعاراتها الجوفاء فإسرائيل تعرف جيدا بان العالم لم يعد فيه منطق للإيديولوجية والحسابات الثقافوية والسياسية الفجة إسرائيل تعلم بان مفاتيح التقدم في العالم هي امتلاك التكنولوجيا المتطورة امتلاك العلم والقوة ولان إسرائيل تملك ذلك فهي مهابة في العالم تصول وتجول وشعبها ينعم بالديمقراطية الداخلية النموذجية والتناوب الديمقراطي على الحكم فيما بلداننا تعيش أمية وفقرا وجهلا وقمع و استبداد فكيف سنواجه إسرائيل و ندعي الممانعة والمقاومة؟ إن كانت للثورات والتضحيات الكبيرة التي أعطاها الشعب السوري من ايجابيات فهي أن الثورة السورية أكدت لمن لا يزال مشككا أن الشعوب عليها أن لا تثق في الشعارات ولا في الخطابات السياسية والدينية ولو كانت على منابر المساجد إلا إذا كانت متوافقة مع المنطق والعقل والحجة والدليل، فتلك دروس الثورة السورية.

إذا كانت التسوية السياسية المراد فرضها أمريكيا وروسيا على الشعب السوري تستند لمنطق ميزان القوى وفرض إرادة طرف على طرف آخر فان مثل هذه التسوية لن يكتب لها النجاح والحياة ولن تدوم لان الشعب السوري قدم التضحيات ومئات الآلاف من الشهداء من اجل التحرر من نظام الطاغية بشار الأسد ولن يقيل بنصف الحلول بعد كل الدماء التي سالت لكننا كشعوب ثالثية وكشعوب واعية مدركة لحجم المؤامرة التي يتعرض لها الشعب السوري من قبل من يسمون زورا وبهتانا أصدقاؤه قبل أعدائه مقصرون في التضامن مع الشعب السوري وتركناه وحيدا في وجه كاسر الغابة بشار المجرم ولن يغفر لنا التاريخ صمتنا وخنوعنا وسكوتنا عن جرائم بشار الأسد وعصابته.

* * * *

لماذا قدم الغرب سوريا لتنظيم القاعدة وايران على طبق من ذهب؟
تتوإلى الجرائم الاسدية في سوريا أمام مسمع ومرأى المجتمع الدولي، الثورة على تخوم عامها الثالث والنظام استعمل جميع أنواع الأسلحة لإخمادها ولكن بدون جدوى فالثورة السورية مصممة بعد كل هذه التضحيات الكبيرة التي بذلتها على تحقيق مطلبها في التغيير الجذري والكلي للنظام رغم التواطؤ الواضح للمجتمع الدولي مع نظام بشار الاسد اذ لم تستطع المنظومة الدولية حماية الشعب السوري من الجرائم المستمرة كما لم تستطع الولايات المتحدة الامريكية والتي قال رئيسها ذات يوم اذا استعمل بشار الاسد وشبيحته الاسلحة الكيماوية فإن امريكا تعتبر ذلك خطا احمر, فها هو بشار الاسد استعمل الاسلحة الكيماوية في ثلاث مناطق متفرقة في سوريا على الاقل وبشهادة الخبراء العسكريين البريطانيين الذين اخذوا عينات من تراب طريق دمشق ونقلوها سرا إلى المختبرات البريطانية وتأكد لهم احتوائها على ادلة قاطعة عن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية. فماذا ينتظر اوباما ومعه المجتمع الدولي لانقاذ الشعب السوري؟ ام ان ما يروج وربما هو الصحيح ان الغرب مادامت مصالح اسرائيل غير مهددة ومادامت سوريا لا تحتوي على ثروات نفطية وغازية كبيرة فلماذا تغيير نظام بشار الاسد وهو النظام الذي لم يطلق ولو رصاصة حتى من النوع المطاطي على اسرائيل؟ لماذا تغيير نظام بشار الاسد وهو حليف استراتيجي للغرب في استئصال الارهاب ومحاربة الجماعات المتطرفة واعطى ادلة تاريخية ملموسة في ذلك؟ ان تطورات الاحداث السياسية المستجدة في سوريا تعطي انطباعا قويا بان الغرب ضد الثورات المجتمعية والسياسية التي عرفتها مجموعة من البلدان التي عاث فيها الاستبداد فسادا وان الغرب خان قيمه الحضارية والفلسفية التنويرية التي جعلته مميزا عن باقي القيم العالمية الشمولية الاخرى ففرنسا مثلا وهي مهد الافكار التنويرية التي قادها فلاسفة مرموقين ليس لوي التوسير وسارتر الا امثلة، اليست فرنسا صاحبة الثورة الفرنسية التي فتنت بافكارها التحررية العالم اجمعهي التي تواطئ نظامها السياسي مع نظام بنعلي إلى اخر لحظة؟ وحاول الفرنسيون تدارك ذلك باستقبالهم الحماسي للرئيس المرزوقي واعطائه كلمة امام البرلمان الفرنسي والبرلمان الأوروبي كتكفير سياسي عن خطيئة تواطؤ ساركوزي مع الاستبداد التونسي انذاك.لكن مشاعر الاحرار بتونس ماتزال تتذكر الجراح الكبيرة التي لم تندمل بعد بسبب العلاقات الفرنسية التونسية والتي غطت على الاستبداد والقمع وسوقت تونس كقلعة خضراء وبلد الحريات النسائية وغيرها من عبارات المديح التي كان السياسيون الفرنسيون يكيلونها لتونس نفاقا ومراعاة لمصالح فرنسية صرفة. الرئيس فرانسوا هولاند وهو الرئيس الفرنسي الاشتراكي الذي وعد في برنامجه الانتخابي بالدفاع عن حقوق الانسان وحقوق الشعوب لم يف بوعوده تلك عندما قام بزيارة الجزائر والمغرب لم يذكر في خطبه التي القاها امام برلماني الدولتين مطالبة فرنسا لهما باحترام حقوق الانسان ولا باطلاق سراح المعتقلين السياسيين ولا باطلاق الحريات الصحفية والاعلامية بل كان هدفه الاوحد والوحيد في الزيارتين هو اخراج فرنسا من ازمتها الاقتصادية وحمايتها من الخطر الارهابي في الساحل والصحراء ما عدا ذلك لا يهم فرنسا بل هي مسائل داخلية على الدول المعنية حسمها بالطرق التي تراها مناسبة ولا يهم المنظور الحقوقي والقانوني في ذلك، الهدف من اعطاء هذه النبذة البسيطة عن السياسات الفرنسية في علاقاتها مع مستعمراتها السابقة هو تعميمها على المنظومة الغربية التي لا يهمها حقوق الانسان والشعوب ولا عدد الضحايا بقدر ما يهمها حماية مصالحها القطرية الضيقة ونتيجة لهذه السياسات الغربية الانانية ظهرت تنظيمات ارهابية متطرفة وملئت فراغ القوى الديموقراطية المعتدلة التي تكذب الممارسات الغربية يوميا خطاباتها بان هناك تضامن دولي وان هناك تعاون شمال جنوب وان القوى الديموقراطية الغربية تدعم حقوق الانسان ومقاربة النوع الاجتماعي وعولمة انسانية وغيرها من الشعارات البراقة التي يدافع بها الديموقراطيون عندنا عن توجههم الاعتدالي وان عولمة انسانية ممكنة التحقق لكن السياسات الغربية المنافقة والمبنية على المصالح الحدية اعطت لخطاب التطرف في بلداننا مرتعا خصبا تزكيها ادلة كثيرة ووقائع يومية دامغة على ان العالم غابة ياكل فيه القوي الضعيف، فاستقطب الفكر المتطرف افئدة وعقول الشعوب المقهورة واصبح التطرف والحلول الارهابية مطالب شعبية، هذا ما وقع في سوريا بالضبط حيث خرج الشعب السوري في بداية انتفاضته بشعارات اصلاحية بسيطة وبمنهج سلمي فتصدى له النظام الاسدي بالوحشية المعروفة والموثقة فسكت الغرب بل وانتظر حسما سريعا سيقوم به الاسد وجحافله للمعركة ولكن مع مرور الايام وتوالي الشهور وازدياد الفاتورة الانسانية ادرك الشعب السوري بفطرية وتلقائية ان لا احد بمقدوره ان يحميه من البطش والقمع الا توحده وتنظيمه في وحدات قتالية مسترشدا بالقولة المأثورة لا يفل الحديد الا الحديد فتوحد الشعب السوري خلف جماعات مقاتلة اكتسبت من الخبرة القتالية الشئ الكثير بفعل مشاركتها في مناطق مختلفة في العالم فتدفق المقاتلون عبر الحدود واصبحت سوريا اسيرة للجماعات الارهابية مثل جماعة النصرة ولواء التوحيد وتوارت احاديث السلمية والديموقراطية والحوار واصبح الشعب السوري محصورا بين قمع النظام الاسدي والمستقبل المجهول الذي ينتظره اذا ما فشلت القوى الديموقراطية المعتدلة في الظفر بالقيادة السورية لمرحلة ما بعد نظام الطاغية بشار الاسد، المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية تاريخية واخلاقية وسياسية بالنتيجة في تركه الشعب السوري وحيدا بين مخالب الاسد المجرم فلا يجب ان نلومه اذا ما تخندق إلى جانب جبهة النصرة او تنظيمات ارهابية اخرى فصاحب الحاجة اعمى كما يقال، الجيش النظامي السوري يمارس الارهاب والقتل والتدمير بمشاركة فعلية من مليشيات حزب الله والحرس الثوري الايراني امام صمت مطبق من من يسمون اصدقاء سوريا فيما المجتمع الدولي يناقش قضية ادرج جبهة النصرة ضمن المنظمات الارهابية، كأن المجتمع الدولي يقدم من جديد الذرائع ويكسب مزيدا من الوقت لبشار الاسد من اجل اتمام جهاده المقدس الذي دعا اليه بعض وعاظ السلاطين وبعض المشايخ الذين انهوا ما تبقى من المصداقية لدى المؤسسات الدينية الرسمية. المجتمع الدولي بعزوفه عن تسليح الشعب السوري وانقاذه من الابادة الجماعية التي يتعرض لها انما يخلق مناخ التطرف الديني والطائفي ويعجل بفوضى عارمة ستحل بالمنطقة على جميع الاصعدة والمستويات ومخطئ من يعتقد بأن هناك من سيكون بمنائ عن هذا المناخ المكهرب الذي يعطي للحركات الدينية المتطرفة وقودا ايديولوجيا وسياسيا سيقلب كل التوازنات السياسية الموروثة عن الاستعمار وسيبني شرق اوسط جديد يصعب على الغرب ان يجد فيه موطن قدم بعد الان.

* * * *

من أجل حماية دولية للشعب السوري
"واذا ما قيل بضرورة التمسك بالعقلانية والواقعية من قبل الطبقات الحاكمة، نكتشف من دون الكثير من العناء ان المقصود من هذه الدعوة هو الاستسلام والخضوع والمساومة، لا العمل على استنباط الحلول وتغيير الواقع" الدكتور السوري حليم بركات في كتابه الاغتراب في الثقافة العربية ط1 شتنبر2006 ص30.تتناقل وسائل الإعلام والاتصال المختلفة يوميا، الملاحم البطولية للشعب السوري الأعزل الذي يخوض معركة الديمقراطية والتحرر من الاستبداد العائلي والطائفي الأسدي، نضالات يومية يدفع فيها الشعب السوري يوميا عشرات الشهداء ومئات الجرحى، إلا أن موقف المجتمع الدولي لحد الآن لا يواكب طموحات الشعب السوري ولا تضحياته الجسام، إذ ما تزال الآلة القمعية النظامية السورية تغتال المواطنين والمناضلين رغم سلمية تحركاتهم ورغم شرعية ومشروعية مطالبهم، فإلى حد كتابة هذا المقال بلغ عدد ضحايا الشعب السوري الآلاف والجرحى نفس الشيء ناهيكم عن عدد المعتقلين والمختطفين الذين تجهل منظمات حقوق الإنسان الدولية والسورية أماكن تواجدهم ولا شك ان ظروف اعتقالهم سيئة للغاية كما تبين تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية التي طالبت المجتمع الدولي منذ البداية بضرورة إيفاد مراقبين دوليين لزيارة السجون والمعتقلات السورية لكن النظام القمعي السوري بطبيعة الحال لم يستجب لهذا المطلب وواصل حملته الإجرامية ضد المناضلين السوريين واغتيال كوادرهم من أجل إخماد الروح النضالية الثورية المتقدة في نفوس كل الشرفاء الرافضين للظلم والاستبداد والعنجهية، فكلنا نتذكر طريقة اغتيال الشهيد السوري الكبير شهيد حقوق الإنسان معن العودات شقيق المناضل الحقوقي الكبير هيثم مناع يوم 8 غشت 2011 رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان وصاحب مواقف وكتابات متميزة عن حقوق الإنسان حيث كان معن العودات صوت الاعتدال والنضج ومثال المناضل الملتزم بقضايا شعبه، لكن إرادة القتل والقمع كان لها رأي آخر هو التصعيد فالتصعيد ومزيد من القمع والتقتيل ظنا من النظام السوري الجبان بأن الشعب السوري سيخاف وسيتراجع عن المطالبة بحقوقه، لكن خاب ظنهم فواصل شعب سوريا نضالاته وتضحياته واستمر اغتيال عدد كبير من الكوادر الثورية التي بصمت الثقافة والسياسة السورية لمدة كبيرة، وعاث النظام السوري في ارض سوريا تدميرا وتقتيلا أمام صمت رهيب من المجتمع الدولي الذي ربما ينتظر أن ينهي النظام السوري جميع أفراد الشعب السوري، لذلك فالتدخل الدولي العاجل لحماية المدنيين مسؤولية سياسية وأخلاقية مستعجلة من شأنها إيقاف المجازر اليومية التي ترتكب في حد المتظاهرين السلميين ومن شأنها كذلك إعطاء ضوء اخضر للمنظمات الإنسانية الدولية للتدخل الإنساني وتقديم العون للمحتاجين والجرحى والأرامل وهذه كلها قضايا تتطلب الإسراع الدولي باتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه، إننا كشعوب مستضعفة مطالبة اليوم بالاستفادة من النضال السوري ودروسه في التضحية والعزم بنفس حاجتنا إلى استخلاص درس مهم وهو حاجتنا إلى الدعم الخارجي الأوروبي والأمريكي على وجه الخصوص لتشجيع المسار الديموقراطي ببلداننا، هدف هذا القول هو التعليق على بعض الأصوات المعارضة للتدخل الخارجي لحماية الشعوب تحت ذريعة الخوف من الاستعمار أو تهديد الوحدة الوطنية وغيرها من الشعارات التي أبدت ورسخت الأنظمة الديكتاتورية في بلداننا وجعلتنا أسرى شعارات وطنية لا مزيفة وعمقت اغترابنا السياسي عن مناخ الديمقراطية وحقوق الإنسان وأعطت للأنظمة الديكتاتورية التي تحكمنا مبرر لتقتيلنا وذبحنا، فيما المثال الليبي واضح وصريح لولا تدخل الناتو في الوقت المناسب لسحقت مدن ليبية بأكملها وشرد بلد بأكمله، الم يكن الناتو المنقذ المخلص في ليبيا؟ نفس السيناريو أراه مناسبا في سوريا هو التدخل الخارجي من اجل حماية الشعب السوري للانتقال نحو الديمقراطية وعلى المعارضة السورية أن تتعظ من الدرس الليبي وان تعلم بأن النظام السوري لن يتراجع في القتل والتهجير والاعتقال إلا إذا تدخل المجتمع الدولي لأنه بكل بساطة يدافع عن موقعه وكراسيه الوثيرة ولن يذخرا جهدا في القيام بأي خطوة جنونية للبقاء في السلطة ولو اقتضى ذلك بيع جميع سوريا أرضا وثروات إلى الأجنبي من اجل البقاء والاستمرار في الحكم، فواهم من يعتقد بأن النظام السوري سيقوم بإصلاحات جوهرية في النظام السياسي، بل هو يراهن فقط على ربح الوقت وافتعال أزمات خارجية تؤجل حسم مصيره، فتارة يسخن الجبهة اللبنانية وتارة أخرى يعد روسيا والصين بما ليس لديه والهدف هو تمديد الأزمة وتكسير عزيمة الثورة والثوار والرهان على تحولات سياسية في أوروبا وأمريكا قد تحمل تغيرات دراماتيكية في الدعم الدولي لما بات يسمى بالربيع العربي , لكن لحسن الحظ فالرأي العام الدولي أكثر تحمسا من حكامه في الدفاع عن الثورات العربية ودعمها سياسيا وإعلاميا، إذ باتت محط تنافس انتخابي أوروبي وستكون بلا شك كذلك في الانتخابات الأمريكية المقبلة، ودليلنا على ذلك الاعتذار البريطاني على دعم حكوماتهم المتعاقبة للأنظمة الاستبدادية التسلطية في البلدان العربية لمدد زمنية كبيرة.الحماية الدولية للشعب السوري تتطلب حزما دوليا سريعا قبل وقوع المزيد من المجازر والمذابح، وكذا من مصلحة المجتمع الدولي أن تكون المنطقة المتوسطية منطقة ديموقراطية حرة إذ سيستفيد المجتمع الأوروبي من ذلك أكثر من استفادته في بقاء الأنظمة القمعية المتخشبة التي تصدر الإرهاب والحقد والضغينة لأوربا كما تصدر أفواج المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين الفارين من الظلم والاستبداد الحالمين بالفردوس الأوروبي.
أما أعمدة الإجرام السوري فيجب تقديمها للمحكمة الدولية لجرائم الحرب، لتكون كلمة حقوق الإنسان فيصلا يحكم في العلاقات الدولية ويكون الطغاة من الحكام عبرة لمن يستفرد بشعبه تقتيلا وتهجيرا وتعذيبا، فالشعب السوري شعب عظيم أعطى إسهامات كبيرة للحضارة الإنسانية، شعب يحتضن طاقات سياسية وثقافية فكرية عملاقة فمن العار أن نجعله عرضة للتنكيل والتجهيل والتقتيل، فشعب أنجب برهان غليون والطيب التيزيني وجورج طرابيشي وجودت سعيد والأتاسي وحليم بركات وهيثم مناع وفايز سارة وآخرون يستحق منا كل الدعم والتأييد. شمس سوريا ستسطع إن شاء الله وسيؤول نظام الأسد إلى مزبلة التاريخ

* * * *

عندما تكون القبور أهم من الأحياء في نظر حسن نصر الله
بعد انكشاف التورط الدموي لحزب الله في جرائم ريف القصير السوري، خرج حسن نصر الله في خطاب متلفز يوم الثلاثاء 30 أبريل 2013 إلى الرأي العام الدولي واللبناني اقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه خطاب إرهاب وترهيب واعترا ف بجرائم قام بها حزب الله في حق الشعب السوري وفي بلدات سورية محادية للبنان وهنا تطرح تساؤلات مشروعة: هل يملك حزب الله تفويضا دوليا للتدخل العسكري في شؤون دولة أخرى؟ حتى لو كان الأمر على افتراض أن الآمر يتعلق بحماية حزب الله للشيعة السوريين؟ أم أن حزب الله يقتل مواطني دولة اخرى في أراضيهم؟ إن خطاب حسن نصر الله هو إعلان حرب على الشعب السوري وتدخل دموي سافر وتوغل فاضح في دماء السوريين، حسن نصر الله تباكى كثيرا على ضريح للسيدة زينب متوعدا كل من اقترب إليه بالقتل والترهيب، فهل الأضرحة والقبور أهم من الأحياء الذين يقتلون بدماء باردة من طرف حزب الله ومليشياته الدموية، أم أن الطائفية المقيتة أعمت عمائم حزب الله وأصبحت قيادته تبحث عن ذرائع مقنعة لجمهورها الشيعي الذي استهجن على ما يبدو تورط الحزب في قمع وتقتيل الشعب السوري كما أن قيادة حزب الله تعد نفسيا المريدين الشيعيين لتدخل مباشر وعلني لانقاد حكم بشار الأسد، لقد انكشف الدور الخبيث الذي يقوم به حزب الله السفير الإيراني في المنطقة وتبخرت كل شعاراته المقاومة لإسرائيل وأصبح سلاح حزب الله موجها إلى صدور الأطفال الأبرياء في لبنان، ولكن المثير للجدل القانوني هو كيف تسمح الدولة اللبنانية لحزب لبناني أن يعتدي على شعب جار؟ ام ان الدولة اللبنانية لا سيطرة لها على الحزب؟ أليست الدولة اللبنانية أسيرة لدى القوة العسكرية لحزب الله والسيطرة السياسية للمخابرات الإيرانية؟ لقد أوضحت الثورة السورية حقائق كثيرة ومنها أن حزب الله حزب إرهابي طائفي وأن مقاومته لإسرائيل كانت حربا إيرانية بالوكالة وأن إسرائيل ارحم بكثير من حزب الله بالنسبة للشعب السوري، وأن إسرائيل على الأقل لم يسبق لها أن استعملت السلاح الكيماوي ضد الدول والشعوب العدوة لها فما بالكم بشعبها، فيما لم يتوانى بشار وإيران وحسن نصر الله في قصف الشعب السوري بغاز السارين وغازات كيماوية أخرى.

* * * *

أخيرا أدرك العالم همجية النظام الدموي الأسدي؟
منذ أكثر من سنتين والشعب السوري يعاني الأمرين من المذابح اليومية التي يقوم بها النظام الأسدي المجرم الذي استباح كل الحرمات ونهج سياسة الإبادة الجماعية المرتكزة على الطائفية المقيتة رغم ان الطائفة العلوية نفسها التي كانت سنده التاريخي بدأت الآن في التبرؤ منه وانظم بعضها للائتلاف الوطني السوري المعارض، المجتمع الدولي بقي طيلة مدة الثورة السورية عاجزا عن حماية المدنيين السوريين من القتل الممنهج الذي يتعرضون له متذرعا تارة بوجود تنظيمات إرهابية كجبهة النصرة في صفوف الثوار وتارة أخرى منتظرا قبول الأسد للتنحي عن السلطة طواعية وعلى الطريقة اليمنية، لكن كل هذه الذرائع الوهمية التي يعطيها المجتمع الدولي كمبررات لعدم تدخله الفاعل والحاسم في الأزمة السورية أعطى لنظام بشار الأسد وقتا مهما لقتل المزيد من الأبرياء الذي وصل عددهم اليوم أكثر من 120000 قتيل ولا يبقى لهم سوى القليل لتحطيم الرقم القياسي الذي سجل باسم الثورة الجزائرية التي أعطت مليون شهيد، بشار الأسد استفاد من العرقلة الروسية الصينية في مجلس الأمن لصدور قرارات ملزمة تحت البند السابع كما استفاد كذلك من التململ الغربي وخوف الغرب التورط في حرب شبيهة بحرب العراق وكلنا نعرف التداعيات السلبية لحرب العراق على الرأي العام الدولي، لكن باستخدام النظام الأسدي للأسلحة الكيماوية- وخاصة غازي السارين والخردل الذي يتوفر النظام السوري على كميات هائلة منه مطورة بالخبرة الروسية الإيرانية_ في الغوطة الشرقية أصبح المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة تستشعر خطورة النظام السوري على الأمن الدولي، حيث إن الاستخبارات الأمريكية والتركية اعترضت مكالمات هاتفية لماهر الأسد شقيق بشار الأسد وقائد القمع الدموي بسوريا عبر الأقمار الصناعية كما رصدت تحركات لبعض أركان النظام السوري قبل استعماله للأسلحة الكيماوية ضد الغوطة الشرقية ومن جبل قاسيون المطل عليها تدل كلها بأنه هو الذي اشرف على قصف ضواحي دمشق بالأسلحة الكيماوية، وهذه ليست المرة الأولى التي يستعمل فيها النظام السوري الأسلحة الكيماوية إذ كلما شعر النظام بقرب سقوط دمشق في أيدي الثوار إلا واستخدم كل الوسائل بما فيها الكيماوي. استفاقة الغرب المتأخرة يجب أن تكون بضربة عسكرية قاسمة للنظام الأسدي ممهدة لإسقاط هذا النظام وليس ضربة تأديبية لإجباره على المشاركة في جنيف 2، ما يطلبه الشعب السوري اليوم هو معاقبة بشار الأسد وعصابته عبر محاكمتهم في المحاكم الدولية بتهم جرائم ضد الإنسانية وتذليل العقبات السياسية أمام حل سياسي للازمة السورية عبر تكوين حكومة وطنية لا تشمل رموز النظام السابق وتجمع جميع الأطياف السياسية، وهذا الهدف لن يتحقق بدون توافق دولي بين جميع اللاعبين الدوليين المتدخلين في الشأن السوري وخاصة الخليجيين والأتراك والغرب، الثورة السورية أعطت المجتمع الدولي الحقائق التالية:

1. ادعاء النظام السوري بأنه نظام ممانعة ومقاومة ضد إسرائيل كذب في كذب فإسرائيل قصفت مواقع سورية مرات عدة قبل الثورة السورية وبعدها ولم يحرك النظام المجرم ساكنا بل يكرر في كل مناسبة ترنيمته المشهورة سنرد بقوة في المكان والزمان المناسبين، وعرت الثورة السورية المجيدة كل الدعاوي والأباطيل الأيديولجية لنظام البعث وكشفت أن الأنظمة الديكتاتورية تستقوي فقط على شعوبها فيما تخاف من غيرها وترتعد فرائسها عندما تسمع الأمريكان والغرب عموما.
2. الحقيقة الثانية التي كشفتها الثورة السورية هي أن الأنظمة الديكتاتورية لا تتوانى لحظة في استخدام جميع أنواع الأسلحة الفتاكة ضد شعوبها إذا ما أرادت هذه الشعوب أن تتخلص من الديكتاتورية، لذلك كان الغرب محقا في منعه الأنظمة الديكتاتورية من الحصول على الأسلحة المحظورة دوليا ومن هذه الأنظمة إيران، فالغرب محق في تخوفاته من البرنامج النووي الإيراني إذ أن حصول إيران على التقنية النووية تهديد للسلم والأمن الدوليين، فعلى كل أحرار العالم منع انتشار الأسلحة المحظورة دوليا وتشديد العقوبات على الأنظمة التي تسعى للحصول عليها.
3. الحقيقة الثالثة وهي أن إسرائيل التي دائما ما ندعي أنها عدونا الأول في العالم لم تستخدم ولا مرة السلاح الكيماوي ضد الفلسطينيين ولا ضد شعبها فيما استخدمه النظام العراقي ضد شعبه والنظام السوري ضد شعبه وستستخدمه أنظمة ديكتاتورية أخرى ضد شعوبها عندما تقرر الانتفاض والثورة فهل إسرائيل هي عدونا الحقيقي فعلا؟

4. الحقيقة الرابعة وهي أنه من المؤسف أن نجد من المثقفين والإعلاميين من يبرر لنظام الأسد جرائمه، فسماع ما يقوله بعض الإعلاميين والمثقفين دليل انهيار أخلاقي رهيب، فعندما نسمع مثلا الصحفي اللبناني سامي كليب وهو مدير الأخبار بقناة الميادين يقول بأن المعارضة هي التي استخدمت السلاح الكيماوي لتقصف مناطق تسيطر عليها لتدر العطف الغربي أو عندما نقرأ ونسمع حوارات هيثم مناع والذي يتهم فيه جبهة النصرة باستخدام الكيماوي وعندما نسمع من يتحدث من مثقفينا عن مؤامرة كونية ضد سوريا تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، نقول لهؤلاء إن الولايات المتحدة والغرب أشرف منكم جميعا لأنهم على الأقل اتخذوا موقفا مشرفا لصالح الطفولة المهدورة بسوريا والتي قتل فيها بالسلاح الكيماوي الآلاف، وكان بإمكان الغرب أن يحصل على ما يريد من بشار الأسد مقابل سكوتهم عن جرائمه لكن الغرب أعطانا من جديد أمالا حقيقية في أن العالم ما زال ينبض إنسانية، للغرب مصالح نعم يسير وفقها نعم ولكن التدخل العسكري في سوريا إذا ما حدث سيكون بدافع إنساني لاشك فيه.

* * * *

طارق رمضان: المثقف الإسلامي المستنير في بلاد الغرب
لا أخفي صراحة إعجابي بالمنطق التحليلي والحجاجي للمثقف الإسلامي طارق رمضان الذي يعبر في نظري عن الفكر الإسلامي المستنير الذي يمتح من الأصالة الإسلامية دون أن ينفي الإسهام الحضاري الإنساني في بناء الحضارة الإنسانية، طارق رمضان مناضل إسلامي يناضل بالحجة والحوار من اجل شرح الإسلام بمضمونه التحرري التغييري للغرب ضد النظرة الإسلامية المختزلة لبعض الدعاة الجهلة التي تختزل الإسلام في إقامة الحدود والتحريم وجلد المرأة وتنفر العالم من الإسلام وتعطي للكراهية والبغضاء مكانة وأساس في العلاقات الإنسانية بين المسلمين وغيرهم، هدفي من هذا المقال هو تعريف القراء الكرام بمثقف إسلامي تستحق كتاباته وسجالاته حول الإسلام والغرب أهمية كبيرة من حيث انه يعطينا فكرة عن التخوف الكبير الذي يعيشه الغرب من الإسلام كما فهمه الغربيين من أفواه بعض دعاتنا المنتشرين كالفطر في القنوات الإعلامية التي تفوح فيها روائح البترول والمذهبية المقيتة حتى بات الغرب ينظر إلى المسلمين على أنهم إرهابيين ومناهضي الحداثة والتقدم العلمي في الوقت الذي منهجيا لا يمكن أن يؤخذ بعض المسلمين بجريرة أخطاء ومواقف بعضهم الآخر، طارق رمضان مثقف يساجل على جبهتين على جبهة مناهضة الإسلاموفوبيا بالغرب وعلى جبهة مقارعة الإسلام الرجعي الذي يمثله الجهلة في أوطاننا من شيوخ القتل والتحريم وتزويج القاصرات، مواقف الدكتور رمضان هي أكثر من أن تلخص في مقال أو كتاب ولكن اخترنا منها بعض المواقف التي وردت في كتابه الأخير
L’islam et le réveil arabe  والذي تناول فيه التحولات السياسية والمجتمعية التي عرفتها المنطقة المغاربية والعربية شارحا بالدليل وبمنهجية علمية الأسباب التي أدت إلى نشوء الاستنهاض المجتمعي في هذه الدول ورؤيته المستقبلية لشعوبنا بعد هذه التحولات العميقة التي شهدتها بلداننا، الدكتور رمضان وقف في بداية تقديمه لكتابه على المفاهيم فرفض تسمية ما يحدث بالثورات لأنها لم تغير الأنظمة ولم يعرف بعد مصائرها واعتبر الذين أسموها بالثورات بأنهم رومانسيون حالمون أبعد ما يكونوا مدركين الحقائق على الأرض لذلك يقول الدكتور رمضان في كتابه صفحة 17 وصفحة 19

:"a l’analyse ,il nous parait que le terme de « revoultion » est quelque peu excessif…..nous préférons l’usage du terme « soulèvement « pour qualifier le caractère commun des mouvements de masse dans les pays arabes.

لكن هل هذه التحركات الشعبية التي عرفتها تونس والجزائر ومصر وسوريا واليمن ودول أخرى كانت عفوية وبدون توجيه وتخطيط خارجي؟ أم أن ورائها تخطيط مسبق من جهات خارجية تسعى إلى القطع مع الديكتاتورية في المنطقة وإحلال أنظمة ديموقراطية؟ ولكن أليس الغرب هو الذي شجع هذه الأنظمة التسلطية ووفر لها الغطاء السياسي والاستخباراتي؟ هذه بعض الأسئلة التي حاول الدكتور طارق رمضان الإجابة عنها في كتابه ولقيت إجاباته وتحاليله ردود فعل متباينة حتى أن البعض اتهمه بالتحامل على الحركات الاحتجاجية في هذه البلدان بدعوى ادعائه أن هذه الاحتجاجات كانت بفعل فاعل وليست داخلية محضة، أظن ان الدكتور رمضان أجاب على هذه الإشكاليات وهذه " الاتهامات " بطريقة تتطلب الذكاء والنسبية الفكرية لفهمها أي هي عصية على إفهام الذين يستبقون الاتهام على التحليل والنظرة العميقة المتأنية فبخصوص استقلالية الحركات الاحتجاجية وأنها صناعة داخلية محقة في مطالبها وتربة تطورها هي البؤس والفقر والاستبداد الذي تعيشه الشعوب المنتفضة يقول الدكتور طارق رمضان صفحة 10:

  est –ce a -dire , comme le pensent certains ,que ces mouvements sont manipulés et que tout ,au fond est aux mains de » l’occident » ,des Etats -unis et de l’Europe ? nous ne le pensons pas et nous discuterons cette hypothèse "

لكن إذا كانت هذه الانتفاضات الشعبية وليدة للتحولات الداخلية أليست هناك عوامل خارجية مساعدة؟ أليس هناك تناقض بين ان نقول لعقود طويلة بأن الغرب يساعد الديكتاتورية في أوطاننا وان نقول الآن بأن الغرب سهل ودرب الشباب على التغيير السلمي في أوطاننا؟ الدكتور رمضان يقول جوابا على ما بدا لنا تناقضا على ان التحليل السياسي للمصالح الغربية في اوطاننا تحليل ناقص ما لم يراع التحولات الاقتصادية الجديدة التي تعرفها المنطقة حيث بروز قوى دولية جديدة منافسة اقتصاديا للغرب تفرض تحولات كبرى على التوجهات السياسية الغربية التقليدية المناصرة للديكتاتورية في بلداننا يقول الدكتور طارق رمضان موضحا موقفه في الصفحة 11

 " Il apparait certes clairement que les Etats-Unis et l’Europe avaient décidé de changer de politique dans les deux régions. يقصد هنا شمال افريقيا والشرق الأوسط " Soutenir inconditionnellement des dictateurs et des régimes corrompus ne pouvait plus être viable ni efficace dans la perspective, en sus de l »émergence de nouveaux acteurs politiques et économique de poids tels que la chine, l’inde, la Russie le brésil.une reforme s’imposait. "

الدكتور طارق رمضان في الكتاب حذر من مغبة الإفراط في التفاؤل بخصوص مصير هذه الانتفاضات الشعبية داعيا إلى التركيز على التحليل المتعدد الأبعاد الذي يضم الاقتصادي والسياسي و الجيوستراتيجي فالقوى التي قادت هذه التحولات لم تكن تملك مفاصل اقتصاد بلدانها وهذا هو عنصر ضعفها، ففي مصر على سبيل المثال يملك الجيش المصري حوالي 60 في المئة من اقتصاد مصر وله علاقات وشراكات دولية مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية فكيف يمكن للشباب المصري الثائر أن يصنع مصر جديدة وهو لا يملك الاقتصاد؟ صحيح أن الغرب تفاجأ بزخم التحولات التي عرفتها منطقتنا لكنه كان ينتظر ذلك وعمل من اجل ذلك والدليل إن جميع الشعارات التي حملها الشباب المنتفض كانت تهم فقط المطالب الداخلية فلم نسمع الشباب يدعو إلى محاربة الامبريالية والتبعية الاقتصادية المتجسدة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولا سمعنا شعارات تنادي بتحرير فلسطين بل الشعارات محلية ومطالب داخلية وهذا راجع في جزء منه إلى غياب التوجيه الإيديولوجي المؤطر لهذه التحركات الشعبية فكان هذه نقطة قوتها من حيث قدرتها على جمع جميع أطياف المجتمع للمطالبة بالتغيير , لكن كانت نقطة ضعفها فيما بعد عندما تم إسقاط الديكتاتور في تونس ومصر وليبيا تاه المجتمع السياسي في تقاطبات عقيمة بين العلمنة والسلفية والإسلام السياسي فضاع الشعب والبلاد في هذه التجاذبات الداخلية وتراجعت مؤشرات التنمية واحتلت الفوضى واجهة الأحداث فأعطت لقوى الثورة المضادة مرتعا خصبا للنمو والتكاثر من جديد. كتاب الدكتور طارق رمضان الإسلام والنهوض العربي يفتح أمامنا أفاق تفكير رحبة حول التحولات التي تعرفها بلداننا ويسائل الأحداث والتفاصيل بنظرة علمية لا تخلو من ديكارتية محدثة تشك في النوايا الغربية وتتبنى التشكيك في أي شئ والدكتور محق في ذلك لان العالم مبني اليوم على المصالح والتسابق نحو آماكن إنتاج الثروات ولا وجود لمنطق الأخلاق والإنسانية في العلاقات الدولية الجديدة كما تروج الآلة الإعلامية الغربية في حديثها مثلا عن أهداف التدخل الإنساني الفرنسي في مالي أو أهداف التدخل الأمريكي في العراق قبل ذلك ,بعد قراءتنا للكتاب استخلصنا منه أربع خلاصات نتمنى أن تدقق في حوارنا المفتوح مع القراء:

الخلاصة الأولى: الغرب ساعد الشباب المنتفض في بلداننا على القيام بتحركات شعبية ووفر التمويل والتكوين في المعاهد الدولية الكبرى ولكن ليس حبا في شعوبنا ولكن لان الدور الصيني المتصاعد في المنطقة والاعتبارات الاقتصادية والجيواستراتيجية أملت على الغرب وأمريكا تشجيع الإطاحة بالديكتاتورية في المنطقة وبالتالي صدقت النبوة السياسية لبوش الابن منذ توليه الحكم في الولاية الأولى عندما قال بأن شرقا أوسطيا جديد سيتشكل وسيعطي بطبيعة الحال لإسرائيل موقعا متميزا هذا ما يقع اليوم هو استفراد إسرائيل بالقوة العسكرية والاستقرار السياسي في المنطقة بعدما تم إضعاف الجيش المصري وإدخاله معترك السياسة بشكل مباشر في مواجهته للشعب المصري وتفتيت الجيش السوري وتشتيت قواه وجعل فوهات بنادقه تتجه نحو صدور أبناء جلدته من السوريين وليس اتجاه إسرائيل.

الخلاصة الثانية: ادعاء البعض منا ومن المفكرين الغربيين بأن الحركات الإسلامية هي التي نزلت إلى شوارع المدن مطالبة بالتغيير أمر خاطئ أو على الأقل مبالغ فيه فالحركات الإسلامية على الأقل في مصر والمغرب وسوريا التحقت بالحراك الشبابي واستثمرته لصالحها _بعدما بدأ وتغلغل في المجتمع _ لأنها كانت القوى السياسية الأكثر تنظيما في هذه المجتمعات ولم تكن الحركات الإسلامية هي المبادرة في المطالبة بالتغيير لذلك سرعان ما انقلب الشارع المنتفض ضد هذه القوى المستأثرة بالحكم عندما انقلبت على شعارات الشارع وأصبحت تمارس هواية وغواية الحكم والتحكم ففي مصر مثلا سرعان ما انقلب الشباب على حركة الإخوان المسلمين التي لم تلتحق بالحراك الشبابي المصري إلا بعدما تيقنت بجديته ونحوه منحى الحسم مع نظام مبارك لكن الشباب المصري خاب أمله في حكم الإخوان المسلمين لأنهم ركزوا على السجالات السياسية العقيمة ونسوا الشعب والشباب فسهل عليه استقطابه من أعدائه السابقين فوقع انقلاب الجيش على الإخوان، في المغرب لم يدخل حزب العدالة والتنمية في معمعة الحراك المغربي الذي قادته حركة 20 فبراير لكن العدالة والتنمية احتلت المرتبة الأولى في الانتخابات المغربية لأنها كانت القوة السياسية المنظمة والمؤهلة حسب الشعب المغربي للقضاء على الفساد والاستبداد ولكن خاب أمل المغاربة في هذه الحكومة وعادت الأزمة السياسية المغربية في الظهور مجددا شيئا فشيئا لان العدالة والتنمية لا يمثل تطلعات الشارع المغربي ولم يستجب لطموحاته.

الخلاصة الثالثة: شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط تريد العيش بحرية وكرامة عكس ما يروج عنها بأنها شعوب استمرئت الفساد والقمع وتعايشت معه أو عكس الأطروحة الاستعمارية التي تتهم هذه الشعوب بالتخلف الجيني وبأنها لا يمكن أن تعيش إلا في ظل بيئة ديكتاتورية هذه الاتهامات لشعوبنا كانت هي المسوغ الايديولوجي الذي استعملته ووظفته القوى الاستعمارية لاستعمار بلداننا أي العمل على استعمارنا من أجل اجتثاثتنا من الأمية والجهل ولكن بخروج الاستعمار بقي الجهل وبقيت الأمية واستنزفت ثرواتنا البرية والبحرية كان المفكر الفلسطيني المرحوم ادوارد سعيد من خيرة المفكرين الذين صدوا بحزم لهذه الدعاوي الاستعمارية البديئة في كتابه الاستشراق وكتابه الثقافة والامبريالية، الانتفاضات الشعبية التي عرفتها بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط تبرهن على أن الشعوب تريد الديموقراطية والتحرر ولكنها مكبلة بالقمع والتخلف والفهم الخاطئ للدين الإسلامي شعوبنا ترى الغرب نموذجا ولكن الغرب يريدنا حقلا خلفيا عبر دعمه للديكتاتوريات والأحقاد الطائفية، الانتفاضات الشعبية في بلداننا أثبتت قدرة شبابنا على الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا وشبكات الاتصال الاجتماعي وهذا يدل على أن شبابنا طموح ومنفتح على العلم رغم كل السياسات المطبقة في بلداننا والتي تكرس الأمية والجهل وتنشر الجريمة واليأس، شعوبنا تحتاج فقط إلى التوعية والتثقيف وستقول كلمتها في المستقبل.

 لخلاصة الرابعة: مايهم بلداننا اليوم هو التفكير بالإطاحة بالاستبداد والديكتاتورية ونشر قيم التسامح والحداثة والتفكير العلمي وليس الانشغال بالتقاطبات الإيديولوجية الحدية بين العلمانيين والإسلاميين، شعوبنا تريد تنمية ديموقراطية وتعليم عادل ومتاح للجميع وسياسة اقتصادية منتجة ومستقلة وليس صراعا إيديولوجيا يمس المستويات الفوقية للفكر ولا يؤثر على البنيات الواقعية الملموسة , ثقافتنا السياسية تحتاج إلى تغيير من الاتفاق ضد شئ ما إلى الاتفاق على شئ ما فمن السهل ان نتفق ضد الاستعمار أو ضد الفساد ولكن من الصعب ان نتفق على استراتيجيات وطنية لمواجهتهما ففكرنا السياسي مبني على الضدية والمعارضة اللفظية أكثر مما هو مبني على التحالف والعمل المشترك وعلى ثقافة الحد الأدنى المشترك، التحولات السياسية التي عرفتها بلداننا تتيح أمامنا فرصة ذهبية لاسترجاع معنى السياسة والشأن العام في النقاش العمومي بعدما تم تغييبه بفعل نخبوية السياسة واغتراب السياسيين عن طموحات المجتمع، طريقنا نحو التحرر من الاستبداد هو التعليم والتعددية الثقافية والسياسية واحترام الحريات الإنسانية بجميع مكوناتها وإشراك المرأة بقوة وإيمان في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية تلكم خلاصتنا التي استنتجنها من قراءتنا للكتاب القيم للدكتور طارق رمضان. وختاما نختم بقول طارق رمضان صفحة 224 « la conscience musulmane contemporaine ne peut échapper a l’exercice de ce travail critique:toutes les expériences de l’orient et de l’occident , du sud et du nord , doivent y apporter leur contribution.il s’agit au delà des soulèvements contre les despotes, de dessiner les contours d’une vision porteuse de plus de justice ,d’égalité ,d’émancipation des femmes , de lutte contre la corruption et la pauvreté. définir , a partir de sa mémoire , de ses références , une idée de la dignité de l’homme «

* * * *

لا اخوان مسلمين ولا حكم العسكر: الديموقراطية اولا الديموقراطية دائما
يوم بعد يوم يكتشف الشعب المصري مدى الخذلان الذي أصيبت به ثورته وتنكشف معه الاحزاب الليبرالية واليسارية والاسلامية التي ساندت الانقلاب العسكري في مصر تحت مبررات ومسوغات ايديولوجية في احسن الاحوال او من منطلقات المصالح الضيقة لقيادة الاحزاب التي باعت الديموقراطية ببعض الاموال وسوغت للعسكر ان يعود من بعيد لحكم بلد محوري وفاعل في القرار السياسي الشرق اوسطي، احترم بل واتفق مع جميع الاتجاهات السياسية والثقافية وحتى الدينية التي تواجه الاخوان المسلمين بشجاعة فكرية واستقلالية سياسية ونزاهة اخلاقية وتعلن جهارا نهارا معارضتها للتوجه الايديولوجي للاخوان المسلمين وتخوفها من خططهم المستقبلية التي قد تغيرمن الهوية السياسية لمصر اذا ما استحكموا قبضتهم على البلاد أقول بانني احترم هذه الاراء لانها نابعة من حب مصر وتغار على مستقبله ومستقلة عن اغراءات السلطة وألاعيب المخابرات والاعلام المأجور، لكن انني لا اتفق تماما مع الذين تحالفوا مع العسكر من اجل اجهاض العملية الديموقراطية في مصر وجعلوا العالم باسره يتفرج على مسرحية سياسية واضحة الادوار والبطولة فيها للسيسي الذي عمل كل شئ من اجل الحكم والسيطرة واعادة عقارب الساعة في مصر إلى ما قبل ثورة 25 يناير 2011 ومنها استغلال القضاء واحكام الاعدامات التي حكم بها المخالفون والمعارضون بدون احترام حقوق الدفاع ولا ابسط موجبات حقوق الانسان وحبك المؤمرات على الثورة وعلى شباب 25 يناير تمويها وقمعا وتقتيلا , قد نختلف مع الاخوان سياسيا وايديولوجيا وهذا امر مطلوب وضروري لكننا لا يمكن ان ننكر بان الرئيس محمد مرسي قد حصل على رئاسة مصر بانتخابات ديموقراطية تعددية شهد العالم الغربي والشرقي بنزاهتها وشفافيتها قد نختلف مع الاخوان في انهم حاولوا اخونة المجتمع واقصاء التيارات السياسية الاخرى ولكن لا يمكن ان نعتبر احكام الاعدام التي صدرت عن المحاكم المصرية ضد المخالفين الا احكاما تحت الطلب والهدف منها اسكات الاصوات المعارضة للانقلاب العسكري يمكن ان نعتبر حكم الاخوان حكما دينيا ولكن لا يمكن بتاتا ان نشهد بانهم لم يستغلوا القضاء لتصفية حساباتهم السياسية مع المعارضين وحتى من انصار مبارك وان يكن تساهلهم مع المفسدين والمهربين في عهد مبارك كان خطأ قاتلا ادت الثورة اثمانه الباهضة للاخوان اخطائهم وهذا لا يمكن تبريره ولكن رجوع حكم العسكر من الكبائر والموبقات السياسية التي ستعيد مصر إلى عصور الظلامية والاستبداد، الدولة المصرية اليوم تمر بمرحلة انتقالية صعبة يتصارع فيها فلول نظام مبارك وترسانتهم الاعلامية والسياسية مدججين بدعم دولي خفي من اطراف عربية وغربية تدعم الانقلاب تحت الطاولة رغم تبجحها بالديموقراطية ليل نهار تيار مبارك يتصارع مع تيار التغيير والثورة الذي يريد مصر جديدة ومستقلة وديموقراطية وهذا التيار التجديدي بطبيعة الحال لابد سيعاني من صعوبات وستحاك ضده المؤمرات الداخية والخارجية لان الرهان كبير كبر دور مصر، فلنتصور مصر بلد ديموقراطي حر ومستقل فذلك سيؤدي لا محالة إلى تغيير معطيات انظمة الاستبداد والديكتاتورية المحيطة بها، فالاستبداد العربي ترتعد فرائسه خوفا من نجاح الثورثين المصرية والسورية لذلك يجمع كل قواه لمواجهة هذا الاحتمال السئ وان اقتضى الامر اعادة نظام مبارك اوالاسد او احراق وتدمير البلدين، المؤرخون النزهاء طبعا مستقبلا سيطلعون الشعوب على حجم المؤامرة التي تحاك ضد شعوب مصر وسوريا والشمال افريقي تماما كما نتطلع اليوم عن الاسرار التي كشفها المؤرخون الملتزمون بقضايا شعوبهم واظهرت لنا مدى تواطئ حكامنا من اجل استعمار بلداننا ونهب ثرواتنا، التاريخ لن يرحم المثقفين والمفكرين والسياسيين الذين سكتوا وتأمروا على شعوبهم خوفا او طمعا فهؤلاء يشاركون فيما اسماه المفكر المغربي صلاح بوسريف" لعبة الدمى " التي يتم تحريكها من الخلف وكم هو صادق توصيفه للمثقف في كتابه الجديد المثقف المغربي بين رهان المعرفة ورهانات السلطة منشورات دفاتر وجهة نظر عدد 28 وان يكن الكاتب خص الكتاب لنقد المثقفين المغاربة فيمكن تعميمه على المثقف بصفة عامة في اي مكان اي له راهنية كبرى في الحالة المصرية ذاتها حيث يصطف بعض المثقفين والاعلاميين في طابور مساندي الانقلاب العسكري سواء بقناعة ايديولوجية عمياء او نكاية سياسية متحاملة على الاخوان لحسابات سياسية قديمة اوتنازع على الحكم يقول بوسريف في الكتاب المذكور سابقا ص 130" المثقف اليوم، مفترض فيه ان يكون قوة اقتراحية، واستقلالية المثقف، اعني حريته، هي ما يؤهل المثقف للقيام بدور طفل الامبراطور، وليس بدور حاشية الامبراطور الذي تظهره لابسا، فيما هو يرفل في عرائه". ما احوجنا في بلداننا لمفكرين وسياسيين يقولون الحقيقة ويسمون الاشياء بمسمياتها، نجاح الانقلاب العسكري بمصر يهدد كل الابنية السياسية المجاورة لمصر ويعد الاجيال المقبلة بحقبة جديدة من الاسئثار بالحكم وتزوير الارادة الشعبية، فهل هناك من سيصدق الانتخابات المصرية اليوم بانها ستكون ديموقراطية وشفافة؟ اليس الانسان العادي البسيط يعلم مسبقا بان السيسي سيكون رئيس مصر الجديد ابى من ابى وشاء من شاء؟ جميع عواصم العالم بدون استثناء تعرف بان السيسي سيستقيل من الجيش هاهو استقال وجميعها تعرف بان السيسي سيترشح ها هو ترشح وجميعهم يعلمون بان السيسي سينجح وهذا مؤكد سينجح في الانتخابات حتى لو نافسه من اختاره هو ليكون ارنب السباق الانتخابي ويصبغ الشرعية على اغتصابه السلطة. الاخوان المسلمين ساهموا في ما وصلت اليه من مصر من كوارث سياسية خصوصا من جهة استئثارهم بالحكم ورفضهم اشراك الشباب والليبراليين واليسار المصري مما سمح لقوى الثورة المضادة إلى استثمارهم واستغلالهم سياسيا وشعبيا كما ان الاخوان تلكؤ في الاصلاح السريع وتركوا الشعب المصري رهينة لفلول مبارك فلم يتم تطهير البلاد من المفسدين ولم يتم الاسراع بالاصلاح الاقتصادي وكبح جماح البطالة والتضخم هذه اخطاء الاخوان المسلمين ولكن الثمن يؤديه الشعب المصري بجميع قواه ومنها التي ساندت الاخوان والتي عارضتهم، فالعسكر لا يريد شريكا في الحكم فهل استفاق انصار حمدين صباحي والشباب الثوري والقوى السلفية من سباتهم؟ ام انهم سيكونون كلهم ضحايا النظام الجديد؟ هل رحم العسكر ومشايعهم الدكتور البرادعي؟ الم يضحوا به منذ اول ايام الانقلاب بعدما كان يتعاون مع الغرب من اجل ان يكون رئيس حكومة في ظل الرئيس الشرعي مرسي؟ الاكيد هو ان الشعب المصري لن يقبل بحكم العسكر ولن يهاب من عود المشانق والاحكام الخيالية التي ادانها كل الشرفاء في العالم والاكيد اكثر هو ان الشعب المصري قادر على استعادة ثورته المجيدة فمصر كانت وستبقى هي حاضنة الفكر والثقافة والسياسة في الشمال الافريقي وسيستعين الشعب المصري بتاريخه وحضارته المتجذرة في التاريخ من اجل اعادة الروح الديموقراطية إلى الجسد المصري فكما يقال الثقافة هي التي تبقى عندما يندثر الجميع وفعلا الثقافة المصرية قادرة على تجاوز هذه العتمة المظلمة من تاريخ مصر وستنطلق النهضة الافريقية من مصر كما انطلقت منذ عصر محمد علي والطهطاوي ومحمد عبده والافغاني وطه حسين ونجيب محفوظ وحسن حنفي وأخرين.

يبقى من الغرابة أن الغرب وأمريكا اختلفوا مع الروس في كل القضايا والأزمات الدولية إلا الانقلاب المصري حيث استقبل السيسي استقبال الأبطال من طرف الروس في زيارته لهم والغريب أكثر ان الروس هم من اذاعوا على الهواء مباشرة دعمهم لترشيح السيسي للرئاسة وهو لم يعلن ذلك بعد، امريكا والغرب كذلك سكتوا عن الانقلاب وانكفت مطالبات حقوق الانسان من طرف الدول والمنظمات الغربية وتوارت خلف اولوية المصالح السياسية وتعاون الغرب مع العسكر المصري سرا وعلانية وتكالب الجميع على اجهاض الحلم الثوري المصري، وتبين من جديد ان الغرب ليس جادا في دعمه للثوارت الشعبية في بلداننا وانه مايزال يفضل الاستبداد والفساد على الديموقراطية تبين ذلك بداية في تونس ثم في مصر والمثال الواضح والدراماتيكي هو سوريا، ليبقى ان نعلم بان الشعوب لابد ان تعول على نفسها من اجل التغيير فلا الغرب ولا امريكا تستطيع ان تحميها من شرور حكامها، في ختام هذا المقال لابد ان ندين بشدة موقف الازهر الذي ابان مفتيه عن جهل تام بالقيم الديموقراطية واصطفافه إلى جانب الديكتاتورية والظلم والانقلاب فمصر التي ذكرت في القران الكريم سبع مرات قادرة على تجاوز محنتها وظلمتها وظلامية بعض رجال دينها الذين يبدلون الكلم عن مواضعه ويشرعنون الفساد والظلم واغتصاب الحق ولنقول جميعا مع المفكر السعودي-العراقي الراحل عبد الرحمان منيف الديمقراطية اولا، الديموقراطية دائما.

* * * *