من بعيد ترقب الشاعرة السورية وطنا يتفكك وحربا تحصد أرواح شعب أضحى ضحية تقتيل يومي، من اغترابها البعيد ومن منفاها القصي تلملم الشاعرة جزء من الصورة المتبقية وبعضا من تفاصيل الذاكرة الموشومة، ولأن الحرب حصدت كل شيء ولم تترك أثرا خلفها، فقد تحول الوطن الى مجرد فكرة وحلم وأرض تسعى القصيدة الى التمسك ببعض آمالها.

ولأنها الحرب

فرات إسبر

 ولأنها الحربٌ

 أرى جَسد بلادي  مسيحا ً آخر

ولأنها الحربٌ  أرى  عطش  الحسين ،

في فمي 

و لا ماء .

 أيها الوطنُ   المشردٌ  مرتين.

نهٌر دمٍ  يجري  في مقلتيك.  

ولأنها  الحرب  عبرنا على أجساد أخوتنا

ولم نقتسم العشاء

واحدا ً مات جوعا ً

والآخر طعنا ً بالرماح .

هي الأرضٌ لا تشربُ غير الدماء ،

 اسقنى منها القليل،

علّ هذا الوحش  الساكن بي  يستريح،

 من  عظامي  يبني القفص .

أطوف مثل سحابة فوق الأرض ،

 أشكُ في مصيري هل أنا  مطرٌ أم   دماء ؟

شجرٌ الموت في قامتي

والقبور الشاسعات

 تشهقُ: ما من مكان .

ما من مكان  

أمتلآت رئتي  بأنفاسِ أخوتي

وشهيقي  يتقطع 

بلادي مسرحُ الموت

وأخوتي  مَأساةٌ .

وملهَاةٌ  

من أقصى البلاد

إلى أقصى البلاد،

 خنجر  في  الصدر

 ما بين الرئة والكبد:

 تصرخ أم إلى  ولد  

شجرٌ البيت بَعدك أنكسر.

 والطوّاف حول مكة ما نفع  

 تمر الأغاني خائفة

 من الأعالي تهبط ُ

 والصدى  من وراءها ينتحب ،

يا جمر، ياجمر

 الحنجرة

سرقوا  اللون الأزرق  من السماء

 وغابت الطير

 وهاجر الحمام

وامرأة تحمل على  ظهرها المدينة، تنوحُ من باب إلى باب،  تتشفعُ ، تستجدي، أخا ً من أخيه ونهرا ً من مجراه ، وغصنا ًمن هواه.   

 حلت اللعنة،عليها  المدينة، وأستباحها الخراب  والجماجم لا تعد ولا تحصى، والأسى واقفٌ يشهد.

أقفُ على شرفة عالية أرقب مدينة ً كانت امرأة زاهية الألوان  يزورها  الصيف والشتاء والخريف والربيع .

أقف على الشرفة أرقبُ، امرأة، كانت يوما  تزورها الألوان وتمشط  شعرها الأنهار وكان الفقر فيها جميلا والحب أجمل.  

 أقف على الشرفة أرقب  امرأة  من كل الفصول،

احرقوها 

 قصوا شعرها الطويل الذي  

يمتد حتى يصل باب توما، كنا نمشطه نحن الفقراء  حتى يخرج من ابوابها ليصل إلى قبر ابن عربي  

ولأنها الحرب:  

بلادي، يوقظها الدمُ  من نعاسها ، يضعُ  خنجرا ًفي صدرها ويدعوها للصلاة.

أثار أقدام على جسدها، تجرُ تاريخها الطويل، سجادة  وحجرا ومصلين  

قالوا لي: إنها مصابةُ  بالسكرِ والزهايم، رجفتها تهزُ الأوصال .

مريم العذراء تعبر باب توما وتجلس على الرصيف بيدها الصليب، تغني للفقراء الذين عبروامن  باب شرقي.   صبيةٌ   لها خصر غزال، جناح طائر، مدينةٌ رثةٌ الثياب.  

عبرتُ منها إلى النسيان بدون عسكرٍ أو صولجان

 أذكرها وأرثيها اقول فيها ما تقول النساء العاشقات    

 كنت في أرَقِ من  شوكها، كنت أرّقُ  من أزهارها، لكنها لم تمنحني  العطر

وما زال حبي لها جامحا،  يركضُ إليها قاطعا ًالمدى والبحار.

 

شاعرة من سوريا مقيمة في نيوزيلندا