أمضي كل يوم،
نحو طفولتي
كلما ضاقت بي الشوارع
والمقاهي، وحناجر الأصدقاء
وأصوات الباعة المتجولين
و وشايات المخبرين،
أمضي نحو طفولتي
تلك التي تركتها خلفي
تنام على مهد
وتتعثر بين الأحلام.
تركت خلفي أحلامي الطازجة
تربي كوابيسا
تركت خلفي،
أصدقائي هناك
يشربون خمرا مهربا
و يدخنون تبغا رديئا،
تركت خلفي "وداد" ، في معطفها الأبيض
تنتظر الحافلة رقم 7
وبين منهدتها دست سجائرها المفضلة،
تركت خلفي القطار السريع،
يصل متأخرا،
ليسعل في حنجرة التاريخ،
تركت خلفي أحزابا، نقابات، جمعيات
تتقافز كالضفادع
على أتفه كرسي..
تركت خلفي، نساء جميلات
يحلقن كالفراشات من زهرة إلى أخرى
ويربين شفاههن على الصمت.
تركت خلفي البحر
يرتل معزوفة الموج المخثر
و إيقاعا بتراقص على حبل المشنقة
ونغمة تربي الفرح في كف النشيد
وشمسا تحتفي بالحزانى
وغيابا، لا يحضر في الصباح
يأتيني ليلا لأصاب بالأرق
تركت خلفي شعبا
يلتقي كل يوم بالكراسي
ليحدثها على طاولة الوطن
بقنينات فارغة.
تركت تنهيدتي
في دولاب القلب
تختنق
وشرطي المرور فاغرا فاه
في نساء ذميمات
تركت خلفي المجنون الحكيم
والعاقلة المجنونة
والتلميذة الكسولة
التي لا تصلها الرسائل
تركت خلفي ، أكشاك الجرائد التي لم أعد أسرقها
والمخبر الذي في رأسي،
تركت خلفي تهما جاهزة
كأنني هارب من عدالة الشعر
وحدها الكراسي تؤدي الضريبة
والرجل الذي يكره الحرية
وحقول الرضاب
ونشرة الأخبار
وابتسامات مذيعيها الصفراء
وانفجارا ت غرف الدردشة
ورسائل الأصدقاء على الهوتمايل والياهو
و موت الملوك على شاشة التلفزة.
تركت خلفي،
مياه تعفن العطش في حلقها
و مسودات ضاع منها
المسدس الكاتم للصوت
تركت خلفي
كتبا تخلع ملابسها
لأتفه حرف
تركت خلفي،
الأناشيد الوطنية بأعلام مثقوبة
وأنين رجال في السجون
تركت خلفي التاريخ
يبحث عن الجغرافيا
في الكتب الصفراء
و ابن خلدون يبحث عن أصل الدولة
و الدولة تبحث عن أصل ابن خلدون
و ابن رشد يتأمل النار
وهي تلتهم آخر درس قي الفلسفة
و اضرابات الطلبة
وغرف الحي الجامعي
تعلو جدرانها
شعارات ضد كل الأنظمة
تركت خلفي،
شعراء يكتبون قصائدهم
على مناديل الكلينيكس
لأنهم مصابون بالزكام الشعري
تركت خلفي،
أقراصي المهدئة لأوجاع العالم
تركت خلفي ،
كل الحنين
حنينا دفينا للحياة
ودموعا كثيرة، في الثلاجة،
أحفظها طرية
لنواح لا حق
أو أبيعها لمدمني البكاء
على شاشات العالم
تركت خلفي ،
علبة الخسائر
و المحبة كلها .
شاعر من المغرب