تنقلنا الأكاديمية الجزائرية المرموقة في رحلة بحثيّة دالة، تفصّل فيها القول النقدي في موضوع التناص، موضحة أن تجربة كويليو الروائية عالميّة السمة، فتقاربها تناصياً في ضوء تأثر الآداب العالمية بالأدب العربي، وتستبين ظاهرة التناص وتعالق النصوص فيها يأنواعها المختلفة من الأدبي والديني، والتاريخي، والأسطوري.

التجليات التناصية في رواية «الخميائي»

فاطيمة داود

ملخص
يُــعــدّ التناص تداخلا في بنية النصوص كما عرّفه النقاد، والأديب المبدع هو من يحاور النصوص في انفتاحها دون أن يعيد كتابتها بشكل نمطي اجتراري بل هو يتصدى لها بالتحليل، والفهم، والتأويل لإنتاج نصوص جديدة آخذا منها ما يفيد كتاباته بحيث يجعلها نابضة بالحياة
. ويتجلى انفتاح النص عند كويليو على نصوص أخرى مختلفة الثقافات والفنون، وهذا التداخل النصي أضحى صورة من صور الحوار والتواصل مع الثقافات الأخرى في كتابات المعاصرين الأدبية شعرا ونثرا، قصة ورواية، ومسرحاً..". فالكتابة فعل ذاتي، وفعل تواصلي في الوقت ذاته كما ترى الناقدة السيميائية جوليا كريستيفا، الكتابة فعل حواري يرتكز أساسا على مقولة الآخر، الذي يتجلى في العديد من روايات باولو كويليو. والنص ما هو إلاّ امتصاصُ واستحضارٌ لنصوص سابقة حسب باختين. ويبدو أنّ نظرة جوليا كريستيفا إلى فهم الرواية تُفضي بنا إلى قراءة لروايات باولو كويلو، فعالم الرواية يجمع بين المتناقضات وفق منطق حلولي يستحيل تواجد مسافة بين الإنسان والطبيعة، (نموذج روايةالخميائي) وما نقرأه من الرمزية الإيحائية والتكثيف التأويلي، ونجد إيغاله في الإشراقية، والغنوصية، والباطنية بطريقة تجعلنا نعيش هذا المتخيل أو الأسطورة الشخصية عند بطله ستنياغو في روايته الآنفة الذكر. وكان مضمون حكيه السّردي موظّفا توظيفا سحريا أسطوريا حيث يَتَناصّ كويليو مع قصص من تراثنا الأدبي العربي.

ويبرز جليًّا تأثُّر الروائي البرازيلي باولو كويليو بالثقافة العربية، والأدب العربي، ولعله يمكن القول أنّ روايات كويلو من الأدب العالمي لأنّها حازت على قدر كبير من الترجمات والشهرة الواسعة في العالم كله، ومنه العالم العربي، والقارئ لرواياته؛ -"الخميائي أو ساحر الصحراء، ألِف، مكتوب عليك أن تتخيل قصة أخرى"- يلمس كنوز ثقافتنا وأدبنا وتاريخنا العربي والإسلامي، يعترف الروائي نفسه بهذا التأثر والانبهار بسحر الشرق فكان ترحال بين النصوص بعدما كان ترحال للمكان من خلال زياراته لبلاد الشرق؛ "مصر وبلاد المغرب، تونس.."، هو سفر للنصوص من فضاء المكان إلى فضاء النص، فجاء التّناص، ثقافة وفنا وصورة وأدبا وتاريخا.

كما سعى باولو كويليو إلى إغراء القارئ في تناص معلن مع نصوص أخرى، فلم يتمكن من إخفائه مستلهما أفكارا ومناظر من الأدب العربي لرواياته في نواحٍ عديدة، وفي ما يخصّ الأبعاد الإنسانية والنفسية والاجتماعية التي تحفل بها رواياته تناول تيّم قضايا مختلفة ومنها: "صورة العربي، صورة الصحراء، صور لبعض القيم الإسلامية، صورة المجتمع العربي، صور الحياة والموت". وعليه؛ سنفصِّل القول في هذه الورقة البحثية بغية تبيان حقيقة هذه التجربة الروائية العالمية، ومقاربتها تناصيا في ضوء تأثر الآداب العالمية بالأدب العربي. وسنتناول ظاهرة التناص وتعالق النصوص حاصرين مجال الدراسة في هذه الروايات، وستتضمن العناوين الآتية: التناص الأدبي والديني، والتاريخي، والأسطوري.

-1-  التناص: المفهوم والمصطلح:
يقول جيرار جينت: "لا يهمني النص حاليا، إلاّ من حيث تعاليه النصي، أي أن أعرف كل ما يجعله في علاقة خفية أم جلية مع غيره من النصوص. وهذا ما أطلق عليه التعالي النصي، ليس النص هو موضوع الشعرية، بل جامع النص، أي مجموع الخصائص العامة أو المتعالية التي ينتمي إليها كل نص على حدة، ونذكر من بين هذه الأنواع: "أصناف الخطابات، صيغ التعبير، والأجناس الأدبية"(1). ويشير جينت إلى أنّ النص لا يُحدَّد إلاّ من حيث تعاليه النصي أي ما يجعله في علاقة خفية جليّة مع غيره من النصوص، يطلق عليه مصطلح التعالي النصي، ويعتبره وجها من وجوه التداخل النصي سواء كان ناقصا أو كاملا لنص في نص آخر، وهو ما اصطلح عليه عند السيميائيين، والنقاد العرب بـ"التناص".

التناص (Intertextualité) أو التفاعل النصي عند جوليا: "النص إنتاجية، وترحال للنصوص، وتداخل نصي، ففي فضاء نص معين، تتقاطع ملفوظات، مقتطعة من نصوص أخرى بوساطة الامتصاص والتحويل"(2)، وأضافت مصطلح إديولوجيم لتربط البنية الأدبية ببنيات أخرى غير أدبية لتخلق علاقة بين النص والخطابات الأخرى. ومصطلح إديولوجيم  (Idéologéme)؛ هو وظيفة التداخل النصي التي يمكننا قراءتها على مختلف معطياته التاريخية والاجتماعية(3)، أو الحوارية كما وضّح باختين.

والتناص هو تقاطع داخل نص لتعبير قول مأخوذ من نصوص أخرى، وبهذا فالعمل التناصي هو اقتطاع وتحويل، وتقول أن التناصية هي: "أن يتشكل كل نص من قطعة موزاييك من الشواهد، وكل نص هو امتصاص لنص آخر أو تحويل عنه"(4). إذن، النص لم يَعُد منغلقا بل هو يتفاعل مع نصوص أخرى ليشكل لوحة فسيفساء من الاقتباسات التي تؤدي للتحويل والتسرب والتداخل حسب رأي كريستيفا. واعتمدت في تعريفها على مبدأ الحوارية عند باختين في كتابه عن دوستويفسكي، وينتسب التناص إلى الخطاب عند تودوروف، ولا ينتسب إلى اللغة، ويرى أن أهم مظهر من مظاهر التلفظ هو ذلك البعد التناصي فيه.

والرواية وفق باختين تظهر فيها عملية التناص بصورة حادة وقوية عكس الشعر: "قد تكمن أسباب هذا التعارض قي حقيقة كون القصيدة فعلا للتلفظ، بينما الرواية تمثل تلفظا واحدا"(5)، وقد ركّز دويستوفسكي على التفاعل الحواري للخطابات مهما كانت تفصيلاتها اللغوية(6). ووضع باختين أشكالا لوصف العلاقة بين الخطاب المقتبس، والخطاب المقتبس منه نذكر منها ما يشمل هذه الدراسة: وهو أنّه يمكن استحضار خطاب الآخر، خصوصا في الرواية بأشكال متعددة: الخطاب الذي لا يزعم راو فعلي، تمثيل الراوي، في حالة النمط الشفوي والمكتوب، الأسلوب المباشر، نطاقات الشخصيات، وأخيرا الأجناس المطمورة(7)، فعند باختين؛ التناص يكون واضحا وقويا في الرواية أكثر منه في الشعر.

أمّا بارت فيشير للتناص حينما عرّف النص بقوله: "النص منسوج تماما من عدد من الاقتباسات ومن المراجع ومن الأصداء: لغات ثقافية سابقة أو معاصرة، تتجاوز النص من جانب إلى آخر في تجسيمة واسعة. إن التناصيّ الذي يجد نفسه في كل نص، ليس إلا تناصا لنص آخر، لا يستطيع أن يختلط بأي أصل للنص: البحث عن ينابيع عمل ما أو عمّا أثّر فيه، هو استجابة لأسطورة النسب، فالاقتباسات التي يتكون منها نص ما، مجهولة، عديمة السمة، ومع ذلك فهي مقروءة من قبل: إنها اقتباسات بلا قوسين"(8). والتناص من وجهة نظر بارت ليس إلاّ صيغ مجهولة التي يندر معرفة أصلها، فيتم التناص بطريقة متشعبة لا متدرجة معلومة، ولا محاكاة إرادية(9). فكلّ نص ليس إلا نسيجا جديدا من استشهادات سابقة. أمّا عند جيرار جينت ورد التناص في أنماط منها: التعالي النصي أو الماورائية النصية وهي العلاقة أو الشرح الذي يجمع نصا ما بنص آخر، يتحدث عنه دون أن يذكره بالضرورة بل دون تسميته(10). والاتساعية النصية: وهي كل علاقة توحّد نصا متسعا بنص سابق "نص منحسر، وينشب النص المتسع أظفاره في النص المنحسر، دون أن تكون العلاقة ضربا من الشرح"(11).

ومن خلال هذه المفاهيم عند "جوليا، وجيرار وأتباعهم، بارت، فوكو..."، نلاحظ المصطلحات المستعملة عندهم تأتي كما يلي: "التداخل النصي، التفاعل النصي،الإنتاجية؛ فتداخل النصوص مع نص يؤدي إلى تفاعله وتحاوره معه لينتج نصا جديدا. وجميعهم اهتم بالإنتاجية، فالتناصية منتجة للنص عبر ترحال النصوص وتداخلها، فيقع التناص على مختلف الثقافات والفنون والأصوات، ويؤسس رولان بارت للتناص انطلاقا من تعريفه للنص: "نسيج لأقوال ناتجة عن ألف بؤرة من بؤر الثقافة"(12). وهو هنا متفق مع كريستيفا عندما أضافت للتفاعل النصي ثقافات مختلفة؛ منها الموسيقى والرقص وصوت الباعة. والتناص عند بارت هو حديث سابق موجود في النص عن طريق الإنتاجية(13). ولذة النص تكمن في تناقض أفكاره لتلك الثقافة فيدخل في أعماق النصوص السابقة لهدم تلك الفكرة ويؤسس لفكرته الخاصة فيصبح الموضوع منحرفا(14).

فكل نص هو مركب كفسيفساء موزاييك، وهي الألوان والرسوم والنقوش التي تحمل ثقافات مختلفة ممتدة عبر العصور والأماكن داخل النص الواحد، فكل نص هو امتصاص وتحويل لنصوص أخرى. كما يصبح التناص؛ هو إدراك القارئ للعلاقات الموجودة بين عمل وأعمال أخرى سبقته، أو جاءت تالية عليه(15)، وأشار بارت إلى كفاءة القارئ في فك الرموز والدلالات لتنتج نصا آخر على النص المقروء. ويوافق جيرار جينت مفهوم كريستيفا حول التناص الذي قد يكون اقتباسا، أوتضمينا، وقد يكون تعاليا أو تعالقا نصيا، جامع نصوص.

أمّا عند النقاد والدارسين العرب لم تخرج عما أشارت إليه لمفاهيم السابقة مع ربطها بتعاريف ومصطلحات في تراثنا النقدي العربي القديم، أمثال: "سعيد يقطين، محمد بنيس..."، التناص والمتناص مصطلحات مرادفات كما يرى سعيد يقطين في النقد العربي القديم: "التضمين، الاقتباس، والإشارة، وهذا ما ألمح إليه جينت من خلال تعريفه للتناص: "أنه بنية نصية متضمنة في النص كما هي"(16). ويرد عنده مصطلح التعاليات النصية(transtextualité)  كل ما يجعل نصا يتعالق مع نصوص أخرى، بطريقة مباشرة أو ضمنية، وهكذا؛ يتجاوز التعالي النصي المعمارية النصية.

ومن ثم، فهناك خمسة أنماط من التعاليات النصية التي حددها جيرار جنيت، وهي:

- التناص Intertextualité":ويقصد به تلاقح النصوص فيما بينها، وذلك عبر مجموعة من القوانين الواعية والضمنية، والتي يمكن حصرها في الاجترار، والامتصاص، والاستدعاء، والخلفية المعرفية، والحوار، والتفاعل.

- النص الموازي (Paratexte) :وهو عبارة عن عناوين، وعناوين فرعية، و مقدمات، و ذيول، و صور، وكلمات الناشر...الخ".

- الميتانص(Metatexte) : وهو علاقة التعليق الذي يربط نصا بآخر، يتحدث عنه دون أن يذكره أحيانا.

- النص اللاحق: عبارة عن علاقات تحويل و محاكاة تتحكم في النص (ب) كنص لاحق (hypertexte)  بالنص (أ ) كنص سابق(hypotexte) . –

معمارية النص(Architexte) :  تتحدد في الأنواع الفنية و الأجناس الأدبية: شعر- رواية- بحث…الخ. إنه بمثابة تنميط تجريدي، يستند إلى تحديد خصائص شكلية و قوالب بنيوية للأنواع الأدبية. وهناك علاقات وطيدة بين هذه الأنماط الخمسة من التعاليات النصية(17). كما وافق "التداخل النصي" مصطلح التوليد قديما، إذ يقول ابن رشيق: "والتوليد أن يستخرج الشاعر معنى من معنى شاعر تقدمه، أو يزيد فيه زيادة حسنة"(18). التوليد الدلالي أي التوليد المعنوي وهو تصرف في الدلالة وتحويلها ونقلهابين البنية العميبقة والبنية السطحية. فيكون المرجع الأدبي تضمينا والمرجع الديني اقتباسا، والمرجع التاريخي: تلميحا، بين بنية عميقة وبنية سطحية؛ فالبنية العميقة هي الاقتباس، والسطحية هي قول الأديب وما يحتويه، أو الصورة الكاملة والنهائية التي يكون عليها الكلام(19)، وهكذا من خلال البنية العميقة والسطحية نرى أنه كان يتحرك في ممارسة فعل التناص لاستحداث النص الجديد في مجال الإبداع والابتكار.

وأشار كثيرون منهم إلى مفهوم التلاص plagiat القريب من الانتحال والاقتباس والإخفاء حيث ظل التلاص مرتبطا بمفهوم السرقة والانتحال، ويتداخل التناص مع التلاص وله أشكال متنوعة(20). يضيق المقام لذكرها، ما نريده بهذه الدّراسة هو توضيح مظاهر التناص، وآلياته في روايات باولو كويليو بعيدا عن كل ما يتعلق بالتلاص أو الاتهام بالسرقة، فدراستنا ستكون حول النص الروائي من خلال التناص لا التلاص بمدلولاته التي اختلفت بين سرقات محمودة أدبية وسرقات مذمومة.

-2 –  تمظهرات التناص ومستوياته في روايات باولو كويليو:
- ملمح عام عن باولو كويليو ورواياته:
- باولو كويلو الروائي: هو كاتب وقاص برازيلي يكتب بالبرتغالية ولد سنة 1947 بـــــ ريو دي جنيرو، كان مؤلف أغاني، مارس الصحافة والإخراج المسرحي والتمثيل قبل أن يحترف الكتابة(21)، نشر أول كتبه سنة 1982 بعنوان "أرشيف الجحيم" ولم تلاق نجاحا. عرف بحبه للروحانيات والسحر وانتمى لجماعة الهيبي في شبابه، وعُرف برحلاته حول العالم، ورحلته المقدّسة إلى الحج التي وثقها في روايته" الحج كومبستيلا" أو رحلة حج". وعين سنة 2007 رسول السلام التابع للأمم المتحدة، ومستشار اليونسكو للتبادل الحضاري، والروحي، عضو الأكاديمية الأدبية البرازيلية، عضو المجمع اللغوي البرازيلي(22).

- رواياته:
ألّف كويليو عدة روايات منها: "الجبل الخامس، مكتوب أن تتخيل قصة جديدة لحياتك"قصص"، ألف، بريدا، فيرونيكا تقرر أن تموت، الشيطان والسيدة بريم، الزهير، إحدى عشرة دقيقة، كالنهر الجاري، الرابح يبقى وحيداً، ساحرة بورتوبييلو، وآخر رواية له هي الزانية في 2014، والخميائي أو السيميائي أو الكيميائي التي تعدّ أشهر رواياته، وتمّت ترجمتها إلى لغات العالم المختلفة، وصلت مبيعاتها إلى ملايين النسخ في العالم(23). وقلب باولو كويلو دفاع علم الأدب برائعته الخميائي أو السيميائي(24)، وهي بالبرتغالية  (O Alquimista)، نُشرت لأول مرة في ثمانية وثمانين وتسع مئة وألف (1988)، وترجمت إلى العربية في طبعات وترجمات متعددة ومنقحة وأهمها: ترجمة بهاء طاهر السيميائي، ساحر الصحراء، والخميائي لجواد صيداوي، وسنعتمد على الطبعتين معا.

-  خلاصة روايته السيميائي/ الخميائي:
تدور أحداث الرواية حول الشاب الراعي الأندلسي "سنتياغو" الذي ذهب في رحلة لتحقيق حلمه الذي ألــّح عليه للبحث عن الكنز المنشود بأهرامات مصر، فاتّخذ طريقه من الأندلس إلى المغرب "طنجة" حيث أقام شهورا، ثم واصل المسير نحو صحراء المغرب ليصل إلى مصر "الأهرامات" بعد مغامرات كثيرة، ومواقف عصيبة، ليعود ثانية إلى الأندلس ليجد أنّ الكنز موجود عند الشجرة التي كان يستظل تحتها.

وعبر سفره هذا يتعرض لمغامرات ومواقف، ويحتذي بالإشارات والعلامات التي تتناغم معه، ومع روح الكون والطبيعة، وروح العالم، ويقترب من روحه وذاته التي تختبر الحب والطموح، والحظ والفرص والإثارة محاولا الإجابة عن بعض ما اعتمل في حياته من أسئلة، جاعلا تجربته في الرواية تتبع أسطورتها الشخصية (الذاتية) التي تنطبق على كل إنسان ساعيا في الحياة لتحقيق طموحه، وحلمه، وهذا اعتقاد الروائي، ويختلق شخصيات مقنعة ويتلاعب بمصائرها، يحطِّم الأحلام المتواضعة ويضعها في مواجهة تحديات رمزية، فهو القائل "كلُّنا أيتام أحلامنا"، ولذا فهو يكتب للطفل فينا ولغته لا تفصل بين السحري والواقعي(25)، فهو من رواد مذهب الواقعية السحرية التي انتشرت في ثمانينات القرن الماضي. وسنتناول الرواية بمزيد من التفصيل من خلال تمظهرات التناص وآلياته ومستوياته.

تعدّ الرواية من أكثر الأجناس الأدبية تجسيما للتناص، والتفاعل، والتداخل، وما نقصده في هذه الدراسة هو: التناص، وليس التلاص أو سرقة أو نهب وانتحال كما ذكر كثير من الدارسين لرواية الخميائي، وإنما ما يتجلى لنا بعد قراءة نصوصه الروائية من جمال ذلك الفسيفساء المنتشر عبر السطور من شتى الفنون والبيئات والعصور والأعراف حيث يحاكي برواياته تلك النصوص، وتحاورها لتبنيها وتشكلها من جديد وفق مضمونها برؤيا الكاتب المنفتحة على عوالم روحية وصوفية وفلسفية عميقة بعمق نظرة باولو كويلو للحياة والكون والطبيعة وإشاراتها وشفراتها وعلاماتها التي كثيرا ما يغفل البشر عنها، وبعمق بصيرته للنفس الإنسانية، والداخل/ الباطن فيها من أمل وألم، وطموح، ومن طاقات سحرية متعالقة مع الله، والكون، والطبيعة. وتتناول البنية النصية الجانب الدلالي القائم على أساس التفاعل، وتتكاثف البنيات الثقافية، والاجتماعية في علاقات إنتاجية(26)، فنجد في الرواية تيمات لقضايا مختلفة منها: "صورة العربي: "كان هناك في كل مكان أعراب يرتدون ثيابا بيضاء رائعة، كان الرجال يدخنون النرجيلة"(27) صورة الصحراء، صور لبعض القيم الإسلامية صورة المجتمع العربي، صور الحياة والموت". ومن نظرة جوليا كريستيفا في فهم الرواية تفضي بنا إلى قراءة لروايات باولو كويليو؛ فعالم الرواية يجمع بين المتناقضات وفق منطق حلولي فيستحيل تواجد مسافة بين الإنسان والطبيعة (نموذج رواية الخميائي)، وما نقرأه من رمزية إيحائية وتكثيف تأويلي، فنجد إيغاله في الإشراقية، والغنوصية، والباطنية بطريقة تجعلنا نعيش هذا المتخيّل أو الأسطورة الشخصية عند بطله ستنياغو في الخميائي. وكان مضمون حكيه السردي موظفا توظيفا سحريا أسطوريا، فَيَتَناص كويليو مع قصص من تراثنا الأدبي العربي. وتتجلى في كتاباته عموما ورواياته خصوصا تناصات متعددة يمكن أن نشير إليها كما يأتي:

-  التناص المعرفي والثقافي والأدبي عند باولو كويليو يشير إلى مدى تأثره بالثقافة الأندلسية والآداب العربية المشرقية، ومصادر التأثير العالمية الأخرى، وقدرته على الاستفادة من هذا التناص لتوليد حالة ثقافية جديدة من خلال منهجية الامتصاص والتوطين في روايته. كما يعنّ لي تناصا عجيبا بين نصوصه الروائية، فقد ألّف روايته "الحج كومبستلا " وهي رحلة الحج المقدسة إلى سنتياغو "المكان"، وهي قصة تحكي حياة الكاتب ومشاقه لبلوغ أسطورته الذاتية، رحلة لاستكشاف النفس والروح، تأسيسا على هذا؛ فقد تناصّ -مع روايته الثانية الخميائي– فمن حدود جبال البيرينه بين إسبانيا وفرنسا انتهت رحلة حجه لتبدأ رحلة سنتياغو "الشخص، بطل قصة الخميائي"، وهي رحلة بحث تقمّص فيها الكاتب دور البطل الباحث عن الكنز من المغرب إلى المشرق بمصر.

وهي رمزية على رحلة الحياة لكل إنسان ينشد الحب والأمل والنجاح. ويقول كويليو في إحدى حوارته: "إن القيام برحلة حج يعيد بعث ذلك الوعي، ولكن أنت لست بحاجة لأن تقطع الطريق إلى سانتياغو لكي تبلغ الغاية، الحياة ذاتها هي رحلة حج، كل يوم يختلف عن غيره، كل يوم يمكن أن يحتوي على لحظة سحرية، ولكننا لا نرى الفرصة التي تسنح لنا لأنّنا نفكر، ولكننا جميعا في رحلة حج سواء أ راق لنا الأمر أم لم يَـــرُقْ، والغاية أو الهدف، سانتياغو الحقيقية، هو الموت. لا بد لك من أن تجني ما استطعت من الرحلة لأنها في النهاية هي كل ما تملكه.. أنا كاتب رحّال، وهذا أمر يظهر بلا ريب في الطريقة التي تتعامل فيها شخصياتي مع الفضاء. إنني في حركة دائمة وفي الكثير من الأحيان أجد أنّ شخصياتي تحتاج لأنْ تعثر على ذواتها من خلال رحلة ما"(28). ويعترف في حوار له مجيبا عن مواد رواياته ومصادرها بقوله: "والدي هو الكاتب الأرجنتيني الكبير بورخيس، ووالدتي هي الكاتب الأميركي هنري ميللر الذي كان مجنونًا تقريبًا ويملك عفوية كبيرة في الكتابة. هناك أيضًا جورج أمادو .. "ووليام بليك"، كما توجد كتب وقصص كـألف ليلة وليلة والكوميديا الإلهية لدانتي"(29).

كما يذكر مصدرا مهما ملهما له مضيفا:" يحتلُّ جبران خليل جبران مكانة مهمة جدًا في حياتي. بعدما قرأت كتابه النبي. هكذا وقعتُ على الرسائل التي تبادلها مع ماري هاسكل، والتي بعيدًا عن كلِّ ما امتلكه من حكمة، تظهر برأيي كل مكامن ضعفه كإنسان. أحببت فيه هذا الجانب لأنه علَّمني أمرًا مهمًا: صحيح أنني صاحب مؤلفات، ولكن، لكي أكتب كلاًّ منها، ينبغي لي أن أقبل نقاط ضعفي ومكامن قوتي. أعجبتني تلك الرسائل لدرجة أني قمت بترجمتها"(30)، ويصرّح كويليو أنّ الثقافة العربية كانت مصدرا للإبداع عنده ومنحته رؤية أخرى للعالم، ورغم ثقافته المسيحية، فهو معجب بالثقافة الإسلامية، ويحترم كل الأديان.

ومن الروايات القصص: التي ضمنها بعض ما تشرّبه من الفكر العربي الإسلامي: المقدمة التي وضعها في إصدراته المترجمة للعربية لشركة المطبوعات ببيروت: وهي تتحدث عن قصة مقتبسة من الأدب الصوفي في الإسلام عن أحد كبار المتصوفة واسمه حسن وحواره مع تلميذه عن الحكمة، والتعلم من تجارب الحياة، وهي قصة من التراث العربي الإسلامي، ويردّ باولو كويليو الجميل لاهتمام العرب بترجمة رواياته، بقوله عنهم: "أحمل لهم الإعجاب الشديد بمكنونات قلبي"(31).

من رواياته التي نلمس فيها التناصات والاقتباسات بالأدب، والثقافة العربية الإسلامية: مكتوب أن تتخيل قصة جديدة لحياتك، وهي مجموعة قصصية تلخص فلسفته في الحياة، وقد شملت قصصا من التراث العالمي: العربي والإسلامي والبوذي والمسيحي، ولا ريب يظهر العنوان بلفظه العربي حتى في رواياته بالبرتغالية وهي لفظة عربية لها مدلولات دينية إسلامية، كما نجد في روايته ألف (O Aleph) والذي اقتبسها من خورخيه لويس بورخيس، الذي كان هو الآخر متأثرا، متشربا للثقافة العربية الإسلامية، والتصوف الإسلامي، فلفظة "الألف" هي حرف من حروف الأبجدية العربية، كما هي رمز من رموز التصوف في الفكر الصوفي: "غير أن الألف حوى الفضاء الكوني"(32)، وتتمحور أحداث الرواية حول المؤلف نفسه، وكأنها جزءٌ من سيرته الذاتية في رحلته عبر القطار إلى سيبريا وما يعترضه من أشخاص، وظروف ومواقف، فهذه رحلة أخرى فتحت له باب المغامرة، وقصة حب روحية صوفية مع شخصيته التركية عازفة الكمان "هلال" كما فتحت له بابا للرؤى للعالم الموازي لعصور غابرة في العصر الوسيط ومحاكم التفتيش؛ "ثمة كون روحاني مواز يرتطم بالعالم الذي نحياه"(33)، فالقصة تجمع بين أحداث حاضرة وأخرى غائبة من الماضي بطريقة عجائيبية خيالية، ويبدو أن كويليو مطّلعٌ على الدّين الإسلامي من خلال هذا الموقف الذي ذكره في روايته ألف، عند زيارته لتونس، وذهابه برفقة سميل مستفسرا: "أسأل: ماذا يقول الإسلام عن التجسّد؟، ينظر سميل إليّ متفاجئا، يقول: لا فكرة لدي، لستُ علاّمة، يعود سميل حاملا كتابا، يجلس معنا، يراجع ملاحظاته، ويُقَلب صفحات الكتاب بوقارٍ متمتما كلمات عربية، يقول أخيرا: تحدثت إلى ثلاث فقهاء: قال اثنان منهم أنه بعد الموت يذهب البار إلى الجنة، غير أن الثالث قال لي: بأن أرجع إلى آيات من القرآن. إليك الأولى: "(ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون)(34) يقلب آيات القرآن بانفعال جيّاش ويترجم الآية التالية: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)(35). بالضبط فعلا الناس لا يرحلون مطلقا، نحن هنا على الدوام في حيواتنا الماضية والمستقبلة، وهذا مذكور في الإنجيل"(36). يهتم باولو كويليو بالعالم الموازي وبالتجسّد، فهو آمن بالبوذية في فترات من حياته، ورسخت فكرة التجسّد في ثقافته، وها هو يبحث عنها في القرآن، ونظرة الإسلام، مما يدلّ على اطلاعه ومعرفته بالقرآن من خلال إيراد الآيات وتفسيرها بما يخدم وجهته في هذا الحوار التناصي الدّيني.

كما لا يخلو أيّ عمل له من أسماء وشخصيات وأماكن عربية، وها هي روايته: ساحرة بورتوبيللو، اشتمل النص السردي فيها على الجزء الأكبر من الثقافة العربية لأن بطلة القصة "آثينا" التي لقبت شيرين خليل(37) من أصول أوروبية التي أراد لها أن تعيش مع عائلة عربية من لبنان، وتنتقل الأحداث بذلك بين بيروت ولندن ودبي، وتعرض الرواية لأسماء عربية كثيرة مثل: ليلى زينب، عالمة تنجيم، سميرة .ز. خليل، ربة منزل ووالدة آثينا. ومن الأسماء التي يعتمدها كثيرا اسم "حسن" في القصص التي ذكرها في مكتوب: "قصة حسن والأعمى، وقصة حسن والمعلم"(38).

وأبرزت شخصيات كويليو في رواية "إحدى عشرة دقيقة" صورة عن الشاب العربي حينما التقت بطلة القصة "ماريا"بالشاب العربي فيقول الراوي: "ارتأتْ أن كلّ ما عليها أن تفعله هو أن تذهب للقاء العربي لتعرب له عن حبها الصادق، واستعدادها لأن تعتنق دينه وتتزوجه حتى لو اضطرت أن ترتدي مثل هذا الحجاب الغريب.."(39). هذا النص يورد مدى معرفة الكاتب بالقيم الاجتماعية والدينية عند العرب فيما يخص الزواج بالأجنبية، كما يُلمِّح إلى صورة العربي التي عُرف بها، وهي الثراء، والغنى: "الجميع هنا يعرفون أن العرب أثرياء جدا، وهذا سبب وجيه لكي توطدّ علاقتها به... لكن العربي غادر"(40). صورة العربي في المهجر، العربي الثري صاحب الأهواء المتصيد للجميلات، العربي الخائن الغادر كما تصوره الرواية: "علمت أن مسؤولا كبيرا عن الأزياء والموضة في بلاده قد أحب صورها كثيرا ويرغب في دعوتها للمشاركة في عرض ينوي القيام به، تذكرت ماريا خيبتها مع الفتى العربي الآخر، لكنها فكرت أيضا بالمال الذي كانت بأمس ّالحاجة إليه"(41)، هذه صورة العربي المهاجر في رواية إحدى عشرة دقيقة، ونذكر هنا أنه كثيرا ما يتناصّ كويليو مع نصوصه السابقة الخميائي بالخصوص، ويسرد مقاطع كاملة، ويوظفها لتتفاعل مع النص الجديد عن ماريا وسفرها لمواجهة مصيرها الحقيقي، والبحث عن أسطورتها الشخصية: "تذكرت أنها في البرازيل قرأت كتابا يروي قصة راع يبحث عن الكنز، وكان الحصول عليه مشروطا بأن يواجه مصاعب وأخطارا لا تحصى، رأت أن هذه القصة تنطبق على حالتها".

-  التناص المكاني:
زار بولو كويليو أمكنة عديدة من خلال زياراته السياحية للمشرق؛ "تونس، مصر، المغرب، دبي.."، ويظهر أن ما رآه في القاهرة ظل نواة أساسية في تفكيره السردي في بعض رواياته، فكان ترحال للنصوص بعدما كان ترحال للمكان، هو سفر للنصوص من فضاء المكان إلى فضاء النص، وجاء التناص، ثقافة وفنا وصورة وأدبا وتاريخا. وقد أشار باولو كويليو أن زيارة واحدة لمصر غيّرت مسار حياته حيث يقول: "أنا أعشق الصحراء التي تعرّفت إليها للمرة الأولى خلال سفري إلى المغرب. غير أن زيارة مصر أثّرت فيّ كثيراً. ذهبت ذات ليلة لرؤية الأهرامات برفقة صديق مصري. كان المشهد ساحراً، هناك، طلبت منه أن يتلو شيئاً من الصلاة، فأنشد آية رائعة تقول ما معناه: "يا ربّ إذا حدت عن الدرب المستقيمة، فأعدني إليها. كانت زيارة الأهرامات تجربة روحية شبيهة برحلة الحجّ التي قمت بها سابقاً"(42). وهذه التلاوة التي ذكرها هنا كويليو ربما نستوحي منها أنها من سور القرآن: كالفاتحة: "اهدينا الصراط المستقيم" أو من الأدعية المأثورة: "اللهم لا تضلنا بعد إذ هديتنا". ونراه خاشعا مأخوذا بالدهشة، والرهبة متأثرا بالمشهد الكوني الزمكاني للغروب والصحراء، وزاد المشهد تأثيرا في روحه تلاوات شيء من القرآن والأدعية بصوت هذا العربي المرشد له في رحلته، وهذه الوقائع كلها نلمسها في رواية الخميائي.

يتجلى الفضاء والمكان في روح الكاتب ومدى تأثره بالطبيعة البدوية الصحراوية، وتناغم نفسه مع تلاوة الصلوات والآيات عند غروب الشمس، وسحر منظر الكون في الصحراء، كما يذكر في موضع آخر أنه عاش خبرة نفسية وروحية، وهو يشاهد منظر عام في ليلة مقمرة وكانت أشعة ضوء القمر تغمر المنطقة وخلف الأهرامات كانت أنوار القاهرة تسطع وتتلألأ، يقول: "كاد أن يغشى علي من سحر المنظر ورهبته، وشعرت بالحيرة الكاملة والاضطراب الشامل"(43). إن هذا المشهد الساحر الذي لا ينسى قد ثبّته في صورة مشهدية غرائبية في أحداث روايته، وهي صورة خيالية كأنها من الخيال العلمي امتزجت فيها الشمس بأصوات الريح والألوان السماوية، فكانت تصويرا بديعا للطبيعة الحية التي تناجي الإنسان وروحه: "وعندما وصل بعد لحظات إلى قمة التل راح يخفق صدره، فهناك كانت تنتصب في نور القمر المكتمل بدرا، ووسط الصحراء البيضاء، وأمام عينين في شموخ ومهابة أهرام مصر"(44).

وعندما يقدم أرضية لإسماع أصوات خطابات أخرى اجتماعية وتاريخية ودينية، نقل لنا كويليو الفن والتاريخ والأصوات والأمكنة من أزمنة غابرة أو من زمنه المعيش، وزمن اللحظة في التقاط الصورة في حركية وحيوية يشوبها السحر السردي الذي طبع جلّ رواياته، وبمنظاره الروائي من خلال الاستشهادات التي وضّحناها بلسان المؤلف. وهناك تقاطع مأخوذ من نصوص أخرى، أو تقاطع وتعديل متبادل بين وحدات عائدة إلى نصوص مختلفة نص ألف ليلة وليلة مثلا، ونص التنوخي، فكل نص يتشكل من فسيفساء نصوص أخرى أدْخِلَت في النص بتقنيات مختلفة(45)، فتكون مشاهده ومضامينه ملتقى لمجموع من النصوص المختلفة تسمى الإيديولوجيم أي الحوارية كما بيّن ذلك باختين، مع هدم وإعادة بناء؛ حينما يهدم الروائي لغة التواصل والإخبار ليبني لغة مكثفة بالإيحاءات والتصوير، الذي اتكأ عليه في مشاهده في الصحراء، فجاءت الصور الضوئية بجمالية وإبداعية، تجعل اللوحة بانورامية سينيمائية نابضة بالحركة وموحية بجمال الصحراء: "في نور القمر المكتمل، يرى النجوم، تتلألأ، غلف نور القمر صمت الصحراء"(46)، "الشمس، السماء، النهار، الليل، اصطبغت الصحراء باللون الوردي"، كلها صور ضوئية مثلت المعادلات الموضوعية للطبيعة، وهي الشخوص غير البشرية في السرد الحكائي: الشمس والريح"(47) "النجم يلمع في الصبح الباكر، يرشدهم إلى الماء والنخيل والتمور"(48). ويتلاعب المؤلف باللغة والعلامات الطبيعية لينتقل من المحسوس إلى المجرد مثل تحوّل الفتى إلى ريح، وتحويل المفاهيم بطريقة إيحائية متعالقة في شبكة من التفاعلات النصية: "الحب هو عندما يحلق صقر فوق رمالك لأنّه يراك ريفا نضرا"(49) رمز للحب وعلاقته بالصقر، هذا الرمز الذي تكرر في ثنايا الأحداث، واتخذ مدلولات كثيرة، ففيها نلمح سحر العلامات وقراءتها.

3-  مستويات التناص في رواية الخميائي:
أ- بناء النص على المستوى الخارجي
:
- العنوان: وهو جزء من النص الموازي يعتبر من أكثر المفاهيم شيوعا وذيوعا، وهو من عتبات النص كما أشار جينت، وهو ما تعلق بالعناوين، والمقدمات، والذيول. ونلتفت هنا إلى عنوان الرواية، فهو الذي يسمي النصوص والخطابات الإبداعية، ويعينها، ويخلق أجواءها النصية، والتناصية، وذلك عبر سياقها الداخلي والخارجي، وللعنوان وظائف سيميولوجية متنوعة، ذو موقع نصي استراتيجي "يشتغل بوصفة دليلا(50). ونجد السميائي أو الخميائي بالترجمتين قد أدى مدلولات، وترميزات نستكشفها من الوهلة الأولى قبل قراءة الرواية حيث يحمل هذا العنون علامة، ورمزا، وإشارة، ومخططا، وصورة عن مضمون النص السردي وعوالمه السحرية، فهذا العنوان رسالة مشفرة تحمل إشارات خفية، وموحية منفتحة على تأويلات مختلفة، وهي نفس الإشارات والعلامات التي كان يتنبّه لها شخوص الرواية وعلى سبيل التمثيل لا الحصر: ".. العالم هذا الشيء الوحيد الذي يتيح للخيميائيين أن يفهموا كل ما على الأرض لأنه يمثل اللغة التي تتواصل بفضلها الأشياء. هذا الاكتشاف الذي اطلعوا عليه اسمه الإنجاز العظيم"(51)، "والخميائيون تطهيرهم للمعادن أدّى إلى تطهُّرهم هم بالذات"(52)، ثم جاء على لسان الرجل الإنجليزي: "أنا هنا لألتقي خيميائيا حقيقيا يساعدني لفكّ الرّموز"(53)، وفي موضع آخر: "وهذا ما يسمى في الخيمياء: روح العالم"(54).

نلمس للعنوان وظيفة مرجعية ترتكز على موضوع الرسالة، ليَهَبَ النص كينونته، ونظرة إلى الترجمة العربية للعنوان بلغته البرتغالية: (O Alquimista)، فهو: "السيميائي، ساحر الصحراء عند بهاء طاهر، الخميائي عند جواد صيداوي، والخميائي وحجر الفلاسفة في ترجمة ثالثة؛ وكلّها تؤدي إلى نفس العنوان الذي قصده الروائي.

وبناءً على ذلك يغدو علامة سيميائية في حدّ ذاته، تُعرِّف بالنص وإيحاءته، كما تبيّن النصوص السابقة، وتكمن في ذلك الوظيفة الإيحائية، ليبدو الخميائي عنوانا عجائبيا أسطوريا يحمل الكثير من الترميز، والدلالات السحرية: "حجر الفلاسفة، إكسير الحياة، وروح العالم، والإنجاز العظيم"؛ تمثل أيقونات مكثّفة تدلّ على العنوان في قوته الدلالية وطاقاته الإبداعية للروائي، تمارس الإغواء والإغراء وتجذب المتلقي ليقرأ الرواية من النص إلى العنوان، ومن العنوان إلى النص. كما تتمظهر إستراتيجية العنوان في علاقتها بالنص، وحوارها معه تمطيطا وتوسيعا للسّرد الروائي على المستوى الداخلي للنص، فهو عنوان اُخْتِير بعناية وذكاء ليعكس دور شخصية الخيميائي التي كانت مركزا في النص السردي، وبهذا يحضر العنوان في نسيج النص إذ يعْمَد المؤلّف إلى التفصيل في مجريات الأحداث التي تدور حول الخيميائي أو السيميائي ابتداءً من القسم الثاني؛ ورحلة الطريق إلى مصر عبر الصحراء، ليصل إلى الخاتمة التي تنتهي بصوت الخيميائي الآتي عبر أصداء الريح(55). في مناجاة مع سنتياغو، وعثوره على كنزه عند شجرة الجميز.

- بناء النص على المستوى الداخلي: كما ألمحنا في خلاصة الرواية –آنفا- تتطور شخصية سنتياغو مع تصاعد الأحداث تدريجيا، ويمكن تجسيد هذا البناء في الخطاطة على الوجه الآتي(56):

الرحلة = المغرب – مصر

                   تحقيق الحلم

تحقيق الحلم            العمل - الحب المغامرة الحب-الحرب   المغامرة-تحقيق الحلم  الأندلس                                                  الصحراء/ مصر

- التناص التراثي للمادة الحكائية في الرواية:
وتظهر المادة الحكائية التي هي سابقة عن نص الرواية التي شكلت تناصا أدبيا وتاريخيا في الحكاية الإطار وهي المستمدة من حكايات ألف ليلة وليله، ومن حكاية الرجل البغدادي عند القاضي أبي علي المحسن التنوخي (ت. 384هـــ) في كتابه الفرج بعد الشدة، وعند ابن عاصم في كتابه حدائق الأزاهر، وقد تطرّق الكثير من الدارسين: أمثال: "سعيد الغانمي، وناصر الخزيمي، وعبد الله محمد ناصر، حافظ العلوي وغيرهم" إلى رصد هذا التناص التراثي الأدبي والشعبي في مقالاتهم. وسوف أحاول أن أختصر النصوص التي تناصت معها الرواية التي استمد منها: حكاية "ألف ليلة وليلة" في الليلة الحادية والخمسين بعد الثلاثمئة(57). في "حكاية الحالمين" كما ترد في كتاب الفرج بعد الشدة؛ وهي القصة نفسها مع بعض التغيير حيث تروي القصة حكاية رجل من بغداد أفلس وصار فقيرا، فرأى في المنام مَنْ يشير إليه بأن يسافر إلى مصر ليجد رزقه، وقد سافر الرجل ولمّا وصل المدينة قبض عليه وظنوه لصا وأشبعوه ضربا، ثم عرف منه الشرطي القصة، واستهزأ به، ذاكرا له أنه حدث له نفس الأمر، ورأى حلما يشير إليه بأن يرحل إلى بغداد في المكان الفلاني ليجد كنزا، وعاد الرجل البغدادي، وبحث عن المال كما أشار الشرطي، فوجده وعاش ثريا، هذا ملخص الحكاية كما ورد في الليالي، وكما هو في كتاب الشدة بعد الفرج وننقل بعضا من هذا النص التراثي: المتناص: "رأى في المنام أن غناه بمصر: حدثني أبو الربيع سليمان بن داود البغدادي، قال: كان في جوار القاضي قديما، رجلا انتشرت عنه حكاية، وظهر في يده مال جليل بعد فقر طويل، فأسرعت فيه، وأتلفته، حتى أفضيت إلى بيع داري وسقوفها...فرأيت في النوم، كأن قائلا يقول لي: غناك بمصر فأخرج إليها. فبكرت إلى أبي القاضي، وتوسلت إليه بالجوار... وسألته أن يزودني كتابا إلى مصر، لأتصرف بها. ففعل، فمازلت في الطريق وتأبى نفسي المسألة، وحملني الجوع عليها، وأنا ممتنع. .فلقيني طائف (أي شرطي)، فقبض عليّ ووجدني غريبا، فأنكر حالي، فسألني عن خبري. فلم يصدقني وبطحني وضربني بالمقارع.. فقصصت عليه قصتي وحديث المنام، فقال لي: أنت رجل ما رأيت أحمق منه، والله لقد رأيت منذ كذا وكذا سنة في النوم، كأن رجلا يقول لي: ببغداد في الشارع الفلاني، في المحلة الفلانية فيها بستان وفيه سدرة تحت السدرة مدفون ثلاثون ألف دينار، فامض فخذها، فم فكرت في هذا الحديث، ولا التفتّ إليه، وأنت أحمق، فارقتَ وطنك، وجئت إلى مصر بسبب منام"(58)، ثم تنتهي القصة بعودة الرجل البغدادي إلى بغداد، وبحث عن المال كما وصف الشرطي، فوجد قمقما فيه ثلاثون ألف دينار، فابتع ضيعة وعقارا، وعاش ثريا.

أمّا النّص السردي "المناص" فنجد قول سنتياغو في تعبير رؤياه: "استمر الطفل يلهو مع نعاجه فترة من الوقت، وفجأة أمسك بيدي، وقادني حتى أهرامات مصر"(59)، قال الطفل لي: "إذا جئت إلى هنا سوف تجد كنزا مخبوءاً، وفي اللحظة التي عمد فيها إلى تحديد المكان بالضبط، استيقظتُ، جرى ذلك مرتين"(60). يحضر المناص من خلال الشخصية/ سنتياغو الفتى الأندلسي، والحدث/ الرحلة، مستندا على خلفية أسطورية، ودينية وتاريخية.

أين ندرج رواية الخميائي حسب جينت؟ وكما بيّن محمد بنيس في موضوع التداخل النصي من خلال النّصية الموازية وهي خمسة أصناف:

- الصنف الأول: التداخل النصي، وشكله الصريح هو الاستشهاد، وشكله الأول هو السرقة.

- الصنف الثاني: النص الموازي، وهي العلاقة بين علاقة النص بالعنوان والعناوين الفرعية والمقدمة والتقديم والتمهيد.. إلخ.

- الصنف الثالث: هو الوصف النصي؛ وهو العلاقة التي تربط بين النص والنص الذي يتحدث عنه.

- الصنف الرابع: هو النصية الواسعة: وهو علاقة الاشتقاق بين النص (ب) والنص (أ) السابق عليه، والسابق في هذه الحالة يسمى النص المفترض، والنص اللاحق يسمى النص الموسع، ونمثل بالخطاطة الآتية:

(أ)                             (ب)

النص المفترض                                  النص الواسع

نص ألف ليلة وليلة                      السيميائي رواية باولو كويليو

                        ونص  الفرج بعد الشدة للتنوخي

وهذا ما وضحته كريستيفا بالنص الموازي في أنماط الممارسة التناصية حيث يحافظ فيه على المعنى المنطقي للمقطعين ويبقى هو نفسه، ولكن يمنحه من خلال الاقتباس معنى جديدا للنص المرجعي(61).

- الصنف الخامس: هو النصية الجامعة، وهي العلاقة البكماء بالأجناس النصية التي يقطع عنها التنصيص النصي الموازي (من شعر، ودراسة رواية) وهذه الأصناف تدمج عبر القراءة في مصطلحات قديمة كالسرقة، والمعارضة، والتقليد وغيرها(62). وهو ليس محور الدراسة هنا.

إن انفتاح النص الروائي على العالم بأسره، وثقافاته ينطلق من تسجيل كون المادة الحكائية سابقة زمنيا على كتابة النص، ومن هذا تتسم رواية السيميائي بمادة تاريخية أسطورية وبقصة حياة تظهر من خلال البطل سنتياغو، ومن خلال علامات الطبيعة، وروح الكون. يقول كويليو في إحدى حواراته: "ليس من الممكن التنبؤ بعملية الكتابة. وكما في الحياة ليس هنالك دائما من تبرير منطقي لبعض الخيارات بعينها جميع شخصياتي تسافر إما باختيارها (مثل سانتياغو في الخيميائي أو ماريا في إحدى عشرة دقيقة)، أو مدفوعة بالحاجة (كحالة نفى إلياس في الجبل الخامس) أو حتى بتبني أثينا في الرواية الأخيرة ساحرة بورتوبيللو)، إن تنقلاتهم هي ما يقود قصصي في الغالب"(63).

يبدو جليا االتفاعل النصي فهو مقتطف من النص الحكائي الذي وظفه كويليو توسيعا وتحويرا وليس اجترارا، بالرغم من أن المضمون واحد، وهو يتعلق بالحلم والرؤيا ثم تبدأ رحلة البحث والسفر إلى المدينة التي ينشد فيها البطل الكنز ليعلم أخيرا أنّ الكنز موجود في موطنه. إذن؛ الهيكل والإطار نفسه استقاه المؤلِّف ليشكّل نصا إنتاجيا جديدا، فجاء التناص توسيعا وتحويلا، فلم يتكئ على هذه الحكاية على الرغم من المضمون الواحد المماثل، بل سعى إلى تفعيل نصه سرديا بإضفاءات سحرية، واختلاق شخوصه من البشر، والطبيعة لتشكل لوحة سحرية امتزج فيها البحث عن الكنز بالبحث عن الذات، وتحقيق حلم الحياة، فالبطل سنتاغو أخذ نفس الرحلة من الأندلس إلى مصر، والرجل البغدادي كانت رحلته من بغداد إلى مصر ثم العودة، فالتناص الكبير يكمن في الرحلة، والمشاق التي تكبّدها كلاهما، والدافع كان واحدا، وهو البحث عن الرزق والمال. واستطاع الروائي أن ينتج نصا موازيا مثقلا بالدلالات الجديدة في إطار هذه الحكاية التراثية القديمة بانيًّا نصًّا جديدا منفتحا على محمولات عديدة، وإيحاءات استنطقت أعماق النص واستنبطت منه مضامين جديدة، فأقام معمارية روايته على أسلوب ألف ليلة وليلة ملقيا عليها أبعادا رمزية لا تخفى على القارئ، من خلال العلامات والإشارات، والوقائع المتنوعة التي تعالقت لتمنح الرواية بُعدها الفلسفي الروحي العجائبي: "إنّ روح الكون تغتذي بسعادة البشر أو شقائهم، ورغباتهم أو حسدهم، إنّ إنجاز الأسطورة الشخصية هو الواجب الوحيد المفروض على البشر"(64)، فالرواية في ثناياها رسالة إنسانية عميقة؛ هي البحث عن الذات، وتحقيق الأسطورة الشخصية، وبهذا يكون نص ألف ليلة وليلة نصا مقدسا أسلاف النصوص، نص أول مثال مقدس يقترب منه القرّاء دائما من خلال النص المتواجد أمامهم(65).

تشمل الرواية ضمن هذا النص/ التناص حكايات، وقصص مختلفة عجيبة تعالقت مع النص السردي فشابهت حكايات الليالي في تداخل القصص: "القصة الأولى؛ حكي العجوز ملك صادق عن المنقب والزمردة، والقصة الثانية عن الملك والضيف الزائر مع الملعقة ونقطتي الزيت(66)، وقصة الخميائي أو السيميائي العربي وأكسير الحياة الذي يعيش في الفيوم، وهي القصة التي سردها الرجل الإنجليزي المهتم بالكيمياء قبل رحلتهم للصحراء(67)، قصة يوسف والفرعون والحلم"، فهذه قصص تفاعلت مع معمارية البنية العميقة للنص، وتوالدت لتؤدي وظيفة تفسيريه ودلالية لتطوير الأحداث، فكانت بمثابة النواة لمركزية الرواية، تدور كلها في فلك حدد لسنتياغو طريقه إلى تحقيق حلمه.

ولا يخفى على قارئ رويات كويليو التناصات الداخلية بين نصوص المؤلف نفسه، وهو لم يخف اقتباساته من ألف ليلة وليلة لبناء هذه الرواية الغرائبية، إذ يقول في رواية الزهير: "من المهم أن أواصل إشراك الغير في نظرتي إلى العالم، وأن أصف تجاربي في الحياة، وأحاول لأيام وليالي عديدة، لكني أقرر أن ذلك مستحيل، ثم ذات عشية أقع على قصة مشوقة في "ألف ليلة وليلة" فيها أجد رمز دربي الخاص، شيء يساعدني على فهم كياني، ولماذا طال بي الأمر لاتخاذ قرار كان في انتظاري منذ الأزل أستخدم القصة كأساس لقصة أخرى عن راعٍ ينطلق سعيا وراء حلمه كنز مخبوء في أهرامات مصر، كما انتظرتني إستير فيما سرت في دوائر ودوائر"(68).

 - البداية والنهاية في النص السردي للخميائي:
البداية: تبدو الحكاية في سرد دائري حيث تبدأ في مفتتح السرد بهذه الصورة:" كان اسمه سنتياجو، وصل مع غياب الشمس يسوق قطيع أغنامه إلى كنيسة قديمة مهجورة، كان سقفها قد انهار منذ زمن طويل ونمت شجرة جميز ضخمة في مكان الهيكل، قرر أن بقضي الليل في هذا المكان"(69)، وكانت العتمة لا تزال سائدة عندما استيقظ، تطلّع إلى أعلى، ورأى من خلال السقف المحطم نجوما تتلألأ...كنتُ أود أن أنام فترة أطول، كان قد عاوده نفس الحلم الذي رآه في الأسبوع السابق"(70)
.

تميزت المقدمة الافتتاحية(71) في النص الحكائي بتكثيف المشهد عن سنتياغو لتتناول زمن ومكان القصة، أمّا زمن السّرد الحكائي أو العصر الذي جرت فيه القصة، هو لا متناهي، ولم يُبن عنه المؤلف؛ وأشار لوقت الغروب ووصفت دلالة المكان في الكنسية المهجورة والشجرة وهي البداية التي تنبني عليها قصة الكنز، ثم يشي النص من البداية بإظهار هدف القصة ومحورها الذي ستدور فيه الأحداث؛ وهو الحلم، وكأنها مفتاح لنهاية القصة وللعودة بعد رحلة الشاب الغرائبية، فوصفت المقدمة الشخصية الرئيسية وصفا لتحديد نقطة الانطلاق بهذا النص السردي، الذي يشعر القارئ بأنّه نص مكرر في ثنايا القصة في مواضع كثيرة لا يتسع المقام لذكرها كلها.

ثم تنسج الخيوط في المعمار السردي من الحلم، وبدايات تفسيره، لتتطور القصة بسفره إلى أفريقية عبر مضيق طارق إلى طنجة، ثم بعد شهور يعرف طريقه باتباع العلامات والإشارات ليصل إلى الصحراء بمعية السيميائي ليحط الرحال في واحة عربية بالفيوم، صحراء مصر، فيحب فاطمة ويقربه شيخ القبيلة لتفسيره الحلم، ثم تَحوُّله ريحا ليحطم معسكر الأعداء.

النهاية: في النهاية نجد التتابع الزمني يرتد إلى البدايات أي إلى المقدمة مما يجعل الزمن دائري بعد تمام القصة يتسم الحدث بالدوران والعودة إلى نقطة البداية، فزمن الحاضر في نهاية الحكي يمثل الذروة، ويصبح ماضي الحكاية هو حاضرها وآتيها(72).

وهنا يعود المؤلف في النهاية فيصف سنتياغو قافلا إلى إسبانيا، ويشير إلى كوخه والشجرة، كما جاء في المقدمة، وتنتهي القصة بنفس العبارات والمضمون في الفقرات الأولى للخاتمة: "كان اسمه سنتياجو، ووصل إلى الكنيسة الصغيرة المهجورة بينما كان الليل على وشك أن يحلّ، كانت شجرة الجميز تترعرع في موضع الهيكل، وكان بوسع الإنسان أن يرى النجوم من خلال السقف نصف المحطم، وتَذَكَر أنّه جاء هنا ذات مرة مع شياهه، وقضى ليلة هادئة باستثناء حلم راوده، وها هو الآن دون قطيع، ولكن معه جَاروف"(73).

يتراءى لنا التتابع الزمني العكسي، والاستدارة إلى الماضي، فهذا النص يؤسس للبداية؛ الكنيسة نفسها والشجرة العريقة، والنجوم نفس الزمن، ولكن بدل القطيع، وصل وهو حامل معه جاروف ليبحث عن الكنز، ويحقق حلم الرحلة. وتنتهي القصة بعد أن يجد الكنز كما وصفه له اللصوص الذين أشبعوه ضربا، وأخرج كنزه، ووفّى بوعده للغجرية، ولمع له حلم آخر، وسيسعى لتحقيقه في رحلة أخرى بعبارة تركت القصة نصا منفتحا وهو قوله: "ها أنا ذا يا فاطمة! إني قادم"(74)، وتكمن المفارقة بين البداية والنهاية بتيمة الحب"حب فاطمة"، فهي الحلم الثاني الذي سيسعى لتحقيقه في رحلة أخرى.

-  مستوى الشخصيات:
تظهر التناصات على مستوى الشخصيات: فنلمح صورة العربي؛ فهو رجل مسلم يلبس اللباس الأبيض ويعتمر عمامة "شيخ القبيلة، وتاجر البلور، وقائد الرحلة والجمَّال، والعربي الملثم الذي يلبس اللباس الأزرق ويحمل السيف هي صورة تنطبق على المحاربين وقائد المعسكر: " كانوا المحاربين الذين يرتدون الثياب الزرقاء وتحيط بعمائمهم ثلاثة أشرطة سوداء، كانت وجوههم مغطاة بلثم زرقاء أخرى لا تبين سوى أعينهم"(75)، تترأى هنا صورة العربي المقاتل الملثم، وأغلب الظن أن الصورة هاته للعربي الذي يعيش في صحراء المغرب، فوصفه هذا ينطبق على عرب الصحراء المغربية وليس صحراء مصر، فاستلهم كويلو بهذه الصورة للمقاتلين في الصحرء، كما أنها صور مستوحاة من السينما الأمريكية وبعض الأفلام عن العرب وصحرائهم.

ونجد صورة "فاطمة" الفتاة المصرية العربية البدوية من الصحراء التي أحبها، ودفعته ليبحث عن أسطورته الشخصية، وليبحث عن الكنز. والتي كانت هي العبارة التي أنهى بها الخاتمة لتمثل بداية قصة أخرى للسنتياغو: "ها أنا ذا يا فاطمة، إنني قادم"(76)، سيقاوم للرجوع إلى الصحرء، ومواجهة المتاعب في رحلته القادمة للتحقيق حلمه"حب فاطمة" هذه النهاية المفتوحة -ربما- على أسطورة شخصية أخرى يريد أن يحققها البطل، وللقارئ أن يتخيل رواية أخرى، وبين الحقيقة والخيال، فقد وظّف عدة طبقات اجتماعية حققت له النسج السردي، ووضحت رؤية المؤلف للعالم. وما سنتياغو إلاّ الكاتب نفسه أو جزء منه كما اعترف كويلو هو بنفسه في عدة مواضع.

وتطالعنا شخصية السيميائي العربي، وهو رجل من صحراء مصر عارف بأسرار الكيمياء، والنجوم، وبإشارات وعلامات الكون(77).

أمّا شخصية الشاب العربي اللّص الذي التقى به في المقهى بطنجة واحتال عليه وسرق كل ما يملك من مال، هذه صورة العربي السلبي الذي يمثل الشر. هذه أهم الصور للشخصيات العربية الماثلة في النص التي كان لها الدور الأكبر في تحريك الأحداث، وتفاعلها في رحلته لتحقيق حلمه الكنز، وأسطورته الشخصية.

وكم هي عديدة تناصاته سواء في المضامين، والاقتباسات، والتضمينات حيث يتناص الروائي كويليو مع الأسطورة، والتاريخ، والدين لمختلف الثقافات، ومنها الثقافة العربية التي أعجب بها كويلوا أيّما إعجاب، وهو بنفسه يعترف -في أكثر من موضع- في كتبه، وحواراته، ومقابلاته الصحفية عشقه للثقافة العربية خاصة كتاب ألف ليلة وليلة، وكتاب النبي لخليل جبران خليل التي أقرّ أنها غيرت حياته، ووجهت كتاباته حتى ألّف كتابا، ووسمه "بحب النبي" وهو عبارة عن ترجمة للنبي لجبران خليل جبران حيث أعجب برسائله فيه.

أ- التناص الديني:
يمثّل النّص الديني مرجعية ثقافية واجتماعية حيث ينطلق من أرضيته ليعبر عن رؤيته للعالم حيث يمثل المنظور الدّيني عنده في إيمانه بالروحيات، وبالله، وهو مسيحي كاثوليكي، جاءت روايته "الحج كومبوستيلا" نموذجا على التزامه الديني المسيحي، وبالرغم من هذا، فهو منفتح على كل الأديان متحاور معها، فنجد آثارا للمبادئ والمعاني الدينية الإسلامية في رواية الخميائي، وبعض رواياته الأخرى، ففي نصوصه الروائية نلتمس إشارات واقتباسات إسلامية متعلقة بالقرآن كنص، وبالمعاني والمضامين الإسلامية. وإن لم يكن التناص حرفيّا إلاّ أنّه امتصاص للنص الغائب، فهو يستحضر بعض الآيات والمضامين، وهنا يتجلى احترامه للأديان الأخرى. ويبرز ذلك في شخصية التاجر بائع الكرستال المسلم، وهو رجل صالح يثبته على لسانه في الخميائي: "إن القرآن يلزمنا بإطعام أي جائع"، وفي السيميائي: "فشريعة القرآن تقضي بتقديم الطعام إلى أي جائع(78). ذكره لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ)(79). هذا التناص مع القرآن ومبادئه، وقيم الإسلام يدل على شفافية الروائي واحترامه للإسلام، ويشير إلى مدى تشرّبه، ومعرفته بالدين الإسلامي.

من إيحاءات التناص الدّيني عبر شخصية بائع الكريستال، تتكرر على لسانه عبارة: "كل شيء مكتوب، ومكتوب"(80)، ليلتقطها الفتى الأندلسي، ويعيدها في بعض المواقف، ويتجلى هنا الاقتباس الصريح، أو النّص الاجتراري الذي يتكرر حسب المواقف المماثلة لمضمون المقولة، وهي ذات مستوى امتصاصي ترمز وتلمّح بإيحاءات دينية، وإيمان صادق، وتوكل على الله، ووردت في سياقات شعورية ونفسية عند التاجر مرتين وعند الفتى مرتين. كما ورد على لسان الرجل العجوز أو الملك الأسطوري" ملك صادق" قوله: "الكل واحد أوحد"(81)، وتتمظهر في هذا النص المرجعية الصوفية للمؤلف، وهذه من عبارات معجم التصوف عن الحلول والاتحاد. وتشير لفظة "الوحيد" إلى التوحيد والإيمان برب واحد في قول رئيس القافلة: "تنطوي هذه القافلة على نماذج مختلفة من الناس الذين يحملون في قلوبهم آلهة متعددة، لكن ربي الوحيد هو الله، أقسم بالله أنني سوف أعمل كلّ ما في وسعي لكي أنتصر على الصحراء"(82). هذا النص السردي ورد في خطبة قائد القافلة المسافرة إلى مصر، وهي قافلة تعددت فيها الشخوص، والأديان، وهذه إشارة على التسامح والحوار بين الأديان، وهو مبدأ يؤمن به الروائي كويلو.

ونعود للتناص الدّيني في الرواية، فهناك عدة متناصات منها ما جاء مقتبسا في تناص معلن عن الحديث النبوي المعروف عن أركان الإسلام، وهذا يوحي بالثقافة الإسلامية للمؤلف ومعرفته العميقة، قول بائع البلور:"لقد أملى علينا القرآن الذي أنزل على النبي خمس فرائض علينا العمل بها طوال حياتنا أهمها: الشهادة بأنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك لها. أمّا الفرائض الأخرى فهي: تأدية الصلاة خمس مرات في اليوم وصيام شهر رمضان، وإيتاء الزكاة لمساعدة المحتاجين"(83)، ثم ذكر الشيخ الفريضة الخامسة: "على كل مسلم صادق الإيمان أن يقوم في حياته برحلة واحدة على الأقل إلى مكة المكرمة"(84). يستحضر –هنا- الروائي حديثا نبويا في سياق سرده عندما دار الحوار حول الرحلة والسفر إلى مكة، كما هو سنتياغو يبحث عن السفر إلى مصر. ويكشف هذا التناص عن شخصية الرجل الإيمانية فهو رجل شديد الورع يحاول أن يعيش وفق تعاليم الإسلام. وينتظر تحقيق حلمه وأسطورته الشخصية التي تمده بالحياة والبقاء والأمل، وهي رحلة الحج إلى مكة، كما هي أسطورة الفتى لتحقيق رحلة الكنز إلى مصر(85)، ويَرِد على لسان إحدى الشخصيات بعض تعاليم الإسلام: "لا يوجد نبيذ في هذه البلاد لأن الدّين يحرمه"(86).

ويتناصّ هذا النص السردي مع آيات التحريم في القرآن الكريم، وهو تناصٌّ على مستوى الاقتباس ليوحي بتعاليم الدّين الإسلامي التي تمنع بيع الخمر.

ويطالعنا نص آخر على مستوى التناص الدّيني الذي يتم عبر الحوار حيث يحاور النص الروائي النص الديني واستعابه في حمولته الدلالية التي خدمت مقصد النص ومراميه، مع بقائها محافظة على بنيتها العميقة المشعة، وهي قصة وردت في القرآن، وفي التوراة، والكتب السماوية الأخرى، يستحضرها كويليو على لسان شيخ القبيلة، وهي عن يوسف وحلم فرعون: "قبل ألفي عام، وفي بلد بعيد ألقي بفتى كان يؤمن بالأحلام في بئر، عُثر عليه وبيع بيع الرقيق، اشتراه تجّار من عندنا وأحضروه إلى، ونحن نعرف أنّ كلّ من يؤمن بالأحلام يعرف تفسيرها. استطاع ذلك الرجل أن يُخلص مصر من المجاعة بفضل حلم فرعون عن البقرات السمان والعجاف، كان اسمه يوسف، وكان مثلك في أرض أجنبيا غريبا في أرض غريبة، والأرجح أنّه كان في مثل سنك"(87).

إنّ هذا النّص السردي لقصة يوسف وحلم فرعون نجده في القصص القرآني في الآيتين المذكورتين، وهذه القصة معروفة في القرآن بسورة باسمه: سورة يوسف": ﴿وَقَالَ المَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾(88)‏، ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾(89)، وتعتبر الآيتان متعاليات نصية اشتركت مع القصة المسرودة في البنية السردية للرواية.

وتشير قصة الشيخ، وهي المناص هنا اشتركت مع النص الأصلي في سياق الحلم وتفسير الرؤي، ولكن اتخذ هذا النص السردي أبعادا ارتبطت بواقع الفتى سنتياغو الذي استطاع بفضل إبصاره للإشارات والعلامات أنْ يفسِّر حلمه عن القبيلة، وقد كان جزاؤه أن جعله مستشارا للقبيلة ومنحه مالا وخَيْمَة، وهي نفس قصة يوسف الذي فسّر حلم فرعون، فقرّبه إليه، وجعله وزيرا كما ورد في القرآن وتشابهت الحوادث والأحلام، فأنقذ الفتى الأندلسي القبيلة بفضل حلمه عن تحليق الصقور ورؤيا جماعة مسلحة تقتحم الواحة(90)، فأنذرهم بقراءة رؤياه من الغارات المفاجئة، ونبههم للخطر قبل وقوعه كما أنقض يوسف مصر من المجاعة، وكان التشابه في أنّ يوسف كان غريبا في مصر، وكذلك هذا الفتى هو غريب بالصحراء.

استطاع المؤلف أن يكشف عن البعد الديني في هذه البنية النصية ليعطيها أبعادا تاريخية واجتماعية تخيلية، فهذا امتداد فاعل عبر الحاضر والماضي، وجاء التناص عن طريق الاقتباس، ولكنه اتخذ بُعْدَ المماثلة والمشابهة والاختلاف في بعض جزئيات القصة، حيث أنّ صاحب الحلم هو الفتى الأندلسي في الرواية، وفرعون هو صاحب الحلم في قصة يوسف.

ب- التناص الأسطوري:
استحضر كويلو بعض الشخصيات الأسطورية، والتاريخية، والأدبية لتوظيفها في مواقف وأحداث رواياته لتتناسل، وتشكل دلالات رامزة في الشخصيات التي تناصّ معها في التراث العربي، اعتمد على توظيف الأساطير اليونانية والهندية والصينية والعربية متأثرا بآدابها وتراثها الحكائي الأسطوري، فالأسطورة عامل جوهري وأساسي في حياة الإنسان في كلّ العصور، وما زالت الأسطورة تعيش نشاطها، وحركيتها في النصوص، كانت ولا تزال مصدرا للإلهام لكثير من الكتاب والأدباء، وساهمت الأسطورة في إعطاء رمزية وكثافة للنصوص الأدبية شعرا ونثرا على حد سواء، فيستبصر فيه المبدع التشكلات الرمزية، والإمكانات الخلاقة التي تتعدى العادي إلى الخارق والعجائبي؛ المتجلية في أساطير متعلقة؛ "بنرسيس، وبحجر الفلاسفة، وما ورد من مشاهد عن روح الكون، وحوار الطبيعة: "الريح، الشمس السماء: "الشمس تفكر، واشتد توهجها، أنبأني الريح بأنّكِ تعرفين الحب، رَدَت الشمس: أستطيع من مكاني أن أرى روح العالم، قالت الصحرء."(91)

تعتبر هذه تيمات أسطورية كمعادلات موضوعية، مستقاة من الأساطير القديمة، والديانات الوثنية التي عبدت الجماد والحيوان، والنبات، والنجوم، والشمس والقمر حيث كانت للطبيعة أصوات وعقول تتحاور مع البشر، وتؤثر في مساره واعتقاداته. وفي البنية الروائية تضفي هذه الحوارات بين الشاب والسيميائي والطبيعة؛ وكيف يتحوّل إلى ريح سموم، وهذه المشاهد كلّها جاءت في تصوير تخييلي عجائبي خرافي أسطوري خارق: "عصفت ريح السموم هذا اليوم كما لم تعصف، من قبل، وسوف يروي العرب لعِدَّة أجيال أسطورة فتى تحوّل ريحا، وكاد يزيل معسكرا من الوجود متحديا بأس أهم قائد حربي في الصحراء"(92). يحمل التناص هنا صورة فنتازيا أسطورية خرجت عن اللامعقول واللامنطق، فما من بشر يتحول ريحا، ولكن استطاع سنتياغو أن يتحول إلى ريح سموم عاصف مدمِّر للأعداء. فجاءت الصورة حركية بصرية مارس فيها المؤلف الإغواء والإغراء بسحرية ممتعة تدخل القارئ في عوالم الخوارق، محاولا أن يأسطر الطقس السردي في الرواية ليعطيها صبغة الدهشة.

ومن الخوارق في النص الملك صادق هذا الملك الأسطوري من مدينة "سالم" الذي يظهر ويغيب، هذا الرجل المسافر في الزمن، وبفضله عرف سنتياغو طريقه للرحلة متبعا العلامات والإشارات عن طريق الحجرين أوريم وتوميم(93)، والتناص الأسطوري هنا مستوحى من التاريخ القديم لمدينة بأورشليم. ويمكننا أن نميّز بين نصوص متنوعة في كتابات كويلو منها استخدامه للأسطورة اليونانية، فوظيفه لها كان توظيفا داخليا ليعبّر عن تجاربه المعاصرة، فيخرجها من إطارها القديم توسيعا وتعميقا لتناسب مضامين نصوصه من أمثال وحكم، وحكايات شعبية بما فيها من روائع التشويق والمغامرة، وعنصري الخير والشر.

ج- التناص التاريخي:
إن القارئ لروايات كويليو يلتمس استناده على الموروث الضخم من الآداب، والفنون، والثقافة، فنلمس نفحات تاريخية فيها من ثقافات مختلفة من الفرس والعرب والصين والهند، فرواياته-إن صحّ القول- هي عابرة للقارات والثقافات حيث أخذت من كل تاريخ بطرف لتشكِّل بالتالي فسيفساء نصية بالغة الأثر في نفوس القرّاء، فانطلق من ذاكرته البرازيلية إلى ذاكرة التاريخ العالمي، والعربي، والإسلامي ليتناص باستدعاء نصوص، ووقائع تاريخية عربية، وشرقية قديمة وحديثة، فيستدعي قصة غائبة ليبني قصة حاضرة، وتتجلى وظيفة التناص بما يناسب موضوعاته دون إثقالها بالحمولات التراثية، حيث يتخير الدلالات التي تخدم تجاربه، فيمتصها بما يناسبه.

وشكّل المرجع التاريخي في كتاباته حضورا فنيا متميزا، وتنوعا دلاليا أسهم في بناء السرد والحكي، فجاءت أبعاده الفكرية ملائمة للمعاني المطروحة ولتوجهاته، ولعلّ أبرز المصادر التي استعان بها هي من التاريخ العربي والإسلامي والفارسي، وألمح كويلو في روايته للبطل الذي قرأ بعض كتب التاريخ الخاص باليونان والرومان في آثنيا عند حديثه عن حكاية على لسان أحد أبطاله(94)، كما تتضح مصادره العلمية في مجال الكيمياء على لسان السيميائي في صناعة حجر الفلاسفة، وأكسير الحياة وكيف ذكر المعادلة التي وجدت في كتب الكمياء لجابر بن حيان في تحويل الرصاص إلى ذهب، أو إلى مادة الإكسير التي تطيل العمر؛ هذه المادة الأسطورية التي تمنح الإنسان الخلود كما كان يُعْتَقد قديما: "قال السيميائي: عرفت سيميائيين حقيقين اعتكفوا في مختبرات، وحاولو أن يطوروا مثل الذهب، وقد اكتشفوا حجر الفلاسفة.."(95)، ويضيف السيميائي: "حجر الفلاسفة، وإكسير الحياة هما العمل الكبير للسيميائيين مَنْ يشرب من هذا السائل لا يمرض أبدا، وشذرا صغيرة من هذا الحجر تحيل أي معدن كان إلى الذهب"(96).

يحسن كويليو استخدام العنصر التاريخي ليقنع المتلقي، وهو إجراء يزيد فعل التناص من حيث الإقناع جلالا وثباتا ومن حيث الإمتاع أريحية واطمئنانا، وكل هذه التلميحات والتضمينات؛ هي مصادر كانت القصة محورها، انطلق منها ليحدث نصا جديدا، وهذا يبيّن قدرته على توظيفها. كما تنبئ النصوص الواردة عن التناص الثقافي العلمي، واطلاعه على كتب الكيمياء الذي سمي قديما بعلم السحر وعن العمليات الكيميائية(97) لتحويل المعادن إلى ذهب، وحجر الفلاسفة الذي ظلّ إلى وقت قريب محطّ اهتمام العلماء، ويأتي التناص التاريخي في وصفه لمدينة طاريفا الأندلسية، فهي حصن كبير بناه المغاربة(98).

ويرسم المؤلف لوحات كثيرة متنوعة تترامى في سياقات ثقافية اغترف منها ليجعل صوره نابضة باللون والحركة، وذلك حين يصف مدينة طنجة في صورة لونية بصرية تدلّ على معرفته بالعادات، والتقاليد الاجتماعية والثقافية، وردت بتناصات عديدة في طنجة: "شوارع طنجة الضيقة، مملوءة بضائع وحوانيت، السجاد والخناجر والغلايين، الصواني النحاسية وتوابل الطعام، النارجيلة، السيف: "له غمد فضي ومقبض أسود مرصع بالأحجار الكريمة.."(99).

نستنشق عبق مدينة طنجة العريقة في شوارعها الضيقة، وحوانيتها ومبيعاتها وهذه صورة مكانية تصور تاريخ ماضيا وحاضرا، وهذه من المشاهد الموحية بالمدينة العربية الإسلامية، وأنها ليست مثل طريفا مدينته الإسبانية: "يتكلمون العربية، النساء المحجبات"، كما يصف المساجد بمآذنها وأبراجها فيقول: "صعد رجل إلى تلك الأبراج الشهيرة، وبدأ يؤذن، ركع الموجودون في المكان جميعهم وراحوا يصلون"(100).

وفي الصحراء منها: قال الرّاوي في تناص معلن يبرز اعتماد الكاتب على التاريخ وقراءته: "فبدلا أن يرى بئرا يحيط بها بعض النخيل كما قرأ وصفا ذات مرة في كتاب التاريخ، وجد أن الواحة أكبر بكثير من بعض القرى في إسبانيا"(101)، ويتسع المكان لرائحة الصحراء برمالها، وواحاتها وجمالها وصخورها، وبديع نجومها وقمرها الساطع، وبشمسها الحارة وبرودة ليلها، وبريحها وصقورها، وخيمها المتناثرة في الواحة، وقبائلها وفرسانها، وللمؤلف تصوير سحري عن الصحراء لمحناه في القسم الثاني من الرواية فيصف المكان، وتعالقه مع الكون والطبيعة جمعاء أو ما أسماه روح الكون، ولكلّ مظهر من مظاهرها رمزا وعلامة تقود أو تنبه لوقوع أحداث ما، وجميعها ساهم في تطوير الرواية، وتفاعلها مع شخوصها الإنسانية إلى حين تحول البشري إلى الطبيعي إلى ريح سموم: "كانت للريح أسماء كثيرة، وكانوا يسمّونها السيروكو"، وكان العرب يعتقدون أنها تهب من أرض تغزر فيها المياه، يسكنها قوم من السود"(102).

النص السردي يتناص مع المعتقدات المعروفة عند عرب الصحراء عن الطبيعة والحياة البدوية، كما نجد الكاتب عارف بمعتقدات القبيلة والعشائر، من حروب بين القبائل، والعشائر العربية في الصحراء، وهنا تناصٌ عن تاريخ العرب القديم: "ثمة شائعات عن حرب بين القبائل"(103)، "روؤساء قبائل الفيوم"(104)، فهو مهتم ومطلع على حياة العرب، وتاريخهم، وتقاليدهم إذْ يترأى لنا في النص السردي الآتي؛ عادات القبائل في الحياة الاجتماعية وأعراف راسخة، وتقاليد قائمة على الفضيلة والكرم والشرف: "ظهرت فاطمة على باب الخيمة وسار معا إلى قلب غابة النخيل كان يعرف أنّ هذا ضد التقاليد، ولكن لم يَعُد له أهمية"(105).

يعلم سنتياغو أن هذا اللقاء ترفضه القبيلة والأعراف، ولكنه أقدم على هذا، وجاءت لفظة تقليد متكررة على لسان شيخ القبيلة، وهو يوضح أن الزواج، والرحيل لا يتم إلاّ من خلال موافقة القبيلة، كما نجد عرفا جاهليا عن التطيّر والتشاؤم في قوله: "أنا رجل عجوز متطيّر، وأؤمن بأمثلة قومي"(106)، وهكذا، وظّف باولو كويليو النصوص التاريخ في روايته ليوثّق نصّه، ويُضفي على متخيّله السردي طابعا واقعيا، هذا بالإضافة إلى سعيه لترسيخ الأبعاد الجمالية في نصه، والعودة إلى التاريخ.

خاتمة:
وعطفا على ما سبق تفصيله؛ أرى أن من اتّهم رواية الخيميائي بعدم البراءة سواء في شخصية سنتياغو، أو في بعض النصوص التي أشار إليها مولاي حافظ العلوي(107) في مقاله عن الحكيّ في الخميائي وسارق حلم العرب-، التي اتهم فيها المؤلف بالماسونية والعنصرية والشعبوية من خلال إيحاءت عباراته: الغزو المغربي، الكفار،..."، كما لا اتفق أنّ التناص على مستوى النصوص في حكاية ألف ليلة وليلة، وحكاية التنوخي، وابن عاصم عن الرجل البغدادي ورحلته للكنز كان من قبيل السرقة أو الاقتباس من نصوص عربية دون إحالة على صاحبها، أي دون إشارة للمرجع، وأين نجد المتعة والاستكشاف، وأين نلمس روعة السرد إن أشار كل مبدع إلى مصادر إبداعه في رواياته، فقد خَفِيَ على صاحب المقال أن حكايات ألف ليلة وليلة، وحكايات أخرى من تراثنا العربي، والرحلي، والسير الشعبية، كانت وما تزال منهلا، وإلهاما يسحر كثير من الأدباء الأوروبيين والغربيين أمثال بورخيس الذي استلهم نفس الحكاية، وغيره، حيث وُظِفَت نصوص عربية تراثية توسيعا، وتضمينا وتحويلا، وليس إخفاء وانتحالا للمتانصات السردية، وهنا يأتي دور المتلقي/ القارئ ليستجلي المناصات التي تنبئ بإمكانات المؤلف وقدرته الإبداعية
.

ونضيف من جهة أخرى -كما هو معلوم- أنّ الأدب المقارن يعترف بعالمية الأدب(108)، وهو اعتراف ضمنيّ بوجود مثل هذه التفاعلات الحيويّة والحيّة بين الأدب العالمي سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر، ويمكننا التسليم بهذا التأثير والتأثّر بين المجتمعات والحضارات، تاريخاً وثقافةً وفكراً وأدباً عبر عصور مختلفة، ومن هذا المنطلق أمكننا التفتيش عن المؤثرات الأجنبية في الفكر والأدب العربي، والعكس هو الثابت أيضا، يخوّل لنا البحث والتنقيب عن المؤثرات العربية الإسلامية في الآداب الأجنبية.

 

(جامعة مستغانم-الجزائر)

الهوامش
(1) جيرار جينت: مدخل لجامع النص، ترجمة عبد الرحمن أيوب، منشورات توبقال، المغرب، 1986، ص5 وص90.

(2) جوليا كريستيفا: علم النص، ترجمة فريد الزاهي، منشورات توبقال، المغرب، 1991، ص 21-22.

(3) ينظر: المرجع السابق، ص 22.

(4) المرجع السابق، ص 78-79.

(5) تسيفتيان تودوروف، ميخائيل باختين: المبدأ الحواري، ترجمة: فخري صالح، مؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط.2، عمان 1966، ص 128-129.

(6) ينظر: عز الدين المناصرة، علم التناص المقارن، -نحو منهج عنكبوتي تفاعلي-، ط.1، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 2006، ص141.

(7) ينظر: المرجع نفسه، ص 142.

(8) ينظر: رولان بارت: لذة النص ترجمة: فؤاد صفا والحسين سبحان، دار توبقال، المغرب 2001، ص18.

(9) ينظر: رولان بارت: لذة النص، ص42-43.

(10) ينظر: عز الدين المناصرة، علم التناص المقارن، ص 148.

(11) ينظر: جيرار جينت: آفاق التناصية، ترجمة البقاعي، منشورات توبقال، المغرب، 1986، ص 132-139.

(12) رولان بارت، هسهسة اللغة، ترجمة منذر عياشي، الأعمال الكاملة، مركز الإنماء الحضاري، حلب، ط.1، 1999، ص 80.

(13) ينظر: ولان بارت، لذة النص، ترجمة فؤاد صفا والحسين سحبان، ط.2، دار توبقال، المغرب، 2001، ص 22.

(14) ينظر: رولان بارت، لذة النص، ص 23.

(15) ينظر: عز الدين المناصرة، علم التناص المقارن، ص 151.

(16) ينظر: سعيد يقطين: الرواية السردية، من أجل وعي جديد بالتراث، المركز الثقافي العربي، المغرب، 1992، ص 28.

(17) ينظر: سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي، النص والسياق، ط.2، المركز الثقافي العربي، المغرب، بيروت 2001، ص96-97.

(18) ينظر: ابن رشيق، أبو علي الحسن: العمدة في صناعة الشعر، ج1، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط.2، دار الخليل، بيروت 1981، ص 263.

(19) ينظر: رابح بوحوش اللسانيات وتطبيقاتها على الخطاب الشعري، دار العلوم للنشر، عنابة 2006، استفدنا من فصول هذا الكتاب، الفصل السادس: التناص.

(20) ينظر: عز الدّين المناصرة، علم التناص المقارن، ص 154.

(21) ينظر: باولو كويليو: مكتوب أن تتخيل قصة جديدة، مقدمة المترجم، ترجمة طلعت الشايب، ط.1، ميريت للنشر، 2003، ص 06.

(22) ينظر: باولو كويليو، يوكيبيديا بالعربية http://ar.wikipedia.org/wiki/

(23) ينظر: المرجع نفسه.

(24) ينظر: باولو كويليو: مكتوب أن تتخيل قصة جديدة، مقدمة المترجم، ص 07.

(25) ينظر: باولو كويليو: المرجع نفسه، ص 07-08.

(26) ينظر: سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي، النص والسياق، ط.2، المركز الثقافي العربي، المغرب، بيروت 2001، ص33.

(27) باولو كويليو: السيميائي، ص155.

(28) ينظر: حوار مع باولو كويليو إثر نشر روايته: ترجمة وإعداد عبد الوهاب أبو زيد: 12-04-2007. سا 12. http://aljsad.com/forum36/thread98979

(29) ينظر: حوار مع باولو كويليو : إعداد نجوى بركات: معابر، سورية: http://www.maaber.org/issue_march10/literature4.htm-

(30) ينظر: حوار مع باولو كويليو: نفسه.

(31) ينظر: باولو كويلو: ساحرة بورتوبيللو، ترجمة رنا إلياس الصيفي، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع(ش. م. ل)، بيروت، 2006، ص 07-08.

(32) ينظر: باولو كويليو: ألف، ترجمة رنا إلياس الصيفي، ط.1، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع(ش. م. ل)، بيروت2011،ص 13.

(33) ينظر: باولو كويليو: ألف، ص 19.

(34) سورة البقرة، آية: 28.

(35) سورة البقرة، آية: 154.

(36) ينظر: باولو كويليو: ألف، ص53-55.

(37) ينظر: باولو كويليو: ساحرة بورتوبيللو، ص 26 -28.

(38) ينظر: باولو كويليو: مكتوب، ص 27 و34.

(39) باولو كويليو: إحدى عشرة دقيقة، 2003، ص 55.

(40) باولو كويليو: نفسه، ص 55.

(41) باولو كويليو: نفسه، ص 60-61.

(42) ينظر: حوار مع باولو كويليو: إعداد نجوى بركات: معابر، سورية: وينظر: باولو كويليو: مكتوب، ص10.

1http://www.maaber.org/issue_march10/literature4.htm-

(43) باولو كويليو: مكتوب أن تتخيل قصة جديدة، مقدمة، تر: طلعت الشايب، ط. 1، ميريت للنشر والمعلومات، القاهرة 2003، ص10.

(44) باولو كويليو: الخميائي، ص 175.

(45) جوليا كريستيفا: علم النص، ص80.

(46) باولو كويليو: السيميائي، ص 175.

(47) باولو كويليو: السيميائي، ص 122.

(48) باولو كويليو: الخميائي، ص 92.

(49) باولو كويليو: السيميائي، ص 162.

(50) جميل حمداوي: صورة العنوان في الرواية العربية: 31-06-2006. http://www.diwanalarab.com/spip.php?article5406

(51) ينظر: باولو كويليو: الخميائي، ص 97.

(52) ينظر: باولو كويليو: الخميائي، ص 98.

(53) ينظر: المصدر نفسه، ص 99.

(54) المصدر نفسه: ص 99.

(55) ينظر: المصدر السابق ص 186.

(56) ينظر: الخطاطة مستوحاة من كتاب، سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي، ص 65.

(57) ينظر: ألف ليلة وليلة، المجلد الأول، ط.2، دار صادر، بيروت 2008، ص 594.

(58) التنوخي: القاضي أبي علي المحسن، الفرج بعد الشدة، تحقيق عبود الشالجي، ج 2، دار صادر، بيروت 1978، ص 268-269.

(59) باولو كويليو: الخميائي، ص 29.

(60) باولو كويليو: الخميائي، ص 30.

(61) ينظر: جوليا كريستيفا: علم النص ص 78-79.

(62) ينظر: محمد بنيس، الشعر العربي الحديث، الشعر المعاصر،ط.1، دار توبقال، المغرب 1996، ص 186.

(63) ينظر: حوار مع باولو كويلو إثر نشر روايته: ترجمة وإعداد عبد الوهاب أبو زيد: 12-04-2007. 01:06. http://aljsad.com/forum36/thread98979

(64) باولو كويلو: الخميائي، ص 37.

(65) ينظر: إدوارد سعيد: العالم والنص والناقد، ترجمة عبد الكريم محفوظ، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2000، ص 54.

(66) باولو كويلو: الخميائي، ص 39 وص46.

(67) المرجع نفسه، ص 84.

(68) باولو كويلو: الزهير، ترجمة رنا الصيفي، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، ص 38-39.

(69) باولو كويلو: السيميائي، ص 27.

(70) المرجع نفسه، ص 27.

(71) ينظر: أحمد مرشد: المكان والمنظور الفني في روايات عبد الرحمن منيف، دار العالم العربي، حلب 1998، ص 62.

(72) ينظر: غزول فريال جبوري: البنية والدلالة في ألف ليلة وليلة، مجلة فصول، مج 12، عدد4، القاهرة 1994، ص 91.

(73) باولو كويلو: السيميائي، ص 180.

(74) باولو كويلو: السيميائي، ص 181.

(75) باولو كويلو: السيميائي، ص 157.

(76) باولو كويلو: الخميائي، ص 187.

(77) باولو كويلو: السيميائي، ص 158.

(78) باولو كويلو: الخميائي، ترجمة جواد صيداوي، تدقيق لغوي: روحي طعمة، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط.16، بيروت، 2008، ص 61. وينظر: السيميائي، ساحر الصحراء، ترجمة بهاء طاهر، طبعة جديدة منقحة، 1996، ص 72.

(79) سورة سبأ، آية: 39. ينظر: الخميائي، ص93.

(80) باولو كويلو: الخميائي، ص 74، و77، و92، و94.

(81) باولو كويلو: الخميائي، ص 58.

(82) المرجع نفسه، ص 89.

(83) المرجع نفسه، ص69.

(84) المرجع نفسه، ص 70.

(85) المرجع نفسه، ص 70.

(86) المرجع نفسه، ص 50.

(87) باولو كويلو: الخميائي، ص 129.

(88) سورة يوسف، آية: 43.

(89) سورة يوسف، آية: 46.

(90) ينظر: باولو كويلو: الخميائي، ص 118.

(91) ينظر: باولو كويلو: الخميائي، ص 166-167.

(92) ينظر: باولو كويلو: الخميائي، ص 171.

(93) ينظر: باولو كويلو: الخميائي، ص 181.

(94) ينظر: باولو كويلو: السيميائي/ ساحر الصحراء، بهاء طاهر، طبعة 1996، ص 156-170.

(95) الرواية: السيميائي، ص 156.

(96) الرواية: السيميائي، ص 153.

(97) ينظر: الرواية: السيميائي، ص 170.

(98) ينظر: الرواية: الخميائي، ص 48.

(99) الرواية: الخميائي، ص 49-52.

(100) الرواية: الخميائي، ص 52-53.

(101) الرواية: السيميائي، ص 112.

(102) المرجع السابق، ص 163.

(103) كويلو: الخميائي، ص 94.

(104) كويلو: السيميائي، ص 112.

(105) المرجع نفسه، ص 143.

(106) المرجع نفسه، ص 172.

(107) ينظر: مقال:مولاي حافظ العلوي: تناص الحكي "في رواية الخمييائي" أو باولو كويلو "سارق حلم العرب" نشر: 30/09/2012، ص22-27. http://rodin.uca.es/xmlui/bitstream/handle/10498/15481/009_030.pdf?sequence=1

(108) ينظر: حلمي بدير: الأدب المقارن، بحوث ودراسات، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، ص10-13.

 

- مصادر البحث ومراجعه

* القرآن الكريم.

1- أحمد مرشد: المكان والمنظور الفني في روايات عبد الرحمن منيف، دار العالم العربي، حلب 1998.

2- إدوارد سعيد: العالم والنص والناقد، ترجمة عبد الكريم محفوظ، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2000.

3- ألف ليلة وليلة، المجلد الأول، ط.2، دار صادر، بيروت 2008.

4- بارت ولان، لذة النص، ترجمة فؤاد صفا والحسين سحبان، ط.2، دار توبقال، المغرب، 2001.

5- بارت رولان، هسهسة اللغة، ترجمة منذر عياشي، الأعمال الكاملة، مركز الإنماء الحضاري، حلب، ط.1، 1999.

6- بنيس محمد، الشعر العربي الحديث، الشعر المعاصر،ط.1، دار توبقال، المغرب 1996.

7- بوحوش رابح، اللسانيات وتطبيقاتها على الخطاب الشعري، دار العلوم للنشر، عنابة 2006.

8- التنوخي: القاضي أبي علي المحسن، الفرج بعد الشدة، تقيق عبود الشالجي، ج 2، دار صادر، بيروت 1978.

9- تودوروف تسيفتيان، ميخائيل باختين: المبدأ الحواري، ترجمة: فخري صالح، مؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط.2، عمان 1966.

10- جوليا كريستيفا: علم النص، ترجمة فريد الزاهي، منشورات توبقال، المغرب، 1991.

11- جيرار جينت: آفاق التناصية، ترجمة البقاعي، منشورات توبقال، المغرب، 1986.

12- جيرار جينت: مدخل لجامع النص، ترجمة عبد الرحمن أيوب، منشورات توبقال، المغرب، 1986.

13- حلمي بدير، الأدب المقارن -بحوث ودراسات، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.

14- ابن رشيق القيرواني، أبو علي الحسن: العمدة في صناعة الشعر، ج1، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط.2، دار الخليل، بيروت 1981.

15- كويليو باولو: ألِف، ترجمة رنا إلياس الصيفي، ط.1، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع(ش. م. ل)، بيروت 2011.

16- كويليو باولو، الخميائي، ترجمة جواد صيداوي، تدقيق لغوي: روحي طعمة، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط.16، بيروت، 2008.

17- كويليو باولو، الزهير، ترجمة رنا الصيفي، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ش. م.ل.

18- كويليو باولو، ساحرة بورتوبيللو، ترجمة رنا إلياس الصيفي، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع(ش. م. ل)، بيروت، 2006.

19- كويليو باولو، السيميائي، ساحر الصحراء، ترجمة بهاء طاهر، طبعة جديدة منقحة، 1996.

20-كويليو باولو، مكتوب أن تتخيل قصة جديدة، مقدمة، تر: طلعت الشايب، (ط.1)، ميريت للنشر والمعلومات، القاهرة 2003.

21- كويليو باولو، إحدى عشرة دقيقة، ترجمة ماري طوق، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 2003 /2007.

22- المناصرة، عز الدين، علم التناص المقارن- نحو منهج عنكبوتي تفاعلي-، ط.1، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 2006.

23- يقطين سعيد، انفتاح النص الروائي، النص والسياق، ط.2، المركز الثقافي العربي، المغرب، بيروت 2001.

24- يقطين سعيد، الرواية السردية، من أجل وعي جديد بالتراث، المركز الثقافي العربي، المغرب، 1992.

* * * *

- مجـلة

- غزول فريال جبوري: البنية والدلالة في ألف ليلة وليلة، مجلة فصول، مج 12، عدد4، القاهرة 1994.

* * * *

- مواقع الأنترنت

- حوار مع باولو كويليو: إعداد نجوى بركات: معابر، سورية. 1http://www.maaber.org/issue_march10/literature4.htm-

- حوار مع باولو كويليو إثر نشر روايته: ترجمة وإعداد عبد الوهاب أبو زيد: 12-04-2007، 01:06 http://aljsad.com/forum36/thread98979

- حوار مع باولو كويليو إثر نشر روايته: ترجمة وإعداد عبد الوهاب أبو زيد: 12-04-2007, 01:06 http://aljsad.com/forum36/thread98979

- جميل حمداوي: صورة العنوان في الرواية العربية:31/06/2006. http://www.diwanalarab.com/spip.php?article5406

- مولاي حافظ العلوي: "تناص الحكي "في رواية الخمييائي أو باولو كويليو "سارق حلم العرب نشر: 30/09/2012 http://rodin.uca.es/xmlui/bitstream/handle/10498/15481/009_030.pdf?sequence=1