تقديم
تثير هذه المقالة جانبا معتما من ثقافة المغاربة تهم مؤسسة المخزن على مستويين، علاقة المخزن بالشعب/ الرعية، ثم على مستوى الطقوس التي تمارس داخل دار الملك، فجهاز المخزن عميق الجذور ببلد كالمغرب استطاع أن يتقوى ويحافظ كيانه ويضمن استمرار "الدول" المتعاقبة بفضل الثقافة التي خلقتها مؤسسة المخزن وتغلغلت في نفوس المغاربة عبر أجيال متتالية لدرجة الخنوع أفرزت عقلية تزاوج بين التمرد والانضباط، فبدا المغرب قائما مستمرا بمختلق هياكله لم تحركه ريح "ربيع عربية" ولا انتفاضات طالت سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.. ثم لابد من الإشارة إلى أن فترة الاحتلال التي شهدتها بلدان شمال أفريقيا، والمغرب أحد هذه البلدان، زادت مؤسسة المخزن قوة وتجذرا بحيث وجد الاستعمار ضالته في فئة من رجالات المخزن هم القواد الذين خدموا السلطة المركزية بنفس القدر أو يزيد الذي خدموا به قوات الاستعمار وسهلوا مأموريته في البلاد وهو ما وقف عنده عدد من الكتاب السوسيولوجييين المتتبعين للشأن المغربي منهم بول باسكون مبدع السوسيولوجيا القروية حين تناوله لما أسماه ظاهرة "القايدية" ثم موطاني ومن تلاهم ممن خبروا دواليب تدبير الشأن العام المغربي وصولا إلى باحثين مغاربة من أمثال المؤرخ عبد الله العروي والأنثروبولوجي عبد الله حمودي، قد ركزنا في هذه المقالة على ما قدمه عبد الله حمودي عن دار الملك وما يحوف بها من طقوس وجند وتراتبية وخدام وموارد بشرية تخدم دار الملك بمختلف تصنيفاتها وتجلياتها، كل ذلك من خلال كتابه كالقيم "الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة" الذي هو بحث في خبايا ثقافة السلطة وقد خص جزءا مهما من حديثه للمخزن أو السلطة بالمغرب. ثم عرضنا كتاب عبد العروي "الجذور الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية" الذي أوردنا بعضا من آرائه حول المخزن ربما لكونه عاش قريبا جدا من هذه المؤسسة لعقود، ثم أحد ضباط البحرية الألمانية الذي خلف وثيقة اعتبرناها مهمة رغم اعتمادنا على ترجمتها الفرنسية، وهي لصاحبها ليونارد كاراو "تسع سنوات في خدمة المغرب" قضاها بجانب السلطان المولى عبد العزيز من 1900 إلى 1908، وكان قد حضر إلى طنجة لأجل هذه المهمة في شتنبر 1899م. وهو يحكي تفاصيل كثير عن حياة السلطان وعن عدد من الشخصيات كان لها دور كبير في تدبير الشأن العام المغربي.
ثم خلصنا لدور الثقافة الشعبية في تناول المخزن باعتباره ظاهرة اجتماعية، من خلال سرد عدد من الحكايات عن قواد المخزن أو الأمثال الشعبية التي تبين جلالة المخزن وامتداد يده التي تطال كل بعيد.
تمهيد
يعود الاستعمال الرسمي لكلمة مخزن إلى عهد إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقيا (800-812م)، وقد ارتبط هذا التعريف بتحصيل المال أو الأشياء العينية، وهو تعريف يمكن الأخذ به حتى قبل الحفصين مادام الأمر يتعلق بالمعنى الضيق للكلمة. وهذا التعريف يقول به THAMINY Monique(1) وميشو بيلر باعتبار أنه تعريف يحيل على الدولة عموما. والمخزن يحيل لغويا على عملية الخزن، بمعنى أنه اسم مكان والقائم عليه هو الخازن، فالمكان هنا لتجميع مالية الدولة، نقدية أو عينية، ولتجميع هذا المال لابد من إيجاد المصدر الذي هو الشعب، هذا الأخير قد يستفيد من خدمات هي في جوهرها مجرد سبل لتبرير استخلاص الضرائب والمكوس والجبايات، ويرافق عملية التحصيل هذه، عدد من القوانين والضوابط التي يشرف على تنفيذها جهاز يستعمل القوة والردع لذلك، فتكون النتيجة ترسيخ ثوابت تدعم السلطة والسلطان وتضع جدارا سميكا بين الحاكم والمحكوم وبالتالي تقر ثنائية البنية الاجتماعية، تلك الثنائية التي تجعل كلا يعرف قدره وتفسح المجال في الوقت ذاته أمام من يريد التسلق والوصول والتقرب من دائرة السلطة المخزنية فيصبح كل شخص نال مرتبة الرضا خديما لهذا النظام، وهذا التعريف، ينقل كلمة مخزن من معناها اللغوي البسيط إلى المعنى الاصطلاحي الجامع الدال على نظام متفرد في الحكم تصاحبه طقوس خاصة تم التأسيس لها عبر قرون خلت من عمر المغرب المعاصر، نظام بإمكانه التكيف مع أي وضع جديد لضمان استمراريته، ولنا في تاريخ المغرب العديد من المآسي السلطانية التي جعلت الصراع يحتدم بين الأشقة والآباء والأبناء لدرجة الاقتتال بسبب السلطة والمال دون مراعاة لمصالح البلاد والأمة.
لقد ظل المخزن ولا يزال بعيدا عن قضايا الشعب تتحكم في ممارساته تلك المقاربة الأمنية والخوف من ردة فعل الأهالي والقبائل.
مقابل هذا التسلط، تولدت لذا المغاربة روح الانتقام من المخزن ورجالاته كلما سنحت الفرصة بذلك، فلا غرابة إذن، إن حملت الذاكرة الشعبية إلى الآن، في صمت، هزيمة إيسلي سنة 1844 والملابسات التي حافت بها، حيث اعتبرت انتقاما من جهة القبائل التي عانت الأمرين من تسلط المخزن، وقبلها مع الولاة العرب حين تم سلب أموالهم وسبي نسائهم، فقتل عقبة بن نافع الفهري... وهو ذات السلوك الذي استمر عبر حقب متتالية من تاريخ المغرب بدرجات متفاوتة.
وكلمة مخزن أطلقت في بلاد المغرب على "هيئة إدارية وتراتيب اجتماعية، وعلى سلوك ومراسم، أو بعبارة جامعة، كان المخزن سيفا وقلما نما وتطور في كل دولة وإمارة"(2).
ويعرف إينياسيو راموني Ignacio Ramonet، المخزن، كونه البنية السياسية والإدارية التي يتكئ عليها النظام المغربي، من خلال الإذعان والطقوس والاحتفالات والأعراف. عبر رؤية محددة للسلطة تتحكم في مجموع النخبة السياسية التي يشكل الملك محورها(3).
عبد الله العروي
يمكن توزيع المخزن إلى جماعات ثلاث، حسب العروي، مختلفة من حيث حجمها وقوة نفوذها: هناك جماعة ضيقة لا تتجاوز شخصين أو ثلاثة أشخاص (وزير أو حاجب)، بيدهم فعل تسيير الدولة داخليا وخارجيا، وكان يظفر بهذا المنصب أصحاب النفوذ والأوفياء للأمير من وصفان وموالي ومن كان يتقن صناعة ولا يشكل خطرا على السلطة.
ثم جماعة ثانية، تتكون من أولائك الذين يتولون تذييع سياسة الدولة بين الناس وترجمتها إلى لغة رسمية مضبوطة وهم الكتاب في الدواوين.
أما الجماعة الثالثة، فهي التي تتولى تنفيذ الأوامر وإعداد الوسائل المالية والعسكرية، وهي مكونة، في الغالب، من أصحاب الأعمال، فكانت مسؤوليتهم مزدوجة، جبائية وعسكرية، فالمسؤولية العسكرية تقتضي استخلاص الضرائب والجبايات على شكل عشور تؤخذ عينا لتمويل "حركات" الجيش(وفي هذا الصدد نورد المثل الشعبي [كيتي فالمحلة للي تمونها كيرانة]، ومن هنا اشتقت كلمة مخزن.
إن هذا التقسيم اجتماعي أكثر منه قانوني، فالسلطة يتم ممارستها وفق شروط ثلاثة: الوزارة التي تخطط، والكتابة التي تبين وتعلن، والأشغال التي تنفذ. هذه الوظائف هي التي تحدد هوية المخزن. ثم مع توالي الممالك، اتخذ الملك رونقا وبهاء (استنادا إلى الناصري. الاستقصا ج 3)، وتحول إلى "شارات وأحوال تقتضيها الأبهة" (وفق ابن خلدون. المقدمة. ص 456).
هكذا ابتعد المخزن عن المجتمع وجمع حوله مجموعات معينة أهمها الوصفان والموالي ثم الأعراب الهلاليون والمهاجرون الأندلسيون، وهي المجموعات التي شكلت المعضلات الثلاث: الجباية والجيش والإدارة.
لقد تخصص الهلاليون في أمور الجيش والسيف، وتولى الأندلسيون المهاجرون القلم وتدبير الشأن الإداري.
ليونارد كاراو
في كتاب آخر، ارتأيت ذكره هنا لما يحتويه من معلومات يسردها شخص عاش إلى جانب السلطان المولى عبد العزيز كان يشتغل في مجال البحرية الملكية، يتعلق الأمر بـ "ليونارد كاراو" Leonard Karow، ألماني، قائد السفينة Le Turki، قضى تسع سنوات بجانب السلطان من 1900 إلى 1908، كتب مذكراته ونشرها عام 1909، أي مباشرة بعد نهاية مهمته، نشرها تحت عنوان "Neuf années au service du Maroc"، ورغم أهمية وقائعها وحرارة أحداثها تم إهمالها وبقيت في طي النسيان تمت ترجمتها إلى الفرنسية من طرف مونيك مياج وجون لويس مياج، يتناول الكاتب فترة حرجة من تاريخ المغرب. أو ما أسماه بالأزمة الديبلوماسية المغربية. أو بشكل أوضح، ثورة الجلالي الزرهوني الذي لقبه المخزن ببوحمارة الروكي ويعرض لمسألة أساسية هي حياة السلطان "الصغير" المولى عبد العزيز الذي كان يمضي وقته في اللَعب لصغر سنه، فبدل تربيته وتأهيله لتولي أمور السلطان كانت حاشيته تجلب له اللُعب من الخارج وتضارب فيها، فكان من يحيطون بالملك يجنون الأموال الطائلة من وراء عملية شراء هذه اللُعب والتي حمل Karow العديد منها على متن السفينة الملكية. قاد Karow السفينة الملكية وجاب بها كل الشواطئ المغربية وعاش لحظة تمرد الجيلالي الزرهوني ضد دار الملك وسجل العديد من تلك الأحداث، خاصة عن شخصية المدعو "الروكي بوحمارة"، وعن شخصية "لمنبهي" وولاء هذا الأخير للانجليز.
وتناول الكاتب حياة الملك الذي بدا ضعيفا ويعبث بثروة البلاد مهملا شؤون الرعية، الشيء الذي أثار غضب الشعب وفئة من الفقهاء. ثم تأتي أهمية الكتاب كونه لاحق العديد من الشخصيات ووضعها تحت المجهر وسلط الضوء عليها، مثل الجيلالي الزرهوني ولمنبهي وبنعرفة والريسولي والقايد البشير والعمراني والقايد الحاج علله والشيخ ماء العينين والحاج محمد الطريس، ثم العديد من الأمكنة، مثل الصويرة وأكادير وفرخانة وقصبة السعيدية، إضافة إلى العديد من الصور النادرة التي التقطتها عدسته، ومعلوم أن ليونارد كارو كان محسوبا على الاستخبارات الألمانية وقد اتسم عمله بالجاسوسية.
عبد الله حمودي
يسلط الباحث الأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي في كتابه القيم "الشيخ والمريد"(4)، الضوء على خانة مظلمة من نظمية السلطة بالمغرب وهي مؤسسة "دار المُلك" التي ظل تناولها محتشما ولو من زاوية تاريخية، أو ربما ظل ينظر إليـــها من زاوية المقدس الذي لا يجوز الخوض فيه، أو هي من الطابوهات (Tabous) الكثيرة التي ظل المغرب الحديث يتميز بها كالمؤسسة السجنية وميزانيات القصر والجيش والأوقاف وغيرها من الأمور التي لا يجوز الخوض فيها لأنها تتعلق بسيادة دار المُلك أو من خلال الكتابات التي عرفت بالكولونيالية. والحقيقة أنه إن كان هناك من شيء قد نال قيمة وتطورا على امتداد تاريخ المغرب، فإنه دار المُلك بأجهزتها، خاصة المخزن والجيش، ولو أن هذا الأخير انكشفت هشاشته خلال معركتي إسلي وتطوان، إذ تأكد أن الجيش كان ذا بأس كلما تعلق الأمر بإخضاع القبائل وإحباط المؤامرات والثورات ضد دار المُلك.
ينطلق عبد الله حمودي من سؤال جوهري، هو كيف نفسر موقف أغلبية شعبية خاضعة للحرمان تبدو راضية رغم ذلك؟(5) فالأمر لا يبدو ناتجا عن القمع فقط، إذ يمكن أن ينضاف إليه رسوخ العديد من المعتقدات، حسب حمودي، كالسعي الدائم وراء التقرب من السلطة للظفر بالنعم واعتبار الروحانية التي تسم المركز الموزع لهذه السلطة، وفي هذا إحالة على مفهوم "عقلية العبيد" و"عقلية الإنسان المقهور"، فالعبد يسعى دائما نحو رضا سيده والمريد داخل الزاوية لرضا شيخ طريقته ومنها إلى الولاءات داخل الأحزاب (فالزعيم داخل حزب ما يبقى زعيما إلى أن يلقى ربه)، وبين الأفراد وفي ما بين دولة وأخرى. هذه الثنائيات إذن، هي التي تنبني عليها العلاقات داخل المجتمع المغربي الحديث والتي تطال جميع المؤسسات (المؤسسة بمفهومها القائم لأنه ليس هناك مؤسسات ناتجة عن ممارسة حرية الاختيار بما في ذلك مؤسسة الأسرة). إذن هناك اعتبار للروحانية التي تسم القائم على هذه السلطة والفئات المحرومة، يستطرد عبد الله حمودي في استغراب، كيف لها أن تصبر على الحرمان أملا في تحسن خارق لأوضاعها رغم خيبات الأمل التي ظلت تجترها منذ أمد البعيد؟ ومن خلال مقاربة عكسية لهذا الخضوع والخنوع يشير صاحب "الشيخ والمريد" إلى ثورة الغضب التي تنتاب هذه الفئات المحرومة بين الحين والآخر على شكل مظاهرات أو انتفاضات تواجه في الغالب بالقمع والتغييب والسجن والدم، والأمثلة لا حصر لها عبر تاريخ هذه السلطة قبل الحماية الفرنسية أو بعدها، لأن دار المُلك تجعل الحفاظ على ذاتها وكيانها همّـاً أوليا وفوق أي اعتبار، وهي صفات يتحلى بها أصحاب السلطة عامة إذ يقتضي الأمر الضرب بقسوة على يد كل مناوش أو معارض لهذه المؤسسة التي يصبح تحديد معالمها مبهما وفيه الكثير من الغموض واللبس حيث يصعب على المحلل التمييز بين مفاهيم شتى، بين دار المُلك إلى المخزن إلى الدولة إلى دار الخلافة إلى إمارة المؤمنين إلى أب الأمة ... ومرد هذا اللبس كون دار المُلك تأخذ شكل كل هذه المؤسسات، أو هي تجلياتها وأوجهها المتكررة، وفي سياق مشروعية العنف [يحدد ماكس ﭬيبر سلطة الدولة بشكل عام من خلال الاستئثار بالإكراه والقسر والعنف المشروع، فمن البديهي، إذن، أن يُظهر كل سلطان تلك القوة الدينية الخارقة عبر قوته الضاربة ـ على حد تعبير ﯕيرتز 1968. C.Geertz ، فالسلطة العليا لا يمكن أن تدوم لوقت طويل بين يدي رجل عاجز أن يكون مقدسا وقويا في وقت واحد] (6). والسلطة هنا، تتمركز حول ثالوث السلطان والبيروقراطية والجيش (7)، والبيروقراطية هي التي يمثلها المخزن [لأن النظريات السوسيولوجية المتعددة حول المخزن لم تستطع التمييز بين مختلف أوجه ومظاهر السلطة السلطانية أو حتى تعدد معاني الكلمة في حد ذاتها. ومهما يكن فإنهم قد أسرفوا في تبسيط الخطايا](8).
من هنا يقف حمودي عند تعدد شرعيات دار المُلك:
1ـــ الشرعية الدينية:
وتتجلي في عنصر البيعة للأمير/ الخليفة/ الملك/ السلطان.. والتي تؤدي بدورها إلى تحميله لقب أمير المؤمنين، و[البيعة هي العهد على الطاعة، كأن يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشِّط (كسر الشين المضعفة) والمكــِره (ضم الميم وكسر الراء)](9). فالسلطان يستمد شرعيته من البيعة لما تكتسيه من عمق ديني، أي أن البيعة هي طاعة الله في شخص الخليفة/ السلطان الذي هو ظل الله في الأرض، وهو الإمام وأمير المؤمنين، من هذا المنظور لن يجرأ أحد على الخوض في وجوب وشرعية طاعة الملك باعتبار أن البيعة أول ما كانت للنبي محمد رسول الله (ص)، فالبيعة هنا ترتد زمنيا لعهد الرسول الكريم (ص)، هكذا يتحول السلطان إلى فاعل لما يريد لأنه أضحت تحـوف به هالة من القدسية المستمدة من غطاء الشرعية الدينية تفعيلا للآية ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم﴾(الآية)، وهذا لا يعني أن الإسلام قد أوصى بنظام معين للحكم والسلطان، بل إن المسلمين اختاروا خليفة رسول الله بحرية ومشورة رغم عدم تحقيق الإجماع. أما لقب أمير المؤمنين فيعود لعهد الخليفة عمر بن الخطاب، لأنه هو أول من حظي به بعدما ثقلت عبارة "خليفة رسول الله" على الألسن.
إذا كانت البيعة، عند ابن خلدون هي العهد على الطاعة، فإن عبد الله حمودي يجعل مفهومها أوسع وأشمل، إذ يرى أن البيعة المتجددة على رأس كل سنة إنما [تربط بصورة دائمة الشعب بالملك وتنزه هذا الأخير على الصراعات والتحزبات الــتي يمكن أن تعرفها الأمة/ الجماعة، وترفع مكانته فوق الأغراض الخاصة ](10). فالملك يمسك بزمام جميع المبادرات بما فيها وضع الدستور [دستور 1972 يسند إلى الملك سلطة التشريع خارج الأحكام الدستورية، إذ أن الدستور نفسه يكرس ثنائية المرجعية: البيعة من جهة والقوانين الدستورية من جهة أخرى](11)، وحتى على مستوى طقوس البيعة يظهر السلطان على الرعية من مختلف الأقاليم والفئات ممتطيا فرسا تظلله مظلة يحملها أحد الخدم مترجلا كغيره، إذ السلطان وحده من يركب الفرس دون سواه من الحاضرين. هذه البيعة هي التي تجعل من الملك أميرا للمؤمنين، ليس بالمفهوم الذي ظهرت به هذه الصفة مع خليفة رسول الله عمر بن الخطاب، وإنما بشكل أقوى وأكثر قدسية وتأكيدا للشرعية الدينية والنسب الشريف وأن السلطان ظل الله في الأرض وبالتالي فإن طاعته واجبة وأن رضا الله من رضاه و[مهاجمته مخالفة لقانون مقدس ونزع للقداسة عن أسمى وجوه الكيان الإسلامي وركائزه والله يدعو إلى انتقاء من ترتضيه الأمة ويأمر ألا تبقى الأمة بدون إمام](12)، فمؤسسة دار المُلك تستثمر، دائما، تاريخ السلف كونها من الشرفاء وتنحدر من آل البيت، وقد ظل العلماء ولا زالوا، يشكلون ذلك الدرع الواقي الذي يشرعن قرارات وتوجيهات ومواقف وسياسة دار المُلك، هؤلاء العلماء والفقهاء يمكن اعتبارهم نخبة.. أما الشيء المميز للبيعة فهو صيغة الإجماع، إجماع المسلمين على الولاء والطاعة للملك، لأنه مهما بلغت درجة الاختلالات والخلافات لن ترقى لدرجة التراجع عن البيعة وقدسيتها.
لكن لا يجوز نسيان مؤسسة أخرى تجلى نجمها منافسا لدار المُلك، إنها "الزوايا" وظاهرة "الشرفاء" و"المرابطين"، لهذا سعت دار المُلك وراء احتواء هذه المؤسسة أو اضطهادها أو خلق نقيض لها كما حدث عند استقدام الوهابية، من هذا المنطلق يؤكد عبد الله حمودي على مقاربة أساسية تهم "اللدنية الشريفية" التي اختفت [شيئا ما بين 1894 و1927 لصالح حركات أخرى وتنازع هذه الحركات معروف: مقاومة زعماء القبائل أو الزعماء الدينيين (المنحدرين من سلالات شريفة أو غير المنحدرين منها) ومؤسسات يتزعمها "أصحاب كرامات وخوارق" ومعارك بين قبائل رفضت الولاء وقبائل تمسكت به، ثم الكفاح الوطني الذي يمتح ديناميته من الإيمان](13).
وهنا لابد من التأكيد على مفارقة مهمة، إذ أنه ظهرت في هذه الفترة، فترة الصراع، حركة حرب الريف بزعامة محند بن عبد الكريم الخطابي والشريف محند أمزيان والحاج عمار لمطالسي وبورحايل وغيرهم من الزعماء الريفيين كثير. وهي الحركة التي ألحقت الهزائم الكبرى بقوات المحتل الإسباني والفرنسي، في ادهار ؤباران وأنوال والعاهد ؤعاروي وغيرها دفاعا عن الأرض والعرض. حركة الريف كانت ذات [أهداف واضحة نسبيا تروم إحداث إصلاحات جذرية وتشييد نظام سياسي جديد، وقد ألهبت حماس الجماهير في باقي المغرب وسببت لعدة سنوات ضعفا لشرعية الدولة الشريفة، فلم تكن الحركة ولا زعيمها يتمتعان بهيبة النسب الشريف أو يطمحان إلى إمارة المؤمنين](14). الأمر الذي يدحض كل ما للبيعة من معان وأبعاد، إذ البيعة في عمقها الديني تعود للرسول محمد عليه السلام، وهو بدوره لم يوصي بها لأحد من بعده تصريحا أو تلميحا، لكن ما حدث هو أنه تم تسييس فعل البيعة ليصبح ذا شحنة إيديولوجية، إن [نص البيعة، كتفويض غير محدود للسلطة، يستمد فعاليته، ليس من مضمونه، بل من تطابقه مع نموذج أصل يتمتع بقداسة لا يرقى إليها الشك من جهة، ومن سمو وجسامة المهمة التي يتم تكليف الإمام بها عادة، وهي حفظ وحدة الأمة والسعي إلى تحقيق إجماعها الدائم ](15)، لا ننسى أيضا أن "أمير المؤمنين" و"سبط الرسول" يتولى ذبح أضحية العيد لنفسه وشعبه كما كان يفعل الرسول نيابة عن المسلمين المعوزين الذين لا يجدون ما ينفقونه لشراء أضحية العيد.
2 - الشرعية التاريخية:
لم يكن هناك مجال للممارسة الديمقراطية في ظل دولة المخزن ذات السيادة المطلقة. كانت هناك قوة ضاغطة، أو "القوة الثالثة"، على حد قول المفكر المغربي، محمد عابد الجابري، هذه القوة هي التي تتحكم في مجريات الأحداث وتصنعها، هذه القوة الثالثة هي التي تشكل الركن الأساس في بنية دار المُلك وهي التي ضغطت على الملك محمد الخامس، عبر ولي عهده آنذاك، الحسن الثاني -يضيف الجابري- لإقالة الحكومة الوطنية سنة 1960، علما أن "الحركة الوطنية" هي التي ظلت وفية للعرش وكافحت من أجل عودة الملك. بل جعلت الاستقلال مشروطا بعودة الملك من منفاه. فالحركة الوطنية هي التي أكسبت دار المُلك تلك الشرعية التاريخية، وقد يبقى المغرب [البلد الوحيد -تقريبا- من بين بلدان العالم الثالث الذي لم تتسلم فيه الحركة الوطنية التي حققت الاستقلال الحكم، أعني السلطة، بل لقد تسلمها ملك البلاد بتفويض من الحركة الوطنية تلك، بجناحيها السياسي والعسكري](16)، هذه الشرعية التاريخية يستثمرها كل السلاطين كونهم خاضوا حروبا ومعارك من أجل توحيد البلاد وجمع شتات الأمة وصد الخطر الأجنبي، فالسلطان بذلك يحظى بالإجماع، ليس كالأحزاب أو زعامات القبائل والزوايا، فالسلطان هو الملاذ للمتخاصمين والحكم عند حدوث النزاعات، إذ بتدخله يتم إلغاء دور أية مؤسسة أخرى بما في ذلك القضاء. وتوالت الأحداث بعدها، حين أقر الملك الحسن الثاني دستورا يشرعن الحكم الفردي، وبذلك تكون دار المُلك قد اختارت طريقها، [ وتتجلى تلك الأهمية في الأدوار الحاسمة عند اللجوء إليه في الحصول على امتياز أو حل مشكل من المشاكل المعروضة على أنظار المخزن](17).
ويؤكد عبد الله حمودي (الشيخ والمريد) أن الملكية دخلت في سبات طويل منذ وفاة الحسن الأول، أواخر القرن19م إلى غاية ثلاثينيات القرن20م، لتستيقظ بفضل الحركة الوطنية الحضرية (الاحتجاج على الظهير البربري في ماي 1930)، وقد ترأس محمد الخامس هذا التيار ولم تمض على توليته أكثر من ثلاث سنوات، ثم الحماية الفرنسية، وعن غير قصد، ساعدت على نماء نوع من الالتحام بين الحركة الوطنية ومؤسسة القصر خلال [اللحظات الأولى من الكفاح وأيام الاستقلال الذي ناله المغرب بعد ربع قرن تقريبا، نما التعاون بين القصر وزعماء الوطنية الجديدة، وبفضل هذا التعاون أعيد توطيد فكرة الملك بصفته رمزا لوحدة الأمة](18)، ربما لأن الحركة الوطنية كانت تعيش أزمة الصراع حول الزعامة، الشيء الذي سينجلي بعد الاستقلال السياسي في 1956م والانشقاقات التي عرفتها الحركة الوطنية بداية من حزب الاستقلال إلى الشورى والاستقلال إلى الاتحاد الوطني مع عبد الله إبراهيم. المهم أن الحركة الوطنية جعلت عودة محمد الخامس من أولويات وثيقة المطالبة بالاستقلال، كما أن ذات الحركة هي التي أقرت الاحتفال بعيد العرش أول مرة سنة 1934م بدافع التحدي للمستعمر الفرنسي، فلم ير هذا الأخير في دار المُلك أي خطر من شأنه تهديد مطامع فرنسا بالمنطقة لهذا [تم الإبقاء على السلطان بجميع المظاهر الخارجية والأبهة التقليدية المغربية للسيادة الدينية والسياسية، فاحتفظ بقصوره وبعدد كبير من الموظفين التابعين له وحده وبحرسه الأسود تحت إمرة الضباط الفرنسيين، كما ظل خليفة وأميرا للمؤمنين وبأمره كانت تسن القوانين والظهائر وتصدر الأحكام القضائية](19)، هكذا ظل الملك "يسود ولا يحكم" إلى غاية 1944م حيث سيتقوى الشعور الوطني وما تلا ذلك من التفاف حول شخص الملك ولبوسه الصفة التاريخية كأب للأمة ومحرر للبلاد.
كلها أحداث ستحمل معها شحنة تاريخية قوت عود المخزن باعتباره إدارة لدار المُلك الباتريمونيالية (Patrimonial) بشكل من الأشكال، حيث ستعمل المؤسسة الملكية، بعد الاستقلال السياسي، على استثمار كل المكاسب البطولية للكفاح الوطني المغربي.
3- الشرعية الشعبية:
مما لا شك فيه، أن فعل الطاعة والتعلق "بأهداب العرش" غير المشروطة والمطلقة للفئات الشعبية، ظلت حاضرة عبر المراحل التاريخية للمغرب الحديث، بل منذ الأدارسة، أي ظلت ملازمة لدار المُلك على مر العصور، وقد صنعت لنفسها ما صنعته من طقوس وتقاليد أضحت جزء من "ثقافة" هذا الشعب بدت وتجلت ملامحها الأولى مع نفي الملك محمد الخامس إلى مدغشقر، و"تجلي وجهه على وجه القمر"، وعند عودته وعند وفاته، وما تلا تلك الوفاة من وقائع (نحيب وإجهاض وقفز من على السطوح وأشياء كثيرة لازالت روايتها مستمرة إلى الآن... ووفاته إثر عملية بسيطة‼)، بل إن التأريخ للعديد من الوقائع والولادات يتم التذكير به وفق حادث النفي أو العودة أو الوفاة، وأحداث ومظاهر حكائية شعبية وطقوس لازالت تمارس إلى يومنا هذا، وإن تراجع العديد منها، باعتبار أن كل سلطان يعمل على التأسيس لولايته وعهده مستثمرا بعضا من ماضي سلفه والتعامل مع ذاك الماضي كونه تم طيه والتخلص منه كما يحدث مع العملة السابقة، بحيث يتم التخلص منها تدريجيا وجمعها من سوق التداول وسك نقود جديدة تحمل رموزا أخرى وصورة العاهل الجديد، فنجد العديد من العبارات التي يتم ترديدها من قبيل "يحيى الملك/ عاش الملك" و"سيدنا".. إذ لا يمكن ذكر اسم الملك دون تقديم عبارات تدل على الطاعة والتقديس لشخص الملك وسلطانه، ثم يلي هذا كله تلك المظاهر الاحتفالية خلال الأعياد المسماة "وطنية": عيد الاستقلال(تصريح 1944م)، عيد العرش، عيد الشباب، ثورة الملك والشعب (في 20 غشت عند نفي الملك محمد الخامس 1953م). وتبقى مناسبة عيد العرش أو عيد الجلوس، الأهم حيث تعطى للعيد أهمية قصوى لا يحظى بها عيد الاستقلال كما في بلدان أخرى، وإن كان نظام الحكم فيها ملكيا. خلال عيد العرش يتم الاحتفال داخل المؤسسات التعليمية وخارجها، من خلال استعراضات التلاميذ وألعاب الفانطازيا... وفي جميع المؤسسات العمومية والخاصة حيث أن الاحتفال يكلف مبالغ مالية ضخمة يتطلب جمعها الاعتماد على مساهمات الموظفين داخل مؤسسة ما أو أصحاب المحلات التجارية ومن الحسابات السوداء بعمالات الأقاليم ... وقد كان أعوان السلطة والقواد والباشوات ورجال السلطة بشكل عام، يتولون جمع تلك "المساهمات"، والتي تحيلنا على "حركات" السلطان لجمع الضرائب وإخضاع القبائل وفي ذلك نوع من تجديد البيعة. أما المؤسسات التعليمية فالدراسة بها تتعطل لمدة تفوق الشهر استعدادا لحفل عيد العرش وما تلاها من مراسيم حيث تصرف ميزانية ضخمة من صندوق الجماعات المحلية على الحفل وتقام السهرات، فتغص الشوارع بالعامة يمارسون حرية ليست كبقية الأيام من شرب ورقص وغناء (مظاهر الاحتفال هذه تراجعت في عهد الملك محمد السادس).
ومعلوم أن المغاربة لهم صلة وطيدة بالشرفاء والزوايا حتى قبل العلويين وكيف كان تدخل شيوخ الزوايا حاسما في حل النزاعات خاصة بالعالم القروي، بطلب من الحكم، ويكفي تأمل هذا الانتشار الكبير للأضرحة على امتداد التراب المغربي ومدى إقبال الفئات الشعبية والخاصة عليها للتبرك أو طلب الوساطة. والزاويا لها من السلطة الروحية والنفوذ ما يشكل بحق مصدر قلق بالنسبة للمخزن إن لم يحتويها، لهذا تجد دار المُلك تغدق على هذه الزوايا، الهبات والعطايا والامتيازات والنفوذ إذ يمكن اعتبار دورها أقرب إلى نخبة الفقهاء والعلماء، [ومن المعلوم أن السلطان نفسه يتردد على الأضرحة الكبرى حين يمر بجوارها ويتخشع مثل رعاياه أمام قبور الأولياء، ذلك أن توسطهم عند الله يعينه على قضاء مآربه](20)، ثم ظهور السلطان في مراسيم الاحتفال بذكرى المولد النبوي باعتباره سبط الرسول وسليله، الشيء الذي يلاقي احتفاء شعبيا وتلاحما للرعية بالسلطان وكأن الأمر يتعلق ببيعة غير معلنة، فالاحتفال وإن كان بمناسبة ميلاد الرسول، فعمقه يحمل مدلول الاحتفال بالسلطان الذي هو الممثل الشرعي لبيت الرسول، فلا يمكن الفصل بين المحتفى بهما، [وتبين ذلك بجلاء الصورة التي قدمها المؤرخ ابن زيدان عن هذه الاحتفالات الرسمية في عهد الحسن الأول، ففي الموكب والاحتفالات لا يظهر السلطان بصفته الرجل الأقوى فحسب، بل يُقَدَّمُ كذلك بصفته تجليا لبركة الرسول، وهي بركة حية ونافعة وقادرة بمفردها على بث الحياة في المملكة السعيدة التي تمثلها الجماهير المشاركة في هذه الاحتفالات](21)، وتتوالى مظاهر الاحتفال بطقوس مركبة ومضبوطة تجعل من السلطان محور المملكة والأمة والرعية باعتبار نسبه الشريف وكونه أمير المؤمنين يحوف به الشرفاء والعلماء وأصحاب البركة(22) حيث تتلى الأمداح النبوية وتطلق أنواع البخور لتضفي على المكان ما يلزم من طقوس الهيبة والجلالة، وهي نفس الاحتفالات التي تمتد إلى يوم عيد الأضحى، يضف الحمودي نقلا عن ابن زيدان، حيث يتم، بمناسبة عيد الأضحى، إهداء [الألبسة للأسرة الملكية وللقواد والعمال والأعيان. في الصباح يستقبل السلطان وفود القبائل لتهنئته وتقديم الهدايا المألوفة وتجديد البيعة](23)، هذه الطقوس وغيرها في مناسبات كهذه، من شأنها إلهاب مشاعر الحب والتقديس والتنزيه والتعظيم والهبة والخوف والتقرب والخدمة للسلطان وتجعل منه الوصي على الأمة و"حامي حمى الملة والدين"، هذه المظاهر الاحتفالية الطقوسية خلال الأعياد هي التي تظهر جلالة السلطان وهي التي كانت وراء استمرار وإبداع العديد من الألقاب تتناسل لتصبح قاموسا للاستهلاك الشعبي من قبيل، صاحب المهابة وأب الأمة وموحد البلاد وسبط رسول الله وسليل الشرفاء والشريف وظل الله في الأرض وراعي الأمة.. إلخ . ويقابلها خطاب من قبيل ـ رعايانا الأوفياء وخديمنا الأرضى وخدامنا الأوفياء.. إلخ
اعتمدت دار المُلك في بنائها على خدام الأعتاب وكذا القبائل التي ظلت لفترة ليست بقليلة تشكل الدعامة الأساس لنصرة الملك بداية من الأدارسة إلى الآن، ولو بشكل غير واضح، بحيث يستقطبهم الملك ويسترضيهم ويصاهرهم.
[تَشَكَّلَ الْمَغْرِبُ وَتَنَظَّمَ حول شخص سلاطينه الذين ظلوا يمارسون سلطة روحية وتاريخية في الواقع تقوم الدولة التقليدية على مبدأين أساسيين:
1ـ في القاعدة توجد القبائل متساوية وتتمتع بسلطة مسخرة من طرف السلطان.
2ـ فوق الإطار القبَلي يوجد المستوى السياسي العام المتجسد في العاهل الذي هو زعيم روحي وتاريخي مع إدارته والتي يمثلها المخزن](24).
ويعمد السلطان إلى تشكيل بطانة من الخدام "خديم"، ليس على اعتبار الكفاءة بل على أساس القرابة والوفاء، ومن بين الخدام أيضا نجد تلك الفئة من المثقفين التي تسخر معرفتها لخدمة السلطان وبسط نفوذه كما هو الحال بالنسبة لـ "الأديب السلطاني" كما عرفته دار الخلافة بالمشرق وتحويل الخلافة إلى وراثة على يد معاوية بن أبي سفيان حين انبرى يجمع البيعة لابنه يزيد على غرار القياصرة الذين كانوا يعينون من سيخلفهم، أي من سيرث عرش كسرى.
يقوي السلطان سلطانه من خلال خدامه ومدى إخلاصهم له ووفائهم بالعهد وعلى رأسهم العلماء والفقهاء الذين يدافعون عن شرعيته الدينية ويبررونها ويجعلونها بعيدة عن شبهة الخطأ، ثم مؤسسة الجيش لأن السلطان لابد له من قوة تحافظ على هيبته، فـ [الكل يعلم أنه إلى حدود سنة 1956م ظل سلطان المغرب محاطا بالمخزن وليس بحكومة، بنفس الطريقة التي يحب بها المسلمون الله وليس الرب](25)، وتتشكل دار المُلك من العاهل ومحيطه، وتعرف أيضا بدار السلطان أو دار المخزن، ويتكون محيط الملك من [جماعة خدم الأمير، ويرأسون وحدات الخدم العادية، بعد هؤلاء تأتي جماعة الخدام بالمعنى الواسع ومجالها هو الفضاء الذي يجاور العالم الخارجي. جماعة الخدم تتقيد بواجبات وقواعد تحددها أعراف وعادات](26)، ويسرد عبد الله حمودي العديد من الممارسات التي تميز بيروقراطية دار المُلك من خلال اصطدامها بالقاعدة الشرعية ومناقضتها لها باعتبار أن الشرعية، يضيف حمودي، تلح على الكفاءة المهنية لتولي منصب ما كالاستقامة والجدارة والصلاح وغيرها من الصفات التي [تبين أن خدام دار المُلك هم مقربون قبل كل شيء، مقربون قد تسقط حظوتهم وقد ينزل بهم سيدهم أشد العقاب والمصير تحسم فيه دار المُلك ولا يخضع لتقييم هيئة ثالثة (...) ومن جانب آخر الاحتجاج علنيا على خطأ عضو من العائلة المالكة دون أن يؤثر ذلك على سلطة العاهل](27)، فأفراد العائلة المالكة لهم من السلطة والنفوذ ما لا يرد أو يقهر عدا سلطة السلطان ذاته التي تتفوق عليهم، لكن من حيث كونهم يشكلون مؤسسة فهم أيضا قوة ضاغطة حتى عل السلطان ذاته عند اتخاذ العديد من المواقف أو القرارات، فلا يجب تناسي شبكة العلاقات التي تمتلكها هذه المؤسسة بفضل انتمائها للأسرة الحاكمة، بمعنى أن أي مساس بها يعتبر مساسا بالعاهل ذاته، فمهما كبرت أخطاء أفرادها فهي تدارى داخل المؤسسة.
وبالنظر إلى دار المُلك من زاوية ترتيبها الداخلي الذي تغيب تفاصيل فضائه عن الرعية لا يعلمه إلا الذين يشكلون جزءا من هذا الترتيب، فدار المُلك هي في الواقع [تجمع لأناس مكلفين بمهام معينة، فهي مجتمع قائم بذاته، فيه الحرفيون الملحقون بالصيانة وتنظيم الحياة اليومية ثم أشخاص حضورهم ضروري ثم أشخاص آخرون لمجرد اكتمال صورة المركز (رجال الدين، رفقاء التسليات الأدبية، أصحاب البركة، أناس يستبقيهم حسن وفادة الأمير وإرادته وغرضه)](28). إن دار المُلك تسخر كمّاً بشريا هائلا وميزانية لا يمكن حصرها لخدمة "الدار". علاوة على أفراد العائلة المالكة. فالواحد من هؤلاء ولد ليجد نفسه يحمل لقب أمير، الشيء الذي يمنحه العضوية الكاملة داخل دار المُلك، من هنا فللبقاء في دار المُلك لابد من [صلة "طبيعية" أو شبه "طبيـعية" دقيقة، على شاكلة التسلسل البيولوجي (علاقة الدم)، مقرونة بخدمة عامة غير معينة، وهذا حال الأقرباء والنساء والرفاق، فهم هناك لأنه عليهم أن يكونوا هناك بهذه الصف. أما المبرر الثاني للتواجد بدار المُلك فهو الوظيفة المحددة مقرونة بصلة يتم التنظير لها أو التعبير عنها على شاكلة الصلة الأولى مع الإبهام من حيث معالمها: وهذه حالة قواد الجند، مثلا، الذين تتم تربيتهم قصد القيام بهذه الوظيفة وتجمعهم بالسلطان صلات شبه أبوية](29)، دور الأقرباء يبدو شكليا لكنه في العمق يحمل دلالات اتساع العائلة ودوامها وتكاثرهم كشرفاء مميزين عن "الرعية" دورهم يتجلى في تواجدهم حول السلطان والعلاقات التي ينسجونها خارج هذه الدار وما يقومون به من وساطات، ثم الجند والحرس الذين تتم تنشئتهم داخل الدار ليكونوا محط ثقة لأنه لا ثقة في الشعب/ الرعية مهما تفانى في تبجيل السلطان وبالعودة لزمن الأدارسة، باعتبارهم حلقة في سلسلة الشرفاء من آل البيت، يمكن استحضار ما قام به إدريس الثاني حين اتخذ لنفسه بطانة من العرب لتدبير المُلك والسلطان تضم العلماء والفقهاء وأبعد العنصر البربري(حسب ألفرد بل في كتاب الفرق الإسلامية).
ظل عنصر الثقة هذا والخوف يساوران السلطان داخل دار المُلك، مما دعا انتقاء الخدام داخل القصر يتم بكثير من الحذر وتسند لهم مهام دقيقة، وإن بدت شكلية، وهم يرتبون حسب هذه الأهمية في سلالم البلاط، ومن بين موظفي القصر نجد قائد المشور، [وهو باعتباره قائما على شؤون المراسيم تعمل تحت أوامره عدة هيئات (حناطي). جماعة المشوريين (المشاورية)، وهم ينتسبون إلى "المشور"، ويطلق هذا الإسم على الساحة الكبرى التي بباب القصر السلطاني](30)، هناك، إذن، مراسيم وتقاليد يجب الالتزام بها داخل القصر، حتى وإن بدت بسيطة، خلال جميع المناسبات وحتى في الأيام العادية على مستوى اللباس والأكل والنوم والكلام والزواج والعقيقة والوفاة وغيرها.. كلها تقاليد تختلف وتتميز عن خارج القصر فالخدام هم الموكول إليهم إنجازها في أدق جزئياتها.
بول باسكون
يرى بول باسكون، من خلال دراساته عن المجتمع المغربي، القروي منه بالخصوص، أن طبيعة النظام الاجتماعي المغربي متعددة بحيث تتداخل فيه نماذج عدة تتصارع فيما بينها وهي مزيج من نمط المجتمع القبلي والأبوي والقائدي أو القايدية، على وزن الفيودالية، كما يسميها باسكون، بحيث يقارن هذه الوظيفة بتلك التي كان يؤديها النظام الفيودالي في أوروبا معتبرا أن الاستعمار الفرنسي وجد في القائد ضالته التي سوف تترجم طموحاته التوسعية، ولو أن باسكون يرفض هذا الإسقاط ولا يجهر به عكس روبير مونطاني الذي رأى أن هناك تشابها بين النظام الاجتماعي/ السياسي المغربي والنظام الفيودالي الأوروبي، وكلاهما، باسكون ومونطاني، يتحدثان عن مغرب القرن 19م، وهذا أمر يحتاج لنقاش وبحث، وقد لا نتفق مع هذا التصور لأن باسكون ومونطاني يحصران المخزن في زمن محدد قبيل الاستعمار والفترة التي جاءت بعده، وفي نظري أن المخزن تعود بداياته إلى عهد الولاة العرب المسلمين الذين حلوا بالمغرب وموضوع القايد يمكن أن يشكل مادة بحث قائم الذات، فالقايد هو محور السلطة التنفيذية لسياسة المخزن بمنطقة نفوذه، وعبد الله العروي فيسميه بالنظام السلطاني المركزي.
ويعرف إيجناسيكو راموني Ignacio Ramonet المخزن، كونه تلك البنية السياسية والإدارية التي يتكئ عليها النظام المغربي من خلال الإذعان والطقوس والاحتفالات والأعراف عبر رؤية محددة للسلطة تتحكم في مجموع النخبة السياسية التي يشكل الملك محورها(31).
هناك تواصل بين الثقافة السياسية والثقافة الشعبية بشكل عمودي من قمة هرم السلطة/ السلطة المركزية مرورا بكافة مكونات النظام المخزني بتراتبيته، الظاهر منها والمستتر، وصولا إلى القاعدة، وآخر أفقي يبين تلك العلاقة المعقدة بين أفراد المجتمع ذاته والتي تتسم بنوع من المد والجزر، ففي كثير من الأحيان يغيب التواصل ويبحث كل عن مصالح ذاتية ضيقة، فتجد العديد من المواقف تؤكد انطواء الفرد على ذاته وتفكيره في معاشه بعيدا عن هموم الجماعة التي هو عضو فيها.
تمتد جذور المخزن عميقة في تاريخ المغرب، حتى قبل قيام الدولة الإدريسية. وبمعنى أوضح، هو نظام للحكم راكمته السنين سواء من خلال تسلط بعض الولاة العرب أو فرضته طبيعة الأنظمة التي توالت على أرض المغرب من أجل استتباب الملك وإخضاع القبائل المتمردة، وجدير بالذكر أن العرب لاقوا مقاومة عنيفة من طرف البربر ربما لأن العقيدة يمكن أن تنتقل عبر أبسط السبل عبر رجل واحد أو فقهاء أو علماء أو رحالة، إنه جشع وطمع الولاة وانبهارهم بخيرات المنطقة ونسائها ما جعلهم يخلطون بين الدعوة والغنيمة، وهي ثنائية لن تستقيم مع البربر، فكانت المقاومة عنيفة وطويلة الأمد. والمؤكد أيضا أن من نشر الإسلام بشمال أفريقيا والأندلس هم البربر الذين وسعوا دائرته إلى الأندلس ليستمر قرونا ثمانية ثم يتهاوى بسبب تحويل الأندلس إلى ممالك طائفية. كما سيضيع جزء كبير من أرض المغرب إلى الوقت الراهن، ثم فسح المجال أمام الأطماع الأجنبية واحتلال الاشمال الأفريقي بشكل ممنهج خلال نهاية العصر الحديث وبداية الزمن المعاصر. ولا تزال مشاكل الحدود قائمة بين بلدان شمال أفريقيا والنزاع مؤجلين، علاوة على اختلاف المذاهب الفقهية وما إلى ذلك من سمات التوتر، فما السبب في ذلك؟ في نظري، هي نظمية الدولة والمغرب تميز عن جيرانه بأن بلور النظام المخزني وحافظ على انتقاله بانتقال الحكم داخل الدولة الواحدة أو من دولة لأخرى، ليتحول إلى جزء من ثقافة الأمة المغربية.
المخزن، إذن، ظاهرة اجتماعية، بمفهوم ماكس فيبر، وهو بحاجة لتحليل وتفكيك بنيته من خلال التداول الشعبي لسبب بسيط هو أن القبائل في عهد ما أسماه المخزن ببلاد السيبة، أو الشعب، هي الجزء المفعول به في هذه المعادلة والشعب هو الذي تحفل ذاكرته بكل تفاصيل الحياة اليومية التي يتم تدوينها شفويا وتتوارثها الأجيال، وبالتالي تكون ملكيتها جماعية، ثم إن ما يميز المخيال الشعبي هو نقله للصور التاريخية بكل عفوية معبرا عن المعاناة والأفراح، وهو بذلك يكتب تاريخ أمة بأسلوب لن ينمحي بدليل أننا نسميه تراثا يجب الحفاظ عليه عبر القراءات السليمة والبحث الأركيولوجي وتصحيح المغالطات لأن مسؤولية كل جيل هي النقل الصحيح للتراث لاستشراف المستقبل، فأمر يتعلق بإرث راكمته السنين عن علاقة المخزن بالمغاربة وقد رسم الشعب صورة قاتمة عن ممارسات هذا الجهاز تجاهه نتج عنها العديد من الحكايا والقصص المثيرة والأحاجي والأغاني والأشعار أضحت في مجملها تراثا شعبيا منسيا نصبوا من خلال هذا الورق الإسهام في الكشف عن جزء منه والوقوف عند الصورة الشعبية لجهاز المخزن كما هي في المخيال الشعبي وكيف تبلورت في الواقع اليومي سلوكا ومعاملة، فالمعاناة اليومية راكمت إبداعا يتوزع بين القصص والأشعار والمواقف، وبالتالي استنطاق هذا التراث.
لقد ظل منتوج الذاكرة الشعبية زهيدا عن الحركة "الوطنية" وغزيرا عن دار المخزن ربما لأن هذه الحركة تخلت عن دورها الذي اضطلعت به خلال فترة الحماية وقدمت ثمرة جهدها للسلطة المركزية وهو الأمر الذي لم يحدث في بلد من البلدان التي عانت الاستعمار، وبهذا تكون هذه الحركة "الوطنية" قد خذلت المغاربة ولم تتسلم السلطة وتدبير الشأن العام، وقد فسحت المجال أمام المخزن ليعود للواجهة من جديد، وأيقظته من سبات طويل، على حد تعبير الباحث الأنتوبولوجي المغربي عبد الله حمودي في كتابه "الشيخ والمريد"، طبعا نقصد هنا الحركة الوطنية على مستوى الحواضر، ونستثني ما تم إنجازه من طرف قبائل الأمازيغ بكل من الريف والأطلس بشكل خاص، ضد المحتلين الإسباني والفرنسي.
نمت كل هذه المكونات لتشكل ثقافة يستحيل استئصالها من ذهنية الناس، لقد تطلب غرس ثقافة المخزن قرون طويلة بدا المخزن في العديد من الفترات أنه تلاشى ثم ما يلبث أن يعود بقوة، فلم تتح أمام المغرب فرصة تأسيس دولة قائمة على المؤسسات في كثير من الأحيان فيبدو المخزن وكأنه نظام أبوي باترياركـي (Patriarcal) أو باتريمونيي (Patrimonial) أو ديكتاتوري، بيد أنه نظام قائم الذات يشكل بنية تحتية لإدارة تتمحور حول سلطة مركزية هي الملك أو السلطان، من هنا جاءت المقاربة لنظام المخزن الذي يسعى دائما لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأفراد وتحويلهم لخدام لدار المخزن، لهذا تنتشر ثقافة الخنوع وتبخيس الذات وعقلية العبيد، بل إن الدارس للمجتمع المغربي سوف يستعصي عليه فهم تحول هذا المجتمع وتأرجحه بين ثنائية الغضب والموالاة، فالتمرد سمة ساكنة بلاد المغرب حتى قبل الإسلام واستمرار هذا التمرد من طرف القبائل التي كان كل سلطان يعتلي العرش يجد صعوبة لإخضاعها ولا أعتقد أن المغرب عرف فترة تم فيها إخضاع جميع القبائل وصولا إلى فترة "الحركات" السلطانية لتجميع الضرائب ورفض هذه القبائل الانصياع لها أو المشاركة في جيش السلطان، وبالتالي التموقع في خانة بلاد السيبة مقابل بلاد المخزن، ثم ضد الاستعمار الفرنسي ودور القبائل في مواجهة المستعمر لأن واقع الحال هو أن المخزن لم يحرك ساكنا تجاه الاستعمار الفرنسي والإسباني وقواعد أمريكيا وتدخل الإنجليز والألمان والبرتغال لأن المقاومة كانت تأتي من القبائل.
ولعل أهم محطات انفجار المخزن كانت مع المولى اسماعيل (1645-1727م) الذي استمر حكمه حوالي 55 سنة وقد أنجب عشرات الأبناء وكان ملكه مرتكزا أساسا على القوة والبطش، لقد جعل من جيش البخاري قوة وسدا لتحصين ملكه فالمولى إسماعيل أعدم إبنه وعلق جثته على أبواب مدينة مكناس لأنه شاكسه وأبدى طمعا في الملك، وهو فعل يبرز مدى تشبث السلطان بالسلطة وما يمكن أن يقدم عليه للحفاظ على سلطانه، لهذا انتشر رجال المخزن في كل ربوع البلاد، وعندما نقول رجال المخزن، فنخص منهم بالدرجة الأولى، القواد الذين يؤول إليهم أمر ضبط البلاد وجمع الضرائب والمكوس، والقايد أو القايدية هي أساس الملك في المغرب بحيث تم تحول القايد إلى قوة فاقت في كثير من الأحيان سلطة السلطان كما هو الشأن بالنسبة لآل لكلاوي، خاصة القايد المدني لكلاوي والتهامي لكلاوي، هذا الأخير جعل من الاستعمار حليفا له لاستغلال المغرب والمغاربة، ولن ينمحي من ذاكرة المغاربة ما فعله بهم هؤلاء القواد الذين صنفتهم لجنة التطهير في لائحة الخونة عند الاستقلال السياسي.
الثقافة الشعبية وتأكيد الحضور:
الملاحظ هو أن هذا الإبداع الثقافي الشعبي، ظل حبيس النفوس التي أبدعته. يتم تناقله في مجالات ضيقة داخل الأسرة أو المناسبات العائلية بشكل محتشم يحوف به القلق والخوف، وعند الحديث عن المادة الإبداعية فإن هناك ثنائية يسهل ملاحظتها تهم المتلقي لهذه المادة داخل الفئات الشعبية التي يبدو وكأنها تهيكل حياتها العامة وتوجهها، إذ لابد من التسليم بأن بنية المجتمع المغربي يستحوذ عليها توجه ثقافة المخزن.
إن إهمال الثقافة الشعبية هو الذي جعل بلدا كالمغرب لا يعرف طريقه للتغيير فلننظر للآخر. الاستعمار الفرنسي وغير الفرنسي، لما أراد غزو بلدان الجنوب عمد إلى استكشاف تراثها وبعث فيها من يستطلع أحوال البلاد والعباد على مستوى أدق تفاصيل الحياة والجغرافيا وقد تطلب ذلك من هذا الآخر النزول إلى الميدان وتعلم لغة الأهالي وعلى رأسها اللغة الأمازيغية ترجمة جل المصادر التي تعرض لتاريخ شمال أفريقيا، وعيا منه بأهميتها، ولنا من الدراسات والأبحاث ما يشكل أساسا لا محيد عنه في الدراسة السوسيلوجية والأنتروبولوجية عكس الكتابات التاريخية السابقة التي تناولت في مجملها حياة ساكنة هذه البلاد بشكل سطحي وركزت على ما اتفقت على تسميته، منجزات الملوك والممالك والدول، فالشعوب هي التي تصنع التاريخ والزعيم يشكل رمزا للقيادة.
لعل ما يميز الثقافة الشعبية هو صدقها، عكس الثقافات الأخرى، ومنها السياسية، التي تتبدل وتتغير وفق اختلاف المصالح والتحالفات والتقاطبات، وبالتالي تجديد النخب، من هنا يلعب المخيال الشعبي دورا أساسا في تدوين الوقائع والأحداث بواسطة أدوات وآليات يتم ابتكارها وفق ما تمليه ظروف الحدث، فهناك وسائل تعبير متعددة منها الأمثال والأشعار والأغاني والحكايات والنكتة وغيرها من الإبداعات التي لا يمكن حصرها أو الحد منها تتجلى أيضا على مستوى المنتوج اليدوي الذي تبدعه أنامل المرأة على الزربية والحلي والوشم والرقصات الشعبية.
حكايات عن زمان القياد
القايد 1: حمادة البوزﯕاوي قايد بني بوزكو الذي غدر بالجيلالي الزرهوني
نستحضر هنا القايد حمادة البوزﯕـاوي من ضمن قياد شرق المغرب الذين كان لهم من السلطة والمهابة بين أبناء قبيلته ما جعل ذكراه موشومة في ذاكرة ساكنة منطقة مستكمر عند آيث بوزﯕـو، قرب العيون الشرقية وتاوريرت أيضا، باعتبار أن هذه الأخيرة ظلت تستقطب أبناء قبيلة آيث بوزﯕـو أي قبيلة القايد حمادة، والرواية التي أوردها هنا هي متداولة بين العديد من الشهود الذين عاصروا القايد حمادة في آخر أيامه، هذه الحكاية نعثر عليها حتى في بعض المراجع التي تناولت تاريخ وسوسيولجيا شرق المغرب، عند فوانو وبون جون وغيرهم، تروي الحكاية أن القايد حمادة بن محمد بن المختار البوزﯕاوي، الذي كان قائدا لقبيلة بني بوزﯕو مدة 29 سنة (1876م ـ1905م)، أصهر السلطان المولى الحسن في ابنته، أعلن ولاءه للثائر الجيلالي الزرهوني واندس وسط أتباعه فدعاهم ذات ليلة لعشاء فاخر، أكل والشراب والكثير من النساء ثم طلب منهم القايد حمادة أخذ "حمام بلدي ساخن" للاسترخاء رفقة النساء، لأن الغرض هو تجريدهم من أسلحتهم حتى يتمكن من قتل أكبر عدد منهم أو جميعهم، طبعا عندما دخل الجميع الحمام ذبحوا ولم ينج منهم سوى واحد هرب وبلغ حد الجيلالي الزرهوني فأخبره أن القايد حمادة قد غدر برجاله وقتل منهم 14 قائدا، وخوفا من بطش الزرهوني، هرب القايد حمادة، فعاش في حماية الجيش المخزني بوجدة وكافأه المخزن على ذلك. وهو الذي قتل عبدا من عبيده لا لشيء سوى أن ذلك العبد عندما جلب له بعضا من النعناع وضع وريقاته عند أنفه يشم رائحته. وقد كان يضرب الرجل من عامة الناس بعصا ثم يأمره بإرجاع العصا إليه(32).
القايد 2: ابن اسعيد قايد تاوريرت الكدية الذي سقطت عمامته فتقاسمها الناس.
هو القايد بن سعيد ولد احمد المعمر، كان قائدا على مدينة تاوريرت، ورد اسمه في لائحة الخونة الصادرة عن لجنة التطهير (ظهير 103/58 المؤرخ في 27 مارس 1958)، وقد تم تجريده من حقوق المواطنة ومصادرة جميع أملاكهذ، كان هناك عدة خونة ساعدوا المستعمر الفرنسي وكانوا له خير سند والعين التي لا تنام، من بين هؤلاء القايد ابن اسعيد، الذي عمل بصدق لفائدة الاستعمار الفرنسي، وعندما حصل المغرب على الاستقلال السياسي تمت مهاجمته من طرف بعض سكان تاوريرت الكدية، فدخل بيته وأطل من النافذة وأخذ يقول للناس"سمو درت لكم آصحاب تاوريرت" (أي ما الذي اقترفته في حقكم يا أهل تاوريرت)، فسقطت عمامته وتلقفها الناس ومزقوها حيث أخذ كل واحد خرقة وظلوا يظهرونها لمن فاتهم المشهد ويقولون له: "إنها عمامة القايد بنسعيد الخائن"، وقد لحق العار أبناءه إلى الآن (رواية شفوية لعدد كبير من الأشخاص المسنين عايشوا القايد بنسـعيد ووقعوا في مكائده)(33).
القايد3: غمريش قايد دبدو الذي كان يستلذ بزغاريد النساء
في إحدى مدن المنطقة الشرقية (دبدو التي كانت إمارة مرينية وحل بهل العقيد فوانو صاحب مونوغرافية وجدة والعمالات) كان القايد في عهد الاستعمار يمر بين الأزقة ممتطيا صهوة جواده الذي يشد أحد العبيد بلجامه فيتوجب على كل امرأة الوقوف بباب منزلها غير محتجبة وتطلق الزغاريد احتفاء بمرور القايد غمريش (القصبة المرينة بدبدو تسمى أيضا قصبة القايد غمريش) وكل من لم تفعل سوف يزج بزوجها في السجن، ثم كونه كان يستبيح نساء الأهالي، فالرواية الشفوية كما تلقيتها من أحد المسنين بالمنطقة السالفة الذكر، عندما يعود الرجل لبيته ويهم بالدخول يلحظ أن حذاء (بلغة) القايد عند عتبة باب الخيمة فإنه، صاحب البيت، يعود أدراجه لأنه لا يستطيع صد القايد الذي هو في خلوة مع زوجته (34).
القايد4: حمدون ولد حميدان، قايد السجع الذي كان قاطع طريق
يحكي بون جون في معرض حديث عن قبيلة السجع، إحدى القبائل العربية التي دخلت المغرب ووجدت كبير عناء كي تستقر به لاعتبارها أجنبية ودخيلة وذات مسلك غير مقبول عند الأمازيغ أهل المنطقة فقد كان السجع انتهازيين وينصرون كل حاكم جديد وقد كانوا قبيلة طيعة في يد المخزن ثم الاستعمار الفرنسي الشيء الذي جعلهم يعيشون العزلة من طرف القبائل الأخرى خاصة الأمازيغية، وقد كان القايد حمدون يعترض سبيل العربة التي كانت تحمل البريد والبضائع والركاب إبان الحماية الفرنسية بين وجدة وتاوريرت ويستولي على ما فيها(35).
القايد5: قايد عبدة عيسى بن عمر مع خربوشة
يستحضر بول باسكون (36) لحظات عصيبة عاشها المغاربة، الألم بكل معانيه بسبب ما لاقوه من طرف القياد، وهو العمل الذي ترجمه من خلال كتابه القيم "الفترات الكبرى للقايدية". لقد كان القياد يتشبهون بالملك في الكثير من تصرفاته وطقوس حياته منها امتلاك العبيد والإماء واقتطاع الأراضي، ومن بين هؤلاء الطغاة نذكر عيسى بن عمر بمنطقة عبدة الذي كان مجرد سماع اسمه يزرع الرعب بين الناس، [القائد عيسى بن عمر الثمري (1841م/1924م) في منطقة عبدة والذي أفرد له المؤرخ السلاوي أحمد بن محمد الصبيحي كتابا خصصه فقط لجبروت وطغيان القايد عيسى بن عمر تحت عنوان "عيسى بن عمر وفظائعه"]، وقد تسلق سلالم السلطة بفضل ما حققه من قمع وبطش بعباد الله من موقع الخديم المخلص للمخزن فعينه المولى عبد الحفيظ وزيرا للبحر (وزير الخارجية) سنة 1910م، وتروي عنه الحكاية الشعبية أنه وأد خربوشة حية، خربوشة هي امرأة رفضت الانصياع لنزوات القايد ولا تزال حكايتها ترويها الأجيال جيلا عن جيل.
مع بداية حكم المولى عبد العزيز سنة 1894م، ومع كل ما كان يسمع عن صغر سن الملك وعدم قدرته على تدبير أمور الدولة وانشغاله باللعب وشراء اللعب من الخارج خاصة حكاية الدراجة الهوائية، ثم استفراد باحماد بالحكم والإجحاف في جمع الضرائب. أمام كل هذا أعلنت العديد من القبائل تمردها ضد دار الملك، ومنها قبائل آسفي، فبرز القايد عيسى بن عمر ليتولى أمر الخارجين عن طاعة السلطان وبالتالي حضيرة المخزن فاستعمل الأساليب الأكثر دموية ونشر الرعب بين الناس والإعدامات، فبسط بذلك نفوذه على بلاد عبدة، طبعا كافأه المخزن وزاد من بسط سلطته(شهادة للطبيب الفرنسي "فيسجربر" الذي حل بالمغرب نهاية سنة 1896 واستقرا بمدينة الدار البيضاء وقابل القايد عيسى ين اعمر).
القايد6: الكلاوي التهامي قايد الحوز
إنه القايد الكلاوي التهامي، ولو أن منطقة الحوز حكمها آل لكلاوي خاصة المدني والتهامي، الذي راكم ثروة هائلة، يقول عنها بول باسكون: "فعند تنفيذ الحجز سنة 1958م كان مجموع الملكيات القروية المسجلة في الحوز وحده يغطي مساحة تبلغ 11400 هكتار مسقية وأسرة الكلاوي تملك أكثر من 16000 هكتار في الحوز، وقد قدرت مساهماته في الأعمال الصناعية بمليارين من الفرنكات سنة 1956م.. وقد حكم مباشرة أو بواسطة أبنائه طيلة 44 سنة عددا من السكان يفوق المليون نسمة إلى حدود سنة 1955م"(37).
كان المغاربة في عهد لكلاوي ملزمين بتقديم كل ما لديهم من أشياء عينية له ناهيك عن الضرائب المفروضة على الحرفيين والتجار وأصحاب الدكاكين والخرازين وبائعي الزيوت والدباغين وبائعي الفواكه الجافة والصباغين وسوق الحبوب والموازين والكيالين، في مدينة مراكش كان كل واحد من هؤلاء يؤدي ضريبة لـ"شرطة الليل"، حتى البغايا لم يسلمن من ضرائب لكلاوي، بل كان هذا الباشا يفرض على القبائل نوعا من البيعة باعتباره خليفة السلطان ويجبرهم على تقديم الهدايا والانحناء وتقبيل اليد حتى معاونوه من شيوخ ومقدمين كانوا مجبرين على تقديم كبش عيد الأضحى إضافة إلى "المونة" و"الهدية" و"التموين" وهي أنواع من الضرائب يتم استخلاصها من الأفراد، ويضيف باسكون أنه بعد حصاد سنة 1937م نظم الباشا جولات في الجنوب لاستلام المبالغ الضرورية له ولحاشيته للقيام بزيارة ودية إلى أوربا وعند نهاية هذه الحملة عاد بمبالغ ضخمة من المال ولكن في نفس الوقت ملأ سجنه الخصــــوصي في "تلوات"(تلوات، تجمع سكني صغير يبعد عن مدينة تاوريرت بحوال 10كلم) بمآت من المتمردين (38).
لن ينسى المغاربة، كيف كان الكلاوي يسلب الناس أموالهم ونساءهم وبناتهم ويزج بالمعترضين في السجن ويقطع الرؤوس (عملية استباحة نساء الغير ظاهرة متفشية بين جميع القياد: عيسى بن عمر ولعروصي والعسلوجي والكداري والكندافي والمتوكي.. والقائمة طويلة، فكم من شخص هرب تاركا أرضه وممتلكاته خوفا من أن يسلبه الباشا أو القايد زوجته)، فالباشا لكلاوي استغل الناس ليعملوا في أراضيه التي هي في الواقع أراضي القبائل واستغلهم ليعملوا بالمجان بطريقة "التويزة" وأعاد استعمال طريقة "البادي"، أي أن الباشا هو أول من له الحق في بيع الغلال وشرائها بالثمن الذي يفرضه هو قبل أن يفسح المجال لغيره من صغار الفلاحين، هكذا فقد تم تجريد لكلاوي من ممتلكاته التي نهبها وحرمانه من حقوق المواطنة في إطار لجنة التطهير السالفة الذكر، لكن تم العفو عنه فيما بعد.
القايد7: العيادي قايد الرحامنة وعام البون
من بين القياد الذين لم يرحموا المغاربة، خاصة خلال فترة الحرب العالمية الثانية حين انتشرت المجاعة والأمراض والأوبئة، القايد العيادي، والمغاربة جميعهم إلى يمونا هذا يذكرون "عام البون" ويروون الحكايات عنه للأحفاد ومعاناتهم بسبب انعدام الأكل [كان السكر منعدما فكان الواحد يضع حبة تمر في فمه، دون أن يبتلعها ثم يتناول كوب الشاي رشفة تلو الأخرى حتى ينتهي، ثم إن أفراد الأسرة كانوا يتناولون مختلف النباتات البرية الطبيعية، وقد حكى لي البعض أنه كان يضع صخرة متوسطة الحجم على بطنه ثم يربطها بحبل تفاديا لألم الجوع] (39).
ويمكن اعتبار القايد العيادي نموذجا لخدام المخزن والاستعمار الذين ضاعفوا معاناة المغاربة خلال فترات عصيبة، لقد كان المستعمر الفرنسي يوزع المؤونة بواسطة "البون" ويتولى القايد هذه المهمة، فكان القايد العيادي يطلق العنان لرجاله كي يفعلوا ما شاؤوا بتلك المؤونة التي حرموا منها الشعب واغتنوا من ورائها.
القايد8: المخزن في الحمام إبان الاستعمار
تروي العديد من النساء اللواتي قابلتهن بمدينة تاوريرت، شرق المغرب، أحداثا عجيبة عن ممارسات الجالية الجزائرية المقيمة بالمدينة والتي استقدمها الاستعمار الفرنسي بحيث لم يكن هناك تمييز بينها وبين المقيمين الفرنسيين إذ اقتطعوا أخصب الأراضي على ضفة وادي زا، أحد روافد نهر ملوية، ثم السكنيات الواسعة في حي رفيع، تحكي السيدة فاطنة 70 سنة، أنه عندما تدخل سيدة جزائرية للحمام "البلدي"، العمومي فإنه يتوجب على كل النساء المغربيات إخلاء المكان وتركها لوحدها تستمع بالفضاء بمفردها، وإذا حدث شجار بين سيدة جزائرية وأخرى مغربية وفي الغالب تكون الجزائرية هي المعتدية فإن الغلبة والإنصاف والقضاء يكون في صف الجزائرية.. كان المغاربة ينعتون الجزائريين ب"الدوزيام فراسيس" أي فرنسا الثانية وأيضا ب "أولاد لاليجو"، بمعنى أولاد العسكر الفرنسي وهم بذلك يوجهون لهم أكبر إهانة، بسبب تسلطهم وتموقعهم لجانب فرنسا الاستعمارية، كما فعل "الحركة" في التراب الجزائري. والذين استمر نبذهم إلى يومنا هذا، وهو أسلوب انتهجه الاستعمار الفرنسي للتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة وبالتالي لا يجوز إسقاط سلوك فرد على جماعة أو شعب بكامله(40).
القايد9: باع حماره ليقدم بثمنه شايا للقايد
يروي أحد المسنين أن رجلا خرج من خيمته ذات صباح قبل بزوغ الشمس، بعد أن صلى وأفطر وأخبرته زوجته باللوازم التي يتوجب عليه إحضارها من السوق الأسبوعي، ركب حماره الذي لا يمتلك سواه وانطلق سعيدا بيومه، عندما وصل إلى السوق كانت الشمس قد أضاءت ما حوله واجتمع من الناس خلق كثير وكعادة أهل البادية فالسوق لا يعني التبضع فقط ولكن استطلاع الأحوال والأخبار وملاقاة المعارف، مر صاحب الحمار بالخيمة التي كان يجلس بها قايد القبيلة ومعه أعوانه، الشيخ ولمقدم وزمرة من المقربين، فألقى عليهم التحية، لكن الشيخ نهره وأنبه، إذ كيف يجرؤ على توجيه التحية للقايد دون أن يدعوه إلى جلسة شاي هو ومن معه؟ ومن سروره أكد صاحب الحمار للشيخ أنه مستعد لتنفيذ الأمر فقط يتوجب على الشيخ أخذ الموافقة من القايد، طبعا تدبر الشيخ الأمر ونال موافقة القايد، في هذه الأثناء قام الرجل ببيع حماره لأنه لم يكن معه المال الكافي للحفل، المهم أنه حصل على المال ونظم حفل شاي داخل خيمة دعا لها القايد وأعوانه ليشربوا الشاي والحلوى، استمتع الرجل بإلقاء التحية على القايد عن قرب وتناول الشاي بصحبته والتحدث إليه، لم يكن لسعادته حد.
انتهى اليوم وأشرفت الشمس على المغيب، وقد فرغ السوق وانفض كل من فيه، عاد الرجل أدراجه إلى بيته راجلا وقد كان يحس التعب، لم يحضر معه من السوق شيء، لقد عاد خاوي الوفاض، كانت زوجته تنتظر عودته وقد تأخر كثيرا، تراءى لها من بعيد يسير على قدميه، عندما وصل بادرته بالسؤال عن الحمار والحاجيات واللحم والخضر وكل ما يلزم البيت، حسبت المسكينة أن أمرا جللا قد ألم بزوجها، لكن الزوج ضحك ولم يشأ أن ينهرها، بل أفهمها أنه حدث ما هو أهم من الحمار والخضر واللوازم، لقد نال شرف تناول الشاي مع القايد وأنه باع الحمار لأجل ذلك وأن الناس جميعهم كانوا ينظرون إليه بعين الحسد على التشريف الذي حظي به وأن زوجته المسكين لجهلها تسأل عن الحمار ولوازم البيت وما سيأكل الأولاد....(41).
(باحث في تاريخ وتراث الريف الشرقي "وجدة")
الهوامش
1- THAMINY, Monique, pour une réévaluation de la Notion de Makhzan. RMDC.N°2,1983, p23
2 ـ عبد الله العروي: مجمل تاريخ المغرب. ط1/2007. المركز الثقافي العربي/الدار البيضاء. ج2. الفصل9: نظم الدولة في بلاد المغرب. ص369)
3 - Ignacio Ramonet : « la structure politico-administrative sur laquelle repose le pouvoir au Maroc, faite de soumission, de rituels, de cérémonies, de traditions; une conception spécifique de l’autorité qui imprègne l’ensemble de la classe politique et dont la pièce maîtresse est le roi ». le Monde diplomatique, juillet 2000.
4 ـ عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة. ترجمة عبد الحميد جحفة. الطبعة الأولى 2000 ضمن سلسلة المعرفة الاجتماعية. دار تبقال لنشر.
5 ـ عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. ص 35-36
6 - Mohammed Berdouzi: Destinées démocratiques.analyse et prospective du Maroc politique Publication; Renouveau 2000. p 22.
7 ـ عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة. ترجمة عبد الحميد جحفة. الطبعة الأولى 2000 ضمن سلسلة المعرفة الاجتماعية. دار تبقال لنشر. ص 73.
8 - Abdallah Laroui : Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain (1830-1912). Centre Culturel Arabe 1993.p 121.
9 ـ ابن خلدون : مقدمة ابن خلدون. الطبعة الرابعة 1981. الفصل 29 في معنى البيعة. ص 209.
10 ـ عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة. ترجمة عبد الحميد جحفة. الطبعة الأولى 2000 ضمن سلسلة المعرفة الاجتماعية. دار تبقال لنشر.
11 ـ عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. ص 37 .
12 ـ نفسه ص 37
13 ـ نفسه ص 39
14 ـ عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. ص 39 .
15 ـ فريد لمريني : معيقات التحول الليبرالي في المغرب. صراع الحداثة والتقليد.منشورات دفاتر وجهة نظر. العدد 10. الطبعة الأولى 2006.مطبعة النجاح الجديدة. المغرب. ص 150-151
16 ـ محمد عابد الجابري : http://www.aljabriabed.net/MAROC5.HTM
17 ـ مصطفى الشابي : النخبة المخزنية في مغرب القرن التاسع عشر. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. 1995. ص 39.
18 ـ عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. ص 39.
19 ـ ألبير عياش : المغرب والاستعمار، حصيلة السيطرة الفرنسية. ترجمة عبد القادر الشاوي ونور الدين سعودي. الطبعة الأولى 1985. دار الخطابي للطباعة والنشر. ص 96 – 97.
20 ـ ألبير عياش : المغرب والاستعمار .ص 93.
21 ـ نفسه ص 93
22 ـ نفسه ص 94
23 ـ ألبير عياش : المغرب والاستعمار. ص 95 .
24 - Bernard Lugan : Histoire de Maroc des origines à nos jours. Librairie académique Perrin/ Critérion. P 16.
25 - Abdallah Laroui : Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain (1830-1912). Centre Culturel Arabe 1993.p 67.
26 - عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. ص 73 .
27 ـ نفسه ص 74.
28 - عبد الله حمودي : الشيخ والمريد. ص 74 .
29 - نفسه ص 74 .
30 - مصطفى الشابي : النخبة المخزنية في مغرب القرن التاسع عشر. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. 1995. ص 41
31- Ignacio Ramonet, le Monde diplomatique, juillet 2000
32 - مقابلة مع السيد م.ح. 68سنة. عند والده. قبيلة بني بوزﯕو/مستكمر/العيون الشرقية. في 3أبريل2009.(الواقعة تعرض لها العديد ممن كتبوا عن تاريخ المنطقة. فوانو وكارو وبونجون و..)
33 - نفسه.
34 - مقابلة مع السادة أ.ح. 73سنة. ع.ط. 71سنة. ج.ت.68سنة. تاوريرت في أبريل2009
35 - م. بون جون: السجع قبيلة بدوية بين البربر. ترجمة محمد لغرايب. ط1/2008. الرباط نيت. المغرب. ص. 123.
36 - نفسه، ص. 123
37 - بول باسكون، الفترات الكبرى للقايدية، تعريب زبيدة بورحيل، م م اق اج، العدد 5-6، 1981. ص 72-73. المصدر:المجلة المغربية للاقتصاد والاجتماع تصدرها جمعية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والإحصائية، تحت إشراف المعهد الجامعي للبحث العلمي. العدد الخامس والسادس، 1981. ص 67 إلى 149
38 - نفسه، ص 67 إلى 149
39 - مقابلة مع السيدة ي.خ. من قبيلة بني بويحيي. دوار أولاد عثمان. 82سنة. مارس2009. (للإشارة فإن عام البون والجوع و... كانت ظاهرة عمت المغرب بكامله وربما بشكل أقوى شمال شرق البلاد).
40 - مقابلة مع السيدة: ف.ز. 70سنة. ص.ف. 62سنة. ح.ي. 71سنة. تاوريرت. أبريل2009
41 - مقابلة مع السيد. ب.ح. حوالي 90سنة. قبيلة بني بويحيي. دوار أولاد عثمان. أبريل 2009.