العيطة في السينما والتلفزيون المغربيين

خـالد الخضـري

 

-         1- مات الشيخ، طاح الميزان !!
برصدنا للمشهد السمعي البصري المغربي، تكاد نصاب بدهشة كبيرة – إن لم أقل صدمة – من حيث ندرة الأعمال التي تناولت المتن العيطوي مضمونا رئيسيا لها، وحين أقول "مضمونا رئيسيا" يعني أن يكون الموضوع الأساسي هو العيطة الحصباوية تحديدا مجسدا سواء في: 
1 – إما شخصية عيطوية حقيقية، كخربوشة – أو الشيخة عايدة أو فاطنة بنت الحسين – أو الشيخ الدعباجي أو الشيخة خديجة مركوم، أو حفيظة الحسناوية، أو أولاد بن عكيدة أو جمال الزرهوني إلخ....
وبغض النظر عن المتن التقني والفني الذي تناول هذه الشخصية سواء كان:
فيلما روائيا أو تسجيليا، قصيرا أو طويلا، سينمائيا أو تلفزيونيا وسواء صور بحجم 35 ملم أو 16 أو البطا كام أو
DVD

وإما أن يتجسد موضوع العيطة في:

-         2 – حكاية تنهل من تراث العيطة سواء كانت حقيقية كمسلسل (جنان الكرمة) التلفزيوني سنة 2003 سيناريو إبراهيم بوكبدي، وإخراج فريدة بورقية، ولو أن هذا المسلسل غلب فيه الجانب الخيالي أكثر من الواقعي، مع تغيير الأسماء وكثير من الأحداث، بعكس فيلم (خربوشة) السينمائي سيناريو عبد الباسط وخالد الخضري إخراج حميد الزوغي سنة 2008، الذي غلب فيه الجانب الواقعي أكثر من الخيالي وبنسبة تقارب 80 مرة من حيث الأحداث والوقائع ومائة في المائة من حيث الاسماء والأماكن. والعملان معا، المسلسل والفيلم يتناولان حكاية الشيخة حادة الزيدية وما جرى لها مع القائد عيسى بن عمر الثمري في نهاية القرن 19م في مرحلة ما كان يسمى بعهد بالسيبة.

-         أ - وهكذا نجد على مستوى السينما:
ـ بعد الفيلم الروائي الطويل المذكور (خربوشة) فيلما روائيا طويلا هو الآخر لكنه تسجيلي بعنوان (دموع الشيخات) لعلي الصافي سنة 2004 والذي يحاور فيه مجموعة من الشيخات والشيوخ، على رأسهم عميدة شيخات آسفي الفنانة عايدة التي يستهل بها الفيلم بعد لقطة عامة لآسفي، وعلى نقرات الوتار التي سنكتشف أنها للفنان بوشعبي بن عكيدة، وعايدة تردد قطعة خفيفة قد تثير الضحك ولكنها في نفس الوقت تحيل على إمكانية العيطة الحصباوية في التعبير عن كثير من المشاعر والرغبات الإنسانية في شتى أوجه الحياة، أو كما قال الفنان بوشعيب بن عكيدة في نفس الفيلم: "الشيخة كتعني على الدم ديال الواقع" وضمنها غريزة الوحم والولادة حين كانت تردد عايدة: 
"إلى كنت في الولدة معشوق
نوض بكري وسير للسوق
وجيب التفاح مع البرقوق
والفواد مع الغرنوغ
والكبدة حتى هي
شميت ريحة الشوا
وراني موالفة نشوي في دار ابا فلان"


وفي الفيلم تقول: "وراني موالفة نشوي في دار ابا بوشعيب" وتشير لبوشعيب بن عكيدة.
وتشرع عايدة في حكي ذكرياتها وكيفية ولوجها إلى عالم الشيخات وعن علاقتها خاصة بالمرحوم امحمد الدعباجي الذي تزوجته وعايشته ردحا طويلا من الزمن معترفة أنه حين مات اختل إيقاع حياتها:
"مللي مات شيخي طاح ميزاني"
مضيفة أنها حين تشرع في غناء العيوط القديمة والأصيلة تتذكر شيوخها الفطاحل فتنساب دموعها
ثم نتابعها في دكانها الصغير وهي تبيع فيه مواد غذائية بسيطة والسجائر بالتقسيط متأسفة على ما آل إليه وضعها ووضع الشيخات ككل

-         2 – "تعالي نتعانقوا ونبكيوا، دابا الدموع يجيوا" أو الشيخة، كائن اجتماعي
وبعد ذلك يتابع هذا الفيلم وبسلاسة حكاية وسينمائية بسيطة لكنها محكمة الإنجاز مسار عدد من الشيخات وهن على التوالي:

-         عائشة زوجة الباحث الكبير في مجال العيطة والمرحوم محمد بوحميد وكيف تعرفت عليه وكيف علمها أصول العيطة والغناء إلخ... مرددة قوله رحمه الله: " ما غادية تعرفي قيمتي حتى نموت" وذلك ما حدث كما تعترف بنفسها دون أن تتمكن من فرملة جريان دمعها سواء وهي بالبيت أو عند شاهد قبره
بعدها يحل دور حفيظة الحسناوية زوجة الفنان بوشعيب بن عكيدة ومايسترو فرقة أولاد بن عكيدة، إن شيئا التعبير .. بعد المرحومة فاطنة بنت الحسين، لتتحدث بدورها عن الوضع المرير الذي آلت إليه الشيخة وكيف انحرف مفهومها الفني والإنساني إلى نقيضه الموشوم بالدعارة والفساد وما إليهما، فتدافع حفيظة وبشراسة عن الشيخة / المرأة كزوجة صالحة وربة بيت وإنسانة اجتماعية مثلها مثل أية امرأة أيدها في ذلك زوجها السي بوشعيب منصفا الشيخة بصفة عامة كفنانة ومعبرة عن آمال وآلام الشعب. وكما فعلت يزة جنيني في فيلمها القصير حول العيطة أيضا، ورافقت فاطنة بنت الحسين من موسم مولاي عبد الله حتى مهرجان تطوان الثقافي، ترافق كاميرا علي الصافي مجموعة أولاد بن عكيدة من آسفي حتى مهرجان الرباط، وهناك وأثناء الاستعداد قبل الصعود إلى الخشبة، تبدو عينة من أساطين العيطة على رأسهم المرحومة الحاجة الحمونية كما الفنان حجيب وطبعا عايدة وحفيظة وعايشة بوحميد.
لتصعد الفرقة إلى الخشبة مرددة واحدة من أشهر عيوط الحاجة فاطنة بنت الحسين (مولاي عبد الله) ولو أنها في الأصل ليست لها، وإنما هي للتنائي السالمي والتهامي ولد دحمان المنتسبين لقبيلة حد السوالم كما يرد اسمهما في الأغنية المذكورة:

-         " ومللي وصلنا للجديدة .. قلت ليها يا لكبيدة .. عاودي لي مالكي وحيدة .. حينت الغربة فايتة فيا .. وقالت لي يالشريف .. ياولد سيدي دحمان .. لا تبقاشي فكعان ..وراه دايرين بي ثلاثة ضمان " إلخ .... 
فحين تغني فرقة اولاد بن عكيدة هذه الأغنية في مهرجان الرباط، اهتز وتفاعل معها الجمهور في انسجام رائع، لينتهي الفيلم بعايدة تغني بمفردها دون عزف ولا إيقاع ولا مصاحبة شيخة أو شيخ آخرين، وهي إحالة ذكية على الوحدة والانعزال التي آلت إليهما مخلفة هي وبقية السيخات، شيئا واحدا بعد كل ذلك المجد والانتشار والجاه الفني ألا وهو الدموع وفقط: "دموع الشيخات" !!

المغرب جسد وروح
سنة 1986 أخرجت المخرجة المغربية اليهودية الأصل يزة جنبي مجموعة من الأفلام الوثائقية القصيرة تهتم بعدد من أصناف الموسيقى المغربية وهي: الأندلسي، الملحون، الغرناطي، أحواش، كناوة ثم العيطة مدة كل فيلم من هذه الأفلام 26 دقيقة وتحمل كلها عنوانا موحدا هو "المغرب جسد وروح" « le Maroc corps et âme »  والتي ما هي إلا قلب أو عكس لكلمة Maroc ..  وضمنها فيلم يحمل عنوان "العيطة" وهو كما أسفلت مخصص لفقيدة العيطة الحصباوية الحاجة فاطنة بنت الحسين التي تتابعها وتسجلها وهي تحيي سهراتها في موسم مولاي عبد الله سنة 1986 ضمن مجموعة أولاد بن عكيدة ومعها طبعا حفيظة الحسناوية وخديجة مركوم، هذا الثلاثي الشهير المنسجم الذي كان لا يكاد يفترق (بنت الحسين / مركوم / والحسناوية)

ثم ترافقها إلى مهرجان تطوان الثقافي لتحاورها حول مفهوم العيطة وشيوخها وأهدافها إلخ ...

وفي نفس السياق ياتي الفيلم الثاني حول العيطة وإن بدرجة أقل تحت عنوان "الموسم" والذي يتابع فارسا من فرسان التبوريدة الذي لا تكاد العيطة تفارقه في حلة وترحال واحتفاله.

ب – على مستو التلفزيون:
* الأفلام الروائية:
"الصالحة" محمد اليوسفي (سيناريست) وكمال كمال (مخرج)
فيلم تلفزيوني 2009 – إنتاج: القناة الثانية 2 M - بطولة: حنان الإبراهيمي، محمد بصطاوي، محمد اخيي، إدريس الروخ، نفيسة الدكالي، البشير وكيم، نجاة خير الله ....

·       الملخص:

حافظ الحاج لكبير على تركته الفلاحية، بل وعمل على تطويرها. وهو أب لابنين، يدعى كل منهما محمد وعبد الرحمان، كما له ابنة اسمها الصالحة. هذه الأخيرة لها حظوة عند والدها، الذي قربها منه، وصار يستشيرها ويعتمد عليها في الكثير من الأمور، فيما يهمش محمد وعبد الرحمان، على عكس عادات وتقاليد العالم القروي، التي تمنح الأفضلية للرجل على المرأة. وما يميز الصالحة أنها امرأة ناضجة، ذكية للغاية، مثابرة وتتمتع بصوت جميل لا سيما وهي تؤدي أغاني العيطة.. بينما يسيطر الخمول وضعف الشخصية على شقيقيها.

  وفي خضم الأحداث، تبرز شخصية بوشعيب، أحد أبناء القرية. وهو شخص مستهتر، يقضي معظم وقته متسكعا بين الحانات، يبعثر ثروة والده الحاج المعطي يمينا وشمالا. هذا الشاب يريد الزواج من الصالحة، وهو طلب لا يحظى بمباركة الحاج لكبير ولا الحاج المعطي.

2       – "بنت الشيخة" عبد الهادي حذيفة (سيناريست) وعزيز السالمي (مخرج) فيلم تلفزيوني-  2011 إنتاج : القناة الاولى - بطولة: هدى صدقي، السعدية لاديب، فريد الركراكي، يوسف الجندي ...

·       الملخص:

يحكي عن تخوفات العالية (هدى صدقي) وهي امرأة يتيمة وحديثة الزواج، بابن عائلة غنية بمدينة الدار البيضاء، من أن يكتشف زوجها ماضيها وصفة أمها الشيخة التي تعتبر لدى العديدين مهنة غير شريفة

3         "عايشة" إبرهيم بوبكدي (سيناريست) ومصطفى فاكر(مخرج) فيلم تلفزيوني 2007

- إنتاج : القناة الاولى  - بطولة: فضيلة بن موسى/ مصطفى داسوكين /بشرى اهريش/ عبد الجبار لوزير/ مليكة الخالدي / عزيز العلوي/ عبد الله فركوس/ اولاد بن اعكيـــــــدة و حفيظة الحسناوية ....

* الملخص:
يحكي الفيلم عن
عايشة وهي امرأة بدوية النشأة، تهاجر من قريتها بحتا عن رفيق طفولتها وفارس أحلامها .إلا أنه تقع في أيدي الماكرين مما كان سيكلفها حياتها...إلى أن تدخل فاعل خير سينقدها وينجيها من الهلاك.. مما سيغير مجرى حياتها لتسلك طريقا لم يكن في الحسبان، إذ لاقتها أغرب الصدف بمجموعة غنائية شعبية (شيخات) وبين صبي حة وضحاها تجد نفسها قد احترفت الغناء مع هذه المجموعة ... 

فهذه الأفلام كلها  روائية طويلة تلفزيونية وبطلاتها نساء / شيخات.

*الأفلام الوثائقية:
1- "العيطة بحوث واستمرارية" 45 دقيقة لمصطفى فاكر - إنتاج : القناة الاولى

2 – "عيون العيطة" 26 دقيقة لمصطفى فاكر - إنتاج : القناة الاولى

 وهذان الفيلمان معا يتناولان موضوع العيطة العبدية - الحصباوية تحديدا -  وذلك من خلال محاورة عدد من رموزها شيوخا وشيخات أمثال مجموعة اولاد بنعكيدة ومعهم  حفيظة الحسناوية والشيخة عايدة وكذلك بعض الباحثين المتخصصين وعلى رأسهم أشهر باحث وأول من أسس للبحث العيطوي إن شئنا التعبير، ألا وهو المرحوم الأستاذ محمد بوحميد الذي قدم فيلم "عيون العيطة" في البداية مقتطفا من أحد الحوارات المسجلة معه حول نفس الموضوع. ويعتبر الراحل بحق درة ثمينة فقدها فن العيطة وهو في عز عطائه حيث نظر كثيرا لهذا الفن إلا أنه للأسف لم يكن يدون محاضراته. ومنذ وفاته واتحاد كتاب المغرب الذي كان المرحوم عضوا بارزا فيه، يعد بإنجاز كتاب يضم سائر مداخلاته دون أن يحصل شيء من ذلك لحد الآن؟؟ ! 

-         كما أن هناك فيلم وثائقي بعنوان  "العيطة، رحلة نغم " من إخراج ربيع الجوهري ....

من هنا يبدو أن حظ العيطة في الشاشة الصغيرة (التلفزيون) يبدو أكبر من نظيره في الشاشة الكبيرة / السينما، حيث بلغ عدد الأفلام الروائية الطويلة التي تتمحور حول العيطة ثلاثة إضافة إلى مسلسل (جنان الكرمة)

أما البرامج الوثائقية التلفزيونية التي تناول موضوع العيطة إما بشكل مباشر أو ثانوي كاستضافة شيخ أو شيخة من شيوخ العيطة أو باحث في هذا الميدان فهي مقارنة مع الأفلام أكثر منها عدديا، نذكر من بينها برامج:

-         (نغمة وتاي) لادريس المريني – القناة 1

-         (مسار) لعتيق بن الشيكر – القناة 2M

-         (شدى الألحان) لمراد القادري – القناة M2

-         (فرسان التراث) سلسلة من إنتاج شركة Mega culure

قدمت هذه الورقة ضمن فعاليات الدورة ال14 من مهرجان العيطة بمدينة آسفي، والذي نظم من 29 يوليوز إلى فاتح غشت 2015 ..حيث تم تكريم كل من الشيخة خربوعة والشيخ بوشعيب بنعكيدة . وقد ساهم في هذه الندوة كل من المخرج مصطفى فكير والمسرحي سالم كويندي كما أدارها الصحفي الزميل عبد الحق ميفراني. وتم عرض : (خربوشة) - (الصالحة) - (عايشة) و (دموع الشيخات) وهي أفلام لها صلة بالعيطة. كما نشط سهرات المهرجان عدد من الشيوخ والشيخات والمطربين الشعبيين أمثال: عبد العزيز الستاتي - سعيد الصنهاجي - الشيخ ولد الصوبة ومجموعته - اولاد العلام - الشيخ عابدين - نجوم البهالة ( اللوز) - بنات مراكش - محمد المحفوظي - فرقة اولا السبعامئة ...

 

باحث وسينمائي من المغرب