إيمانا منها بوحدة الثقافة العربية، تحرص مجلة (الكلمة) على أن تكون منبر الثقافة العربية من المحيط إلى الخليج. تنشر أفضل ما تنتجه في مجالات الشعر والنقد والسرد والفكر وغيرها. وقد رأى محرر باب السرد فيها، القاص العراقي سلام إبراهيم، أن يتغلب على شحة ما يصله من نصوص جيدة بدعوة كتاب العراق لتقديم أفضل ما لديهم في هذا المجال، وشجعته الاستجابة لدعوته والتي ينشر نتاجها في هذا العدد والعددين القادمين. وأرجو أن أضم صوتي إليه وأن أمد هذه الدعوة إلى كتاب مختلف الأقطار العربية الذين أرجو أن يبعثوا له بأحدث إنتاجهم حتى يتسنى له أن يقدم محاور تالية للسرد السوري والأردني والمغربي والمصري والتونسي والعماني .. وهكذا. لذلك أترك له أن يشرح فكرته في بقية هذه الافتتاحية، وأهيب بالكتاب الذين يحرصون على وحدة الثقافة العربية واستقلالها، أن يساهموا معنا في جعل تلك المحاور القادمة ممثلة بحق لراهن المشهد السردي في مختلف الأقطار العربية. صبري حافظ
السرد العراقي .. والفكرة
يقدم قسم سرد وقص في مجلة (الكلمة) القسم الأول من ملف السرد العراقي الذي تولدت فكرته من محاولة تقديم صورة شاملة للمشهد الإبداعي في الوطن العربي. تداولنا في المجلة، وبدأت بمفاتحة زملائي الكتاب العراقيين وأسعدني جدا تجاوب غالبية الكتاب الذين كتبتُ لهم. فتجّمع لدي بظرف أيام أكثر من عشرين نصاً ضمنها أربع روايات. ومازال قسم سرد وقص في المجلة يرحب بقصص وروايات الكتاب العراقيين الذين لم أستطع الاتصال بهم. وهنا بودي أن أقدم الشكر للأستاذ القاص المبدع الصديق د. لؤي حمزة عباس الذي بعث للمجلة بسبعة نصوص قصصية.
نأمل في الكلمة أن يحفز الملف الكتاب في الوطن العربي لبعث نصوصهم الجديدة كي نعمل ملفات عن كل بلد عربي لنسهم في إلقاء الضوء على المشهد السردي وبالتالي الحياتي في ظل ظروف معقدة ومأساوية جعلت الناس تفكر في الهروب من حروب عبثية قامت باسم الدين تحركها قوي عالمية معروفة جعلت مثلا من العراق الذي يعد من أثرى بلدان العالم بلداً مفلساً، الموت عنوان يومه، فقر، تشرد، وحكام فاسدين نهبوا خزينته، ثمة ملايين من المهجرين داخل العراق وخارجه.
بالرغم من هذا الخراب الأفقي والعمودي يواصل مبدعوه في شتى الفنون نشاطهم وإبداعهم سواء في المنافي أو داخل العراق. هنا نقدم جانباً يتعلق بالسرد قصة ورواية، وسيلمس القارئ مدى تعلق المبدع العراقي بتاريخه بالأسئلة بتفاصيل مفردات المكان في زمنه، فيغور في المهج وتاريخ الإنسان المضطهد الذي يجد نفسه مرهوناً للشيخ أباً عن جد في محنة مستمرة يشير إليها بنص بالغ الجمال القاص محمد خضير المعنون –أخر العباسيين- الذي بعثه خصيصا للكلمة. في نص أخر لقاص من جيل متأخر هو -لؤي حمزة عباس- الذي جهد في كل نصوصه وكتبه الكثيرة لالتقاط دراما التجربة الإنسانية، ففي نصه المعنون –لست سمكة- يغور في الأحلام الشاردة لشخصية قصصية شديدة الحساسية وهي تغرق في لحظتها في وقفة بمحطة قطار يحمل جرحى الحرب في الفتوة، ثم في سيارة عسكرية تقله لاحقا لجبهة الحرب، تأمل عميق في محنة العراقي المستهدف بالموت وحده وكأن قدر من يسكن هذه الأرض. نص يأخذنا إلى مساحة الحلم بالرغم من قسوة التجربة والمصير. -حميد العقابي- الروائي والقاص والشاعر يأخذنا لتجربة السجن وكابوس تلك المحنة التي أعدها من أشد محن الإنسان قسوة حيث يحيلوك إلى شيء ورقم. تُذَلْ حتى تشعر بأن الحشرة أكثر منك حرية وحياة. هذه خلاصة تجربتي مع السجن. هنا العقابي في نصه يحاور هذه المعاني. ليخلص في ثيمة مهمة أن من عانى من هذي التجربة سوف يبقى سجيناً إلى الأبد كما هو حال شخصيته القصصية التي تعيش سجنها القديم في الخاطر والأحلام بالرغم من عيشها في الدنمرك منذ أكثر من عشرين عام. إبراهيم أحمد يأخذنا في خمسة نصوص قصيرة إلى أجواء مفعمة بالمعاني ومشغولة بالتجربة الإنسانية، فنطازيا المخيلة حيث يتحول الحدث العادي اليومي لرجل يستيقظ صباحا ويعد فطوره كي يذهب لعمله إلى كابوس يتناص مع نص لكافكا حينما يستيقظ بطله ويجد نفسه حشرة في معنى وجودي، لكن نص إبراهيم محمل بمدلولات تتعلق بكابوس وطن يحكمه نسر كاسر، مرسوم في شعار الجمهورية العراقية ويخرج للموظف المسكين من بيضة الفطور ليكبر في لحظات ويسد عليه سبل الحياة، في بقية القصص ينوع إبراهيم مواضيع قصصه بين مواقف متأملة والشخصية القصصية على وشك الأفول وبين التداخل بين الزائر والشاعر كما هو الحال في زيارة المدله لبيت الشاعر كفافي في الإسكندرية في –قلم الشاعر-. في -عازف الغيوم- يروي لنا الروائي الغزير –علي بدر- بأسلوبه السلس البسيط قصة مثقف عراقي مدله بالموسيقى يواجه محنة سلطة الطوائف فيقرر الهرب من بلده ليحل في بلجيكا وهو بلد لجوء الروائي، ليجد أن الأفكار والشخوص التي هرب بسببها موجودة في بلجيكا فيتطرف في نص به من الطرافة شيء. أما الروائية والقاصة العراقية دنى طالب فتقدم نصا يلقي الضوء على حياة المرأة المثقفة المنفية ووضعها الإنساني داخل العائلة، رتابة الحياة في المقطع الأول، عسر الحياة الجنسية مع الزوج في المقطع الثاني، ومحنة الأولاد والعلاقة بهم في ظل تلك الظروف في المقطع الثالث. زعيم الطائي القاص السبعيني المنسي استجاب لفكرة الملف وبعث نصاً نوستولوجياً وهو يستعيد أجواء مقاهي العراق من أم كلثوم إلى مقاهي الصبا في مدينته الديوانية. مسجلا ما ذهب من أمكنة ومشاعر. ولؤي عبد الإله أنشغل بفكرة الحسد وأجواء الشعراء. ورواية العدد القصيرة للطفية الدليمي منشغلة في محاورة شخصية مدلهة بالتاريخ لحد غياب الحاضر وكان الرجل بينما صورت المرأة مفتاح المستقبل.
سيتبع هذا القسم قسمان وقد يمتد إلى أكثر لو بعث مبدعي العراق الممزق نصوص لهم نود أن تكون جديدة تعالج محنة الإنسان
كما تتأمل المجلة التي نعلن دائما بأنها غير مدعومة لا من دولة ولا من أحزاب. مستقلة تماما وكادر تحريرها الناقد المصري الأستاذ د.صبري حافظ، الروائي المصري منتصر القفاش، والشاعر المغربي عبد الحق ميفراني، والدكتورة السورية أثير محمد علي نعمل متطوعين دون مقابل ومنذ سنوات والمجلة الشهرية عبرت عددها الـ 100
نعمل بسعادة ولذة أكرر لذة خدمة للثقافة الحقيقية الملتصقة بالإنسان والمدافعة عن حقه بالحياة.
من هذه النقطة أدعو المبدعين العرب كاتبي السرد كي يساهموا في المجلة كي نعمل ملفات وأعداد خاصة عن كل بلد عربي.
وهنا لابد أن أقدم اعتذاري لكتاب يبعثون بانتظام موادهم للمجلة وأقول لهم سوف تنشر موادهم عقب ملف السرد العراقي.
للكتابة لي: