بعد أيام قليلة ، سيعود ملايين التلاميذ والطلبة المغاربة إلى مقاعد الدراسة ، وينطلق موسم دراسي جديد ، زمنيا ، قديم من حيث المحتوى والمضمون . ومرة أخرى ستتحمل أسر هؤلاء التلاميذ والطلبة أوزار تمويل دراسة أبنائهم ، على مضض ، لأنهم يعرفون مسبقا أن مستقبل فلذات أكبادهم في كف عفريت ما دام النظام التعليمي على حاله الذي يعرفه الجميع ، فهو نظام لتزجية الوقت وإنتاج العطالة ، وخصوصا في شقه الرسمي الذي " يربي و" يعلم" و"يًكَوِّن" أبناء الفقراء وجزء مهم من الطبقة المتوسطة .
لكن المميز للدخول المدرسي المقبل هو بعض التوابل الثقيلة التي انضافت إلى وصفة الفشل التام ، وهي الكلفة المادية لكل من العطلة وعيد الأضحى إلى درجة أن أحد الظرفاء – وهو بالمناسبة مياوم – تقدم باقتراح لأبنائه الثلاثة مُخيّرا إياهم بين قضاء العطلة بإحدى الشواطئ السوفاج أو شراء أضحية العيد / بطانة أو الدخول إلى المدرسة . لكنهم قرروا ،بعد تفكير، التضحية بالاختيارين الأولين واختيار المدرسة أملا في تعويض ما ضاع بعد سنوات إذا وجدوا عملا قارا ومضمونا !!.
إن مثل هؤلاء الأبناء هم الأغلبية التي تحتفظ بجذوة الأمل مشتعلة في قلوبهم لتستمر الحياة . لكن لسوء الحظ ، فإن بعض نخبتنا السياسية والثقافية لم تلتقط إشارات الخطاب الملكي الذي قدّمَ تشريحا دقيقا لأزمة التعليم ، وانصرفت إلى اللهاث خلف الكراسي الجماعية ، والتي أضافت ، بدورها ، طعما غريبا للدخول المدرسي الحالي ، حيث تكاد خطابات الأحزاب تخلو من أي إشارة للتعليم ، مع العلم أن هذا الأخير هو جوهر بناء المجتمع الديمقراطي والدولة المنيعة والمواطن المسؤول .
ولا يمكن للقارئ أن يتمثل هذه الصورة القاتمة إلا إذا كان على علاقة مباشرة مع معاناة الأسر في سبيل تمكين أبنائها من فرصة التعليم والتكوين . ولأني كُتبي Bouquiniste ، فقد لاحظتُ أن التلاميذ والآباء والأولياء تأخروا هذه السنة في اقتناء اللوازم المدرسية والمقررات . ومن أقدمَ منهم على ذلك تجده يبحث عن فرصة الأرخص ودون ديون ترهن مدخوله المتواضع والمحدود ؛ ككُتبي أجدني مضطرا بدوري لتقديم تضحيات من مدخولي ، من رأسمال مكتبتي لمساعدة هؤلاء ، وأجدني أفكر في دور علماء الدين في مثل هذه النوازل ، ولم لا يقدمون على توعية الناس بأسبقية التعليم على العطلة أو الأضحية التي لا يجد لها سبيلا فتلتهمه شركات السلف العملاقة ، فالهدي ركن من أركان الحج وفرائضه، وأنه يبقى سُنة مؤكدة ... وبهذا تعم المنفعة العميمة على مئات الآلاف من الأسر التي تكتوي بلهيب الفقر والحاجة .
ختاما أقول : إن مفاهيم التضامن والتكافل والتآزر ليست مطية لتلميع صورتنا كمجتمع ، بل فلسفة ُ وجود يجب أن تعمّ جميع مناحي الحياة .فالدولة وحدها لن تصلح التعليم أو سواه مما يحتاج إلى الإصلاح ، بل يجب أن يكون المجهود متكاملا بين الدولة والمجتمع .. وإلا فإنّ أي مشروع للإصلاح لن يذهب بعيدا ولن يبلغ أهدافه التي نحلم بها جميعا .