يقوم الباحث بتفكيك تكوين الإخوان المسلمين الطبقي، ويرى أن الاستنتاج بأنهم حزب يمثّل الطبقة الوسطى المتعلمة، هو استنتاج صوري، لا يمكن أن يكون مبرراً لتحالف اليسار معهم، ولا بد من تلمّس الرؤية والبرنامج اللذين تطرحهما الجماعة، فهو ما يشير إلى تعبيرها الطبقي، ومشروعها الواضح المصالح.

عن طبيعة الإخوان المسلمين والتحالف معهم

(نقاش مع الاشتراكيين الثوريين عن طبيعة الإخوان المسلمين والتحالف معهم)

سلامة كيلة

بعد ثورة 25 يناير بدا أن حركة الاشتراكيين الثوريين قد تجاوزت فهمها لحركة الإخوان المسلمين، خصوصاً بعد أن تحالفوا مع المجلس العسكري ووصلوا إلى السلطة، حيث رفعت شعار "يسقط حكم المرشد". لكن صدر أخيراً بيان وتوضيح للبيان يشيران إلى أن الفكرة الجوهرية حول تقييم طبيعة الإخوان المسلمين لم تتغيّر، وبالتالي أن "التكتيك" عاد ليشير، بشكل أو آخر، إلى احتمالات "تقارب"، وهو ما رحبت به الجماعة، وما اثار ردوداً عديدة من اشتراكيين ثوريين غادورا الحركة، أو لم يكونوا فيها. ما يلفت في النقاش، في الغالب، هو التوافق على تقييم طبيعة الجماعة على الأسس التي كانت منذ بداية القرن الحادي والعشرين، والتي أسست لعلاقة معها. وبالتالي كان الخلاف حول التكتيك بالتحديد، حيث يختلف التقدير للزاوية التي يجب الانطلاق منها في تحديد الموقف منها، فهي تمثّل برجوازية وسطى (أو صغيرة) وتتسم بسمات هذه الطبقة، أي التذبذب.

وإذا كان هناك خلاف حول فهم التكتيك، وفكرة التناقض الرئيسي، وضرورة الوقوف ضد طرف وفتح إمكانيات التحالف أو التنسيق مع الآخرين، فلسوف أركز على تحديد الطبيعة الطبقية لجماعة الإخوان المسلمين عبر نقد المنظور الذي ينطلق منه الاشتراكيون الثوريون، والذي كان قد نشر في كراس أواسط العقد السابق، كتبه سامح نجيب، وكتعبير عن موقف حزب العمال الاشتراكي البريطاني (وكل فروعه في العالم)، حيث نبعت فكرة التقييم من هناك. عنوان الكراس "الإخوان المسلمون، رؤية اشتراكية".

يقول توضيح المكتب السياسي للحركة الذي يدعو إلى فتح نقاش، أن جذور الإخوان المسلمين هي "في صفوف الطبقات الوسطى المتعلمة، خاصة في المدن، بما فيها المدن الإقليمية"، ويسترسل بعد أن يصف الحركة "كحركة إصلاحية"، لكن ليس وفق المعايير في الغرب الرأسمالي، "لكن بعض صفات الحركة الإصلاحية تنطبق على حركة مثل الإخوان المسلمين، فالتكوين الاجتماعي للحركة، بما في ذلك غالبية قياداتها، من الطبقة الوسطى المتعلمة، وهي طبقة ميهمنة أيديولوجياً على قطاعات واسعة ليس فقط من الشرائح المختلفة للطبقة الوسطى ولكن أيضاً، ومن خلال العمل الخيري على قطاعات لا يستهان بها من الفقراء والطبقة العاملة"، وبالتالي فالإخوان تنظيم "عابر للطبقات"، "لكن ذو العمود الفقري التنظيمي في صفوف الطبقة الوسطى المتعلمة"، لهذا فهو تنظيم "شديد التناقض".

السؤال الضروري هنا هو: هل أن كون "العمود الفقري" للجماعة هو من "الطبقة الوسطى المتعلمة" يعني أنها تمثّل الطبقة الوسطى؟

لا شك في أن هناك أحزاب تمثّل "الطبقة الوسطى" أو البرجوازية الصغيرة، لكنها في جوهرها تمثّل المشروع البرجوازي، هذا ما مثّلته الناصرية ومثّله البعث مثلاً. حيث أن أقصى مشروع برجوازي صغير "جذرية" لا يخرج عن أن يعبّر عن البرجوازية، فليس للطبقة الوسطى أو البرجوازية مشروعها الخاص. هذه بديهية في الماركسية. لهذا مثّل المشروع الناصري/ البعثي الشكل القسري للتطور الرأسمالي.

كما أن الحزب البرجوازي لا يتشكّل من برجوازيين، ربما يضم بعضهم، لكنه يضم الطبقة الوسطى المتعلمة. هذا وضع الحزب النازي، وأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، وحتى أحزاب اليمين في أوروبا مثلاً. فهي الطبقة التي تنشط في "المستوى السياسي" وبالتالي تشكّل بنية كل الأحزاب، حتى الاشتراكية والشيوعية (وإنْ كان بنسب أقل).

لهذا سيبدو الاستنتاج بأن الإخوان هم حزب يمثّل الطبقة الوسطى المتعلمة، أو البرجوازية الصغيرة، شكلياً إلى أبعد حدّ، بالضبط لأنه ينطلق من منظور شكلي صوري، ينطلق من نسبة أعضاء الجماعة من "الطبقة الوسطى المتعلمة" (ويقصد هنا كما أوضح سامح في كراسه، المهندسون والأطباء والصيادلة والمحامون). من هذا المنظور حركة الاشتراكيين الثوريين هي حركة الطبقة الوسطى، وكذلك كل اليسار. هذا منظور شكلي يعتمد توضع الحزب في الطبقة الوسطى، التي لا تمتلك أصلاً مشروعاً خاصاً بها. ولهذا لا بد من تلمّس مشروعها، أي الرؤية والبرنامج اللذين تطرحهما الجماعة، فهذا هو ما يشير إلى تعبيرها الطبقي. وإذا كانت بعض الفئات من البرجوازية الصغيرة تموّه مشروعها، أو يكون مشروعها ملتبساً نتيجة "تشوش" مصالحها، فإن ما تطرحه الجماعة واضح تماماً. سواء كان ذلك في برنامجها المقرّ، أو في سياساتها التي مارستها منذ زمن بعيد، وخصوصاً في زمن حسني مبارك.

في الماضي حين تشكلت، ورغم أنها تشكلت من فئات وسطى، فقد عبّرت عن التمسك بـ"التقاليد"، بما تعنيه من ملكية كبار الملاّك، والنظام الملكي. وفي سياق ذلك كانت معركتها تتمحور ضد "الحداثة"، أي ضد الفكر الليبرالي والاشتراكي والقومي والديمقراطي. حيث كان منطقها هو الحفاظ على البنى التقليدية القائمة، التي كانت تتمثّل في سيطرة كبار الملاك والنظام الملكي، والوعي "التقليدي". وحين عادت مدعومة من السعودية، وبتسهيل من أنور السادات الذي كان قد قرر السير في التخلي عن القطاع العام وتحقيق "الانفتاح الاقتصادي"، عبرت عن هذا المسار الذي يريد تعميم الأصولية للإكمال التدمير عبر سحق اليسار والقوميين. وفي المرحلة هذه دعمت الخصخصة على اعتبار أن الإسلام يحرّم مصادرة الملكية الخاصة التي "شرّعها الله". ومن ثم دعمت، انطلاقاً من ذلك، إعادة الأرض لكبار الملاك السابقين، ووقفت ضد الفلاحين. كل هذا المسار يُظهر أنها تتمسك بالنبى "التقليدية"، وتدافع عن الملكية بشراسة، وتقبل سياسة الخصخصة. فهي من منظور اقتصادي، وفق طرحها الذي تعتبر أنه ينطلق من الشرع، تتمسك بالحق في الملكية. وانطلاقاً من طابعها "التقليدي" تعتبر أن النشاط الاقتصادي الأساس هو التجارة، ولقد تغلغلت في "الاقتصاد التقليدي" في المدن، سواء في "الحرف"، وخصوصاً في التجارة.

بالتالي فقد مثّلت الفئة "التقليدية" في البرجوازية التي تنشط في التجارة. وهذا واضح من نشاط المنضوين فيها، الذين يمثلون فئة رأسمالية تقليدية. التي تداخلت مع الرأسمال الخليجي (السعودي خصوصاً) حين هرب قادتها إلى هناك، وظلت في تداخل إلى الآن من خلال "البنوك الإسلامية"، التي توظف فيها الجماعة مليارات الدولارات (كان باشراف يوسف ندا). هذا ما كتب حوله العديد من الدراسات (يمكن العودة مثلاً إلى كتاب "لعبة الشيطان، كيف ساعدت الولايات المتحدة على إطلاق العنان للأصولية الإسلامية" الفصل السابع) وحين صادرت سلطة حسني مبارك أموال المنتمين للجماعة تبيّن أنهم يملكون مئات المليارات من الجنيهات في السوق. هذه الفئة هي التي تعبّر الجماعة عنها، والتي "توظف" آلاف الأعضاء من "الطبقة الوسطى المتعلمة"، وتسيطر على قطاع من "الفقراء" من خلال الجمعيات الخيرية.

وإذا كانت في صدام مع نظام حسني مبارك، فيجب أن نلاحظ بأن النظام هو الذي كان يقود الصدام ضدها رغم ميلها المهادن والمساوم (الذي ظهر واضحاً في انتخابات مجلس الشعب سنة 2005، بعد توضّح التوافق على توزيع المجلس)، وربما يكون سبب ذلك هو الصدام "في السوق" بعد أن كان ميل "رجال جمال" السيطرة على مجمل الاقتصاد، وهو الأمر الذي جعلهم يبحثون عن مبررات لتصفية "رجال أعمال" الجماعة، وربما كان الخوف من السعي الأميركي لإشراكهم في السلطة، هو المدخل لتفجير الصراع، والدفع لتصفيتهم "في السوق". الصراع هنا كان بين فئات من رأسمالية كومبرادورية مافياوية، وهذه هي صفة نشاط "رجال أعمال" الجماعة، كما صفة "رجالات" النظام.

على كل، ولكي لا يقال بأن في هذا التحليل تخيُّل، لا بد من درس برنامج الجماعة الذي طُرح أواسط العقد الماضي، والذي ركّز على التجارة وحرية الاقتصاد (من خلال "السوق الإسلامية"، التي تقوم على أساس المنافسة "التعاونية"، ومن خلال قوى العرض والطلب وميكانيكية الأثمان، وحيث أن الملكية الخاصة هي جوهر موضوع الملكية في الإسلام)، دون لمس لا الصناعة (وهو أمر مرفوض من قبل كل التيارات "الدينية")، ولا حتى الزراعة، مع التمسك بالملكية الشخصية. أما وضع المفقرين فيحلّ عبر المنظور الخيري (التكافل الاجتماعي من خلال الزكاة والصدقات الطوعية).

هذا البرنامج الذي طُرح بداية سنة 2008، يضع الجماعة في مصاف الرأسمالية الليبرالية وليس "الطبقة الوسطى المتعلمة"، هذه الطبقة التي كانت تموه برنامجها بشعارات اشتراكية، وتطرح ضرورة القطاع العام والتخطيط المركزي، ولم تكن في السابق تقبل الحرية الاقتصادية وتطرح ضرورة بناء الصناعة وتطوير الزراعة وضمان العمل والضمان الاجتماعي والتعليم المجاني. البرنامج إذن ينحاز بشكل واضح إلى الرأسمالية الليبرالية، وإن كان يريد أن يلفه بغطاء إسلامي، وبالتالي ببنية أخلاقية ومنظومية "تقليدية".

بالتالي فإن رجالات الجماعة الأساسيين، والجماعة كجماعة، يمتلكون ثروة كبيرة، وهم جزء من الرأسمالية بكل تكوينها الريعي المافياوي، وإنْ كان الجزء التقليدي فيها، الذي هو امتداد لتجار وحرفيي المدن، أو الذين اثروا في الخليج وعملوا في شركات توظيف الأموال، أو في السوق كتجار ومقاولين ويوظفون في الخدمات. هذا ما ظهر بعد مصادرة الأموال التي قام بها نظام السيسي (يمكن مراجعة كتاب "اقتصاديات جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم" اعداد عبدالخالق فاروق، حيث يورد كل المصادرات، ومصادر الأموال). بالتالي فقد مثلت الجزء "المحافظ" من الرأسمالية المافياوية الريعية، لهذا كانت مع حرية الاقتصاد، وصرّح بعض قادتها بعد أن باتت في السلطة أنهم لم يختلفوا مع سياسة حسني مبارك الاقتصادية (وكما أشرت فقد أيدوا الخصخصة التي قام بها في تسعينات القرن العشرين، وكذلك أيدت القانون الذي أصدره بإعادة الأرض المصادرة في الإصلاح الزراعي إلى ملاكها القدامى)، وأكملوا هذه السياسة، بما في ذلك الاقتراض من صندوق النقد الدولي ورفض الحد الأدنى للأجور.

لم يكن ذلك لأنهم "تنظيم شديد التناقض"، أو يتسم بتذبذب البرجوازية الصغيرة، حيث غيّروا منظورهم بعد أن باتوا في السلطة، بل أن برنامجهم المعلن منذ سنة 2008 يشتمل على كل ذلك، وممارساتهم في تسعينات القرن الماضي كانت معلنة. هذا هو طابعهم الطبقي، الذي عبّر عن رأسمالية تقليدية تريد السلطة، أو التشارك في السلطة، في وقت كانت مافيا السلطة تريد السيطرة على كل السوق. وحين وصلت إلى السلطة عملت حثيثاً على أن تحتلّ محل مافيا نظام مبارك من خلال الحصول على المشاريع والامتيازات التي كانت تتحصل عليها. لقد زحفت سريعاً لكي تصبح هي الفئة المسيطرة في الرأسمالية على أساس النظام الاقتصادي ذاته. وهذا لم يكن لأنها متذبذبة، لم تكن تريد ذلك قبل السلطة وحين باتت هي السلطة انقلبت على تصورها، بل كان لأن مصالحها الطبقية هي التي كانت تدفعها للمشاركة في السلطة، وحين باتت هي السلطة أصبحت معنية بتوسيع سيطرتها الاقتصادية، وأيضاً فتح الطريق لـ "حلفائها" الخارجيين للسيطرة.

هنا، وكما أشرت قبلاً، لا يجوز تناسي أنها فئة رأسمالية متداخلة مع الرأسمال الخليجي والتركي، ومع الرأسمال العالمي من خلال البنوك الإسلامية التي هي جزء من النظام المالي العالمي. وهي متداخلة (أو متشابكة) مع هؤلاء كجماعة وكفئة رأسمالية تتحكم في مسارها.

بالتالي لا يمكن النظر للجماعة إلا كتعبير عن فئة رأسمالية ريعية مافياوية، لكنها محافظة و"تقليدية"، وأيضاً متخلفة من حيث مقدرتها السياسية نتيجة كون "ثقافتها" هي ثقافة فقهية (أي ما قبل سياسية). ولهذا هي معادية لكل فكر الحداثة وليس للاشتراكية فقط. هذا هو الدور الذي بدأت به، واستمرّ معها، وهو الأمر الذي يجعلها تسعى لفرض قيم أصولية متخلفة تحت عنوان "تطبيق الشريعة" الذي هو جزء من تكوينها الأيديولوجي.

على ضوء ذلك، كيف نفسّر موقفها "المعادي للإمبريالية" وللدولة الصهيونية، وصراعها مع النظام؟ وأيضاً طرحها قبول الديمقراطية، وقبول التحالف مع قوى يسارية وديمقراطية؟ وهي المسائل التي أثارت الألتباس، وأسست لفهم الجماعة كونها تعبير عن "الطبقة الوسطى المتعلمة".

ربما ليس مقياس الصراع مع الإمبريالية والصهيونية هو الذي يحدِّد التكوين الطبقي لأي حزب، لأن الصراع يمكن أن يكون من قوى متعددة، أصولية أو ثورية. بمعنى أن الصراع ضدها يمكن أن يكون من قوى محافظة وقروسطية، كما يمكن أن يكون من قوى يسارية ووطنية وثورية. رغم أن التدقيق في سياسات الجماعة يُظهر أنها لم تكن في صدام مع أميركا، ودعمها للمقاومة يمكن أن يفسّر باستغلال ورقة ضد النظام المصري. هذا كانت تطرح الجماعة إلغاء اتفاقات كامب ديفيد لكنها حين باتت هي السلطة استمرت في السياسة ذاتها التي اتبعها حسني مبارك، وظهرت علاقتها "الوطيدة" مع أميركا. أما عن الديمقراطية فقد كانت تناور بها لكي تكون جزءاً من السلطة (كما ظهر في التوافق مع النظام في انتخابات سنة 2005)، أو أن تكون مدخلها إلى السلطة. ومن ثم تعمل على إلغائها كون الإسلام يقول بالشورى وليس بالديمقراطية كما قال علي بلحاج بعد النجاح الكاسح في الدورة الأولى من الانتخابات الجزائرية سنة 1991. وهو ما ظهر لديها بعد ثورة يناير حينما تراجعت عن تبني شعار الدولة المدنية، أولاً بالقول أنها بمرجعية إسلامية، ثم بالرفض المطلق لها.

الآن، كل ذلك يعني أن السياسة التي اتبعها الاشتراكيون الثوريون منذ بداية القرن الجديد تجاه الجماعة كانت خاطئة، وليس فقط السياسة الجديدة. فالجماعة كانت "تصارع" النظام من اليمين، وكجزء من التنافس بين فئات رأسمالية مافياوية. وأصلاً كما أشرت قبلاً نتيجة ميل النظام للصراع معها خشية أن تكون بديلاً محتملاً، خصوصاً بعد التوجه الأميركي نهاية تسعينات القرن العشرين بالتركيز على إشراك الإخوان في السلطة. بالتالي لقد كانت تضغط لتعزيز موقعها، وتدعيم موقع الفئة الرأسمالية التي تمثلها، وليس لأنها تريد إسقاط النظام. هذا الأمر ظهر في موقفها من ثورة يناير، حيث رفضت المشاركة، وقدمت مطالب إصلاحية محدودة لـ"الأب" حسني مبارك. ومن ثم سرعان ما تحالفت مع المجلس العسكري.

لهذا لا يعبّر ما يشير إليه التوضيح من سياسات إخوانية عن "خيانتهم التاريخية للثورة المصرية" بل تشير إلى أن مصالحهم الطبقية هي التي كانت تحكم كل سياساتهم. فلم يكن صدفة موقفهم من الدعوة إلى الاعتصام يوم 25 يناير، ولا سرعة التفاوض مع عمر سليمان، ولا الوصول إلى صفقة مع المجلس العسكري وتقاسم السلطة، ولا الميل للهيمنة الشاملة على السلطة بعد أن سيطروا على مجلسي الشعب والشورى، ثم على الرئاسة. ولا كذلك التزام السياسات الاقتصادية، ومجمل سياسات نظام حسني مبارك في التعامل مع أميركا والدولة الصهيونية.

الإخوان هو نتاج ميل "الأيديولوجية" التي انتشرت في القرون الوسطى باسم الإسلام، للدفاع عن ذاتها في مواجهة الحداثة الزاحفة، وبالتالي تشكلهم كجماعة تدافع عن البنى التقليدية على صعيد الاقتصاد (الإقطاع) والوعي (الوعي الديني الموروث) والدولة (النظام الملكي) والقيم الأصولية. ومن ثم، بعد أن ترابطوا مع المال الخليجي بعد هروبهم نتيجة وصول الجيش إلى السلطة، عبروا عن الفئة التجارية التقليدية والقطاعات المافياوية التي بدأت في النشاط منذ سبعينات القرن العشرين (شركات توظيف الأموال)، وترسخوا في القطاع التجاري التقليدي. وكانوا يرون أن "تطبيق الشريعة" يجعلهم هم الطبقة المهيمنة. لكنهم في الصراع الواقعي أصبحوا يحاولون التنافس مع القطاعات الرأسمالية الأخرى التي كانت تُدعم من قبل السلطة (أو كانت هي السلطة)، ولكن أيضاً التفاهم. ولهذا أصبحوا يمثلون قطاع ليبرالي ريعي "محافظ" (أو أصولي) يريد أن يشكّل سلطة له.

لكن الصراع "الرئيسي" يكون عادة ذو مستوى اقتصادي سياسي، لهذا يكون مع السلطة التي تمثّل الرأسمالية، هذا أمر حقيقي، لكن لا يعني أنه يجب أن يجري التحالف مع الطرف الآخر من الرأسمالية، فهذه نظرة شكلية سطحية تتأسس على المنطق الصوري الذي يفرض تحديد خصم و"توحيد الجهود ضده"، ليكون السؤال هنا: إما/ أو، بينما المنطق الجدلي يستوعب الصراع ضد طرفين وأكثر، لكن ربما يختلف شكل الصراع ضد كل منهما. وهنا يكون الصراع الفعلي هو ضد السلطة، سلطة الرأسمال، بينما يكون الصراع مع الإخوان هو صراع أيديولوجي من أجل عزلهم وتهميشهم، وكشف ايديولوجيتهم عبر كشف مصالحهم وأسباب صراعهم مع سلطة الرأسمال رغم أنه يمثلون فئة رأسمالية. وهذا الصراع الأيديولوجي يشمل كذلك كل التيارات التي تدافع عن السلطة باسم اليسار أو الديمقراطية.

وإذا كانت هناك مراهنات على "شباب الإسلاميين"، وهذا ممكن، فإن هذا التكتيك هو الذي يجعل هؤلاء ينخرطون في الصراع على أرضية اليسار. لكن اليسار الذي يحمل برنامجاً واضحاً ورؤية بديلة وسياسات صحيحة. فلا ينفع شعار "يسقط..")، هذا شعار تظاهرات في الشارع، لكنه لا يشير إلى بديل، والتغيير لا يتحقق إلا عبر امتلاك بديل للطبقة المسيطرة. لهذا أولاً وقبل الحديث عن التكتيك، يجب بلورة البديل والسياسات التي تقود إلى تحقُّقه. فإلى الآن ليس هناك بديلاً يسارياً. وكل تكتيك انطلاقاً من ذلك يخدم بالضرورة القوى الأخرى. وحركة الاشتراكيين الثوريين لا تمتلك بديلاً، وبهذا كان كل نشاطها العملي بلا نتيجة. وكل تكتيكاتها كانت تصبّ في مصلحة آخرين.