يؤكد الأكاديمي السعودي على أهمية التوصيات في المؤتمرات الثقافية، والتي تُوجز النقاط التي يجب إعادة النظر فيها. إلا أن ما يُحزن هو أنها مجرد إجراء صُوْرِي مستنسخ. ويرى أن السبب هو عدم إدراك قيمة التوصيات، وانعدام جدية المؤسسات وخلوها من المشروع الاستراتيجي.

كارثة مابعد التوصيات!

سامي الجمعان

عادة ما تنتهي المؤتمرات أو المهرجانات أو الملتقيات أو حتى القمم السياسية وغير السياسية إلى جملة من التوصيات، والتوصية بمفهومها المتفق عليه: "اقتراح يتم تقديمه في شأنِ قضيةٍ ما". وعادة ما يتم تقديمها نتاج أوراق بحثية أو أعمال علمية أو تجارب ملموسة، مما يعني أهميتها وقيمتها ودورها الكبير، حتى أصبحت (برتوكولا) عالميا تتضمنه كل المؤتمرات، فمن خلالها تُوجز أبرز محاور القصور والسلبيات والنقاط التي هي بحاجة ماسة إلى إعادة النظر أو التجويد في الموضوع المُجْتَمَع من أجله.

ما يُحزننا في الشأن العربي خاصة، لأنه يعنينا بصورة مباشرة، أن توصيات مؤتمراتنا عادة ما تنتهي إلى مجرد إجراء صُوْرِي لا يتحقق من ورائه أي فائدة، ومن تجربة شخصية بوسعي القول: إن أغلب ما حضرته من مهرجانات أو مؤتمرات انتهت إلى توصيات غاية في الأهمية، لكن مصيرها كان الحفظ أو ربما سلة المهملات، بل كان الأمر أشد وقعا وإيلاما في إحدى المناسبات الثقافية، حين وجدنا وبالصدفة أن المسؤول الذي سلمناه التوصيات تركها في ظرفها بمحاذاة كرسيه الذي كان يجلس عليه في مقدمة القاعة، وهو أمر محزن ومخز بالفعل، وله دلالاته التي سأعددها في ذيل المقال.

أمر آخر لاحظته في معظم التوصيات، أنها باتت صورة مكررة عن بعضها البعض، أو مستنسخة من بعضها البعض، وكأنها نسخة تُتلى في أيِّ مناسبة وفي كل حدث، وهنا بات من الطبيعي أن لا يُدهشك إن كنت أحد الحضور أو المشاركين في مناسبة ما، وتليت على مسامعك توصياتها فوجدتها صورة طبق الأصل من مناسبة حضرتها قبل شهر أو شهرين في مكان آخر.

إن التوصيات في قيمتها العلمية - إن ساغ لنا التعبير - هي لب ما تنتجه المناسبة، بل هي في اعتقادي الثمرة الأكثر مكانة وأهمية من بين كل الفعاليات والمناشط، لأنها الخلاصة والتقييم الواقعي والموضوعي لما اجتمع المنتدبون من أجله في مناسبتهم الثقافية أو السياسية أو الدينية أو غير ذلك، وأن كل ما حدث إنما حدث من أجل أن نخرج بجملة من التوصيات التي تُصلح الخلل، وتَضمن لمؤسساتنا الجودة والتطوير، وتنير لها الطريق في قادم الأيام.

هناك عدة تفسيرات يمكننا أن نؤطرها بحثا عن حقيقة هذه الممارسة غير الواعية تجاه توصيات مؤتمراتنا وملتقياتنا، فالأمر بداية لا يخرج كونه ضربا من اللاجدية فيما تنجزه مؤسساتنا من أعمال، على اعتبار أن حفظها أو رميها «التوصيات»، فضلا عن عدم الرجوع إليها فيه إشارة مباشرة إلى عدم جديتها فيما تقوم به من عمل تجاه مستقبلها، ولا شك أن عدم الجدية تحيل إلى مؤسسات لا يعنيها التطوير والتجويد، وهذا بحد ذاته كارثة الكوارث.

من التفسيرات أيضا أن بعض القائمين على هذه المناسبات لا يدركون قيمة التوصيات التي أقيمت المناسبة من أجلها، ولا يعرفون معنى أن توجد لدينا نتائج عملية تضع لنا تصورا لنوع العمل الذي يجب أن نتبعه مستقبلا، فلن نندهش إذن حين رمى ذلك المدير ملف التوصيات على أحد كراسي القاعة وخرج بدونه!!

من التفسيرات أيضا خلو مؤسساتنا من العمل الاستراتيجي القائم على الخطط البعيدة المدى، واتكائها على العمل الوقتي، الهادف إلى إنجاز ما يمكن إنجازه في التو واللحظة، ولو تمكنا بالفعل من العمل بموجب ما تنتهي إليه المؤتمرات من توصيات وتعاملنا مع نتائجها بجدية لصار واقعنا واقعا مختلفا دونما شك!