مكنت سلسلة الكتاب الأول لوزارة الثقافة المغربية العديد من الأصوات الإبداعية أن تصدر باكورتها الأولى، بعدما ظلت هذه المخطوطات حبيسة الرفوف أو غير قادرة على دخول مغامرة ومتاهة "الطبع الشخصي" حتى لا يتحول المبدع الى وكالة نشر متنقلة، وللأسف اختارت وزارة الثقافة التخلي عن هذه الاستراتيجية بتبني استراتيجية جديدة أعادت من خلالها لدور النشر قوة الاقتراح والاختيار.
الشاعرة زينب الشروقي من الأصوات الشعرية التي ظلت حاضرة في عالم النشر بالجرائد والمجلات، لكن لم نستطع أن نقرأ ديوانها الأول إلا ضمن سلسلة الكتاب الأول، الصادر السنة الماضية والموسوم ب"كمائن الود"، يقع في 54 صفحة وما يقارب21 نصا شعريا.
في ديوان "كمائن الود" نستعيد صوتا شعريا نسائيا، صوت يتلمس بيده أفق القصيدة كما يعبر نفقا من الضوء، الأفق جلي ومكشوف لذلك تكشف القصائد والتي التئمت في الديوان الأول عن إرادة قوية لإعلان صوتها بخصوصيتها وبإرادة التميز. هي شاعرة تعود من الحنين تبحث عن يد لا تجدها، تواجه السقوط كي تترك لقصائدها المستقبل.
بهذا الإصرار يعلن الصوت الشعري عن هذا التميز، وحتى الخصوصية من خلال قصائد الديوان تنسج الشاعرة زينب الشروقي عالما خاصا مسكونا بهواجسها الحميمية. فباستثناء قصيدة مهداة الى الشاعر العربي محمود درويش، ترسم باقي القصائد هواجس ذات دون تكلف إذ تصر قصائد الشاعرة على صياغة قصيدة مفتوحة الدلالة محافظة على تميز نصها الشعري ليعلن صوتا مختلفا ينضاف للقصيدة المغربية الحديثة. الصوت الذي يؤكد أن ما تراه لا تقوى على لمسه مادام يؤشر على الخوف والعتمة في ميول لشعرية العزلة التي اختارتها الشاعرة ملاذا لقصيدتها..
عاجزة على السقوط
عاجزة على الصعود /ص44
هكذا تعلن الشاعرة زينب الشروقي خلوة سكنها الأشبه بالصوفي لأنه تمرين على تجريب حياة أخرى..
"ندخل لغة اللاشيء" ص43
هذا التوصيف الشعري للعدم هو ما يجعل من قصيدة "كمائن الود" نموذجا لهذا الصوت المفرد وهو ما يقيس المسافات بحثا عن لغة أخرى تمكنه من الإعلان عن وجوده والاصطفاف الى جانب عالم بدون ملامح بدون هويات، فقط اللانهائي حيث الشعر سيد المطلق واللامعنى.
أنا وجه في الجرح
أنتظر دموع الصمت ص37.
ولأنها كذلك تشكل الشاعرة ومن داخل هذه العزلة وهذا العدم بعضا منها بحس أنطولوجي يدرك حقيقة الأشياء في أن تكون، مع أنها تدرك "ألم الصعود" الى هذا المنحى، خصوصا أنها تحلم أن تصير "ماردة للموت"/ص29 لتدوس على ذاكرتها بالكامل، وفي ذلك حس فجائعي ينضاف الى موضوعة الديوان ككل. تمة حس فطري لافت عندما نقرأ قصائد "كمائن الود" ونقترب من حقولها الدلالية ومرجعياتها الأدبية، في طغيان لافت لشعرية الانكسار والتي تحضر كموضوعة مهيمنة على رؤى النصوص.