يحلل الناقد بنية النص السردي ومعماره المعرفي واللغوي، ويخلص إلى أن الروائي ماهر عبد الواحد استطاع أن يدخلنا إلى عالمه القصصي، وأن يسيطر على القارئ فلا يسمح له بالتفاعل الإيجابي مع الشخوص والأحداث. غير أن الرواية تبشر بقلم واعد في عالم القصة.

ملامح الفن القصصي عند ماهر عبد الواحد

قراءة في مجموعته القصصية «مُسْتـَنـْبـِح»

طارق عبد الفضيل

منذ كتب أرسطو في كتابه "فن الشعر" عن وظيفة الفن فقال: هي التعليم الممتع: فإن أحدا لا يختلف حول حقيقة أن الفن ومنه الأدب لا بد أن يجمع بين قطبين أحدهما هو الفكر والثاني هو الإمتاع.

وبعد أن قرأنا، متابعين تطور فن القص، القصة الروسية وانطلاق الواقعية من معطف جوجول وموت موظف تشيكوف، وإضافة دي موباسان والفرنسيين إلى روائع الفن، ثم تعقيدات القص عند أصحاب تيار الوعي، والاستفادة من فرويد ودارون في الانعطاف بالقصة إلى عوالم النفس والعقل الباطن فينشأ التأويل. وفي نظرية الأدب الحديث والمذاهب النقدية المعاصرة يتقدم القارئ إلى منصة الصدارة ليشارك بإيجابية في إنتاج النص.

بعد كل هذا وغيره كثير؛ يثور تساؤل كلما قرأت مجموعة قصصية لكتاب القصة المنضمين حديثا إلى قافلة كتاب القصة؛ هذا التساؤل هو: هل يمكن أن يتقبل القارئ المثقف الواعي بدوره في إنتاج النص كونه الضلع الثالث في مثلث المؤلف/ النص/ القارئ، هل يمكن أن يقبل باللادور أو بالتلقي السلبي في تلقيه قصة تعود في بنائها وآليتها إلى مرحلة الطفولة في عمر القصة، تلك المرحلة التي عايشناها في مصر في مطلع القرن العشرين حين بدأ محمد حسين هيكل يدخل القصة في منظومة الإبداع المصري؟

ويبدو أن ماهر عبد الواحد آخر المنضمين إلى الوسط الإبداعي الدقهلاوي بمجموعته القصصية "مستنبح" يبدو أنه كان يدرك أن قصته لم تتجاوز طور الطفولة القصصية فآثر أن يقدم قصصه للطلائع وأن يضع لذلك شعارا على الغلاف الجميل لكتابه الذي صدر ضمن سلسلة أدب الجماهير؛ تلك السلسلة التي يبدو جليا أنها صارت المرفأ الآمن لأدباء الدقهلية.

لذا رأينا أن نتوقف قليلا أمام ملامح القص عند ماهر عبد الواحد. تلك الملامح التي استطاع من خلالها أن يتحايل على القاريء فيدلف إلى عالمه أيا ما كان عمره.

الملمح الأول:
القصص التي وجهها عبد الواحد للطلائع تغازل الصغار والكبار بذكاء يحسد عليه الكاتب وهناك قصص لا يصح أن يزعم كاتبها أنه كتبها للطلائع. فهناك العديد من القضايا التي تعالجها القصص من التعقيد بحيث تتوجه إلى عالم الكبار المعقد والمليء بمشكلات هي من أخص خصائص المسئولية. فصديق في قصة "بجباج بحباح" يعاني من عدم المقدرة على الحصول على وظيفة في أحد دول الخليج التي جاء إليها مرافقا لزوجته المعلمة المعارة إلى هذه الدولة، هذا نموذج يعالج قضية ليست من قضايا الطلائع وفي "اللحية المتمردة" يطلق شهاب ضابط الشرطة لحيته احتجاجا وتمردا وتحديا للنظام الشرطي ثم هو أمام المحكمة يستدل بقول رسول الله "حفوا الشوارب وأطلقوا اللحى" بما يقدم نموذجا سلبيا في التعاطي مع مفردات إسلامية. وفي قصة "دغدغة"(ص100) يسخر فيها من تعلق امرأة بهرّة ثم يتذكر تحليل صديقه عندما قال إنها الدغدغة (ص10) مستدعيا بذلك مضمونا جنسيا يتمثل في "وإذا سقطت بعض نقط الحليب على ساقيها، كان القط يلحسها بلسانه فتضحك الجارة مقهقهة، وهي تحس بنشوى لذيذة"(ص101) و"ياسمينه" التي توزع الابتسامات وتفسير ذلك أن "كروموسومات الحب والكرم مزروعة داخل خلايا ياسمينه" تقدم نموذجا سلبيا آخر يعكس الضعف البشري ولا تختلف كروموسومات الحب عند ياسمينه عن تلك التي تسبب تشوهات خلقية !!

الملمح الثاني:
وذلك يأ خذنا إلى ملمح آخر من ملامح القصة عند ماهر عبد الواحد وهو كنز المعلومات. فهو حريص في معظم القصص على أن يقدم معلومات علمية وتاريخية وعسكرية، وربما يكون هذا الملمح هو الأقرب إلى قصص الطلائع، سنجد توظيفا للبروتونات والإلكترونات، والكروموسومات، سنجد معلومات عسكرية في قصص أبطالها ضباط وجنود وقادة ـ ولا تنس أن ماهر عبد الواحد كان ضابطا مهندسا في القوات المسلحة المصرية.

القصص أيضا تذخر بالأبيات الشعرية والمواقف التاريخية التي تقربنا من كتابات ابن عبد ربه في العقد الفريد من مثل قصة بشار بن برد وحبه مغنية دون أن يراها وهو الضرير وربطهما بقصة "صابر" الذي أحب عن طريق الإنترنت في قصة "بعيد عن العين"(ص120) وقصته "امريء القيس ذلك العبقري"(ص40).

وينتقل ماهر عبد الواحد إلى الجو الفرعوني في "مطالب الفرعون"(ص34).

ويشعر القاريء بواقعية القصص التي ترتبط بمراحل عمرية مختلفة من حياة الكاتب "ضحية" ص16 تعود إلى فترة عمله بالقوات المسلحة.، "مفتاح"(ص27) يستعيد فيها فترة وجوده بالمدارس ويتذكر صديقه وزميله.

الملمح الثالث:
في قصص ماهر عبد الواحد يظهر في استخدامه للأسماء والألفاظ المعجمية وشرحها وتفسيرها داخل القصة مثل "مستنبح"(ص24)، و"شنبرى"(ص21 و"بجباج بحباح"(ص38).

الملمح الرابع:
إغفال دور القارئ في إنتاج النص وذلك بملء الفراغات: ونظرية الأدب الحديثة تعطي أهمية قصوى لفراغات النص التي تترك جزءا هو المسكوت عنه ليقوم القاريء بتكملته وهذه الآلية ترجع إلى الفن القصصي القرآني. وماهر عبد الواحد يملأ كل الفراغات ولا يترك شيئا للقارئ. ماهر عبد الواحد وقد اتخذ وتقمص دور المعلم في مقابل تلاميذه من الطلائع يعطي كل شيء، القصة كاملة، بالإضافة إلى استعراض معلومات يلقنها تلميذه/ القارئ. ففي قصة "كروانة"(ص49) على سبيل المثال، يسجل الكاتب مشهدا مر به كريم في سلاسة وسهولة تنتهي علاقة القارئ به فور انتهائه من فعل القراءة، فلا هو يحتاج إلى إعادة القراءة ولا هو يحتاج إلى التفكير في القصة أو فيما وراء القص.

الملمح الخامس:
هو اعتماد الكاتب بشكل كبير على الفعل والجملة الفعلية على حساب الاسم، الجملة الاسمية وسنرصد هنا بدايات القصص فقط كمؤشر:

يتضح أن قصتان فقط بدأتا بجملة اسمية و35 قصة بدأت بفعل ماض بينهما قصتان بدأتا بفعل مضارع منفي يفيد الماضي. وثلاث قصص بدأت بفعل مضارع وقصة بدأت بحرف الكاف وثلاث قصص بدأت بجملة إنشائية مما يشير بوضوح إلى ميل الكاتب إلى استخدام الفعل الماضي تحيزا للحكاية.

الملمح السادس:
عدم وعي الكاتب بتوجهات الخطاب السردي وتنويعاته: ونمثل بذلك بتعبيره عن المونولوج الداخلى للشخصيات: في قصة "مستنبح"(ص24) التي تمثل ذروة المعاناة في المجموعة "فقال لنفسه: عليك أن تقطع المسافة"(ص24).

قدم الكاتب للمونولوج الداخلي بقوله "فقال لنفسه"(ص24).

"ثم يواصل غريب معاناته وعندما يئس من وقوف أصوله اندفع في طريقه وهو يقول لنفسه: تشجع يا بني.."(ص24).

وكان من الممكن أن يفلت الكاتب من فعل القول في "تحسس غريب جبهته بيده وتعجب كيف أن جلده جاف بهذا الشكل!، أخي هذا الحر المميت لا توجد قطرة عرق واحدة على جلده وجبهته!"(ص 25) فجملة "أفي هذا الحر المميت لا توجد قطرة عرق واحدة على جلده وجبهته! هي بالضرورة ضمن المونولوج الداخلي لغريب. لكن المؤلف عاد ليرتكب نفس الخطأ باستخدام فعل القول فتابع بعد هذه الجملة مباشرة" فتحسس جبهته من جديد وهو يقول: "إن اختفاء العرق مما يجلب الأرق".

ويستبدل الكاتب فعل القول بفعل التفكير فنجده يكتب "وأخذ يفكر ويعمل بما تبقى له من عقل ووعي، كيف أنقذ نفسي، كيف أنبه الآخرين إلىّ؟".

وإن كان هذا الأسلوب أقل حدة من استخدام فعل القول إلا أن التخلص من فعل التقديم للمونولوج كان أفضل.

ثم "وأخيرا جاءت الفكرة، إنه الأسلوب العربي القديم للإنقاذ بين دروب الصحراء، إنني أعلم"(25-26) يقدم للمونولوج بقوله "وأخيرا جاءت الفكرة.."، وهذا لا يمنع أن أسجل إعجابي بالقصة، قصة "مستنبح" لبراعتها في تصوير معاناة غريب، ولاستخدام الكاتب للمونولوج وتوظيفه في تصوير المعاناة، ثم لأنها تلافت ما وقعت فيه معظم القصص وهو ترك الكاتب فراغات في النص كالمسافة بين إغماءة غريب وإفاقته في المشفى. وتعليق رجل الشرطة بين هذه وتلك.

الملمح السابع: يتعلق بالمكان
فالمكان في قصص المجموعة ليس واحدا ولا يتخذ من المدن والقرى المصرية فقط أرضا لأحداثه بل ينتقل إلى دول الخليج وإلى ليبيا ثم هوداخل مصر ينتقل بين المدينة والقرية والصحراء وفي ذلك تنوع كبير يحسب للكاتب.

توزع المكان بين المدينة والريف والصحراء، بين الوجه البحري والقاهرة والمنصورة والوجه القبلي الأقصر وأسوان والمنطقة الغربية، مرسى مطروح والشرقية، سيناء أم الرشراش، والإسماعيلية ثم بين مصر والدول العربية حيث دارت أحداث خمس قصص في دول عربية بين السعودية والخليج وليبيا.

وتوزعت الأماكن بين البيت والمسرح والشارع وميدان التحرير والسجن والوحدات العسكرية والجامعة والمصرف.

الملمح الثامن:
من بين أربع وأربعين قصة استخدم الكاتب ضمير أنا ليتحد الراوي مع الشخصية الرئيسية للقصة في ثلاث قصص فقط هي "مطلب الفرعون"، و"امريء القيس ذلك العبقري" و"رسالة إلى والدي" واستخدام ضمير الغائب "هي" في أربع قصص ومشتركا مع ضمير الغائب "هو" في قصة "أم الرشراش" بينما استخدم ضمير الغائب "هو" في باقي القصص وعددها ست وثلاثون قصة؛ مما يعني أن الكاتب يميل إلى أن يفصل نفسه شكليا عن أحداث القصة وإن بث كل أفكاره وذكرياته خلالها. ولأن الكاتب يدون ذكرياته وأفكاره فإن شخوص القصص الرئيسة جاءت في الغالب من الذكور.

خاتمة:
استطاع ماهر عبد الواحد أن يدخلنا إلى عالمه القصصي، وأن يسيطر على القارئ فلا يسمح له بالتفاعل الإيجابي مع الشخوص والأحداث. غير أنها –ولا ريب– بداية تبشر بقلم واعد في عالم القصة.