إذا لم تتسن لك الفرصة لأن تُكَرّم، فلا عليك، الأمر سهل ويسير، في ظل توفر سماسرة حفلات التكريم، ووسطاء المكرمين على امتداد الوطن العربي، وهم فئة لا تُعير المبادىء وزنا، وكأن الوساطات مهنة امتهنوها بلا خجل ولا ذمة، حتى إنني بدأت أستشعر أن يعلن هؤلاء السماسرة، وفي القريب العاجل، عن افتتاح محلات خاصة تستقبل المعجبين بأنفسهم، والنرجسيين الذين لم يقدموا شيئا يُذكر في مسيرة حياتهم؛ ليلعب السماسرة دورهم الكبير في دعمهم "لوجستيا"، بالتوسط لهم في المناسبات المختلفة وإلحاقهم بتكريمات المهرجانات والمناسبات، وتلك مأساة.. وأي مأساة!!!
وجد سماسرة التكريم أرضا خصبة لعملهم -اللا أخلاقي- في المهرجانات العربية الثقافية خاصة، ربما لما للثقافة من باب واسع له أن يستوعب المعجبين بأنفسهم في أي مجال من مجالاتها، ساعد على ذلك توفر أرجاء الوطن العربي شرقه وغربه على قائمة طويلة من المهرجانات الثقافية التي تنظم بصورة متواصلة ومستمرة، ويمكنني سَوْق المهرجانات الفنية مثالا ونموذجا، كالمهرجانات العربية التي تقام للمسرح أو للسينما، وكذلك مهرجانات المجال الإعلامي وغيرها، وبعض هذه المهرجانات القائمة على المصالح الشخصية المتبادلة بلغ حدا من المجاملات يلفت الانتباه، سواء على مستوى المدعوين ومن يكونون، أو كيف يتم اختيارهم، وهنا مكمن الخلل!، فإن تجاوزنا قضية اختيار ضيوف هذه المهرجانات بجل عللها وإشكالياتها فلا يمكننا تجاوز مسألة التكريم، التي ارتقت إلى حد القضية من وجهة نظري، بعد أن اعتادت بعض هذه المهرجانات جعلها فعالية أساسية من فعالياتها، ونقول لا يمكن تجاوزها نظرا لما وصل إليه حالها من كسر للأعراف وخرق لكل اللوائح الأدبية والأخلاقية، على نحو ما سنوضح!!
أليس من المعيب والمخجل أن يقوم البعض بشراء التكريمات من بعض المهرجانات لنفسه أو لغيرة، واستخدامي هنا لكلمة شراء لا يعني الشراء المباشر، إنما الخاضع لأساليب وطرائق ملتوية في تسويق اسم ما للتكريم، بمعنى أن يتفاوض هؤلاء السماسرة مع القائمين على هذا المهرجان أو ذاك ويرفع لهم اسما مقابل تقديم الدعم المالي لمهرجانهم، أو مقابل مبلغ مالي خاص، أو مقابل دعوة تقدم لمدير هذا المهرجان؛ كي يحضر مهرجانا آخر في دولة أخرى، وهذا أمر يقع فعليا في كل عام في بعض المهرجانات الفنية المهترئة، التي لا تعرف أخلاقيات المهنة ولا مبادئها، والدليل أننا نرى أسماء تكرم أو توضع في لجان كلجان التحكيم تجعلك تشعر بدوار وصدمة وهزة تفوق مقياس (ريختر)، فهذا الذي اعتلى منصة التكريم بلده لا تعرف عنه شيئا، ولم يكن له ذات يوم رصيد يشفع لاسمه أن يذكر لمجرد الذكر ضمن قائمة المنتمين لهذا المجال أو ذاك، فيعتلي منصة التكريم مزهوا بمنجز كاذب، وبحق مزيف، وحضور باهت.
سؤالي، كيف باتت المصالح لغة لهؤلاء؟، وكيف اُهين التكريم إلى هذا الحد؟، ولماذا ذُبحت الأخلاقيات على يد هؤلاء المتمصلحين إلى حد خديعة الناس واللعب بمبادئهم؟، وأي احترام يحمله هذا الوسيط لنفسه أمام نفسه على الأقل، حين يترك الأسماء الجادة المنجزة المحترمة في مشوار حياتها، ويسعى بما له من علاقات لتسويق وتكريم البُلداء؟
ثم ما هي المعايير الأخلاقية والإبداعية التي يقيس بها هؤلاء السماسرة التكريم وأحقيته؟، فو الله لن ترحم الأيام لا المكرم زورا ولن ترحم سمساره، ولن تذكر في قائمة النزهاء أصحاب المصالح من القائمين على المهرجانات، ولن تسامح من قَبِل بتكريمه في مكان هو أكبر من تاريخه ومن سيرته ومن منجزه الفارغ!!