صدر للقاص والناقد المغربي الدكتور محمد زهير مجموعة قصصية جديدة موسومة ب"شغف اسمه الغيم"، وهي الإصدار الثاني لمنشورات فرع مراكش لاتحاد كتاب المغرب بدعم من المقهى الأدبي "فيستو". وهي الإصدار الثالث للكاتب محمد زهير بعد "أصوات لم أسمعها" المجموعة القصصية والتي حازت على جائزة المغرب للكتاب صنف السرديات سنة 2011، و"النداء" نص مسرحي صدر سنة 2013.
تقع مجموعة "شغف اسمه الغيم" في 152 صفحة، وتضم 14 نصا قصصيا (الكتابة على الرمل، العشاء الأخير، مروحة السماء، حالة وجود، وردة واحدة، أحلام وردية، ذاكرة الغبار، قصة حياة، شجرة المعرفة، تجريد النخل، مراجع العشق، الكناية، ظل السهم، سناء).
في مجموعة القاص محمد زهير، أحد وجوه المشهد القصصي المغربي منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، إصرار للوفاء لمتعة القص وللكتابة القصصية و"شغفها". لا شيء مكتمل في حيوات القصص، فقط المفارقة هي ما تجعل للحياة ألقا يجعلها قابلة للعيش.
في "شغف اسمه الغيم"، والتي لا نقرأ نصا يحمل عنوانها، تحلل من هواجس الكتابة وأسئلتها وخوض في متعة الحكي، واسترسال آسر بين ثنايا مفارقات الحياة حين تجعلنا نروض الفشل على التكرار. نصوص محمد زهير وفية لأفقها وهاجسها الإبداعي، فهي قادرة على إشباع رغبة القارئ في استعادة متعة القص، والتي كادت تنمحي اليوم.
في "قصة حياة" نعيش مع شخصية "حمدان السينما" آفول أضواء القاعات السينمائية، ونهاية العصر الذهبي لسينما الوردة. استعارة على مآلات فضاء كان جوهر بزوغ مخيالنا الآسر. "حمدان السينما" تعب من حب السينما فاختار الانزواء بعيدا بعدما تنكر الجميع للجمال.
"مواجع العشق" لا تنتهي في قصص "شغف اسمه الغيم"، من آفول زمن الكتاب يتيما ليترك مكانه كنخلة باسقة شاهدة على فعل القراءة. نفس الفواجع و"المواجع" التي تجعل من مآل الحياة ضربا من العدم، للذين اختاروا أن يتسلموا الحب عبر ضوء الكتاب. ففي النهاية، تغادر الفتاة تاركة توقيعها على رمل الذكرى. "رانيا" الطفلة الغامضة التي تطل على العالم من خلال ثنايا كتاب محمل بالصور، تغادر بدون رجعة مخلفة ورائها سراب الذكرى. نفس "فراشة الحب" التي تحلم بها "أحلام" في "أحلام وردية" والتي لم يجد الرسام إلا إضاءة الروح كي يعيد تشكيلها من جديد.
في "شجرة المعرفة" يكشف السارد أن الجموح لا يهمها بورخيس ولا الكتب، بقدر ما تحشد نفسها لرؤية مباراة في كرة القدم. لذلك اختار جريد النخل كي يجعله شاهدا على بعض من "شغف" يتركه خلفه للزمن. وبحس صوفي، يعيدنا السارد الى "مواجع العشق" حيث صور ذكرى، وشذرة حلم، أو هي حكاية تطفو "كالملح على جسد التراب".
شخصية "ادريس مول الطاقية" وهو يتقبل مآله القدري، ويختار الرحيل بعيدا يشبه الى حد كبير مآل القصة وهي تكتب، لا لتحقيق متعة آنية، بقدر ما تدفعنا للتفكير. وفي قصص محمد زهير أشجار وارفة للمعرفة ولتفاصيل حيوات اختار أصحابها أن يعبروا ضفاف..
"أكدت لها أن الكتابة هي في الأساس تجربة، وكل كاتب عليه أن يصغي أولا الى صوت ذاته، فالتجارب لا تستنسخ ولا تؤخذ وصفات، وعلى كل كاتب أن يخوض تجربته الخاصة، فيقول عن صوته بصوته، ويقاوم الارتكاسات" /ص21.
يظل محمد زهير وفيا للقصة للحكاية، ولشغفها، إيمانا منه بسلطة الحكي على النص القصصي. لذلك يحرص القاص محمد زهير في نصه القصصي على ترويض الحكاية ليتسنى له استعارة موضوعتها الآثيرية: فعل الكتابة ذاته. فكما فعل ساردا في المكتبة، حين قرر المبيت ليلة بكاملها كي "يخلق أنسا للكتب" بعد شكوى الوحدة، ها هو ينمو نخلة كي يظل شاهدا على الحكاية في النص القصصي.
القصة عند محمد زهير، في مجموعته الجديدة، ليست إلا أثرا لسيرة حياة بكل مفارقاتها وويلاتها، ليست إلا سيرة شخوص أنهكها الخذلان والانكسار ووجع الحياة. هذا الوجع الذي يشكله السارد تفاصيلا في أربعة عشر نصا قصصيا.