في الروح تختصم الأماني وتتدافع... فيرقى بعضها على بعض. ثم تفوز إحداهن بشغف الرّوح، فتصطبغ بها ولم يعد يرى منك إلا هي...
هزّ الأرداف وارتعاش الصدر والكتفين في غنج ... الشعر الحريري يحاكي رقصها في عناقه مع نسائم الصيف. كانت تحب الرقص. ترقص في البيت فيصرخ أخوها أو أبوها و يأمرها بالكفّ عنه و بإغلاق جهاز التسجيل، كانت تغلق غرفتها على نفسها و ترقص بلا موسيقى، تغمض عينيها وتتوهم وجود إيقاع وترقص إلى أن تتعرق. عندها تتهالك على السرير وقد أثلجت لهيب جوارحها و نسيت صراخ أهلها وتناست هجران حبيبها. تجاهلت ماضيها وما تحمله مراكب الغد. ونامت تحلم بالرقصة القادمة أو الأخيرة...
كان قلبها يخفق بشدّة كلما سمعت بوجود حفل عرس في الحيّ. تختار من الفساتين أقصرها وأضيقها ومن المجوهرات أكبرها وأجملها. إنهم لا يسمحون لها بالخروج بهذه الهيأة إلا في حفلات الأعراس. و ما إن تبث الموسيقى في مكبرات الصّوت حتى تنطلق إلى "الحلبة". يسطع الضوء على زنديها و ساقيها كالمرمر. يتألق شعرها البني الطويل كأنه قدّ من النجوم. كانت تود أن تقضي أطول وقت ممكن وهي ترقص و تتمايل على الإيقاع. تتعب رفيقتها في الحلبة و لا تتعب. يخفن من أهلهن ولا تفعل. ترقص لنفسها ولا ينقطع نفسها. لأنها لا ترقص من أجل أحد. لا تلاحظ الرجال من حولها وهم يتغامزون و يضحكون و تخرج أعينهم من المحاجر كالجمر لتنغرس في جسدها المرتعش اللامع. لكن ما إن تصبح وحيدة في "الحلبة" حتى تأتي أمها مسرعة لتجذبها من يدها، ترصّها بجانبها وتسرف في قرصها وتأنيبها. عندها تنطفئ مصابيحها الواحد تلو الآخر كما تنطفئ كل مصابيح الحفل عند مغادرتها. تتمنى أن لا تكون تلك رقصتها الأخيرة...
لقد سئم والدها من تأنيبها و توقف أخوها عن ضربها بعد أن انخرط في مضمار الزواج والأبناء. أما والدتها فقد بدأت تغصّ بفكرة عدم زواجها لرقصها المتهوّر في الأعراس. كل هذا أصبح يشوش عليها إيقاع رقصها و يسحبها خارج "الحلبة"... بدأ جسدها يضجر منها... ينتفض لتستجيب لنداء الرقص... بهتت كل أضواء الأعراس في عينيها... تبعثر خرز عقودها ومجوهراتها... لم تعد تطاوع خصرها على الاهتزاز... ترفض أن تحرك ساقيها لتنصاعا للنّغم... كل شيء حولها يأمرها بالتوقف عن الرقص... كل شيء يأمرها بالموت... لكنها سترقص الرقصة الأخيرة...