اخترنا في مجلة الكلمة أن نخصص ديوان العدد الجديد، ومع مطلع سنة جديدة في مسيرتنا، لشاعر اختار الكلمة الحرة جسره للحرية ولإبداع بدون قيود ولا رقابة. الشاعر الفلسطيني الذي اختارت محكمة سعودية أن توجه له حكما بالإعدام على خلفية اتهامه بالإلحاد وهو ما أدى بمجموعة من الشعراء في مختلف بقاع العالم الى إطلاق القصائد كمبادرة للحرية ودعوة لتحرير الشاعر، كما أطلق مجموعة من الكتاب حملة توقيعات رافضة لمصادرة الإبداع وقد تفاعل الكثير من الشعراء من خلال إطلاق قصائدهم هنا وهناك.

ديوان العدد

قصائد لأشرف فياض

مجموعة من الشعراء

 

 

1. اذا كانت دولنا مدناً فاضلة ليكن قضاتها أفلاطونيين

 

عبد الرحمن الماجدي

 

1

لم يلتفت أولياءُ أمورِ البشر لمحنةِ الشاعر والفنان التشكيلي الفلسطيني أشرف فياض المحكوم عليه بالاعدام في المملكة العربية السعودية بتهمة إبداعية عجزَ القضاة عن الرد عليها بمثلها فلجأوا الى المتاح لهم من الردود وأقربه لهم حكم الموت وما أسهله اليوم في بلداننا.

نحن أمامَ حكمٍ بإنهاء حياة إنسانٍ مسالمٍ رقيقِ الحسّ، فناً وأدباً، لم يعتدِ على أحدٍ سوى ماقيل إنّه تعدٍّ على الذات الالهية.

يالهذا الإله وذاته الخائفة من مقطع في قصيدةٍ.

بلْ يا لخوف ولاة أمورنا وسدنة دساتيرنا من كلمة، يستأسدون على كاتبها ويعجزون عن الرد عليه بمثلها.

2

حين حوكم المدوّن السعودي رائف بدوي عام 2012 بالسجنِ والجَلْدِ الذي أُقرّ حكمه، معدلاً، بزيادة عدد سنوات السجنِ من سبع الى عشر والجَلْدات من 700 الى 1000 جَلدة عام 2014 و سيق لتنفيذ عقوبة الجَلدِ مطلعَ العام 2015 ضجّ العالمُ معترضاً مطالباً بإيقافِ الحكم، وتدخلَ الاتحادُ الاوربي منتقداً، بصوتٍ عالٍ، عقوبةَ "السجن عشر سنوات، وجَلده ألف جلدة، وتغريمه مليون ريال، ومنعه من السفر والظهور الإعلامي والكتابة لمدة عشر سنوات بعد خروجه من السجن" بسبب تدوينه لرأيه الخاص.

وقد وصفتْ منظمة هيومن رايتس ووتش الحكمَ أنه "حكمٌ جائر"، وعلا صياحُ الاتحادِ الاوربي على مشهد الجَلد في ميدان عام بعد تسريبه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّ هذه المنظمة التي تراقب حقوق الانسان في العالم لم تحركْ ساكناً تجاه حكم إعدام الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، ربما تنتظر تنفيذ الحكم كي تصدر بياناً خجولاً، ومثلها لم يحرك ساكناً كلّ مَن ضجّ، من المنظمات الدولية، على عقوبة السجن و الجلد وهي عقوبة مرفوضة وجائرة بالتأكيد، بحقّ ناشطٍ ليبرالي، ويصمت على عقوبة الاعدام بحقّ الشاعر الفلسطيني الضيفِ في المملكة العربية السعودية "أشرف فياض" على تهمةٍ إبداعيةٍ وربما مشابهة، من حيث الجوهر، لتهمة المدون بدوي.

3

هل لأنّ الشعراءَ منبوذون في كلّ مكانٍ، ومن قبل صناع القرار السياسي، خاصّةً، الذين هم المهيمنون على المنظمات الانسانية؟

لم يحصل، على حدّ علمي، اعتراضُ أو تدخلٌ دولي واضحٌ مشابهٌ  للاعتراض على عقوبة المدوّن بدوي ضد عقوبة، مهما كانت جائرة، بحقّ شاعر.

4

إذا كانت تهمة الشاعر فيّاض شبهة إلحادية فماهي الجملة التي تضمنها ديوانه (التعلميات.. بالداخل) الصادر عام 2008؟

ولمَ يحاكم، بالأساسِ، ولم ينبرِ أحدُ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالرد عليه كتابةً أو مناظرةً، كما حصلَ مع الكاتب المصري اسماعيل أدهم عام 1937 حين نشر كتيباً بعنوان (لماذا أنا ملحد) وردّ عليه الجامع الأزهر، وقتئذ، فى مجلة "الأزهر" بردٍّ موسعٍ كتبهُ د. محمد فريد وجدى بعنوان (لماذا هو ملحد) اتسم بالمحاورة العقلانية.  فلم يحرّض رجالُ الأزهر السلطة عليه بتهمٍ تودي به الى السجن أو الموت.

يقيناً قد غاب عن ذهن القاضي الذي أصدرَ حكمَ الاعدام بحقّ الشاعر "أشرف فياض" أن المملكة العربية السعودية تضم أكبر عدد من الملحدين بين الدول العربية، وفق استطلاع معهد غالوب الاميركي عام 2014، حيث وصلت نسبتهم الى 5% من عدد السكان البالغين نحو 30 مليوناً.

ليت هذا القاضي اتبع أفلاطون في الحكم المنسوب له بطرده الشعراء من مدينته الفاضلة حيث يقال أن سبب طرد أفلاطون للشعراء، أنهم لا يلتزمون بالحقائق ولا يحترمون الآلهة الذين كانوا موضع سخرية الشعراء الغواة.

هل هم أفلاطونيون حين يضطرون فقط؟ تم أبعاد البريطاني كارل أندري الذي حوكم بالسجن لعامٍ بتهمة حيازة الخمور في المملكة العربية السعودية دونَ أن يتمّ محكوميته، مجاملة للسلطات البريطانية خلال زيارة وزير الخارجية  فيليب هاموند للمملكة في شهر أكتوبر الماضي. فهل أعترضَ أو تدخل الرئيسُ الفلسطيني محمود عباس أو قادة المنظمات الفلسطينية، لصالح الشاعر "أشرف فياض"؟  ولو تدخلوا هل سيجامَلون كما جومل هاموند؟

هذا الحكم وصمتُ صنّاع القرار ودعاة حقوق الانسان، في الغرب، تجاهه يؤكد أن الشعراء مكتوبٌ عليهم النبذ أينما حلّوا لأنهم غواة البشر.

5

قرأت قبل سنوات لشاعر كردي: أن "الأنبياء لا يحبّون الشعراء لأن الوحي ينزل عليهم أيضاً".

 

(شاعر عراقي، أمستردام)

 

 

2. إعدام قصيدة

 

أسماء الجلاصي

 

إلى أشرف الفياض

 

فِي البِدايَةِ كُنّا نَصّمُ آذانَنَا

كَيْ لاَ نَسْمَعَ أصْواتَ طَلَقاتٍ تُزْعِجُنَا

حَتَّى فَقَدْنَا السَّمْعَ

ثُمّ أَصْبَحْنَا نَكْشطُ الأَرْصِفَةَ

لإزَالَةِ بَقَايَا دِمَاءٍ جَافّةٍ

حَتّى فَقَدْنَا أَظَافِرنَا

و بِسُيُولٍ منَ الدَّمْعِ جَلَسْنَا نُحْصِي الجُثَثَ

حَتّى جَفّتْ أعْينُنَا

بَقِيَتْ رُؤُوسُنَا الآنَ

وَ قْبل أنْ يُفَتّتوُهَا كَبَتَلاَت جافّةٍ

أَخَذْنَا نُفَكِّكُ الأَلْغَامَ

وَ نَزْرَعُ بَدَلَهَا الوُرُودَ و الأَشْعَارَ

فَحَاوَلُوا إعْدَامَ الَقصِيدة..

 

 

3. هذا زمن آخر

كاميلا ماريا سدرنا
ت. وليد الخشاب

 

الصديق العزيز، أشرف فياض
الشاعر العزيز، 

الشاعرُ شاعرٌ
"هذا زمن آخر"
ليس زمن المجاملات
ولا المشاعر
السماء أبوابها موصدة
وجحيم من غيوم سوداء
توشك على الانفجار
المدينة متاهةُ رعب
في حالة طوارىء
زمن تعس
زمن الألوية

عزيزي أشرف
مضى الربيع
"
هذا زمن آخر"
زمن الجنون
والكراهية 
حين نقتلُ الشعراءَ باسمِ الأنبياء
يبكي الكون
هذا زمن البرابرة
لكن يا عزيزي أشرف
لا تحزن
لا نبالي بالنفس

ولا الجسد

ولا القلب

ولا العقل

ولا الأحلام

ولا الرغبات
ولو بمقدار شعيرة من فتيل
اليوم لا شيء أكثر إلحاحاً
من سلامتك
قلباً وجسداً وشعراً
فالشعر
أيها الشاعر العزيز
شاعرٌ
رجلٌ حر

 

 

4. بردة الشعراء

 

أحمد سوسن

 

إلى أشرف فياض


التعليمات بالداخل
وعليها أن تشنق
بخروجها سوف يموت الرب
ونحن نريد له أن يعيش
من أجلنا نحن المساكين الذين ندافع عنه
انظروا كم نزهق الأرواح لأجله
كم ننكث العمار
وفي بيات الأمهات النائحات
والثكالى السائحات
وقلة ذات يد الرجال 
لنا
إلى الجنة دمغة و دليل 
قالها الملك ثم نام 
بين الغفو و الغفو
كان يحلم بيد تمتد لحشاه 
ذاك الذي لا يظهر إلا لعين الله
يصحو مذعورا واضعا يديه على خصيتيه
يدور في أرجاء مملكته وينادي
التعليمات هنا مشيرا إلى وجهه 
ويعدو متسائلا عمن تجرأ على عينيه
ابن سيرين أين أنت
يوسف في السجن
من أجل تعليماته


أغار من الورد
ومن لا يغار حمار
يا صوت الشعر المسكوب إكليلا من غار
ما هذا إلا إختصار بصيرتهم
قال أحدهم
أغار نعم أغار
أنت يا أيها السبي ليس لك وطن يؤويك
وأقسم بكل ما يستهلك منك

ومن وطنك

وبسيف يحمله باسم المحيي على كل رقاب ترتفع للأوطان
أن يجعلك بلا وطن
أشرف رحم من سماك 
بما لا يمتلكون 
دوما ما ينسى الملوك
أن الأوطان بالداخل


من السهل أن تغيبه بالموت
لكن كيف تمنع كشكش الحزن

من كشف عورة المشنقة
من السهل أن تشنق شاعرا
لكن كيف تلملم أصداء القصيدة
أيا أشرفهم
أوليس في هذه الأمة نبيا يلبسك بردته
فيعفو الزمان عن الشعر
يا أيها المتسربل بحزننا
لابد عنقود يونس أت
يا بردة الشعراء

قد إبيضت عيون قلوبهم 
وما كان حزنا
الغيظ أقرب للعمى
يا بردة الشعراء
كقميص يوسف كوني ريح شفاء
عل الألوان تُقْرِئٌ البياض معنى القزح والشمس
أو ألقِ عليه كفنا من شعر
قصيدته قتلت إلههم
وحبل مشنقته
سيفك مشنقتهم لله
ويحيي كل إله.

 

5. إلى أشرف فياض ..

 

عبير الفقي

 

عزيزي أشرف

أنا لا أعرفك

ولم أقرأ قصائدك التي يقولون إنها تتطاول على الله

ولكني أعرف الله جيدا

ربما أكثر من هؤلاء الجبناء

الذين يفعلون كل شيء يُخجل في الخفاء

يشربون الخمر في الخفاء

يضاجعون العاملات لديهم في الخفاء

يشاهدون أفلام البورنو في الخفاء

ويستمنون أمامها في الخفاء

يغتصبون الغلمان في الخفاء

يوئدون النساء في الخفاء

لعلهم أيضا يا أشرف يقرأون قصائدك في الخفاء

فتشعرهم بالخجل من أنفسهم لذا يرغبون في قتلك

أنا يا أشرف لا أعرفك

ولم أقرأ قصائدك التي يقولون إنها تسب الله

الله الذي يعرفنا جيدا، أنا، أنت وهم، لأننا صنع يديه

يداه الجميلتان الطيبتان اللتان تمسحان على رؤوسنا

وقلوبنا ونحن حزانى ومكسورين

الله الذي لا يهتم كثيرا إذا أنت أو غيرك

كتب شكوى إليه، قرأها جاهل وظنها هجاء

أتعرف لماذا يا أشرف

لأن الله يعرف جيدا كيف يدافع عن نفسه

ولا يحتاج إلى خلفاء في الأرض عنه

لذلك حين تذهب إليه يا عزيزي رجاء أخبره

عن الجهلة والمأفونين

الذين يدعون أنهم خلفاؤه وأهدروا دمك

سيقتلونك أنت وشعراء قادمين

ثم سيغسلون الدماء من على أياديهم بالنفط!

 

6. صلاة (إلى الشاعر أشرف فياض مرة أخرى)


نور الدين الزويتني

(إلى الشاعر أشرف فياض مرة أخرى)

 

قل لهم أيها الله
شيئا صريحاً،
كَأنْ يتركوك لحالكَ
صمتكَ
حزنكَ
أن يرجعوا حيث جاؤوا
إلى نُوقِهِمْ
ليعود الهواء
ولو مرّة في الزمان
نقيّاً
……
قل لهم أيها الله
شيئا
……
ألم يُتعِبوك بكل الرؤوس
التي يقطعونَ
وكل القلوب
التي يذبحونْ
………….
وهذا السُّعارُ
وهذا الجنونْ !

 

7. لقد قتلوا حلاق القرية 

 

عبد الهادي السعيد
إلى الشاعر أشرف فياض، المعتقل بسجون الظلام والاستبداد

 

أيّتها الآلهةُ تَعالي
على مائدتنا جبنٌ ونبيذ
قاسمينا هذا الثراء
وهذه الضحكةُ الرنانة
الصاعدة من حلق طفل صغير
أعينينا لنوزّعَها ما بيننا بالعَدل
مستعملين
شَفْراتِ قلوبنا الحادة
لقد قتلوا أمسِ حلاق القرية
ثم نهبوا الشموع
وألقَوْا بأعواد الثقاب في التّرعة
تعالي أيتها الآلهة واشربي
ما أوفر الدماء على مائدتنا
سنمكث هنا ألفَ عام أخرى
إلى أن تنحَلَّ عقدة لسانك
عليك أن تخبري الأحياءَ بكل شيء
بُوحي بأسرارك للأطفال
لمذيعات الفضائيات الجميلات
وللطيور
كي تصعد بها إلى الغيمات البعيدة
فتهطل علينا الحقيقة
خذي من وقتنا ألف عام
شَرْطَ أن تفرغي من هذا الأمر
قبل حلول الظلام
لقد نزحت كل أغانينا
حاملةً في متاعها الوجوهَ التي نحبّ
أسرعي
فقد يأتي الظلام
ولا نجد جبيناً واحداً
نستعملهُ
كقنديل

 

 

8. الأرواح القديرة

ميلينا أودا لاسكا
ت: محمد عيد إبراهيم

فلنتنفّس معاً بحريةٍ
كضمائرَ حرة
كأرواحٍ حرة
فلنتنفّس عميقاً
ولنقُم بفعلٍ 
يُرجّع الصدى
بصِلاتنا الروحيةِ 
فلنتلُ الصلاةَ 
لنوقف مَن يُدمن القوةَ 
أن يدمّرنا
نوقف جَورَهم، وَحشيتَهم
حانَ الوقتُ أن نقولَ: كفى هي كفى
إننا الأرواحُ القديرة
كفى من الأبرياء القتلَى
كفى من السجونِ والمُعاقباتِ للأرواحِ الحرة
سنُبدّل الآنَ نظامَ العالمِ الجائرَ
سنُبدّل الأحكامَ الجائرةَ 
نُقوّمها
لأجلِ عقول منفتحةٍ قويمةٍ مجردة
فهل واتَت الفرصةُ، 
لكأنّ إرادةَ الله
هي قوةُ حياتنا
وبها نتكلّم
سنُبدّل العالمَ الظالمَ
فلنوزع الأرواحَ الحرة
محطّمي الكواسرِ
مناهضي الأعرافِ
الطليعيين
الحالمين 
لنجهَر بصوتنا
لا تدَعوا أرواحكم الحرةَ تركنُ للمنامِ 
خائفةً من السلطة
فلنمتثل لتبديلِ العالمِ
نحن الطليعيين الأعظم
بكلماتنا القديرة
حانَ وقتُ التبديل
لن توقِفَنا 
خرافةٌ دينيةٌ أصوليةٌ متطرفة
حيثُ نرى
ما لا يراهُ الآخرون
نَنظُم كلّ شيء بالكلماتِ
بالتأثيرِ
ضمنَ عوالمنا الصغيرةِ الجليلةِ
لنربط عوالَمنا الصغيرةَ 
بما هي أكبرُ قوةً 
كأرواحٍ حرة
محطّمي الكواسرِ
مناهضي الأعرافِ
الطليعيين
الحالمين 
لتبدو الطريقُ الجديدة
الحقائقُ
لدينا القوةُ الأخطر
ضدّ المؤسسةِ، وضدّ الجَورِ
والرقابةِ
معاً كلنا
تُرشِدنا القوى الأعلى
فلنتنفس بعمقٍ ولنضع للعالمِ نظاماً جديداً

فاجهَروا، يا شعراءُ ويا كتّابُ وفنانون
لا تركَنوا للمنامِ مِن الخوفِ
عقلُنا جامحٌ ويهدّدُ السلطةَ 
حانَ وقتُ أن نهدّدَهم
وإن بكلمةٍ واحدة
أنتم العقلُ الجَسورُ
إبداعكم يلهمُ العالمَ 
وطاقتكُم لا تُكبَح
فهي تحفظُ للعالمِ مسيرَه… 
فلنتنفس بعمقٍ
في السجنِ
في الخوفِ
في الحريةِ 
أينما كنتُم ـ فكلّنا معاً
فلنُثبِّت نظامَ عالمٍ جديداً 
فلنُثبّت سلاماً وحريةً، وليكُن الحبّ 
على رأسِ أحكامِنا

أنّى لكُم تقتلونَ نبضةَ الحياةِ البريئةَ، يا مَرضَى وبشِعين؟ 
أأنتُم تَحسِمون حياةً أخرى؟ 
مَن أنتم لتَقضوا على حياةِ امرئٍ؟
ببساطةٍ تقتلون، أو تُفخِّخونَ القنابلَ؟ 
لن نَعمَى عنكُم
لن نُذعِنَ لأحكامِكم
قد نسألكُم: كم هي غاليةٌ حياتكم وحياةُ الآخرين
أتعرفونَ أنكم ستموتون
غداً 
اليومَ 
لا يدري أحدٌ
متى تغدِرون بالآخرِ 
ستفتّشُ وقتَها عنكُم الدنيا 
وتندمون، ترتعدون
من حريقٍ
بمنزلكم
كلّ سجنٍ نَصَّبتُموه للأرواحِ الحرة
لتَحرِموها الحياةَ 
داخلكُم يا أرواحاً ميتةً بائسة
فلتعلموا كم هو قاسٍ 
أن نعيشَ مع الشياطين

الإقدامُ هديتُنا
سنُحرقُ
نحنُ الناشطين
كافةَ السجونِ
للعقولِ الحرةِ البريئةِ
بنارنا الروحيةِ ـ 
الحبّ
فالروحُ الحرةُ
النادرةُ الجَسورةُ، في حاجةٍ
لتحطيمِ الأحكامِ الجائرةِ
ولنجهَر القولَ 
باسمِ الحريةِ
الحبّ
أن نقاومَ لتحريرِ
مَن يقاسِي
نحنُ، وأولئك
مَن 
سيقاومُ
في الظلالِ الداكنةِ
ملاذُنا بيتُ الكلماتِ 
قبلَما يتبدّلُ شيءٌ إلى الجَورِ ثانيةً
قبلَما يعتنقُ أحدٌ أنهُ الصوابُ أو الخطأ
ثم يموتُ من أجلهِ 
فلنقُل
مِن الآنَ
ثمةَ أحكامٌ جديدةٌ للعالمِ،
لن يُقتلَ أحدٌ مقابلَ حريةِ الكلامِ
لن يُقتلَ أحدٌ مقابلَ فرحةِ الحياةِ
لن يُقتلَ أحدٌ مقابلَ رفاهيةِ الحياةِ 
سنُقتَل الآنَ مقابلَ الحبّ
وهو يُصدِرُ أمرَه المقدّسَ 
ملموساً في عيونِ الجمالِ
بأحاسيسِ المجدِ
فليكُن الحكمُ الجديدُ، ببساطةٍ
لنا الحقّ، جميعاً، أن نتنفّسَ بحريةٍ.
فتنفّسوا!

ميلينا أودا لاسكا : شاعرة تشيكية

 

 

9. نشيدٌ، بكرامةٍ نسبية

 

محمد عيد إبراهيم

إهداء: إلى السحين أشرف فياض

رُفِعتُ إلى مكانٍ عَلِيٍّ
بصوتٍ من كتلةِ الجسدِ، 
لأموتَ مِيتةً شنيعةً… 
*
الكلّ مِطواعٌ، وأنا (برأسي)، 
أرغبُ في العودةِ، فلا أُولّي الأدبارَ 
بمزيدٍ من الشائنِ… 


وَعيدي لقيصرَ والعَجماواتِ
1
ـ أُبلّلهُ بدمِ الحيضِ، وأقطِفُ متاعَه
2
ـ بأثداءٍ مَحروقةٍ، أنجو من الرِقِّ
*
كلّ عذابٍ، أمامي، أَبسُطهُ
كلّ باكيةٍ، خلفي، وأتحصّنُ
كلّ كتاب، حولي، أعمىً بعكّازةٍ
لكن قَبري خفيفٌ، كمِظلّيٍّ البحَريّةِ
*
بروحٍ، تُشبهني، عندَ الرقادِ، 
أقومُ، وأبكي، لأصلَ طريقي
إلى الهاويةِ، ونارٌ بعينَيّ، هُبّي
حياتي: بيضةٌ في العُشّ تنفجرُ

 

10. شجرة  فى جمجمة لوركا

 

صالح الزمانان

 

إلى أشرف فيّاض

 

فى قبره الذى سرقته الخرافة

واصطفته لبناتها الصغيرات

كي يلهين بجسده فى فصل الشتاء

حيث لا يتشّبه الجن بلوركا

ليطارد السكارى فى الأودية المقمرة

ولا يرتدى هيئته رواد المسرح الجُدد

ليرددوا أغنياته فى طريق عودتهم المتأخرة

فى قبره الفضى ذاك

نبتت شجرة من البيلسان

كبرت فى ربيع خاطف

وأصبح المارة من أهل القرية يأخذون منها السواك

وتعلّق النساء زهرها الأبيض فى أقذالهن

وبعد سنوات هادئة

جاءت عجوز طيبة وقالت :

"هذه الشجرة نبتت من جمجمة لوركا

وتحتها قبره المعبأ بالفضة والبارود

اسقوها وامنعوا عنها الحديد"

ضجّ أهل القرية وأصابهم الجنون

واقتلعوها فى الصباح التالى

وحفروا البلاد تحتها

لكنهم لم يجدوا قبر لوركا

بل وقعوا على سقف سجن قديم من الحجارة

ثقبوه بالحديد الحاد اللمّاع

وبداخله وجدوا جثّة صغيرة

خالية من الرصاص والفضة

وجوارها خصلة شعر ذهبية

وفراغ كبير.

 

11. الى أشرف فياض

 

جوزف دعبول

 

لا تبحثوا عن حجر الماس فى السماء

إنه فى قلب الشاعر.

يا صهيل الحرف كيف لشجرك أن يصرخ

والشاعر الأول يهندس الرؤى:

هذا الكتاب قديم العهد

هذا الكتاب من ورق البردى

هذا الكتاب ممحو

هذا الكتاب بدأ يقطر دماً

تأويلاً وتفسيراً وحديثاً

ونحن السكارى بالحلم

نمشى على حد الريح وثيابنا معلقة بعواصف المعانى

إن رأيتم لحية طويلة حتى براكين الموت

قولوا هذا عصر الملائكة الأيتام

ومن كان السبّاق إلى اللغة

ومن جعل الأرض تدور فى قلبه لتطحن القمح رغيفاً

ومن أشعل النار فى جسده لتتطهّر روح العالم

ومن كتب كتاب البدء؟!

هى الرؤى لا تتداولها الأوهام والغابات التى تقتات الثفالة

اصرخى ايتها الشجرة الكبيرة:

أنا أم الشاعر وأبوه وورودى من ألوان الله الحق.

"دوسوا على رفاتي فلى في كل حرفٍ أغنية، وساقية، وعاشقة، وزنبقة ستحمل على بتلاتها سماء تلد سماء.

وتسند أركان الهياكل الحمر

والبخور يستنشقه المؤمنون بى.

أنا شاعر الهمسة المتمردة

معتق كخمر الأعماق

مسافراً مع كل نجوى وكتابي ظاهره باطن وباطنه ظاهر ولا تستطيعه الأنبياء الكذبة".

غنّى أيتها الشجرة الكبيرة

يا بيت العالم

على أغصانك يولد الشعراء،

ومع رياحك الساحقة يطيرون

ولن يستقرّوا في الصحارى.