تابع محرر الكلمة فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح الحساني والتي انعقدت بمدينة أكادير المغربية، المهرجان الذي بدأ يرسخ نفسه ضمن أجندة المهرجانات المسرحية في المغرب، كما بدأ يقعد توجهه في اختيار عروض مسرحية تحتفي بالثقافة الحسانية وبالموروث الحساني وهو ما حول المهرجان لفضاء لتلاقح العروض المسرحية التي تحاول من خلال جمالياتها تقديم فرجة بطعم حساني لافت.

"كدور الذهب" لفرقة أدوار تتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح الحساني

عبدالحق ميفراني

تكلف الناقد الدكتور حسن اليوسفي، عضو لجنة التحكيم المهرجان الوطني للمسرح الحساني في دورته الثالثة والذي نظم بمدينة أكادير بين 17 و19 دجنبر 2015، بقراءة التقرير النهائي والتوصيات للجنة التحكيم المهرجان. والتي تشكلت من المسرحي عبدالكريم برشيد رئيسا، وعضوية كل من ميلود بوشايد، ومصطفى التوبالي والعزة بيروك وحسن اليوسفي. وذلك في حفل اختتام فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح الحساني، والذي ينظمه محترف وفاء أكادير للمسرح كل سنة بمدينة أكادير. وقد شهد الحفل حصد فرقة أدوار للمسرح الحر من مدينة كلميم بوابة واد الصحراء، لجل جوائز المهرجان، ومنها الجائزة الكبرى.

وهكذا توجت الممثلة علية طوير بجائزة التشخيص إناث، فيما حصد الممثل أيوب بوشان جائزة التشخيص ذكور مناصفة مع الفنان سالم بلال من فرقة أنفاس الداخلة (مسرحية الصعلوك)، ونال الفنان عبداللطيف الصافي جائزة إعداد النص الى الحسانية مناصفة مع الفنان علي مسدور من فرقة أنفاس الداخلة (مسرحية الصعلوك). باقي جوائز لجنة التحكيم ذهبت الى فرقة بروفا من العيون عن مسرحية "مازلنا حايين" خصوصا جائزة التأليف وقد نالها المسرحي عبدالرحمان الزاوي وجائزة الإخراج للفنان هشام ابن عبدالوهاب. وأضافت اللجنة جائزة خاصة وسمتها بجائزة لجنة التحكيم نالتها الفنانة خادم الله أبا عن عرض "جميلي" لرفة اولاد البلاد من بوجدور، فيما حظيت فرقة أدوار للمسرح الحر بكلميم وعرضها المسرحي "كدور الذهب" الجائزة الكبرى للمهرجان.

وشاركت سبعة فرق في المسابقة الرسمية للمهرجان، فرقة طروبادور من آسا بمسرحية "عرس الدم"، فرقة اولاد البلاد الفن من بوجدور بمسرحية "جميلي"، شباب وابداع للثقافة والفن من العيون بمسرحية العاصفة والكمان، فرقة أدوار للمسرح الحر من كلميم بمسرحية "كدور الذهب"، فرقة أنفاس من الداخلة بمسرحية "الصعلوك"، فرقة الحبشي من السمارة بمسرحية "بيل والبصمة" وفرقة بروفا من العيون بمسرحية "مازلنا حيين".

وقد أشادت اللجنة بمستوى العروض المسرحية المقدمة خلال الدورة الثالثة للمهرجان، فيما شددت ضمن توصياتها على ضرورة المحافظة على التكوين في مختلف تقنيات المسرح. وقد شهدت الدورة تنظيم ورشتي التشخيص والإخراج أطرتهما كل من الفنانين علية طوير وعزيز أبلاغ. والى جانب العروض والورشات شهدت قاعة بلدية أكادير حفلا للطرب الحساني أحيته بنات عيشاتة بحضور الشاعرين محمد السويح واليزيد السالك. وقد عرفت خيمة المهرجان تنظيم ندوة حول "المسرح الحساني" أطرها الناقد اسليمة أمرز، وشارك فيها العديد من الباحثين منهم ميلود بوشايد والعزة بيروك.. وقد حاولوا جميعا أن يتناولوا الأشكال التعبيرية وتشكيل الفضاء في التجربة المسرحية الحسانية الى جانب استلهام الفنا التشكيلي في المسرح الحساني وانتهاء بالغناء والرقص في الثقافة الحسانية. ومن الخلاصات الأساسية لهذه الندوة، ضرورة حضور العروض ضمن انشغالات المقاربات التي تقدمها الندوات المحورية، مع ما يوازي هذا المعطى من تدقيق للمصطلحات وانفتاح على جماليات العرض المسرحي.

دورة أخرى إذن من فعاليات المهرجان الوطني للمسرح الحساني، والذي ينظمه محترف وفاء أكادير للمسرح بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبدعم من مركز الدراسات الصحراوية وولاية جهة سوس ماسة وبلدية أكادير، ولعلها حلقة متواصلة كي يتحول المهرجان، الى جانب مهرجانات أخرى منها على الخصوص مهرجان كلميم الدولي لمسرح الجنوب ومهرجان الداخلة..، الى رافد أساسي لتكريس وتأهيل الممارسة المسرحية بأقاليمنا الجنوبية. كما ينتظر أن تقعد هذه المهرجانات لممارسة مسرحية تخضع للتكوين والتأطير المناسب، مع ملاحظة لافتة في التجارب المسرحية المقدمة والمتمثلة في حضور المرأة اللافت الى جانب الطاقات الشابة، والتي تعبر بالمسرح الى المستقبل.

تتويج فرقة أدوار للمسرح الحر بكلميم بعرضها المسرحي "كدور الذهب"، هو التتويج الثاني بعد السنة الماضية عن مسرحيتها "الريح"، وهو ما يشكل تتويجا لمسار هذا الفرقة التي انشغلت ومنذ تأسيسها بالتكوين الذي أطره نخبة من المسرحيين والفنانين المغاربة الى جانب تنظيمهم لمهرجان كلميم الدولي لمسرح الجنوب. مسرحية "كدور الذهب" (باللغة الحسانية)، إنتاج 2015 هي من إعداد وإخراج الفنان المسرحي عبداللطيف الصافي. وأداء كل من الممثلين: يوسف ارزامة (في دور الأب) وأيوب بوشان ومصطفى أكادر (في دور الأبناء) وعلية طوير (في دور الأم)، وهو ما شكل نسيجا متكاملا في الأداء المسرحي. الأبناء في مواجهة آبائهم والحلم بالوصول الى الذهب، ذاك الحلم المستحيل الذي حكته الأم وصدقته وصدقه الأبناء. في مسرحية "كدور الذهب" تنطلق الدعوة الى الفرجة منذ البداية، وهو ترحاب خارج سياق "الدرامي" يحيلنا الى نمط مختلف للفرجة المسرحية التي اقترحتها فرقة أدوار. فمنذ البداية نستعيد جزءا من تاريخ آسن للصحراء، لنكتشف سلطة المكان وسحره وعمقه في جذور ويوتوبيا الرمال الممتدة عبر الأفق. وفي المحكي الشفوي عند الأم، وفي حلمها يتحول مآل الأبناء الى جنون بالامتلاك والتملك ل"كدور الذهب" المفقودة، ولا ندري هنا هل في الحلم أم في يقظة الأولاد ونشدانهم الخلاص من "سلطة المكان". وفي رحلة البحث للأولاد نعيد اكتشاف جزء من علاقة جيل بالمكان، ليتجدد نفس السؤال: عن مصير الإنسان القدري والحتمي حينما لا يختار في اللحظة التاريخية المناسبة.

سهر على سينوغرافيا "كدور الذهب" صفاء العلالي والديكور التشكيلية حفيظة بوزكية والإنارة ابراهيم عجاج والموسيقى خالد سكومي فيما أسندت إدارة الخشبة لحسن لحمادي في حين يسهر شفيق طويلي على المحافظة العامة وعتيقة ابو العتاد على إدارة الإنتاج ويحضر الفنان عبدالعزيز نافع كمساعد للمخرج والكاتب والإعلامي عبدالحق ميفراني مديرا للعلاقات العامة. مسرحية "كدور الذهب" أداء نسج جزء من تفاصيل "مسرح" آخر بدأ يتشكل اليوم في أقاليمنا الجنوبية المغربية، ولعل في "كدور" الصحراء "ذهب" يغني المستقبل.