إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان مغربيا ..شكل حدثا وطنيا بامتياز بالكشف عن طموح المغاربة بتوسيع هامش حرية التظاهر السلمي كتعبير حضاري عن انتظارات مشروعة ، وضمان الحق في تأسيس الجمعيات كعنوان للديمقراطية التشاركية التي كرسها الدستور المغربي...هذا الأفق الرامي إلى توسيع هامش الحريات بالمغرب تطارحه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إطار لقاء صحفي استعرض فيه المجلس مذكرتين هامتين الأولى تتعلق بضمان حرية الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي، والثانية تتعلق بحرية الجمعيات.. العديد من المقترحات الجدية ستساعد – في حالة التفاعل معها من طرف الحكومة – على تبديد الكثير من سوء الفهم بين الدينامية المجتمعية المتنامية بمختلف تعبيراتها وبين أطراف من داخل السلطات العمومية التي لا تزال أسيرة لحظة ما قبل دستور 2011 ... فالمغرب اختار الانتصار للمواثيق الدولية المؤطرة لحقوق الإنسان، وحدد سقفا دستوريا للحريات و الحقوق تحتاج اليوم إلى تعاقدات جديدة بين الدولة والمجتمع ..إنه رهان وطني كبير في مسلسل الدمقرطة بالمغرب كما أكد على ذلك إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في لقائه مع الصحافة ...
لذلك اختارنا استعراض مضامين مذكرتي المجلس الوطني لحقوق الإنسان إسهاما في فتح نقاش عمومي سيساعد حتما، غدا، في توسيع هامش الحريات و ضمان العيش المشترك للمغاربة بتعاقدات جديدة ...
ضمان حرية الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي
تعتبر المذكرة التي تم اعتمادها في الدورة التاسعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مساهمة منه في النقاش العمومي بشأن مراجعة الإطار القانوني المتعلق بالتجمعات العمومية، و في إعمال الضمانات الدستورية المتعلقة بحرية الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي المنصوص عليها في الفصل 29 من الدستور. وقد ارتكزت هذه المساهمة على خلاصات دراسة للمجلس حول ممارسة الحق في التظاهر السلمي و كذا التوصيات المستخلصة من الورشات الموضوعاتية التي نظمها المجلس بخصوص هذا الموضوع مع المنظمات غير الحكومية، القضاة، المحامون، ممثلي مختلف القطاعات و الإدارات المعنية بتدبير حريات الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي.
و قد اعتبر المجلس في إعداده لتوصياته المتعلقة بإصلاح الإطار القانوني الخاص بالتجمعات العمومية، مرجعيات الهيئات الأممية (قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارات مجلس حقوق الإنسان، توصيات المقرر الخاص بحق الاجتماع السلمي و حرية الجمعيات) و الجهوية (آراء لجنة البندقية التابعة لمجلس أوربا) ، مع استحضار لتوصيات هيأة الإنصاف و المصالحة و كذا الاجتهاد القضائي الوطني في مجال تدبير حرية التظاهر السلمي. و انطلاقا من هذه العناصر، تقدم المجلس بعدد من التوصيات تهم مراجعة الظهير المنظم للتجمعات العمومية.
فيما يتعلق بالتوصيات المشتركة بالنظر للفصل 30 من الدستور، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوصي بأن تضاف بشكل ممنهج عبارة بطاقة الإقامة إلى جانب بطاقة التعريف الوطنية. كما يوصي باستبدال العقوبات السالبة للحرية و الإبقاء على الغرامات المنصوص عليها في الفصل 9 عن مخالفة مقتضيات الكتاب الأول المتعلق بالاجتماعات العمومية, و تلك المنصوص عليها في الفصل 14 عن مخالفة مقتضيات الكتاب الثاني المتعلق بالمظاهرات في الطرق العمومية. و في إطار نزع الطابع المادي عن المساطر، يقترح المجلس أن تدرج في الفصول 3 و 11 إمكانية القيام بالتصريح المسبق عبر الوسائل الإلكترونية.
- توصيات تتعلق ببعض مقتضيات الظهير الخاص بالتجمعات العمومية
يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يضاف إلى مبدأ حرية الاجتماعات العمومية مبدأ قرينة قانونية الاجتماعات العمومية، ما لم يثبت العكس. و في إطار نفس الفصل، يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان استبدال التعريف الحالي للاجتماع العمومي ، بتعريف أوسع بمقتضاه يعرف "الاجتماع العمومي" بالحضور القصدي و المؤقت لعدد من الأشخاص يرغبون في التعبير عن وجهة نظر مشتركة في فضاء عمومي. كما أوصى المجلس أيضا بأن يكرس الفصل الأول الالتزام الإيجابي للسلطات العمومية بتسهيل و حماية الاجتماعات السلمية. ومن أجل تبسيط المساطر ، يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان تعويض النسخ المصادق عليها من بطاقة التعريف الوطنية أو بطاقة الإقامة حسب الحالة بمجرد الإشارة إلى أرقام تلك البطاقات، وإعفاء جميع الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية، والأحزاب السياسية، والهيئات النقابية و المنظمات المهنية من سابق التصريح لعقد الاجتماعات العمومية.
ويقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان منح منظمي الاجتماع العمومي إمكانية نشر فريق لحفظ النظام يسهل التعرف عليه من أجل تسهيل تنظيم الحدث، و ضمان احترام كل قيد مبلغ طبقا للقانون. على أن لا ينبغي أن يتوفر فريق حفظ النظام على صلاحيات السلطات العمومية و يمنع عليه اللجوء إلى القوة، وإنما عليه أن يضمن تعاون المشاركين في الاجتماع العمومي. ويعتبر المجلس أن هذه التوصية ستشجع على التنظيم الذاتي للاجتماعات العمومية .. كما يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضا أن يدرج في نفس المادة بند يمنح للجمعيات و الأحزاب السياسية و النقابات و باقي المجموعات الفعلية إمكانية استعمال القاعات العمومية بطلب منهم و حسب كيفيات يحددها نص تنظيمي الذي ينبغي أن يرقى إلى مستوى مرسوم .
المجلس الوطني لحقوق الإنسان لاحظ أن الممارسة تجاوزت الفصل 11 من ظهير 1958 المنظم للمظاهرات في الطريق العمومية. فمنذ عشرين سنة ، يتم القيام بالمظاهرات في الطرق العمومية من طرف المجموعات الفعلية (التنسيقيات، الجمعيات الفعلية، الائتلافات الترابية و الموضوعاتية، اتحادات الأطر العليا المعطلة...) غير تلك المنصوص عليها في الفصل 11 (الجمعيات، الأحزاب، النقابات، المنظمات المهنية). و إن تطور الممارسة، يبرر من وجهة نظر المجلس، استعجالية مراجعة هذا الفصل بإعطاء حق تنظيم المظاهرات في الطرق العمومية للأشخاص الذاتيين و المعنويين. ويقترح المجلس إدراج مقتضى جديد في الفصل 13 يكمن بموجبه لموقعي التصريح الطعن في قرار المنع أمام المحكمة الإدارية المختصة التي تبت فيه استعجاليا. في إطار تسهيل المظاهرات العفوية الذي يندرج في إطار الالتزام الإيجابي للسلطات العمومية في مجال تسهيل و حماية ممارسة الحريات موضوع مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوصي هذا الأخير بتعديل الفصل 14 بإلغاء كل عقوبة ضد الأشخاص الذين شاركوا في مظاهرة غير مصرح بها قبليا.
مقترحات تتعلق باستعمال القوة
يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، أن يدرج على مستوى الفصل 21 ، مقتضى يتيح لمسؤول القوات العمومية أو أي شخص مؤهل من قبله بالقيام بمحاولة تفاوض-وساطة قبل القيام بأي إنذار. و في نفس الإطار، يوصي المجلس بأن يدرج بين الفصلين 25 و 26 مقتضى جديد يكرس صراحة مبدأين ينبغي أن يحكما اللجوء إلى القوة و هما مبدأي الضرورة و مبدأ التناسب . كما أن نصوصا تنظيمية ينبغي أن تحدد، من وجهة نظر المجلس، الأشكال العملياتية المتعلقة باللجوء إلى القوة على قاعدة هذين المبدأين. مع التنصيص على مقتضى جديد يشير إلى أن كل عملية لاستعمال القوة ينبغي أن تتم تحت مراقبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية. وشدد المجلس على ضمان صريح لسلامة الصحفيين و مهنيي الإعلام الذين يقومون بتغطية المظاهرات السلمية.
حرية الجمعيات بالمغرب
تشكل مذكرة المجلس حول حرية الجمعيات بالمغرب، ثمرة عمل بحث وثائقي و تحليل جزء معتبر من الأدبيات المنشورة بشأن الحياة الجمعوية في المغرب و كذا نتاج مسار من التشاور مع قادة دينامية الرباط و مسؤولي القطاعات الوزارية المكلفة بالداخلية، بالعدل والحريات، والمالية و الأمانة العامة للحكومة وكذا مع أعضاء اللجنة المكلفة بالحوار الوطني حول المجتمع المدني و أدواره الدستورية.
و قد عبأ المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضا أعمال اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، المقرر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات و لجنة البندقية التابعة لمجلس أوربا، و كذا الاجتهاد القضائي الوطني من أجل إنتاج توصيات تستهدف جعل الإطار القانوني المنظم للجمعيات في مستوى المتطلبات الدستورية و الالتزامات الدولية للمغرب.
كما قام المجلس بتحليل مجموعة من الإكراهات ذات الطابع القانوني، المالي، الجبائي و التنظيمي التي يواجهها النسيج الجمعوي الوطني.
وانطلاقا من هذه العناصر تقدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعدد من التوصيات التي تهم الإطار القانوني، المالي و الجبائي للجمعيات، تقوية قدرات النسيج الجمعوي الوطني، التدابير الخاصة الموجهة إلى بعض فئات الجمعيات و كذا توصيات تهم الشراكة بين الدولة و الجمعيات.
الإطار القانوني الخاص بتنظيم حق تأسيس الجمعيات
يوصي المجلس المشرع بمراجعة الظهير الشريف رقم 1.58.376 المؤرخ في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نوفمبر 1958) الذي يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات في المنحى الليبرالي لعام 1958، وذلك باستبدال العقوبات السالبة للحرية المنصوص عليها في الظهير الشريف رقم 1.58.376 بتاريخ 15 نوفمبر 1958 الذي يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات، كما وقع تغييره وتتميمه، بغرامات. و الجانب المثير في هذا الباب هو تمكين الأطفال ما بين 15 و 18 سنة من الحق في تأسيس جمعياتهم من أجل ضمان تفعيل حق الأطفال في المشاركة. بالنسبة للجمعيات الأجنبية طالب المجلس بمنحها وضعا قانونيا مطابقا لذلك الذي ينظم الجمعيات الوطنية في إطار تفعيل المساواة في الحقوق طبقا للدستور و وفقا للسياسة الجديدة للهجرة التي نهجتها المملكة . كما أوصى المجلس الوطني بالتنصيص في المادة 5 على إمكانية إيداع التصريح بتأسيس الجمعيات أو تجديد أجهزتها المسيرة ، إلكترونيا، وذلك في إطار إضفاء الطابع اللامادي على الإجراءات المتعلقة بمختلف أعمال الحياة الجمعوية. ورغبة في إعفاء التصريحات بتأسيس الجمعيات والتغيير من واجبات التنبر المنصوص عليها في المادة 5 من الظهير الشريف أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضا باعتماد وضع قانوني خاص بالمؤسسات وتوضيح خصائصها وكيفية الحصول على هذاالوضع وتمويلها وإدارتها..
ورغبة في توسيع مجل التطوع ، أوصى المجلس بإحداث إطار قانوني نظامي للعمل التطوعي ضمن الجمعيات تحدد من خلاله حقوق والتزامات المتطوعين والكيفيات التي تتطور وفقا لها هذه الفئة من الفاعلين داخل الجمعيات ومساهمة الدولة في تغطية المخاطر التي يتعرض لها المتطوعون وكيفيات تسديد النفقات التي يتحملونها في نطاق أنشطتهم؛ كما أوصي بتعديل المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية و ذلك لتمكين جميع الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية، و ليس فقط الجمعيات المعلن أنها ذات منفعة عامة، من أن تنتصب في حدود مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي طرفا مدنيا في كل دعوى مدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة. وضمنا لحق الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية و ليس فقط الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة في تقديم الشكايات المتعلقة بخرق أجهزة الاتصال السمعي-البصري للقوانين أو للأنظمة المطبقة على قطاع الاتصال السمعي-البصري أوصى المجلس بتغيير المادة 4 من الظهير المنظم لهذه الهيئة .
توصيات تتعلق بالنصوص الخاصة المنظمة لبعض فئات الجمعيات
يوصي المجلس الوطني لحقوق الإنسان المشرع بتعديل المادة 23 من القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة من أجل منح اللجنة الأولمبية الوطنية سلطة التحقق من مطابقة النظام الأساسي للجامعات الرياضية لأحكام القانون رقم 30.09، وللنظام الأساسي للاتحادات الدولية وللميثاق الأولمبي. وفي نفس الإطار يقترح أن تكون قرارات اللجنة الأولمبية الوطنية في هذا المجال قابلة للطعن فيها أمام المحكمة الإدارية بالرباط. و كذا بتعديل المادة 31 من القانون رقم 30.09 أعلاه لمنح المحكمة الابتدائية بالرباط اختصاص البت في طلبات التصريح بحل أجهزة إدارات الجامعات الرياضية في حال عدم امتثال تلك الجامعات لأنظمتها الأساسية أو للنصوص التشريعية أو التنظيمية المطبقة عليها. كما أوصى بنسخ الفقرة الأولى من المادة 4 من القانون 02.84 الذي ينظم جمعيات مستخدمي المياه المخصصة لأغراض زراعية و الذي يسمح بإمكانية تأسيس هذه الجمعيات بمبادرة من الإدارة. وبتعديل القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي لتمكين جمعيات الطلبة بأن تكون ممثلة عن طريق الانتخاب في مجالس الجامعات و مجالس مؤسسات التعليم العالي.
توصيات تتعلق بصفة المنفعة العامة
مع مراعاة تعزيز الموارد المالية المتاحة للجمعيات ومراجعة الجانب الجبائي وكذا التسهيلات الجمركية الممنوحة لها، من الممكن التفكير في التخلي نهائيا عن الاعتراف بصفة المنفعة العامة للجمعيات، التي لم يعد معمول بها باستثناء فرنسا تقريبا. وكتدبير انتقالي، يوصي المجلس باعتماد الوضوح في تحديد المعايير المتعلقة بحصول الجمعيات على صفة المنفعة العامة. وفي هذا الصدد، يرى المجلس الحاجة إلى توضيح نطاق مفهوم " أن يكون للجمعية هدف له طابع المصلحة العامة " المنصوص عليه في المادة 1 من المرسوم سالف الذكر، ومن جهة أخرى، تأطير السلطة التقديرية الممنوحة لممثلي السلطة التنفيذية، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 6 من المرسوم المذكور، عبر وضع معايير واضحة يمكن الاستناد إليها في ممارسة تلك السلطة التقديرية.
كما أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان الحكومة بمسك سجل وطني للجمعيات وبالنشر المنتظم للائحة الجمعيات التي كانت محل طلب ببطلان تأسيسها من قبل السلطات الإدارية أمام المحاكم المختصة مع تعليل دواعي مثل هذا الطلب.
إعفاءات ضريبية و جبائية من أجل دعم موارد الجمعيات
اعتبارا لتعقد النظام المالي والجبائي للجمعيات وفي أفق تنمية موارد النسيج الجمعوي فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوصي المشرع بالاعتراف ضمن القانون المتعلق بالجمعيات، بحق الجمعيات في تلقي مساعدات على شكل إعفاء من الضريبة على الدخل ومن الضرائب أو الرسوم الأخرى على المساهمات والأموال والممتلكات الواردة من الجهات المانحة أو الهيئات الحكومية والدولية وعلى مداخيل الاستثمار والإيجارات وحقوق المؤلف والأنشطة الاقتصادية والمعاملات العقارية، وبالتطوير في القانون (في شكل الخصوم أو الاعتمادات المخصصة للضريبة على الدخل) كالهبات الشخصية و المساهمات الفردية لفائدة الجمعيات . إلى جانب إطار قانوني – محفز على الرعاية - يمكن من تنويع مصادر تمويل الجمعيات . و لهذا الغرض يقترح المجلس اعتماد قانون خاص ينظم مجال الرعاية مع مراعاة الأحكام القانونية المتعلقة بتنظيم الأوقاف على أن تخضع لهذا القانون على وجه الخصوص بعض الأعمال مثل تخصيص أصول بشكل لا رجعة فيه للقيام بعمل من أعمال المصلحة العامة، أو تخصيص ممتلكات بشكل لا رجعة فيه قصد رسملتها، مع استخدام الإيرادات المترتبة عن تلك العملية لدعم عمل من أعمال المصلحة العامة، ودفع أموال بشكل لا رجعة فيه من قبل شركة واحدة أو أكثر للقيام بعمل من أعمال المصلحة العامة، وتخصيص أصول بشكل لا رجعة فيه للقيام بعمل من أعمال المصلحة العامة بواسطة مؤسسة محتضنة، وتخصيص أصول بشكل لا رجعة فيه لإنجاز نشاط واحد أو أكثر في مجال البحث العلمي أو التعليم أو هما معا.
كما يوصي المجلس بملاءمة أنظمة الإعفاءات لفائدة الجمعيات بموجب المدونة العامة للضرائب ، و يوصي ضمن نفس المنطق بتعميم نظام الإعفاءات والاقتطاعات والتخفيضات المنصوص عليها حاليا لفائدة الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة لتشمل جميع الجمعيات المؤسسة وفقا للقانون. وسيتسنى بفضل هذا الاقتراح تفعيل إحدى التوصيات الرئيسية للمناظرة الوطنية للضرائب التي تدعو بشكل عام إلى إصلاح " نظام الضرائب المفروضة على الجمعيات بهدف المساهمة في النهوض بالعمل الجمعوي ".
و بالنظر إلى تنوع الأعمال الجمعوية ، يوصي المجلس بإدراج مبدأ الشراكة متعددة السنوات في المشاريع الجمعية المستفيدة من دعم عمومي (خاضع بطبيعة الحال إلى تقييم سنوي) و ذلك من أجل ضمان استدامة العمل الجمعوي و تقوية قدرات الجمعيات في مجال الرؤية و التخطيط الاستراتيجيين. و بالاستلهام من المقاربة التي اقترحها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره لعام 2010 في إطار متابعة تنفيذ توصياته بهدف إعادة تحديد المعايير المتعلقة بأهلية الجمعيات للولوج إلى التمويل العمومي. و بالتنصيص صراحة في مشروع القانون حول الحق في الحصول على المعلومات (الموضوع لدى مجلس النواب بتاريخ 8 يونيو 2015) على مقتضى يتعلق بالنشر الاستباقي للمعلومات المتعلقة بالبرامج، و طلبات العروض و باقي الفرص الموجهة للجمعيات، من طرف الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام؛ كما أوصى المجلس بتعديل القانون المنظم بالتماس الإحسان العمومي و كذا مرسومه التطبيقي من أجل التنصيص على نشر الأمانة العامة للحكومة لحصيلة العمليات و المداخيل المنجزة في إطار ممارسة هذه المسطرة.
كما أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان والي بنك المغرب بإصدار مذكرة تفسيرية للمادة 6 من المنشور رقم 41/G/2007 بتاريخ 2 غشت 2007 المتعلقة باليقظة الواجبة على مؤسسات الائتمان، لتمكن الجمعيات الحائزة على الوصل المؤقت من فتح حساب بنكي باسم الجمعية و ذلك بدءا من وضع التصريح بالتأسيس. و أكدت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على إدراج المساهمة في إعداد و تتبع و تقييم البرامج العمومية للدعم المالي الموجهة إلى الجمعيات ضمن اختصاصات المؤسسة الدستورية المسقبلية المكلفة بالعمل الجمعوي .
دعم قدرات النسيج الجمعوي الوطني في مجال التشغيل
يوصي المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتشجيع ودعم التشغيل الجمعوي عبر منح مساعدات خاصة وتسهيلات ضريبية واجتماعية (بالإعفاء كليا أو جزئيا من التحملات الاجتماعية، على سبيل المثال) واتخاذ تدابير ملائمة في مجال التكوين الأولي والمستمر. وفي هذا الصدد، يؤيد المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشكل تام رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي بشأن تشغيل الشباب والذي يوصي فيه بإنشاء، بتعاون مع الجماعات الترابية، عقود تشغيل تروم تحقيق المنفعة العامة والاجتماعية التي من شأنها أن تمكن الشباب من اكتساب خبرة مهنية ضمن هيئة لا تسعى إلى تحقيق الربح، تضطلع بمهام اجتماعية أو لها طابع المصلحة العامة. ويشير المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضا إلى أن أي حل يُلجأ إليه ينبغي أن يضمن للمستخدمين في هذه الأطر، الحقوق الأساسية المنصوص عليها في قانون الشغل ؛ كما أوصى المجلس السلطات بوضع معايير شفافة ومنصفة في مجال إلحاق الموظفين لدى الجمعيات ووضعهم رهن الإشارة. على أن ينبغي من منظور المجلس أن تمكن هذه المعايير من تقوية الموارد البشرية للنسيج الجمعوي الوطني.
ومن أجل تحقيق الشروط الملائمة لاستدامة و تنمية النسيج الجمعوي الوطني، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوصي مختلف الأطراف المعنية، و خاصة السلطات العمومية، و الجماعات الترابية، و القطاع الخاص و فاعلي التعاون الدولي بتنويع عروض تمويل الجمعيات، و بأن يكيفوا بشكل أفضل عروضهم من تنوع مجالات تدخل الجمعيات، و تبسيط شروط و مساطر الولوج إلى هذه العروض. و يثير المجلس الوطني الانتباه بشكل خاص إلى أن تنويع عرض تمويل الجمعيات هو شرط ضروري لاستقلالية النسيج الجمعوي الوطني. و أن تنويع هذا العرض هو ضمانة للروح الليبرالية التي تميز الإطار القانوني الوطني المنظم لحرية الجمعيات .
وفي هذا المجلس بإنشاء بوابة إلكترونية حكومية موحدة تضم جميع برامج التمويل الموجهة للجمعيات ، وتمكين الجمعيات و باقي المجموعات الفعلية بصفة مجانية و بناء على طلب منهم من استعمال القاعات العمومية ، حسب كيفيات يحددها نص تنظيمي الذي ينبغي أن يرقي إلى درجة مرسوم .
تمييز إيجابي لفئات من الجمعيات كمرحلة انتقالية
بغرض تشجيع المبادرات المواطنة المبتكرة و بغض النظر عن المساواة الشكلية لوضع الجمعيات وتعدد أصناف الجمعيات المنصوص عليها في القانون الساري المفعول أو المقترحة في هذه المذكرة، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو السلطات العمومية إلى وضع أنظمة و مساطر "تمييز إيجابي" كمراحل انتقالية للمواكبة لفائدة بعض الجمعيات ، ليس فقط بالنظر إلى الموضوع المنصوص عليه في أنظمتها الأساسية ولكن وأساسا الفئات المعنية بأنشطتها، و يتعلق الأمر بالجمعيات العاملة مع الفئات الهشة و الأشخاص في وضعية إعاقة ، و الجمعيات العاملة في الجماعات صعبة الولوج، ضعيفة التجهيز و التي يبلغ معدل الفقر و / أو الهشاشة فيها نسبة معينة. و يوصي المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل تحقيق الانسجام، باعتماد معايير المندوبية السامية للتخطيط في ما يتعلق بمعدل الفقرـ و كذا المعايير المستعملة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في استهداف الجماعات و الأحياء المستفيدة من مختلف برامج هذه المبادرة. و يقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضا أن يتم التحديد عبر برامج مستهدفة على تدابير تحفيزية للجمعيات الحديثة النشأة. و يمكن لهذه التدابير أن تتخذ على سبيل المثل لا الحصر، دعم التشغيل الأول، طلبات عروض مبسطة، مساطر مبسطة للولوج إلى التمويل و برامج لدعم القدرات التدبيرية للجمعيات.
من أجل توسيع آفاق الشراكة بين الدولة و الجمعيات
اعتبارا لكون الشراكة بين الدولة و الجمعيات لا يمكن اختزالها في مجرد مسألة التمويل بالرغم من طابعها الأساسي، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرى أن تصورا متكاملا للشراكة ينبغي أن يشمل مجالات جد متنوعة كالدعم التقني، اللوجستيكي، دعم القدرات والمشاركة في إعداد وإعمال و تتبع السياسات العمومية الوطنية و/ أو الترابية. وفي هذا الإطار يثمن المجلس بشكل إيجابي التطورات الأخيرة في مجال الاستشارة الإلكترونية للعموم من طرف الأمانة العامة للحكومة و وزارة العدل والحريات.
في إطار منطق تشجيع التنظيم الذاتي للجمعيات، بوصفه مكونا أساسيا لحرية الجمعيات، فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو الجمعيات إلى ممارسة الحريات الجمعوية وفقا لنص وروح الدستور ولاسيما الفصل 37 من الدستور وأن يحترموا في عملهم معايير الحكامة الجيدة الجمعوية كما تم التنصيص عليها في الدستور المعترف بها كونيا.
المجلس الوطني و في سياق استعراضه لمضامين هذه المذكرة حيى المجلس مختلف مسارات الحوار الوطني حول الموضوعات الكبرى المتعلقة بإعمال الدستور كإصلاح منظومة العدالة، الأدوار الدستورية للمجتمع المدني، حرية الصحافة، الشباب والعمل الجمعوي و السياسة الوطنية في مجال الطفولة. غير أنه أشار إلى أن التشاور كان أقل حول إشكاليات وطنية مركزية أيضا كمكافحة التمييز، ومكافحة العنف ضد النساء أو الإعاقة. ويعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن الوقت لا زال متاحا لإطلاق نقاشات وطنية كبرى حول هذه القضايا الأساسية.