تعيش فلسطين هذه الأيام مخاضاً جديداً تقوده فتيات وفتيان من جيل ما بعد اتفاق أوسلو أخذوا المبادرة بأيديهم عبر أعمال فردية يقومون بمواجهة باللحم الحي لدولة احتلال وجيشها ومستوطنيها المدججين بالسلاح وبالكراهية المفرطة إلى أبعد حدود لكل ما هو فلسطيني.. بعضهم سمّى ما يجري "انتفاضة"؛ "هبة انتفاضية"؛ "موجة انتفاضية"؛ "هبة شعبية"؛ "انتفاضة القدس"؛ "مقاومة شعبية"، ومصطلحات أُخرى، والجميع باتوا يرون نمطاً جديدا من الفعل النضالي.
ولأن الهبّة الفلسطينية هذه لا تتحدى فقط إسرائيل بكل مكوناتها العنصرية، بل هي في الدرجة الأولى تتحدى الثقافة والفكر السياسي في فلسطين والمشرق العربي، المربكين والجامدين، تطرح "مجلة الدراسات الفلسطينية" في عددها "105" لشتاء 2016، ملفاً هو محاولة أولى للتفكير وطرح الأسئلة أملاً بتجديد جذري لفكرة فلسطين، فيعرض نديم روحانا أفكاراً عن "فلسطين الجديدة" عبر قراءة مرحلة انقضت "كنّا نعتقد فيها، أن قضية الشعب الفلسطيني قابلة للحل عن طريق إقامة دولة فلسطينية" بحدود 4 حزيران 1967، واستشراف لمرحلة جديدة وعى فيها الفلسطينيون جميعاً، في أراضي الـ 67 والـ 48 والشتات، سقوط رهاناتهم. ويؤكد جميل هلال أن "شباب فلسطين يطرقون الجدران" ويرى أن "الاشتباك الأخير لم يحركه مردود سياسي، وإنما كمن المعنى في ممارسة فعل الاشتباك نفسه مع المحتل بغضّ النظر عن نتيجته السياسية، وذلك بخلاف اهتمامات النخب السياسية التي انصبت على وقع المجابهات على المجتمع الإسرائيلي، وعلى السياسة العربية والقوى الدولية". وفي السياق ذاته يكتب خليل شاهين تحت عنوان: "برامج عمل تشاركية تعيد بناء الحقل السياسي الفلسطينية"، وفي الملف أيضاً تحقيق لمحمد دراغمة عن فاعليات الهبّة هذه، تحت عنوان: "الهبّة الشعبية الفلسطينية: جيل يفاجىء الجميع بلا تنظيم ولا قيادة ولا برنامج"، ويعرض إمطانس شحادة وعميد صعابنة لاستطلاعين للرأي نظما في أراضي الـ 67 وغزة والـ 48، حول دور فلسطينيي 48 في المشروع الوطني الفلسطيني، تحت عنوان: دور فلسطينيي 48 ومكانتهم في المشروع الوطني الفلسطيني.
كتمهيد للملف، يكتب الياس خوري في باب مداخل عن "بلاغة الصمت الفلسطيني"؛ مسترجعاً ابتسامة الشاب صبحي أبو خليفة عند اعتقاله، واعتذار معتز حجازي للحاخام المتطرف يهودا غليلك عن اضطراره لإطلاق النار عليه، معتذراً "عن الاضطرار إلى الفعل وليس عن الفعل"، وعن داليا نصّار وهي تواجه الجندي الإسرائيلي قبل أن يطلق جيش الاحتلال رصاصته عليها فتستقر على بعد أقل من ملمتر واحد عن قلبها، ويقول خوري، إن " الجيل الفلسطيني الجديد يذهب إلى مواجهة لا لغة لها في سياقات هبّة السكاكين. هذا الجيل ليس يائساً من الحياة، أو من النضال، لكنه يائس من اللغة؛ اكتشف بلاغة الصمت وأسراره، فقرر كتابة حكايته مجدداً بلغة يعجز المحتل عن فك رموزها".
وفي باب مداخل أيضاً، يدعو جلبير أشقر للحذر "من فخ تنتياهو"، تعقيباً على اتهامات رئيس الحكومة الإسرائيلية مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني بالتحريض على محرقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وهي اتهامات "يراد من خلالها وضع الشعب الفلسطيني في دائرة الاتهام بأنه كان ولا يزال نصيراً للنازية".
إلى جانب هذا الملف، يتضمن العدد 105، ثلاث مقالات: علاء الترتير: "نحو رؤية تنموية فلسطينية"؛ عدنية شبلي: "التشويه الإعلامي الإسرائيلي لصورة الأمهات الفلسطينيات خلال الانتفاضة الثانية"؛ يائير فالاخ: "رايات موسم النبي موسى: سجلّ اختفاء".
وفي باب دراسات، يكتب كميل منصور تحليلاً عميقاً لـ "الخيارات القانونية ودلالاتها السياسية في مواجهة سياسة الاحتلال الإسرائيلية"، ويقدم يهودا شنهاف ـ شهرباني دراسة فريدة وجديدة بعنوان: "الترجمة من العربية إلى العبرية في ظل اللاهوتية ـ السياسية والعلاقات الكولونيالية بين اللغتين"، وتدرس سنية الحسيني: "الانقسام وحدود التباين الفكري بين 'فتح' وحماس' ".
وفي ملف "وقائع القدس"، يقدم نظمي الجعبة دراسة وافية ومثيرة للقلق بعنوان: "المسجد الأقصى: تجليات الصراع والسيطرة"، كما ننشر تحقيق عبد الرؤوف أرناؤوط: "إسرائيل في القدس الشرقية: من الحسم الجغرافي إلى الحسم الديموغرافي".
وفي العدد أيضاً مقابلة مع شاعر فلسطين حنّا أبو حنّا، يروي فيها شذرات من ذاكرته، وتحقيق عن مخيم عين الحلوة بعد الأحداث الدامية التي شهدتها أزقته أخيراً، وقراءتين: لكتاب "دراسات في الدين والتربية وفلسطين والنهضة، تكريماً للدكتور هشام نشّابه"، ولرواية عاطف أبو سيف: "حياة معلّقة". علاوة على باب فصليات الذي الذي تهيمن الهبّة الفلسطينية على تقريريه الفلسطيني والإسرائيلي.