كان عام 2015 عام تنظيم الدولة الإسلامية باقتدار، فقد ظل شغل الناس في كل مجال، عناوين الأخبار والصحف والمجلات وتسيد فضاء ميديا وسائل التواصل الاجتماعي- فيسبوك وتويتر وتلغرام وغيرها- وكان مركز تحليل ورصد لمراكز الأبحاث، وهو ما دعا مجلة «فورين أفيرز» الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي جمع كل ما نشرته من مقالات في كتاب إلكتروني عن تنظيم الدولة وفرته للمشتركين بها. ويمكن الحديث في هذا السياق عن فرع في العلوم السياسية والأمنية ودراسات الحروب وأشكال تصرفات الجماعات غير الدول وهو «داعشولوجي» التي تطمح لقراءة الظاهرة من كل جوانبها. ولو أردت أن تعرف حجم ما نشر عنها باللغة الإنكليزية فما عليك إلا أن تفتح مكتبة أمازون الألكترونية لترصد الإنتاجات الصادرة. فمن الكتب التي لقيت اهتماما ما أعده مايكل ويز وحسن حسن «داعش: في داخل جيش الإرهاب» والذي قدما فيه صورة عن جذور الحركة من سجن معسكر بوكا في جنوب العراق وتحالف القاعدة مع ضباط البعث السابقين ودور النظام السوري في تعزيز الظاهرة عندما أطلق سراح المعتقلين الجهاديين في سجن صديانا السوري ليختطفوا الثورة ضده. وقرأ ويليام ماكنتس «قيامة داعش: تاريخ، استراتيجية وفكرة نهاية الزمن للدولة الإسلامية»ونشرت جيسكا سترين «داعش: دولة إرهاب» ودرس تشارلس ليستر «الجهاد السوري: القاعدة، تنظيم الدولة الإسلامية وتطور التمرد» وعبد الباري عطوان «الدولة الإسلامية: الخلافة الرقمية» وجوبي واريك «الرايات السود: صعود تنظيم الدولة الإسلامية» وعدد آخر من الكتب ذات الطابع الصحافي التي تحاول فهم الظاهرة وتقديمها بسرعة للقارئ الغربي المتعطش لمعرفة ما تحمله هذه من مخاطر عليه وجذورها الجهادية. ولم تختف الكتب عن سوريا ومعاناة سكانها فقد أصدر جون ماكهوغو «سوريا: التاريخ القريب» وجمع الصحافي روبرت فيسك مقالاته في «سوريا: الإنزلاق للهاوية: أنطولوجي لا تنسى من التقارير المعاصرة» وأصدرت السورية سمر يزبك «العبور: رحلتي إلى قلب سوريا المهشم».
شرق أوسط حديث
وعلى صعيد آخر صدرت سيرة أول ملكة سعودية «عفت: ملكة عربية» وهي دراسة مستفيضة في حياة زوجة الملك السعودي الراحل قدمها جوزيف كيشيشيان. ودراسة «الإسلام في السعودية» لديفيد كومينس الذي حلل فيه دعائم المملكة القائمة على آل سعود والمؤسسة الدينية والنفط. ولقيت في كتاب «عرابو الإعلام العربي» المشترك الذي تحدث عن رموز صناعة الإعلام العربي من أنطوان شويري وبيير ضاهر ورفيق وسعد الحريري وصالح كامل ووليد الإبراهيم والوليد بن طلال وطارق بن عمار ونجيب ساويروس عن صناع الخبر والصورة وتضارب مصالح المال والسلطة في العالم العربي. وعاد استاذ التاريخ في جامعة اوكسفورد يوجين روغان بكتاب جديد بعد كتابه «العرب» وهو «سقوط الدول العثمانية: الحرب العظمى في الشرق الأوسط 1914-1920» حلل فيه الحرب العظمى في عيون العرب والترك وكيف حول قرار الدولة العلية المشاركة في الحرب لإطالة أمد نزاع بدأ محليا وتحول لحرب عظمى، وما تركته الحرب على صورة المنطقة وذاكرة سكانها. بعيدا عن الشرق الأوسط ومشاكله تظل الرواية الجنس الأدبي السائد في الإصدارات البريطانية والأمريكية بشكل عام.
عام هاربر لي
ولعل أهم الأحداث الروائية لعام 2015 والتي حظيت بعناوين الصحف وتعليقات النقاد كان صدور الرواية الجديدة للكاتبة الأمريكية هاربر لي التي أصدرت قبل 55 عاما روايتها الكلاسيكية «أن تقتل عصفورا بريئا» (1960) وكانت رواية عن موت البراءة ففي خلالها يجرح الابطال أو يدمرون (جيم وتوم وروبنسون وديب وبو رادليي ومستر ريموند) من خلال اتصالهم بالشر، رغم أنهم بريئون. والرواية في تفاصيلها عن طفولتها ومشاهدتها للعنصرية في بلدتها مونروفيل بولاية ألاباما. وفي شباط/ فبراير 2015 أعلن عن العثور على نسخة قديمة لرواية غير مكتملة وصدرت في تموز/ يوليو تحت عنوان «فلتعين لنفسك حارسا» وهو عنوان مأخوذ من كتاب النبي أشعيا في الإنجيل. وصدر الكتاب وسط الكثير من التكهنات والجدل والبحث عن المقصد وإن كان جيدا ليكون تتمة لرواية كلاسيكية احلت كاتبتها محلا مهما في «القانون» الروائي الأمريكي والعالمي. ومع ذلك لقي الكتاب الاحتفاء الذي يستحقه من المعجبين بكتابات هاربر لي. ويبدو أن الكاتبة رضيت عنها وهي التي رفضت تقديم مقابلات أو تصريحات إعلامية طوال حياتها بعد المفاجأة التي حققتها روايتها الأولى والأخيرة.
ولم يكن كتابها الوحيد الذي كان حدث العالم فتيري براتشيت الذي كان يعاني من الأعراض الأولى لمرض الزهايمر أكمل روايته «تاج الراعي» قبل وفاته وهي نهاية لكاتب اهتم بالفتنازيا وانشغل بموضوع الأبدية والأخلاق. ومن الأحداث الروائية كانت رواية الفرنسي المثير للجدل الذي يستهدف الإسلام ميشيل هولبيك «إذعان/ إسلام» والتي تخيل فيها حكومة إسلامية في فرنسا وتزامن نشرها في فرنسا مع الهجمات على المجلة الساخرة «تشارلي إبيدو» في كانون الثاني/يناير.
ولم يختلف عام 2015 عن الذي سبقه من ناحية الزخم الروائي والإصدارات فقد أصدرت الأسماء المعروفة في الرواية البريطانية أعمالا جديدة فنشر كازو إيشيجورو «العملاق المدفون» وهي أول رواية له منذ عقد، ورغم كونها رواية فتنازية وعن الأسطورة إلا أن في ثناياها اهتماما بالتاريخ والذاكرة والحب والحرب. كما وأصدرت بات باركر الجزء الأخير من ثلاثيتها عن الحرب من وجهة نظر انثوية/ إمرأة تحت عنوان «الظهيرة». وأعاد سلمان رشدي تشكيل ليالي ألف ليلة وليلة في رواية تحمل قدر الأيام والليالي في «الليالي العربية» كما تعرف بالغرب وروايته تطمح لإعادة فكر الفيلسوف العربي إبن رشد ودنيا الجنية التي يعود أحفادهما بعد ألف عام لمواجه الحرب ضد جني الظلام وتدوم «عامان 8 أشهر و 28 يوما» وهو اسم الرواية ومجموعها يساوي مجموع «1001 ليلة».
كما أتم أميتاف غوش ثلاثيته عن تجارة حرب الأفيون في القرن التاسع عشر بالجزء الأخير «فيضان النار». وأصدر ميلان كونديرا «مهرجان التفاهة» أما الإيطالي إمبرتو إيكو مؤلف «اسم الوردة» و «مقبرة براغ» فأصدر رواية «نيوميرو زيرو»، وأصدرت الكندية مارغريت أتوود «القلب يمضي أخيرا». وحظيت رواية أن إنرايت الأولى «الطريق الأخضر» بعناية خاصة وتتحدث عن طفولتها الأيرلندية. وفي مجال الجوائز الأدبية نال الكاتب الجمايكي مارلون جيمس جائزة بوكر البريطانية التي تعتبر من أرفع الجوائز الأدبية وينال صاحبها 50.000 جنيه استرليني وذلك عن كتابه المثير حول محاولة اغتيال المغني الريغا بوب مارلي ومنها يقص جيمس لنا حكاية جامايكا وتاريخها في «تاريخ مختصر لسبع جرائم قتل».
سير ذاتية
ومن السير الذاتية قدم روبرت دوغلاس ـ فيرهيرست قراءة جديدة لحياة أليس في بلاد العجائب «قصة أليس». وعن عالم شكسبير كتاب «1606: ويليام شكسبير وعام لير» لجيمس شابيرو حيث استخدم الأسلوب نفسه الذي استخدمه في كتابه السابق «1599» وحفر في السياق التاريخي والاجتماعي الذي قدم لشكسبير الأرضية لكتابة مسرحيته المهمة «الملك لير». وحظيت سيرة المعتقل الموريتاني في غوانتانامو محمد ولد صالحي «يوميات غوانتانامو» ومن الصعب قراءتها دون الشعور بالألم والغضب. وهي قصة عن العصامية والصمود ضد الطغيان والظروف القاسية. علم صالحي نفسه الإنكليزية من خلال السماع لسجانيه وكتب رواية مدمرة عن الحياة في «جهنم» وستتعاطف معه أكثر عندما تعرف أنه لم يدن أو يوجه له أي اتهام.
سياسة
وفي السياسة البريطانية، حظي كتاب «كاميرون في 10 داوننينع ستريت» وكتبه كل من أنطوني شيلدون وبيتر سنودون عن حياة حزب المحافظين في الحكم. ولكن الكتاب الفضائحي الذي كشف فيه مايكل أشكروفت وإيزابيل أوكوشوت عن حياة كاميرون الجامعية وقصفه ورقصه ووضع شيئه في فم خنزير ميت جعل من «نادني بديف» حدثا فضائحيا مهما خاصة لصحف «التابلويد». وفي اتجاه آخر أصدر المؤرخ نيل فيرغسون كتابا عن حياة هنري كيسنجر «كيسنجر، 1923- 1968: المثالي». ونشر وزير الخارجية السابق نفسه كتابا مهما «النظام العالمي: تأملات في شخصية الأمم ومسار التاريخ» الذي حلل فيه مخاطر انهيار الدول وخريطة الخطر الجهادي وأسباب فشل الربيع العربي لنقص القيادة وقاعدة الدعم.
كتب مصورة
ومن الكتب المصورة الكتاب الصادر بالفرنسية ودخل قائمة أكثر الكتب مبيعا في فرنسا وصدر بالإنكليزية في تشرين الأول/ أكتوبر بعنوان «عرب المستقبل» لرياض سطوف، السوري ـ الفرنسي الذي قضى شطرا من حياته في سوريا وليبيا وذلك في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وبدأت قصة رياض عندما أنهى والده شهادة الدكتوراه و»كان بإمكانه العمل في أي مكان ولكنه اختار الذهاب إلى ليبيا والعمل في ظل نظام الرجل القوي بدلا من السفر إلى أوكسفورد» كما يقول الكاتب. وكتابه عن الطفولة في ظل الديكتاتوريات وخيارات الأب التي كانت رهيبة بدون أن يعرف الولد أنها كذلك. ومن الكتب الفوتوغرافية والتي توثق تاريخ مصر في المرحلة الأخيرة صور ماثيو كونورز البروفسور ومدير دائرة التصوير في كلية ماساشوسيتس ببوسطن «نار في القاهرة» ويجمع فيه بين الريبورتاح والإمساك بحس التحولات، صور لشبان بالأقنعة وصور للشوارع وليزر وخيام اعتصام وبنايات مدمرة. وكما بدأ العام بحروب داعش انتهى بحروب من نوع آخر.
حرب النجوم
فقد جمع العام أمتعته وحملها ببدء عروض «فيلم حرب النجوم» الذي حطم الأرقام القياسية في الأسبوع الأول من بداية العرض وحقق مبيعات تذاكر في أمريكا وكندا وحول العالم بحوالي 4 مليارات دولار. وحولت هوليوود المناسبة إلى صناعة، ملابس وألعاب وأزياء وأيس كريم وكتب. ومن الكتب المهمة الصادرة في عن السلسلة التي باع حقوقها المخرج جورج لوكاس لهوليوود كتاب «حرب النجوم: كل شيء تريد معرفته». وكان عام 2015 هو عام جيمس بوند، وفيلمه الأخير «سبكتر» وصدرت عدة كتب عن السلسلة منها «جيمس بوند وسياراته». وما دمنا في عالم السينما فلا بد من الإشارة إلى كتاب «وودي آلن: فيلم بعد فيلم» للكاتب جيسون سولمونوز وكتاب «ماغي سميث» الممثلة البريطانية المعروفة لمايكل كوفني الذي لم يتورع عن الدخول في تفاصيل حياتها وكونها شخص يصعب التعاون والتعامل معه.
عربيا
فقد «القانون» الأدبي العرب عددا من رموزه الأدبية من إدوارد الخراط صاحب «رامة والتنين» والأكاديمية والكاتبة رضوى عاشور صاحبة «ثلاثية غرناطة» عن الأيام الأخيرة للعرب في الأندلس، ورحل الشاعر اللبناني أنسي الحاج صاحب «لن» وريادة الحداثة في قصيدة النثر وسعيد عقل الشاعر الذي تحول من العروبة للطائفية الضيقة. ورحل عبدالرحمن الأبنودي، شاعر العامية الأشهر والأكاديمية ورائدة الكتابة النسوية الإسلامية فاطمة المرنيسي صاحبة «الإسلام والديمقراطية» و»ملكات الإسلام المنسيات» و «ما وراء الحجاب» وغيرها. ولكن الثقافة العربية احتفلت بعاصمتها هذا العام وهي قسنطينة الجزائرية. ومنحت بوكر العربية جائزتها للتونسي شكري المبخوت «الطلياني». وحصل الكاتب المغربي محمد نور أفاية على جائزة مؤسسة الفكر العربي لـ «أفضل كتاب عربي» عن كتابه «النقد الفلسفي المعاصر: مصادره الغربية وتجلياته العربية». وعموما هذه لا تغطي كامل ما جرى على الساحة العربية لكنها صورة عن نشاط ثقافي ومهرجانات. ولا بد من ذكر مهرجان لندن للكتاب الذي نظم 14-16 نيسان/ إبريل واحتفى بالثقافة المكسيكية وكان معرضا ضخما شاركت فيه دور نشر من كل أنحاء العالم وتجمعت تحت سقف ساحة المعارض في اوليمبيا- لندن.