كما وعدنا القراء في العدد الماضي، قمنا بعملية تحديث وتطوير شاملة للكلمة كي تواكب تطورات العالم الرقمي المتسارعة. فحينما فكرت في إطلاق مشروع (الكلمة) في النصف الأخير من عام 2006 كان عدد مستخدمي الشبكة الرقمية العالمية في العالم العربي من المحيط إلى الخليج لا يتجاوز الستة ملايين مستخدم. وكانت الوسيلة الوحيدة للاتصال بتلك الشبكة الرقمية العالمية هي الكومبيوتر. وهو الأمر الذي تغير تغييرات جذرية وواسعة طوال السنوات التسع التي انصرمت منذ إطلاق (الكلمة) على الشبكة الرقمية مطلع عام 2007. فأصبح الآن عدد مستخدمي تلك الشبكة في العالم العربي أكثر من عشرة أضعاف مستخدميها حينما انطلقتت (الكلمة). كما استطاعت المجلة في الفترة نفسها أن تستقطب اهتمام الكثيرين من مستخدمي الشبكة الرقمية العالمية خارج العالم العربي، فلم تبق بقعة في كوكبنا الأرضي من أقصى شماله في كندا واسكندينافيا وروسيا، إلى أقصى جنوبه في استراليا ونيوزيلندا حتى استقطبت (الكلمة) فيها قراء ومتابعين.
لكن التغير الأهم الذي حتم علينا الاستثمار في تطويرها وتحديث موقعها قد جرى في السنوات الخمس الأخيرة؛ حينما تجاوز عدد من يستخدمون الشبكة الرقمية من خلال أدوات جديدة كالأجهزة اللوحية والتليفونات الذكية عدد من يستخدمونها من خلال الكومبيوتر. وكان التجهيز الالكتروني لموقع (الكلمة) عند انطلاقها عام 2007 مصمم من أجل مستخدمي الكومبيوتر وبرامج تصفحه المختلفة. وهو الأمر الذي انتابته ثورة واسعة منذ اختراع الأجهزة اللوحية والتليفونات الذكية ودخول أدوات جديدة وأجهزة مختلفة للتصفح لم يكن لها وجود عند إنشاء موقع (الكلمة) وتجهيز أسلوب برمجتها. وخلال هذه الفترة التي جرت فيها كل هذه التطورات كان قراء (الكلمة) يتزايدون باطراد، وتجاوز عددهم نصف الميلون في كل عدد. وترافق وفود جيل جديد من القراء من مستخدمي الأجهزة اللوحية والتليفونات الذكية؛ مع تغيير شركات المعلومات الكبرى من «جوجول» و«ميكروسوفت» لبرامج التصفح التي تخلى بعضها عن دعم التقنيات القديمة التي كانت تنهض عليها برمجة (الكلمة). وبدأنا نتلقى الكثير من الشكاوي من القراء الذين يتابعون (الكلمة) ولا يستطيعون تصفحها على البرامج الجديدة.
ومع أن ازدياد تدفق تلك الشكاوى، لم يتقلص معه عدد قراء (الكلمة) كل شهر؛ فإن حرصنا على تنامي عدد القراء، وعلى مواكبة (الكلمة) لما ينتاب عالم الشبكة الرقمية من تغييرات، حتم علينا ضرورة تطويرها. وهو الأمر الذي تطلب استثمارا لا بأس به في عملية التطوير تلك وتكاليفها. في وقت واصلت فيه (الكلمة) الصدور دون أي دعم مادي، وبجهود محرريها التطوعية وإيمانهم برسالتها، وحرصهم على استقلال منبرهم الثقافي، والحفاظ على موعده الشهري مع القراء والكتاب على السواء. في وقت يتنامى فيه احتواء المؤسسات العربية المختلفة للمثقفين، وإخصائهم، والإجهاز على دورهم النقدي والضميري. وقت يتزايد فيه كلاب الحراسة، ويتناقص فيه حراس الكلمة ورافعي راية الضمير الأخلاقي والقيم الإنسانية النبيلة. لكن (الكلمة) لم تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه، كما يقول الإمام علي كرم الله وجهه، وإنما حرصت منذ بداية انطلاقها على الاستقلال الثقافي. وكان لديها وعي راسخ بأن الاستقلال الثقافي لا يتحقق دون استقلال اقتصادي. وهو الأمر الذي دفعها من البداية للتفكير في إطلاق الأرشيف الرقمي للدوريات العربية، واتاحته بالاشتراك للجامعات والمؤسسات الثقافية ليتكفل بتمويلها وتحقيق استقلالها الاقتصادي والثقافي على السواء. لكن (الكلمة) رُزِأت بعدما بدأ الأرشيف في التكون، طوال السنوات الثلاث الأولى من عمرها، بمحتال كويتي سرق أرشيفها، وحرمها من مصدر تمويلها واستمرارها المحتملين. لكني حرصت، وبدعم من أسرة تحرير (الكلمة) ما كان ممكنا الاستمرار بدونه، على مواصلة مسيرتها واستقلالها معا.
وقد برهنت (الكلمة)، شكرا لكل فرد في أسرة تحريرها الصغيرة على حدة، أن باستطاعة مشروع ثقافي مستقل الاستمرار في زمن عربي يزداد رداءة، برغم طاقة الأمل الصغيرة التي انبثقت مع الربيع العربي؛ وإن سارعت الثورة المضادة لسد الأفق أمامها؛ في كل بلد بطريقة خبيثة ومراوغة. وها هي (الكلمة) برغم كل الأنواء التي تحيط بها، وبرغم ما تتعرض له من حروب، تواصل مسيرتها مع عامها العاشر، وتقوم منذ هذا العدد بتجديد موقعها، وتحديث آليات البرمجة والاستخدام فيه، مما يجعلها متاحة بيسر على أجهزة التصفح الجديدة. وقد بدأت مع هذا التجديد إتاحة موقعها لإعلان من خلال مؤسسة «جوجول» أو أي إعلان/ إشهار قد يفد إليها ويساهم في الوفاء ببعض تكاليف البرمجة، أو الوجود مدفوع الأجر على سيرفير رقمي دولي، ناهيك عن العمل في عملية النشر فيها.
كما أنها تسعى بعد تلك السنوات من الصمود دون أي دعم مادي من أي جهة كانت، لفتح باب التبرع الفردي غير المشروط لها، لسد تكاليف البرمجة واستئجار «السيرفير» وغير ذلك من التكاليف التي تحملتها (الكلمة) وحدها طوال مسيرتها التي ردت للقراء الثقة في استقلال الرأي ونبل القيم وأهمية الضمير النقدي. وقد فكرنا في أن نقفل أرشيف الأعداد القديمة من (الكلمة) وأن نجعل قراءة أعداده باشتراك محدود، ولكننا تراجعنا عن هذه الفكرة وتركنا الأمر للقراء ومن يقدرون أهمية مشروعها التنويري لدعمها كل بقدر طاقته، حتى ولو كان بحفنة قليلة من النقود. وإننا إذ ندعو القراء في كل مكان إلى الالتفاف حول مشروعهم ذاك، ودعمه بقدر ما يستطيعون من تبرعات، ومن لا يستطيع التبرع المادي، فلينقر أقصى عدد ممكن من النقرات على إعلانات «جوجول» حتى نبلغ الحد الأدنى من النقرات التي تتيح لـ«جوجول» أن تدفع لنا عن تلك الإعلانات.