-"الحياة التي كانت شريحة لحم وعطر صارت أصعب من إزالة طلاء الأظافر
كعادته لم يفهم شيئا ...
وكعادتها واصلت حديثها دون أيّ اهتمام بذهوله:
-"أريد أحمر شفاه كي أكتب على مرآة الحمّام وصيّتي الأخيرة قبل أن أغطس في البانيو بكلّ طقوس الحياة"
وضعت طرف إصبعها في فنجان القهوة كي تستوعب رائحة البنّ المجنون بسمرته وقلّبت عينيها في جريدة
لا تعرف أخبار الدنيا وما صدقت أفلاكها يوما ...
عندما عاد في المساء لم يحضر شيئا فهو يحبّ شفتيها عاريتين كحبّة كرز تلمع تحت الشمس.
اكتفى بتعليق معطفه في الشّمّاعة المحاذية للباب في حين ألقى قبّعته الرّماديّة بعفويّة على مكتبه المكتظّ بالرّوايات.
أعجبه المشهد العفويّ أسرع بإحضار الكاميرا وصوّر مكتبه من كلّ الزّوايا محتفيا بقبّعته الإنجليزية.
بعد ذلك أسرع إلى لوحة ينقرها فتتقلّص الدّنيا في حجم عينيه. أضاف الصّور إلى صفحته "الفايسبوكيّة"
وظلّ ينتظر تعاليق "الأصدقاء"...
أمّا هي فكانت تمشط شعرها في هدوء.
حين انتهت من تصفيفه فتحت زرّ قميصها الخمريّ كاشفة عن فتحة صدرها.
وضعت قليلا من الكريم المرطب على عنقها و صدرها فاكتسبا بعض اللمعان وتعطّر الهواء...
رشّت قليلا من العطر خلف أذنيها ...
قرّبت وجهها من المرآة وهي تضع قرطها الذّهبيّ، تمعنت في ملامحها، قرّرت أن تضيف بعض اللّون و الكثافة لحاجبيها بقلم بنّي.
هكذا اكتملت إطلالتها ولا ينقصها الآن إلاّ أحمر الشّفاه.
عضّت شفتيها كي يكتسبا بعض الحمرة.
اتجهت إلى المكتب فوجدته كعادته غارقا في صفحته الفايسبوكية حيث ينتهي العالم في جهاز محفوف بكومة من الروايات.
-"أين أحمر الشفاه؟"
واصل النقر على اللّوحة السوداء ثمّ اتجه إليها مبتسماً وفي حركة خاطفة تشبه خطوة من خطوات التانغو أسندها إلى الحائط ضاغطاً بيده على صدرها مبللا شفتيها بلسانه قائلا بنفس من جمر :
-" أنا أحمر الشفاه"
... بهدوء أفلتت منه ...
سوّت قميصها الخمريّ. أغلقت الزرّ الأوّل. واتّجهت إلى الثّلاّجة سكبت كأسا من الفودكا و ظلّت تترشّفه في شرفة لم تنتم يوما إلى منزلها.
اتّجهت إلى الحمّام كتبت بقلم حمرة ورديّ على مرآته:
"الحياة ليست رواية نقرأها أو نكتبها ... الحياة رواية نعيشها .."
ونامت في البانيو بينما ظلّ يتابع تعليقات الأصدقاء حول قبّعته الرماديّة وكومة الرّوايات المستلقية بعهر على مكتبه.